مؤتمر لغة الطفل العربي في عصر العولمة ( جلسة الافتتاح والجلسة الأولى )

وقفة مع مؤتمر لغة الطفل العربي في عصر العولمة ( جلسة الافتتاح والجلسة الأولى )

افتتح يوم 17/2/2007 في مقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية ( مؤتمر لغة الطفل في عصر العولمة ) ، وهو المؤتمر الذي يعد ضمن سلسلة من المؤتمرات التي تحاول إعادة المكانة للغة العربية في نفوس أبنائها الذين ما زال قليل منهم يرى أن لهذه اللغة دورًا أساسيًا في حياته، وخاصة بعد الغزو العولمي الذي رزحت تحت سطوته أمم ذوات عدد ، وكانت أمتنا من تلك الأمم، ولكنها ما زالت تحتفظ بأصوات مخلصة تسعى جاهدة لإعادة الأصالة العربية والتي لا تتحقق إلا ببيتها وهو لغتها.

كانت المحاضرة الأولى – بعد الافتتاح - للدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية والذي دندن في محاضرته حول أهمية اللغة، وتعلم الطفل للغة وعرض لسؤال قال: إنه ما زال حديث التربويين وهو: هل يشوش تعلم أكثر من لغة مخ الطفل؟ -وذكرني سؤاله ببحث الدكتور علي عبد الواحد وافي الذي تناول فيه نشأة لغة الطفل في كتابه نشأة اللغة والذي بين فيه أن الطفل حتى سن السادسة يمكن أن نعلمه أكثر من لغة ويستطيع أن يعيد ما لقنه دون أن يشوش تعلم لغة على اللغة الأخرى، ولكن بعد السادسة يصبح من الخطأ تعليمه أكثر من لغة؛ ولذا ينبغي تأخير تعليم اللغة الأجنبية إلى المرحلة الثانوية كما رأى الدكتور وافي .

ثم عرض الدكتور علي جمعة لمشكلة تتعلق بقدسية اللغة، واللغة المقدسة وبين أن قدسية اللغة يعني عدم المساس بها، واللغة المقدسة هي التي كتب بها كتاب مقدس، وذكر أن هذه اللغة ينبغي الابتعاد عن المساس بقدسيتها والتسليم بما حملته من معانٍ وهي لغة القرآن الكريم، أما باقي اللغة فهو خاضع للتطور ويمكن أن يطلق عليه مصطلح اللغة كائن حي،وذكر أن عدد الجذور اللغوية في القرآن الكريم 1810 ، وبهذا فإن جذور لغة القرآن الكريم لا تمثل سوى 3% من مجموع جذور العربية، إذًا فالتطور ملامس لـ 97% من جذور اللغة وهذه النسبة تعد كافية لتعانق اللغة من خلالها كل تطور حاصل ولتوليد كلمات أو معانٍ جديدة لألفاظ قديم.
وتعرض الدكتور جمعة لخطر الفئة المتطرفة من جماعة ما بعد الحداثة الذين يرون أنه لإتمام الجيل الثاني من المعرفة لا بد من تحرير الذهن البشري من الدين ومن الأسرة ومن الدولة ومن الثقافة السائدة ومن اللغة الموروثة بحجة أنها تمنع إبداع الإنسان؛ ولذا يرى د جمعة أنه علينا أن نلتفت إلى خطر تلك المدارس وأن نعي أبعادها ومراميها، وهذا يتحقق بإتقان الترجمة من وإلى العربية.
وانتقل الحديث إلى المحاضر الثاني وهو الدكتور عبد السلام المسدي أستاذ اللسانيات في الجامعة التونسية وكان عنوان بحثه (أزمة العربية تجاه الحقائق اللغوية الجديدة) وكانت محاضرةَ إنذارٍ بخطرٍ متصل بوجودنا وبذاتنا فبدأ بعرض خطر تداول مصطلحات تتباين

مضامينها بحسب المصالح المضمرة والذي سماه: " خطر المجاز المُلْبِس". ويندرج تحته مصطلحا (لغة الأم، واللغة الأم) .
فالأول: يعني لغة الأم الحقيقية، التي ترضع الطفل لبن ثدييها.
والثاني: يعني آليات الاكتساب اللغوي أو الاكتساب الأمومي فالأم هنا على المجاز تشير إلى مقومات الانتماء والوئام بين اللغة والفرد ثم بين اللغة والجماعة من خلال الفرد، وبين اللغة والفرد من خلال الجماعة.
فمن يركز على المصطلح الأول إنما قصده التركيز على تعلم اللغة العامية، وأما من يعتني بالثاني فهو يمثل من يهمهم أمر تعليم العربية الفصحى.
وأما الخطر الأكثر ضراوة فهو التبدل في ما دعت إليه الأمم المتحدة فقد أقرت في العشرية الثقافية سنة 1988 ومن خلال محاضرة بعنوان التنوع البشري الخلاق قضية الحقوق اللغوية، ولكن آخر أدبيات اليونسكو بينت أن للإنسان حقوقًا ثلاثة فيما يخص اللغة هذه الحقوق هي : الاكتساب الأمومي : أي لغة الأم ، والتداول الجماعي: أي لغة

القوم، ولغة التحصيل المعرفي وهي لغة أخرى تقدر على نقل المعرفة العلمية، التي تعجز اللغة القومية عن حملها. هذا الخطر الذي أشار إليه الدكتور المسدي يجلو حقيقة

محاولة الكل نفي الوجود للغتنا العربية ومحاولة دفنها حية وأمام أعين متكلميها، فلغة الأم هي العامية التي تتحدثها الأم، والتداولية هي اللغة التي يستخدمها مواطنو الدولة في حياتهم العادية، والطامة الكبرى أنهم يلغون دور لغتنا في حمل المعرفة لأنها ليست أهلاً لحملها.
هذه المخاطر كما يرى د المسدي تدل دلالة واضحة على تسلط سيف السياسي على الحق اللغوي، فالإنسانية استيقظت على حقيقة معرفية هي اندثار الألسنة البشرية، فاللسانيون يرون أن عالمنا فيه 4000 لغة دون الفروع ومع الفروع تصل إلى 6000 لغة، وبينوا أنه في كل سنة تموت 25 لغة وعند انتهاء القرن الحادي والعشرين ستندثر 3000 لغة.
وهنا ينادي بصوت مجروح أن العربية مهددة بالاندثار ، فالمطلوب إيقاف النزيف الذي

سيؤدي إن لم نوقفه إلى أن يندثر هذا الحصن الشامخ ( اللغة العربية ).
وأما عن حالنا مع هذه اللغة فهو إما الغفلة وإما التغافل، والذي يثير العجب أن اللغة العربية أيام الاستعمار كانت لها مكانة أرفع في نفوس أبنائها مما هي عليه أيام الاستقلال التي ما زلنا نعيشها، وهنا يعيد التركيز على أن المسألة اللغوية مسألة سياسية محضة وتتصل بالاختيارات المركزية لسياساتنا، ولكن للأسف أمة العرب لا تملك مشروعًا لغويًا على الإطلاق.
وأما عن الخطر الذي سيتأثر به العالم أجمع فهو أن اندثار العربية يمثل خسارة للعلم الإنساني والذي هو علم اللغة؛ لأن العربية تحفظ أنموذج ما يسمى بالتراكب الذهني من خلال ميزة الإعراب التي تتمتع بها عربيتنا.
وأما عن مقترحات الدكتور المسدي فكانت:
1- لم لا نجعل اللغات الأجنبية حليفًا تكتيكيًا، ونجعل من العامية العدو الاستراتيجي.
2- الطفل هو المخبر الأمثل سواء لإحياء اللغة أم للتعجيل بوأدها.
3- مدى صلاح أي لغة لتحمل أعباء العلم هو سخف علمي ومن تمسك به إما جاهل وإما ماكر يدس رأيًا لغاية، وما يقصده د. المسدي هو أن لا نسير على درب القائلين بعدم صلاحية عربيتنا لحمل العلم ولنسع إلى أن نجعل العلم بها.
4- نحن عندنا ثالوث ننادي به في مجتمعنا العربي هذا الثالوث هو: الإصلاح السياسي،

والإصلاح الاجتماعي، والإصلاح الاقتصادي، فلنربّع الثالوث ونعلن من اليوم ضرورة المناداة بالإصلاح اللغوي.
وهنا اختتم الدكتور المسدي كلمته، وباختتامه اختتمت الجلسة الأولى، وتلاها ورشات

عمل في قاعة مبنى الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بالقاهرة.
كانت هذه وقفة مع افتتاح ( مؤتمر لغة الطفل العربي في عصر العولمة ) عرضت فيها

للافتتاح، ولوقائع الجلسة الأولى، ولكني أخالف رأي الدكتور المسدي أن العربية آيلة

إلى اندثار؛ ذلك لأن أبناء الغرب اليوم يقبلون عليها، ولكن اندثارها ربما يكون اندثار قيمتها

في قلوب وصدور أبنائها فهذا ممكن الحصول، بل يمكن أن نقول: إنه بدأ الخطو فقد اندثرت مكانتها في قلوب أعداد لا يستهان بها، أفليست اللغة العامية التي تغزو الفضائيات نذير اضمحلال للغة في قلوب متكلميها، أعتقد أنه اكبر دليل، ولكن ألا يتعظ هؤلاء بتقدم وتفوق القنوات التي تستخدم الفصحى كلغة للتواصل، ألم يهزهم اعتماد الأمريكيين وحلفائهم لها في قناتهم التي أطلقوا عليها اسم الحرة، ربما سيأتي قوم آخرون يذكروننا بأمجادنا، بل ربما سيعلمنا عربيتنا في يوم من الأيام أناسٌ لا ينتمون لمجتمعاتنا العربية، أعاد الله لعربيتنا مكانتها في قلوب أبنائها، وكثّر الغواصين الذي يستخرجون لنا من لآلئها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مصدر الخبر : محمد خالد الفجر
طالب ماجستير، دار العلوم، جامعة القاهرة.

NIKE AIR HUARACHE

التصنيف الرئيسي: 
التصنيف الفرعي: 
شارك: