في التعريب وَ المعرَّب بتحقيق الدكتور إبراهيم السامرائي ـــ صلاح الدين الزعبلاوي
وهو المعروف بـ "حاشية ابن بريّ على كتاب "المعرَّب" لابن الجواليقي
-3-
وجاء في الكتاب (ص/ 22):
وذكر أبو حاتم: أن الحاء في (الحب) بدل من [الخاء في](1) (الخُب) وأصله (خنب)(2) وهذا لم يذكره النحويون، وليس يمتنع، ومثله (الحرباء)(3).
1-قال المحقق: سقط من الأصل [الخاء في] أو أن المؤلف قد سها فلم يوضح العبارة.
-أقول: الخطأ خطأ الناسخ فقد جاء في المزهر (1/162- سنة 1325هـ): (وذكر أبو حاتم أن الحاء في الحب بدل من الخاء، وأصله في الفارسية: خُب).
2-قال المحقق: وهذا يعني أن العرب عرّبوا (خُنب) فقالوا (خُبّ). انظر اللسان (حبب).
-أقول في المعرب: ذهب أبو حاتم إلى أن (الحب) أصله (الخنب). وشرح ذلك صاحب التقريب، فقال (ص/ 85): (الحب بالضم الخابية، وهو فارسي معرب، ويجمع على حباب وحببة كعنبة. وأصل الحب خنب بالخاء المضمومة والنون الساكنة، فأبدلت فيه الخاء حاء، والنون باء، وأدغمت فيما بعدها).
على أن اسم الجرة على ما جاء في المعجم الذهبي هو (خمب) و (خنبة) و (خم) بضم الخاء فيها. وذهب أدّي شير في الألفاظ الفارسية إلى أن الأصل (خم)، لكنه أضاف في موضع آخر إلى أن (خنبة) لفظ فارسي بمعنى الدن وأنه عرّب إلى (خنبجة)، وأردف أن الفارسية قد أخذت (خنبة) من الآرامية(1)، كما جاء في كتاب (الألفاظ العربية الآرامية الأصل/ 168) لسيغمان فرانكل. فإذا صح هذا كان (خنبه) الفارسي مأخوذاً من السامية آرامية أو عربية.
3-قال المحقق: ذكرها ابن الجواليقي في المعرّب (ص/ 118) فقال: جنس من العَظاء، فارسية معربة وأصلها بالفارسية (خُربا) أي حافظ الشمس.
وأردف المحقق (وقد نقل أدّي شير في كتاب الألفاظ الفارسية المعرّبة: أن مؤلف –برهان قاطع- قد ذهب إلى أنها سريانية الأصل. ورجح أدي شير أن تكون الكلمة من (خُر) بالفارسية، أي الشمس، و (بان) أي حافظ ومترقب. وقد وردت في الأصل بالخاء المعجمة.
-أقول: ما ذكره المحقق هنا جاء على سبيل النسخ لأنه منقول بالحرف من حاشية محقق المعرب الأستاذ أحمد محمد شاكر، وقد أغفل منها قول الأستاذ شاكر (ولكن أيكفي هذا في الجزم بأن كلمة –حرباء- غير عربية)؟.
في الجواب عن ذلك أقول: جعل (المعرب) الأصل الفارسي للحرباء (خُربا) وجعله أدّي شير، في الألفاظ الفارسة المعربة (خُربان)، وتصوره صاحب شفاء الغليل (حوربا) بالحاء. وليس في المعجم الذهبي ما يشير إلى أن للحرباء بالفارسية اسماً من هذه الأسماء المقدرة. وذكر النيسابوري الميداني في كتابه (السامي/ 283) الحرباء، وذكر اسمها الفارسي، وهو لا يمت إلى ما تقدم بصلة. فإذا ما أخذنا بما أورده صاحب البرهان القاطع من أن الكلمة سريانية الأصل، قوي لدينا أن اللفظ سامي: سرياني وعربي. وجاء في الصحاح (والحرباء أكبر من العظاء شيئاً، يستقبل الشمس ويدور معها كيف دارت.. والجمع الحرابي، والأنثى حرباءة، وأرض محربئة ذات حرباء).
فلم يشر في كلامه إلى عجمة اللفظ. وقد أراد الراغب صاحب المفردات أن يشير إلى أصالة اللفظ حين قال: (والحرباء دويبة تتلقى الشمس كأنها تحاربها).
وجاء في الكتاب (ص/ 22 و 23):
قال الشيخ أبو منصور: (باب معرفة العرب في استعمال الأعجمي)(1).
اعلم أنهم كثيراً ما يجترئون على تغيير الأسماء الأعجمية إذا استعملوها فيبدلون الحروف التي ليست من حروفهم إلى أقربها مخرجاً، وربما أبدلوا ما بعد مخرجه أيضاً.
والإبدال لازم لئلا يُدخلوا في كلامهم ما ليس من حروفهم. وربما غيروا البناء من الكلام الفارسي إلى أبنية العرب. وهذا التغيير يكون بإبدال حرف من حرف، أو زيادة حرف، أو نقصان حرف، أو إبدال حركة بحركة، أو إسكان متحرك، أو تحريك ساكن. وربما تركوا الحرف على حاله لم يغيروه.
1-قال المحقق: المعرب (ص/ 6)
-أقول: سقط من الأصل لفظ (مذاهب) ولا بد من إثباته، فالذي جاء في المعرب باب معرفة مذاهب العرب في استعمال الأعجمي)، ذلك في مختلف نسخه المطبوعة.
وقد تشعبت وجوه القول في هذه المذاهب. قال سيبويه في الكتاب (باب ما أعرب من الأعجمي- 2/342): (.. فربما ألحقوه ببناء كلامهم، وربما لم يلحقوه. فأما ما ألحقوه ببناء كلامهم فـ -درهم- ألحقوه ببناء هجرع، وبهرج ألحقوه بسلهب، ودينار ألحقوه بديماس... وربما غيروا الحرف الذي ليس من حروفهم ولم يغيروه عن بنائه في الفارسية نحو فرند وبقَّم وآجرّ وجربُز) فثبت بهذا أن العرب لم يوجبوا إلحاق المعرب بالبناء العربي. وقد أخذ بهذا صاحب المعرب، وخالفه الحريري في درة الغوّاص فاعترض على من جاء بـ (شطرنج) بفتح الشين، وقال(80): (وقياس كلام العرب أن تكسر –أي الشين- لأن من مذهبهم أنه إذا عرب الاسم العجمي رُد إلى ما يستعمل من نظائره في لغتهم وزناً وصيغة، وليس في كلامهم –فعْلَلّ- بفتح الفاء، وإنما المنقول عنهم في هذا الوزن –فِعلَل- بكسر الفاء. فلهذا وجب كسر الشين من الشطرنج ليلحق بوزن –جِردَ حل- وهو الضخم من الإبل).
وجاء في شرح درة الغواص لأحمد شهاب الدين الخفاجي (174): (ولم يذكر فيه ابن السكيت إلا الفتح- فتح الشين. ولهذا قال ابن بري أن أئمة اللغة لم يذكروا فيه إلا فتح الشين، وكذا قال في إصلاح المنطق، فإذا عرفت هذا علمت أن في كلام المصنف –أي الحريري- خللاً من وجوه: الأول أنه أنكر الفتح، وهو المعروف عند أئمة اللغة.
الثاني: أنه زعم أن المعرب لا بد أن يرد إلى نظائره من أوزان العربية، والذي صرح به النحاة خلافه. وفي كتابه سيبويه: الاسم المعرب من كلام العجم ربما ألحقوه بأبنية كلامهم وربما لم يلحقوه..).
وقال ابن السيد البطليوسي في الاقتضاب في شرح أدب الكاتب لابن قتيبة: (وقد رأيت ابن جني قد قال في بعض كلامه: الوجه عندي أن يكسر الشين من –شطرنج- ليكون على مثال –جِردَ حل- وهذا لا وجه له. وإنما كان يجب ما قاله هنا لو كانت العرب تصرّف كل ما تعرّبه من الألفاظ العجمية إلى أمثلة كلامهم. وإذا وجدنا فيما عربوه أشياء كثيرة مخالفة لأوزان كلامهم فلا وجه لهذا الذي ذكره. وقد ورد من ذلك ما لا أحصيه كثرة..).
وجاء في المزهر عن أبي حيان في الارتشاف (1/159 سنة 1325هـ): (الأسماء الأعجمية على ثلاثة أقسام: قسم غيرته العرب وألحقته بكلامها، فحكم أبنيته في اعتبار الأصلي والزائد والوزن حكم أبنية الأسماء العربية الوضع، نحو درهم وبهرج. وقسم غيرته ولم تلحقه بأبنية كلامها فلا يعتبر في القسم الذي قبله نحو آجُرّ وسيسنَبْرَ، وقسم تركوه غير مغيَّر، فما لم يلحقوه بأبنية كلامهم لم يعد منها، وما ألحقوه بها عد منها، مثال الأول.
خراسان لا يثبت به فعالان، ومثال الثاني خُرَّم ألحق بسلَّم، وكُركُم ألحق بقمقم).
وجاء في الكتاب (ص/ 23):
قال ابن برّي: الزيادة مثل (قهرمان)(1) زيد فيه الهاء وأصله (قرمان). والحذف نحو (كرد) وأصله (كردن)(2)، و (بهرج)، قال: (بهره)(3).
1-أقول: لم يقل المحقق شيئاً في (قهرمان). وقد اختلف فيه الباحثون، فقال الجواليقي وابن بري أنه لفظ معرّب زيدت فيه الهاء، والأصل (قرمان)، وذكر سيبويه في الكتاب (2/ 342) أن (القهرمان) معرّب مزيد. على أني لم أجد في المعجم الذهبي (قرمان) بل وجدت به (قهرمان)، فهل اتفق الأصل الفارسي وما عرّب منه، فأبقى العرب اللفظ على حاله. أقول قد أكد ذلك أدّي شير في الألفاظ الفارسية المعربة فذكر أن (قهرمان) مركب من (قهر) وهو عربي و (مان) وهو فارسي ومعناه الصاحب، وذهب إلى أنه بعد التعريب، كما كان قبله، لم يغير فيه شيء. وجاء في (السامي/ 190) للنيسابوري الميداني أن فارسيته (كارفرماي) ومعناه الآمر، وقد جاء هذا في المعجم الذهبي. فإذا صح ذلك فأقرب الوجوه أن يكون الأصل في (قهرمان): (كارمان). فـ (كار) معناه الآمر، و (مان) الصاحب كما قال أدي شير. وهكذا تكون (القاف) قد أبدلت من الكاف، وزيدت الهاء، كما قال الجواليقي وابن بري، أو أبدلت من (المد) على الصحيح.
أما تأويل مجيء (قهرمان) في المعجم الذهبي فهو انتقال اللفظ إلى الفارسية بعد اشتهاره معرباً في العربية، وله نظائر. ويؤيد هذا أن (القاف) دخيل على الفارسية، وكذلك الثاء والحاء والصاد والضاد والطاء والظاء والعين، فكل كلمة فيها حرف من هذه الحروف الثمانية ليست فارسية الأصل (قاموس الفارسية/ 12).
2-أقول: لم يقل المحقق شيئاً في (كرد) بفتح فسكون، وفي أصله خلاف.
فقد ذكر الجواليقي في المعرب أن (الكرْد) معناه العنق وأصله بالفارسية (كَردن) وأشار إلى بيت للفرزدق جاء فيه (الكرد) بهذا المعنى. وأيده ابن بري في أن أصله (كردن) فحذفت منه النون، بالتعريب. وفعل ذلك صاحب الشفاء. و (كردن) بالفارسية العنق ولكن بكاف فارسية، فقد أبدلوا بالتعريب الكاف العربية من الكاف الفارسية وحذفوا النون. وقد روى ابن منظور في اللسان (القرد) بدلاً من (الكرد) وجعل الأصل الفارسي (قردن)، وهو غريب لأن القاف ليست أصلية في الفارسية. ولو جعل الأصل في (القرد): كردن لما بعد ذلك لأنه قد يبدل القاف من الكاف الفارسية.
3-قال المحقق: كذا في الأصل ولعل المراد (ابن الجواليقي) أو أنّ الصواب قالوا.
-أقول ليس القول ما قال المحقق، فالكلام هنا لابن بري وقد أورد مثالين على التعريب بالحذف فقال (والحذف نحو كرد وأصله كردن). والوجه أن يكون تمام الكلام (وبهرج وأصله..). وقد فات المحقق هنا أن يتبين حقيقة الأصل الفارسي لبهرج. فإذا كان ابن بري قد أشار إلى أن العرب خلصوا إلى (بهرج) بعد حذف حرف من أصله الفارسي، فكيف يكون (بهره) هو الأصل؟ وما الحرف المحذوف هنا؟ أقول الصحيح أن الأصل هو (نَبَهْره) بفتحتين فسكون، وأن قول ابن بري في النص هو (وبهرج وأصله: نَبَهْره)، فيكون المحذوف بالتعريب هو النون. فانظر إلى ما جاء في المعرّب: (قال ابن دريد وابن قتيبة: البهرج الباطل، وهو بالفارسية نَبَهْره/ 48). ونحو من ذلك في المزهر (1/170) وفي شفاء الغليل، وفي التقريب، أي أنهم عربوا (نبهره) فحذفوا النون وأبدلوا الجيم من الهاء فقالوا (بهرج). و (نبهره) في المعجم الذهبي معناه الغش، ومعربه (نبهرج)، فاكتفى بإبدال الجيم من الهاء ولم يحذف، كما ذكره الشيرازي في المعيار، وأشار إليه الشفاء فقال (ويقال فيه نبهرج)، كما أشار إليه التقريب إذ قال (درهم بهرج ونبهرج).
وجاء في الكتاب (ص/ 23) أيضاً:
قال ابن بري: (كربج) الجيم(1) فيه بدل الكاف التي بين الجيم والكاف، والجيم من (موزج) بدل من خروجهم لكونها لا تثبت على حال واحد، لأنها في الوقف هاء وفي الأصل تاء(2) ومنهم من يجعل (القاف) بدلاً من الهاء.
-أقول: فات المحقق أن صحة العبارة (كربج الكاف فيه بدل من الكاف التي بين الجيم والكاف) لا (كربج الجيم فيه بدل.) كما أثبته. وإذا صح ما أثبته هنا فكيف أثبت في (ص/ 21): (كربج الكاف فيه بدل..)! والقولان لابن بري. وقصارى الأمر أن الكاف العربية في (كربج) قد أبدلت من الكاف الفارسية التي بين الجيم والكاف، لأن الأصل الفارسي هو (كربه) كما مر، بكاف فارسية، وهذا ما ذهب إليه الجواليقي وابن بري. وجاء في المعرب (ويقال للحانوت كُربج وكُربق بضم فسكون، وهو معرب وأصله بالفارسية كُربه، بضم فسكون). وقد أشرنا قبل إلى أن أدى شير أورد (كربه) بكاف عربية، وكذلك فعل المعجم الذهبي، وفي الفارسية كاف عربية، كما فيها كاف فارسية، فإذا صح هذا سقط إبدال الكاف العربية من الكاف الفارسية، وبقي إبدال الجيم في (كربج) من الهاء في (كربه). أما (كربه) بالكاف الفارسية فمعناه القط.
والطريف أن التحريف هنا في وضع (الجيم) محل (الكاف)، قد جاء نحو منه في كتاب المعرّب. ففي المعرب (ص6): (فمما غيروه من الحروف ما كان بين الجيم والكاف، وربما جعلوه جيماً وربما جعلوه كافاً وربما جعلوه قافاً)، ثم لم يأت إلا بمثال الكاف في (كربج) والقاف في (قربق)، إذ أردف (وقالوا كربج وبعضهم قربق).
فأين مثال ما أبدل من كافه الفارسية جيم؟ أقول جاء ذلك في الصفحة التالية إذ قال (وجورب وأصله كورب)، وكان من حق هذا المثال أن يتقدم المثالين (الكربج والقربق) في نص المعرب، ما دام قد تقدم الكلام على إبدال الجيم، أو يلي هذه المثالين إذا تقدم الكلام على إبدال الكاف والقاف، كما جاء في المزهر (كقولهم كربج الكاف فيه بدل من حرف بين الكاف والجيم، فأبدلوا فيه الكاف أو القاف نحو قربق، أو الجيم نحو جورب). ونحو ذلك ما قاله ابن بري أيضاً (ص/ 21).
2-قال المحقق: قوله خروجهم، أي الحركة من آخر الكلمة، وهي الفتحة الممالة نحو الكسرة والتي يرسم بعدها الهاء كأنها هاء التأنيث. وكلام المؤلف بعد هذا يؤيد ما ذهبنا إليه.
-أقول جاء النص (والجيم من مُوزج بدل من خروجهم لكونها لا تثبت على حال واحد في الوقف هاء وفي الأصل تاء). وقدفات المحقق فيه غير تحريف وتصحيف. فليس ما اعترى الأصل من التشويه بالشيء اليسير، وقد صح فيه قول الجاحظ في كتاب الحيوان حول ما يعرض للكتاب من الإفساد بأيدي النساخ، كما ذكرناه في المقدمة: (ولا يزال الكتاب تتداوله الأيدي الجانية.. حتى يصير غلطاً صرفاً).
وقد وددت لو حاول المحقق أن يستفتي مرجعاً يتبين به دلالة النص ليرمه ويسوي درءه ويرده إلى موضعه من اتصال الكلام، كما وددت أنه لم يأت بحاشية تزيد الأصل إشكالاً حتى يصير إلى إبهام لا يشفع فيه تأويل، والتياث لا ينفع فيه تفسير أو تبيين.
ذلك أنه سقط من الأصل لفظ (الهاء) بعد (بدل). وجاء (خروجهم) مصحفاً، وصوابه (حروفهم) وجاء (وفي الأصل تاء)، وصوابه (وفي الوصل ياء). ثم أسقط المحقق من الأصل (ياء مرة وهمزة مرة أخرى)، فقال: (جاء بعد قوله تاء- وهي ياء- عبارة مقحمة هي: مرة وهمزة أخرى، وليس لها من وجه) فاشتد الغموض بهذا الحذف.
أما صحة العبارة فهي: (والجيم من موزج بدل من الهاء من حروفهم لكونها) أي الهاء (لا تثبت على حال واحد، لأنها في الوقف هاء، وفي الوصل ياء مرة، وهمزة مرة أخرى). وبهذا يتضح الصواب ويستبين فيؤيد بعضه بعضاً ويدعو بعضه إلى بعض.
ودليل ذلك ما جاء به سيبويه في الكتاب (2/342): (ويبدلون مكان آخر الحرف الذي لا يثبت في كلامهم إذا وصلوا –الجيم- وذلك نحو كوسه وموزه. لأن هذه تبدل وتحذف في كلام الفرس، همزة مرة وياء مرة أخرى) فالهاء في مثل (كوسه وموزه) من الفارسية لا تثبت إلا في الوقف، فإذا وصلت كانت ياء مرة وهمزة مرة أخرى.
وأوضح ذلك صاحب التقريب فقال (ص/ 12): (وتسمى عندهم بالهاء الرسمية لأنها ترسم ولا ينطق بها، غير أنها في مثل بنده شاه، بمعنى عبد الملك، يضعون فوق الهاء علامة الهمزة ويلفظون بها ياء، وفي مثل بنده آت، بمعنى عبدك، يزيدون بعدها همزة وينطقون بهذه الهمزة).
وخلاصة الأمر أن (الموزج) بضم الميم وفتح الزاي أصله (مُوزَه) وهو الخف وقد جاء بفتح الأول في (اللسان والقاموس)، كما جاء بضمه في النهاية، والجمع موازجة كما نص عليه المعرب (311). ولا يمنع هذا من جمعه على موازج، على القياس، كما جاء في جمع جورب جوارب وجواربه. وفي الأساس (والنساء يلبسن الموازج والموازجة).
وفي (السامي/140) للميداني النيسابوري (الخفّ الموزج، بفتح الميم، وفارسيته –مُوزه- بضمها، والجمع الموازجة، والهاء للعجمة).
وقد عثرت بعد طول بحث على حاشية بمخطوط المعرب (9012) في المكتبة الظاهرية هذا نصها: (وإنما لزم البدل منها وإن كان الهاء من حروفهم، لكونها لا تثبت على حالة واحدة، لأنها في الوقف هاء، وفي الوصل ياء مرة وهمزة أخرى) ولعل هذه الحاشية هي الأصل الصحيح لكلام ابن بري.
وجاء في الكتاب (ص/ 23 و 24):
قال أبو منصور: ولذلك يقولون (كيلجة وكيلقة و [قيلقة](1). و (جربز) بضم الجيم والباء للكربز(2) (وجورب) وأصله (كورب) و (موزج) وأصله (موزه)(3).
قال ابن بري: القاف(4) (قيلقة) الأولى والثانية بدل من الكاف التي بين الجيم والكاف، وقد تبدل القاف من الهاء نحو سرق(5) ويَلمَق(6).
1-قال المحقق: من المعرّب (ص/ 7)
-أقول جاء في المعرب (292) عن الأصمعي (كيلجة وكيلكة وكيلقة وقيلقة) بكسر أولها وفتح اللام فيها. ولكن ما أصلها؟ الذي عناه الجواليقي أن الحرف الأول منها، كافاً كان أو قافاً، مبدل من كاف فارسية. وأشار (أدي شير) إلى أن الأصل (كيله) بكسر أوله لكنه لم يجعل كافها فارسية، كما ذكر أن هذا الأصل مأخوذ من الآرامية. وذهب ابن بري أن القافين في (قيلقة) أبدلتا من كاف فارسية، فإذا صح هذا كان الأصل (كيلكه) بكافين فارسيتين ولم أره في المعجم الفارسي وجمع المعرب (كيلجة) على كيالج وكيالجة. ولاحظ محقق المعرب أن (كيلجة) قد أتت في اللسان بفتح الأول وكذلك في النسخة الأولى للقاموس، وجاراهما صاحب المعيار. أقول كذلك فعل أدي شير.
والكيلجة كيل معروف في العراق. قال صاحب المصباح (إنه منا وسبعة أثمان منا، والمنا رطلان). ويجمع المنا على الأمناء، وتثنيته (منوان). وجاء في كتاب الأوزان والمكاييل لأبي بكر محمد بن زكريا الرازي (ت/ 311هـ): (كيلجة رطل ونصف بالبغدادي، وهو الوزن المصري أيضاً..).
2-قال المحقق: الكربز هنا بالكاف الشديدة الأعجمية نظير الجيم المصرية وكذلك كورب.
-أقول: قالوا الجُربز والقُربز بضم الأول والباء فيهما. قال صاحب الصحاح (رجل جربز بالضم بين الجربزة بالفتح أي خبّ. وهو القربز أيضاً، وهما معربان).
أما أصله فـ (كربز) بكاف فارسية مضمومة، والخبّ الخدّاع. وكذلك الكاف في (كورب) فإنها فارسية، وهي مفتوحة.
3-أقول: مر بنا الكلام في هذا مفصلاً.
4-أقول: سقط من الأصل هنا (في) وصحة العبارة (القاف في قيلقة).
5-أقول: (السرَق) بفتحتين الحرير الواحدة (سرقة) وأصلها (سرَه) بفتحتين، كما في التقريب. قال صاحب المعرب (والسرق الحرير أصله سره بالفارسية أي جيد/ 182) وفي الألفاظ الفارسية لأدي شير والمعجم الذهبي ما يؤيد ذلك.
6-أقول: في المعرب (اليلمق) بفتح فسكون ففتح القباء، وهو نوع من الثياب، وأصله بالفارسية (يلمه) بفتح فسكون ففتح، وقد ذكره الجوهري في الصحاح وأورد عليه قول ذي الرمة.
وجاء في الكتاب (ص/ 24):
قال أبو منصور: وقالوا سراويل(1) وإسماعيل، وأصلهما: شروال واشماويل(2)، وذلك لقرب السين من الشين في الهمس(3).
قال ابن بري: قال سيبويه (أبدلوا العين في إسماعيل، لأنها أشبه الحروف بالهمزة) فهذا يدل على أصله في العجمية: اشمائيل(2).
1-قال المحقق: وأما شروال فهو في الفارسية شلوار بفتح الشين كما في (برهان قاطع)، وفي عامية العراقيين: شروال، ولعل سربال هو المعرب السليم، وقد جاء في لغة التنزيل: (وسرابيل تقيكم بأسكم- النحل/ 81).
-أقول: قالت العرب للمفرد سروال وسروالة وجمعته على سراويل، كما قالت للمفرد سراويل وجمعته على سراويلات وهو المشهور. وفيه لغات هي: شروال وسرويل وسراوين. ولكن ما أصله؟ قال الجواليقي الأصل (شروال) فأبدل السين من الشين. وفي التقريب (ويبدلون السين شيناً. نحو دست في دشت، وسروال في شروال).
وذكروا له أصلاً فارسياً آخر هو (شلوار) بفتح الشين، كما فعل الميداني النيسابوري في كتابه السامي (135) وقد عاصر الجواليقي، واختاره الخفاجي في شفاء الغليل فقال (سرويل معرّب شلوار). وأيده حسين التبريزي في البرهان القاطع كما ذكره السامرائي وفي المعجم الذهبي (شلوار معربه سروال)، وليس فيه (شروال). على أن أدي شير في (الألفاظ الفارسية المعربة) ذكر له أصلافي الآرامية والبابلية ورجح الدكتور داود الحلبي أصله السامي هذا في كتابه (الآثار الآرامية). فلا يبعد على هذا أن يكون الأصل سامياً مشتركاً وأنه بابلي وآرامي وعربي. ودليل أصالته في العربية لفظ (سربال) فهو عربي بمعنى (سروال)، ولم أر من قال بعجمة (سربال) إلا أدّي شير وقد قالوا سرول وتسرول كما قالوا سربل وتسربل. أما لفظ (شلوار) الفارسي فقد يكون مقتبساً من السامية قبل الإسلام.
2-قال المحقق: قول الجواليقي (اشماويل) لعله (اشمائيل) فسهله إلى الواو، والقول بالهمز قول سيبويه كما مر.
-أقول قد جعله ابن بري (اشمائيل) بالهمزة، كما هو الحال في نظائره. وجاء به أبو حاتم الرازي في كتابه (الزينة): (أشموئيل). بالواو والهمزة 1/140 وذكر أنه كذلك بالعبرانية والسريانية، وأن معربه (إسماعيل). وقال في موضع آخر (2/164): وجبرئيل وميكائيل.. قال ابن عباس.. وهو منسوب إلى –ايل- وايل اسم من أسماء الله.. وكل ما جاء على هذا المعنى فهو اسم مضاف إليه مثل إسماعيل) وأردف (وسمعت بعض أهل المعرفة يذكر أن معناه: اسمع يا الله). وقال محقق الكتاب الدكتور حسين الهمداني (1/140): وجاء اشمويل، والكلمة العبرية يشمعيل مكونة من يشمع وايل، أي يسمع الله، وهو ابن إبراهيم من هاجر، فلما بُشِّرت به قالت إن الله استمع إلي. وفي العربية الجنوبية ورد الاسم: يسمع ال).
3-قال المحقق: (المعرب – ص/ 7).
-أقول لا ننسى أن السين في العربية تقابل الشين في كثير من اللغات السامية الأخرى كالبابلية والعبرية والآرامية.. وذلك في ألفاظ كثيرة منها (الاسم والإنسان والسلام والسن والسنبلة والسماء واللسان والنفس..) وسواها. أما ما عربوه من الفارسية وبعض حروفه (الشين) فقد أبدلوا من شينه سيناً، فقالوا: البنفسج في (بنفشه) والجلسان في (كلشان) للورد الأبيض، أو أبقوها على حالها كما قالوا: الياشق في (باشه) للطائر المعروف، والشطرنج في (شترنك أو ششرنك). أما حروف الهمس فعشرة وهي: الفاء والحاء والثاء والهاء والشين والخاء والصاد والسين والكاف والتاء، وما عدا ذلك حروف مجهورة.
وجاء في الكتاب (ص/24) أيضاً:
قال أبو منصور: وأبدلوا الحرف الذي بين الباء والفاء [فاء](1) وربما أبدلوه باء،
قالوا: فالوذ وفِرِند، وقال بعضهم: بِرِند(2).
قال ابن بري: فرند، الفاء فيه بدل من الباء التي بين الفاء والباء.
1-قال المحقق: سقطت الكلمة في الأصل والسياق يقتضيها.
-أقول: قد أثبتت الكلمة في المعرب المطبوع والمخطوط.
2-قال المحقق: (المعرب – ص/7).
-أقول: الحرف الذي بين الباء والفاء هو الباء الفارسية. ومن ثم كان فالوذ أو فالوذج بالذال أو فالودج بالدال أو فالوذق أو فالودق) اسم الحلوى أصله (بالوذه) بالذال على ما جاء في الشفاء، أو (بالوده) بالدال كما جاء في اللسان وقاله أدي شير، وأروده المعجم الذهبي.
أما (فولاد) لذكرة الحديد فأصله (بولاد) بالدال كما قال أدي شير وقاموس الفارسية للدكتور حسنين أو (بولاذ) بالذال كما جاء في التقريب. وثمة مسألتان:
الأولى أن من العرب من جعل (الفالوذ) لغة في (الفولاذ). قال المعرب (قال أبو حاتم: قال أبو زيد: سمعت من العرب من يقول للفولاذ: فالوذ/ 247) وقد جاء هذا في اللسان، وقاله أدي شير. والأصل كما رأيت مختلف. وقد اتفق جمع الفالوذ والفولاذ على فواليذ فقال الزمخشري في الأساس (الضرب بالفواليذ غير الضرب بالفواليد) ففرق بين المعنيين، كما فرق الميداني النيسابوري وصاحب الشفاء. وجاء في الحديث (كان يأكل الدجاج والفالوذ). والثانية أن ابن السكيت قد أنكر لفظ (الفالوذج) بالجيم وأثبت (الفالوذق) بالقاف، كما حكاه الجوهري في الصحاح. وإبدال الجيم من الهاء أكثر، وربما أبدل منها القاف كما قال سيبويه (2/243).
و (البرند) بفتحتين وباء فارسية هو الأصل الفارسي لـ (فرند) أو (برند) بكسر الأول والثاني فيهما. وفرند السيف جوهره ووشيه، وقد مر بنا تفصيل ذلك.
وجاء في الكتاب (ص/ 25):
قال أبو منصور: وأبدلوا اللام من الزاي في (قفشليل)(1) وهي المغرفة، وأصلها (كفجلاز). وجعلوا الكاف فيها قافاً، والجيم شيناً، والفتحة كسرة، والألف ياء.
قال ابن بري: قلبت الزاي في (كفجلاز) لاماً في قولهم (قفشليل) اتباعاً للام قبلها.
قال أبو منصور: ومما أبدلوا حركته (زور) [ممال](2) وآشوب.
قال ابن بري: الزور الصنم، والآشوب الخليط، والعرب تستعملها ممالين(3).
1-قال المحقق: (المعرب- ص/8).
-أقول قد مر بنا تفصيل القول في (قفشليل)، وقد جاء في الكتاب لسيبويه (2/343):
(وقالوا قفشليل فأتبعوا الآخر الأول، لقربه من العدد، لا في المخرج).
2-قال المحقق: قوله (ممال) هو ضرب من الضم الذي نجده كثيراً في الألسن الدارجة المعاصرة، كما في نطق العامة لـ (يُوم) مثلاً.
-أقول: يبدو أنه لم يتضح للمحقق كيف أبدلت الحركة في تعريب (زورو آشوب) وقد أثبت لفظ (ممال) كما جاء في الأصل، وهو مقحم عليه، والصحيح إسقاطه، كما جاء المعرب. ذلك أن كلام أبي منصور في المعرب يعني أن من المعربات: (زور وآشوب)، وقد أبدلت فيهما الحركة بعد التعريب. إذ أصبحا يلفظان بواو عربية محضة لا مشوبة ولا ممالة، وهي تشبه لفظ Ou بالفرنسية، وقد كانا يلفظان بواو فارسية. وأفضل ما يمكن أن تعرف به هذه الواو، أنها الضمة المشوبة بالفتحة، كما أسماها ابن جني، في سر صناعة الإعراب، وهي ضمة لا وجود لها في العربية، ويقابلها في الفرنسية لفظ (O) . قال ابن جني (ولا تجد الكسرة ولا الضمة مشوبة بشيء من الفتحة) في العربية.
وقد أوضح هذا صاحب التقريب فقال: (ومما وقع فيه إبدال الحركة بحركة: زور بالضم بمعنى القوة، فإنه معرب من زور بضمة مشوبة بفتحة)، وقال (وهذا الإبدال لازم لعدم وجود الضمة المشوبة بالفتحة) في العربية. وربما أضاف الفرس ألفاً بعد الواو إشارة إلى الضمة المشوبة بالفتحة كما فعلوا في (خواجة). فالألف ها هنا مسترقة مختلسة، وحركة الخاء بين الضمة والفتحة. ولم يتضح هذا للأستاذ أحمد محمد شاكر محقق المعرب فقال في حاشيته (ص/ 8): (لم يظهر لي وجه تغيير الحركة في: زور).
واستكمالاً للفائدة أقول إن أشبه حركات العربية بالضمة الفارسية في (زور) حركة الفتحة المشوبة بالضمة، وهي التي تكون قبل ألف التفخيم في نحو (الصلاة والزكاة) فهي ليست فتحة محضة، وإنما هي مشوبة بشيء من الضمة، ولكنها ليست الضمة المشوبة بالفتح، على كل حال، قال أبو بكر بن السراج في كتاب الخط: (فأما الألف التي أبدل فيها الواو في الخط فالألف التي في الصلاة والزكاة والحياة، قال محمد بن يزيد، رحمه الله، ليظهروا تفخيم الألف). وقد فصل القول في هذا في سر الصناعة لابن جني (1/58-65) وتوجيه النظر إلى أصول الأثر (381-382) للشيخ طاهر الجزائري الدمشقي.
3-أقول في النص الذي حكي عن ابن بري مسألتان: الأولى قوله (الزور: الصنم).
ذلك أن (الزور) إما عربي أو معرب، فإذا كان عربي الأصل كان بمعنى الكذب، وما يعبد من دون الله كالصنم، وليس في الفارسية (زور) بهذا المعنى. وإذا كان معرباً فمعناه القوة كما هو في الفارسية، وقد جاء هذا بالعربية بضم الزاي وفتحها. ففي المعجم الذهبي: (زور بضم الزاي القوة والمقدرة). وفي التقريب (الزور بالضم إن كان بمعنى الكذب كان عربياً محضاً، وإن كان بمعنى القوة كان معرباً من زور بضمة مشوبة بفتحة، والإبدال هنا لا مندوحة عنه). فإذا صح هنا أن الزاي في (الزور) المعرب قد حكي بالفتح أيضاً، كما في الجهرة، كان الإبدال في هذه الحالة، إبدال الفتحة من الضمة المشوبة في الأصل الفارسي.
وفي الجمهرة (الزور بمعنى القوة حكيت بضم الزاي وفتحها)، وفي اللسان (أبو عبيدة: في قولهم ليس لهم زور بالفتح ليس لهم قوة ولا رأي، وهذا وفاق بين العربية والفارسية). ويؤيد ما جاء هنا من أن (الزور) المعرّب بمعنى القوة، ما ذكره أدي شير في الألفاظ الفارسية المعربة، والخفاجي في شفاء الغليل إذ قال (زور بمعنى قوة معرب، وزون اسم صنم معرب). وما في المعرب (165): (الزور القوة)، وقد عثرت على حاشية من مخطوط المعرب (9012) تقول (الزور الصنم وقيل القوة ولعلها الأصل الصحيح لكلام ابن بري.
والمسألة الثانية أنه جاء في الأصل (والآشوب الخلط والعرب تستعملها ممالين) كما أثبته المحقق، وصحته (والآشوب التخليط، والفرس تستعملها ممالين).
ودليل صحة (والآشوب التخليط) ما جاء في الكتاب لسيبويه (2/243): (وآشوب هو التخليط) ورسم اللفظ في المخطوط على هذا، أما دليل صحة (والفرس تستعملهما ممالين) أن العرب تنطق بالزور وآشوب بضمة محضة كما تقدم، لا مشوبة ولا ممالة.
وقد جاء في حاشية من حواشي مخطوط المعرب (9012): (والزور الصنم وقيل القوة، والآشوب التخليط، والعجم تستعملها ممالين، فلما عربهما العرب، أسقطت الإمالة فيهما).
ولعل هذه الحاشية الأصل الصحيح لكلام ابن بري.
وجاء في الكتاب (ص/ 27):
باب ما أوله همزة
قال أبو منصور: أسماء الأنبياء، عليهم السلام، كلها أعجمية نحو: إبراهيم وإسماعيل واسحاق وإدريس وإسرائيل وأيوب، إلا أربعة أسماء وهي: آدم وصالح وشعيب ومحمد(1).
قال ابن بري: روى عكرمة عن ابن عباس، قال: إنما سمي آدم لأنه خلق من أديم الأرض، قبض الله سبحانه وتعالى، قبضة من الأرض فخلقه منها. وفي الأرض البياض والحمرة والسواد، وكذلك ألوان الناس مختلفة، فمنهم الأسود والأحمر والأبيض. فمن ها هنا قيل: آدم عربي اتباعاً للأرض(2)، ولولا ذلك لاحتمل أن يكون مثل (آزر) أعجمياً يكون وزنه (أفعل) أو (فاعل) مثل فالخ وشالخ. ويكون امتناع صرفه للعجمة والتعريف إذا جعلت وزنه (فاعل)(3) وهو بالعبرانية (آدام) بتفخيم الألف على وزن خاتام.
1-قال المحقق المعرب (ص/ 13).
-أقول فات المحقق سقوط اسم (الياس) بعد (اسحاق) من الأصل، وقد أثبت في نسخة المعرب المطبوع (1867م) (ص/8)، والمطبوع (1942م): (ص/ 13)، ولا بد من إثباته.
2-أقول جاء في الأصل (فمن ها هنا قيل آدم عربي اتباعاً للأرض) وأثبته المحقق على هذا النحو، ولا معنى لقوله (اتباعاً للأرض). فآدم عربي اللفظ استناداً إلى ما روي عن عكرمة عن ابن عباس من أن (آدم) خلق من أديم الأرض.. فمن ها هنا آدم عربي الأصل وليس دخيلاً. ولذا كان الصحيح أن يقال (فمن ها هنا قيل آدم عربي اتباعاً لما جاء في الأثر) أي اتباعاً لما روي في الأثر من قول عكرمة عن ابن عباس.
وقد جاء البيضاوي في تفسير قوله تعالى (وعلَّم آدم الأسماء كلها( بحديث رسول الله (() إذ قال (واشتقاقه –أي آدم- من الأُدمة أو الأدمة بالفتح بمعنى الأسوة، أو من أديم الأرض لما روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه تعالى قبض قبضته من جميع الأرض سهلها وحزنها فخلق منها آدم..) وفعل مثل ذلك القرطبي في تفسيره. وقد عدت إلى البحث عن حواشي مخطوط المعرب (9012) فظفرت بما يؤيد ذلك، إذ جاء فيه (فمن ها هنا قيل آدم عربي اتباعاً للأثر).
3-أقول: أسماء الأنبياء (إبراهيم وإسماعيل واسحاق..) أعجمية ممنوعة من الصرف، كما ذكر الجواليقي، وعلة منعها أنها أعجمية وأنها أعلام في اللغة الأعجمية أيضاً، ولو كانت في هذه أسماء جنس، لم تكف العجمة في منعها (الكتاب لسيبويه-2/ 19).
أما (آدم وصالح وشعيب ومحمد) فإنها أسماء عربية لا أعجمية. والممنوع من الصرف منها (آدم)، وعلة منعه وهو عربي أنه علَم، وأنه على زنة (أفعل) أي زنة الفعل. فيكون أصله (أأدم) قلبت الهمزة الثانية فيه، وهي أصيلة غير مزيدة، ألفاً، فأصبح (آدم) بالمد. ولا يصح أن يكون (آدم) على زنة (فاعل) بفتح العين، وهو عربي، كخاتم، ولو صح لكان مصروفاً، وهو ممنوع من الصرف أبداً. وإذا كان أعجمياً جاز أن يكون على (فاعل)، كما كان آزر وفالخ وشالخ.
ويكون منعه من الصرف للعجمة والعلمية. كما جاز أن يكون على (أفعل) كآزر أيضاً، إذ يصح في (آزر) زنتان أفعل وفاعل. و (آدم) في العبرية (آدام) كخاتام، أو (أداماه)، وهو فيها بمعنى التراب. ولكن إذا صح لآدم أصل سامي عبري أو سرياني، واتفق دليل على عروبته، كان اللفظ مشتركاً بين العربية وأخواتها الساميات. وأكثر الأئمة على أنه عربي، ومن هؤلاء الشيخ أبو حاتم أحمد بن حمدان الرازي المتوفى (322هـ) كما جاء في كتابه (الزينة).
وجاء في الكتاب (ص/ 27 و 28):
قال أبو منصور: وإسماعيل فيه لغتان: إسماعيل وإسماعين بالنون(1) قال الراجز:
قالت جواري الحي لما جينا هذا ورب البيت اسماعينا
قال ابن بري: يحتمل نصب إسماعيل(2) وجهين: أحدهما أن يكون منصوباً بـ (جينا) أي لما جئن إسماعيل(2) قلن: هذا هو ورب الكعبة، فـ (هذا) ابتداء وخبره محذوف ويجوز أن يريد الشاعر (هذا اسماعيننا) فحذف النون المبدلة من النون(3) لاجتماع النونين.
قال ابن بري: رواه القالي: هذا ورب البيت إسرائينا(4).
وأنشد قبله:
قد جرت الطير أيا مِنينا قالت وكنت رجلاً فطينا
وحكى القالي عن ابن الأنباري في كتاب ألفه أبو بكر يقال له (المتناهي في اللغة)، قال: هذا عربي أدخل قرداً إلى سوق الحيرة ليبيعه، فنظرت إليه امرأة وقالت: شيخ! فقال هذه الأبيات.
1-أقول جاء في أمالي القالي (2/44): (وإسماعيل، وإسماعين، وميكائيل وميكائين، وإسرائيل وإسرائين، وإسرافيل وإسرافين.. وشراحيل وشراحين).
2-أقول فات المحقق أن يجعل (إسماعيل) في الموضعين (إسماعين) بالنون، لأن كلام ابن بري إنما يدور حول قول الراجز (هذا ورب البيت إسماعينا)، فصواب كلامه أن يكون: (يحتمل نصب اسماعين وجهين، أحدهما أن يكون منصوباً بـ -جينا- أي لما جئن اسماعين قلنا..).
3-أقول أثبت المحقق قول ابن بري (هذا اسماعينا، فحذف النون المبدلة من النون) فكيف ارتضى أن يكون إبدال النون من النون نفسها، وما معنى هذا وما تفسيره وتأويله؟ الصواب الذي لا شك فيه أن قولك (اسماعيننا) قد جاء بدلاً من (إسماعيلنا) إذ أبدلت فيه النون من اللام، فالصحيح إذاً (فحذف النون المبدلة من اللام). والغريب أن هذا ما جاء في الأصل أيضاً، فحسبه المحقق محرفاً، وليس هو كذلك. ويريد ابن بري أن يقول: يجوز في (اسماعينا) الذي ورد في الرجز أن يكون أصله (اسماعيننا) فحذفت النون المبدلة فيه من اللام، وجرى الحذف لاجتماع النونين، فأصبح (اسماعينا).
4-قال المحقق: ورواية الرجز في المعرب (ص/ 14):
يقول أهل السوق لما جينا هذا ورب البيت اسرائينا
أقول: فات المحقق أن يقول شيئاً في تأويل مجيء (اسرائينا) منصوباً، ومن حقه أن يكون مرفوعاً. وقد ذكروا في انتصاب (اسرائينا) ثلاثة وجوه، أحدها اضمار فعل كأنها قالت أرى هذا إسرائينا، كما تقول أرى فلاناً شيطاناً (وتصور ابن بري أن الناصب في اسماعينا هو فعل جينا): والثاني أن يكون (إسرائي) لغة في إسرائيل، تقول هذا إسرائيل وإسرائي. وهذا إسرائينا. والثالث أن تريد (إسرائيننا) فتحذف النون الواحدة لاجتماع النونين (وقد قال ابن بري نحواً من هذا في تأويل نصب: اسماعينا).
هذا ما جاء في كتاب سمط اللآلئ في شرح أمالي القالي لأبي عبيد البكري. وقد حققه الأستاذ عبد العزيز الميمني (2/681-682) والبيت المذكور من شواهد ابن عقيل في شرح ألفية ابن مالك (1/450). وقد جيء به شاهداً على إجراء (قال) مجرى (ظن) في نصب مفعولين، في لغة بني سليم. قال الأعرابي:
قالت وكنت رجلاً فطيناً هذا، لعمر الله، إسرائينا
فـ (قال) فعل ماض نصب مفعولين: أولهما اسم الإشارة (ذا) والثاني (اسرائينا) والألف للإطلاق، فهذا وجه رابع.
5-أقول فات المحقق أن يقول شيئاً في (أيامنينا)، ما معناه وما تركيبه؟ وقد جاء في اللسان حول شرح (قد جرت الطير أيامِنينا): (قال ابن سيده: عندي أنه جمع يمين على أيمان، ثم جمع أيماناً على أيامين. ثم أراد وراء ذلك جمعاً آخر.. فرجع إلى الجمع بالواو والنون.. وقد كان يجب لهذا الراجز أن يقول: أيامينينا.. لكن لما أزمع أن يقول في النصف الثاني أو البيت الثاني –فطينا- ووزنه فعولن، أراد أن يبني قوله –أيا منينا- على فعولن أيضاً ليسوي بين الضربين أو العروضين) فحذف الياء بعد الميم. وأردف:
(وقد يجوز أن يكون –أيا منينا- جمع أيامن الذي هو جمع –أيمن- فلا يكون هنالك حذف). وقد قال بهذا ابن جني في خصائصه (3/236-237) وهو الوجه القريب.
6-ذهب على المحقق أن الصحيح في لفظ (شيخ) هو (مسخ). وواضح أن لا محل لقوله (شيخ). والغريب أن النص قد عزا الرواية إلى القالي. ولو عاد المحقق إلى أمالي القالي 2/44) تبين النص وتحقق أن اللفظ (مسخ) لا (شيخ).
وأن كلمة (عربي) في أول النص هي (أعرابي) ففي أمالي القالي (قال أبو بكر في كتاب المتناهي: هذا أعرابي أدخل قرداً إلى سوق الحيرة ليبيعه، فنظرت إليه امرأة فقالت:
مسخ، فقال هذه الأبيات). وجاء في سمط اللآلي في شرح الأمالي (2/861): (قال الفراء: صاد أعرابي ضباً فأتى به السوق يبيعه فقيل له: إنه مسخ من بني إسرائيل) وعلى ذلك سائر النصوص.
وجاء في الكتاب (ص-28 و 29):
قال أبو منصور: قال أبو علي: وقياس همزة (أيوب) أن تكون أصلاً غير زائدة، لأنه لا يخلو أن يكون (فيعولا) أو (فعولا). فإن جعلته (فيعولا) كان قياسه، لو كان عربياً، من الأوب، مثل (قيُّوم). ويمكن أن يكون (فعُّولا) مثل (سفُّود) و (كلُّوب)، وإن لم يُعلم في الأمثلة هذا [الصنف]، لأنه لا ينكر أن يجيء العجمي على مثال لا يكون في العربي(1). قال ابن بري: الذي قاله أبو علي: (وإن لم يُعلم في العربية هذا الصنف) يعني أنَّا لا نجد (فعُّولاً) مما عينه ياء، كما لم نجده مما عينه واو نحو (قيُّوم). وأما ما مثاله وبناؤه (فعُّول) فموجود(2).
1-قال المحقق: (المعرب- ص/ 14 و 15).
-أقول: ذهب الجواليقي إلى عجمة (أيوب) ولم ينسبه.
وجاء في الإتقان للسيوطي (أيوب قال ابن اسحاق: الصحيح أنه كان من بني إسرائيل). وقد أنكر جرمانوس فرحات أن يكون (أيوب) إسرائيلياً لأنه عاش قبل موسى عليه السلام. وذهب المستشرق (مرجليوث) إلى أن اللفظ عربي، وأخذ بهذا الدكتور جواد علي في كتابه (تاريخ العرب قبل الإسلام). وفصَّل القول في ذلك الدكتور إسرائيل ولفنسون في كتابه (تاريخ اللغات السامية/ 90) فذكر أن اسم أيوب هذا عبري ومعناه (التائب) وصاحب الاسم أحد الصديقين الأطهار من اليهود، وأن (كتاب أيوب)، وقد تضمن سيرته، سفر من أسفار العهد القديم وقد كتب في القرن الأول (ق. م)، وهو أقرب سفر عبري إلى اللغة العربية من حيث ألفاظه، وأنك تستطيع أن ترد لفظ (أيوب) العبري إلى أصل عربي أيضاً وهو (آب يؤوب) أي تاب، فمعنى (أيوب) التائب. وأوضح أن التشابه بين ألفاظ عبرية وأخرى عربية لا يعني بالضرورة اقتباس إحدى اللغتين من الأخرى كما وهم بعض الباحثين، إذ لا بد في إثبات ذلك من أدلة علمية مقنعة.
وقال أبو علي الفارسي: همزة أيوب أصلية، فهو إحدى زنتين (فيعول) أو (فعُّول).
أما (فيعول) فقد جاء منه في العربية قيصوم وخيشوم وحيزوم أسماء، وعيثوم وديموم وقيوم صفات، كما في كتاب سيبويه (2/325). لكنه لم يأت منه ما عينه (ياء). فإذا كان (أيوب) عربياً. كان على (فيعول)، ولكن من (أوب) عينه (واو) وأصله (أيووب)، كما جاء (قيُّوم) من (قوم) عينه واو وأصله (قيووم).
وهذا تفسير قول أبي علي (فإن جعلته فيعولا كان قياسه، لو كان عربياً، من الأوب مثل قيوم).
أما (فعُّول) فقد جاء منه في العربية: سفُّود وكلُّوب اسمين، كما جاء منه سفُّوح وقدّوس صفتين. وقد حُكي هذان بالضم أيضاً، وقد جاء ذلك في كتاب سيبويه (2/329) وكتاب الزينة لأبي حاتم الرازي (2/88). ولم يأت على (فعُّول) ما عينه واو أو باء. ولذا تعذر أن يكون (أيوب) على فعُّول إذا كان عربياً، وأمكن ذلك إذا كان أعجمياً لأنه (لا ينكر أن يجيء العجمي على مثال لا يكون في العربي) على حد قول أبي علي.
2-أقول جاء كلام ابن بري في تفسيره لقول أبي علي محرّفاً. ولم يحاول المحقق أن يقيم عوجه أو يرأب صدعه. وأحسبه قد أثبت النص ولم يتبين معناه. إذ كيف يستقيم أن يقول ابن بري (يعني أنَّا لا نجد فعولاً مما عينه ياء... وأما ما مثاله وبناؤه فعُّول فموجود) وآخر القول يناقض أوله! فالذي أراد ابن بري أن يقوله إن لفظ (أيوب) إذا كان عربياً امتنع أن يكون على (فعُّول) إذ لا نجد على هذه الزنة ما عينه ياء كما لا نجد ما عينه واو. أما (فيعول) ففي العربية منه ما عينه واو نحو قيوم. ولذا كان قول ابن بري (يعني أن لا نجد فعُّولاً مما عينه ياء كما لم نجد مما عينه واو) صحيحاً. أما قوله في الختام (وأما ما مثاله وبناؤه فعُّول فموجود) فليس مستقيماً، وصحته: (وأما ما مثاله وبناؤه فيعول فموجود نحو قيوم) أي موجود منه ما عينه واو نحو قيوم، فيكون أيوب على مثاله. وقد أشرنا في المقدمة إلى تحريف النص، وفاتنا ثمة ضبط وجهه الصحيح.
وجاء في الكتاب (ص/ 29):
قال أبو منصور: (آزَر) اسم أعجمي(1).
قال ابن بري: يحتمل أن يكون وزنه (أفعَل) مثل (آدم). ويحتمل أن يكون (فاعَل) مثل: (تارَخ وفالخ وشالخ ولاون)، وهذا الوزن كثير في الأعجمي.
قال أبو منصور: و (الاستبرق)(2) غليظ الديباج، فارسي معرّب، وأصله (استفره).
قال ابن بري: الفاء في (استفره) ليست خالصة، وإنما هي بين الفاء والباء.
1-قال المحقق: (المعرّب/ 15)
-أقول: (آزر) هو أبو إبراهيم عليه السلام، كما هو ظاهر الآية (وإذ قال إبراهيم لأبيه آزرَ أتتخذ أصناماً آلهة- الأنعام/ 74). وفي سفر التكوين الحادي عشر أن لتارح (بالحاء) ثلاثة أولاد، هم: إبراهيم وناحور وهاران. وقد أخذ الأئمة بظاهر الآية. وقال الطبري قد يكون لأبي إبراهيم اسمان: آزر وتارح. وفي ذلك كلام سنبسطه فيما بعد.
2-قال المحقق: (المعرّب/ 16).
أقول استبرق فارسي الأصل، وهو غليظ الديباج، وقيل إنه معرّب من (استفره) بفاء فارسية، كما قال الجواليقي وابن بري، أو معرّب من (استبره) كما قال أبو حاتم الرازي في كتابه الزينة (1/138). وقد أيده الميداني النيسابوري (132 ) وأدي شير(10).
وذهب محقق المعرّب الأستاذ أحمد محمد شاكر إلى أن (استفره) بالفاء الفارسية هو الصحيح، دون (استبره) بالباء الخالصة. وفي ذلك نظر، فالذي جاء في المعجمات الفارسية هو (استبره) لا (استفره). بل جاء في (قاموس الفارسية) للدكتور عبد النعيم محمد حسنين (استبر، وستبره، واصطبره). قال صاحب التقريب (ومعنى استبره في الفارسية الغليظ مطلقاً ثم خُص بغليظ الديباج، وقد عُرّب بإبدال الهاء قافاً/81).
وإذا كانت الفاء الفارسية قد زالت من الحروف الفارسية، فقد بقي فيها من الحروف التي ليست في العربية الباء الفارسية والجيم الفارسية والزاي الفارسية والكاف الفارسية. (قاموس الفارسية/ 12).
وعندي أن كلاً من (استبره) و (استفره) صحيح. ذلك أن الفاء الفارسية التي بين الفاء والباء قد آلت إلى (الباء) الخالصة أو (الفاء) الخالصة. قال صاحب التقريب(19): (والفاء الفارسية، وهي حرف بين الفاء والباء.. وقد ذكره ابن سينا، وكان موجوداً في عصره في بعض الكلمات الفارسية، ثم هجر النطق به حتى صار نسياً منسياً). وطبيعي أن يكون هجر النطق بالفاء الفارسية قد جرى تدريجاً، وأنه قد مضى حينٌ كانت الفاء الفارسية تلفظ فيه فاء خالصة أو باء خالصة قبل أن تنتهي في بعضها إلى الفاء الخالصة وفي بعضها الآخر إلى الباء الخالصة، على نحو ما تلفظ به اليوم. وقد آل لفظ (استفره) بالفاء الفارسية إلى (استبره) بالباء الخالصة، كما آل لفظ (فزوني) الذي جاء به ابن سينا في كتابه (أسباب حدوث الحروف/ 81) على أن فاءه فارسية، ومعناه الوفرة والكثرة، قد آل إلى (فزوني) بفاء خالصة، كما في المعجم الذهبي. وقد عزا صاحب الجمهرة (استبرق) إلى (استروه) وهو لفظ سرياني، وذكر أدي شير أن له أصلاً في الآرامية.
وجاء في الكتاب (ص/ 29 و 30).
قال أبو منصور: و (الأبُلَّة) قال أبو حاتم: قال الأصمعي: أصل هذا الاسم بالنبطية(1).
قال ابن بري: قال ابن أحمر في (الأبُلَّة) اسم البلد [من الطويل]:
جزى الله قومي بالأبُلَّة نضرة وبدواً لهم حول العِراص وحضَّرا(2)
قال ابن بري: قال ابن جني: (الأبلة القطعة من التمر: فُعلَّة، فأخذت من قولهم: أبابيل، للجماعة في تفرقة(3).
وقال ابن بري: وزن الأبلة –فعلة- لا غير، وهو الظاهر من وجهين: أحدهما أن الأبلة القطعة من التمر مأخوذة من الأبابيل(4) للجماعات.
والوجه الآخر: أن (فعلة) أكثر من (أفعلة)(5)، وهذا يقوي كون الهمزة أصلاً مع الوجه الأول، ولهذا قالوا: الأوتكى: أفعلى، ولم يجعلوه (فوعلى) لأن (أفعلى) أكثر من (فوعلى).
1-قال المحقق: (المعرّب/ 16).
-أقول: (الأبلة) بضم الهمزة والباء وتشديد اللام المفتوحة، بلدة قرب البصرة.
وفي اشتقاق اللفظ قولان: الأول إنه معرب من (هوبالتا) بالنبطية. قيل إن (هوبا) امرأة كانت تبيع فماتت فطلبها أهلها فقيل لهم (هوبالتا) أي (هوبا) ليست هنا أو قيل لهم (هوب ليكا) فحرفها الفرس إلى ما ذكر. جاء ذلك في المعرب (16 و 17) وفي التقريب(50) (فقيل لهم هوب لاكا بتشديد اللام أي ليست (هوب) فجاءت الفرس فغلطت وقالت: هوبلَّت، فعربها العرب فقالت الأبلة) وهو قول لا يمكن القطع به.
والقول الآخر إنه عربي. فالأبلة الفِدرة من التمر أي القطعة، كما قال الجوهري.
وهو من قولهم (أبابيل) للجماعة المتفرقة، كما قال ابن جني، وهو قول ليس بالبعيد.
وأقرب منه ما جاء في الاشتقاق لابن دريد (الأبلة تمر يُرض ويُحلب عليه) وقد أورد عليه قول الهذلي:
ويأكل ما رضَّ من تمرها ويأبى الأبُلَّة لم تُرضض
وفي الصحاح والأساس: أبِلت الإبل ووتأبَّلت إذا اجتزأت بالرطب عن الماء.
والرطب ما نضج من البسر قبلَ أن يكون تمراً.
2-قال المحقق: البيت في معجم ما استعجم (1/98)، وروايته (وبدواً لناحول الفراض وحُضَّرا)، والفراض جمع فرضة وهي مشرعة الماء. وابن أحمر هو عمرو بن أحمر، شاعر جاهلي، انظر (الشعر والشعراء) ط. بيروت، ص/ 273.
أقول الفرضة الفوهة، ومن النهر الثلمة ينحدر منها الماء ويستقى، ومن البحر محط السفن. وأما العرصة فكل بقعة ليس فيها بناء والجمع عراص. وقد فات المحقق هنا أن عمرو بن أحمر هو شاعر مخضرم. وجاء في معجم الشعراء للمرزباني أنه (عمرو بن أحمر.. بن معن الباهلي يكنى أبا الخطاب، أدرك الإسلام فأسلم، وغزا مغازي الروم وأصيبت إحدى عينيه هناك ونزل الشام، وتوفي على عهد عثمان، رضي الله عنه، بعد أن بلغ سناً عالية../ 214) وقيل إنه امتد به العمر إلى أيام عبد الملك بن مروان كما يفهم ذلك من شعره في كتاب الأغاني. والذي روي من شعره في الإسلام فوق ما روي في الجاهلية. وجاء في رسالة الغفران للمعري أنه واحد من عوران قيس وهم تميم بن مقبل العجلاني، وعمرو بن أحمر الباهلي، والشماخ معقل بن ضرار، وراعي الإبل: عبيد بن الحصين النميري، وحميد بن ثور الهلالي. وقد خصه ابن جني والمعري بدراسة لكثرة الغريب في شعره.
قال الدكتور الضامن في نقده للمحقق وقد جعله ابن سلام في الطبقة الثالثة من فحول الإسلام، وليس في كتاب الشعر والشعراء ما يشير إلى كونه جاهلياً خلافاً لما زعم المحقق.
3-قال المحقق: جاء في كتب اللغة أن (أبابيل) الجماعات، لا مفرد لها، وقيل إن مفردها أبيِّل أو أبَّول أو إبالة. وفي (معجم ما استعجم) قال يعقوب: الأبلة هي الفدرة من التمر.
4-أقول: من جعل لـ (أبابيل) واحداً فقد قال: واحده (إبيِّل) بكسر الهمزة وتشديد الباء المكسورة، وقد جاءت الشدة في كلام المحقق على الياء خطأ، و (إبوْل) بكسر الهمزة وتشديد الباء المفتوحة، و (إِبَّالة) بتشديد الباء. وقال الأزهري ولو قيل واحده (إيبالة) كان صواباً، كما قالوا دينار ودنانير. ومن لم يجعل له واحداً فقد اعتده بمنزلة عبابيد وشماميط وشعاليل.. كما في اللسان. وقد فصلنا القول في (الأبلة) قبل.
5-أقول: فات المحقق أن يثبت (أفعلة) على الوجه الصحيح، إذ شدد فيها اللام خطأ وهي مخففة، فلفظ (أفعُلة) بضمتين بينهما سكون، وبعدهما لام مخففة، كما هو وزان (الأبُلَّة) قبل الإدغام، أي (أبلُلَة) بضم فسكون ثم ضم ففتح، نقلت فيها حركة اللام الأولى إلى الباء وأدغمت اللام بعد سكونها بما يليها، فآل اللفظ بعد الإدغام إلى (أبلَّة) بضمتين فلام مشددة مفتوحة.
وقد اعتلُّوا لأصالة الهمزة في (أبلَّة) وأنها على (فُعُلَّة) دون (أفعلة)، كما ذكر في النص، بأمرين: الأول أن (الأبلة) من (أبل) لأنها من (أبابيل)، وأبابيل فعاعيل لا أفاعيل، والثاني أن (فُعُلَّة) أكثر من (أفعُلة). وقد أورد ابن خالويه في كتابه (ليس في كلام العرب) ما جاء على (فُعُلَّة) كدرُجَّة وحُزقَّة للضيق الخلق، ورجل كُبُنَّة منقبض، ورجل غُضُبَّة وغلُبَّة وكُدُرّة وخضُلَّة...
أما (أوتكى) فهو (أفعلى) لا (فوْ على) أي أن همزته مزيدة، فهو من (وتك)، لأن (أفعلى) أكثر من (فوعلى)، هذا ما ذهب إليه ابن بري.
على أن أحداً لو ذهب في (أبُلَّة) إلى أنه (أفعلة) لم يكن ما ارتآه مأبياً، ولو كان مرجوحاً. فقد جاء في المعرّب: (قال أبو علي: وزن الأبُلَّة فُعُلَّة تكون الهمزة أصلية. ولو قال إنه أفعُلة، والهمزة زائدة مثل أبلُمة وأسنُمة، لكان قولاً/ 18). وكذلك (أوتكى) وهو ضرب من التمر. قال ابن سيده (جعله كراع فوْعلى، قلت وزيادة الهمزة عندي أولى، فأوتكى بوزن أفعلى).
وجاء في الكتاب (ص/ 30 و 30):
قال أبو منصور: والأربان والأربون: حرف أعجمي.
قال ابن بري: أربان وأربون: الهمزة فيهما أصل بدليل قولهم: عُربان وعربون(1).
قال أبو منصور: والإيوان أعجمي معرب. وقال قوم من أهل اللغة: هو: إوان بالتخفيف.
قال ابن بري: إيوان همزته أصلية ولو كانت زائدة لانقلبت الواو ياء، كما انقلبت (أيام)(2)، فعلمت بهذا أن (إيوان) مثل (ديوان)، ووزنهما (فيعال)(3) والأصل فيهما (إوّان) و (دِوّان) فقلبت الواو الأولى فيهما ياء لكسرة ما قبلهما، كراهية التضعيف.
1-قال المحقق: في الأصل غربون وغربان بالغين المعجمة.
أقول جاء في المعرب (232) عن الفراء (العربان والعربون لغة في الأربان والأربون) وكله بضم فسكون، وأردف (وهو حرف أعجمي، وصرّفوا منه الفعل فقالوا: عربنت الشيء وأعربت فيه). قلت جاء في اللسان (أربنت وعرّبت) أيضاً.
وذكر المعرّب (233) العرَبون أيضاً بفتحتين: وقال: إنه اللغة العالية.
قال محقق المعرّب الأستاذ محمد أحمد شاكر: أنه انفرد بهذا الترجيح. قلت جاء (العرَبون والأرَبون) بفتحتين في (السامي/ 162) للميداني النيسابوري، واقتصر عليه، وذكر أن أصله الفارسي (رَبون). وأيد ذلك المعجم الذهبي فجاء فيه (رَبون: عربون). فثبت بهذا أن العرب قد زادوا الهمزة أو العين في التعريب، وقد فعلوا ذلك في ألفاظ، كما قالوا (الديباج) في (ديبا)، في قول من الأقوال.
أقول: (أيام) على (أفعال) همزته زائدة لأن الأصل. (أيوام) قلبت فيه الواو ياء. وليس (إيوان) كذلك لأن همزته أصلية لا زائدة، ولو كانت زائدة لقلبت واوه ياء، فأصبح (إيَّان) بياء مشددة كأيام.
3-أقول: فات المحقق أن ما جاء في الأصل وأثبته هنا وهو (فيعال) بالياء محرّف وصوابه (فعَّال) بتشديد العين. إذ المعوّل ها هنا على ما قدّروا أنه أصل الحرف.
فالأصل الذي قضوا به في (إيوان وديوان) هو (أوّان ودوّان) فأبدل من إحدى الواوين ياء وردّت في الجمع فقيل (أواوين ودواوين). وهكذا تصوروا أن أصل (دينار): (دنَّار) فرد في الجمع إلى (دنانير). ولو اعتدّوا (إيوان وديوان) هو الأصل لقالوا إن زنته (فيعال) ويُرهن هذا بأن يقال في الجمع (دياوين وأياوين) ولم يسمع، وإنما سمع ديباج وديابيج بدلاً من دبابيج.
وحقيقة الأمر أن ذهابهم إلى أن الأصل في ديوان (دوّان) بتشديد الواو قول قضوا به قضاء فلاءموا فيه بين صورة الحرف في أصله المفرد، وفي جمعه وتصغيره، بل بين صورة الحرف في اصله وما اشتق منه، إذ قالوا (دوّن) كما قالوا (دنَّر). ولا يعني قولهم هذا أن أصل هذه الحروف في الأعجمية هو ما ذكروه وقضوا به فقد ذكر الميداني النيسابوري مثلاً في (السامي /179) أن (الدينار) فارسي أصله (دينار) ولم يقل (دنَّار). وسترى أن الأصل الأول رومي أي يوناني هو (ديناريوس). وفي المعجم الذهبي (ديوان خانه: مكتب الوزارة قديماً) ولم يقل (دوّان). وفيه (إيوان) للشرفة، والمسقوف من المنزل يُشرف على الدار، ولم يقل (أوّان) وهذا ما جاء في قاموس الفارسية) للدكتور عبد النعيم محمد حسنين. وفي كتاب (ليس) لابن خالويه (ما كره التشديد فيه فقلب ياء: دينار وديباج وديوان وشيراز وقيراط، والأصل دنَّار ودبَّاج ودوّان وشراز وقراط، ألا ترى أنك إذا جمعت رددت الحرف إلى أصله فقلت دنانير).
والذي في كتب الصرف أن (فعالاً) بالتشديد إذا كان اسماً، ولم يكن مصدراً، أبدل من أول مثليه ياء فرقاً بين الاسم والمصدر. قال الرضي في شرح الشافية (3/211): (وهذا الإبدال قياسي). ثم عاد إلى القول (ويجوز أن يكون آحادها على –فيعال- في الأصل، من غير أن يكون الياء بدلاً من حرف التضعيف) إذ جاء في جمع ديماس دياميس، وفي جمع ديباج ديابيج...
وقد ذهب المرزوقي في شرح الفصيح أن (الديوان) عربي، من دونت الكلمة إذا ضبطتها وقيدتها. ولا يخفى أنه لا يشترط فيما عُرب أن يجمد فلا يشتق منه. وليس الاشتقاق من حرف دليلاً على عربيته، ولو أن اتساع التصرف في الأصل يمكن أن يكون معياراً يقتاس به في الحكم على عربية اللفظ ونفي العجمة عنه، إلى قرائن أخرى سيشار إليها في موضعها من الحواشي.
وجاء في الكتاب (ص/31):
قال أبو منصور: قال الشاعر، وهو القلاخ بن حزن(1) [من الرجز]:
ووتَّر الأساور القياسا صُغديَّة تنتزع الأنفاسا(2)
قال ابن بري [هو] صوان الراجز(3). و (صغدية) منسوبة إلى موضع. وقيل (الصُّغد)(4) أمة من العجم، وعلى التفسيرين فُسِّر قول العُديل(5) [من الطويل]:
قوم تسامى من نزار عليهم مضاعفة من نسج داود الصُّغد(6)
والصحيح إنه اسم لأمة من العجم.
1-قال المحقق: في الأصل (الفلاح) بالحاء المهملة، والقلاخ بن جناب بن حزن، شاعر جاهلي. انظر (الشعر والشعراء/ 596) و (سمط اللآلئ/ 647).
أقول هو القلاخ بن حزن، بضم القاف وتخفيف اللام، وجناب جدّه، فهو القُلاخ بن حزن بن جناب بن منقر، كما جاء في الخزانة (1/124) والتصحيف للعسكري خلافاً لما ذكره ابن قتيبة. والقلاخ كما جاء في الاشتقاق (250) من القلخ، وهو أن يردد الفحل صوته في جوفه.
2-أقول: الإسوار بالكسر، والضم لغة فيه، أعجمي معرّب. وهو الرامي أو الفارس. ويجمع على أساور وأساورة، وهذا ما جاء في المعرب(20). وأتى الجواليقي بالبيت شاهداً على جمع (الإسوار) على (الأساور). وفي التقريب أنه معرب من (أسوار) بالفتح، وهو فارسي، وأصله (أسب وار) أي صاحب الفرس، لأن (أسب) بمعنى الفرس و (وار) أداة تدل على النسبة وتفيد الملك. وفي المعجم الذهبي (أسب) الفرس و (أسوار) الفارس. ويستشهد الأئمة ببيت القلاخ هذا لصحة جمع القوس على القياس، كما في الصحاح واللسان. وجمع القوس أقواس وقياس وقسيّ، كما في الأساس.
3-قال المحقق: لم أهتد إلى (صوان الراجز) هذا فيما بين يدي من كتب الأدب واللغة.
أقول: حاول المحقق أن يبحث عن (راجز) اسمه (صوان) فلم يهتد. وفاته أن يتبين ما أراد ابن بري أن يعبر عنه بتعقيبه على قول أبي منصور. وقد زاد المحقق لفظ (هو) بلا طائل. وكل ما في الأمر أن أبا منصور قال (قال الشاعر) فصححه ابن بري بقوله (صوابه الراجز) أي صوابه (قال الراجز). وقد جاء في الأصل لفظ (صوان) مصحفاً وصحته (صوابه) ولم يفطن المحقق لهذا التصحيف.
4-قال المحقق: في الأصل (الصغداء).
أقول السغد بضم السين وسكون الغين، ناحية قصبتها سمرقند، وقد جاء اللفظ بالصاد أيضاً. وقيل الصُّغد صغدان: صُغد سمرقند وصغد بخارى، كما جاء في معجم البلدان، وهو اسم للجيل والأمة أيضاً (معجم البلدان 3/222 و 420).
5-قال المحقق: هو العديل بن الفرخ، شاعر أموي. انظر (الشعر والشعراء/ 325) و (الأغاني- ط دار الكتب- 2/11).
أقول هو العديل بن الفرخ العجلي بالكسر، والعديل على هيئة التصغير، وجاءت قصيدته التي منها البيت المذكور من قصائد الحماسة ومطلعها:
ألا يا اسلمي ذات الدمالج والعقد وذات الثنايا الغُرّ والفاحم الجعدِ
والدملوج المعضد، والعقد القلادة، والفاحم الشعر الأسود.
6-أقول: فات المحقق هنا، ما جاء في صدر البيت من تصحيف: فقد جاء في الأصل (قوم تسامى..) وصحته ِ(قروم تسامى.. والقروم في الأصل الفحول المصاعب وقصد بها ها هنا الأبطال الكرام، وتسامى أصله (تتسامى) والمضاعفة الدروع التي نسجت حلقتين حلقتين، والصُغد أو السُغد للناحية أو الأمة، وقد مر تفسيره.
والبيت من قصيدة للشاعر من قصائد الحماسة. وقد فصل القول في شرحها المرزوقي في (شرح الحماسة- 729-733).
وجاء في الكتاب (ص31-32):
قال أبو منصور: وحُكي عن الأصمعي: (آجِرّة وآجُرّة)، والهمزة في (الآجرّ) فاء الفعل كما كانت في (أرّجان) بدليل قولهم (الآجور)، فالآجور كالعاقول والحاطوم(1).
قال ابن بري: (أرّجان)(2) وزنه فعَّلان ولا يكون أفعلان لئلا يصير من باب (د د لـ) 3 و (ددن) مما فاؤه وعينه من مكان (واحد). وذلك نزر قليل. وقد خففه المتنبي غير مرة في قوله [من الكامل]:
أرجانُ أيتها الجياد(4)...
والذي جاء في استعمال العرب بالتشديد قال: [من الوافر]
أراد الله أن يُخزى عُميراً فسلطني عليه بأرّجان(5)
1-أقول: ذكر سيبويه في الكتاب (الآجرّ) مما عرّبه العرب ولم يلحقوه بأبنيتهم.
وجاء في الألفاظ الفارسية المعربة لأدّي شير أن الآجر بكسر الجيم وضمها، والآجور والباجور.. معرب من (آكور) بكاف فارسية. وفي المعجم الذهبي (آكور) بكاف فارسية معربة (أجرّ) وفحوى قول أبي منصور أن (الآجور) على (فاعول) همزته أصلية، لا على (أفعول) بهمزة مزيدة. هذا وليس في العربية (أفعول).
2-أقول: (أرّجان) براء مشددة بلد فارسي، واللفظ معرّب. قال ياقوت في معجم البلدان أصله (أرغان) بالغين عند عامة العجم. وزنة أرّجان (فعَّلان) بعين مشددة، فالهمزة فيه أصلية، لا (أفعلان) بهمزة مزيدة. ولو كانت كذلك لكانت عينها وفاؤها حرفاً واحداً، كما هو الحال في (كوكب) وهي (فوعل) أو (ددن)، وهذا نادر، كما قال ابن بري. وقد جاء (أرجان) في بيت المتنبي براء مخففة للضرورة.
3-قال المحقق: كذا وردت في الأصل من غير إعجام. وقد وجدت في معجم البلدان (أرّجان): (وقال أبو علي: أرّجان وزن فعَّلان ولا تجعله أفعلان، لأنك إن جعلت الهمزة زائدة جعلت الفاء والعين من موضع واحد. وهذا لا ينبغي أن يُحمل على شيء لقلته. ألا ترى أنه لا يجيء منه إلا حروف قليلة، فإن قلت إن فعَّلان بناء نادر لم يجئ في شيء من كلامهم وأفعلان قد جاء نحو: أنبخان وأرونان قيل هذا البناء وإن لم يجئ في الأبنية العربية فقد جاء في العجمي). أقول: واسترجح أن تكون الكلمة التي وردت مهملة: كوكب.
-أقول: إذا استشففنا الأصل والمعنى الذي يقتضيه سياق الكلام تبينا أنا الكلمة غير المعجمة أو غير المقروءة هي (كوكب) كما رجح المحقق، ولكن فاته أن يعتل لذلك أو يوطئ له ليجعل اللفظ في موضعه من اتصال الكلام، كما فعلنا في التعقيب السابق. وفي حاشية من حواشي المعرّب (9012): (كـ-كوكب وددن). والكوكب معروف والددن معناه اللهو واللعب. وفي المزهر (2/45. ط/ 1325): (لا يجوز أن يكون فاء الفعل وعينه حرفاً واحداً في شيء من كلام العرب إلا أن يفصل بينهما فاصل مثل كوكب وقيقب. أما –ببه- فلقب كأنها حكاية. وزعم الخليل أن –ددا- حكاية لصوت اللعب واللهو، ذكر ذلك ابن درستويه في شرح الفصيح. وقال المرزوقي. لم يجئ من ذلك بلا فاصل إلا قولهم: دد، وددن). والقيقب والقيقبان خشب تتخذ منه السروج، كما جاء في الصحاح.
أما (أنبجان) بالجيم أو الخاء، كما في الصحاح، و (أرونان) فهما على (أفعلان)، وليسا مما عينه وفاؤه واحداً. وقد جاء في كتاب (ليس) لابن خالويه:
ليس مما جاء على أفعلان إلا حرفين: عجين أنبجان: مسترخ، ويوم أرونان: شديد في الحرب والحر والبلاء/ 128).
4-قال المحقق: البيت في معجم البلدان (1/164) وشرح الديوان للواحدي (734) وتمامه:
أرْجان أيتها الجياد فإنه عزمي الذي يذر الوشيج مكسرا
-أقول: يخاطب الشاعر خيله فيقول أقصدي (أرجان) بلد الممدوح، فإن عزمي على قصدها يدع، ما قد يعترضني من الرماح، مكسَّراً. والوشيج في الأصل شجر يصنع منه الرماح.
5-قال المحقق: البيت في معجم البلدان، قال ياقوت: وحكى أبو عثمان... أنشدني محمد بن السري:
أراد الله أن يُخزَى بحيرا
-أقول الصواب: قال ياقوت: (قال أبو علي: حكى أبو عثمان... أنشدني محمد بن السريّ)، وابن السري هذا هو أبو بكر بن السراج (ت 316هـ) صاحب كتاب الأصول وكتاب الخط. وقد أخذ النحو واللغة عن أبي العباس المبرد، وإليه انتهت رسالة النحو بعد موت الزجاج (نزهة الألباء/ 312)، ومن تلاميذه. الرماني وأبو علي الفارسي.
وقد فات المحقق الصواب حقاً في ضبط شكل البيت إذ أثبت في النص (يُخزى) مبنياً للمجهول، فكيف استقام عنده أن يقال (أراد الله أن يُخزى عميراً) بنصب عُمير. إذا لو صح بناء الفعل للمجهول لكان القول (أراد الله أن يُخزى عميرٌ) بالرفع وصحة النص (أن يُخزي عميراً) بالبناء للمعلوم، كما هو في اللسان ومعجم البلدان. ورواية المعرّب (أن يجزي) من الجزاء. وأورد المحقق الرواية الأخرى بالبناء للمجهول أيضاً فقال (أراد الله أن يُخزى بجيراً..) فأكد الخطأ ورواية معجم البلدان (1/143): (أن يخزي بجيراً..) بالبناء للمعلوم.
وجاء في الكتاب (ص/ 32-33):
قال أبو منصور: و (الابزيم) ابزيم السرج ونحوه، فارسي معرّب(1).
قال ابن بري: قاله العجاج: [من الرجز].
يدق ابزيم الحزام جُشَمُهْ(2)
ويقال (ابزين) بالنون، قال أبو داود(3): [من البسيط].
من كل جرداء قد طارت عقيقتها وكل أجرد مسترخي الأبازين(4)
ويكون (الابزيم) في المنطقة والدرع، ويسمى (الزِّرفين) قال مزاحم(5):
[من الطويل]
يُباري سديساها إذا ما تلمجت شباً مثل ابزيم السلاح الموصَّل(6)
ويقال للقفل (ابزيم) لأن (الابزيم) هو أفعيل من بزم إذا عضَّ.
1-قال المحقق: (المعرب/ 24).
2-أقول: ذكر صاحب المعرّب: الابزيم على أنه معرّب من الفارسية، لكن لم يذكر أصله الفارسي. وذهب أدّي شير في الألفاظ الفارسية إلى أن الابزيم فارسي، وأن صيغته تدل على عجمته، وأصله آبزن، ومعناه الإناء (على شكل تابوت). ثم ذكر أن (الآبزن)، وهو في الفارسية الحوض الذي يُغتسل فيه قد عُرّب فقيل (أبزن). وأيد ذلك صاحب التقريب(47). وفرّق صاحب الشفاء بين (أبزن) وهو الحوض الصغير وأصله الفارسي (آب زن) كما في النهاية، وحكى ما جاء في البخاري (قال أنس أن لي أبزناً استحم فيه وأنا صائم)، وبين (إبزيم) وهو الحلقة ذات اللسان تكون في السرج، وهو من بزم بمعنى عض، فليس معرباً، ويقال له (الزرفن) بضم الزاي وكسرها. وجاء (ابزين) بهذا المعنى. قلت الأعدل أن يكون (الابزيم) عربياً. فقد جاء في الصحاح (بزم عليه يبزم بالكسر والضم، أي عض بمقدم أسنانه... والابزيم الذي في رأس المنطقة والجمع الأبازيم). وأيد ذلك اللسان وجاء في (السامي/ 232) للميداني النيسابوري (الابزيم)، على أنه عربي، وذكر أن فارسيته (روانه بربند) أي لسان القلادة، ويؤيد ذلك ما جاء في المعجم الذهبي. أما قول (أدّي شير) أن صيغته تدل على عجمته فليس بشيء. فـ (أفعيل) في العربية كثير، كما في الكتاب لسيبويه (2/316).
2-قال المحقق: كذا في الديوان (نشر عزة حسن/ 436)، أما في الأصل فهو (جسمه).
-أقول: الرجز في الديوان (نشر السلطي/ 145):
يدق ابزيم الحزام جُشَمه عض الصقال فهو آز زيمه
وفي اللسان (عض السفار) وفي المعاني (يقطع ابزيم).
والجشم بضم الأول وفتحه: الكلفة أو الثقل. وقد أراد به الراجز جوفه المنتفخ لثقله، كما ذكر الزمخشري في الأساس. والعض: الشد. يقال: هو أعوج ما يصلِّيه عض الثقاف، أي ما يقومه. وصقال الفرس تضميره. وأزى اجتمع بعضه إلى بعض فهو آزٍ. والزيم: اللحم المتفرق، يريد، يشد عليه السرج حتى يدق الابزيم وسطه كعض الصقال، فيجتمع لحمه بعضه إلى بعض.
3-قال المحقق: أبو داود الأيادي وهو جارية بن الحجاج. وقال الأصمعي: هو حنظلة بن الشرقي شاعر جاهلي (انظر الشعر والشعراء/ 161) والأغاني – 15/91).
-أقول: ليس في كلام المحقق ما يوضح من هو أبو داود الأيادي، أجارية بن الححاج هو أم حنظلة بن الشرقي. وقد جلا ذلك ابن قتيبة في (الشعر والشعراء/ 189) فقال إنه جارية بن الحجاج، وأردف (ونسب إلى الأصمعي قوله أنه حنظلة بن الشرقي، والمعروف أن حنظلة بن الشرقي هو أبو الطمحان القيني، وهو غير أبي داود الأيادي).
وفرق صاحب الاشتقاق بين أبي الطمحان القيني وهو حنظلة بن الشرقي (542) وبين أبي داود وقد نسبه إلى إياد (168). وأبو داود كما ذكر صاحب سمط اللآلئ أحد وصَّاف الخيل المحسنين. وفي كتاب (أسماء خيل العرب وأنسابها وذكر فرسانها) لأبي محمد الأعرابي الملقب بالأسود الغندجاني ذكر لأبي دؤاد الإيادي في وصف الخيل.
4-قال المحقق: كذا في اللسان (بزن) وأما في الأصل: صارت عقيقتها.
-أقول: جاء في اللسان (بزن) بيتا أبي دؤاد في صفة الخيل:
إن لم تلطني بهم حقاً أتيتكـم
حُوّاً وكمُتاً تعادى كالسراحين
من كل جرداء قد طارت عقيقتها
وكل أجرد مسترخي الأبازين
لم تلطني: لم تُلحقني. الحُوّ جمع الأحوى وهو الأسود، والكمت جمع الكميت، وهو في الأصل جمع الأكمت، وهو ما بين الأسود والأحمر. وتعادى تبارى في العدو. والسراحين: الذئاب. والعقيقة هنا الشعر، والفرس الأجرد الذي رقت شعرته وقصرت وهو مدح.
5-قال المحقق: هو مزاحم العقيلي والبيت في اللسان والرواية:
شبا مثل ابزيم السلاح الموشَّل
-أقول: هو مزاحم بن عمرو العقيلي، شاعر مشهور أدرك الجاهلية والإسلام. ذكره الجمحي في الطبقة العاشرة من الشعراء الإسلاميين (الطبقات/ 583، شرح شواهد المغني – 1/426). أما رواية البيت فسيأتي الكلام عليها.
6-أقول: في الأصل (يباري) وفي اللسان والتاج (تباري). والسديس: السن التي بعد الرباعية، وأسدس إذا ألقى سديسه، والتلمج: التلمظ. والشبا الحد. والبيت في اللسان والتاج (مثل أبزيم السلاح الموشل) بالشين.
وجاء في الكتاب (ص/ 33 و 34):
قال أبو منصور (الأشنان)(1) فارسي معرب. وقال أبو عبيدة فيه لغتان: الأشنان والاشنان بالضم والكسر.
قال ابن بري: اشنان فعلان(2) ملحق بـ (قرطاس) وإن شئت فُعلان مثل (لبنان)(3)
قال أبو منصور: (أنطاكية)(4) اسم مدينة معروفة، مشددة الياء وهي أعجمية معربة.
قال ابن بري: كان أبو العباس بن عبيد الله الصفري النحوي يلحن المتنبي في قوله:
[من الكامل]:
حجَّبتها عن أهل أنطاكية(5)
وقال: إنما هي (أنطاكية) بالتخفيف، ولا تشدد إلا في النسب كقول زهير: [من الطويل]
عَلَون بأنطاكية فوق عقمة(6)
قال: وكل شيء جاء من الشام فهو أنطاكي(7).
1-قال المحقق (المعرب/ 24)
-أقول: جاء الأشنان بضم الأول وكسره، كما حكى المعرّب عن أبي عبيدة، وهو نبات الحُرُض بالعربية. أما أصله الفارسي على ما جاء في المعجم الذهبي فهو (أشنان) بضم الأول أيضاً ومعناه (نبات الغاسول) فيكون قد نقل ولم يغير فيه شيء. وكذلك هو في الألفاظ الفارسية المعربة لأدي شير. والهمزة فيه أصلية. وقد يخفف في الفارسية بحذف الهمزة فيقال (شُنان) بضم أوله. فقد جاء في المعجم الذهبي (شنان بالضم مخفف أشنان، وهو نبات كان يستخدم قديماً لغسل الألبسة عوضاً عن الصابون). وجاء في المظان أنه لا يزال يستعمل في غسل الأيدي والثياب في بعض أنحاء الجزيرة العربية.
2-فات المحقق هنا أن يصحح ما جاء في الأصل. فالصحيح (أشنان بالضم: فُعلال) باللام لا (فُعلان). ودليل ذلك قول صاحب المعرب (وحكم النون أن تكون اللام كررتها للإلحاق بقرطاس بالضم). و (قرطاس) التي أُلحقت بها (أشنان): (فُعلال) على أن الذي جاء في الأصل هو (ملحق بقرطاط) وقد ظنه المحقق محرفاً، وهو صحيح لأن لفظ (قرطاط) بضم الأول (فُعلال). قال سيبويه في الكتاب (ويكون على فعلال بالضم اسماً نحو قرطاط وفسطاط، وهو قليل في الكلام – 2/321). فصحة العبارة إذاً (أشنان بالضم فعلال ملحق بقرطاط). وقرطاط أولى بالتمثيل إذ ليس فيها إلا الضم، والمشهور في (قرطاس) التي مثل بها المعرب كسر أوله، وقد جاء بالضم بل جاء بالفتح أيضاً. ولعله جاء في أصل المعرّب (قرطاط) فحرّف إلى (قرطاس).
3-أقول: فات المحقق هنا أيضاً أن حكاية قول ابن بري (وإن شئت فعلال بالضم مثل لبنان) غير صحيحة. ذلك لأن النون في (فعلان) مزيدة، وفي لفظ (لبنان) أصلية، فأصل (لبنان) في السامية (لبنون) كما في العبرية والآرامية، و (لبنانو) كما في الآشورية. فلبنان إذاً (فعلال) لا (فعلان). وصحة العبارة (وإن شئت فعلان بالضم فكثبان) وكذلك جاء في حواشي المعرّب المخطوط (9012).
ولعل ابن بري قد مثل بـ (كثبان) وهو جمع لأن زنة (فعلان) بالضم كثيرة في الجمع. قال سيبويه في الكتاب (ويكون على فعلان فيهما... وهو كثير في أن يكسر عليه الواحد للجمع-/323) ولو مثل بالاسم المفرد لقال (عثمان أو دكان أو ذبيان) كما جاء في الكتاب.
4-قال المحقق: (المعرّب/ 25).
-أقول: المشهور في (أنطاكية) تخفيف الياء، كما في اللسان ومعجم البلدان، خلافاً للجواليقي والخفاجي في الشفاء. فإذا جاءت في الشعر مشددة الياء فقد قصد بها النسب إلى المدينة لا المدينة، كما أوضحه ابن بري ومثل له ببيت زهير (علون بأنطاكية) أي (بثياب من نسيج أنطاكية)، والبيت لامرئ القيس، كما أشار إليه محقق المعرب(25).
وقد أشار الجواليقي نفسه إلى ذلك حين قال: (وكانوا إذا أعجبهم عمل شيء نسبوه إليها، قال زهير.) وذهب جماعة إلى تشديد الياء فيها كما فعل ابن الجوزي في تقويم اللسان إذ قال (وقد يخففون الياء.. والصواب التشديد مثل: مرقية وأنطاكية). وقال ابن الحنبلي الحلبي بجواز الوجهين. هذا وجاءت الهمزة فيه بالفتح والكسر.
5-قال المحقق: هذا صدر بيت وعجزه (وجلوتها لك فاجتليت عروساً).
-أقول: جاء هذا في كتاب (الوساطة بين المتنبي وخصومه) للقاضي الجرجاني. وقد اعتده من سخيف شعر أبي الطيب (ص/ 79)
6-قال المحقق: وتمام البيت كما في المعرّب (وراد الحواشي لونها لون عندم.
هكذا ورد البيت في معجم البلدان (أنطاكية) منسوباً إلى زهير، ثم ذكر بعده ياقوت بيت امرئ القيس:
علون بأنطاكية فوق عقمة كجرمة نخل أو كجنة يثرب
والبيت في ديوان امرئ القيس. وأما بيت زهير فروايته في الديوان (شرح الأعلم):
علون بأنماط عتاق وكلةٍ ورادٍ حواشيها مشاكهة الدم..
-أقول: الذي قاله المحقق هنا قد جاء على سبيل النسخ لا على سبيل الابتداء لأنه منقول بالحرف من حواشي المعرّب (ص/ 25). وأضاف الأستاذ محمد أحمد شاكر (وقول امرئ القيس: علون بأنطاكية أي رفعن وغطين بثياب من نسيج أنطاكية فهي للنسبة كما قال ياقوت، وليس فيه شاهد لما زعم الجواليقي من تشديد الياء في اسم البلدة). أقول لم يأت الجواليقي بالبيت شاهداً لما ذكر من تشديد الياء في أنطاكية اسم البلدة، بدليل قوله (وكان إذا أعجبهم عمل شيء نسبوه إليها) فقد أشار بهذا أن كلمة (أنطاكية) في البيت، منسوبة إلى البلدة. والعقمة ضرب من الوشي، والجرمة: القوم الذين يجترمون النخل أي يصرمونه، كما جاء في الصحاح، وهي هنا ما صُرم من النخل، والوِراد جمع الورد، والعندم صبغ أحمر، والكلة الستر الرقيق. يقول غطين الخدور بثياب أشبهت في حمرتها وصفرتها حمرة بسر النخل وصفرتها.
7-أقول أسقط المحقق من النص (عند العرب) ولم يشر إلى ذلك. فالذي جاء في الأصل (قال: وكل شيء جاء من الشام فهو عند العرب أنطاكي). ويؤيد هذا ما جاء في حواشي المخطوط (9012) أيضاً!
وجاء في الكتاب (ص/ 35):
قال أبو منصور: و (الأطربون) كلمة رومية(1)، ومعناها (المقدم في الحرب)(2) وقد تكلمت بها العرب.
قال ابن بري: والأطربون قائد من قواد الروم، وأنشد أبو منصور:
فإن يكن أطربون الروم قطَّعها(2)
قال ابن بري: موضع (قطعها) أوهنها(3)
قال أبو منصور: و (آزر) اسم أبي إبراهيم، قال أبو اسحاق: ليس بين الناس خلاف في أنه اسم أبي إبراهيم (تارخ) والذي في القرآن، يدل على أن اسمه (آزر)(4) قال ابن بري: قال ابن هشام: إبراهيم بن تارخ، وهو آزر بن ناحور بن ساروح(5).
1-أقول: في شفاء الغليل أن (أطربون) معرب (أتربوس). وعندي أن أقرب لفظ لأصل (أطربون) المعرّب هو (تريبون: Tribun الفرنسي وأصله اللاتيني (تريبونوس: Tribunus) ومعناه في الأصل القاضي المدافع عن حقوق الشعب عند الرومان، وقد يسمى نائباً لأنه كان ينتخب انتخاباً. وأظنه الأصل المطلوب. هذا وجاء في الكامل لابن الأثير وتاريخ الطبري وفي التاج: (أطرابون)، وقال ابن سيده: هو الرئيس من الروم.
2-قال المحقق: جاء في (المعرب/ 26) قال عبد الله بن سبرة الحرشي: [من البسيط]
فإن يكن أطربون الروم قطَّعها
- فقد تركت بها أوصاله قطعاً
وإن يكن أطربون الروم قطَّعها
- فإن فيها بحمد الله منتفعا
يعني أصابعه. والحرشي نسبة إلى (حرش) موضع باليمن. وعبد الله أحد فتَّاك العرب والإسلام، قاتل بطريقاً من الروم فاختلفا بضربتين فقتل الرومي، وقطعت أصابع عبد الله فرثاها بأبيات، منها هذان البيتان. انظر الأمالي 1/47-48.
أقول هذا ما جاء بالحرف في المعرّب. فنسخه المحقق ولم يشر إلى مصدره. أما قوله (والحرشي نسبة إلى حرش...) فإنه من كلام محقق المعرّب. وقد جاء البيتان في أمالي القالي (1/48) كما أثبتا، وذهب ابن بري إلى أن الصواب إحلال (أوهنها) فيهما محل (قطعها) كما سنراه.
وقد نبه الدكتور حاتم الضامن في نقده للمحقق أن الصحيح في (الحرشي) أنه نسبة إلى (حريش) بالفتح جد الشاعر، وأن محقق المعرّب نفسه قال بهذا في طبعته الثانية مصححاً ما جاء به في طبعته الأولى، وقد ذكر نسبه. والقول ما قاله الضامن وقد جاء في رسالة المبرد (نسب عدنان وقحطان): (ثم بنو كعب بن ربيعة بن عامر من بطونهم: عقيل والحريش وجعدة وصعصعة/4). والحريش لفظاً كثقيف والنسب إليه حرشي كثقفي.
3-قال المحقق: كذا في الأصل ولم أتبين المراد.
أقول: المراد بقول ابن بري هذا أن الصواب إحلال (أوهنها) في البيتين محل (قطَّعها).
وقد جاء خبر الحرشي هذا في شرح الحماسة للإمام الخطيب التبريزي (2/57-59)، قال: (فضربه عبد الله وضربه الرومي فقطع إصبعين له). وإذا قطعت إصبعا عبد الله فقد وهنت يده، فقول ابن بري (أوهنها) على هذا هو الصحيح، لأن الضمير في (بها) من قوله (فقد تركت بها أوصاله قطعاً) إنما يعود إلى اليد التي دهنت بقطع إصبعيها، أي (فقد تركت بيدي أوصاله قطعاً). وكذا الضمير في (قطَّعها) قبل ذلك، ولا يمكن أن يعود إلى الإصبعين. وقل مثل ذلك في البيت الثاني.
أما قول المعرّب (يعني أصابعه) فقد قال محققه إنه زيادة من بعض النسخ. وقد خلا المعرب المطبوع عام (1867) منها. وجاء في حواشي المخطوط (9012): (الذي في شعره أوهنها).
4-قال المحقق: المعرّب- 28/29).
أقول قد مر بنا الكلام على (آزر). وهو أبو إبراهيم عليه السلام، كما هو ظاهر الآية: (وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناماً آلهة- الأنعام/74). وقد أخذ الأئمة بهذا. وقال الطبري قد يكون لأبي إبراهيم اسمان: آزر وتارخ). ويبدو أن ابن بري، قد أخذ بهذا حين قال (قال ابن هشام: إبراهيم بن تارخ، وهو أي تارخ، آزر بن ناحور بن ساروح). وفي ذلك كلام سنبسطه في موضعه.
5-قال المحقق: في كتب التاريخ ومنها (السيرة النبوية) أن شالخ هو جد إبراهيم، ولم أجد (ناحور).
أقول: تناول قول المحقق هذا بالنقد الدكتور حاتم صالح الضامن في مقاله، في مجلة المجمع العلمي العراقي (الجزء/ 2 والمجلد/ 379)، قال (لم يرجع الأستاذ إلى كتب التاريخ والسيرة النبوية، فإنها جميعاً ذكرت –ناحور- وقول ابن هشام في كتابه السيرة النبوية –1/2. وينظر: سيرة ابن اسحاق/1، تاريخ الطبري- 1/233، مروج الذهب –1/55، جمهرة أنساب العرب لابن حزم/ 462. أما شالخ فهو جد إبراهيم الخامس في رواية والسادس في رواية).
وأضيف إلى هذا أنه جاء في سفر التكوين الحادي عشر أن إبراهيم عليه السلام هو ابن تارح، بالحاء، وتارح هو ابن ناحور، وناحور هو ابن سروج لا ساروح كما ذكره ابن بري. أما (شالح) بالحاء فهو جد من أجداد إبراهيم عليه السلام (تاريخ سورية ليوسف الدبس/54).
1 وقريب منه اللفظ العربي (خابية) ولم يسمع إلا بالياء.
-------------------
نشر هذا البحث في :
مجلة التراث العربي-مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب-دمشق العدد 24 - السنة السادسة - تموز "يوليو" 1986 - ذو القعدة 1406