[ طُرح في لقاء ( تجديد المسارات في النحو العربي ) الذي أقامه كرسي بحث صحيفة الجزيرة للدراسات اللغوية الحديثة في النادي الأدبي بالرياض، الاثنين 2/ 6/ 1433هـ ]
يمكن تناول الموضوع على النحو التالي:
هناك أمور لا بدَّ من أخذها في الاعتبار:
1- مبدأ من مبادئ التجديد ( ليس بالضرورة أن يكون ما لدينا من الآراء والأفكار والممارسات، هو الصحيح, ثمّ لو كان صحيحًا ليس بالضرورة أن يكون هو الأفضل).
2- الخلط بين النحو وممارسات النحاة، من مؤلِّفين وأساتذة ومعلِّمين.
3- تجربة ما يطرح من الرؤى والأفكار قبل التفكير بممارستها؛ فالآراء كثيرة, والأفكار وفيرة, والخواطر أوفر وأكثر, وما يقترح أو يطرح لا بدّ أن يكون قابلا للتطبيق, ولا بدّ من تفصيله؛ لأنّ الشيطان – كما قيل - في التفاصيل. لا أرى أن نتعجّل في الحكم على المقترحات والأفكار المطروحة في تطوير أو تجديد النحو, مهما أحسنّا الظنَّ فيها وفي أصحابها, بل يتعيّن علينا أن نخضعها لمزيدٍ من الدراسة, والنظر, والمراجعة, وأن نختبر صدقها وثباتها، من خلال مشاريع بحثيّة ودراسات ميدانية, وتجربة عمليّة, وقبل أن نفعل هذا فكل ما يقال لا يعدو خاطرة, أو وجهة نظر, أو فرضًا من فروض متعدِّدة ليس أحدها بأولى من غيره,
ولا بدّ أن نخضعه للممارسات المنهجيّة والعلميّة.
4- أن ما يطرح من آراء ليس بديلا عن درس النحو القائم, بل هو خطّ ومسار يمكن أن يؤخذ به شريكًا، لا بديلا, وما يصلح لفئة ليس بالضرورة صالحًا لكلِّ الفئات.
5- أن كثيرًا ممّا يطرح في تجديد النحو لا يجاوز كونه صرخة لا تحمل مشروعًا, كصرخة ابن مضاء التي لا تختلف عن شغب الصبيان في بيوت أهلهم.
6- القول بأن صعوبة النحو راجعة إلى المادّة نفسها فيه نوع تحكّم, والحقّ أنّ هذا فرض من فروض محتملة, هذا أحدها, ويمكن افتراض أن يكون السببُ مثلا :
o الطريقة التي يقدّم بها النحو(الطرائق التربوية, والتعليمية, والممارسات).
o القيم السائدة عن النحو وعلوم اللغة وممارساتها, ومكانة النحو واللغة, والقدوة.
o معلِّمي اللغة العربيّة.
اتساع دور اللغة في العصر الحاضر وتعاظمه, وما يترتّب عليه. فلم يعد دور اللغة مقصورًا على حقول التربية والتعليم, وتدوين العلوم والمعارف والآداب, والاتصال الشفويّ البسيط, ودرسها قي هذه المجالات وهذا أمر طبيعي؛ لأنها حاضرة في كل وقت في هذه المجالات, وقد جدّت للغة في عصرنا - بعد أن جرت مزاوجة بينها وبين التقنية - أدوار أخرى في عوالم الثقافة, والاتصال , والاقتصاد, والسياسة, والنحو كأيِّ علمٍ من علوم اللغة مطالب بالاستجابة لهذه المتغيِّرات.
هل عندنا مشكلة في تعليم النحو، أو اللغة العربية في الجامعة، وتلقينه طلابنا؟ لا أظنّ أنّ مخالفًا يخالف في أن لدينا غير مشكلة ، غير أن الذي يهمّنا أن نورد مشيراتٍ قد تنتهي بنا إلى وصف وضع ، وتقرير حالة ، يتطلّب اقتراح بعض الحلول ، وطرح رؤًى تخرج بنا من مأزق في تعليم النحو ، ودرس العربية على العموم, ومن هذه المشيرات:
- شكاوى الطلاب, وتذمّرهم من مقررات اللغة العربية, ومن معلِّميها.
- شعور لدى الطلاب أن ما يدرسونه بعيدٌ عن مشاعرهم، وبمعزلٍ عن عواطفهم، وبغربته عنهم، وغربتهم عنه
- تلبّس الطلاب بالملل، وانتشار التثاؤب، وغيبوبة الطلاب عن الدرس إما بنوم أو بتكلّفه، وإمّا برحلة ذهنية بعيدًا عن الدرس والفصل, أو استهتارهم بالمادّة.
- غياب أو ضعف التذوّق في دراسة النحو وتدريسه، وغياب أثر الذوق في التفريق بين المعاني، وطرائق أدائها، الأعاريب والأنواع، والأحكام، والوظائف النحوية، وعدم وضوح مدى تأثير الذوق في ذلك كلّه.
واقع درس النحو في الأقسام الجامعية، ومشكلات تعليم النحو والعربية, فمن العسير أن نحيط بالمشاكل التي تحيط بالدرس النحوي في الجامعات, ولكن يكفينا أن نشير إلى الآتي:
1- لزوم طريقة واحدة في تدريس النحو, ومادّته, وتقديمه لطلاّبه. (اختيار نصٍّ تراثيٍّ, وتقسيمه على المستويات).
2- عدم مراعاة تنوّع فئات المستفيدين منه (مختص، غير مختص، باحث، إعلامي...إلخ.
3- ضعف أثر النحو فيما يقوله الطلاب, وما يكتبونه، بل فقدانه مثل (ضعف الحصيلة المعرفية، غياب الرغبة في الصحة النحوية, والعجز عن توظيف النحو في كلامهم).
4- شعور الطلاب بصعوبة اللغة العربية, وتعقيد أفكارها وكثرة تقسيماتها, وتداخلها في حسِّه.
5- برودة في علاقة الطلاب بالنحو وعلوم اللغة الأخرى, تتمثّل في: شكاوى الطلاب منه, وشعورهم ببعد ما يدرسونه في النحو عن مشاعرهم, وعزلته عن عواطفهم, وتلبّس الطلاب بالملل, وله مظاهر, وغياب التذوّق أو ضعفه للنحو).
معطيات عصر التقنية: لمعطيات العصر التقنية أثر في توسيع دائرة الاتصال, واستعمال اللغة وتوظيفها، كما أن اللغة خرجت عن أطرها التقليدية, التي يتيسّر معها السيطرة عليها, ودخلت ميادين جعلت السيطرة عليها عسيرة, وارتبط تعليم اللغة بأغراض ومستويات, وفئات، وتنوّع التعاطي مع اللغة ....إلخ, ولم يعد أمر اللغة محصورًا على متخصِّصيها وطلاّبها.وتطوّر الاتصال من اتصال شفهيّ, إلى اتصال خليط بين المشافهة والكتابة, بل بين الإنسان والآلة, وتطوّرت مجتمعات البشر وملتقياتها ، وتطور ترميز اللغة في الاستعمالات الحاسوبية, بحيث توجب على أهل العربية مراجعة أشياء كثيرة لديهم (وسنشرح هذا قدر الإمكان في الورقة المفصّلة).
هل هناك من علاج؟!
مفاهيم وتصوّرات جديدة: هل نحن بحاجة إلى مراجعة ما لدينا من قيمٍ لغويّة, وتصوّراتٍ, ومفاهيم؟! وكيف نفيد من المفاهيم الجديدة سواء كانت من داخل منظومة اللغة, أم كانت من خارجها، وقد ظهرت مفاهيم بل علوم جديدة توصف بأنها نحوية، إلى جانب مفاهيم في النحو : اختزاله في الإعراب, والمغالاة فيه, وموقفنا من العامية, وانقسام اللغة ثلاثة مستوياتٍ: تواصلي, تداولي ثريّ, تداوليّ غير ثريّ.
أهداف التربية في العصر الحديث, أهداف التربية في العصر الحديث أربعة : ((تعلّم لتعرف، تعلّم لتعمل، تعلّم لتكون، تعلّم لتشارك الآخرين)) (الثقافة العربية وعصر المعلومات ص307)فاللغة وما يتصل بها من استعمال وتوظيف من الإعداد العام لممارسة الحياة, ويتعيّن على العربية أن تتعامل بما يناسب الأهداف التربوية الأربعة, وهي تفرض مهارات جديدة في الحوار, والتواصل مع الآخرين, مع مزيد عناية بالتعلّم، من أجل المشاركة, كما أن العصر لم يعد يكتفي بأساليب التعليم القديمة, وظهرت أنواع جديدة ومسالك في التعلّم، فهل استثمرناها في درس العربية. (الثقافة العربية وعصر المعلومات ص320)ومن مشاركة الآخرين( تنمية مهارات الحوار مع الآخر (بالاهتمام بتنمية مهارات التواصل، والتفاوض الثقافي، وتنمية القدرة على الإقناع، وهندسة الحوار، وإبرام الصفقات المتوازية) (إذ يشكو معظم طلابنا من ضمور مهارات التواصل اللغويّ الأربع: القراءة، والكتابة، والمشافهة، والاستماع ، نتيجة لآفة التلقِّي السلبي التي تعاني منها أنظمة التعليم لدينا، ويحتاج هذا من التربويين ومعلمي العربية ومنظِّميها تغييرًا جوهريًّا في تعليم العربية وأنماط تقديم المادة التعليمية، بحيث لا تقتصر على أسلوب المحاضرة بل تشمل أساليب جذّابة توظّف أساليب التعلّم المختلفة وتنوِّع بين الأساليب التقليدية والندوات وحلقات النقاش،وغيرها من نواتج العصر والتربية). (ينظر الثقافة العربية ص321 ).
o توصيات:
1. مراجعة وتقويم فائدة المقررات، مثل الأصوات، وعلم اللغة، وبعض مداخل العلوم، والتخلّص من الموادِّ الفلسفية التي لا تسهم إسهامًا واضحًا في تكوين المهارات، وتوظيف اللغة, وتلك التي توضع من أجل أشخاصٍ معيّنين.
2. التركيز على الجوانب الوظيفية من النحو وغيره من علوم العربية.
3. الخروج بالنحو عن النحو النصي (التراثيّ) إلى نحوٍ أشمل وأكمل وأكبر نفعًا وأثرًا، يصنع الفكر، ويسهم في تذوُّق الكلام وبنائه.
4. ضرورة ربط النحو بالبدهيات لدى الطالب ؛ حيث إنه فطري يلتزمه كل متكلم في كل لغة .فكل متكلم يعرف كيف يستفهم وكيف ينادي وكيف يتعجّب؟ ولا يمكن له أن يخلط حين يقصد إلى معنى من هذه المعاني بينها فلا يستفهم وهو يريد التعجب ، ولا ينادي وهو يريد التعجب ، ولا يخبر وهو يريد الإنشاء . فكل كلام مهما كانت منزلة من ينشئه له معنًى نحويٌّ, ووفق نظام نحويّ.
5. ربط النحو بالبدهيات اللغوية مثل التفريق بين المنصوبات : حال تمييز، ظرف ، مفعول به ، مفعول مطلق ، مفعول لأجله ، مستثنى بشرح دلالتها شرحًا مبسّطًا بعيدًا عن التعقيد ، والوعورة المصاحبة لها في كتب النحو .
6. لا بدَّ أن نأخذ بأسباب تطوير الدرس اللغوي ، ولا يمكن أن يتطوّر ما لم نأخذ بثلاث، وندع ثلاثًا، فالثلاث التي نأخذ بها، هي :
أن ندرس النحو على أساس أنّه مادّة فكر، يجب فهمه، واستيعابه، ومهارات لا بدّ من ممارستها, وليس محفوظات، يكفي فيها الحفظ والترديد.
أن ندرسه على أساس من الذوق، الذي يصنع ألفة بينه وبين دارسه.
أن ندرسه مصحوبًا بالممارسة الجيّدة، والتطبيق المؤازر للمادة النظرية.
والثلاث التي نجتنبها:
اللفظية، التي تعتمد حفظ القواعد دون فهم، وتكريرها؛ إذ يحفظ الطالب القاعدة، ومثالها أو أمثلتها، ويحصل على الدرجة الكاملة في الاختبار، وإذا ما قرأ وكتب وقع في لحنٍ مشين شنيع، ولو تغيَّر عليه المثال، الذي حفظه من المقرر، أو فقد من حافظته كلمة أو عبارة لم يهتد إلى إجابة صحيحة، وهو مع ذلك في عداد الممتازين المتفوِّقين؛ لأنّه استطاع أو قدر على استرجاع محفوظه، ولو بدون فهم، وما خطؤه إلا من الطريقة التي تعلّم عليها : الحفظ دون الفهم والاستيعاب لما حفظ.
الحجب التي تحول بين الدارس والنحو؛ إذ علينا رفعها من خلال ربطه بلغته المحكية المعتادة نظامًا ولفظًا وشكلا ، موافقة ومخالفة لمقتضى الظاهر.
الإغراق في التنظير؛ فمن الحتم أن نخلِّص الدراسة النحوية بل اللغويّة من كونها تنظيرًا محضًا لا صلة لها بالواقع، ولا بلغة الدارس، لنرتقي بها، لتكون مهارات، وممارسات – على الأقلِّ - يعيشها الدارس في حياته،ومن المعلوم أن ربط المعرفة بسلوك المتعلِّم يمرّ بخمس مراحل: المعاناة، فالممارسة، فالمهارة، فالعادة، فالسليقة. والمهارة لا تأتي إلا بتكرار الممارسة الواعي, والصبر على شدّة المعاناة التي ستقع للممارس، والاعتياد على دقّة الأداء، والالتزام بالانضباط، وتكلّف التركيز والانتباه، واستحضار قواعد العلم النظريّة، و إذا كان هذا في المهارة فمتى تأتي أو تتكوّن العادة والسليقة؟!
7- تنشيط المشاريع البحثية, وتسخيرها لخدمة العربية, ودرسها. ( يشرح المقصود منه من خلال واقعنا البحثيّ, والخلط بين البحث والتصنيف). نحن لو ألقينا نظرة عجلى على نتاج البحث اللغويّ, والبحث هو منطلق التطوير والتجديد, وطرح التنظير للفحص والاختبار, وموطن الممارسة التطبيقية للتنظير؛ فكل الأعمال البحثية إلا ما ندر لا تخرج في غايتها عن تجميع مفترق, وتفريق مجتمع, وهي في مجملها إعادة, لا تحمل فكرًا جديدًا, ولا إبداعًا علميًّا, فهي ما بين تصنيف مدرسيّ, أو كتابة موسوعيّة, أو مختارات علمية, أو شرح مختصر, أو اختصار مطوَّل, و لا تعدو في أحيانٍ أخرى نشرًا يسمّى تحقيقًا, أو نقلاً يسمّى ترجمة, وهذا الأمر أو الشأن يتساوى فيه, الباحثون المبتدئون من طلاّب المرحلة الجامعية والدراسات العليا والباحثون المبرِّزون – كما يرون أنفسهم – من أساتذتهم ومشرفيهم.
8- إن البحث العلميّ في برامج الدراسات العليا أو أعمال أعضاء هيئة التدريس يجب أن يكون همّه الأوّل تطوير برامج اللغة العربية, والانتقال بها من حال إلى حال, وما لم يتوفّر هذا الأمر فعلينا ألا نسرّ بكثرة ما ننتج, ولا بوفرة ما نكتب, إلا بمقدار ما تمنحه لكاتبها من فرحة التخرّج, والشعور بالغبطة بإكمال مرحلة, والتهيُّؤ لمرحلة أخرى, وإلا تغييرًا في لقبٍ, وزيادة في الراتب, وامتلاءً خادعًا يخفي وراءه ضحالة الفكر, ورداءة النتاج, والعجز عن الإضافة والإبداع, والتخاذل عن الإصلاح وحمل الهمِّ, وتوظيف النواتج فيما يعود على تلك البرامج بالفائدة, وإلا الانصراف عن تنمية الذات, وانعدام ما يمكن أن نقدِّمه لمن يحسن الظنّ بهذه الفئة.
9- تكوين حلقات دراسية لمناقشة تدريس النحو, ومراجعته, وتقويمه, وفحص أدواته وأساليبه.
***********
تنويع الدرس النحويّ لم يعد أمرًا ترفيًّا, بل ضرورة: ولا يكون ذلك إلا بالخروج على النمطيّة التي تعوّدناها في درس النحو (النصِّيّ أو التراثيِّ), وأن ننطلق من وجوب التنوّع في درس العربية, والنحو, بحسب الفئات المستفيدة, وبحسب معطيات العصر, ووفق معطيات الفكر اللغوي المعاصر, وتطور أساليب التربية والتعليم, مع عدم التفريط بإيجابيّات الدرس النحوي العربي.
وفي سبيل تحقيق ذلك يمكن طرح مشاريع مقررات دراسية على النحو التالي:
1) مقرر يعنى بدراسة النحو بحسب المعاني النحوية؛ لمعالجة غلوّ النحاة بدراسة اللفظ, ولتصحيح مفهوم أن النحو – كما يقول بعض أساتذة النحو – علم لفظيٌّ، ولإعادة المعنى النحويِّ, وهو سيِّد المعاني إلى مكانه اللائق به في النحو ودرس العربية، وليتبوَّأ مكانته الحقيقية في الكلام, فالتأكيد – مثلا - معنًى نحويّ إضافيّ نعبِّر عنه بطرق:
1. نون التوكيد في الفعل , نحو : لأقومنّ .
2. حروف التوكيد , مثل اللاّم وقد .
3. تكرير اللّفظ أو مرادفه , وهو التوكيد اللّفظيّ .
4. التوكيد بـ"نفس" و"عين" وأخواتهما , وهو التوكيد المعنويّ .
5. التوكيد بالقسم .
6. التوكيد بالوصف المشتقّ , مثل : شعر شاعر , وليل أليل .
7. التوكيد بالمفعول المطلق .
8. التوكيد ب"إنّ" , وليس مثلها "أنّ".
9. الاستثناء المفرَّغ .
10. الحصر , ومنه تقديم ما حقّه التأخير
11. التوكيد بضمير الفصل , وضمير الشأن .
12. التأكيد بالزيادة , مثل :" ما أنا بقارئ" .
13. التوكيد بالكلمة أو العبارة المعجميّة .
14. أساليب عربيّة أخرى , مثل : حسب , وكافي .
وهكذا تدرس بقيّة المعاني النحوية: يذكر المعنى ثم تورد أساليب التعبير عنه, مثل البيان، معنًى نحويّ، نعبّر عنه بـ" بعطف البيان, التمييز, الجر بمن, الوصف". والتنبيه يعبَّر عنه بأساليب، مثل "يا" النداء, والهاء, و"ألا". والأمر وأساليب التعبير عنه.....إلخ. وقد تحدّثت عن هذا بأعمال منشورة.
2) دراسة الكليّات النحويّة من خلال مقرر دراسيّ, مثل مكوِّنات الكلام (الأصوات, الكلم، الأبنية, التراكيب, الأدوات, السياقان المقامي والمقالي, مقاصد المتكلِّم) .و " أداء الكلام (الوصل , الوقف) . والقرائن النحويّة ( نظام الجملة, الإعراب , الرتبة, الموقع , السياق , العقل ) ونظام الكلام (الإسناد , العامل , روابط الكلام , الرتبة والموقعيّة) . والمطابقة وعدمها, والذكر والحذف والإضمار, والتقديم والتأخير . ومن المعلوم أن النحو يعنى بالكلام المطَّرد ذي الضوابط, وله مقاصد يمكن حصرها في الإفهام والإبانة, واللبس والإلباس, الاقتصاد في الكلام , وملاءمته للحاجة والمخاطب والمقام, الحفاظ على نظام الكلام , والصحّة النحويّة , والاستقامة, وتحسين اللفظ أو تخفيفه). والإعراب و البناء والحكاية (موانع ظهور الإعراب...إلخ دلالة الإعراب على المعنى) الأدوات (تعريفها، خصائصها وسماتها, دخول الأداة على الأداة، استعمال الأداة في غير ما وُضِعتْ له, التغييرات الداخلة عليها)
3) التحليل النحوي : المقصود بالتحليل هو ردّ الكلّيّ إلى مكوِّناته الأولى ، ثم استرجاع كلّيّته بعد تفكيكها، في محاولة لفهم النص ، وإدراك ما فيه من معانٍ وتراكيب ومفردات وأبنية ، وغيرها أسهمت في تكوين معانيه المختلفة ، وجعلته قادرا على الوفاء بمقاصد المتكلّم أو منشئ الكلام . لم يعد الإعراب بالطريقة التقليدية مقنعًا أو كافيًا في الدرس اللغوي خاصة بعد ظهور مدارس علم اللغة الحديث التي تمزج بين مكوِّنات الدرس اللغويّ : الصوتية ، والصرفية ، والتركيبية ، والدلالية في حين تقدِّم هذه المستويات في العربية معزولة عن بعض ، يتفرّد كلٌّ منها بعلمٍ يخصّه من علوم العربية . ميزة هذا العمل أنه يمزج بين العمل اللغوي والعمل الأدبي ؛ فاللغويّ من حيث الحديث عن المعاني ، والربط ، والمطابقة ، والإعراب ، والعوامل ، والرتبة ، والأبنية ، والتراكيب ، والمفردات ، والأدبي من حيث الحديث عن التعاقب والاستبدالية ، والربط بين جمل الكلام ، وإدراك فكرة النص ، وتحليلها إلى أجزائها الأولى ، مع تذوُّق النصِّ ، وإدراك جمالياته ، وإبداعاته المعنوية واللفظيّة .
أهداف المقرّر :
1- تمكين الدارس من تطبيق ما درسه في النحو من أصول وكليات وقواعد .
2- بناء الملكة النحوية لدى الدارس .
3- الخروج بالنحو من عزلته العلمية ، ومزجه بالعلوم الأخرى ، وتوثيق علاقته بها.
4- ترسيخ النظرة الشمولية للنحو .
توصيف المقرّر: تقوم الدراسة على ممارسةٍ عمليةٍ توظِّف مكوِّنات الكلام وهي (الأصوات، الكلم، الأبنية، التراكيب، الأدوات، السياقان: المقامي والمقالي، مقاصد المتكلِّم ) ومقوِّمات الصناعة النحويّة من عامل، ورابط، ومطابقة، ومعنًى نحوي، ومعنًى عام، ورتبة، وموقع، وقرينة. والنحو بين الكفاية والأداء. ودراسة الفروق النحوية، وتوظيف الذوق، والفطرية اللغويّة، وربط الأعاريب والتحليل باستحضار المبادئ والمقدّمات النحوية مثل خصائص الاسم والفعل، والكليات، والأصول.
4) أصول النحو, وهو مقرر تخصصي يناسب طلاب الدراسات العليا, ويمكن تبسيطه لطلاب المرحلة الجامعية, وقد اعتاد النحاة قصر أصول النحو على أدلّته من سماع وقياس واستصحاب الأصل, وإجماع عند بعضهم, ويمكن تقديم هذا المقرر بطريقة أخرى, تضم إلى الأدلّة وما يترتّب عليها من أحكام دراسة القواعد العامة, والكليات, والأحكام الكلية بنوعيها: الوجودي والعدمي, وأشياء من مكونات الكلام, والأصول المرفوضة, وأمور أخرى ليس هذا مكان تفصيلها, ولي تجربة في هذا؛ فقد درسته لطلابي في برنامج الدكتوراه في مقرر "موضوع خاص" غير مرّة وقد أحسست بثمرته, وتأثر الطلاب به, وتغيّرًا لديهم.
5) مقرّر عام باسم "مهارات اللغة والاتصال" أو باسم "مهارات الاتصال اللغويّة" يحتاج إليه المتخصِّص في اللغة العربية وغيره, يأخذ في اعتباره المهارات الأربع, ومهارات الاتصال وتقنياتها, وتوظيفها وفق معطيات العصر, والحوار وإدارة اللقاءات والحوارات, وإعداد التقارير والملخّصات, مع مزيد عناية بالقراءة التحليلية, واستيعاب المقروء, ومهارات تنظيم النص وإخراجه من علامات ترقيم, وتقسيم للنص إلى فقرات, وعناوين رئيسية وفرعية. ويأخذ من النحو ما كان احتياجًا بل ضرورة, مع تمهير المعارف من خلال الممارسة العملية.
وبعبارة أخرى نتّجه إلى دراسة الكلام؛ فالنحاة لا ينازعون في المفرد والجملة, لكن لغيرهم أن يسأل : ألا يتكوّن الكلام من غير هذا؟ إنّ معنى هذا أن الكلام يتكوَّن من جملٍ, والجملة لا بدَّ فيها من ركنين: مسندٍ ومسندٍ إليه, ولدينا من الكلام المفيد ما لا يتحقّق فيه هذا القول, مثل: النداء (يا رجلُ) فأين المسند والمسند إليه؟! فالكلام ليس إسنادًا فحسب, بل قد يفاد المعنى من الصوت وحده, مثل : و"ي" والأصوات ذات المعنى، فالنحو يجب أن يكون ثلاثة مستويات : المفرد, والجملة، والكلام. والتردُّد بين الكلام والجملة, فهناك خلطٌ بين مكوِّنات الكلام ومكوِّنات الجملة, فمكوِّنات الجملة الخبريّة الإسناد (مسند ومسند إليه) وإن لم تفد, ومكوِّنات الكلام الإفادة (ما يفيد ولو كان صوتًا, أو كلامًا إنشائيًّا طلبيًّا, وغير طلبيّ, أو ما يحتاج إلى الشيء وجوابه) وهناك فرق بين أن ندرس الجملة وبين أن ندرس الكلام, وما يظهر للبعض من أن النحاة يركِّزون على المفردات (مكوِّنات الجملة) لا يلزم منه إهمالهم الجملة والكلام, فللنحاة جهودٌ غير منكورة في دراسة الكلام, كما نجده في كتاب سيبويه, وما فعله ابن جنّيّ في الخصائص, وما فعله ابن فارس في الصاحبي؛ فالمتكلِّم لا يلزمه الوقوف عند الجملة, بل يجاوزها إلى إكمال كلامه, ولو تطلّب عددًا من الجمل, ونحن نقف في درسنا النحويِّ على الجملة, فكما أنّه لا يسوغ للنحويّ أن يقف عند حدِّ المفردات, لا يسوغ له كذلك الوقوف على حدِّ الجملة, كما لم يجز من قبلُ الوقوف على الأصوات قبل تضامِّها لتكوِّن المفردات. ويترتّب على دراسة الكلام أن نأخذ بدراسات تتناول استيعاب المقروء, وما ذكرناه في التحليل النحويِّ.
6) ولا يقف الأمر عند هذا الحدّ من الطرح والاقتراح، فهناك غيرها منها ما سمعتموه من أساتذتي المشاركين معي في هذا الملتقى, ومنها ما لم يرد في أحاديثنا, غير أن الوقت لا يتّسع لها.
وأخيرًا: التحديات التي تواجه تطوير الدرس اللغويّ:
أ- السنة الكونية في البشر؛ حيث تكون مقاومة التغيير والإصلاح, والإلف والاعتياد, والتخوّف من التغيير لأسباب لا تخفى, والخوف من المجهول, وعدم الجسارة على التغيير.
ب- المحافظون مّمن يرون أنفسهم أوصياء على النحو العربي وعلوم العربية, ويدّعون الغيرة أكثر من غيرهم.
ت- العناصر التنفيذية التي تقوم بعملية الاختبار, والممارسة التجريبية في المراحل الأولى, والتطبيق الشامل في المراحل اللاحقة من حيث الامتلاء بالفكرة, والحماسة لها, وصحّة ممارستهم.
ث- غياب آلية التطوير في ممارساتنا التربوية, مثل توظيف البحث العلمي, والمشاريع البحثيّة, وإقامة حلقات النقاش والحوار العلمي لتطوير الفكرة, وتهيئتها للتجربة؛ كما أنّنا بحاجة إلى تعزيز دور التجارب الأوليّة قبل إقرار أي فكرة, أو تطبيق أي مشروع. تمّت
والحمد لله ربِّ العالمين, وصلّى الله وسلّم على محمد وآله وصحبه.