المنهج هو مجموعة من الخبرات والمواقف اللغوية التعليمية التي تخطـط وتقــدم للدارسين لتمكينهم من تعلم اللغة استعمالاً وممارسة، ومن ثم يلزمهم دراسة الأسـس والمعايير التي على أساسها تختار هذه الخبرات والمواقف وتخطط وتنظم وتسلسل في مستويات تتتابع بتتابع مستويات تعلم اللغة.
المنهج وسيلة لتحقيق أهداف تعليم اللغة، ومن ثم يلزمهم أن يتعرفوا ويمارسوا كيفيـة صياغة الأهداف التعلمية وترجمتها إلى سلوك لغوي يمكن تنميته وملاحظته وضبطـه وقياسه.
العوامل المؤثرة في بناء المنهج :
هناك العديد من العوامل التي تؤثر في هذا المنهج نشير إلى بعضها هنا بإيجاز :
1. تطور الدراسات اللغوية والدراسات التربوية في ميدان تعليم اللغات وتعلمهـا ممـا أدى إلى استحداث مناهج جديدة في دراسة اللغات وتعليمها وظهور علوم جديـدة مثـل علم النفس اللغوي وعلم اللغة النفسي وعلم الاجتماع اللغـوي والدراسـات التقابليـة، وظهور مداخل جديدة لتعليم اللغة وتعلمها مثـل المدخـل الإيحائي، والمدخل اللغوي التكاملي، ومدخل الاستجابة الجسمية الشاملة... الخ.
2. تطور استخدام التكنولوجيا الحديثة في تعلم اللغات وظهـور الحاسـبات الآليــة والأجهزة الصوتية والمرئية واستعمال الوسائط المتعددة في التدريس، ممـا أدى إلى استحداث برامج لتعليم اللغات تعتمد على التعلم الذاتي الفـردي والجمـاعي.
3. زيادة الاهتمام بالبحث العلمي التربوي في ميدان تعليم اللغات وتعليمها ممـا أدى إلى ظهور اتجاهات جديدة في بناء المناهج والبرامـج مثل البرمجة، والنمذجـة والكفاءات، والأداء... الخ.
4. الاهتمام بالمستوى الفني للمعلم، والاتجاه نحو إعداد معلم اللغـة العربيـة لغير الناطقين بها، وإنشاء العديد من المعاهد التي تقوم على إعداده وتدريبه، وإقبـال معلمي هذه اللغة في أنحاء العالم المختلفة على الدورات التدريبية التي تقـوم بهـا المنظمات العربية والإسلامية الدولية منها والمحلية لتدريب المعلمين، ومن ثم فإن نجاح أي منهج أو برنامج لتعليم العربية إنما يتوقف على مدى الاهتمام بالمستـوى الفني للمعلم.
5. طبيعة وخصائص الدارسين المقبلين على تعلم اللغة العربية من الصغار والكبار، ومن مختلف الجنسيات واللغات والأغراض، فكلمـا توافـرت لدينـا دراسـات ومعلومات ومعارف وبيانات حول نوعية الدارسـين وخصائصهـم وأعمارهـم ولغاتهم ودوافعهم وخبراتهم السابقة، توافرت لدينا إمكانية بناء مناهج فـي تعلـم اللغـة وبرامج مناسبة لهم، بالإضافة إلى إمكانية إعداد المواد التعليمية المناسبة لهم أيضاً.
6. تجارب الأمم الأخرى في تعليم لغاتها ونشرها، هذه التجارب التي يمكن أن نفيـد منها في بناء برامج تعليم اللغة العربية من حيث المداخـل والطـرق والفنيــات والاستراتيجيات ومن حيث التكنولوجيات والوسائل.
الأسس التي يستند إليها بناء منهج تعليم اللغة العربية:
1. الخبرة اللغوية والممارسة.
2. طبيعة اللغة العربية.
3. الثقافة العربية الاسلامية.
4. طبيعة المتعلمين للغة.
5. طبيعة عملية تعليم العربية باعتبارها لغة أجنبية.
المحتوى التعليمي :
يقصد بالمحتوى في منهج تعليم اللغة العربية لغير الناطقين به مجموعة المواقف التعليمية ذات المضمون اللغوي والثقافي والاتصالي المقدمة للطالب، وأيضاً الأنشطة اللغويـة والثقافية والاتصالية التي تسهم في تعلم اللغة عن طريق ممارسة الطـالب لهــا ومعايشـته لمضمونها.
ولكي نختار هذا المحتوى بشكل سليم، لابد من معايير لاختيار المحتوى اللغوي بشكل يستجيب لطبيعة اللغة العربية وخصائصها، وأيضاً يستجيب لطبيعة الدارس وسنه ومستواه وأغراضه ودوافعه. وهكذا في المحتوى الثقافي لا بد من معايير لكي يستوفي المحتوى طبيعة الثقافة العربية الإسلامية، وأغراض ودوافع المتعلم أو الدارس. وهناك أيضاً المعايير التربوية من حيث معالجة هذا المحتوى تربوياً وتعليمياً، بحيث يتحول إلى مادة تصلح وسيلة لتعلم اللغة وتعليمها، وذلك من حيث الكم والكيف والمعالجة التدريسية والتدريبات... إلخ.
وإلى جانب هذه المعايير، لابد من معرفة مجموعة من الطرق لاختيار هذا المحتوى، منها :
أ) آراء الخبراء والمختصين في تعليم اللغة العربية لغـير الناطقـين بهـا، وفـي الدراسات اللغوية، والدراسات النفسية، وأيضاً الخبراء في الثقافة العربية الإسلامية.
ب) تحليل دوافع الدارسين ورغباتهم وأغراضهم، والأنشطة اللغويـة التـي يـودون الانخراط فيها بعد تعلمهم العربية.
جـ) أهداف المنهج ومستوى المهارات اللغوية المطلوبة للأداء اللغوي.
د) الدراسات المقارنة لمناهج تعليم اللغات الأجنبية وخبرات أصحاب هذه اللغات فـي تعليم لغاتهم، بالإضافة إلى الدراسات التقابلية بين اللغة العربية ولغات الدارسين.
وبنظرة فاحصة نجد أن هذه الطرق ليست طرقاً منفصلة أو منعزلة عـن بعضـها، فهي في مجموعها تشكل الطريقة العلمية المتكاملة لاختيار المحتوى، إذ لابـد مـن آراء الخبراء والمختصين، ولا بد من دوافع الدارسين وأغراضهم، ولا بد مــن الارتباط بأهداف المنهج والاستعانة بمناهج تعليم اللغات الأخرى وخبرات القائمين على تعليمها، وأيضاً الدراسات المقارنة والتقابلية، فكل هذه الطرق مجتمعة تمكننا من اختيار محتوى المنهج بشكل علمي وسليم. ويبقى أن نشير إلى طريق آخر، ألا وهو ضرورة تجريب المحتوى وتعديله في ضوء هذا التجريب.
وهناك أيضاً معايير عامة لا بد من مراعاتها عند اختيار محتوى منهج تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، منها :
1. صلة المحتوى بأهداف تعليم اللغة، بمعنى أن يكون المحتـوى ترجمـة أمينــة للأهداف يقدم خبرات تعليمية تحقق الأهداف لدى الدارسين.
2. صدق المحتوى وأهميته، وصدق المحتوى يعني أن يكون المضمـون اللغــوي والثقافي والاتصالي لهذا المحتوى صحيحاً علمياً من حيث ما يتضمنه من معلومات ومعارف وقواعد وأسس ومبادئ ونظريات، أما أهميته فتعني أن يكون المضمون بأبعاده المختلفة يقدم فائدة للدارس ويعينه على تحقيق أغراضه من تعلـم اللغـة، ويجد فيه زاداً جديداً يغريه بالاستمرار في تعلم اللغة وتحقيق نجاحات فـي هـذا التعلم.
3. ارتباط المحتوى بحاجات الدارسين، وهذا يعني أن يستجيب المحتوى لغوياً وثقافياً واتصالياً لحاجات الدارسين من تعلمهم العربية، وأن يتضمن هذا المحتوى مـواقف تعليمية تشبع هذه الحاجات وتلبيها، ولذا كان من الضروري أن يُختـار محتـوى المنهج في ضوء حاجات الدارسين من تعلم اللغة.
4. شمول المحتوى ومراعاته للفروق الفردية، وهذا يعني تعدد الخبرات اللغوية بمقدار اتساع اللغة، وتعدد الخبرات الثقافية بتعدد أنماط الثقافة وأنواعها وأبعادها الماضية والحاضرة والمستقبلية، وأيضاً تعدد الخبرات الاتصالية بتعدد مواقـف الاتصـال الحياتية وتنوعها، وبهذا يكون محتوى المنهج قد حقق شموله لخبرات متعددة، وفي ذات الوقت يقابل تعدد هذه الخبرات الفروق الفردية بين الدارسين حيث سيجد كـل دارس حاجاته وما يحقق رغباته.
مستوى المحتوى وتنظيمه :
ترتبط عملية اختيار المحتوى بما يسمى المستوى ؛ أي الكيفية التي تمكننا من توزيع خبرات هذا المحتوى على مستويات تعليمية مختلفة، وعلى فترات زمنية متتابعة،وتقرير ماذا يدرس من هذا المحتوى ؟ ولمن ؟ ومتى ؟. وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى ضرورة مراعاة معايير تنظيم المحتوى، وهي :
التكامل :
ونعني بالتكامل ترابط خبرات المحتوى ومواقف التعلم، بحيث يؤثر كل موقف في الموقف الآخر، وتؤثر كل خبرة لغوية في الخبرة الأخرى، حيث نأخذ في اعتبارنا أن تعليم الاستماع ينمي تعليم الكلام، وتعليم الكلام ينمي مهارات الاستماع، وكلاهما ينمي مهارات القراءة والكتابة... وهكذا تتكامل الخبرات وتترابط.
الاستمرار :
أما الاستمرار فنعني به أن يبدأ المحتوى في المستوى الأول لتعليم اللغة بخبرات شاملة متكاملة، ولكن بشكل ضيق وسطحي، وكلما تقدمنا بالمحتوى إلى مستويات أعلى اتسع وتعمق، وهكذا تستمر عملية اكتساب الخبرات اللغوية اتساعاً وعمقاً.
التتابع :
أما التتابع، فنعني به أن تتتابع الخبرات اللغوية فتمهد الخبرة السابقة للخبرة اللاحقة، وأن يكون لهذا التتابع منطق تنظيمي، فقد تبدأ الخبرات اللغوية وتتدرج بالشكل التالي :
ــ من الكل إلى الجزء.
ــ من البسيط إلى المعقد.
ــ من السهل إلى الصعب.
ــ من الجديد إلى القديم.
ــ من المقدمات إلى النتائج.
وكمثال على منطقية التنظيم تتابع قواعد اللغة تتابعاً منطقياً، فلابد من دراسة الجملة الفعلية قبل أن ندرس الفاعل، وندرس الفاعل قبل أن ندرس المفعول به، وهكذا.
ولا بد أن نشير هنا إلى أن هناك صعوبات تواجه الخبراء عند اختيار المحتوى وتنظيمه في ضوء مستويات تعليم اللغة، ومستويات الدارسين، ودوافعهم وحاجاتهم وأغراضهم. وفي ضوء أهداف الناطقين بالعربية من تعليم لغتهم.. إلخ. ولذا، فالأمر يحتاج إلى جهود مثابرة ومحاولات دءوبة ومستمرة في هذا المضمار.