تبعني أحد الطلاب بعد القائي المحاضرة الأولى من محاضرات «نحو2» في جامعة الكويت واستوقفني بلهفة ثم قال: «أريد ان أقول لك شيئا...إني لا أحب ولا أفهم ولن أفهم الإعراب ولا النحو»..طلبت منه التوقف عن الكلام فورا لمعرفتي بهدفه وغايته لأن كلام هذا الطالب نموذج يتكرر في كل فصل جامعي، وقلت له: اسمع..أبعد هذه الوساوس عنك..إياك ان تزرعها في نفسك..أنت طالب كالبقية تستطيع فهم النحو بيسر وسهولة، ولكن أطلب منك شيئا..هو ان تحضر مبكراً وتجلس بقلب واع ونفس مختلفة، وتركز فيما يقال في المحاضرة، إن حاولت أن تفهم، فإنك ستنال ذلك، ثم حدد الأمور التي فاتك استيعابها واسأل عنها في نهاية المحاضرة.
لا شك أن اللغات بأنواعها تختلف عن باقي العلوم، لأنها تتطلب التأسيس المبكر، وأظن القارئ الكريم يدرك المعاناة التي يواجهها المجتمع العربي في تعلم اللغات الأجنبية، وكذلك المعاناة اللغوية التي تنتظر طلبة المدارس الأجنبية إذا وصلوا الى الجامعة، لكن لنتساءل: هل نستطيع أن نتدارك هفواتنا اللغوية وما فاتنا من تعلم صحيح للغتنا العربية أو للغات الأجنبية، وألا نرى ذلك في أبنائنا؟ نعم، كنت في مطار بيروت قبل أكثر من شهر، وهناك رأيت منظرا أثار اهتمامي، امرأة أجنبية جالسة في مقاعد المكان المخصص للانتظار الطويل بعد تأخر «الكويتية»!! هذه المرأة تمسك بيدها كتابا صغيرا وقد جعلها تركيزها في القراءة في واد بعيد جدا عن المسافرين الآخرين الذين أخذوا يتابعون الفيلم المعروض في شاشات المطار أو يتبادلون الأحاديث المتنوعة.
ليس هذا محور الحديث، فالانهماك في القراءة في وقت الفراغ عادة يمتاز بها الغربيون عن غيرهم، لكن الذي أثار اهتمامي وقتها هو ابنها الذي لا يتجاوز السنوات العشر حيث يجلس بجانبها وهو يمسك كتابا أصغر قليلا من كتاب أمه، ويقرأ منه كما يقرأ الكبار، ولا يكلم أحدهما الآخر إلى ان دخلا الطائرة..نظرت الى كتاب الصغير فلم أجد فيه رسومات ولا ألواناً، إنما كان كتابا علميا جادا..وهذا الأمر كان أكثر اثارة بالنسبة لي.ولكن السؤال الآن: لم يعزف أبناؤنا عن القراءة وهناك آخرون من أترابهم في هذا العالم يشغلون أوقات فراغهم بها؟! يقول أستاذ التعليم العالي بجامعة السلطان المولى إسماعيل بالمغرب الدكتور عبدالنبي الدكير: «لا شك ان انصراف القوم الى التوافه والمبالغة فيها بقوة صرفهم عن المطالعة والقراءة، فاستخفت الهمم، فرضيت بالذي هو أدنى، ورغبت عن حفظ النصوص الأدبية الرفيعة، أياً كانت: قرآنية أم حديثية، شعرية أم نثرية، خطباً أم أمثالاً، فان قلباً لم يمتلئ بالنصوص القوية يهوي بلسان صاحبه الى هاوية العيِّ والعجمة والرطانة، لأن اللغة ملكة بالفطرة، ويصار اليها أيضاً بكثرة الممارسة والمزاولة».
لنعترف معاً ان مناهج التعليم النظامية في المدارس والمعاهد والجامعات فيما يخص تعليم اللغة العربية وغيرها من اللغات هي غير كافية لأصحاب الطموحات العالية، اذ لابد من بذل جهد اضافي في التحصيل العلمي والمعرفي.
إن التأسيس اللغوي الصحيح والمبكر للأبناء والبنات في سن التمييز أمر مهم للغاية، فاذا أردت ان يجيد ابنك اللغة العربية وألا ينفر منها مستقبلا، فحببه بالقراءة عمليا، أو أشركه في دورات متخصصة في تعليم اللغة العربية وتحبيب القراءة والكتابة قبل ان يفوت الوقت، واذا أردت ان يعرف لغات أخرى كالانجليزية أو الفرنسية..الخ، بما يتناسب وطموحه المستقبلي، فلا تتردد في ادخاله برامج متنوعة في هذا الشأن، ولكن بعد تمكنه من العربية! ولعل مركز خدمة المجتمع في جامعة الكويت يسهم في ذلك اسهاما كبيرا، وكذلك برنامج التأسيس اللغوي المبكر للنشء فيما يخص اللغة العربية في مركز رموز للاستشارات اللغوية، ولابد ان هناك معاهد ومراكز أخرى تعمل من أجل التنشئة اللغوية الصحيحة، ولكن نحتاج الى المبادرة قبل فوات الأوان!!
--------------------------
الوطن الكويتية :
http://alwatan.kuwait.tt/ArticleDetails.aspx?Id=58217&WriterId=87