إقبال سويسري على تعلم اللغة العربية

سجل قسم اللغة العربية بجامعة جنيف رقما قياسيا بعدما فاق عدد الدارسين فيه 130 طالبا، وهذا يعود جزئيا للاهتمام الإعلامي المتزايد بالعالم العربي وتصدره للأحداث.
لكن مهما اختلفت الدوافع لتعلم اللغة العربية، من مهنية واجتماعية لدى هؤلاء الطلبة، يبقى حب التعرف على الحضارة العربية الإسلامية انطلاقا من لغة أبنائها الحافز الرئيسي لدى الغالبية.
تهتم سويسرا بتدريس اللغة العربية على المستوى الجامعي، إذ نجد أقساما للغة العربية في كل من جنيف وبرن وبازل وزيوريخ. ويَُعدُ قسم اللغة العربية التابع لكلية الآداب بجامعة جنيف، المركز الوحيد في المناطق السويسرية الناطقة بالفرنسية المتخصص في تدريس اللغة العربية على المستوى الجامعي، إضافة إلى اللغتين الصينية واليابانية. بينما تخصصت جامعة لوزان في لغات الهند، وتقدم جامعتا فريبورغ ولوزان دروسا عن الإسلام في إطار معالجة تاريخ الأديان.

ويعود تاريخ تأسيس أول قسم للغة العربية في جامعة جنيف إلى عام 1964 عندما تم تعيين أستاذ لتدريس اللغة والآداب العربية والدراسات الإسلامية. ويتذكر أستاذ اللغة العربية السيد شارل جينكان بعض التجارب السابقة لهذا التاريخ "عندما كان أستاذ العبرية يسهر على تدريس مبادئ اللغة العربية ضمن برنامج اللغات السامية"، على حد تعبيره.

ونظرا لخصوصيته، يسهر قسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة جنيف على تقديم عدة مستويات من التدريس باللغة العربية: مستوى ينطلق من الصفر، ولا يتطلب أية معرفة مسبقة باللغة العربية، ويركز على تعلم الكتابة والقراءة.

أما بالنسبة للطلبة الذين لهم دراية بمبادئ اللغة العربية أو الذين لهم أصول من بلدان الشرق الأوسط، فيستفيدون من دروس في الأدب العربي الكلاسيكي أو المعاصر، إضافة إلى دروس حول مواد معينة مثل تاريخ الفكر الإسلامي. وقد تفرض الأحداث إضافة مواد جديدة إلى المنهج مثلما هو الحال هذا العام الذي شهد تنظيم درس خاص بتاريخ العراق.

من هذا المنطلق، يوضح الأستاذ شارل جينكان أنه "حتى إن كان قسم اللغة العربية ليس قسما لتدريس العلوم السياسية، إلا أنه يحاول مسايرة الأحداث السياسية مع انفتاح أكثر على حضارة تعود لأكثر من أربعة عشر قرنا".

ويبدو أن الاهتمام الإعلامي المتزايد بالعالم العربي جعل قسم اللغة العربية يعرف رقما قياسيا هذا العام يتجاوز 130 طالبا مسجلا.

وإذا كان نظام التعليم المتبع حاليا يُعد الطلبة لنيل شهادة الإجازة عموما بعد أربعة أعوام، فإن البروفسور شارل جينكان يرى "أن ذلك سيتغير بحيث سيصبح التخرج من قسم اللغة العربية على مرحلتين: شهادة أو دبلوم بعد ثلاث سنوات، ثم إجازة بعد عامين".

تعددت الدوافع والهدف واحد
:
تتعدد الدوافع لدراسة اللغة العربية. فقبل عقود، كما يقول البروفسور شارل جينكان، كان إقبال طلبة جنيف على دراسة هذه اللغة يكمن في "حب الإطلاع على الحضارة العربية وعلى الدين الإسلامي بالدرجة الأولى". أما الآن فإن تصدر أحداث المنطقة العربية والإسلامية لاهتمامات وسائل الإعلام العالمية منذ فترة، أصبح يلعب دورا لا يستهان به في تشجيعهم، خاصة مع إرتباط تعلم اللغة العربية بدوافع مهنية أو ثقافية أو لارتباطات اجتماعية.

فالطالبة ليلى تلخص هذه الدوافع قائلة هناك "أسباب شخصية وأخرى تعود إلى حب اكتشاف الأدب العربي والثقافة العربية، إضافة إلى كون العالم العربي يحتل الصدارة في الأحداث الدولية، هذا له تأثير على خيارات الطلبة".

أما الطالبة تانيا المنحدرة من أصل لبناني، والتي لم تستبعد الدوافع المهنية لاختيار تعلم اللغة العربية "في حال التمكن من إتقانها بشكل جيد"، فإنها تشدد على الجانب الاجتماعي "أي حب تعلم هذه اللغة التي أسمعها في الوسط العائلي".

أما تيريزا، الطالبة في قسم اللغة العربية، فترى أن الذي دفعها بالدرجة الأولى لتعلم اللغة العربية "هو حب الاطلاع على الأدب العربي المعاصر في صيغته الأصلية أي باللغة العربية"، ولو أن أحداث العالم العربي اليوم تدفعها إلى محاولة تصحيح خياراتها" بالتحول إلى جامعة مثل زيوريخ حيث يمكن الجمع بين تعلم اللغة والعلوم السياسية في آن واحد".

ويرى البروفسور شارل جينكان "أن العديد من خريجي معهد اللغة العربية يجدون طريقهم إلى مصالح فدرالية مثل وزارة الخارجية والسلك الدبلوماسي والمنظمات الدولية".

طموح يفوق الإمكانيات
:
لكن طالبات قسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة جنيف يجمعن على أن هناك طموحات وتطلعات تفوق الإمكانيات المتوفرة في قسم اللغة العربية سواء من حيث مسايرة أحداث المنطقة، او فيما يتعلق بالمستوى اللغوي الذي يخرج به الطالب بعد إتمام دراسته.

فالطالبة ليلى التي تعتز بكون "الدروس الأدبية تلبي طموحاتها كلية"، تعتبر أن دروس التاريخ والثقافة الإسلامية دون المستوى". وتنتقد بالخصوص "الدروس التي أدخلت هذا العام حول تاريخ العراق". وهذا مرده مثلما تقول "لقلة الإمكانيات لدى الأقسام الصغيرة ولضرورة تغيير هذه الدروس بشكل مستمر مما لا يسمح للأساتذة بتعميق درايتهم بالموضوع والتخصص فيه".

وترى الطالبة تانيا أن ما يحصل عليه الطلبة في قسم اللغة العربية "لا يسمح لهم بالتخاطب بطلاقة عند زيارة بلد عربي"، لذلك تأمل في أن يتم تعزيز تطبيقات المحادثة والنطق وهو ما تسانده زميلتها سمر أيضا.

ويعترف الأستاذ شارل جينكان "أنه من الصعب التحكم في اللغة العربية بعد أربعة أعوام من الدراسة في وسط فرانكوفوني مقارنة مع طلبة اللغة الانجليزية او الألمانية او الإيطالية". كما يعتبر أن قلة الإمكانيات تحول دون تعزيز عدد الأساتذة المختصين، ويعتبر أن النظام الجديد لتعليم اللغات سيسمح بالاستعانة بتخصصات من أقسام أخرى مثل كلية الاقتصاد.

وينصح الأستاذ جينكان طلبة اللغة العربية بقضاء على الأقل سنة في بلد عربي لتحسين الرصيد اللغوي. ويعترف بأن هذا ما تقوم به غالبية الطلبة رغم المتاعب المالية المترتبة عن ذلك. ولكن هذه الفترة التدريبية تدخل في إطار فترة التكوين وتعترف بها الجامعة لتعويض قسم من المواد التي يتم تدريسها.

مشروع عربي سويسري معلق :
المشكلة التي تواجه طلبة أقسام اللغة العربية في الجامعات السويسرية من غير المنحدرين من أصول عربية (مع استثناءات قليلة)، تكمن في المستوى الذي يتخرجون به والذي لا يسمح لهم بمواصلة الدراسة في جامعات بالعالم العربي.

ولتمكين الطلبة السويسريين من مواصلة تكوينهم في بلد عربي رغم هذا النقص، ذكَر البروفسور شارل جينكان بمشروع لم يكتب له أن يرى النور، "وهو مشروع تأسيس مركز لاستقبال طلبة اللغة العربية من الجامعات السويسرية في بلد عربي وبتمويل سويسري".

كان من المفروض أن تقوم الكنفدرالية السويسرية بتأسيس هذا المركز في الإسكندرية قبل ستة أعوام. لكن يبدو أن التجاذب بين القاهرة والإسكندرية حول احتضان المركز، وكذلك النقص في التمويل كانا من بين الأسباب التي جعلت المشروع يبقى حبرا على ورق.

محمد شريف – سويس إنفو – جنيف
( ملحوظة : تاريخ هذا الخبر 2 تموز/يوليو 2004 )
-----------
أخبار سويسرا في عالم اليوم :
http://www.swissinfo.org/ara/swissinfo.html?siteSect=676&sid=4712760&cKe...

Mens Flynit Trainers

التصنيف الرئيسي: 
التصنيف الفرعي: 
شارك: