يعد كتاب التعريب في القديم و الحديث، لمؤلفه محمد حسن عبد العزيز، من الكتب القيمة التي اهتمت بدراسة التعريب، حيث جمع بين آراء المتقدمين و المتأخرين من مختصي هذا الميدان اللغوي الهام.و لقد ارتأيت أن أنجز قراءة في بعض المباحث نظرالأهميتها:
المبحث الثالث: قضايا التعريب عند اللغويين القدامى
المبحث السادس: المجمع و التعريب
المبحث السابع: الأبعاد اللغوية و الثقافية للتعريب
المبحث الثالث: قضايا التعريب عند اللغويين القدامى
بعد حديث المؤلف في المبحث الأول عن علاقة اللغة العربية باللغات المجاورة، تطرق للمعرب في العصر الجاهلي و صدر الإسلام في المبحث الثاني، ليتناول بالدراسة و التحليل قضايا التعريب عند اللغويين القدامى في مبحث ثالث، و هو تدرج تاريخي يقتضيه منطق دراسة ظاهرة التعريب التي تشكل أحد ركائز التراث اللغوي.
يستهل الكاتب حديثه عن التعريب عند اللغويين القدامى بإعطاء تعريف للفظ التعريب نقلا عن العرب، حيث يسمون اللفظ الأعجمي الذي أدخلته في لغتها مُعْرَبًا و مُعَرَّبًا، و التعريب نقل اللفظ الأعجمي إلى العربية، و ليس لازما أن تتفوه به العرب على منهاجها كما قال الجوهري، فما أمكن حمله على نظيره حملوه، فإن لم يكن له نظير تكلموا به كما تلقوه، إلا أن العلم الأعجمي عند العرب ليس بمعرب.
و يسرد بعد ذلك المؤلف أسماء لمؤلفات التعريب لكل من الجواليقي و الخفاجي من اللغويين القدامى، كما ذكر كتبا للغويي العصر الحديث.
بعد وضع حد للتعريب يسترسل الكاتب في بيان معايير الحكم بأعجمية اللفظ عند أئمة اللغة الثقات، لكنه و قبل ذلك ألمح إلى مؤاخذة المحدثين من علماء اللغة أمثال الدكتور عبد الوهاب عزام على أولئك الأئمة كالجواليقي و غيره، أنهم كانوا يسارعون إلى دعوى أعجمية ألفاظ لم يتبين دليل على عجمتها لتشابه لفظين أو لأن اللغات السامية و جاراتها قد تبادلت ألفاظا في أزمنة غابرة، فدخل مثلا في الفارسية ألفاظ سامية أو لأن علماء اللغة لم يعرفوا قرابة العربية مع اللغات السامية فعدوا ألفاظا في لغات سامية دخيلة في العربية.
ثم انتقل لبيان تلك المعايير و التي من بينها: - المعيار الثقافي التاريخي المرتبط أساسا بالاتصال التاريخي بين ثقافتين تبادلت الألفاظ، و باعتماد هذا المعيار أنكر علماء اللغة وجود ألفاظ تركية أو بربرية أ زنجية في القران الكريم لانعدام الاتصال التاريخي. و لقد اقترض عرب العراق من الفارسية و عرب الشام من السريانية، و يذكر من الألفاظ المعربة بهذا الضابط ( درهم و تنور من الفارسية).
و لا يعتبر اللفظ مقترضا إلا إذا نقل بلفظه و معناه من اللغة الأصل حيث لا يوجد له جذر في العربية، حينذاك يحكم عليه علماء اللغة بالعجمة فإن وجد له جذر في العربية كان لفظا عربيا. و هو من أقوى الأدلة على عجمة اللفظ ( مثال: تنور فلا وجود لجذر ت-ن-ر و كذلك مرجان و ياقوت...).
يشير المؤلف بعد ذلك إلى إضراب وقع فيه علماء اللغة في علاج الكلمات المعربة، حيث أن الأصل أن لا تخضع لأحكام الكلمة العربية من حيث التصريف و الاشتقاق و اعتبار الأصلي و الزائد. ثم يذكر أمثلة ( نرجس و منجنيق فمن قائل بأن النون زائدة و من قائل بأنها أصلية، و قيل بأن الميم زائدة. و كنتيجة لذلك اضطربت المعاجم في تحديد موضعها ( مجن في المصباح و مجنق في اللسان و جنق في الصحاح)، و نفس الإشكال طرح مع ألفاظ أخرى اصطبل و استبرق و زرجون...
بعد هذا الاسترسال في ذكر المعيار الأول، يذكر المؤلف المعيار الثاني المتمثل في مخالفة اللفظ للأوزان العربية للحكم عليه بالعجمة (ابريسيم مثلا)، و عدد أوزان العربية كما قال به سيبويه 308، و وصل العدد مع ابن القطاع إلى 1210 أوزان، و لقد اهتم ابن خالويه بذكر ما ليس في كلام العرب من أبنية إلا أنه سوى بين أبنية عربية و معربة.
و توسع النحاة في تعداد الأبنية و أضافوا إليها أمثلة معربة منهم أبو حيان في كتابه ( ارتشاف الضرب) كمفعلان: مهرجان، و منفعيل: منجنيق، و فنعليس: خندريس، و فعلى: كمثرى... يتبادر إلى ذهن الكاتب تساؤل يتعلق بإضافة أبنية لألفاظ معربة إلى الأبنية العربية، حيث يقترح جوابا على ذلك فرضيتين: إما أن العرب قد غيرت تلك الأبنية و ألحقتها بكلامها؟ أو أنها لم تلحقها؟ و لحل هذا الإشكال يستنجد بسيبويه الذي اشترط لإلحاق أبنية أعجمية بالعربية أن يكون لها نظير من كلام العرب ( درهم ألحق بهجرع و بهرج بسهلب...).
وبهذا الضابط لا تعتبر تلك الأمثلة التي وضعها أبو حيان عربية و إن غيرت أبنيتها لعدم موافقتها لأوزان العرب، و لعدم وجود جذر لها.
يأتي الكاتب بعد ذلك على ذكر آخر معيار نحكم به على اللفظ بالعجمة متمثلا في اجتماع الحروف و تواليها، حيث ذكر العلماء نتيجة استقراء معاجم اللغة، ( كلسان العرب) أن بعض الحروف إذا أتت متوالية أو مجتمعة في لفظ فليس اللفظ بعربي: كالجيم و القاف ( قبج و جوق) و الجيم و الصاد ( جص و صولجان) و لا تأتي الزاي بعد الدال ( هنداز و مهندز فأبدلوا الزاي سينا) و لا تأتي دال بعدها ذال و الجيم و الطاء و السين و الذال ( أستاذ) و الراء بعد النون ( نرجس و نرجة).
بعد هذا العرض المفصل لمعايير الحكم على لفظ بالعجمة لدى اللغويين الأقدمين، ينتقل بنا الكاتب للحديث عن مذاهب العرب في استعمال الألفاظ الأعجمية بين التعريب بتغيير و بدون تغيير.
و قبل الخوض في هذا المبحث يذكرنا الكاتب بأن العرب عربت من الفارسية أكثر لاتصالها بها أولا و لكتابة الفارسية بأحرف عربية ثانيا، لهذا السبب يكثر استشهاد الكاتب بالألفاظ الفارسية المعربة.
و بالنسبة للتعريب بدون تغيير فقليل في العربية ( بخت، سخت...) أما التعريب مع التغيير فيكثر استعماله، و بالعودة إلى اللغويين القدامى أمثال سيبويه، نجده يقسم التعريب مع تغيير إلى أربعة أنواع: أ- إبدال حرف صامت باخر صامت ( لكام: لجام استبدلت الكاف بالجيم، و صرد بسرد السين بدل الصاد).
ب- إبدال حركة صائت بحركة صائت ( شَطرنج: شِطرنج، دَستور: دُستور).
ج- زيادة حرف و نحوه ( رنده: أرندج زيدت الألف و استبدلت الهاء جيما).
د- حذف حرف أو أكثر ( سابور أصلها شاه بور، و بريد أصله بُرَيدة).
يتناول المؤلف عنصرا آخر من مباحث التعريب التي عالجها الأقدمون، و يتعلق الأمر بالتعريب على غير أوزان العرب، فبعد استعراض مقطع من مؤلف سيبويه الكتاب، يخلص إلى أن منهج العرب في التعريب هو:
- أنها ألحقت ألفاظا، غيرتها،بالأبنية العربية.-و لم تلحق ألفاظا، غيرتها، بالأبنية العربية.- و ألحقت ألفاظا لم تغير بأبنيتها.- و لم تلحق ألفاظا لم تغير حروفها بالأبنية العربية.
ويستنتج الباحث أن المعرب لم يقتصر على ما ألحقته العرب بأبنيتها، و موقف سيبويه له ما يبرره بحسب الكاتب حيث لم تكن العجمة قد نالت من العربية الفصيحة، و هو نفس موقف الخليل، لكن الموقف تغير مع الجوهري في القرن الرابع الهجري صاحب كتاب الصحاح، الذي اشترط في المعرب أن يكون مما تفوهت به العرب على منهاجها، و سبب تشدده راجع إلى تفشي العجمة بشكل كبير، و هو نفس الموقف الذي عبر عنه بن جني و الحريري، و كمثال على ذلك قال الجوهري بكسر شين شطرنج لتوافق الوزن العربي.
لكن الخفاجي رفض موقف الجوهري و خطأه في كثير مما ذهب إليه، و سار بذلك على منهج سيبويه في عدم اشتراط أن يجيء المعرب على أوزان العرب. و عبر بن فارس عن نفس الموقف.
يستعرض الكاتب قضية أخرى من قضايا التعريب التي تطرق لها الأقدمون، و يتعلق الأمر باراء و مواقف القدامى من الاشتقاق و التصريف فيما تعلق بأسماء الأعلام و الأجناس ( كاستبرق و صولجان...)، ويبين موقف اللغويين القدامى من الأعلام حيث يعتبرونها غير معربة، بل تبقى على أعجميتها لامتناعها على الصرف (إبليس، جهنم...)، كما أنهم لم يحكموا عليها بالاشتقاق، و إن وافقت لفظا عربيا ( إبليس#أبلس، و إسحق#أسحق).
و فيما تعلق بأسماء الأجناس فقد ذكر الخليل بن أحمد أن العرب تصرفوا في الكلمة المعربة كتصرفهم في الكلمة العربية، كما صرح بجواز الاشتقاق من الاسم العربي ( باشق منه بشق)، و نفس الموقف عبر عنه سيبويه، لكنه يخضع اسم الجنس الأعجمي للموانع الصرفية التي تلحق الاسم العربي.
و من أمثلة الاشتقاق من المعرب لفظ ديوان اشتق منه الفعل دون، و النورز منه فعل نورز، و لجام منه ألجم.
و يعبر علماء اخرون عن رفض الاشتقاق من المعرب لأن الاشتقاق لا يكون من لغة إلى أخرى.
يتناول الكاتب بعد ذلك علاقة المعرب بالمشترك اللفظي كقضية من قضايا التعريب التي تحدث عنها الأقدمون، حيث أن اللفظ المعرب قد يتفق مع كلمة عرية في المعنى، و يورد بعض الأمثلة:
كلمة سور العربية مع سور الفارسية، فالأولى بمعنى الحائط و الثانية بمعنى الطعام.
كلمة زور العربية توافقت من حيث اللفظ مع كلمة زور المعربة، و العربية بمعنى شهادة الباطل، و الثانية بمعنى القوة و العزيمة.
وشهر الفارسية و هي بمعنى المدينة و شهر العربية بمعنى جزء من الوقت.
وقط والتي تدل على السنور، و قط النبطية بمعنى الحساب و لقد وردت في القران الكريم قال تعالى:« وَ قَالُواْ رَبَّنَا عَجِّلْ لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ ».
و كعنصر أحير في هذا المبحث، يستعرض الكاتب كيفية ترتيب المعرب في معاجم اللغة، و يذكر أن الخليل ضمن معجمه ( العين) الكثير من الكلمات المعربة التي تناقلها عنه اللغويون، و كان يشير إلى معانيها و ينسبها إلى لغتها الأصلية، كما وضع الخليل القواعد التي يعرف بها الكلام العربي من غيره، و يؤكد على أن السماع من العرب الثقات هو الأصل، إلا أنه كان لا يفرق بين المعرب و الدخيل.
و ممن كتبوا عن المعرب ابن قتيبة في مؤلفه ( أدب الكاتب )، و ابن دريد في (الجمهرة )، و الثعالبي في ( فقه اللغة) و ابن سيده في ( المخصص)، لكن الكاتب أن أول كتاب ألف في المعرب بصورة مستقلة عن المباحث الغوي الأخرى هو أبو منصور الجواليقي في كتابه ( المعرب من الكلام الأعجمي على حروف المعجم )،
كما اعتنى الفيروز ابادي بالمعرب في( القاموس المحيط).
المبحث السادس: المجمع و التعريب
بعد العرض الكرونولوجي لتطور الدراسات اللغوية حول قضية التعريب، بدءا باللغويين القدامى، ثم مرورا بالعصر العباسي وصولا إلى العصر الحديث، يتناول بالدراسة و التحليل علاقة المجمع اللغوي بالتعريب في المبحث السادس.
و لقد كان المعرب حسب الكاتب من المواضيع الرئيسة في أبحاث المجمع، حيث كان من بين القرارات الأولى التي أصدرها المجمع تتعرض للمعرب، ففي دورته الأولى أقر المجمع بما يلي: يجيز المجمع أن يستعمل بعض الألفاظ الأعجمية عند الضرورة على طريقة العرب في تعريبهم. و يقصد بالألفاظ هنا الألفاظ التقنية و العلمية، كما أصدر المجمع قراران متممان للقرار الأول جاء فيهما: يفضل اللفظ العرب على المعرب القديم إلا إدا ا اشتهر المعرب، أما القرار الثاني: ينطق بالمعرب على الصورة التي نطقت بها العرب.
و ظل المجمع متشبثا بقراراته إلى سنة 1938، حيث جاءت مبادرتان لكل من الشيخ الاسكندري و أخرى للمغربي كان لهما حسب الكاتب أثر في قرارات المجمع.
- كان الشيخ الاسكندري يمثل التيار المحافظ داخل المجمع، لدلك أثر في القرار الأول للمجمع حول المعرب، و علل موقفه بالخوف من غلبة العجمة على اللغة العربية، و أنه اثر تطهير لغة التدريس في الابتدائي و الثانوي. أما عن مبادرته فإنه يقترح تعريب العلوم خاصة الكيمياء الذي كان يشهد ثورة أنداك، و يشترط لنجاح تلك المبادرة اتفاق شيوخ العربية مع مدرسي و علماء االكمياء، و يقترح استبدال الزوائد التي في آخر الكلمات بصيغ من المشتقات، مثلا يقترح استبدال أوكسجين بلفظ مصدئ، و الكالسيوم بالكلاس.
لكن مشكلة تعريب المصطلح العلمي أكثر تعقيدا في نظر المؤلف، ما يتطلب وضع منهج مطرد في وضع المصطلحات، و أسلوب رمزي مختصر، كما يوجه الكاتب نقدا للشيخ الاسكندري، يتمثل في اختيار أسماء عربية هي من مهجور الكلام، كالشدام و المقرم، و هي ألفاظ صعبة على المدرس و طالب العلم على السواء.
لدلك رأى علماء الكيمياء، أمثال يعقوب صروف و الشهابي، تعريب تلك الأسماء من غير تبديل، و ما دعم هذا الرأي، حسب المؤلف، أن أسماء العناصر الكيميائية أقرب للأعلام، أما أسماء المعاني فلا تطرح أي إشكال لوجود المقابل لها في العربية.
- ينتقل الكاتب بعد دلك لعرض مبادرة عبد القادر المغربي، الذي ركز على الألفاظ المتداولة في الحياة اليومية، ففي الوقت الذي دعا المجمع إلى إيجاد ألفاظ مقاربة في معناها لما يدل عليه اللفظ الأجنبي، مثلا نستبدل لفظ ترام tram بالجماز، كان للمغربي موقف مخالف، حيث رأى عدم الاكتفاء بعربية الصدر الأول لاستخراج ألفاظ العصر الحديث، بل من حق جمهور العصر الحالي اختيار ألفاظه حسب دوقه.
تجويز التوسع في التعريب، و قبول الكلمات الدخيلة المتفشية في لغتنا، مثلا: سينما، صالون، بلكون...لكن دعوته قوبلت بالرفض من طرف المجمع.
بعد هدا الاسترسال في عرض مبادرتي الاسكندري و المغربي، يطرح مقاربة المصطلح العلمي بين التعريب و الترجمة و مواقف المجمع اللغوي منها، فبعد عشرين سنة من اتباع منهج التعريب، وجدت صعوبات كثيرة أدت إلى الدعوة إلى لخطة جديدة في صوغ المصطلح العلمي، حتى تجاري النهضة العلمية العربية نظيرتها في الغرب، فبرز حسب الكاتب اتجاهين، اتجاه يفضل التعريب و اتجاه يقدم الترجمة، دون إلغاء لأحدهما.
ثم يستعرض الكاتب مواقف الاتجاهين، بدءا بالتعريب الذي كان يقوده الدكتور محمد كامل حسين، حيث قدم بحثين ألأول عن خصائص اللغة الإنسانية و اللغة العلمية، و الثاني عن مشكلة المصطلحات العلمية في اللغة العربية.
ففي علاقة اللغة بالعلوم، يرى الدكتور كامل أن اللغة نوعان، لغة تفاهم غرضها التعبير و التأثير و لغة فهم تتعلق بالعلوم، و اللغات إما اشتقاقية لها حدود ينتهي عندها نموها، و أخرى إضافية تكثر ألفاظها بإضافة مقاطع كثيرة إلى كلماتها فهي لا حد لها، و اللغات الاشتقاقية كالعربية لا يمكن الزيادة فيها على حد زعمه، فناسبت مذاهب التفكير كالدين و الفلسفة.
لكن الكاتب يرد على الدكتور كامل بأن اللغة العربية لغة اشتقاق لكنها تستعمل اللواصق ( تاء التأنيث، ياء النسبة..) فهي بذلك إضافية، كما أن للاشتقاق مزايا منها إمكانية توليد 14 صيغة فعلية من جذر واحد ،و اشتقاق 14 صيغة اسمية أو وصفية أي 196 لفظا من جذر ثلاثي.
و من حيث سمات اللغة العلمية يرى الدكتور كامل أن من شروطها أن تكون محددة الألفاظ واضحة المدلولات بسيطة الأسلوب و قابلة للنمو، و أن تكون بعيدة عن لغة العامة.
و في قضية المصطلح العلمي، يطرح الدكتور كامل مشكلة إيجاد أسماء لكل جديد، فاختار أعضاء المجمع اللغوي تسميته تبعا للصفة الغالبة عليه، و أن يشتقوا منها أسماء، لكن هذه الطريقة منتقدة من جهة أن اكتشاف صفات جديدة للمصطلح يضيع معه المعنى الأول ( سمي الأوكسجين مكون الصدأ).
ثم و بعد طرحه للإشكال يحدد صفات للمصطلح العلمي من بينها: كونه لفظا لا عبارة و أن يكون محدد المعنى، و أن تكون المصطلحات بطبيعتها قابلة للتنسيق العلمي و قابلة للزيادة و النمو.
و ينتقد الدكتور كامل استعارة الألفاظ الميتة من اللغات الميتة مع وجود مرادفات في اللغات الحية. كما يدعو إلى العناية بالتصنيف و التبويب باعتباره ضروريا لحياة المصطلحات.
و لوضع قواعد عامة للمصطلح العلمي، يجب، حسب الدكتور كامل، تحديد المشكلة تحديدا دقيقا، و يأخذ على علمائنا التوهين من عظم إشكال المصطلح العلمي، و عنايتهم بسلامة اللغة العلمية من حيث موافقتها لأوزان العربية، من دون مراعاة لخصائص اللغة العلمية من حيث دقتها و تبويبها و سهولة نموها، و لوضع قواعد للغة العلمية لا بد من الفصل بين اللغة العلمية و اللغة الأدبية. لذلك فهو يرفض المصطلحات العربية القديمة.
كما يأخذ على المجمع محاولة وضع نظام عربي للمصطلحات العلمية التي ضبطت وفقا لأصول اللغة اليونانية، و هو عمل يحتاج ربما لقرون على حد قوله. كما يرفض ترجمة الأصول اليونانية و اللاتينية.
و يبقى التعريب الطريق الأمثل، لكن بضبطه بتقييده بقيود، حسب الدكتور كامل حسن دائما منها: كل مصطلح يدل على عين من الأعيان وجب تعريبه (الأوكسجين)، و كل تصور علمي خاص يعرب ( إيون، أنزيم)، كما يوجب تعريب كل ما هو جزء من تصنيف عام كأسماء الأجناس و الأنواع، أما ما اشتق من لغة عامة فيترجم.
و يشير الدكتور كامل حسن أن سبب مواقفه تلك، هو خدمة اللغة العربية و جعلها تنبض بالحياة.
بعد عرض الكاتب لآراء و مواقف الاتجاه الأول في المجمع حول قضية المصطلح العلمي، والذي اثر التعريب، يعرض لمواقف الاتجاه الثاني و الذي يقدم الترجمة على التعريب، و يمثل هذا التيار مصطفى الشهابي و أحمد عمار، و قد كان لهما مشرعان حول اصطلاحات حول علوم الحيوان و الأرض و العلوم الطبية.
فبعد نجاح المجمع في وضع اصطلاحات لحلقات التصنيف في الحيوان و النبات، كان عليه أن ينظر في الألفاظ الأعجمية و العربية في داخل كل حلقة، و في هذا الصدد جاء بحث الشهابي الذي وضع عدة قواعد في هذا الإطار من بينها: فيما يخص التصنيفات الكبرى أي ما دل على الشعب و الطوائف و الرتب لا يطرح أي إشكال، لكن على مستوى صفات التصنيفات فلا بد من ترجمتها.
أما الألفاظ الدالة على الأجناس فالقسم الذي يدخل في خانة أسماء الأعلام فيبقى على حاله إلا إذا كان له مقابل في العربية.
و فيما يخص الأسماء الدالة على صفات الأجناس فما عرف له اسم عند القدماء بقي على حاله ( القمح مثلا)، أما ما لم يعرفه القدماء فيترجم إن أمكن و إلا عرب، و بذلك فإن الشهابي بحسب الكاتب يقدم الترجمة على التعريب.
و في جانب العلوم الطبية، فقد كان غرض المجمع الوصول إلى تدريس العلوم الطبية باللغة العربية، لذلك كان لا بد من مواءمة المصطلحات العربية للأجنبية نظرا للترتيب المنهاجي العلمي.
و القصد من المواءمة الربط بين المصطلح العلمي العربي و الأجنبي.
و قد تمت صياغة خطة منهجية لتحقيق هذا الهدف، حدد من خلالها أحمد عمار قواعد منها: مضاهاة الإفراد اللفظي لمثله أي ترجمة المصطلح العلمي المفرد بمثله، و مقابلة المترادفات بمثلها. كما يقترح ترجمة المصطلحات العلمية المشتركة بين العلوم.و يقترح إيثار الألفاظ النادرة التداول و التوسع في تطويع اللغة للاشتقاق. و لا يفضل اللجوء إلى التعريب إلا عند الضرورة.
و يربط نجاح الخطة بتعاون اللغويين مع العلميين.
و يبقى الإشكال المطروح أمام الخطة هو: متى نشتق؟ و متى نعرب؟ ولحل الإشكال يرى أن التعريب يصير مباحا عند استعصاء الترجمة.
تبين للكاتب أن الاختلاف بين الاتجاهين في من الأول، الترجمة أم التعريب؟
و لتفادي الخلاف دعا الشهابي المجمع إلى اتباع خطوات اقترحها كحل وسط، تتمثل في تحري لفظ عربي يؤدي معنى الأعجمي، و إذا لم يوجد للفظ الأعجمي مقابل ترجم بمعناه، و كخطوة أخيرة يتم اللجوء إلى التعريب.
فأجاز المجمع آراء الدكتور مصطفى الشهابي.
بعد هذا العرض لمواقف الاتجاهين و لحل الشهابي، ينتقل الكاتب للحديث عن نظرة أعضاء المجمع للتعريب بين متشدد و متوسع.
حيث يخشى الفريق الأول طغيان لغة العلم بكمها الهائل من المصطلحات على لغة الأدب فيستغلق على الناس بعد حين فهم القران و الحديث و تراث الأمة. لكن الفريق الثاني يعطي رؤية مغايرة، فهو لا يعتبر الألفاظ الأعجمية من مقومات اللغة حتى نخشى على اللغة العربية، و يستشهدون باللغة الانجليزية التي تتضمن ألوفا من الألفاظ العلمية المشتركة و مع ذلك لا يخشى عليها أهلها، و يقف المؤلف موقفا وسطا بين التيارين حيث يأخذ على المتشددين مبالغتهم في الخوف على اللغة ذلك أن استعارة المفردات مسألة خارجة عن اللغة، لكنه في نفس الوقت لا يهون من خطر الكلمات المعربة.
بعد هذا العرض المفصل لآراء بعض الاتجاهات داخل المجمع حول قضايا التعريب، يتناول المؤلف قضية أخرى من قضايا التعريب التي طرحت جدلا داخل أوساط المجمع، و يتعلق الأمر بالتعريب على غير أوزان العربية، حيث تشترط المجمع التعريب على أوزان العربية.
لكن أحد أعضاء المجمع و هو محمد شوقي أمين دعا إلى عكس قرار المجمع، و استدل بمواقف بعض علماء العرب كسيبوبه الذي لم يشترط ذلك.
بعد ذلك يثير الكاتب مسألة الاشتقاق من أسماء الأعيان المعربة، و قد اقترح الدكتور إبراهيم أنيس الاشتقاق على صيغ معينة فَعل و فعلل و استفعل، و قد أقر المجمع الصيغتين الأولى و الثانية، و ربطته بالحاجة العلمية ( بستر من باستور، و فبرك من الفابريكة، و بلور من البلور).
و مما تدارسه المجمع أيضا، كتابة الأعلام الأجنبية و المصطلحات العلمية المعربة، بحروف عربية.
ثم ينتقل الكاتب إلى تحديد المفهوم الاصطلاحي للمعرب و المولد، حيث وافق تعريف المجمع تعريف الجوهري للمعرب، و هو: أن تتفوه به على منهاجها. و ضبط هذا التعريف في المعجم الوسيط الذي أصدره المجمع.
فورد فيه: المعرب هو اللفظ الأجنبي الذي غيره العرب بالنقص أو الزيادة أو القلب.
أما الدخيل: فهو اللفظ الأجنبي الذي دخل العربية دون تغيير.
و فيما يخص التأثير المتبادل بين العربية و اللغات الأخرى، فقد وقع خلاف حول أصل كثير من الكلمات المعربة، مما دفع بكثير من أعضاء المجمع إلى إنجاز بحوث و دراسات حول تأثير اللغات الأجنبية في العربية، و ممن كتب في هذا الباب محمد الفاسي و عبد القادر المغربي و رمسيس جرجس و أحمد بدوي و عبد الوهاب عزام و غيرهم.
و كقضية أخيرة من قضايا التعريب التي تدارسها المجمع، يورد الكاتب مسألة اللواصق بين التعريب و الترجمة.
ويبدأ بإعطاء تعريف لمصطلح اللاصقة و يظهر كيف أن اللغات الأخرى استعملت اللواصق في صوغ مصطلحاتها.
و قد عمل المجمع على مقابلة مصطلحات أجنبية ذات لواصق بألفاظ عربية أو معربة تؤدي معناها.
المبحث السابع: الأبعاد اللغوية و الثقافية للتعريب
يتحدث الكاتب في هذا المبحث عن أبعاد التعريب في جانبها اللغوي و الثقافي، و يبدأ بالبعد اللغوي حيث يعطي خلاصة للمباحث السابقة التي تحدث فيها عن التعريب في إطاره الاصطلاحي، و كيف تطور هذا المفهوم من دائرته الضيقة عند سيبويه و الجوهري و غيرهم، إلى دائرة أوسع أصبح التعريب مرادفا للترجمة في العصرين العباسي و الحديث، لكن بعض المحدثين توسعوا أكثر في التعاطي مع مفهوم التعريب، حتى اعتبروا الفتح الإسلامي تعريبا للشعوب التي دخلت الإسلام.
ثم يتحدث عن التعريب في إطار جغرافي و سياسي، حيث يختلف تعريف المشارقة عن تعريف المغاربة، ففي الوقت الذي يتعاطى علماء المشرق مع التعريب كظاهرة لغوية من مباحث الدرس اللغوي، يتعامل معه علماء المغرب العربي على أنه قضية سياسية و وطنية تتعلق بالهوية العربية و الإسلامية و بالتراث و الأصالة و أنه رمز للتحرر من التبعية للمحتل.
يستعرض بعد ذلك التعريب في بعده السياسي، حيث يربطه بالوحدة العربية و أنه الأداة التي يمكن أن تتحقق بها هذه الوحدة. و كيف أن الاحتلال فطن لأهمية اللغة في إبقاء سيطرته و هيمنته على الشعوب العربية المحتلة، بحيث سعى إلى تهميش العربية و محاربتها و استبدالها بلغة المحتل كلغة رسمية.
و من قضايا التعريب الثقافية التي تعرض لها الكاتب، قضايا تعريب التعليم و توحيد المصطلح العلمي، و كيف أن توحيد المصطلحات يشكل خطوة نحو التعريب العلمي و الفكري. لكنه يلقى معارضة من أبناء اللغة العربية، و في نفس الوقت يلقى تأييدا و دعما من أبنائها المخلصين.
تلك كانت بعض المباحث التي عملت على قراءتها قراءة أفادتني كثيرا، حيث ازداد تعلقي باللغة العربية، و معرفتي بمصطلحات التعريب و المعرب، و تطور المفهوم تاريخيا، و الدور الذي لعبه مجمع اللغة في التقعيد للتعريب و ضبطه حتى لا ينفلت زمام الأمور فتضيع اللغة العربية. كما تعرفت على علماء اللغة القدامى و المحدثين، الذين أحبوا اللغة العربية و دافعوا عنها.، كالجوهري و سيبويه و الشهابي و الاسكندري و المغربي ...