في التعريب والمعرَّب - صلاح الدين الزعبلاوي (5)

"في التعريب و"المعرَّب" - صلاح الدين الزعبلاوي
وهو المعروف بـ "حاشية ابن برّي على كتاب "المعرّب" لابن الجواليقي ، بتحقيق الدكتور إبراهيم السامرائي

(5)

وجاء في الكتاب (ص/48):

قال أبو منصور: (وبَمُّ)(1) اسم مدينة بكرْمان وقد ذكرها الطِرمّاح فقال: [من الطويل]

ألَيلتَنا في بَمَّ كَرمان أصبِحي(2)

قال ابن بري: مشهور البيت [من الطويل]:

ألا أيها الليلُ الذي طال أصبحِ

بِبَمَّ وما الإصباحُ قبلُ(3) بأَرْوَحِ

قال أبو منصور: و(البارجاهُ) كلمة أعجمية، وهي موضع الأذن. وقد تكلم بها الحجاج، قال: قد سمَّيتك سعيداً، وولَّيتك (البارجاهَ)(4)، قاله لعليّ بن أصمَع جدِّ الأصمعيِّ.. قال ابن بري: (البارجاهُ) الباب، أي جعلتك بواباً على باب السلطان.

1-أقول (البَمَّ) في الأصل أحد أوتار العود، كما ذكر الجواليقي في المعرّب. وفي الصحاح أنه الوتر الغليظ. وجاء به أدّي شير في ألفاظه فقال: إنه الوتر الغليظ من أوتار المزهر، وجعل أصله الفارسي (بام) ومن معاني (بام) في المعجم الذهبي: الصوت الأجش، على أن من معانيه أيضاً السقف والسطح.

2-قال المحقق: البيت في التهذيب واللسان. وفي اللسان الرواية الأخرى التي أشار إليها ابن بري، وهي الرواية التي أثبتها ياقوت في المعجم(كرمان).

-أقول في التهذيب رواية أبي منصور قد اكتفيا بصدر البيت. وفي معجم البلدان رواية ابن بري. وفي اللسان: الروايتان. أما في الديوان (ت.الدكتور عزة حسن/96) فهو: (ألا أيها الليل الطويل ألا أصبِحي). و(أصبحي) أصله (أصبح) فخفض الحاء وألحق بها الياء صلة. وأروح، في عجز البيت، من الراحة.

3-فات المحقق أن ما جاء في الأصل وهو (وما الإصباح قبل بأروح) قد حرّف فحلّ فيه (قبل) محل (فيك)، فالصواب (وما الإصباح فيك بأروح) كما جاء في المظان المذكورة. وهو كذلك في حواشي مخطوط المعرب (9012).

4-قال المحقق: ذهب أدّي شير في كتاب (الألفاظ الفارسية المعرّبة) إلى أن (البارجة) قد تكون معرّبة عن (باركاه) ومعناه بلاط الملك، والمضرب السلطاني، ومحطة الرحال. فهذه (البارجاه) من هذه اللفظة الفارسية.

وقال الخفاجي في شفاء الغليل (ص/44) في تفسير قول الحجاج (وولَّيتك البارجاه) أي جعلتك بواب السلطان.

أقول: قد أثبت المحقق هنا ما أثبته بالحرف محقق المعرب الأستاذ أحمد محمد شاكر. وأنتقل من الكلام على البارجة إلى الكلام على البارجاه دون كشف أو تبيين. ويتجه لي أن ما ذهب إليه أدي شير وسكت عنه محقق المعرب من أن البارجة في العربية لفظ معرب ليس صحيحاً. فالبارجة مشتقة من (برج).. وقد جاء في اللسان (كل ظاهر مرتفع فقد برج. وإنما قيل للبروج بروج لظهورها وبيانها وارتفاعها). وجاء في الاشتقاق لابن دريد (والبرج اشتقاقه من بروج القصر أو بروج السماء، وهو بالقصر أشبه لأنه عظيم الخلق فسمي بذلك). فالبارجة صفة قد انقطعت عن موصوفها في الأصل وهو (السفينة) فهي صفة غالبة أنزلت منزلة الأسماء. وإلا فما صلة (البارجة) بـ (باركاه) بكاف فارسية، ومعناها بلاط الملك وديوانه.

أما (البارجاه) الذي ذكره أبو منصور وفسّره ابن برّي فهو معرّب أصله الفارسي (بار) ومعناه الإذن والرخصة والإجازة. و(جاه) ومعناه الموضع والمحل، كما هو واضح في المعاجم الفارسية، ومنها المعجم الذهبي. وقد أجمل هذا أبو منصور حين قال: (والبارجاه كلمة أعجمية وهي موضع الإذن)، وفسّره ابن برّي بقوله (أي جعلك بوّاباً على باب السلطان)، والبواب هو الحاجب الذي يأذن أو يرخص في الدخول على السلطان. ولا صلة للبارجاه بـ (باركاه) خلافاً لما زعمه محقق المعرّب بلا دليل، وأثبته المحقق بالنسخ.

وجاء في الكتاب (ص/49):

قال أبو منصور: و(البيزار) معرّب (بازيار). ويُجمع (بيزار): (بيازرة)(1) قال الكُميت: [من المتقارب]:

كأن سوابقها في الغبار

صقور تعارض بيزارَها

قال ابن بري: (البَيزار)(2) العصا الغليظة، وجمعها (بيازير). قال أوس: [من البسيط]:

نكَّبْتُها ماءَهم لما رأيتُهمُ

صُهب السِّبال بأيديهم بيازير(2)

قال أبو منصور: قال الأصمعي (بُختُ نصَّرُ) وهو الذي خرَّب بيت المقدس، ولا يقال بالتخفيف. قال كذا سمعت قُرّةَ بنَ خالد وغيره من المسان يقول:

وقال أبو حاتم: وقال لي غير الأصمعي: إنما هو (بُوختُ نصَّرُ) فأعرب، قال: و (بُوخت): ابن، و (نصَّرُ) اسم صنمٍ، فكأنه وُجد عند الصَنم ولم يُعرف له أبٌ فنُسب إليه فقيل هو ابن الصنم(4).

قال ابن بري: الذي في كتاب سيبويه (بُختْ نصَّرُ) مثل (حضرَموتُ) في الرفع(5) جعله مركباً.

1-أقول: لم يقل المحقق شيئاً في (البيزار): وقد جاء أبو منصور بـ (بيزار) وقال أنه معرّب (بازيار) ومعناه، على ما جاء في المعاجم الفارسية كالمعجم الذهبي، (صاحب الباز) وفي الصحاح ما يؤيد ذلك، إذ قال: (البيازرة جمع بيزار معرّب بازيار). وجاء في حاشية الصحاح أن معناه حامل البازي أو خادم الصقر للصيد به وصنعته البيزرة. والباز والبازي ضرب من الصقور والجمع بواز وبُزاة.

وقد يكون أصل البيزار (بازدار) كما جاء في القاموس ومعناه بالفارسية (مربي الباز)، وجاء (بازدار) في شعر أبي فراس كما ذكر الخفاجي في شفاء الغليل، قال: (وتصرف المولدون حتى قالوا في الصناعة: البزدرة). وجاء الميداني النيسابوري في (السامي/ 182) بـ (بازيار) وجعل أصله الفارسي (بازدار)، وهو مروّض الصقور.

وفي الألفاظ الفارسية المعرّبة لأدي شير أن البيزار حامل البازي وأن أصله الفارسي (بازدار). لكنه جاء بالبيزار بمعنى (الأكّار) أيضاً، كما ذكره صاحب القاموس ومعناه (الحارث) وجعل أصله الفارسي (بَرزيار) بفتح الباء، وخالف الميداني النيسابوري في (السامي/ 156) فقال أن (الأكَّار) بالفارسية (بَرْزكر) وذكر المعجم الذهبي (برزكار) بمعنى الزارع، والكاف فيهما فارسية.

2-أقول ذهب ابن بري إلى أن (البيزار) بالألف: العصا الغليظة وأن جمعه (بيازير) واستشهد ببيت أوس. والذي في المظان أن (البَيزَر والبَيزرة والبَيزارة) بمعنى العصا دون (البَيزار) بالألف. ومجيء الجمع على (بيازير) في الشعر خاصة لا يوجب أن يكون مفردة (بيزار) بالألف. فقد جاء (البيزر) في الصحاح بلا ألف كحَيدَر. قال الجوهري (البيزر خشب القصار الذي يدق به، والبيازر ا لعصي الضخام، وبزره بالعصا ضربه بها). وفي (السامي/ 161) للميداني النيسابوري (البيزر: المِدقّة). وجاء في النهاية (في حديث علي يوم الجمل: ما شُبَّهت وقع السيوف على الهام إلا بوقع البيازر على المواجن. البيازر العصي واحدها بَيزرة وبَيزارةِ. والمواجنُ جمع ميجنة هي الخشبة التي يدق بها القصار الثوب). وهو من (وَجَنَ) الوَتِدَ إذا دقَّه، والوجن: الدق. والبيزر هذا دخيل أيضاً، أصله (برزيار). و(برز) بضم فسكون معناه وجذع الشجرة و(يار) معناه المدق، كما في المعجم الذهبي.

3-قال المحقق في الأصل (بهاريز) وهو خطأ، والبيت في الديوان(44).

أقول: فات المحقق أن يقول شيئاً في شرح البيت. فـ (نكَّبتها ماءهم) من نكّبته إياه إذا عَدَلتَه عنه. و(الصُّهبة) في الأصل من ألوان الإبل، وهي بياض تعلوه صفرة. و(السّبال) جمع (السّبَلة) وهي طرف اللحية. والعرب إذا قالوا أصهبُ السبَلَة عنَوا به العدوّ، وهم صُهبُ السبال، أي أعداء. وفي الصحاح: (قال الأصمعي: يقال للأعداء صُهب السِّبال وسود الأكباد، وإن لم يكونوا صهب السبال، فكذلك يقال لهم).

4-قال المحقق: جاء في اللسان (نصر): ونصَّر صَنمٌ، وقد نفى هذا البناء سيبويه في الأسماء وبَختَنَصَّر معروف، وهو الذي كان خرّب بيت المقدس، عمَره الله تعالى، قال الأصمعي: إنما هو (بوخَتنصَّر) فأعرب، و(بوخَت) ابن و(نصَّر) صنم، وكان وُجد عند الصنم ولم يعرف له أب، فقيل: هو ابن الصنم. وانظر المعرب (ص80/81).

-أقول ما جاء به المحقق هو ما ذكره محقق المعرب بالحرف. وجاء في شفاء الغليل للخفاجي (ص/36): (ونصّر مشدد كبقَّم ولا يخفف.. وفي المقتضب لابن السيد: بخَتَ نصَّر معرّب بُوخت بمعنى ابن، ونصَّر اسم صنم وجد عنده وسمي به، إذ لم يُعرف له أب).

5-أقول جاء في الأصل (الذي في كتاب سيبويه بُخت نصَّرُ مثل حضرموتَ في الرفع) ولا معنى له، وفات المحقق أن يعود إلى الكتاب (1/341) ليتبين الأصل الصحيح للكلام. قال سيبويه: (هذا باب الترخيم في الأسماء التي كل اسم منها من شيئين كانا بائنين فضُم أحدهما إلى صاحبه فجعلا اسماً واحداً.. وذلك مثل حضرموتَ ومعدي كِرب ويُخت نصَّرَ..) وجاء شكل بخت نصر كما أورده الجواليقي. والذي أراده سيبويه أنك إذا أردت ترخيم ما جاء مركباً حذفت عجزه وأبقيت صدره. وبخت نصر في هذا كحضرموت، فهما مركبان من شيئين كانا بائنين فجُعلا اسماً واحداً، وهو رأي الخليل. وقد مثل سيبويه لذلك فقال: (وإذا رخَّمت رجلاً اسمه خمسة عشر، قلت يا خمسة أقبل..) فتصحيح العبارة إذن (الذي جاء في كتاب سيبويه بُخت نصَّر مثل حضرموت في الترخيم، جعله مركباً) لا في الرفع!

وجاء في الكتاب (ص50 و51):

قال أبو منصور: والبرْخ الكثير الرخيص. قال أبو بكر(1): هو لغة يمانية(2)، وأحسب أصلها عبرانياً أو سريانياً(3)، وهو البركة والنماء، وأنشد للعجاج:

ولو تقول برِّخوا لبرَّخوا(4)

قال ابن بري في شعره(5):

ولو أقول دَرْبخوا لدَربخوا

لفحلنا أن سرَّه التَّنوّخ

والدربخة الطاعة والخضوع.

قال ابن بري: ومن هذا الباب (البرَنامج) وهي ألواح(6) يكتب فيها الحساب.

قال ابن بري: لم يذكر (البذرقة)(7). قال ابن خالويه: البَذرقَة ليست بعربية، وإنما هي كلمة فارسية وعرّبتها العربُ يقال بعث السلطان (بَذْرَقة) مع القافلة(8).

1-قال المحقق: أبو بكر هو ابن دريد صاحب الجمهرة.

-أقول: ذكر صاحب الجمهرة (1/232-233) أن أصل البرخ البركة والنماء، واستشهد بقول العجاج (ولو تقول برِّخوا لبرَّخوا).

2-أقول في اللسان (لغة عمانية)، وليس غريباً أن يُنسب إلى (العمانية) ما ينسب حيناً إلى (اليمانية). فقد سكنت (عمان) قبائل يمانية. ولا ننسَ قبائل الأزد، والأزد أبوحيٍ من اليمن، وهو أزْدُ شنوءة، وأزدُ عُمان، وأزدُ السَراة.

3-قال المحقق وهو سرياني، وفي المعجمات السريانية، وفي مادة (برخا) إفادة الزيادة والنماء. والذي يقابل (برخ) في العربية (برك). وبرخا السريانية هي البركة في العربية، أقول ومن بقاء طائفة من الأصول السريانية في العربية المحكية في العراق (برخة) بمعنى الزيادة، وبه سميت المرأة.

-أقول السريانية لهجة من لهجات الآرامية الشرقية. وقد جاء في كتاب (الآثار الآرامية في لغة الموصل العامية) للدكتور داود الحلبي الموْصلي أن (برّخ) بالتشديد ومعناه (برَّك) يقابله في الآرامية (بوراخا). على أن احتواء الآرامية كلمة تشبه ما في العربية لفظاً ومعنى لا يعني بالضرورة أن العربية قد قبسته من شقيقتها، وإنما يعني أن الكلمة من الألفاظ السامية المشتركة، ولا يبعد أن تكون قد انتقلت إلى اليمن بطريق الحبشة. فقد جاء في (كتاب القراءات القرآنية/ 328) للدكتور عبد الصبور شاهين (وكذلك يمكن القول بأن الألفاظ النبطية أو السريانية المنسوبة إلى قبائل يمانية هي من المشترك السامي الذي انتقل إلى اليمن من طريق الحبشة).

وقد جاء في اللسان (برَخوا: برّكوا بالنبطية) وأحسب أن هذا ما عناه ابن دريد باستشهاده.

4-قال المحقق: الرجز في الديوان (ص/462، نشر عزة حسن) وهو في اللسان غير منسوب وجاء بعده (لمارسرجيس وقد تدخدخوا).

-أقول رواية الجمهرة (1/232) كما أتت في النص. وهي في مجالس ثعلب والصحاح (ولو أ قول دربخوا). قال الجوهري (دَربخَ الرجلُ إذا طأطأ رأسه وسبط ظهره، قال العجاج:

ولو أقول دربخوا لدربخوا

لفحلنا أن سرَّه التنوّخ)

والتنوّخ الإناخة تقول تنوّخ الجملُ الناقة أي أناخها. وقد جاء هذا الرجز في النص الذي حكاه ابن بري. وفي اللسان روايتان الأولى بالزاي (ولو أ قول بزخوا لبزخوا) ومعناه: استخذوا، والأخرى بالراء (ولو يقال برّخوا لبرّخوا). وفي الديوان (ولو أقول برّخوا لبرّخوا). أما ما جاء في اللسان بعده وهو (لمار سرجيس وقد تدخدخوا) فمعنى (تدخدخوا): ذلُّوا، ودخدخه أذلَّه.

5-قال المحقق: أي في شعر العجاج والرجز في الديوان (462).

أقول وجاء ذلك في الصحاح أيضاً، كما ذكرناه مفصلاً في الحاشية السابقة.

6-قال المحقق: في الأصل (البرمانج).

-أقول: في حواشي مخطوط المعرب (9012) زيادة في موضعها، جاءت بعد كلمة (ألواح) ويحسن إثباتها. ففي هذه الحواشي: (وهي ألواح مجموعة يكتب فيها الحساب). وجاء في التقريب (البرنامج الورقة الجامعة للحساب معرّب بَرْنامه). ومن معاني (برنامه) في المعجم الذهبي النظام، وفي قاموس الفارسية للدكتور حسنين: المنهج. والبرنامج بفتح الباء.

7-أقول الغريب حقاً ألا يقف المحقق عند قول ابن بري (لم يذكر البذرقة) ليتبين القصد منه. ذلك أن الجواليقي قد ذكر (البذرقة)، لكنه لم يذكر معناها. فقد جاء في المعرّب (والبذرقة فارسية معربة/67). ولذا كان الأصل الصحيح لكلام ابن بري (لم يذكر معنى البذرقة). وليس هذا وحسب. فقد أردف ابن بري قوله المذكور بما حكاه عن ابن خالويه قبل أن يقول شيئاً في معنى (البذرقة)، والأعدل أن يكون قد قال قولاً في تفسير معناها قبل استشهاده. وقد عدت إلى حواشي مخطوط المعرَّب (9012) فألفيت (البذرقة بالذال المعجمة الخفارة والمُبَذْرِق الخفير، قال ابن خالويه..) وقد تأكد هذا بما جاء في اللسان (قال ابن بري: البَذرقة الخفارة.. قال ابن خالويه..) فيكون هذا هو الأصل الكامل لكلام ابن بري. وجاء في الخفارة كسر الخاء وضمها، قال الجوهري (أخفرته إذا بعثت معه خفيراً. قال أبو الجراح العقيلي، والاسم الخفرة بالضم.. وكذلك الخفارة بالضم وبالكسر).

وقد أنكر الأستاذ أحمد محمد شاكر محقق المعرب ما جاء في الألفاظ الفارسية المعربة لأدّي شير من أن (البذرقة) تكون بالدال المهملة كما تكون بالذال المعجمة، فقال: (ولا أدري من أين أتى بالمهملة)، أقول هذا ما جاء في المصباح، قال الفيومي (البذرقة الجماعة تتقدم القافلة للحراسة، وقيل معرّبة وقيل مولدة. وبعضهم يقول بالذال وبعضهم بالدال، وبعضهم بهما جميعاً) والمبذرق بكسر الراء من (بذرقَهُ) إذا خفره أي أجازه وحماه.

أما أصل البذرقة ففي الألفاظ الفارسية لأدي شير أنه فارسي وهو (بدراه) ومعناه الطريق الرديء، وأيده صاحب التقريب إذ قال (فأبدلت فيه الهاء قافاً.. لأن الطريق في الأصل –راه- بالألف فحذفت تخفيفاً) فيكون معنى (بد) السيئ والقبيح، كما جاء في المعاجم الفارسية. ولكن ما علاقة الخفارة بالطريق الرديء؟ أقول قد يكون المراد بالطريق الرديء الطريق غير الآمن، فهو في حاجة إلى الخفارة.

8-قال المحقق: قول ابن خالويه في اللسان (بذرق).

-أقول في اللسان: وقال ابن خالويه: ليست البذرقة عربية وإنما هي فارسية فعرّبتها العرب. يقال بعث السلطان بذْرقَة مع القافلة بالذال معجمة.

وجاء في الكتاب (ص/52):

باب ما أوله تاء

ومن باب التاء أيضاً (مما) لم يذكره (تيرَى) اسم نهر، قال الشاعر [من البسيط]:

سيروا بني العمِّ فالأهواز موعدكم

ونهرُ تيرَى فلم تعرفكم العرب(1)

ومنها أيضاً (تكريتُ) اسم موضع، قال الشاعر(2) [من الكامل]:

لسنا كمن حلَّت إيادٌ دارها

تكريتُ ترقبُ حبَّها أن يُحصدا

1-قال المحقق: الشاعر هو جرير. انظر معجم البلدان (4/837).

-أقول: رواية البيت في الأصل (فما تعرفكم) وهو في المعرب كذلك(38) بسكون الفاء. وهو في معجم البلدان:

سيروا بني العم فالأهواز منزلكم

ونهر تيرَى ولم يعرفكم العرب

والغريب أن يعدل المحقق عن رواية الأصل إلى رواية أخرى فلا يشير إلى ذلك، ليفصح عما دعاه إلى هذا وحمله عليه... أما السر في إسكان آخر الفعل المضارع في حكاية المعرب (فما تعرفكم) ومعاملة المرفوع فيه معاملة المجزوم فقد كشف عنه محقق المعرب وهدى إلى موضع المسألة في كتاب الضرائر (270). قال الألوسي صاحب الكتاب (قال ابن عصفور في كتاب الضرائر: ومن الضرورة حذف علامتي الإعراب: الضمة والكسرة من الحرف الصحيح تخفيفاً، إجراء للوصل مجرى الوقف أو تشبيهاً للضمة بالضمة من عضد، والكسرة بالكسرة من فخذ وإبل).

أقول قد أتى ابن جني على ذكر هذا البيت في الخصائص (1/74) وهذه روايته:

 

سيروا بني العم فالأهواز منزلكم

ونهر تيرى فلا تعرفكم العرب

بسكون (فاء) تعرفكم، وقال: (وأنشدنا هذا أبو علي). وأعاد ذكر البيت في موضع آخر من كتابه هذا (2/317) وقال: (ولا تعرفكم، فأسكن مضطراً)، وفي موضع ثالث منه أيضاً (2/340). وقال جرير قبل هذا البيت:

ما للفرزدق من عز يلوذ به

ألا بني العمّ في أيديهم الخشب

وجاء بعده:

الضاربو النخل لا تنبو مناجلهم

عن العذوق ولا يُعييهم الكرَب

2-قال المحقق: لم أهتد إلى اسم الشاعر.

-أقول البيت للأعشى من قصيدة يخاطب بها كسرى. وقد اختلفت رواية البيت فهو في الصبح المنير (154):

لسنا كمن جعلت إيادٌ دارها

تكريت تمنع حبها أن يُحصدا

وهو في ديوان الأعشى بتحقيق الدكتور م. محمد حسين:

لسنا كمن جعلت إيادٌ دارها

تكريت تنظر حبَّها أن يُحصدا

وهو في الخصائص (2/402 و 3/256):

لسنا كمن حلَّت إيادٍ دارها

تكريت ترقب حبَّها أن يُحصدا

وقد فات المحقق أن يفصح عما فهمه من قول الشاعر. يقول الأعشى إنهم بدو لا يستذلون ولا يخضعون كما فعلت إياد حين أقامت بتكريت فعالجت الزرع ولزمت الأرض ترقب الحصاد ورضيت بالهوان.

وجاء (إياد) فيما ضبطه المحقق بالرفع، وهكذا جاء في الصبح المنير وفي الديوان، لكنه جاء في الخصائص بالكسر لا بالرفع. وأحسب أن هذا هو الصواب. وقد قال ابن جني في توجيه ذلك (3/256): (فإياد بدل من –مَنْ- وإذا كان كذلك لم يمكنك أن تنصب دارها بـ -حلَّت- هذه الظاهرة، لما فيه من الفصل فجئت ما تضمر له فعلاً يتناوله فكأنه قال فيما بعد: حلَّت دارها. وإذا جازت دلالة المصدر على فعله والفعل على مصدره، كانت دلالة الفعل على الفعل الذي هو مثله أدنى إلى الجواز وأقرب مأخذاً في الاستعمال). وقد أكد ابن جني قوله هذا في غير موضع من الخصائص (2/402) في باب (تجاذب المعاني والإعراب). وذكر أن نحواً من هذا قد جاء في آي التنزيل وفي أشعار العرب عامة.

وجاء في الكتاب (ص/52 و 53 و/54):

قال أبو منصور: وعن علي (عليه السلام): [التنور](1) وجه الأرض.

قال ابن بري: هذا الذي نسبه إلى علي، رضوان الله عليه، هو قول ابن عباس، وأما المنسوب إلى علي، رضوان الله عليه، فإنه قال (التنوير: تنوير الصبح).

قال أبو منصور: قال ابن دريد: ومما أخذ من السريانية (التامور)، ربما جعلوه صبغاً أحمرَ، وربما سمي دمُ القلب (تامورا)(2).

قال ابن بري: [هو] موضع تستر الشيء وإخفائه، ومنه قيل لصومعة الراهب (تامورة) و (تامورته)(3) لأنها تستره(4). وكذلك (التامور) لغلاف القلب لأنه يستره. وكذلك القلب يقال له (التامور) لأنه موضع خزن السرّ والدم.

وربما قيل لدم القلب (تامور) لملازمته القلب، والتباسه به على حد تسميتهم للمزادة راوية. وربما سمي الصبغ الأحمر (تامورا) لمشابهته الدم في حمرته، قال الأقيشر: [من الكامل]:

لو أنها عُرضت لأشمطَ راهبٍ

عبَدَ الإلهَ صرورةٌ متبتلُ

لرنا لبهجتها وحسنِ حديثها

ولهمَّ من تامورِه يتنزّلُ(5)

1-قال المحقق: جاء في اللسان (تنر): (قال تعالى: حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور- 40 سورة هود- قال علي، رضي الله عنه، هو وجه الأرض وكل مفجر ماء) ومثل هذا ورد عن ابن عباس في تاج العروس.

-أقول فات المحقق أن يعود إلى كتب التفسير ليتعرّف قول علي عليه السلام وقول ابن عباس فيتبين وجه اعتراض ابن بري، كما فاته أن يقول شيئاً في (التنور) ما أصله؟ فالذي جاء في تفسير الطبري (12/24) يؤيد ما قاله ابن بري. فقول ابن عباس هو (التنور: وجه الأرض) وقول علي (التنور: تنوير الصبح). ونحو من ذلك ما جاء في تفسير القرطبي (9/33). فقد ذكر القرطبي لتفسير (التنور) سبعة أقوال كان أولها وجه الأرض، قاله ابن عباس، وكان رابعها: طلوع الفجر والصبح من قولهم نوّر الفجر تنويراً، قاله علي رضي الله عنه.

هذا وقد جاء (التنور) في التنزيل، كما تقدم، واختلف في أصل اللفظ. قال الثعالبي والجواليقي أنه فارسي. وقال آخرون أنه مما وافقت فيه لغة العرب لغة العجم. وفي النهاية: (التنور الذي يخبز فيه، يقال أنه في جميع اللغات كذلك. وقال بعضهم أنه من تنر، وآخرون: أنه من نور).

و(التنور) إما أن يكون على (فعُّول) بالتشديد من (تنر)، وليس هذا الحرف في العربية، إلا أن يقال أنه ممات. قال الأزهري (ولا نعرفه في كلام العرب، لأنه مهمل). وإما أن يكون على (تفعول) من النور وأصله (تنوور) بواوين، حكاه الآلوسي عن ثعلب، وقال به جماعة، وقد آثره محقق المعرَّب، ولا شيء يمنعه لكنه مرجوح.

وقيل أن (التنور) في كل لغة، وفي هذا نظر. قال الليث (التنور عممت بكل لسان). وقد قال بهذا الرأي ابن جني في الخصائص (3/286) إذ قدر أنه (وفاق وقع بين لغتين أو ثلاث أو نحو ذلك، ثم انتقل بالنقل في جميعها). قال أبو الفتح: (وما أقرب هذا من نفسي). قلت قد أشرت في فصلٍ عقدته حول نشوء اللغات في كتابي (مذاهب وآراء في نشوء اللغة وتدرج معانيها) إلى أن ما يمكن أن يتفق فيه كثير من اللغات، في الغالب، هو اللفظ الذي يتولد بمحاكاة أصوات الطبيعة فيكون لفظاً في اللغة الإنسانية، وليس (التنور) كذلك. وقد علل الدكتور عبد الصبور شاهين في كتابه (القراءات القرآنية/ 361) ذهاب الأئمة إلى هذا الرأي بأن (التنور) قد ورد في قصة نوح عليه السلام وهو الأب الثاني للبشر، ثم تفرعت لغات البشر فانشعبت عن لغته. ولا أحسب أنه يمكن التعويل على هذا. وقد آثر الدكتور شاهين أن يكون (التنور) معرباً عن الفارسية، كما حكاه الإتقان واللسان، وعندي أنه الرأي الراجح. ذلك أن جمود اللفظ قرينة من قرائن عجمته. و(تنور) بتخفيف النون الفرن بالفارسية و (تنوره) المدخنة كما في قاموس الفارسية للدكتور عبد المنعم محمد حسنين ولقد ذكر الدكتور الحلبي الموصلي في كتابه (الآثار الآرامية) أن له أصلاً في الآرامية، وليس هذا دليلاً على أنه سامي الأصلي، ذلك أنه ليس متصرفاً فيها، فقد يكون اللفظ قد انتهى إلى العربية بطريق الآرامية. فقد لاحظ العلماء مثلاً انتقال لفظ (الصراط) من اليونانية إلى العربية بطريق الآرامية، وانتقال لفظ (الكرسي) من الصينية إلى الفارسية فالآرامية فالعربية، كما أشار إلى ذلك صاحب (القراءات القرآنية).

2-قال المحقق: ما ذهب إليه ابن الجواليقي في (تامور) وما ذهب إليه ابن بري ورد كله في اللسان، وهذا يعني أن الثاني أكمل ممّا ذكره الأول، وليس من خطأ يحمل على ابن الجواليقي.

-أقول لم يعقب ابن بري على ما جاء به الجواليقي تخطئة له، وإنما قال ما قال إحاطة بمعاني (التامور) وكشفاً عن أصل دلالته.

فقد ذكر المعرب للتامور معاني خمسة (85) هي دم القلب والصبغ الأحمر وموضع السر وعرين الأسد والصومعة، وزاد ابن بري معنيين هما غلاف القلب والقلب. وجاء في حواشي مخطوط المعرب (9012) معنى ثالث هو (الإبريق)، وأضاف إلى ذلك (وزير الملك) في مقابلة (موضع السر) لأن الوزير محل سر الملك. ثم دل ابن بري على أصل دلالة (التامور) حين قال أنه موضع التستر والإخفاء وأنه الصومعة لأنها تستر الراهب وأنه غلاف القلب لأنه يستره، وأنه القلب لأنه موضع خزن السر والدم، وأنه الإبريق لأنه يستر ما فيه من خمر أو ماء وهكذا.. وقد جاء في الصحاح (والتامورة الصومعة وقولهم فلان أسد في تامورته أي في عرينه، والتامورة غلاف القلب والتامورة الإبريق.. والتامور الدم ويقال النفس).

أما أصل اللفظ فقد ذكر المعرب أنه سرياني، وذكر في المعاجم في (تمر) كالصحاح، أو (أمر) كالقاموس.

3-أقول أثبت المحقق ما جاء في الأصل (تامورة وتامورته) والخطأ فيه واضح، وقد فاته أن يتدارك التحريف ويثبت الصواب وهو (تامور وقامورة)، ففي المعرب (والتامورة صومعة الراهب ويقال تامور بلا هاء).

4-أقول كررت (تستره) في الأصل، إذ جاء فيه (تستره وتستره) فاكتفى المحقق بإحداهما وأسقط الثانية، ولم يلتفت إلى ما فيه من التحريف فالصحيح (تستره وتسرّه) بمعنى أخفاه. وهذا يطابق ما بدأ به ابن بري كلامه حين قال (وهو موضع تستر الشيء وإخفائه)‍!

5-قال المحقق: نسب البيتان في اللسان إلى ربيعة بن مقروم الضبيِّ، الأول في (بتل) والثاني في (تمر). وقد ورد البيت الأول منسوباً إلى النابغة في (صرر) برواية لا تختلف عما ذُكر إلا في الكلمة الأخيرة من الرواية المثبتة في الأصل واللسان (بتل) وهي:

لو أنها عُرضت لأشمطَ راهبٍ

عبَد الإله صرورةٍ متعبد

ولم أجد فيما تيسر لدي من المصادر نسبتها أو نسبة أحدهما إلى الأقيشر الذي ذكره ابن بري.

-أقول: أثبت المحقق عجز البيت الأول في الأصل (عبَد الإله صَرورة مُتبتل) برفع (صَرورة متبتل) خطأ، والصحيح فيهما الجر، والمعنى (إذا عُرضت لراهب أشمط عابدٍ للإله صرورة مُتبتل) فصرورة صفة للراهب، وكذلك متبتل. وقد جاء كذلك في اللسان (بتل)، وفي حواشي المخطوط (6012). وجاء في اللسان (صرر): (صرورة متعبد) بالجر أيضاً.

كما أثبت المحقق عجز البيت الثاني (ولهمَّ من تاموره يتنزّل) خطأ، وصوابه (بتنزّل) بجرّ (تنزل) بالباء. وقد جاء كذلك في المعرّب، والأغاني (19/92) واللسان (تمر) وحواشي المخطوط (9012).

وجاء في اللسان (لَدَنا لبهجتها) بدلاً من (لَرنالبهجتها)، وهو في الأغاني (لصَبا). والصرورة من لم يحج أو لم يتزوج، للواحد والجمع. قال الجوهري (والصرورة في شعر النابغة: الذي لم يأت النساء، كأنه أصرّ على تركهن).

وقد أورد القاضي الجرجاني صاحب (الوساطة بين المتنبي وخصومه) البيت الأول (ص/153) مما سُرق من الشعر بلفظه فنسبه إلى النابغة وجعل قافيته (متعبد) ثم نسبه إلى ربيعة بن مقروم وجعل قافيته (مُتبتل).

أما (الأقيشر) الذي نسب ابن بري البيتين إليه فهو المغيرة بن الأسود بن وهب الأسدي، ولقب بالأقيشر لأنه كان أحمر الوجه أقشرَ، وكان يغضب إذا قيل له الأقيشر (الشعر والشعراء لابن قتيبة/ 540).

وجاء في الكتاب (ص/54 و 55):

قال أبو منصور: و(التخريص) لغة في (الدخريص) واحده (تِخرِص) و (تِخرِصة)، أعجمي معرّب.

قال ابن بري: صوابه (التخاريص) لغة في (الدخاريص) [واحده تخرص](1) و(تخرصة).

قال أبو منصور: قال أبو بكر(2): قال قوم (التخم) واحد (التخوم) وهي حدود الأرض، عربي صحيح، وأنشد لامرأة(3): [من الخفيف].

يا بنيَّ التُّخوم لا تظلموها

إن ظلم التُخوم ذو عُقَّال(4)

قال ابن بري: (التخم) بالفتح: الذي ذكره الجوهري والهروي والذي حُكي عن الفراء أيضاً، وقد حُكي فيه الضم.

و(المرأة) قيل أنها امرأة أحيحة بن الجُلاح أو أبي قيس بن اٍلأسلت.

قال أبو منصور: وأنكر ذلك قومٌ، وقالوا (التُخم) أعجمي معرَّب، والأول أعلى وأفصح.

وقال الكسائي وابن الأعرابي: هي (التخوم) بفتح التاء، والجمع (التُخم).

وقال الفراء: (التخوم) واحدها (تَخم).

وقال أبو عبيد: وأصحاب العربية يقولون هي (التخوم) ويجعلونها واحداً.

وأهل الشام يقولون: هي (التخوم) يجعلونها جميعاً، الواحد (تخم)(5). يقال: هذه القرية (تتاخم) أرض كذا وكذا، أي تُحادُّها.

قال ابن بري: ذكر ابن خالويه أنه قد جمع (فَعول) على (فُعول) وهو زَبور وزُبور وعَذوب وعُذوب وتَخوم وتُخوم. وفيما قاله نظر، أن (زُبوراً) بالضم جمع زِبر بالكسر مثل قِدْر وقدور. وعذوب بالضم جمع عاذب مثل جلوس وجالس. وتخوم بالضم جمع تخم بالفتح مثل فلس وفلوس(6). هذا هو الصحيح الذي لا اختلاف فيه(7).

1-قال المحقق: سقط من الأصل.

-أقول فات المحقق أن يوضح وجه اعتراض ابن بري، ويبين معنى التخريص والدخريص) بكسر الأول فيهما، ويكشف أصلهما الأعجمي.

فقد ذهب الجواليقي إلى أن (التخريص) بكسر أوله جمع واحده (تخرص وتخرصه) بكسر التاء والراء فيهما. والصحيح ما أشار إليه ابن بري حين قال أن الجمع هو (التخاريص) وواحده (التخرص والتخرصة).

والدِّخريص والدِّخريصة والدِّخرص والدِّخرصة بكسر الأول، وجاء بإبدال داله تاء، ومعناه بنيقة الثوب، أي رقعته التي تزاد في نحره لتوسيع، كما جاء في المظان كالجمهرة والمعرَّب وشفاء الغليل والتاج. وأصل الدخريص أو التخريص في الفارسية (تيريز). وقال الميداني النيسابوري في (السامي/ 134): (الدخريص: تيريز). وجاء نحو من ذلك في القاموس. وقال أدي شير في ألفاظه (34): (التخريص: بنيقة الثوب تعريب تيريز، والتخرصة والتخريص والتخريصة والدِ خرص لغات فيه) ذكر هذا بفتح التاء، خلافاً لسائر المظان، لكنه كسر الدال.

2-قال المحقق (الجمهرة –2/7).

3-قال المحقق: لم يُشِرْ ابن دريد إلى أن القائل (امرأة) بل قال: وأنشدوا لأبي قيس صرمة بن أبي أنس الأنصاري.

والبيت في اللسان منسوب إلى أحيحة بن الجلاح، وقيل هو لأبي قيس بن الأسلت (تخم).

-أقول هذا ما ذكره محقق المعرَّب الأستاذ أحمد محمد شاكر وحكاه المحقق ولم يشر إلى ذلك. ولكن إذا كان الجواليقي قدوهم فنسب البيت لامرأة، وكان ابن دريد قد نسبه لأبي قيس الأنصاري، وكان اللسان قد نماه لأبي قيس بن الأسلت أو لأحيحة، فما الذي قاله ابن بري حقاً في تصحيح قول الجواليقي، أقال أنه لامرأة هذا أو ذاك، كما جاء في الأصل، أم قال أنه لأبي قيس بن الأسلت أو لأحيحة نفسيهما كما جاء في حواشي المخطوط (9012)، وهي تطابق حواشي ابن بري في الغالب؟.

وأحيحة بن الجلاح شاعر جاهلي، وهو سيد الأوس، أما زوجه فهي سلمى بنت عمرو ابن لبيد البخارية. وقد خلف عليها بعده هاشم بن عبد مناف فولدت له عبد المطلب بن هاشم، فهي جدة الرسول r، أم جده. وأما أبو قيس بن الأسلت فهو شاعر جاهلي شجاع واسمه الحارث، قيل أنه أسلم، والأسلت هو المقطوع الأنف. وأما أبو قيس بن صرمة فهو شاعر جاهلي صحب الرسول r، وقد جاء هذا في الاشتقاق لابن دريد.

4-أقول: أثبت المحقق (التخوم) بضم التاء، وقد روي في هذا البيت بفتح التاء وضمنها في التاج والمخصص وسواهما، كما روي بالفتح والضم في غير بيت مما جاء به المظان. والعُقّال بضم أوله وتشديد ثانيه مرض يأخذ في قوائم الدابة، هذا أصل معناه.

5-قال المحقق: أقول لعل (التخوم) كلمة سامية جعلت في العربية بالخاء فأفادت هذا المعنى، وجعلت على الأصل بالهاء فكان منها: تهم وتهامة، ويدل على ذلك (تهوم) العبرانية لأداء معنى حدود الأرض، ولما استعملت في العربية حملت على الجمع لأنها (فُعول) توهماً.

-أقول جاء في كتاب (الآثار الآرامية في لغة الموصل العامية) للدكتور داود الحلبي الموصلي أن تخوم الأرض حدودها، وأنها في الآرامية (تحوما) بضم أوله، وقد أورد ما حكاه شفاء الغليل عن المعرب من أن اللفظ عربي صحيح كما ذهب إليه ابن دريد، أو معرب كما قال به آخرون، وأردف (أقول الصحيح أن تخوم ارمية من تحوما.. ولما كانت على وزن فُعول من أوزان الجمع المكسر مثل بيوت جمع بيت ظنوها جمعاً وجعلوا لها مفرداً فقالوا –تخم).

أقول الأصل، إذا اتفق أن تعاقب لفظان متشابهان في لغتين ساميتين على معنى واحد، أن يكون اللفظ من الألفاظ السامية المشتركة، فلا يقطع بأصالته في إحداهما وانتقاله إلى الأخرى، ما لم تشهد بذلك القرائن. وعندي أن ثمة من القرائن ما ينم على عُجمة (التخوم) ذلك لاضطراب الأقوال في مفرده وجمعه، كما ستراه، ووقف تصرفه في العربية على قولهم (تاخمه يتاخمه)!

وقد جاء في هذا الحرف ست لغات، إذ روي الجمع على تخوم بالضم وتخم بضمتين. أما (تخوم) بالضم فقد جاء مفرده على أربعة أوجه هي: تخوم بالضم والفتح، وتخم بفتح فسكون، وضم فسكون. أما (تخم) بضمتين فقد جاء واحده على وجهين هما (تَخوم وتُخوم) بفتح الأول وضمه. وذهب ابن السكّيت إلى الفتح فقال في إصلاح المنطق (تخوم وتخم بضمتين كصبور وصُبُر). ومذهب الجوهري (تخم وتخوم) كفلس وفلوس، وهو مذهب الفراء، كما ذكره ابن بري، خلافاً للتاج، فقد جاء فيه (وقال الفراء هي التخوم مضمومة جمعه تخوم أيضاً).

وذكر ابن بري أن مذهب أهل الشام (تخم وتخوم) كمذب الجوهري وأيده صا حب اللسان، وقال ابن منظور في موضع آخر (وقد قيل واحدها تخم وتخم بفتح وضم، شامية). وحكى التاج عن ابن السكّيت أن الواحد تخم بالضم شامية، فدل هذا أن المفرد في الشامية بالفتح والضم جميعاً.

6-قال المحقق: جاء في اللسان: البصريون يقولون تخوم بالضم، والكوفيون يقولون تخوم بالفتح.

-أقول أورد المحقق هنا طرفاً مما حكاه محقق المعرب عن اللسان، ولم يكشف عن مرماه، فما الذي يعنيه قول البصريين (تخوم) بالضم، وقول الكوفيين (تخوم) بالفتح؟

حكى ابن بري عن ابن خالويه أنه قال تخوم بالفتح يجمع على تخوم بالضم، وكذا القول في زبور وعذوب. على أن هذا الذي حكاه ابن بري عن ابن خالويه، قد نسبه اللسان إلى ابن بري نفسه، وليس صحيحاً ما حكاه اللسان، ذلك أن ما رواه ابن بري عن ابن خالويه قد جاء حقاً في كتاب (ليس) لابن خالويه بالحرف، إذ قال (ص/113): (ليس في كلام العرب فَعول بفتح الفاء، جُمع على فُعول بضم الفاء إلا ثلاثة أحرف ليس بين الواحد والجمع إلا فتحة وضمة، إذا فتحت فهو واحد، وإذا ضُمت كان جمعاً والأحرف الثلاثة هي..). والعذوب هو الذي ترك الآكل لشدة العطش فجاع كعاذب. والزبور بالفتح كتاب داود عليه السلام وجمعه (زُبُر) بضمتين، كما جاء في التنزيل. والزبور بالضم جمع (زبر) بالكسر، كما قال ابن بري، وهو بمعنى المكتوب.

أما كلام ابن بري فهو ما عقب به على قول ابن خالويه.

وقول اللسان (والبصريون يقولون تخوم بالضم، والكوفيون يقولون تخوم بالفتح) قد قصد به أن البصريين يجمعون (تخوماً) بالضم على (تخوم) بالضم أيضاً، والكوفيون يجمعون (تخوماً) بالفتح على (تخوم) بالضم. على أن التاج قد حكى عن الفراء، وهو عماد الكوفيين (هي التخوم مضمومة جمعه تخوم أيضاً).

7-أقول في قول ابن بري (وتخوم جمع تخم مثل فَلس وفلوس، وهذا هو الصحيح الذي لا اختلاف فيه). أقول في قولـه ابن بري هذا نظر! فقد رأيت اختلاف الأئمة في مفرد هذا الحرف وجمعه، وحكى ابن بري نفسه (التخم) بضم الأول مفرداً وأشار إلى أنه يجمع على (تخوم) بالضم أيضاً.

وجاء في الكتاب (ص/56 و 57):

قال أبو منصور: ويقال: أن التاريخ الذي يؤرخه الناس ليس بعربي محض، وإن المسلمين أخذوه عن أهل الكتاب.

وتاريخ المسلمين أُرخ من سنة الهجرة، وكتب في خلافه عمر رضي الله عنه، فصار تاريخاً إلى اليوم.

وقيل أنه عربي، واشتقاقه من (الأرخ) وهو ولد البقرة الوحشية إذا كانت أنثى، بفتح الهمزة وكسرها، كأنه شيء حدث كما يحدث الولد(1). وأنشد الباهلي لرجل كان بالبصرة(2): [من الخفيف].

ليت لي في الخميس خمسين عيناً(3)

كلُّها حول مسجد الأشياخِ

مسجدٌ(4) لا تزال تهوي إليه

أمُّ أرخ قناعُها متراخي

ويقال إن (الأرخ) الوقت، و (التاريخ) كأنه التوقيت.

قال ابن بري (الأرخ) الفتيَّة من البقر.

قال الفراء: وهي التي لم يَنزُ عليها الثيران، والعرب تُشبِّه بها النساء الخفِرات، وقال الشاعر: [من الرجز]:

يمشين هوناً مِشيةَ الأراخ(5)

وقال ابن مقبل: [من البسيط]

أو نعجة من إبراخ الرمل أخذلها

عن إلفها واضح الخدّين مكحولُ(6)

وفيما حكاه (الأراخ) الوقت، ولم يذهب أحد إلى هذا، وإنما قال ابن درستويه(7)

الأرخ من البقر. واشتقاق (الأرخ) والتاريخ واحد، لأن الفتى وقت من السن، والتاريخ وقت من الزمان. وقد أحسن فيه كل الإحسان، والتاريخ أحسن(8).

1-قال المحقق: وجاء في الجمهرة(2/216) وورّخت الكتاب وأرّخته. ومتى أرخ كتابك ووُرِّخ، أي متى كتب.

-أقول هذا ما حكاه محقق المعرب(89) عن الجمهرة، وتمام الحكاية (ذكر عن يونس وأبي مالك أنهما سمعاه عن العرب). ويعني ذلك أنهما ينفيان أن يكون اللفظ معرباً. وسنبسط القول في أصل اللفظ فيما بعد. وجاء في الصحاح نحو مما جاء في الجمهرة، قال الجوهري (التأريخ تعريف الوقت والتوريخ مثله، وأرّخت الكتاب بيوم كذا وورّختُه بمعنى. والأراخ بقرُ الوحش، الواحدة إرخٌ).

2-قال المحقق: جاء في اللسان: لرجل مدني كان بالبصرة.

-أقول: هذا ما ذكره محقق المعرب الأستاذ أحمد محمد شاكر بالحرف فحكاه عنه المحقق الدكتور السامرائي ولعل الباهلي هذا هو الباهلي البصري الشاعر المقل، واسمه محمد بن محمد بن عبد الرحمن.. بن مسلم، وكنيته أبو أمامة، كما في معجم المرزباني(407).

3-أقول كذا جاء في المعرب واللسان، وهو في التاج (خمسين عاماً).

4-أقول أثبت المحقق (مسجد) بالرفع، وقد جاء بالجر في المعرب واللسان والتاج، وأحسبه الصواب. فـ (مسجد) بالجر، بدل من (مسجد الأشياخ) بالجر، في البيت السابق. وقد أبدل النكرة هاهنا من المعرفة بعد استيفاء شرطه، وذلك بوصفه، لئلا يكون غير المقصود أوفى من المقصود، وذلك نحو ما جاء في التنزيل من قوله تعالى (كلا لئن لم ينته لنسفعاً بالناصية، ناصية كاذبة خاطئة –16/17 العلق).

5-قال المحقق: لم أهتد إلى الراجز، ولم أقف على رجزه.

-أقول: جاء في تعقيب الدكتور الضامن (الرجز في التنبيه والإيضاح عما وقع في الصحاح لابن بري (1/822)، واللسان والتاج (أرخ)، ولم يُنسب إلى قائل معين فيها). والقول ما قال.

والهون بفتح فسكون مصدر هان عليه الشيء أي خفَّ. تقول مرّ على هونه بالفتح، وهِينته بالكسر، أي على سكون وخفة وهدوء. أما الهون بالضم فهو الهوان. وفي التنزيل: (أيمسكه على هُونٍ أم يدسُّه في التراب –59/ النحل).
يتبـــــع
--------------
نشر هذا البحث في :

مجلة التراث العربي-مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب-دمشق العدد 27 و 28 - السنة السابعة - نيسان وتموز "أبريل ويوليو" 1987 - شعبان وذو القعدة 1407

Air Jordan 1 Retro High OG "Board of Governors" White/Black-Royal Blue

التصنيف الرئيسي: 
التصنيف الفرعي: 
شارك: