وقد تعرضت العربية لكثير من التغير الذى باعد بينها وبين دستورها (القرآن)، وهو أمر طبيعى ، لكن بشرط أن تبقى العلاقة بينها وبين القرآن دائمة، فبدون هذه العلاقة لا بقاء للعربية.
ومن هنا نستطيع أن نقول: إن اللغة العربية ذات طابع عقدى، فهى جزء من العقيدة الإسلامية، وليست مجرد لغة تعبر عن أغراض الناطقين بها.
هذا الطابع العقائدى هو الذى أبقى على العربية- طيلة القرون الماضية- دون تغيير كبير فى تراكيبها، بحيث نستطيع اعتبارها لغة مقدسة، يمثل الدفاع عنها دفاعا عن العقيدة، ويعتبر حفظ القرآن واجبا دينيا، أو فرضا كفائيا (إذا فعله البعض سقط عن الباقين، وإذا لم يقم بحفظه أحد أثمت الأمة بأكملها) وهذا وضع تتميز به العربية وحدها دون سائر اللغات فى العالم.
ومن المؤكد أن هذا الوضع ذو دلالة على خصوصية العلاقة بين العربى ولغته، حتى ليعد التهاون فى شأن اللغة إثما كبيرا من الناحية الدينية، إلى جانب كونه إهدارا لفريضة الانتماء إلى الأمة والوطن.
وقد وعت الأمة الإسلامية هذا البعد العقائدى للغة القرآن، فحرصت أشد الحرص على تحفيظ الأطفال القرآن، أو بضعة أجزاء منه، منذ نعومة أظافرهم، وهى بداية متميزة ذات تأثير على التكوين العقلى والخلقى للطفل، وبحيث يمتد هذا التأثير مصاحبا للإنسان المسلم طول حياته، وحسبنا أن نقارن بين ما يصطحبه الطفل المسلم من سور القرآن، وما قد يتذكره الطفل غير المسلم من محفوظاته اللغوية التى قد يخجل منها إذا رددها وهو كبير السن.
إن سور القرآن تبقى على لسان الإنسان المسلم حتى نهاية العمر، ولا يبقى غير القرآن شىء من آثار التعليم الأولى.
وميزة حفظ القرآن فى الصغر تبدو فى شكل إتقان النطق العربى، وبدون ذلك لا يتحقق للناطق أى قدر من التميز فى نطق اللغة، بل قد يصير الطفل عندما يكبر مشوه النطق، عاجزا عن أداء النصوص المحترمة.
ولذا نقرر واثقين أن المسافة بين النطق القرآنى، ونطق اللغة الفصحى العامة هى أضيق مسافة تفصل بين مستويين، لقد مضى على لغة القرآن فى المجتمع الإنسانى أكثر من أربعة عشر قرنا كانت كفيلة بتغيير اللسان إلى طوابع مختلفة، بمعدل تغيير كل ثلاثة قرون أو بالأحرى لغة أخرى- طبقا لأحكام التلاوة الملتزمة، وهو ما يجعلنا واثقين بأن نطقنا القرآنى للعربية لم يتأثر بمرور الزمن، وتلك حالة فريدة فى تاريخ اللغات البشرية .
ولذلك أصبحت العربية بوضعها الراهن حالة عقائدية، وتاريخية، وسياسية، فهى عقائدية بارتباطها بالقرآن، وهى تاريخية بمقاومتها لعوامل التغيير، وثباتها فى مواجهة رياح التعرية، وهى سياسية بما تحرك من قوى معادية تريد القضاء عليها، باعتبارها أعظم مقومات بقاء هذه الأمة العربية المسلمة.
وبذلك يتضح أن العربية فى حياتنا هى الهدف الأكبر الذى تسعى القوى الصهيونية فى الغرب وفى الشرق للقضاء عليه، وإذا كان وجود العربية فى أوطانها يعنى وجود القرآن- فإن أعداءنا لا يشغلهم شىء أكبر من القضاء على القرآن للقضاء على العربية.
وإذا كان وجود القرآن يعنى بناء الأمة أخلاقيا- فإن كل هم أعدائنا هو القضاء على البنية الأخلاقية، وزرع الفساد فى كل أنحاء البلاد الإسلامية- وحسبنا ما يضبط من قضايا الفساد الأخلاقى الذى تنشره إسرائيل فى شبابنا. ويكفى أن تركز وسائل الإعلام الصهيونية على فكرة أننا متخلفون، وأن المعركة بيننا وبينهم هى الصراع بين تقدمهم وتخلفنا، وأن علينا أن نجاهد لنلحق بركب التقدم الصهيونى، وقد فشت فى شبابنا فاشية الزواج من الإسرائيليات، وهى حركة لا يستهان بها- تستهدف تغريب عشرات الألوف من الشباب، لينسلخ من عروبته ودينه، تحت إغراء العمل فى المستوطنات الإسرائيلية، فيما يشبه عملية نقل الدم إلى المجتمع الإسرائيلى، وتزويده بسلالة جديدة عن طريق الإغراء الجنسى.
فإذا وضعنا ذلك فى ضوء الزحف على مجتمعنا من خلال المؤسسات التربوية الاستثمارية، فى شكل (مدارس اللغات)، وهى حركة تغريبية خطيرة، هدفها الاساسى محاربة اللغة العربية، ومحاربة وجود القرآن فى المجتمع المدرسى، وأخطر مافيها أنها تستقبل أبناء الصفوة، وتعزلهم عن العريية والدين، وهو هدفها الاساسى الذى لا يخفيه المشرفون عليها.
فإذا لاحظنا تركيز تلك المدارس على إضعاف الدرس الدينى، ولاحظنا أيضا الاتجاه فى مدارس التعليم العام إلى إضعاف العربية والدين- أدركنا مدى ما تحقق لتلك المؤسسات المشبوهة من أهداف تغريبية.
ولو أننا افترضنا أن ما نقوله نوع من المبالغة- فما الذى يمنع من إعادة النظر فى مناهج اللغة العريية، ومناهج التربية الإسلامية ليعود للمادتين وضعهما المتميز القديم؟
وما الذى يمنع من إلزام مدارس اللغات- هذه- بخطة رشيدة، وفى ضوء مراجعة شاملة لمناهجها؟.
ولكن هذه المدارس تعمل بإشراف ماسونى متسلل، يعسر التدخل فيه، أو تعديل خطته، التى تركز على تعليم أبناء مصر بلسان أوروبى، ابتداء من أدنى مراحل التعليم حتى أعلاها.
وهكذا فقد أبناء مصر لسانهم العربى، واستبدلوا به الإنجليزية والفرنسية وغيرهما.
حتى إن الطفل فى سنواته الأولى صار يتلقى تعليمه الاساسى بالإنجليزية والفرنسية أو الألمانية- مع استبعاد العربية قصدا، بدعوى أنه يتعلمها فى البيت، فلا لزوم لتعلمها فى المدرسة- هكذا تقول إحدى مديرات مدارس اللغات- دون تردد، وهى ذاتها عاجزة حتى عن استخدام العامية فى التعليم !!
ومن المؤكد أن هذا الاتجاه التغريبى لن يؤدى إلى تقدم نوعى فى مجال التربية، بل إنه سيؤدى إلى تشتيت قوى الطفل العريى، فلا هو مفيد من المدرسة، ولا هو مفيد من البيت، وتدور عجلة التعليم على نوع من الخداع، وابتزاز الأموال، حيث يرتقى الأطفال إلى الفرق الأعلى- كل عام- دون أدنى حصيلة تعليمية.
لقد بدأت الثورة المصرية عام 1952م بالتركيز على الطابع القومى، وكانت اللغة العربية على رأس المواد المدرسية، فكيف حدثت هذه الردة حتى صارت العربية بموقع الهوان، فى ذيل قائمة المواد المدرسية؟ فكيف انقلبت الأوضاع؟. لست أريد أن أوجه الاهتمام الى العاملين فى المدارس الاستثمارية، فهم مجرد أدوات تنفذ ما يطلب منها تنفيذه !! فى مقاطعة العربية، واستعمال العامية !!.
ولكننى أؤكد وجود جهاز ماسونى أعلى يخطط للتعليم فى بلادنا، مستهدفا القضاء على العقيدة الإسلامية، وعلى الرابطة القومية، تحت شعار معلن، هو القضاء على الإرهاب، وهذا الجهاز يعمل للتنسيق بين المؤسسات التعليمية والاستثمارية. ونحن نعلن أن الإرهاب الماسونى هو الخطر الحقيقى الذى يواجه مستقبلنا، ولابد من توظيف العقيدة الإسلامية، والقومية العربية فى مقاومة ذلك الإرهاب الدخيل على حياتنا.
أجل.. لابد من العودة إلى حفظ القرآن الكريم، وتحفيظه للأطفال فى بداية حياتهم التعليمية.. وقد يكون من الضرورى التخلص من العناصر الماسونية فى إدارة التعليم، والاعتماد على العناصر المتدينة، حتى تعود الروح الإسلامية، واللغة العربية إلى مجال التعليم، وحينئذ تبنى لنا المدرسة مجتمعا إسلاميا عربى اللسان، هو الذى سوف يدافع عن أوطاننا فى المستقبل.
أما الحاجة إلى إتقان اللغات الأجنبية- فنحن لا ننكرها، وفى وسع أى متعلم أن يلم بالقدر الكافى من (الإنجليزية مثلا) للتعامل مع الوسائل التقنية، بل وفى وسع العاملين فى حقل التقنية أن يعربوا أجهزة الكمبيوتر، التى تسيطر على مجالات الإدارة، وبذلك تحل مشكلات كثيرة، وتزول عقبات كبيرة من طريق تطوير أساليب التقنيات المعاصرة باستخدام العربية الفصحى.
دور الإعلام فى نهضة العربية:
لا جدال فى أن العربية هى أداة الخطاب الموجه إلى العالم- يحمل صورة الواقع العربى، وفكره.
ومجال الخطاب العربى يمتد حول العالم كله ليخاطب المسلمين فى جميع الأوطان فى آسيا وإفريقيا، وسائر القارات.
والالتزام بالعربية الفصحى فى الخطاب الإعلامى يساعد على نهوض اللغة الفصحى لتكون أداة ربط بين الشعوب الإسلامية بعامة، والعربية بخاصة، ذلك أن الفصحى تعتبر لغة مشتركة بين الشعوب العريية، التى تتكلم فى مجتمعاتها لهجاتها الخاصة، وهذه اللهجات تعتبر مسافات فاصلة بين الشعوب، حتى إن بعض الباحثين اعتبر هذه اللهجات لغات مستقلة، وذهب إلى أن اللغات المستخدمة فى ألسنة العرب تصل إلى اثنتين وعشرين لغة، لا لهجة.
ومن حسن الحظ أن الفصحى المشتركة لغة تفاهم بين جميع العرب، فهى لغة الوحدة العربية، بما هى لغة القرآن، وحين يلتزم الإعلام بها فإنه يحقق هدفا أساسيا، وانتشارا شاملا على أرفع مستوى.
ومن ثم يتعين أن تسود اللغة الفصحى كل النشرات، والمسلسلات والبرامج الخطابية، كيما تتسع قدرة المواطن العادى لتلقى الرسالة الإعلامية.
وعموما:
يجب ألا يعمل فى الإعلام أو التعليم إلا من يجيد استعمال اللغة الفصحى.
ويجب ألا يسمح باستعمال اللهجات العامية إلا بشكل استثنائى، فى بعض البرامج المحلية.
أما اللغة الأساسية فى الإعلام، وفى تدريس كل المواد، سواء فى التعليم العام، أو فى الكليات الجامعية- فيجب أن تكون اللغة الفصحى بقدر الإمكان، حتى يتم تعريب لغة العلوم الحديثة، وإشاعة المصطلحات العربية مكان المصطلحات الأجنبية.
لقد آن الأوان لتحتل لغتنا الفصحى مكانها اللائق بها، باعتبارها لغة حضارية تحمل تعاليم خاتم الأديان، وأرقى الحضارات إلى بنى الإنسان، ولابد أن تنتشر فى العالم كله معاهد تعليم العربية، لتعود لغة القرآن لغة عالمية يتخاطب بها الناس فى كل مكان.
--------------
المصدر : موقع الأزهر :
http://www.alazhr.org/conf_au/13/59.asp