وهل هناك علاقة عقلية بين الألفاظ ومعانيها أم أنها مجرد رموز اعتباطية لم يلتفت الواضع إلى علاقتها بالمعاني الدالة عليها؟... والكثير من المناقشات التي جعلت الأستاذ تمام حسان يقول بان:" كل دراسة لغوية لا بد أن يكون موضوعها الأول والأخير هو المعنى، وكيفية ارتباطه بأشكال التعبير المختلفة، فالارتباط بين الشكل والوظيفة هو اللغة... وهو صلة المبنى بالمعنى"([2])، ونتيجة لضخامة هذا الموضوع وكونه يشكّل العمود الفقري لكل دراسة لغوية سنتوقف في هذا البحث على جزئية صغيرة منه إلا أنها ترتبط ارتباطا وثيقا بكل هذه التساؤلات، وتحرّك جوانب هذه الموضوعات شئنا أم أبينا، ألا وهي(إشكالية زيادة المبنى ودلالتها على زيادة المعنى).
فقد شاعت في الدراسات اللغوية قديما وحديثا جمع من الأسس العامة والخاصة وضعها لغويون بحثوا المادة المستقرأة درسا وتحليلا وبناء، محاولين من ذلك كله ضبط المفردات ومدلولاتها، حاصرين لها ضمن فكرة موحدة جامعة، ومن تلك الأسس العامة المشهورة ظاهرة لغوية سميت(زيادة المبنى ودلالتها على زيادة المعنى) التي استدعتها طبيعة بحوثهم المعتقدة بوجود علاقة بين اللفظ والمعنى، والتي تذوقها اللغويون الأوائل في جمعهم لكلام العرب، وفسّرها بعض المنظرين من بعدهم بتفسيرات ما تزال - في ظني- محتاجة إلى ضبط مواردها وحصر صورها، لان كثيرا مما لا يدخل تحت هذا الأساس العام قد يعدّ وهما منها، ولذا فان الأمر محتاج إلى نظرية ترصد الصور المتعددة والمختلفة ثم تبني القواعد المتحكمة في إدخال الداخل وإخراج غيره.
ولبحث الموضوع بحثا دالا عميقا لا بدّ من تقسيمه إلى المطالب الآتية:
المطلب الأول: العلاقة بين اللفظ والمعنى
إن موضوع العلاقة بين اللفظ والمعنى قديم قدم الدراسات اللغوية؛ لأنها قضية تعود إلى فلسفة اللغة وكيفية نشأتها ودلالتها على المعاني الموضوعة لها، وهناك خلاف كبير وتقاطع عريض بين طرفي النزاع في هذه المسألة من البحث اللغوي، فجمهور اللغويين العرب القدماء وعدد لا بأس به من المحدثين يرون ارتباطا واضحا بين اللفظ والمعنى، وان الصوت اللغوي المتشكل في الكلمة والكلام يرتبط بوضوح مع المعنى الذي يدل عليه، فهذا سيبويه يذكر عددا من المصادر التي جاءت على مثال واحد حين تقاربت المعاني، كألفاظ ( النزوان والنفزان والغليان والغثيان واللمعان) والجامع بينها ما تجده فيها من اضطراب وتحرّك([3])، فالمعاني المتقاربة استدعت أوزانا متقاربة، وهذه علاقة بين اللفظ والمعنى، ويسهب ابن جني في بيان تلك العلاقة في أكثر من باب عقده في بحثه عن خصائص اللغة العربية، كقوله :" نضح الماء ونضخ، فالفعلان وان تقاربا في أصل المعنى إلا أن بينهما فرقا هو أن النضخ بالمعجمة أشدّ من النضح، فإذا قيل: إن هذه العين تنضح أدى ذلك إلى معنى خروج الماء من العين من غير معنى الغزارة والشدة الذي يفهم من قولهم: هذه العين تنضخ"([4])، وبذلك يرى أن اختلاف الحرف الواحد في اللفظتين أو الحرفين أو الثلاثة يؤدي إلى اختلاف دقيق في المعنى المراد من اللفظ ليقول في النهاية:" إن كثيرا من اللغة وجدته مضاهيا بأجراس حروفه أصوات الأفعال التي عبر بها عنها، ألا تراهم قالوا: قضم في اليابس وخضم في الرطب"([5])، فالأصوات عنده تابعة للمعاني متى قويت المعاني قويت الألفاظ ومتى ضعفت المعاني ضعفت الألفاظ.
ويستمر هذا النهج في البحث اللغوي القديم حتى بدء الدراسات اللغوية الحديثة ليشيع الرأي المتقاطع معه والمعتقد بان لا علاقة بين اللفظ والمعنى، وان الأصوات مجرّد رموز اعتباطية دلت على معانيها بالوضع من دون الارتباط بالمعاني الدالة عليها، فالاتجاه السائد هو إنكار هذه الصلة في ألفاظ اللغة عامّة مع إعطاء اليد بوجود عدد ضئيل من الكلمات تظهر فيها هذه المناسبة بشكل أو بآخر([6]).
والذي أريد التوقف عنده بين هذين المذهبين المتباعدين بأشد ما يكون فيه التباعد، خاصة أننا ندرّس طلبتنا كتبا لغوية قديمة تعطي الاهتمام للمذهب الأول ونتناقض مع أنفسنا عندما نلقي عليهم محاضرات في علم اللغة الحديث تؤيد المذهب الثاني، بالقول:
1- إن هناك فرقا دقيقا بين الاعتقاد بوجود علاقة ومناسبة وضعية بين اللفظ والمعنى والاعتقاد بالمناسبة الطبيعية بين اللفظ والمعنى، واغلب من درس هذه القضية لم يتوقف عند هذه التفرقة نتيجة عدم اطلاعه على مباحث(علم الوضع) الذي كان منهجا مقررا في الدرس اللغوي القديم، والفرق بينهما أن العلاقة بين اللفظ والمعنى إن كانت وضعية فلا باس من القول بها، أي أن الواضع( الله أو المجتمع) عندما وضع الألفاظ لتدلّ على المعاني لاحظ مناسبة بين المعنى القوي والأصوات القوية والمعنى الضعيف والأصوات الضعيفة، وهي أشبه ما تكون بعملية وضع المصطلحات اليوم، فإننا ننتخب من المعجم اللفظ الذي نرى وزنه وصيغته وأصواته ومعناه أكثر مناسبة من غيره ليكون لفظا دالا إزاء المعنى الاصطلاحي، والفرق بين العمليتين أن في عملية الوضع الاصطلاحي تكون اللفظة المنتقاة لها معنى أصلي في حين تكون اللفظة في عملية الوضع الأولى خالية من المعنى قبل عملية الوضع، ثم يضع الواضع اللفظة التي يراها تتناغم موسيقيا مع المعنى المدلول عليه، وبما أن الله تعالى حكيم على القول بأنه واضع اللغة ، والمجتمع الإنساني عاقل فلا يبعد انه قد راعى وجود علاقة بين المعاني والدوال عليها، وإنما تغيب هذه العلاقة أحيانا نتيجة عوامل الزمن البعيدة بين الوضع والدرس اللغوي أو نتيجة ضعف الدارس في استكناه العلاقة بين الدال والمدلول، وهذا الاعتقاد بوجود المناسبة الوضعية ذكره ابن جني ودافع عنه بأن:" يكون الأول الحاضر شاهدَ الحال فعرف السبب الذي له ومن اجله ما وقعت عليه التسمية، والآخر لبعده عن الحال لم يعرف السبب للتسمية"([7])
وأما الاعتقاد بوجود علاقة ومناسبة طبيعية غير متوقفة على ملاحظة الواضع للفظ والمعنى، أي أن الأصوات تدل على المعاني بذواتها دون وضع الواضع، فهذا هو الذي اتفق الجمهور على فساده([8])، دون الاعتقاد الأول؛ لان الألفاظ لو دلّت على المعاني بأنفسها دون عملية الوضع يلزم منه أن نفهم منه معاني جميع لغات العالم بمجرد سماع أصواتها، لكن النتيجة باطلة فالمقدم مثله([9])، والعجب كل العجب من نسبة القول بالمناسبة الطبيعية للعالم اللغوي ابن جني، مع انه قد نصّ على أن اختيار الألفاظ لأداء المعاني مثل اختيار صاحب المال لإنفاق بعض ماله دون بعض:" وهو يرى انه لو أخذ ما ترك مكان أخذ ما أخذ لأغنى عن صاحبه ولأدى في الحاجة إليه تأديته، ألا ترى أنهم لو استعملوا(لجع) مكان(نجع) لقام مقامه وأغنى مغناه"([10])
2- لو تأملت النقطة الأولى لوجدت أن الدرس اللغوي الحديث ينفي(المناسبة الطبيعية) بين اللفظ والمعنى وليس( المناسبة الوضعية) بين اللفظ والمعنى([11])، وهو ما نفاه الجمهور من اللغويين العرب القدماء أيضا، لكن نتيجة عدم اهتمام الدرس اللغوي الغربي الحديث بفكرة(الوضع اللغوي) نتيجة توهمه أن هذه القضية مرتبطة بموضوع(نشأة اللغة) وما تجره من آراء يصعب إثباتها لم يناقش (المناسبة الوضعية) في دراساته اللغوية، مع أن التفكير السهل يجرّنا إلى القول بان المجتمع الإنساني عندما يتواضع على إطلاق لفظ إزاء معنى قد يلاحظ ويختار اصواتا معينة دون غيرها يجدها ذات قيمة تعبيرية وجمالية مقصودة، فكيف إن كان الواضع هو الله تعالى سواء وضع البعض واستلهم المجتمع طبيعة العملية الوضعية فأكملوا ما بدأ به بنفسه حسب احتياجاتهم وطبيعة أفكارهم وأحوال بيئاتهم وأشكال تضاريسهم....الخ.
والنتيجة من هذا المطلب أن هناك علاقة بين اللفظ والمعنى تظهر في بعض الألفاظ قد قصدها الواضع ولاحظها عند وضعه لألفاظ اللغة؛ سواء كان الواضع هو الله تعالى أم المجتمع؛ لان اكتشاف اللغة كنظام إشاري عمل عقلي جبار، فلماذا لا يستطيع هذا المستكشف ونوابغه من انتخاب الأصوات المناسبة إزاء معانيها المراد التعبير عنها؟، ومما يوضح دور الواضع العقلي واهتمامه بالمناسبات ظواهر الإعراب والاشتقاق والحذف والتضعيف والإبدال...الخ، التي تجري على سنن واحد وقانون مطرد، مما يدل على وجود التفكير العقلي المنظم في عملية الوضع اللغوي.
المطلب الثاني: زيادة المبنى ودلالتها على زيادة المعنى- تأسيس ومفهوم
يقوم هذا الأساس اللغوي على فكرة مفادها : انه كلما زاد اللفظ زاد المعنى، وبعبارة أخرى: كلما طرأت زيادة على عدد الحروف الأصلية المؤدية لأصل المعنى ازداد المعنى ودلّ على تفريعات جديدة في مفهومه لم يدلّ عليها اللفظ في جذره الأصلي، ويوضح ذلك ابن جني عندما يجعل:" الأصوات تابعة للمعاني ، فمتى قويت قويت ومتى ضعفت ضعفت، ويكفيك من ذلك قولهم: قطع وقطّع وكسر وكسّر زادوا في الصوت لزيادة المعنى واقتصدوا فيه لاقتصادهم فيه"([12])، وهنا يلفت ابن جني انتباهنا إلى مسالة مهمة في فهم هذه الظاهرة، وهي أن المعنى هو العنصر المتحكم في البنية اللفظية وليس العكس كما يدل عليه الظاهر من قولهم(زيادة المبنى ودلالتها على زيادة المعنى)، فالمعنى هو الذي يستدعي اللفظ ويقتضيه، وكلما ازداد المعنى وتفرّع وتخصص وتكثر وتقوى استدعى تغييرا في اللفظ الأصلي لينسجم مع هذا التغير الجديد الحاصل، ولا يدلّ كلامه – كما ظن البعض- على إيمانه بالمناسبة الطبيعية بين الألفاظ والمعاني، فهو لا يقول: إن معنى (الضرب) استدعت حروف ( ض ر ب)، وإنما هو يقارن بين بنى متقاربة الأصوات مبينا أن المعاني قد استدعت الاختلاف بينها ولم تستدع أصواتها، فهناك فرق بين استدعاء أصوات الكلمات واستدعاء التخالف بين الكلمات لكمال حكمة الواضع، إذ موقف (شرب الماء) غير موقف(شرب الدواء)، فاستدعى المعنى الأول لاختلافه عن المعنى الثاني التخالف بين الصيغتين ولم يستدع أصواتهما، فقالوا: جرع الماء وتجرّع الدواء، ولذا لا نجده يتكلم على هذه الظاهرة إلا عند المقارنة بين الألفاظ، ولا يتحدث عن الألفاظ كلا على حدة([13]) ونتيجة لهذا الفهم فلا بد من وجود معنيين متقاربين يزيد احدهما على الآخر قوة وعمقا وتفرعا وتخصيصا ثم نقارن بين اللفظين المعبر بهما عنهما لنتلمس هذه الظاهرة وجودا وعدما، ويجعل ابن جني هذه الفكرة ذات طبيعة منطقية عندما يقول:" فإذا كانت الألفاظ أدلة المعاني ثم زيد فيها شيء أوجبت القسمة له زيادة المعنى به"([14])، وتلقف الصرفيون هذه الفكرة واخذوا يطبقونها على(معاني أبواب الزيادة) فيجدون آثارها واضحة عند بيانهم الفرق بين المجرد ومعناه والمزيد فيه ومعناه، كأبحاثهم المشهورة في المزيد على الثلاثي المجرد بحرف وحرفين وثلاثة أحرف، فقرروا أن المعنى في(اكتسب) أزيد من المعنى في(كسب)وان معنى(اعشوشب) أزيد من معنى(عشب) وان معنى(قطّع) أقوى من معنى(قطع)...الخ([15])، ويلخّص الرضي ذلك بقوله:" اعلم أن المزيد فيه لغير الإلحاق لا بد لزيادته من معنى؛ لأنها إذا لم تكن لغرض لفظي كما كانت في الإلحاق ولا لمعنى كانت عبثا، فإذا قيل مثلا: إن (أقال) بمعنى (قال) فذلك منهم تسامح في العبارة، وذلك على نحو ما يقال: إن (الباء) في (كفى بالله) و(من) في (وما من اله) زائدتان لما لم تفيدا فائدة زائدة في الكلام سوى تقرير المعنى الحاصل وتأكيده، فكان لا بد في الهمزة في(أقالني) من التأكيد والمبالغة"([16]) كما انتقلت هذه الفكرة اللغوية لتجد لها مكانا خصبا في حقل لغوي آخر هو علم النحو، فتوقف النحويون عند(حروف الزيادة) وأكدوا أنها تفيد معنى(التوكيد والتقوية والمبالغة)؛ لان زيادة المبنى دالة على زيادة المعنى، كما في قولنا: ما جاءني من احد، فحصروا حروف الزيادة في(إن وأن وما ولا ومن والباء) وذكروا أن دخولها لزيادة المعنى وتقويته وإلا كان ذلك عبثا من المتكلم([17])، فقد قرّر النحويون أن المقصود بالزيادة هنا الزيادة في العمل النحوي وليست الزيادة في المعنى([18])، ولذا ذكروا أن دخول هذه الزوائد في التراكيب السابقة أفاد التوكيد والتقوية لمضمون الكلام، وقد يتوهم البعض بأن الزائد يمكن حذفه ولا يؤثر في المعنى وهو غير مقصود لهم، وقد نشأ هذا الوهم من عدم اطلاع على دلالة مصطلح(الزيادة) ومفهومه عندهم، كما ظهرت هذه الفكرة عند النحويين في مباحث(اسم الإشارة) عندما عللوا الفرق بين(ذا وذاك وذلك) حيث ذكر ابن يعيش أن(ذا) إشارة للقريب، فإذا أرادوا الإشارة إلى متنح متباعد زادوا كاف الخطاب فقالوا: ذاك، فان زاد بعد المشار إليه أتوا باللام مع الكاف فقالوا: ذلك، واستفيد باجتماعهما زيادة في التباعد لان قوة اللفظ مشعرة بقوة المعنى([19]) وكل من الدراسات الصرفية والنحوية متفقة على أن الزيادة الطارئة على المبنى تصاحبها زيادة في المعنى، ولذا لا نراهم يتكلمون إلا على بنيتين أو تركيبين ثم يعقدون مقارنات بينهما لتتبين الزيادة الحاصلة في المعنى والمؤثرة في اللفظ، ويذكرنا هذا بالمقارنات التي عقدها المبرد للكندي عندما سأله عن الفرق بين: عبد الله قائم، وإن عبد الله قائم، ووالله إن عبد الله لقائم، حيث وضّح له بأن المعاني مختلفة فالأسلوب الأول إخبار عن قيامه، والثاني جواب عن سؤال سائل متشكك، والثالث جواب عن إنكار منكر([20])، فهذه التراكيب الثلاثة ليست ذات معنى واحد، وإنما هي تراكيب مختلفة الدلالة فيما بينها باختلافات دقيقة تراعي المقام وحال الخطاب، فكلما زاد المبنى داخل التركيب النحوي زاد معناه، إذ أصل المعنى وهو الإخبار عن القيام موجود في التراكيب الثلاثة لكن حدث تغيير دقيق في المعنى لتغير حالة الخطاب استدعت الزيادات التوكيدية واقتضت الإضافات الضرورية لتناسب المقام ومقتضى الحال، نستخلص من هذا العرض انه لكي تكون الأمثلة التركيبية داخلة ضمن أساس زيادة (زيادة المبنى ودلالتها على زيادة المعنى) لا بد من وجود تركيبين متشابهين حصلت على احدهما زيادة، فعندئذ ننظر إلى الفروق المعنوية الدقيقة الحاصلة نتيجة تلك الزيادة اللفظية، فان حصلت زيادة معنوية على أصل المعنى فهي داخلة في هذا الأساس اللغوي، وان لم تحصل زيادة على أصل المعنى بل اختلف المعنى كليا وتغاير مع أصله فلا يكون داخلا ضمن هذا الأساس البتة، ولذا يقارن الصبان بين نوني التوكيد الثقيلة والخفيفة الواردتين في قوله تعالى:( ليسجنَنَّ وليكونا من الصاغرين/ يوسف- آ:32)، حيث ذكر انه:" أكدت في الأول بالثقيلة لقوة قصدها سجنه وشدة رغبتها فيه، وفي الثاني بالخفيفة لعدم قوة قصدها تحقيره وإهانته وعدم شدة رغبتها في ذلك لما عندها من المحبة له"([21]).
وانتبه الصرفيون إلى حدود هذا الأساس اللغوي العام فاعتبروه في مباحث دون غيرها، حيث استبعدوا الزيادات الصرفية الواقعة عند تغيير الصيغ من دلالة إلى دلالة أخرى أو من فئة صرفية إلى أخرى، كتحويل الماضي إلى مضارع وأمر، أو تحويل المبني للمعلوم إلى مبني للمجهول، أو تحويل اسم الفاعل إلى اسم المفعول أو الصفة المشبهة وسائر المشتقات الأخرى، لان الزيادة الحاصلة عند التغيير ليست لزيادة المعنى الأصلي وإنما لتغييره وتبديله، فهناك فرق بين زيادة(اكتسب) على(كسب) وزيادة(يضرب) على(ضرب)، ففي الحالة الأولى تقوى المعنى وكثر وأما في الحالة الثانية فقد تبدل المعنى وتغير من دلالته الزمنية الماضوية إلى الزمن الحاضر أو المستقبل، فحروف(أنيت) المضافة إلى الماضي وقعت للتفرقة وليست لزيادة المعنى وتقويته؛ لان الماضي بمجرّد الزيادة اختفى دلاليا والحدث باق على صورته الأولى، ولا نقول بأن(ذهب) يدل على الحدث في الزمن الماضي، و(يذهب) يدل على الحدث أيضا لكن في الزمن الحاضر، فقد حصلت زيادة في المعنى على الأصل وهو(الحدث)؛ لأننا سنصطدم بالاشتقاق من المصدر(الذهاب) الدال على مجرد(الحدث)، فإن(ذهب) قد نقص مبناه وزاد معناه حينئذ عليه على القول بأصالة المصدر في الاشتقاق،فإذا أطلق البعض على(يذهب) بأن فيه معنى زائدا على الماضي أو المصدر فقد أرادوا مجرد المغايرة وليست الزيادة التي ندرسها حاليا، فهذه الزيادات وأمثالها كما في اسم الفاعل والمفعول وسائر المشتقات وتحويل المذكر إلى المؤنث... الخ (فاصلة) للصيغ بعضها عن بعض وليست محدثة معنى زائدا عليها، فاستبعدوا هذه التغيرات من فكرة ( زيادة المبنى ودلالتها على زيادة المعنى)، ومثل هذه الزيادات غير المعتبرة الزيادة الحاصلة عند تحويل المفرد إلى مثنى ومجموع في قولنا( زيد والزيدان والزيدون) حيث تغير معنى الصيغة من الواحد إلى غيره، والألف في المثنى والواو في الجمع لم تعمل على تقوية المعنى الأصلي للجذر الدال على(الزيادة) في لفظ (زيد) وإنما عملت على نقل المفرد إلى مثنى ومجموع، ومن هنا نلحظ مسالة بالغة الأهمية في تأسيس مفهوم(الزيادة في المعنى) أي المعنى الأصلي للجذر كما رأيناه في( كسب واكتسب وخشن واخشوشن وقدر واقتدر...) ونتيجة لهذا تكون الزيادة الدالة على زيادة المعنى هي الخالصة من أي معنى آخر غير المبالغة والكثرة، فمعنى المطاوعة في( انكسر الحاصل من كسر) وفي(اجتمع الحاصل من جمع) والوجدان والحينونة والطلب...الخ، وغيرها من معاني أبواب الزيادة لا تكون لزيادة في المعنى لأنها دالة على معنى آخر غير التوكيد والمبالغة، فليست الزيادة في البنية دالة على زيادة في المعنى في هذه الحالات السابقة.
ولكي يتأسس هذا المفهوم بشكل أكثر وضوحا نتوقف عند باب عقده ابن جني وسماه( تداخل الأصول الثلاثية والرباعية والخماسية) فقد نتسارع إلى الحكم بدخول بعض الألفاظ ضمن هذا الأساس نتيجة التداخل في المقارنة بين الصيغتين الاشتقاقيتين مع أنهما غير داخلين أصلا، فمثلا نسمع(رخو) و(رخود) ونعلم أن اللفظ الأول بمعنى(الضعف) واللفظ الثاني بمعنى(التثني) العائد إليه، فهو ضعف مع لازم من لوازمه، فنقول متعجلين: إن زيادة المبنى دلت على زيادة المعنى، فنحكم بإدخال الخارج في هذا المفهوم نتيجة إهمال الفرق بين الأصل الاشتقاقي للكلمتين السالفتين، إذ(رخو) أصلها( ر خ و) بينما (رِخْوَد) أصلها ( ر خ د)([22])، ونتيجة اتفاق التقارب الدلالي نخطأ في الحكم ونتعجل في البحث، نخلص من هذا إلى شرط أساسي آخر في هذا التأسيس المفهومي ينبغي مراعاته وهو اتفاق الكلمتين في الحروف المكونة لجذريهما حتى يمكن القول: إن زيادة المبنى دلت على زيادة المعنى.
وكما نتعجل ونحكم بإدخال الخارج فقد نتسارع إلى الحكم بإخراج الداخل بمجرد قراءة ما أورده السيوطي من نقض لهذا الأساس بباب التصغير، فانه رأى أن زيادة الحروف فيه أدت إلى قلة المعنى، باعتبار أن تصغير الشيء بمعنى تقليله، فإذا قلت: رجل وصغّرته على (رُجَيْل) فان المعنى قد قلّ مع زيادة المبنى كما هو ظاهر، ولكنه نسي أن المعنى قد زاد بالتصغير ؛ لان المراد بالزيادة ليست الزيادة في جانب الكثرة فقط، فقد تكون الزيادة في جانب القلة أيضا، كما نظّروا له في باب (أفعل الزيادة) مثل(أكرم وابخل)، فكلاهما دال على الزيادة([23])، فعندما نقول رجيل فقد حصلت زيادة في المعنى مقارنة بـ(رجل) الدال على من جاوز حد الصغر وبلغ حد الكبر، و(رجيل) دال على ذلك مع مراعاة تحقيره أو تهوين شأنه وما إلى ذلك من أغراض يؤديها التصغير، وان كنت اعتقد أن التفرقة بين اللفظ (المكبر والمصغر) لا يدخل ضمن هذا الأساس اللغوي، لان الزيادة فيه للتفرقة بين الفئات الصرفية كالزيادة بين الماضي والمضارع والأمر المؤدية إلى مجرد التغيير والتبديل للصيغة للدلالة على معنى مستحدث جديد دون ملاحظة تقوية المعنى الأصلي وتكثيره أو المبالغة فيه.
وقد التفت اللغويون إلى إمكانية تطبيق هذا الأساس عند حدوث ما اصطلحوا عليه بـ(الانحراف) عن أصل الصيغة، فذكروا أن:" من تكثير اللفظ لتكثير المعنى المعدول عن معتاد حاله، وذلك(فعال) في معنى(فعيل) نحو طُوال فهو أبلغ من طويل وعُراض أبلغ من معنى عريض وكذا خُفاف من خفيف، ففُعال وان كانت أخت فعيل في باب الصفة فان فعيلا أخص بالباب من فُعال لأنه أشد انقيادا منه، تقول: جميل ولا تقول جُمال وبطيء ولا تقول بُطاء... فلما كانت فعيل هي الباب المطرد وأُريدت المبالغة عدلت إلى فُعال فضارعت فُعال بذلك فعّالا، والمعنى الجامع بينهما خروج كل واحد منهما عن أصله، أما فعّال فبالزيادة وأما فعال الخفيف فبالانحراف عن فعيل"([24])، وبهذا الفهم لا تكون القضية مجرد عدد الحروف في اللفظتين اللتين تتم المقارنة بينهما، إذ جميل ووضيء مساوية في عدد الحروف لجمال ووضاء، لكن الانحراف عن الأصل الذي هو(فعيل) – كما تدل على أصليته كثرة الاستعمال- إلى (فعال) كان لأجل التشبيه بباب أكثر حروفا ودالا على المبالغة وهو باب(فعّال)، فهذا الانحراف لأجل التشبيه ببنية أكثر حروفا جعلت هذه الصورة داخلة تحت هذا الأساس اللغوي العام، فكما أن اللفظ إذا زيد فيه شيء:" أوجبت القسمة به زيادة المعنى له، فكذلك إن انحرف به عن سمته وهديه كان ذلك دليلا على حادث متجدد له"([25])،ونبه الحريري على هذه الظاهرة اللغوية عند توقفه على التفرقة بين المذكر والمؤنث حيث بيّن أن:" من أصول كلام العرب إدخال الهاء في صفة المؤنث وحذفها في صفة المذكر كقولهم: قائم وقائمة وعالم وعالمة، إلا أنهم عمدوا إلى عكس هذا الأصل عند المبالغة في الصفة فألحقوا الهاء بصفة المذكر في المبالغة فقالوا للكثير العلم: علاّمة، وللمتسع في الرواية: راوية، وللمطلع على حقائق النسب: نسّابة، وحذفوا الهاء من صفة المؤنث في المبالغة فقالوا للمرأة الكثيرة الصبر والشكر: امرأة صبور وشكور، وللكثير الكسل والتعطّر: مِكسال ومِعطار، ليدلوا بتغيير الصفة عن أصلها الموضوع لها على معنى حدث فيها وهو المبالغة"([26]) نخلص من هذا إلى أن الصرفيين الأوائل فهموا قانون( زيادة المبنى ودلالته على زيادة المعنى) أي عند إرادة المبالغة والكثرة والقوة والقرب والبعد، وليست حالات التفرقة بين الصيغ الصرفية والمشتقات الخالية من معنى المبالغة والزيادة، ولذا يكون (العدول) في باب التصغير عن القول(رجل حقير) إلى القول(رُجَيْل) يكون هذا العدول والانحراف عن الأصل ليس لزيادة المعنى والمبالغة فيه، وإنما لإرادة الاختصار كما نبّه عليه بعضهم بقوله:" الغرض من التصغير وصف الشيء بالصغر على جهة الاختصار"([27]).
بقي في هذا التأسيس المفهومي لهذه القاعدة اللغوية أن هناك خلافا بين اللغويين في مدى قياسية هذه القاعدة، فذهب قسم إلى أن هذه القاعدة مطردة بمعنى: كلما زاد المبنى زاد المعنى وكلما كثر المبنى كثر المعنى وكلما قوي المبنى قوي المعنى([28])، حتى لا يلزم العبث في كلام الفصحاء، بينما كان ابن هشام الأنصاري يرى خلاف ذلك عندما أشار إلى رأي القائلين بان(سوف) أكثر مبالغة من(السين) في الدلالة على المستقبل لأنها أكثر حروفا بقوله:" وكأن القائل بذلك نظر إلى أن كثرة الحروف تدل على كثرة المعنى وليس بمطرد"([29])، وتكفّل الدسوقي ببيان عدم الاطراد بان:"(حاذر) اسم فاعل و(حذِر) صيغة مبالغة فإنها تدل على الكثرة دونه، مع أن الثاني أقل حروفا من الأول"([30])، وهذا فهم ظاهري لهذه القاعدة لان الأمر ليس متوقفا على عدد الحروف فقط - كما مر- بل قد يكون بين اللفظين تساو، أو يكون الدال على معنى المبالغة اقل حروفا من الآخر؛ لان الانحراف عن أصل الصيغة الصرفية الدالة على اسم الفاعل يكون دليلا على حصول معنى جديد أكثر مبالغة من أصله استدعى ذلك المعنى الجديد لفظا منحرفا عن وضعه الأصلي، ولا احسب أن ابن هشام كان يريد هذا التمثيل بل ربما قصد الزيادة المؤدية إلى معنى التفرقة بين الصيغ الصرفية التي تحدث فيها زيادة على المبنى من غير زيادة على المعنى الأصلي، بل تغيير دلالة المعنى الأصلي كتحويل الماضي إلى مضارع وأمر...الخ، ولهذا تكون هذه القاعدة كلية مطردة وليست أغلبية إذا قيدناها بالشروط المذكورة سابقا، ومن ثم أجاب الدسوقي مدافعا عن كلية هذه القاعدة:" باشتراط أن يكون اللفظان من نوع واحد بان يكون كل منهما اسم فاعل كصَدٍ وصَدْيان أو فعلا ماضيا كقطَعَ وقطّعَ أو صيغة مبالغة كرحيم ورحمان"([31])، فالقاعدة كلية إن كانت بين لفظين من نوع واحد وأغلبية إن كانت بين لفظين من نوعين مختلفين، ولكن الانحراف عن صيغة صرفية كثيرة الاستعمال مطردة القياس إلى صيغة أخرى كان أمرا مذهولا عنه عند كتابة هذه الحاشية.
ومن مراعاة هذا الأساس اللغوي أجهد المفسرون للقرآن الكريم أنفسهم في بيان أثر الزيادة الحاصلة في بعض الصيغ على صعيد المعنى، وعندما يعجزون عن إثبات ذلك في بعض الصور يقولون بأن هذا الأساس اللغوي أغلبي وليس كليا كما ظنه الرضي فيما تقدم من كلامه، فقد ذكر الصبان أن الفعل(فرّق) بالتضعيف والتخفيف في الأجرام والمعاني، وذكر أن أهل اللغة متواطئون على أن(كسّرته وكسرته) في المعاني والأجرام مطلقا، ولكنه يجد في نفسه القدرة على التفرقة بين الفعل(فرّق) بالتضعيف الوارد في قوله تعالى:( إن الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعا/ الأنعام- آ:159) والفعل(فرَق) بالتخفيف في قوله تعالى:( وإذ فرَقنا بكم البحر فانجيناكم وأغرقنا آل فرعون/ البقرة- آ: 50) بأنه:" أريد في الآية الأولى إفادة التكثير وإنما يؤتى بالمخفف إذا لم ترد تلك الإفادة، وفي الثانية: لما كان الماء جسما لطيفا شفافا فهو كالمعاني أتى فيه بالمخفف"([32])، وكأن القاعدة الجارية تقول: مهما أمكن التأويل يعمل بهذا الأساس وإلا يحمل على عدم وجود الفرق بين الصيغتين عند العجز والقول بان القاعدة أغلبية وليست كلية.
وبعد الانتهاء من بيان هذه القاعدة اللغوية وذكر شروطها والخلاف الدائر حول اطرادها وعدمه نشرع في مقصود هذه الدراسة موضوعة البحث لنرى مدى انطباقها بعد مراقبة الصور والسياقات الواردة فيها كافة.
المطلب الثالث: معاني السين وسوف
لهذين الحرفين معان عدة يمكن سردها فيما يأتي:
1- الدلالة على الاستقبال، يقول سيبويه:" وتقول سيفعل ذلك وسوف يفعل ذلك فتلحقها هذين الحرفين لمعنى كما تلحق الألف واللام الأسماء للمعرفة"([33])، فدل هذا التشبيه على أن هذين الحرفين لا يدلان على معنى إلا عند اقترانهما بالفعل الصالح لقبولهما ، كما أن الألف واللام لا دلالة لهما على التعريف إلا عند سبكهما بالاسم القابل لهما، وفائدة التسوية أن الألف واللام تعرّف مدخولهما للسامع، وكذلك السين وسوف فعندما تدخلان على المضارع تخلصانه لزمن الاستقبال، فإذا كانت (أل) مؤدية لغرض تعريفي في الأسماء، فالسين وسوف تؤديان غرض التخصيص للأفعال المضارعة،لأن المضارع قبل دخولهما عليه يكون صالحا للحال والاستقبال، فإذا دخلتا عليه اختص بزمن المستقبل وانقطعت دلالته الحالية بسببهما، ويعبر عن هذا المعنى بـ(التنفيس) حيث يقولون: حرفا التنفيس، وفسّره ابن هشام بأنه: "حرف توسيع، وذلك أن السين نقلت المضارع من الزمن الضيق وهو الحال إلى الزمن الواسع وهو الاستقبال"([34]).
2- الدلالة على الوعد والوعيد: فإذا قلت: سأدرس أو سوف ادرس فانك تقدم وعدا للمخاطب بالقيام بهذا الحدث، وكذا إن قلت: سأحطمك أو سوف أحطمك فهذا وعيد وتهديد تعد بوقوعه في المستقبل أيضا([35])، وكان الأنسب الاكتفاء بدلالة الوعد كما سيأتي توضيحه.
3- التوكيد: وقد ذكر الزمخشري أن السين وسوف إذا دخلا على فعل محبوب أو مكروه أفادا أنه واقع لا محالة([36])، وبيّن ابن هشام الأنصاري وجهه بان: السين وسوف يفيدان الوعد بحصول الفعل، فدخولهما على ما يفيد الوعد أو الوعيد مقتض لتوكيده وتثبيت معناه، وأشار إلى ذلك الراغب في الحديث عن(سوف)([37])، ولكن أبا حيان كان مترددا في قبول هذا المعنى ، فتارة يوافق الزمخشري وتارة ينفي وينكر ظنا منه ارتباط بعض الآيات التي فسرها الزمخشري بمواقف عقدية وآراء كلامية، حيث يفيد الزمخشري من هاتين الأداتين لنصرة مذهبه الاعتزالي القائل بوجوب إثابة الطائع وعقوبة العاصي على الله تعالى عقلا، في حين يرى أهل السنة جواز ذلك على الله تعالى([38])، كما نجده عند تفسير قوله تعالى:(ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله/ التوبة- آ: 71)، ففي الكشاف أن:" السين مفيدة وجود الرحمة لا محالة، فهي تؤكد الوعد كما تؤكد الوعيد في قولك: سأنتقم منك، تعني انك لا تفوتني وان تباطأ ذلك"([39])، ولكن أبا حيان ينكر هذه الدلالة بقوله:" وفيه دفينة خفية من الاعتزال بقوله: (السين مفيد وجود الرحمة لا محالة)، يشير إلى انه يجب على الله تعالى إثابة الطائع كما تجب عقوبة العاصي، وليس مدلول السين توكيد ما دخلت عليه، إنما تدل على تخليص المضارع للاستقبال فقط"([40])، ولكنه يوافق الزمخشري عند تأويله لقوله تعالى:(سيصلى نارا ذات لهب/ المسد- آ : 3)، حيث يرى أن:" السين للاستقبال وان تراخى الزمان وهو وعيد كائن انجازه لا محالة"([41])، وهذا التردد الحاصل من أبي حيان برهان على أن كلام الزمخشري لا يدل على موقف كلامي بقدر ما يتحدّث عن وظيفة السين في الآية وخارج النص، ويدل على ذلك الذوق وشهادة الوجدان، فان من قال لمن يعده بالخير أو الشر: سأكرمك أو سأنتقم منك فان التوكيد ظاهر فيه، ويدل على ذلك أيضا دخول اللام المؤكدة في قوله تعالى:( ولسوف يعطيك ربك فترضى/ الضحى- آ: 5)، حتى يقوى المعنى ويثبت في ذهن المخاطب، وأما عدم دخول اللام على السين فلكونها على حرف واحد، في حين أن(سوف) لها طابع الكلمة وخواصها وليس طابع الحرفية الموضوعة غالبا على حرف واحد أو حرفين.
وقول الزمخشري (إن ذلك كائن انجازه لا محالة وان تأخر) ليس فيه أية إشارة لمسألة وجوب الإثابة والعقوبة، وإنما يدل على أن الله تعالى إذا وعد فان انجازه كائن ووعده متحقق ، وتوكيد ذلك يتناسق مع مذهب أهل السنة وليست في الكلام أية دفينة خفية للاعتزال.
4- الاستمرار: وحكاه ابن هشام الأنصاري عن بعضهم بأنها تأتي للاستمرار وليس للاستقبال، بمعنى أنها تجعل الفعل المضارع مستمرا ومتجددا وقتا بعد وقت وان كان قد مضى، فإذا كان (زيد) قد أكرمك، وقيل له: زيد سيكرمك، فمعناه أن الإكرام الذي سبق لك مستمر ولا ينقطع في المستقبل([42])، واستند هذا القائل إلى نصين كريمين، وهما قوله تعالى:( ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم/ النساء- آ: 91) حيث أتى بالسين إشارة إلى أن لعبهم بالمؤمنين هذا أمر مستمر وان كان قد مضى، وذلك أن رجالا من الكفار كانوا إذا أتوا المدينة اسلموا لأجل أن لا يقاتلوهم وإذا أتوا لقومهم كفروا، فأتى بالسين إشارة إلى أن حالتهم هذه مستمرة ولم يتركوها وان كان ذلك وقع فيما مضى([43])، كما استدل بقوله تعالى :( سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها/ البقرة- آ: 142)، مدعيا أن ذلك إنما نزل بعد قولهم(ما ولاهم) قال:" فجاءت السين إعلاما بالاستمرار لا بالاستقبال"([44])، ولكن ابن هشام لم يرتض هذا المعنى ونقده بأنه قول لما لا يعرفه النحويون من مجيئها للاستمرار لا للاستقبال والمشهور خلافه، ثم ردّ الاستدلال بالآية الثانية بجوابين:
1- الجواب التمنيعي: بمعنى عدم تسليم نزول(سيقول... الآية) بعد قولهم( ما ولاهم) لأنه غير متعين، بل ذكر الزمخشري أن الفائدة في الإخبار بقولهم قبل وقوعه من أنهم سيقولون ذلك وسيصدر عنهم؛ لان:" المفاجأة للمكروه أشدّ والعلم به قبل وقوعه أبعد عن الاضطراب إذا وقع"([45])، لان قولهم إذا وقع بغتة قبل أن يخبرنا الله تعالى به يحصل منه كرب شديد واختلال للنفس، فإذا نزلت الآية قبل ذلك اطمأنت النفس وبعدت عن الاضطراب([46]).
2- الجواب التسليمي: بمعنى تسليم نزول(سيقول) عقيب قولهم(ما ولاهم)، لكن نمنع دلالة السين على الاستمرار، وإنما استفيد الاستمرار من المضارع، كما يقول: فلان يقري الضيف ويصنع الجميل، تريد أن ذلك دأبه وعادته والسين مفيدة للاستقبال؛ إذ الاستمرار إنما يكون في المستقبل([47])، وبهذا الجواب اندفع الاستدلال بالآية الأولى اعني(ستجدون آخرين... الآية)، بان الاستمرار مفهوم من المضارع والسين باقية على معنى الاستقبال.
والراجح من الرأيين - فيما يبدو- أن المضارع هو الدال على الاستمرار، وإذا دخلت السين أو سوف عليه أفادت الاستمرار للفعل في الزمان المستقبل، ولو أن القائل ذكر الاستمرار دون نفي دلالة الاستقبال لكان كلامه مقبولا، بل السين للاستقبال لكن ليس في ابتداء الفعل بل في استمراره ودوامه.
وختاما لهذا المطلب أنبه على مسالة مهمة، وهي أن أم معاني السين وسوف الدلالة على الاستقبال، وأما التأكيد والوعد والوعيد والاستمرار الاستقبالي إنما يكون بقرائن قولية وحالية بين المتكلم والمخاطب لا تتضح إلا بعد التأمل والتعرف إلى السياقات وظروف الخطاب، فالاستمرار الاستقبالي إنما يكون عند الإخبار بتكرر أمر قد سبق وقوع أمثاله، إذ يأتي شخص فيخبرك بأمر عن تلون الناس أمامه فتقول له: ستجده كثيرا، أي انه مستمر في المستقبل لأنه حالة باقية موجودة في الأزمنة الآتية.
المطلب الرابع: الفرق بين السين وسوف دلاليا
رأينا في المطلب السابق نقاط الالتقاء بين السين وسوف في دلالتهما على الاستقبال والتوكيد والوعد والوعيد والاستمرار، وسنركز الحديث هنا عن الافتراق بين الأداتين من الناحية الدلالية، حيث وجدنا تصريحا واضحا بالفرقين الآتيين:
1- نقل الزركشي والسيوطي عن ابن بابشاذ تفرقته بين السين وسوف بان:" سوف تستعمل كثيرا في الوعيد والتهديد وقد تستعمل في الوعد، والأكثر في السين الوعد وتأتي للوعيد"([48])، ولقد دعا هذا النص الشيخ عبد الخالق عضيمة للقيام باستقراء دقيق لمواضع السين وسوف في القران الكريم، فتبين له:" أن مواضع استعمال السين في الوعيد تزيد عن مواضع استعمالها للوعد"([49])، وعلى التفصيل الآتي:
- 45 نصا في السين للوعيد.
- 33 نصا في السين للوعد.
ولكنه وافق على أن سوف تستعمل كثيرا في الوعيد وقليلا في الوعد، وعلى التفصيل الآتي:
- 28 نصا في الوعيد
- 10 نصوص في الوعد.
وختم استقراءه بان هناك نصوصا وردت فيها(السين) خالية من معنيي الوعد والوعيد معا، حيث وجد(38) موضعا وردت فيها السين في غير الوعد والوعيد.
ومما يستحسن ذكره هنا بيان أن استقراء مواضع السين وسوف في القران الكريم قد بلغ(38) موضعا وردت فيها(سوف) و(114) موضعا وردت فيها السين.
ولنا في هذا الفرق وجهة نظر نؤخرها إلى المطلب السادس إن شاء الله.
2- ذهب جمهور البصريين إلى أن السين وسوف يدلان على الاستقبال عند الدخول على الفعل المضارع، إلا أن (سوف) أشد تراخيا في الاستقبال من السين وأبلغ تنفيسا([50])، واعتقد أن هذا الإطلاق قد نشأ بمجيء ابن جني(ت392هـ) وكثرة ترداده لقضية زيادة المبنى، ويؤيد هذا الظن قول السيوطي(ت 911هـ) إن :" سوف كالسين وأوسع زمانا منها عند البصريين؛ لان كثرة الحروف تدل على كثرة المعنى ومرادفة لها عند غيرهم"([51])، وأضاف ابن اياز أن هذا الحكم معتمد على استقراء كلام العرب([52])، ولأجل ذلك تبارى المفسرون ببيان أسرار التعبير بالسين دون سوف في مواضع كان الأصل فيها التأخير والتراخي، حيث وجدوا في الآيتين الواردتين في سورة النساء وعدا ووعيدا للمؤمنين والكافرين بالجنات والنار مع أن كليهما متأخر زمانا إلا انه جرى التعبير بسوف مع الكافرين وبالسين مع المؤمنين في قوله تعالى:( إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب/ النساء- آ: 56)، وقوله تعالى:( والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار/ النساء- آ: 57)، حيث فرق أبو حيان بين التعبيرين بقوله:" جاءت جملة الكفار مؤكدة بأن على سبيل تحقيق الوعيد ولم تحتج إلى ذلك في جملة المؤمنين، واتى فيها بالسين المشعر بقصر مدة التنفيس على سبيل تقريب الخير من المؤمنين وتبشيرهم به"([53])، بمعنى أن استعمال السين كان على خلاف الأصل، فاحتاج إلى بيان وجهه بان المراد التبشير وذلك مقتضى أسلوب التقريب، بينما كان استعمال(سوف) على وفق الأصل من تأخر زمان الوعيد فلم يتساءل عن علته؛ لان الشيء إذا جاء على أصله لا يسال عن سبب مجيئه على ذلك بخلاف الخارج عن أصله وحقيقته، ولهذا الفهم استشعر أبو حيان اعتراضا موجها عليه بأنه استعملت(سوف) في السورة أيضا مع المؤمنين، وذلك في قوله تعالى: ( فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما/ النساء- آ: 146)، لأنه على وفق تعليله كان التعبير الأنسب السين لصحة إرادة التبشير المستدعي التقريب، فقال:" أتى بسوف لان إيتاء الأجر هو يوم القيامة وهو زمان مستقبل ليس قريبا من الزمان الحاضر، وقد قالوا: إن سوف أبلغ في التنفيس من السين"([54])، فقد علّل ذلك بان النص جاء على الأصل فلا يسال عن سبب أصالته، فالظاهر من كلام أبي حيان في التفرقة بين السين وسوف، أن السين تدل على قرب المستقبل، فإذا دلت على ذلك كان الاستعمال حقيقيا، بينما لو دلت على تراخي الزمن فيحتاج إلى بيان نكتة الخروج عن الأصل، وكذلك(سوف) فان الأصل فيها الدلالة على تراخي الحدث في المستقبل، فلا يسال عن علة ذلك لأنها جارية على الأصل، فإذا دلت على القرب الزماني احتاج الأمر إلى التعليل وبيان الثمرة، ولا يخفى أن معرفة الخروج عن الأصل في كل من السين وسوف يكون عند مقابلة النصوص بعضها مع البعض الآخر كما تقدم من التمثيل له بالآيات السابقة وكالنصين الآتيين، حيث فسروا التشابه الواقع بين قوله تعالى:( فقد كذّبوا بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزؤون/ الشعراء- آ: 5)، وقوله تعالى:( فقد كذبوا فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزؤون/ الشعراء- آ: 6)، فعند مقارنة النصوص وتقابلها يتساءل الدارس عن سر التفاوت بين الاستعمالين، فإذا كان الأصل التراخي فما سر التعبير بالسين؟ والعكس صحيح؛ لان كليهما يدل على حالة من الوعيد والتهديد واحدة بحسب الظاهر، وذلك ما استدعى قريحة أبي حيان للتأويل بأنه:" جاء في الأنعام التنفيس بسوف وفي الشعراء بالسين؛ لان الأنعام متقدمة في النزول عن الشعراء، فاستوفى فيها اللفظ وحذف بالحق من الشعراء وهو مراد إحالة على الأول، وناسب الحذف الاختصار في حرف التنفيس فجاء بالسين"([55])، ونحن نتفق مع أبي حيان على سلامة المنهج القائم على المقارنة بين النصوص المتشابهة لمعرفة سرّ العدول عن الأصل، ولكننا نختلف معه في خصوص التعليل المذكور القائم على أن الحذف من النص المتأخر نزولا يناسبه تقليل الاستقبال؛ لان الاختصار يستدعي الاختصار في المتأخر نزولا؛ لان هذا التعليل يراعي المستوى اللفظي في حين كان الكلام في التفرقة على المستوى المعنوي، فالأنسب القول إن النص المتأخر نزولا اقترب النزول فيه من تحقق الوعيد والتهديد، على حين كان النص المتقدم نزولا أبعد عن حصول الوعيد لتقدمه.
وسيأتي لنا وجهة نظر في هذا الفرق نؤخرها إلى المطلب السادس إن شاء الله.
وكل هذه الدراسات المتعلقة بالتنفيس الزائد في سوف مقارنة بالسين، لم ترق لابن هشام الأنصاري الذي رجّح تساوي (السين وسوف)في الدلالة على المستقبل، فليست(سوف) أبعد وأكثر استقبالا من السين، واستدل على تساويهما بعقد المقارنة بين قوله تعالى:( وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما/ النساء- آ: 146)، وقوله تعالى:( والمؤمنون بالله واليوم الآخر أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما/ النساء- آ: 162)، فقد توارد السين وسوف في الآيتين([56])، وكأنه لم يرتض تفرقة أبي حيان بان النص الأول جاء على الأصل والثاني مجاز للتبشير بقرب الخير، كما انه استدل بآيتين متفقتين غاية الاتفاق، فكلاهما مشترك في موعود واحد اعني(أجرا عظيما) بخلاف مقارنة أبي حيان القائمة على تعدد الموعود به اعني(جنات) و( أجرا عظيما) إذ يمكن الدخول إلى التأويل من تغاير الموعود به، فمقارنة ابن هشام أكثر دقة وعمقا ، ويتضح من خلالها عدم التفاوت بين السين وسوف في الدلالة على الاستقبال، مع انه يمكن الإجابة بأحداث التغاير الدلالي بين النصين، فالنص الوارد فيه السين نزل في حق السابقين الأولين بقرينة (أولئك) بخلاف النص الوارد فيه سوف، إذ لم يأتوا بعد فناسب التراخي فيه وبقرينة (المؤمنين)([57])، وابن هشام في هذا متابع لابن مالك(ت 672هـ) الذي كان يرى المرادفة بين السين وسوف أيضا، فقد علل ذلك بأنهما:" قد استعملا في الوقت الواحد، قال تعالى في سورة النبأ:( كلا سيعلمون * ثم كلا سيعلمون) وفي سورة التكاثر:( كلا سوف تعلمون* ثم كلا سوف تعلمون)، ثم يستدل بدليل عقلي على المرادفة ليقول:" إن الماضي والمستقبل متقابلان والماضي لا يقصد به إلا مطلق المضي دون تعرض لقرب الزمان أو بعده، فكذا المستقبل ليجري المتقابلان على سنن واحد"([58])، وأما من يذهب إلى زيادة المعنى لزيادة المبنى يقدر على نفي دليليه، أما الأول فبعدم تسليم كون السياق في السورتين واحدا، ففي النبأ كان الكلام في حالة الغيبة، لقوله تعالى:( عم يتساءلون عن النبأ العظيم* الذي هم فيه مختلفون) والغيبة لا تستدعي حال الرد قوة في المعنى، ومن نواتجها القرب الزماني المدلول عليه بالسين، وأما السياق الآخر في قوله تعالى:( ألهاكم التكاثر* حتى زرتم المقابر) فهو كلام في حالة الخطاب ويستدعي قوة في الرد والردع، ومن نواتجه البعد الزماني تأكيدا لعدم حصول العلم في الزمن القريب، وأما الدليل العقلي فبمنع أن الماضي لا يقصد به إلا مطلق المضي بدليل اشتراطهم لوقوع خبر(إن وأن) المقرون باللام بوجود(قد) لأنها تقرّب الماضي من الحال، وممن نصّ على ذلك ابن مالك نفسه"([59]).
أخرج من هذا الاختلاف برأي مفاده : أن الاتكاء على التفرقة بين استعمالات السين وسوف من ناحية الدلالة أو وفق المستوى الدلالي فقط مؤد إلى التكلف في التأويل أحيانا وعدم الإقناع في التخريج أحيانا أخرى، فالمستوى الدلالي غير كاف وحده في توضيح أسرار استعمال السين دون سوف وبالعكس، فلا بد من مستويات لغوية أخرى تعضّد ذلك وتقويه، حتى تفهم حكمة الاستعمال ومقاصد المتكلمين، وهذه الدراسة عرض لجهود السابقين في بيان أسرار التعبير بالأداتين مع التقويم والتوجيه والنقد؛ إذ يلزم على رأي ابن هشام من الحكم بتساوي السين وسوف دلاليا وجود أداتين لمعنى واحد، مع أن فلسفة الوضع اللغوي تقوم في الأصل على نفي الترادف ما أمكن ذلك.
إنني لست مع الترادف لأنه إهمال واضح لتغاير لفظي مقصود كان له آثار واضحة على صعيد المعنى النصي والمعنى العام، وموطن الخلل في صنيع ابن هشام وابن مالك يتمثل في الانتباه إلى السين وسوف مجرّدين عن سياقهما اللغوي التام من عناصر الخطاب والغيبة والمبني للمعلوم والمجهول وسائر المتعلقات الأخرى، وكذلك لست مع بعض التعليلات الواهية في زيادة المبنى والمعنى والمنبثقة من ملاحظة أدنى اختلاف سياقي؛ لان التسليم به يؤدي إلى تناقضات في التعليلات.
المطلب الخامس: الفرق بين السين وسوف قواعديا
لقد ذكر النحاة مجموعة من الفروق بين السين وسوف القائمة على ملاحظة الموقع التركيبي لهما واللواصق الداخلة عليهما والألفاظ الواقعة في تراكيبهما، وعلى التفصيل الآتي:
1- تنفرد (سوف) بدخول اللام عليها كقوله تعالى:( ولسوف يعطيك ربك فترضى/ الضحى- آ: 5)، و قرئ في الشواذ:( لسأخرج حيا)، و( لسيعطيك ربك)، وعلّل ابن الخشاب ذلك بان(سوف) أشبه بالأسماء من السين لكونها على ثلاثة أحرف، والسين أقعد في شبه الحرف لكونها على حرف واحد فاختصّت(سوف) بجواز دخول اللام عليها بخلاف السين([60])، وهذا فرق قواعدي مهم قد يصعب تعليل استعماله دلاليا، حيث إن دخول اللام التوكيدية على(سوف) واختصاصها بها دون(السين) يؤدي إلى وجوب استعمال(سوف) في التركيب، مع أن النظرة الدلالية القائمة على القرب والبعد الزماني قد تكون مشكلة في حد ذاتها، وفي هذه الحالة يترك المستوى الدلالي ولا يعوّل عليه لاقتضاء طبيعة التركيب القواعدي أداة دون غيرها المقاربة لها في معناها.
كما أفاد تعليل ابن الخشاب مسالة مهمة على المستوى اللفظي في التفرقة بين السين وسوف، فالسين حرف واحد بخلاف(سوف) المتكونة من ثلاثة أحرف، ولقد تقرر في علم الوضع أن الأصل في وضع الحروف أن تكون على حرف واحد أو حرفين مثل(باء الجر وعن) والأصل في وضع الأسماء أن تكون على ثلاثة أحرف فصاعدا للتغاير بين وظيفتي الحروف والأسماء في الكلام؛ فإذا خرج الحرف عن أصل وضعه مثل(سوف) فصار على ثلاثة أحرف حدث له شبه بالأسماء فيعامل تركيبيا معاملة الأسماء وان كان باقيا على حرفيته، فتدخل الحروف عليه كدخولها على الأسماء والأفعال، بل ينفصل كتابيا عن مدخوله فنكتب(سيذهب) و(سوف يذهب) فالسين التصقت بمدخولها كتابيا وهذا دليل الافتقار الذي هو علامة الحرفية غالبا على حين انفصلت(سوف) عن مدخولها، وهذا دليل الاستقلال الذي هو علامة مشابهة الأسماء والأفعال، ولأجل ذلك تنفرد(سوف) بجواز فصلها بالفعل الملغي بخلاف(السين) في قول الشاعر:
وما أدري وسوف أخال أدري أقوم آل حصن أم نساء([61])
حيث فصل بين(سوف) ومدخولها وهو(أدري) بالفعل الملغي(أخال) لأنه لا عمل له في المفعول([62])، ولا يجوز ذلك في(السين) فلا نقول في البيت: وسأخال أدري، وهذا دليل على مظهر آخر من مظاهر معاملة(سوف) معاملة الأسماء والأفعال بخلاف السين المتوغلة في الحرفية المفتقرة لمدخولها أشد الافتقار بحيث يكون اتصالها به شديدا بخلاف(سوف) المستقلة التي لا يضرها انفصالها عن مدخولها، وهذا الفرق بين الأداتين تركيبيا متعلق بما سبق من تعليل ، ولذا لم نفرده بنقطة مستقلة على حدة.
2- وقع تقاطع كبير بين السهيلي(ت 581هـ) وابن القيم(ت 751هـ) بخصوص صدارة السين وسوف وعدم صدارتهما، حيث ذهب السهيلي إلى أن السين وسوف ليس لهما صدر الكلام([63])، بينما رأى ابن القيم أن السين وسوف مما له صدر الكلام([64])، وقبل ترجيح أحد الرأيين على الآخر نذكر مفهوم الصدارة عند النحويين ، فقد ذكر الرضي(ت 646هـ) أن كل ما يغير معنى الكلام ويؤثر في مضمونه وان كان حرفا فمرتبته الصدر كحروف النفي والتنبيه والاستفهام والتحضيض وإن وأخواتها وغير ذلك([65])، وهذا الفهم يؤيد ما ذكره ابن القيم ويرجحه لان السين وسوف يغيّران معنى الكلام ويؤثران في مضمونه، ولكن قد يظن ظان أن الصدارة في الكلام مجرد التلفظ بما له الصدارة في بدء الكلام، فيتوهم أن قوله تعالى:( والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار/ النساء- آ: 122)، وقوله تعالى: ( إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا/ النساء- آ: 56) يتنافى مع الصدارة باعتبار وقوعهما متأخرين لفظا ورتبة لأنهما خبر ، ولكن ذلك مجرد وهم ؛ لان المراد بالصدارة التصدر على جملة المدخول، وكل من السين وسوف قد تصدرا على الجملة الداخلين عليها، بمعنى أن في النصين جملة كبرى أعني: إن واسمها وخبرها، وجملة صغرى وأعني بها (الجملة الفعلية الواقعة خبرا) وكل من السين وسوف قد تصدّرا هذه الجملة، ويدل على هذا قول الرضي: إن حروف النفي لها الصدارة في الكلام، فنحو قولك: زيد لا يقوم، لا ينافي الصدارة، لان حرف النفي متصدر جملة المدخول أعني الفعل والفاعل المستتر، ولا يلزم من التصدير أن يكون متقدما على الجملة الكبرى كلها، وبهذا توضح رجحان موقف العلامة ابن القيم على موقف السهيلي، ويدل على ذلك أيضا وقوع الجملة الإنشائية المشتملة على ما له صدر الكلام المعمولة لقول محذوف متأخر لفظا، كقول الشاعر([66]):
حتى إذا جن الظلام واختلط جاؤا بمذق هل رأيت الذئب قط
فالاستفهام له الصدارة ومع ذلك فقد وقع معمولا لقول محذوف، إلا أنه متصدر على الجملة المدخول عليها وذلك كاف.
المطلب السادس: مقارنة بين المستوى الدلالي والقواعدي ونقدهما
سبق أن قدمت أنني لست مع الترادف بين السين وسوف؛ لأنه إهمال واضح لتغاير لفظي مقصود له آثار واضحة على صعيد المعنى النصي والمعنى العام، وكذلك لست مع بعض التعليلات الواهية التي يقدمها منكرو الترادف والمنبثقة عن ملاحظة أدنى اختلاف سياقي؛ لان التسليم بهذا الأخير يؤدي إلى تناقضات كثيرة في التأويلات، نمثّل لها بقوله تعالى:( وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما/ النساء- آ: 146) وقوله تعالى:( فسيدخلهم الله في رحمة منه وفضل/ النساء- آ: 175)، فكلاهما وعد للمؤمنين، وقد يلتمس منكرو الترادف تأويلا بأن النص الأول لأجر يوم القيامة البعيد فأتى بـ(سوف) والثاني لأجر الدنيا القريب فأتى فيه بالسين، ولو قبل هذا التعليل فكيف نعلل قوله تعالى:( ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما/ الفتح- آ: 10)، فكان اللائق بالتعليل أن يكون التعبير بـ(سوف) وكذلك قوله تعالى: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات/ النساء- آ: 122)، وأما القول بان(السين) حلّت بدلا من(سوف) للتقريب استعارة، فنورد على النص الأول: لمَ لم يقرّب فيه؟ وتتعدّد العلل وتكثر الأجوبة وتنهال الردود ، ولن نصل من جرّاء ذلك إلى حلّ أو تأويل نطمئن إليه إلا جزئيا ولبعض النصوص بحيث لا يمكن تعميمه، لان ملاحظة المستوى الدلالي في التفرقة بين استعمالات السين وسوف غير كاف وحده في حلّ إشكالية زيادة المبنى ودلالتها على زيادة المعنى، فربما يقتضي المعنى التعبير بسوف إلا انه يترك نظرا لطبيعة التركيب القواعدي المستلزم استعمال السين بدلها، كما أن النظرة الشاملة لجميع النصوص في سياقاتها المختلفة يجنب العمل التناقض الحاصل نتيجة ملاحظة الاختلافات السياقية بين نصين أو ثلاثة فقط، وهذا النقد إيفاء بما كنت وعدت به مسبقا([67])، وللإيفاء بالوعد الآخر أيضا([68]) نقول: جرى وهم في استعمال السين وسوف للوعد والوعيد، فهل المقصود أن السين وسوف دالتان على الوعد والوعيد أم مدخولهما فقط أم كلاهما معا، وكلام سيبويه(ت180هـ) يشير إلى أن السين دالة على الوعد بذاتها، فإذا اقترنت بما يدل على الوعد أيضا كانت لتوكيد الوعد وتقويته، وذلك عند توقفه على قوله تعالى:( فسكفيكهم الله/ البقرة-آ:137) يقول سيبويه:" إن ذلك كائن لا محالة وان تأخر إلى حين"([69])، فكفاية الله تعالى لنبيه بمجرد الدلالة المعجمية للفعل وعد، واقترن بالسين فتأكد الوعد، ولا يحصل التأكيد لو لم تكن السين دالة على الوعد أيضا، ويعضّد هذا الفهم لكلام سيبويه قول ابن هشام الأنصاري:" وزعم الزمخشري أنها إذا دخلت على فعل محبوب أو مكروه أفادت أنه واقع لا محالة ولم أر من فهم وجه ذلك، ووجهه: أنها تفيد الوعد بحصول الفعل فدخولها على ما يفيد الوعد أو الوعيد مقتض لتوكيده وتثبيت معناه"([70])، ومعنى ذلك أن السين وسوف دالتان على الوعد ، ومدخولهما قد يأتي للدلالة على الوعد إن كان الفعل محبوبا أو الوعيد إن كان الفعل مكروها، ولكن الوهم الذي سرى على ابن بابشاذ وتلقّفه الزركشي والسيوطي أن السين وسوف تأتيان للوعد والوعيد، وأن الأكثر في السين الوعد والأكثر في سوف الوعيد كما تقدم نقله، بمعنى أنهما يدخلان على الفعل المحبوب والمكروه وتتم التفرقة بينهما باعتبار الغالب من دخول السين على المحبوب ودخول سوف على المكروه، وتناسى دلالة السين وسوف على الوعد بحصول الفعل، مما حدا بالشيخ عبد الخالق عضيمة لمجاراة هذا الوهم بنقض هذا الاستقراء بأنه أحصى(38) موضعا استعملت فيه السين وسوف ولم تدخلا على ما يفيد الوعد والوعيد، فجميع ما أحصاه عضيمة من آيات لا تدل على الوعد والوعيد تكون السين وسوف فيه دالتين على الوعد بحصول الفعل دون توكيد، ويكمن وهمه في أنه فهم أن الوعد والوعيد منبعث من المدخول دون دلالة الأداتين على(الوعد بحصول الفعل)، مع أن ذلك غير مقصود لسيبويه والزمخشري وابن هشام، إذ مقصودهم أن السين وسوف دالتان على الوعد أو الوعيد أو لم يكن دالا على شيء من ذلك أصلا، فان دخلت السين وسوف على فعل لا يدل على الأمر المحبوب(الوعد) أو الأمر المكروه(الوعيد) بالنظر إلى دلالته المعجمية والسياقية كانت السين وسوف دالتين على الوعد بحصول ذلك الفعل في المستقبل، وإن دخلتا على المحبوب أو المكروه كانتا دالتين على توكيد الوعد أيضا ؛ لأنها وعد بالحصول في الزمن المستقبل، فليس المراد من القول بان السين تأتي للوعد وسوف للوعيد أن دخولهما منحصر في الأفعال المحبوبة والمكروهة، بل القصد من ذلك ما وضّحناه، فالمعيار يكون حينئذ هكذا: إن السين وسوف تأتيان للدلالة على الوعد بحصول الفعل إن لم يكن دالا على الوعد والوعيد، وللدلالة على توكيد الوعد بحصول الفعل إن كان المدخول دالا عليهما، وكلام الزمخشري يشير لذلك عند تعليقه على قوله تعالى:( أولئك سيرحمهم الله/ التوبة- آ: 71) بقوله:" السين مفيدة وجود الرحمة لا محالة، فهي تؤكد الوعد كما تؤكد الوعيد إذا قلت: سأنتقم منك"([71])، أي أن السين للوعد بحصول ما دل على الوعد أو الوعيد وذلك عين التوكيد.
وبعد هذا التعديل في المفاهيم والقراءة النقدية للآراء هل يمكن الاعتماد على هذا المعيار الدلالي للتفرقة بين استعمالي السين وسوف، اعني هل تكون دلالة الوعد في السين أقل منها في(سوف) نظرا لقلة المبنى ودلالته على قلة المعنى؟ لم يلتفت أحد من المتقدمين إلى التأويل بهذا الوجه، فلم يقدّموا في آيات استعملت فيها(سوف) كلاما يشير لذلك بأن الشأن محتاج إلى توكيد أكبر من التوكيد الحاصل بمجرد السين، لكنهم اكتفوا في التفرقة بدلالة سوف على التراخي والبعد الزماني ودلالة(السين) على القرب الزماني فقط، مع أن الوعد – كما هو معروف- قد يكون قويا وضعيفا، فلو قلت: سأرحمك يكون الوعد بحصول الأمر المحبوب أضعف مما لو قلت: سوف أرحمك، وكذا: سأنتقم منك يكون الوعد بحصول الأمر المكروه أضعف مما لو قلت: سوف ادرس، لقاعدة (زيادة المبنى ودلالتها على زيادة المعنى) ولكن القدماء لم يلتفتوا لذلك في تأويلاتهم لاستعمالات السين دون سوف وبالعكس، مع أن المناسب لقضية المبنى والمعنى: الزيادة في التوكيد والقلة فيه.
وأما نقد التفرقة بين السين وسوف على المستوى القواعدي الذي أفرزته الدراسات اللغوية القديمة فيكمن في أهمية مسألة دخول(اللام التوكيدية) على (سوف) دون السين؛ إذ يمكن القول: إن الشعور اللغوي لدى الناطقين يحس بأن(سوف) أكثر توكيدا من(السين) لكثرة حروفها من جهة ولدلالتها على التراخي الزمني من جهة أخرى، ومن ثم يكون اتصال(اللام) بها دون(السين) ؛ لان دخولها على السين الأقل توكيدا من(سوف) يشير إلى التوكيد القوي لوجود(سوف)، ولذا اختصت اللام بها، وهذا أوضح دليل على أن سوف أكثر وأقوى توكيدا من(السين)، ولم أجد من أشار إلى هذه الفائدة المهمة في دلالات صور التفرقة بين السين وسوف، ومع ذلك فيعوز المستوى القواعدي نظرات أخرى تراقب حالات التراكيب التي تختص بها السين دون سوف وبالعكس، لعلنا نخرج بمجموعة من القوانين التركيبية المجيزة لاستعمال دون غيره، أي أننا نحاول من رصد صور الاقتران بين الأداتين مع التركيب النحوي الخروج بالقواعد التي نحكم من خلالها قواعديا على صواب استعمال(السين دون سوف) وبالعكس، لان الاتكاء على المستوى الدلالي وما فيه من مجازات كتقريب البعيد وإبعاد القريب لا يلقي ضوء تاما على سر استعمال السين في نص دون سوف وبالعكس، وفي ذلك ما يتناغم مع ما ذكره عبد القاهر الجرجاني من أنه ليس:" النظم ضم الشيء إلى الشيء كيف جاء واتفق، ولذلك كان عندهم نظيرا للنسج والتأليف والصياغة والبناء والوشي والتحبير وما أشبه ذلك مما يوجب اعتبار الأجزاء بعضها مع بعض، حتى يكون لوضع كل حيث وضع علة تقتضي كونه هناك، وحتى لو وضع في مكان غيره لم يصلح"([72])، فهذه المقولة وأمثالها دعت الباحث إلى إعادة النظر في الآيات التي وردت فيها هاتان الأداتان، بحيث لو استبدلنا إحداهما مكان الأخرى لاختلفت البنية العرفية التي اتفق عليها الناطقون، ومن ثم اختلفت دلالتها الخاضعة لقانون التركيب القواعدي، والنحاة المتقدمون لم يتعرّضوا لأكثر من دخولها على الفعل المضارع، ولكن متى تدخل؟ وماذا يعقبها من أفعال؟ وما نوعية التراكيب اللاحقة لها؟ وأي الأفعال التي يتقدمها وتعطف عليه؟ كل هذا كان مهملا وهم يضعون قواعد التفرقة بين السين وسوف، ويجب أن لا ننسى المقتضيات البنائية لكل من الأداتين، فنحرم أنفسنا متعة الفهم الدقيق لتوزيع الأداتين في القرآن الكريم توزيعا منظما بالغ الأهمية.
وهذا ما نعد القيام به في دراسة لاحقة تكون بعنوان(دراسة قواعدية لنظام توزيع السين وسوف في القرآن الكريم) وتختص باستنباط قواعد دخول الأداتين على الجمل بحيث لو استبدلنا السين مكان سوف وبالعكس لاختلّ النظم والبناء داخل النص إن شاء الله.
الخاتمة
بعد أن كمل البحث ووصل إلى خاتمته يحب الباحث تقديم أهم النتائج التي توصل إليها بعد الجمع والترتيب والفحص، وهي:
1- إن فكرة(زيادة المبنى ودلالتها على زيادة المعنى) قد ظهرت قديما نتيجة بحوث الأوائل عن طبيعة العلاقة بين الصوت والمعنى، التي تذوّقها اللغويون في جمعهم لكلام العرب، وفسّرها بعض المنظرين بتفسيرات لا تزال محتاجة إلى ضبط مواردها وحصر صورها.
2- تعرّضنا للخلاف الكبير بين مثبتي العلاقة بين اللفظ والمعنى ونافيها، وبينا أن هناك فرقا كبيرا ومهما بين المناسبة الوضعية والمناسبة الطبيعية، فالأولى غير منفية لا قديما ولا حديثا، بينما(المناسبة الطبيعية) قد نفاها الدرس اللغوي القديم كما فعل المحدثون، وذكرنا أن أغلب من تعرّضوا لعلاقة الصوت بالمعنى لم يفرّقوا بين المناسبتين، ومن ثم أخطأوا في فهم مقاصد القدماء، وكل ذلك نتيجة عدم الاطلاع على مقررات (علم الوضع) الذي ينبغي الاهتمام به في الدراسات اللغوية المعاصرة.
3- حاول البحث وضع الشروط العلمية لفكرة(زيادة المبنى ودلالتها على زيادة المعنى) التي شاعت في الدراسات الصرفية والنحوية، وان تعمقت في الدراسات الصرفية بشكل خاص، وأهم تلك الشروط:
- استبعاد حالات التفرقة بين الفئات النحوية المختلفة كتحويل المفرد إلى مثنى وجمع أو الماضي إلى مضارع وأمر، أو تحويل اسم الفاعل إلى اسم المفعول....الخ، من هذه الفكرة لان الزيادة دخلت لتغيير المعنى وتبديله دون الزيادة والمبالغة فيه.
- الانتباه إلى التقارب الدلالي للأصول المختلفة المتداخلة، فيجب العمل على استبعادها من هذه الفكرة لضرورة اشتراك جذري الكلمة واتحادهما في الأصول المكونة لهما حتى يمكن القول بان المبنى زاد نتيجة زيادة المعنى.
- تحديد مفهوم(الزيادة في المعنى) بأن ليس المراد به الزيادة في جانب الكثرة فقط، بل الزيادة في جانب القلة أيضا.
- تحديد مفهوم(الزيادة في المبنى) بأن ليس المراد مجرد إضافة حركات وحروف على الكلمة بل قد تتحقق الزيادة بالانحرف عن أصل الصيغة لأجل ذات الفكرة.
4- عرضنا وجهتي النظر حول(إشكالية زيادة المبنى ودلالتها على زيادة المعنى) القائلين بالاطراد وعدمه، ورجّحنا الاطراد من خلال الأدلة العقلية والنقلية التي عرضناها في البحث.
5- وضحنا الوهم الذي سرى على الباحثين قديما وحديثا من القول بأن السين تأتي للوعد كثيرا وللوعيد قليلا، وأن سوف تستعمل بالعكس من ذلك، وبيّنا أن السين وسوف تأتيان للوعد بحصول الفعل مطلقا سواء دخلا على ما يفيدان الوعد والوعيد أم لا، فان دخلا على ما يفيدانه كانا لتوكيد الوعد والوعيد، وليس المعنى أن السين وسوف تستعملان في أفعال الوعد والوعيد فقط كما توهم.
6- رددنا على أبي حيان في نقده للزمخشري في دلالة(السين) على توكيد الوعد عند دخولها على الأمر المحبوب، وبيّنا حقيقة مراد الزمخشري من كلامه، وان ليس هناك أية مشكلة عقدية في عبارته.
7- التزمنا جانب ابن هشام الأنصاري في رده على القائلين بان السين مفيدة للاستمرار، وعرضنا أدلته وأيدناها بالحجة والدليل.
8- رجحنا أن الاستقبال هو( أم) معاني السين وسوف، وأما دلالتهما على التوكيد والوعد والوعيد والاستمرار الاستقبالي فهي فروع وحالات تابعة للمعنى الأم والدلالة الأصلية، وفي حالات خطابية وقرائن كلامية لا مطلقا.
9- هناك هشاشة في بعض التعليلات المقدمة لأسرار استعمال السين وسوف في القرآن الكريم، وبيّنا أن التفرقة محتاجة إلى دراسة تراقب الصور التركيبية المختلفة بين السياقات المتعددة؛ لأننا قد نعلّل من وجهة النظر الدلالية، في حين تكون المسألة كامنة في أن هذا السياق التركيبي لا يصح قواعديا إلا باستعمال أداة معينة دون غيرها، في حين نذهب بعيدا في التأويل ونتمحّل كثيرا في التعليل.
10- إن الاتكاء في التفرقة بين استعمالات السين وسوف على الناحية الدلالية فقط مؤد إلى التكلف في التأويل أحيانا وعدم الإقناع في التخريج أحيانا أخرى، فلا بد من ملاحظة المستويات التركيبية لهاتين الأداتين وطبيعة الأفعال الداخلين عليها، ونوعية اللواصق المتصلة بها.
11- رجّحنا رأي ابن القيم المتعلق بصدارة السين وسوف على رأي السهيلي المناقض له من خلال توضيح مفهوم الصدارة وتحديد مدلولها القائم على التصدر لجملة المدخول المختص بها، وليس التصدر مجرد التلفظ بما له الصدارة في بدء الخطاب.
--------------------------------
[2] ) اللغة العربية مبناها ومعناها: 9.
[3] ) الكتاب: 2/ 217- 218، وينظر الخصائص: 2/ 153، المخصص- ابن سيده: 14/ 138.
[4] ) الخصائص: 2/ 277، وينظر ما يدل على ذلك: 2/ 146، 152- 156، 241، 3/ 265.
[5] ) م. ن: 1/ 65، وينظر الدراسات اللهجية والصوتية عند ابن جني- النعيمي: 277- 291.
[6] ) دلالة الألفاظ - أنيس: 71، دور الكلمة في اللغة- اولمان: 23، اللغة العربية بين المنطق العقلي والاعتباط- سلمان/ مجلة المجمع العلمي العراقي، المجلد 37، الجزء الثاني، 1986: 168- 171.
[7] ) الخصائص: 1/ 67.
[8] ) المطول على التلخيص- التفتازاني: 352، وينظر المزهر في علوم اللغة: 1/ 47، فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت: 1/ 185.
[9] ) المزهر في علوم اللغة: 1/ 16- 17.
[10]) الخصائص: 1/ 66.
[11]) ينظر: محاضرات في اللغة- أيوب: 13، اللغة- فندريس: 38- 42، دور الكلمة في اللغة - اولمان: 22- 25، دلالة الألفاظ - أنيس: 64- 71.
[12]) المحتسب: 2/ 210.
[13]) الخصائص: 1/ 65،2/ 163- 641 – 264، 3/ 265.
[14]) م. ن: 3/ 271.
[15]) الدراسات اللهجية والصوتية عند ابن جني: 284.
[16]) شرح الشافية- الرضي: 1/ 83.
[17]) شرح الكافية - الرضي: 4/ 433.
[18]) شرح الكافية:4/ 432، كشاف اصطلاحات الفنون- التهانوي: 1/ 326.
[19]) شرح المفصل: 2/ 365.
[20]) التلخيص في علوم البلاغة- القزويني: 41- 42.
[21]) حاشية الصبان على شرح الاشموني: 1/ 46.
[22]) الخصائص: 2/ 44.
[23]) حاشية السجاعي على شرح القطر: 110.
[24]) الخصائص: 3/ 270، وينظر الأشباه والنظائر: 1/ 181، الدراسات اللهجية والصوتية عند ابن جني: 285.
[25]) الخصائص: 3/ 271.
[26]) شرح ملحة الإعراب: 49- 50.
[27]) الأشباه والنظائر: 1/ 54.
[28]) هذه التعبيرات(الزيادة والكثرة والقوة) تستعمل مع هذه القاعدة، والفرق بينها معتمد على المعنى اللغوي، فالكثرة تستعمل عندما يكون المعنى متعددا فنقول عنه: كثر المعنى، والزيادة عندما يكون المعنى مفهوما غير قابل للعدّ فيتوسع، وأما القوة فتستعمل عندما يكون المعنى مؤثرا ، ولذا نقول: لما كثر معنى التقطيع قلنا(قطّع) ولم نقل(قطع)، ولما ازداد معنى الاجتهاد على تحصيل الشيء قلنا(اكتسب) ولم نقل(كسب)، وعندما قوي معنى الشيء الصلب اليابس قلنا(قضم) ولم نقل(خضم)، والمناسب للسين وسوف الكثرة لان المستقبل متعدد ومتكثر باعتبار آناته.
[29]) مغني اللبيب: 1/ 139.
[30]) حاشيته على مغني اللبيب: 1/ 150.
[31]) م. ن: 1/ 150.
[32]) حاشية الصبان على شرح الاشموني: 1/ 30.
[33]) الكتاب: 1/ 14.
[34]) مغني اللبيب: 1/ 139.
[35]) البرهان في علوم القران- الزركشي: 4/ 283.
[36]) الكشاف: 2/ 97، وينظر: 1/ 143، 162.
[37]) المفردات في غريب القران: 249.
[38]) تحفة المريد على جوهرة التوحيد- الباجوري: 2/ 10.
[39]) : 2/ 162.
[40]) البحر المحيط: 5/ 71.
[41]) م . ن: 8/ 526.
[42]) مغني اللبيب:1/ 138.
[43]) حاشية الدسوقي على مغني اللبيب: 1/ 149.
[44]) مغني اللبيب: 1/ 138
[45]) تفسير الكشاف: 1/ 198.
[46]) حاشية الدسوقي على مغني اللبيب: 1/ 149- 150.
[47]) مغني اللبيب: 1/ 140.
[48]) البرهان: 4/ 283، الإتقان: 1/ 163.
[49]) دراسات لأسلوب القران الكريم: 2/ 172.
[50]) المفصل- ابن يعيش: 2/ 210، شرح الكافية: 2/ 208.
[51]) الإتقان: 1/ 162- 163.
[52]) الأشباه والنظائر- السيوطي: 2/ 219.
[53]) البحر المحيط: 3/ 275.
[54]) البحر المحيط : 3/ 381.
[55]) م .ن: 4/ 75.
[56]) مغني اللبيب: 1/139.
[57]) حاشية الدسوقي على مغني اللبيب: 1/ 149.
[58]) البرهان- الزركشي: 4/ 282.
[59]) شرح الكافية: 1/ 498، شرح ابن عقيل: 1/ 370.
[60]) مغني اللبيب: 1/ 123، وينظر الأشباه والنظائر: 2/ 219.
[61]) ديوان زهير بن أبي سلمى المزني: 73، همع الهوامع- السيوطي: 1/ 153، الدرر اللوامع- الشنقيطي: 1/ 136.
[62]) مغني اللبيب: 1/ 151.
[63] ) الروض الأنف: 1/ 286، نتائج الفكر للسهيلي نقلا عن دراسات لأسلوب القران الكريم: 79.
[64] ) بدائع الفوائد: 1/ 89- 90.
[65] ) شرح الكافية:4/ 336، وينظر الأشباه والنظائر: 1/ 270.
[66] ) ديوان العجاج، الملحقات:81، همع الهوامع: 2/ 117، الدرر اللوامع: 2/ 148.
[67] ) ينظر: ص 13.
[68] ) ينظر:ص 12.
[69] ) نقلا عن البرهان للزركشي: 4/ 281.
[70] ) مغني اللبيب:1/ 139.
[71] ) تفسير الكشاف:441.
[72] ) دلائل الإعجاز: 40.