"نحن نعيش عصراً تتحدد فيه أهمية الأمم بقدر ما تنجزه في مجال العلوم وتطبيقاتها التقنية ،ولكي نجد مكانا تحت شمس هذا العصر لابد أن تتوجه خطوتنا الأولى – بجدية وتخطيط علمي- نحو ترجمة العلوم .
تتعاظم أهمية الترجمة العلمية يوماً بعد يوم نتيجة للانفجار المعرفي ، والتقدم التكنولوجي الهائل في جميع مجالات الحياة ، وتزداد هذه الأهمية بالنسبة لعالمنا العربي لكونه – أساساً – متلقياً للمعرفة العلمية أكثر منه منتجاً لها، وهو الوضع الذي يتناقض جوهرياً مع النقص الشديد الذي نعاني منه في مجال الترجمة، بصفة عامة، وفي مجال الترجمة العلمية بصفة خاصة، ويكفي أن نشير هنا إلى ما ورد في تقرير التنمية الإنسانية العربي لعام 2000 من أن إجمالي ما تم ترجمته منذ إنشاء دار الحكمة في عهد المأمون حتى الآن يقدر بعشرة آلاف كتاب، وهو ما يوازي ما تترجمه إسبانيا – مثلاً – حالياً في عام واحد.
ولاشك أن قصور الترجمة العلمية في عالمنا العربي يعد من الأسباب الرئيسية وراء تعثر جهود تعريب التعليم الجامعي ،ويشي بوضوح إلى مدى تفشى داء اللاعلمية الخبيث في مجتمعاتنا العربية.لقد أحدث هذا القصور فراغاً كبيراً في نسيج الثقافة العربية، وبالتالي في تكوين العقل العربي، والذي بات في حاجة ماسة إلى تجديد منطلقاته الفكرية وعدته المعرفية تلبية لمطالب إلحاق بركب مجتمع المعرفة المنطلق الذي بات شعاره " اللحاق أو الانسحاق " ومن أهم هذه المطالب إكساب الفرد القدرة على التعلم ذاتياً مدى الحياة، وهو أمر لا يمكن تحقيقه دون زاد متجدد ومنوع من حصاد المعرفة العلمية والتكنولوجية.
إن ذلك الفراغ الناجم عن قصور الترجمة العلمية يتم ملؤه حاليا بإصدارات تافهة تشيع الفكر الخرافي، وأوهام العلم الزائف عن أسرار الكون والخلق ومجالات التطور الإنساني المختلفة، ناهيك عن ظهور فصائل انتهازية استغلت تعطش الكثيرين للفكر الديني الأصيل فراحت تقدم "سمومها في العسل" لتلحق بعقول أصحاب النوايا الطيبة هؤلاء، بل وبالدين ذاته، وأشد أنواع الضرر، وهكذا تشتد موجات التعصب والانغلاق وأحادية التفكير، ولتخبو بذلك جذوة الإبداع في وجدان صغارنا وكبارنا في عصر بات فيه مصير الأمم والشعوب رهنا بإبداع أبنائها.
لقد ولى الزمن الذي كان فيه العلم حبيس المعامل وحكراً على العلماء والمتخصصين، وذلك بعد أن شاع استخدامه، وانصهرت تطبيقاته في كيان المجتمع الإنساني المعاصر، ولم تعد مسئولية العلماء مقصورة على توليد المعرفة العلمية الجديدة، بل اتسعت هذه المسئولية لتشمل تنمية الثقافة العلمية لدى العامة على اختلاف فئاتهم .
و لقد وعى كثير من هؤلاء العلماء أن العلم يمكن أن يصبح سلاحاً في يد القوى يرهب به الضعيف، وأدركوا كيف يتستر أصحاب القرار وراء قناع العلم من أجل تبرير قراراتهم وممارستهم، وتغطية عجزهم في تبرير التجاوب الفعَال مع المشاكل التي تواجه مجتمعاتهم، خلاصة، لقد باتت الثقافة العلمية من أهم مقومات الإنسان المعاصر، وأصبحت الترجمة العلمية – بالتالي – من أهم مطالب تهيئة مجتمعاتنا العربية للدخول في مجتمع المعرفة.
منظومة الترجمة العلمية:
تسعى المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم حاليا إلى وضع استراتيجية عربية لنشر الثقافة العلمية في أرجاء الوطن العربي، وفي رأي الكاتب أنه لا يمكن تحقيق ذلك دون إعطاء أقصى درجات الأهمية للترجمة العلمية، والنظر إليها كمنظومة متكاملة تشمل رباعية العناصر الداخلية الأساسية .
الإطار العام لمنظومة الترجمة العلمية
المصادر الأجنبية للترجمة العلمية.
المترجم العلمي العربي.
الناشر العلمي العربي .
المتلقي العربي والذي يحتل موقع القلب داخل المنظومة.
و تركز هذه المنظومة على مجموعة من البنى الأساسية (التحتية) وتشمل:
المعاجم والقواميس والمكانز .
بنوك المصطلحات.
قواعد النصوص التي تخزن بها عينة منتقاة من النصوص المترجمة إلى العربية.
مؤسسات تأهيل المترجمين من كليات ومعاهد ومراكز تدريب متخصصة.
تتفاعل منظومة الترجمة العلمية خلال شبكة من العلاقات مع كثير من الكيانات خارجها، يأتي على رأسها:
منظومة التربية.
منظومة الإعلام.
تكنولوجيا المعلومات.
دور النشر الأجنبية ....
=======================
ما مضى جزء من مقال"الترجمة العلمية وعالمنا العربي بقلم . د.نبيل علي " الذي ورد بمجلة العربي العدد 535 يونيو 2003