البحث الذي أجراه عميد كلية الطب بجامعة الإمام البروفيسور/ خالد آل عبد الرحمن

 

لماذا تعليم الطب باللغة العربية ؟
لا شك بأن لغة التعليم والتعليم لها أثر كبير في الفهم والإدراك وسرعة الاستيعاب للمتعلم، وحيث إن اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم وهي أداة تواصل المسلم التي يعتز بها، وفي بلادنا الغالية يتعلم الطلاب في جميع مراحل التعليم العام باللغة العربية فلماذا يتعلمون الطب.. بلغة أخرى تتطلب منهم مضاعفة الجهد في القراءة والكتابة والاستيعاب.
وأظهرت النتائج إلى إن عدداً من الدراسات ايجابيات استخدام اللغة العربية في التعليم الجامعي منها دراسة الجار الله والأنصاري التي أجرياها على 516 من طلاب وطالبات الطب بجامعة الملك سعود، حيث أفاد 49% من الطلاب بأنهم يستوعبون أكثر من 75% من المحاضرة عندما تلقى باللغة الانجليزية بينما أكد 45% لأنهم يستوعبون ما بين 25-75% من المحاضرة، وتزيد نسبة الاستيعاب للمحاضرة إذا استخدمت اللغة العربية مع الانجليزية عند حوالي 90% من الطلاب والطالبات أما إذا كانت كلها باللغة العربية فقد أفاد حوالي 60% منهم أن نسبة الاستيعاب تزيد، وافد 40.4% بأنها لا تزيد، وأفاد 46% من الطلاب يحتاجون إلى نصف الزمن لقراءة مادة مكتوبة باللغة الانجليزية لو كتبت بالعربية.
و17.7% يحتاجون إلى نفس الوقت، بينما يحتاج حوالي 6.3% منهم إلى ثلاثة أضعاف الوقت، ووجد الجار الله والأنصاري أن 27.6% من الطلاب والطالبات يحتاجون لثلث الزمن لكتابة مادة باللغة العربية كانت أصلا بالانجليزية مكتوبة، كما يحتاج 36.9% منهم إلى نصف الزمن و27% إلى الزمن نفسه، ويفضل 45% منهم الإجابة على ورقة الاختبار باللغة العربية، و36.9% الإجابة عليها بالانجليزية، بينما يفضل 15.1% الإجابة باللغة العربية مع كتابة المصطلحات باللغة الانجليزية، وفضل 3% الخلط بين اللغتين دون تدريب ويرى 50.7% أن التدريس باللغة الانجليزية يقلل من فرصة المشاركة أثناء المحاضرات، ويؤيد 60% من الطلاب التدريس باللغة العربية ويرى 8.7% منهم أن لا فرق بين التدريس بأي اللغتين، وأفاد 92.9% من الطلاب بأنه يمكن البدء في تطبيق التعريب فورا.

دراسة سعودية :
وتبين من نتائج دراسة استطلاعية أخرى أجريت في كلية الطب بجامعة الملك فيصل عن موقف طلاب الطب من تعريب العلم الطبي.. بان 80% منهم يوفرون الثلث من الزمن أو أكثر عند القراءة باللغة العربية مقارنة بالانجليزية، وان 72% من الطلاب يوفرون ثلث الزمن أو أكثر أيضا عند الكتابة باللغة العربية مقارنة بالكتابة بالانجليزية ويفضل 23% فقط الإجابة عن أسئلة الامتحانات بالانجليزية، ويرى 75% أن مقدرتهم على الإجابة الشفوية والنقاش أفضل باللغة العربية.
ودراسة أخرى أجراها السباعي على مجموعة من طلاب الطب وأطباء الامتياز والأطباء المقيمين عن متوسط سرعة القراءة باللغتين العربية والانجليزية ونسبة التحسن إذا تمت قراءة النص باللغة العربية على أن سرعة القراءة باللغة العربية هي 109.8 كلمة في الدقيقة بينما هي 67.7 كلمة في الدقيقة باللغة الانجليزية، أي بفارق 23.1 كلمة في الدقيقة لصالح اللغة العربية، أي سرعة القراءة بالعربية تزيد عن 43% على سرعة القراءة باللغة الانجليزية وتبين أن استيعاب النص باللغة العربية أفضل من استيعاب النص نفسه بالانجليزية بزيادة 15% أي أن نسبة التحصيل العلمي هنا ستزداد 66.4% لو كان التعليم باللغة العربية وان طلبة الطب سوف يوفرون 50% من وقتهم لو قرؤوا أو كتبوا بالعربية.

لماذا في كلية الطب بجامعة الإمام :
لقد تميزت الجامعة منذ إنشائها في العلوم الإسلامية والتخصصات الشرعية واللغة العربية، ولقد تطلع كثيرون من الغيورين من أساتذة الطب في الجامعات السعودية منذ صدور القرار السامي بإنشاء كلية الطب في جامعة الإمام إلى أن تبادر الكلية برفع راية تعريب التعليم الطبي وتبني نموذج فريد للمدرسة الطبية الإسلامية.

إيجابيات التعليم باللغة العربية :
إن التعليم باللغة العربية يحافظ على بقاء هويتنا الإسلامية ويزيد من عزتنا والتمسك بقيمنا وثوابتنا وخصوصا في زمن العولمة والهزيمة النفسية أمام العالم الغربي.
إن التعلم باللغة العربية يزيد من سرعة الاستيعاب والفهم العميق لمفاهيم الصحة والمرض وان اللغة التواصل بين المريض والطبيب هي اللغة العربية.
إن التعلم بالعربية لا يعني عدم إتقان اللغة الانجليزية بل يجب أن يتعلم طالب الطب القراءة والكتابة والإلقاء بالانجليزية إلى جانب العربية.
إن الطالب يتلقى علومه كلها في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية باللغة العربية.. ثم إذ بنا نطلب منه فجأة أن يقلب إلى لغة أجنبية كل تعليمه. فأيهما أسهل يا ترى أن نغير لغة التعليم للآلاف المؤلفة من الطلبة إلى لغة غريبة لا يجدون مبررا مقنعاً لانقلابهم إليها.. أم نغير له لغة التعليم لدى الأساتذة فنطلب منهم بدل قليل من الجهد ليستطيعوا التدريس بلغتهم الأم؟!
في المراحل ما قبل الجامعة يكون رصيد الطالب من اللغة الانجليزية متواضعا جدا وبالتالي يجد صعوبة في استيعاب العلوم الطبية الأساسية، ولو كان التعليم بالعربية لزادت حركة التأليف والترجمة ووضع المصطلحات العربية.
إن المصطلح العربي ليس كل المادة الفكرية التي ينبغي توصيلها للطالب أي من المهم أن نلفظ المادة الفكرية بلساننا العربي، وان جميع القوانين الخاصة بتنظيم الجامعات تنص على أن لغة التعليم هي العربية وان التدريس بغيرها يحتاج إلى استثناء أي ليس هناك ضرورة لقرار سياسي للتدريس بالعربية والعودة للأصل.

أبرز العقبات :
ومن أهم العراقيل التي تذكر في وجه التعليم الطبي باللغة العربية هي الافتقار للكتاب المنهجي وكذلك الحاجز النفسي لعضو هيئة التدريس.. وعدم قدرته على التعليم باللغة العربية مثال لذلك.

أولا : فيما يخص الكتاب :
- هناك عجز واضح في الكتاب الطبي العربي.. وفي المعلومات عن الكتب والمراجع المتوفرة حاليا، وعليه لا بد من إجراء مسح شامل لكل الكتب والمراجع الصحية والطبية المتوفرة، كما يجب تزويد المكتبات الطبية بأكبر قدر منها.
- التنسيق في مجال الترجمة حتى لا تتكرر ترجمة الكتاب لواحد ومن الممكن أن يقوم بهذا المركز العربي للتعريب والتأليف والترجمة والنشر بدمشق، وتعطي الأولوية مرحليا لكتب العلوم الطبية الأساسية، ومن الممكن الاستعانة في هذا المجال بالجمعيات العلمية العربية في مختلف العلوم الطبية خاصة للاتفاق على ما يترجم من المؤلفات.
- تنظيم تأليف الكتب المنهجية متعددة المؤلفين وذلك لاختصار الوقت والمساهمة للمتخصصين كل حسب تخصصه، مع محاولة تقييم الكتب العربية المتوفرة حاليا واختيار انسبها لكتب منهجية.
- وضع خطة متكاملة لترجمة الكتب المنهجية وبعض من الكتب المرجعية والتعاقد مع دور النشر للدوريات العلمية لإصدارها، باللغة العربية على أن تشمل هذه الخطة نوع الكتاب الذي يترجم ومحتواه العلمي، والموافقة الكاملة من الناشر ويراعى في طباعة الكتاب العربي المادة العلمية والمراجعة الصحيحة علمياً ولغويا، ونوع الورق والطباعة والصورة على أن يكون في مصاف الكتب المترجم عنها الكتاب وهو عامل مهم (أي نوع الكتاب) شكلا ومضمونا، ويكون الكتاب جاهزا قبل البدء في التدريس مرحلة بمرحلة.
وعند ترجمة الكتب الطبية يجب مراعاة أن هذه الكتب ذات حجم كبير ومادة علمية غزيرة، وعليه يجب أن يكن هناك عدة مترجمين للكتاب الواحد، وهذا يوفر الوقت والجهد في صناعة الكتاب.
- الاتفاق مع دور النشر العالمية على ترجمة بعض الكتب المرجعية في فروع الطب المختلفة وكذلك على إصدار ترجمات عربية لدورياتهم، واستجلاب منشورات منظمة الصحة العالمية باللغة العربية بإعداد كافية لاستعمالها في المكتبات، واعتماد استعمال المعجم الطبي الموحد كأساس في التأليف والترجمة ومراجعته دوريا.

ثانياً : فيما يخص إعداد المدرس :
- أن يكون جميع أعضاء هيئة التدريس ممن يتكلمون، و يتقنون العربية، وتعقد الندوات العلمية وتلقى المحاضرات بالعربية من أساتذة لهم خبرة في التدريس بالعربية، مع تنظيم زيارات دورية لأعضاء هيئة التدريس إلى كليات الطب التي تدرس بالعربية (سوريا مثلا).
- تؤخذ أنشطة الترجمة والتأليف بالعربية في الاعتبار عند الترقية والتعيين وتخصص حوافز مادية وأدبية مجزية لكل انجاز في هذا المجال، وعلى الأساتذة إعداد ملخصات عربية وافية لبحوثهم المنشورة باللغات الأجنبية، مع تشجيع إلقاء بعض المحاضرات الطبية العامة باللغة العربية.
- إيفاد المعيدين لتأهيلهم كأعضاء هيئة التدريس وكذلك تشجيع الدراسات العليا بالداخل، مع تشجيع أعضاء هيئة التدريس على المشاركة في المؤتمرات العلمية بالخارج لمواكبة التطور في مجال العلوم الطبية والصحية.

الطب السعودي :
هل أعضاء هيئة التدريس السعوديون الآن مستعدون لتعليم الطب والعلوم الطبية باللغة العربية؟ يمكن تقسيم موقف أعضاء هيئة التدريس من قضية التعريب الطبي إلى ثلاث فئات:

الفئة الأولى :
هي التي تعارض التعريب بشدة بحجة أن اللغة الانجليزية هي لغة الطب والعلوم الطبية الأكثر انتشارا في العالم، وأنها لغة التعليم في الدراسات العليا والمؤتمرات الطبية العالمية وان تجربة التعليم الطبي في السعودية باللغة الانجليزية طويلة وناجحة ولم تكن اللغة عائقا في تحصيل الطلاب سواء في المرحلة الجامعية أو في الدراسات العليا.

الفئة الثانية :
هي الفئة المتحمسة والتي تؤيد التعريب بشدة، وتدافع عنه في كل مناسبة، بحجة أن كثيرا من كليات الطب العالمية الناجحة تدرس بلغاتها وان الدراسات أثبتت الأثر الايجابي في تعلم الطب باللغة العربية وان تعلم الطب بالعربية لا يعني عدم الإلمام باللغة الانجليزية إضافة إلى قائمة من الحجج التي تدعم رأيها.

أما الفئة الثالثة :
فهي الفئة الوسط التي تؤيد تعليم الطب باللغة العربية شريطة أن تتوفر الشروط والضوابط التي تضمن نجاح القضية وهي التي تؤكد أن قضية التعريب هي قضية وطنية يجب أن تتبناها الدولة ضمن منظومة تعليمية متكاملة ووفق خطة استراتيجية على مراحل متناسقة.
ولقد أجريت دراسة مقطعية في كلية الطب بجامعة الملك فيصل بالدمام في عام 2001م لمعرفة وجهات نظر أعضاء هيئة التدريس من موضوع تعريب التعليم الطبي وكانت نسبة المشاركة في الاستبيان 67% (74% من مجموع 110 أعضاء هيئة التدريس) وهم يشملون 22 أستاذا و27 أستاذا مشاركا، و23 أستاذا مساعدا ومحاضرين ينتمون إلى 24 قسما (أقسام علوم سياسية و18 قسما سريريا) وتبين أن 34 (46%) موافقون و40 (54%) غير موافقون وخلص الباحث من هذه الدراسة إلى انه ما زالت هناك مسافة كبيرة لبلوغ هذه الغاية في تعليم الطب العربية.

خطوات علمية :
الخطوات العلمية لتنفيذ عملية تعريب التعليم الطبي والعلوم الطبية بالمملكة العربية السعودية.
أولاً: عقد ورشة عمل تحت مظلة جامعة الإمام وبرعاية وزير التعليم العالي ووزير الصحة ومشاركة أساتذة وقيادات كليات الطب وأعضاء مجلس إدارة الجمعيات السعودية للتعليم الطبي، تهدف لإعداد مذكرة موضوعية وعملية نحو تعريب التعليم الطبي بالمملكة.
ثانياً: التوصية بتشكيل فريق عمل عالي المستوى لدراسة التجارب العالمية للدول الكبرى التي تدرس الطب بلغاتها. ومنها اليابان وفرنسا وألمانيا وهولندا وكذلك التجربة السورية. ومن ثم الرفع بخطة استراتيجية مرحلية للتنفيذ لمجلس التعليم العالي.
ثالثاً: في حالة موافقة مجلس التعليم العالي، يصدر القرار السامي في تنفيذ القرار على مراحل.
رابعاً : إنشاء هيئة وطنية لتعريب الطب والعلوم الطبية.

الخلاصة :
إن مشروع تعريب الطب في جامعة الإمام لا يمكن أن يتم بمعزل عن الكليات الطبية الأخرى التي لا تزال تدرس باللغة الانكليزية. حيث إن لغة الممارسين والأطباء العاملين في المستشفيات والمراكز الطبية هي اللغة الانجليزية. إن مشروع التعريب هو مشروع وطني يجب أن يتخذ فيه قرار سياسي ويتطلب خطة استراتيجية متكاملة لضمان توفر المصادر الطبية الحديثة باللغتين. وهذا يتطلب مراكز للترجمة الفورية واتفاقيات دولية مع دور النشر الطبية وقواعد البيانات العالمية لجعل اللغة العربية ضمن قائمة النشر.
-----------
المصدر
http://www.albiladdaily.com/news.php?action=show&id=21931

Saldos - Entrega gratuita

التصنيف الرئيسي: 
التصنيف الفرعي: 
شارك: