عنيتُ بهذه القضيّة التأكيد على أن خدمة العربيّة ورفعتها والاعتزاز بها غير ملازمٍ للتخصص فيها وحمل الشهادات العالية في أحد علومها ، فمع أن التخصص يكشف لصاحبه من أسرار اللغة ودقائقها ما لا يعرفه غيره ، لكنّ ذلك ليس دليلاً على أنّ المتخصص يحمل همّ اللغة والسعي لنشرها ، والفخر بها ، والتفاعل مع قضاياها ، فلم يعد الأمر خافياً على أيّ متمعن ...
لقد أصبح بعض المتخصّصين فيها لا تعدو صلتهم بها ما يجب عليهم عمله من تعليمها والقيام بما يُطلب منهم في ميدان وظيفته ، لكنه بعد ذلك يستوي مع غيره ممن لا يعنيه شأن اللغة ، بل إنّ بعض المتخصّصين أصبح عبئاً على تخصّصه ؛ بجموده الذي يدفعه إلى التعصب له دون النظر في نتائج ذلك ، ولذا فقد يغلق بتعصبه أبواباً مفتوحةً للغة ... هذا إذا كان الأمر تعصباً يرى صاحبُه أنّه هو الحقّ ، لكن الأمر يكون أسوأ حينما يخالط التعصّبَ والجمودَ هوىً في النفس يجعله يضحّي بكل شيء في سبيل حصول ما يهواه .
إنّ ما أريد تأكيده هو أنّ عمل الخير أيّاً كان - وهو هنا في ميدان العربيّة - ليس مقصوراً على أناسٍ بأعيانهم أو تخصّصاتهم ، بل إنّ كل أحد قادرٌ على فعل شيءٍ ، حينما توجد الرغبة لذلك العمل في نفسه .
أليس من العجيب أن نرى العديد من غير المتخصصين في العربية يحمل من الاهتمام بها والتفاعل مع قضاياها والغيرة عليها ما لا يملكه بعض متخصّصيها ؟ أليس هذا دليلاً على أنّه لا ارتباط بين التخصّص في علمٍ والحماس له ؟
يثق الناظر في هذه الحال أنّ من التخصّصات في بعض العلوم ما يمكن أن تكون بحالٍ أفضل ممّا هي عليه لو شعر متخصصوها بمسؤوليتهم تجاهها وما يُنتظر منهم ، ويكون ذلك ببذل كلٍ منهم جهده فيما يحسنه منها ؛ فالتكامل بين الجهود يمكن أن ترتقي بتخصّصٍ ليصبح بحالٍ أفضل .
أطرح هذه القضيّة المهمّة للنقاش لمعرفة آراء المتخصّصين في العلوم بعامّة وفي علوم العربيّة بخاصّة ، رجاء معرفة أسباب هذه الظاهرة رغبةً في الوصول إلى ما يمكن أن يُسهم في تغييرها إلى الأحسن .
يمكن لقارئ هذه الآراء التعليق بما يراه ، سواء بالنقد أو التأييد أو الإضافة .