لغتنا والمرض والعلاج

الاحتلال اللغوي في الوطن العربي :
تعرّضت اللغة العربية منذ قرون عدّة إلى هجمات شرسة ومؤامرات كثيرة للنيل منها وبالتالي النيل من أصحابها ودينهم وثقافتهم وهويتهم، وفي عصرنا الحالي وصل استهداف اللغة العربية أشرس مراحله مع ظهور "الإنترنت" والقنوات الفضائية الهدّامة، وفي ظل هيمنة ثقافية غربية تقوم عليها جهات تعمل جاهدة على نشر ثقافتها من خلال لغتها بالوسائل كافة.

إن أول أعمال الاحتلال أيّ احتلال هو العمل على تحطيم اللغة ومحاربتها بطرق شتّى، وهذا ما قام به المحتل...

في هذا الزمن الذي يتسابق فيه الوعاظ والأئمة وأهل الفتوى لكي يحظوا بجمهور من التابعين يعادل حظوتهم بالمعرفة الدينية، ألاحظ أنّ سيد المواقف في مجال الدعوة والإرشاد والخطاب الديني يبقى التكرار والمعاودة والإعادة وسائر أشكال الرتابة.

والرتابة التي ابتُلي بها "الإيقاظ الديني" إن صحّ التعبير مُفسدٌ لا فقط للصحة الدينية للفرد والمجموعة والمجتمع، ممّا أدى إلى بروز ظواهر مثل التحجر الفكري والعنف بشتى أنواعه والإرهاب، بل مُفسدٌ حتّى لِلغة التي في حوزة المسلمين عموما، وللغة العربية على وجه...

عاد الغائب منذ سنوات معدودات يتلكأ مفردات اللغة ويحيل الحاء خاءً والسين شيناً ويضرب بما تكلّفه المرحوم الدؤلي والفراهيدي - وكل مراحيم اللغة - الحائط والسقف، عاد يحمل على لسانه عقدة من عقد الزمان الجديد فقد غادر الى هناك معقداً متخلفاً وعاد وقد فكّت كل عقده بتعويذة غربية يكاد شرارها يتقد بغير نار...

عاد الفتى الأمرد الذي قضى من السنين ما يجاوز العشرين يقارع لسانه الضاد، عاد وقد أصابه بقدرة قادر فقدان ذاكرة جزئي أصاب مَواطن اللغة في المخيخ ولم يصب غيرها! فغلبته الهاي والأوكي وبنات عمتها...

في شهر جانفي (يناير) من عام 1991 لمّا ضربت قوى تحالف الثلاثين بلد العراق الشقيق وشعبه، صعُب عليّ تصوّر العقد ونصف العقد من الزمن المتبقي الذي سأقضيه في تدريس اللغة الانكليزية للشباب العربي. وكان أضعف الإيمان أن توقفتُ عن استعمال اللغة الفرنسية في كتابة القليل الذي كنتُ أكتبُه من مقالات، واكتفيتُ بالعربية. ولم أندم على ذلك لأنّ الأيام والأعوام ستبيّن لي ما لم أفهمه على التوّ من حيثيات مُحيطة بموقفي ذلك.

لم أكن حينئذ مُلمّا بصفة دقيقة بالدوافع في حقيقتها التي آلت إلى أن أتخذ مثل ذلك...

في ما يلي مقطعٌ مُترجَم ممّا يشبه صفحة من كتاب الانكليزية للمبتدئين:

مُتكلم 1: أنا اسمي عبد الله. ما اسمكِ لو تسمحين؟

مُتكلم 2: مرحبا عبد الله. أنا اسمي فاطمة.

متكلم 1: أهلاً فاطمة. أنا سعيد بمعرفتك.

متكلم 2: أنا سعيدة بمعرفتك أيضاً.

هذا التبادل البسيط للمعلومات بين متكلمين اثنين قد يكون مُدرَجاً في مناهج التعليم المعمول بها و فاتحة الدرس الأول في الانكليزية لمتعلّم غير ناطق بها. ولمّا كان اهتمامي بالمتعلم العربي دون سواه وخصوصاً...

تبعني أحد الطلاب بعد القائي المحاضرة الأولى من محاضرات «نحو2» في جامعة الكويت واستوقفني بلهفة ثم قال: «أريد ان أقول لك شيئا...إني لا أحب ولا أفهم ولن أفهم الإعراب ولا النحو»..طلبت منه التوقف عن الكلام فورا لمعرفتي بهدفه وغايته لأن كلام هذا الطالب نموذج يتكرر في كل فصل جامعي، وقلت له: اسمع..أبعد هذه الوساوس عنك..إياك ان تزرعها في نفسك..أنت طالب كالبقية تستطيع فهم النحو بيسر وسهولة، ولكن أطلب منك شيئا..هو ان تحضر مبكراً وتجلس بقلب واع ونفس مختلفة، وتركز فيما يقال في المحاضرة، إن حاولت أن تفهم...

المغرب لا يعيش أزمة لغة واحدة، بل يواجه «أزمة لغات». فهو يتخبط في أزمة العربية الفصحى، وأزمة الأمازيغية (أو الأمازيغيات)، وأزمة الدارجة (العربية المغربية)، وأزمة اللغة الأجنبية (أو اللغات الأجنبية). إنه يعيش أزمة مركبة و/أو معقدة. والبحث عن معالجة سليمة لهذه الأزمة المركبة و/أو المعقدة لا يمكن أن يتم دون أن يؤخذ بعين الاعتبار هذا «المركب» اللغوي.

وهذه الأزمة ليست نتيجة للتعدد والتنوع اللغويين في المغرب، وإنما هي نتيجة لنوع من التدبير اللغوي السلبي. فالتعدد أو التنوع معطى لغوي يوجد في...

نحن لم نبتعد عن ديننا لأننا لا نُشهد أو لا نصلي أو لا نزكي أو لا نصوم أو لا نحج، بل لأننا لم نتعلم في العصر الحديث أنّ تلك الأركان مفاتيحٌ لأبواب العلم، وهي على ذمتنا كلما انحرفنا عن سواء السبيل لكي نستوي من جديد، وكلما انفصلنا عن "العروة الوثقى" لكي نستمسك بها من جديد، وكلما أفسدْنا ما بعقيدة التوحيد لكي نصححها في القلب وفي العقل قبل أن نمارسها في العلم وفي العمل.

وهذا الابتعاد المنهجي، إن صح التعبير، عن الدين، يخدم دون أدنى شك لفائدة مزيد من التعثر في حركات الإنماء والتقدم في...

عندما وجدت صفحة كاملة فى الجريدة اليومية شبه الرسمية، مخصصة لإعلان شركة من شركات التليفونات والاتصالات وفيها الإعلان التالى: «اتكلم زى ما انت عايز»، شعرت بغضب شديد، وكأن أحدا وجه إلىَّ إهانة شخصية كما شعرت بمرارة إذ ذكرنى الإعلان بما أصبحت أراه يوميا من استهتار باللغة العربية.

ما أكثر ما أصبحت أصادفه من أمثلة لإدخال حرف الباء على الأفعال، إذ يكتب الفعل (بنشرب) بدلا من (نشرب)، واستخدام الهاء أو الحاء بدلا من حرف السين للتعبير عن المستقبل، أى (حانشرب) أو (هانشرب) بدلا من (سنشرب) أو (سوف...

لي صاحب لما يبلغ السابعة من عمره، يحلو له أن يكلمني بالفصحى، سواء لقيني وجهاً لوجه، أو خاطبني بالهاتف.
يشدو بها كما تشدو العصافير، فتخرج من فيه غضة طرية، لا تكلف فيها ولا عسر، ولا لحن فيها ولا خطأ، بل تجري على لسانه سليقة فطرية على نحو ما قال الشاعر:
                             ولست بنحويٍّ يلوك لسانَهُ       ولكنْ سليقيٌّ يقولُ فيعربُ
فهو يعرب كلماته، أي يعطي كلّاً منها حركته المناسبة، ضمة كانت أو فتحة أو كسرة، دون أن يعلم شيئاً عن فن الإعراب، ودون أن يدرس شيئاً من دروس...