يستعد معهد الدوحة للدراسات العليا لتنظيم مؤتمر علمي في موضوع: قضايا اللغة العربية واللسانيات التطبيقية يومي 6-7 ربيع الآخر 1438هـ 4-5 يناير 2017م
وينطلق المؤتمر من ورقة جاء فيها ما يلي:
يَلُفّ مجال اللسانيات التطبيقية غموض كبير يُعزى في الغالب إلى أسباب موضوعية تتعلق أساسا بحداثة هذا النشاط واتساع مدى اهتماماته، فضلا عن التباس علاقته باللسانيات النظرية التي تنضوي تحت عنوانها خطابات متعددة الرؤى ومتباينة الأهداف. ومن أجل كل هذا ارتأى قسم اللسانيات والمعجمية العربية تنظيم مؤتمر دولي يصبو إلى توضيح انشغالات هذا المجال بحكم طابعها غير المتجانس، وإلى إبراز أهمية إدراج البعد التطبيقي في تناول قضايا اللغة العربية، في أبعادها العملية والواقعية، تناولا يستند إلى مُخرجات التفاعل بين تخصصات متعددة إذ تواجه إشكالات اللغة في علاقتها بالفرد وبالمجتمع والثقافة والتقنية والتطور المعرفي.
لكن قبل الشروع في تفريع القضايا وتفصيل المحاور ذات الصلة، يحسن بنا أن نذكر بالخلفية التاريخية التي حددت مكانة اللسانيات التطبيقية في خريطة المعارف الأكاديمية. وما كان هذا ليكون مفيدا لو لم تتبدّ لنا أهميته في تسليط الضوء على انشغالات هذا التخصص، وفي حصر دائرة الموضوعات والإشكاليات التي يروم المؤتمر طرحها على بُسُط البحث والمناقشة؛ ليخلص إلى التوصيات المناسبة التي نأمل أن تُرسي قواعد صرح برنامج علمي يتوخى الاستفادة من نتائج ما أنجز من بحوث نظرية وتطبيقية حول اللغة العربية،وذلك لوضع مشاريع بحثية واضحة وواقعية تقترح حلولا لمشاكل عملية تخص اللغة العربية في علاقتها بالتعليم والتواصل والحوسبة ونقل المعارف وإنتاجها، وتقوي تنافسية لغتنا في سوق المبادلات الرمزية. وعلاوة على هذا نأمل أن يتيح البرنامجُ المأمول من جهة أخرى، فتح آفاق للتفكير في سياسات بحثية جديدة تستند إلى رؤية واعية بضرورة تضافر المعرفة والإرادة لتفعيل مواكبة اللغة للتطور العلمي والتقني والاجتماعي بوجه عام.
لن نجانب الصواب إن زعمنا أنّ “اللسانيات التطبيقية” لم تبلغ سن الرشد، الذي مَكّنها من جلب أنظار الأكاديميين ومؤسسات البحث، إلا في مطلع ستينيات القرن الماضي، وهي الحقبة التي شهِدت ميلاد مركز اللسانيات التطبيقية بواشنطن ومدرسة إيدنبورغ للسانيات التطبيقية[1]. لكن الانعطافة الكبرى تمثلت، من دون أدنى شك، في إنشاء الجمعية الدولية للسانيات التطبيقية في سياق تنظيم الندوة الدولية الأولى للسانيات التطبيقية التي اِلتأمت بالمدينة الفرنسية “نانسي” في سنة 1964، وتطرقت لموضوعين: “الترجمة الآلية” و “طرق تعليم اللغات الحية”. ومن المفيد الإشارة إلى أن التقليد “الأنجلوفوني” في هذا التخصص تفرّد بربط اللسانيات التطبيقية بالبحث في اكتساب اللغة الثانية.
كانت هذه بعض اللبنات الأولى المؤسسة، تلتها مرحلة انفتاح اللسانيات التطبيقية على آفاق بحثية جديدة من أماراتها التوجه نحو الاهتمام بقضايا التواصل في تمظهراته المتنوعة التي نصادفها في المجتمع البشري. وشيئا فشيئا وصلت اللسانيات التطبيقة، بفضل التقدم الحاصل في اللسانيات وعلم النفس المعرفي وعلم الاجتماع وعلوم التواصل والاتصال، إلى صياغة موضوعها على نحو يبرز مركزية اللغة في مجالات تتقاطعُ وتُتيح تَلاقي وتلاقُح تخصّصات تروم فهم وحل مشاكل العالم الواقعي. نجد التعبير عن هذا التوجه لدى كريستوفر برومفيت (Christopher Brumfit) حين يكتب: ” تهتم اللسانيات التطبيقية بالبحث النظري والتجريبي لمشاكل العالم الواقعي وهي المشاكل التي تُعًدّ فيها اللغة قضية مركزية“.
بالرغم من أهميته، فإن هذا التعريف العام لا يسعف في تكوين تصور دقيق عن المحاور الرئيسة التي تستأثر باهتمام الباحثين والجمعيات المتدخلة في هذا المجال، وذلك لإدراجه البحث النظري ضمن مشاغل اللسانيات التطبيقية. إن نحن أردنا تكوين تصور واضح عن المجال لا مندوحة من فحص دقيق للبرامج البحثية لجمعيات ومراكز البحث التطبيقي في اللسانيات؛ وهو فحص يكشف تباينا في أولويات اهتماماتها حتى وإن اتفقت حول دور “التنظير” في توجيه التطبيق والتعامل مع مشاكل عملية، وحول عناوين الموضوعات الكبرى للتخصص والتي نجدها معروضة بتفصيل، في الموقع الإلكتروني الخاص بالجمعية الدولية للسانيات التطبيقية:
“اكتساب اللغة…التحليل التقابلي… تحليل وانتاج إشارة الكلام… تعيلم اللغات الأم… تعليم اللغات الأجنبية… اتصال اللغات والاختلافات اللسانية في علاقتها بالأوضاع الجغرافية ووالاجتماعية والمهنية، اللغات الجهوية واللغة الوطنية، علم المعجم والصناعة المعجمية…المصطلحية، التقنيات التربوية الحديثة،.. السياسة اللغوية… تقويم النطق والسمع… الترجمة… المعالجة الآلية للغات الطبيعية…الترجمة الآلية… إدارة المعطيات الوثائقية….اضطرابات اكتساب اللغة… اضطرابات اكتساب اللغة عند الراشد”
يكفي أن نلقي نظرة على الممارسات في مجال اللسانيات التطبيقية لنلمس أثر العناصرالاجتماعية والثقافية والتقاليدالأكاديمية للبلد المحتضِن في تحديد الأولويات وفي تهميش بعض الموضوعات. فعلى سبيل المثال لا الحصر تهتم اللسانيات التطبيقية في اليابان، بالدرجة الأولى، بقضايا تتعلق بتعلّم اللغات الأجنبية، أما في ألمانيا فالعناية موجهة إلى قضايا التواصل، وفي النمسا تتبوأ دراسة الخطاب مكانة بارزة في برامج اللسانيات التطبيقية بالنظر إلى عوامل معينة لا يعنينا أمرها في هذا المقام. أما في الولايات المتحدة فنجد اهتماما أكبر باللسانيات ونحو اللغات الطبيعية في علاقتهما بالذكاء الاصطناعي، وتتميز كندا بعنايتها بقضايا الترجمة والمصطلح والإعداد اللغوي.
آثرنا استحضار هذه المعطيات لنصل إلى القضية العلمية الأساس المرتبطة بالجواب عن السؤال التالي: أيّ لسانيات تطبيقية تلائم وضع اللغة والثقافة العربيتين؟ وبتعبير آخر ما هي مقومات برنامجنا الخاص في مجال اللسانيات التطبيقية؟ ووفق أي أسس نحدد أولويات هذا البرنامج؟
إن ما نبتغيه من عقد مؤتمر حول “قضايا اللغة العربية واللسانيات التطبيقية” فضلا عن الأهداف العامة المشار إليها في مستهل أرضية المؤتمر، يرمي إلى تقديم عناصر الإجابة عن هذا السؤال ويرتبط هذا بتحقيق ما يلي:
- أن تشكل هذا المؤتمر لحظة التقاء للباحثين في مختلف فروع العلوم المهتمة بقضايا اللغة والتواصل والتربية والتكوين والمعالجة الآلية للغة لتبادل المعلومات والآراء لتدقيق النظر في راهنية هذه القضايا البحثية، ولتقديم خلاصات مشاريعهم.
- أن يتم رصد مختلف المشاريع البحثية المنجزة، أو التي هي في طور الانجاز، بما يتيح تكوين قاعدة بيانات حولها لترصيد المنجز ولربط بعضها ببعض في شبكة بحثية تيسر تبادل المعلومات والتجارب وتساعد في تحديد معالم برنامج لسانيات تطبيقية عربية يراعي الخصوصيات اللسانية والثقافية والاجتماعية مما يمكّن من تحديد الأولويات وتجنب استنساخ التجارب.
- أن تؤسس أعمال هذا المؤتمر شروط تأسيس جمعية عربية للسانيات التطبيقية من أجل وضع برنامج عمل مشترك على مستوى العالم العربي يتغيا تطوير البحث اللساني التطبيقي من خلال متابعة المستجدات في هذا الحقل ووضع برامج علمية مناسبة ومتلائمة مع معايير الجودة المطلوبة عالميا.
يقترح منظمو المؤتمر أن تكون الأوراق البحثية المقدمة لهذه التظاهرة العلمية على صلة بأحد المحاور التالية وما يتفرع عنها من إشكالات منهجية ونظرية وموضوعاتية تتناول وضع اللغة العربية وإعدادها في التعليم والتواصل والتِقانة الحاسوبية.
المحاور:
اللسانيات التطبيقة في علاقتها بالتنظير
اللسانيات التطبيقية والتخطيط اللغوي
اللسانيات الاجتماعية وأوضاع اللغة العربية
اللسانيات التطبيقية والمعالجة الآلية للغة العربية
اللسانيات التطبيقية والصناعة المعجمية والمصطلحية
الأبعاد التطبيقية للسانيات النفسية
[1] Center for Applied Linguistics
Edinburgh School of Applied Linguistics
دون نسيان مركز اللسانيات التطبيقية في فرنسا بمدينة بوزنسان تحت إشراف برنار كِمَدا.