أصدرت الباحثة الدكتورة سرور الحشيشة كتابا في اللّسانيّات عنوانه "مبدأ التّأليفيّة في معالجة دلالة القول". وقد صدر الكتاب عن دار كنوز، عمّان، الأردن، 2020.
يعالج الكتاب نجاعة مبدأ التّأليفيّة في معالجة دلالات الأقوال. وهو يتنزّل في إطار إشكاليّة معرفيّة أكبر تتّصل بعلاقة الجزء بالكلّ. وقد أوجب اختبار الفرضيّة الذّرّيّة أن ننطلق من النّظريّة التّأليفيّة ثمّ نقوّم نجاعة مبدأ الجزء في ضوء ما قد يكون من نجاعة مبدأ الكلّ. فكانت الفرضيّة الكلّيّة فرضيّة أساسيّة في مناقشة مبدأ التّأليفيّة. فأمّا الفرضيّة الذّرّيّة اللّسانيّة فقد اختبرناها بنماذج النّظريّة النّحويّة التّوليديّة. وأمّا الفرضيّة الكلّيّة فقد اختبرناها بنظريّة الجشطلت Gestalt Theory في اللّسانيّات العرفانيّة. وقد اعتمدنا في ذلك نظريّة النّحو العرفانيّ Cognitive Grammar Theory.
ومن النّتائج الّتي انتهينا إليها من تحقيق مبدأ التّأليفيّة ونقده هو أنّ مبدأ الجزء لا يعارض في شيء نحويّة الطّراز، بل لعلّه المبدأ الطّبيعيّ في علاجه. والنّحويّة ليست مظهرا مستقلاّ من البنية النّحويّة، بل هي المواضعة نفسها. فيغدو المجاز والاستعارة وما إلى ذلك من اتّساع المعنى فاتّساع البنية الحاملة له جزءا من المواضعة على النّظريّة الدّلاليّة والنّحويّة احتواؤه وتفسيره. ومبدأ الكلّ الّذي اتّسع للبنية النّحويّة من أعلى درجة يمكن أن تتحقّق فيها إلى أدنى درجة هو المبدأ الطّبيعيّ لنحويّة الأقوال ودلالاتها. ولذلك كان الأنجع تفسيرا وإجراء.
إنّ انتظام الجشطلتِ النّحويّةَ في منوال يتصوّر البنية النّحويّة والأقوال الّتي تحقّقها طيفا يشعّ إمكانات من التّصوير والتّصوّر مرجعها جميعاً إلى طراز واحد يحكم تفاضلها الخطاطيّ قربا وبعدا هو الّذي جعلنا نعتبر نظريّة الجشطلت كما تناولناها في النّحو العرفانيّ أكثر طبيعيّة من غيرها في معالجة الأبنية النّحويّة ودلالاتها. وطبيعيّة التّصوّر الكلّيّ للمعنى جعلت مبدأ الجشطلتيّة أنجع في البحث عن دلالات الأقوال وتفسير أسباب نحويّتها انطلاقا من علاقة الجزء بالكلّ. فيجمّع مبدأ التّأليفيّة ما تناثر من ذرّات المعجم وسماته ليبثّه خلال التّشكّل المكوّنيّ الخطاطيّ لجشطلت البنية النّحويّة.
وما استرسال المعالجة التّأليفيّة في المنوال المكوّنيّ التّصويريّ إلاّ دليل على استرسال مبدأ الجزء في التّصوّر الكلّيّ لدلالة القول. وإن هو إلاّ استرسال اقتضته الآلة العرفانيّة الّتي أوجبت أن يكون المعنى جشطلتا أي كلاّ يفوق مجموع أجزائه.. فالمبدآن التّأليفيّة والجشطلتيّة لا يتواردان على وجه من التّناقض أو التّضادّ، ولا هما يتراكبان على نحو من التّوزيع التّكامليّ بينهما. بل هما في ما أوصلنا إليه اختبارنا مبدأٌ أصل فيه يسبق الكلّ الجزء ويكون الجزء مقتضى للكلّ، ومبدأ فرع فيه يسبق الجزء الكلّ ويكون الكلّ مقتضى للجزء. فأمّا الأوّل فاقتضته طبيعة النّحو والمعنى، وهو الجشطلت. وأمّا الثّاني فاقتضته طبيعة الجشطلت، وهو التّأليفيّة.