بحث ( المعجم التاريخيّ لدى المستشرق الألماني أوجست فيشر : دراسة تقويمية )
إعداد : عبد العزيز بن حميد بن محمد الحميد
مقدّم إلى ( ندوة المعجم التاريخي للغة العربية - قضاياه النظرية والمنهجية والتطبيقية )
فاس 23-25 ربيع الثاني 1431هـ / 8 -10 أبريل 2010 م
أوجست فيشر ( 1865-1949 )([1]) August Fischer
مستشرق ألماني اعتنى بدراسات اللغة العربيّة ، ونهج منهج أستاذه هاينرش ليبرشت فلايشر مؤسس مدرسة ليبزج في الاستشراق الألماني ، وهو منهج يقوم على الاستناد الوثيق إلى الشواهد اللغويّة العربيّة ، وإلى أعمال اللغويّين والنحاة العرب ، والابتعاد عن الافتراض من غير أساس .
برع في علوم اللغة تأليفاً وتدريساً ، وتولى التعليم في معهد اللغات الشرقيّة ( 1896-1900 ) ، وشغل كرسي اللغات الشرقيّة في جامعة ليبزج ( 1900-1939 ) .
تَلْمَذ عليه أعداد كبيرة من الدارسين من أنحاء كثيرة ، من أشهرهم المستشرقون : شاده وبرجستراسر وجراف .
وعُيّن عضواً في مجمع اللغة العربيّة في مصر بعد إنشائه ، واستمرّ يتردّد على القاهرة في شتاء كلّ عام حتى عام 1939م بعد قيام الحرب العالميّة الثانية ، حيث لم يستطع الرجوع واستمرت عضويته في المجمع إلى سنة 1945م ، وتوفي سنة 1949م
من أعظم أعماله العلميّة مشروع معجمه التاريخيّ للغة العربيّة ، والذي قضى في جمع مادّته أربعين سنة ، وهو موضوع هذه الدراسة .
ويحسن بنا قبل دراسة معجمه أنْ نشير إلى بعض مشاركاته في القضايا اللغويّة أثناء عضويته في مجمع اللغة العربيّة بالقاهرة :
وضع خطّة المعجم التاريخيّ الكبير :
كان فيشر عضواً في لجنة المعجم في المجمع ، ولذا طُلب منه وضع خطّة للمعجم التاريخي الكبير ، وقدّم تقريراً خاصّاً به يشتمل على الخطّة كاملة([2]) ، ويظهر لي أنّ تلك الخطّة كانت لدى فيشر أعدها لمعجمه التاريخيّ ، وحينما طُلب منه خطّة للمعجم الكبير قدّمها إلى المجمع ، وممّا رجّح لديّ هذا الرأي أنّ عبد القادر المغربي - وهو أحد الأعضاء - كتب بحثاً عنوانه ( معجم الدكتور أ. فيشر - وصفه ونقده )([3]) ، وقد أقام دراسته لمعجم فيشر على تقرير قدّمه فيشر نفسه إلى المجمع في الدورة الثالثة سنة 1936 عن معجمه ملتمساً من المجمع النظر فيه وإصدار قرار بطبعه على نفقة المجمع ، وأرفق به نماذج للمعجم هي مادّة ( أخذ ) ومعانيها ، ليطّلع عليها الأعضاء ، واستعرض المغربي معاني ( أخذ ) بالنقد والتحليل .
ويدل ما مضى على أن فيشر كان قد قدّم تقريراً عن معجمه مع نموذج مادة ( أخذ ) ، كما أنّه قدّم تقريراً عن المعجم التاريخي الكبير للغة العربية للمجمع مع نموذج مادة ( أخذ ) ، وهو ما يرجح أن فيشر قدّم التقرير والنموذج مرّتين : خطّةً لمعجمه الخاصّ ، وخطّةً للمعجم التاريخي الكبير للغة العربية .
وعندما ننظر نظرة إجماليّة إلى التقرير نجده ناضجاً من حيث شموله أهمّ القضايا ، حيث قسّمه إلى مقاصد خمسة :
المقصد الأوّل : في أنواع محتويات المعجم : ذكر فيه أنواع المصادر التي تؤخذ منها الألفاظ .
المقصد الثاني : في طريقة جمع محتويات المعجم : ذكر فيه طريقة جمع الموادّ التي سبق ذكر مصادرها ، فيفرد جزازة لكلّ كلمة وتركيب ومعنى .
المقصد الثالث : في ترتيب المعجم : ذكر فيه ترتيب المعجم على الحرف الأوّل والثاني وهكذا ، ثمّ الترتيب الداخلي للمادّة.
المقصد الرابع : في قواعد المعجم غير المذكورة : ذكر فيه عدداً من قواعد المعجم وهي : ضبط كلمات المعجم ، وإثبات كلّ الكلمات والتراكيب والمعاني بشواهدها وما يتعلق بها من التوثيق ، وترتيب الشواهد تاريخيّاً لمعرفة تاريخ الكلمات .
المقصد الخامس : في نقل محتويات المعجم إلى لسان أوربّي : أراد به إضافة ترجمة إنجليزيّة أو فرنسيّة للكلمات والتراكيب في المعجم.
المعجم اللغويّ التاريخيّ ( معجم فيشر ) :
يُعدّ معجم فيشر من أفضل معاجم المستشرقين التي أثّرت في الدراسات المعجميّة العربيّة .
وكانت بداية مشروعه في أوائل القرن العشرين ، عندما عرض فكرته في ثلاثة مؤتمرات استشراقيّة في باسل عام 1907 ، وكوبنهاكن عام 1908 ، وأثينا عام 1912 ، حيث لقي قبولاً واستحساناً .
واستعان ببعض الجهود التمهيديّة التي قام بها قبله بعض أساتذة العربيّة بالقسم العربيّ بجامعة ليبزج ، مثل : هاينريش ليبرشت فلايشر ، وهاينريش توربيكه ، ووَكَل إلى بعض تلامذته انتقاء مختارات من دواوين الشعراء ، وممن تعاون معه فريتس كرنكو ، ويوهانس بيدرسن([4]) .
وابتدأ فيشر بالعمل في معجمه مدعوماً دعماً متقطّعاً من بعض الجهات الألمانيّة ، وعندما أصبح فيما بعد عضواً في مجمع اللغة العربيّة بالقاهرة تيسّر له طرح فكرته على أعضاء المجمع ، وبعد مداولات وطرح لآراء عديدة وافق المجمع والحكومة المصريّة على تبني هذا العمل وتحمل تكاليفه .
ولا شكّ أنّ قبول المجمع ذلك المشروع يعدّ دليلاً على جهد فيشر المعجميّ ، حيث استطاع أنْ يقنع المجمع بالتصوّر المعجميّ الاستشراقي القائم على نقد المعاجم العربيّة ومعاجم المستشرقين التي سارت على منوالها ، لما فيها من عيوب عديدة ، ذلك التصوّر الذي يذهب إلى أخذ مفردات العربيّة من مصادرها الأصليّة - متى أمكن - لا من المعاجم العربيّة([5]) ، ومن تلك المصادر ما يعدّ خارجاً عن مفهوم الفصاحة الذي حدّده المعجميّون العرب .
إنّ ذلك الاعتراف المجمعي بعمل فيشر - وإنْ لاقى المعارضة من بعض الأعضاء - دليل على أثر الاتّجاه الاستشراقي في ميدان الدراسات العربيّة للمعجم ، حيث أوجد لنفسه مكاناً في ذلك الميدان المزدحم بالآراء الأخرى ، وبذا أصبح ذلك الاتّجاه واحداً من الاتّجاهات في الصناعة المعجميّة .
أمّا عن مصدر اتّجاه فيشر في معجمه فغير متّفق عليه ، وفي التصدير الذي كتبه د. إبراهيم مدكور - الأمين العامّ للمجمع - للمطبوع من معجم فيشر ، ذكر أنّ معجم أكسفورد التاريخيّ كان مثل فيشر الأعلى ، حيث أراد تطبيق منهجه في اللغة العربية([6]) .
أمّا أ. د. محمّد رشاد الحمزاوي فذهب إلى خلاف ذاك الرأي ، بل إنه نفى صحّة رأي د. مدكور ، وذهب إلى أنّ الذي أوعز بفكرة المعجم التاريخيّ إلى فيشر هو المستشرق توربيكه ، وفي موضع حديثه عن المظاهر التاريخيّة والأصوليّة والإعرابيّة والنحويّة والتعبيريّة والأسلوبيّة في معجم فيشر ، ذكر أنّ الذي أوحاها إلى فيشر هو المستشرق ف. هيرديكن F. Heerdegen في علم اللغة اللاتينيّة Lateinsche Lexikographie ، حيث أشار فيشر إلى أنّ بعض الآراء التي ذكرها عن نظريّة صناعة المعجم ترجع إلى ذلك المستشرق ، وهو دليل اتخذه الحمزاوي لدعم رأيه([7]) ، وكأنّ الحمزاوي ذهب إلى أثر المستشرقين : توربيكه وهيرديكن على فيشر في فكرة المعجم .
ما طبع من معجم فيشر :
طبع جزء من المعجم من أوّل حرف الهمزة إلى ( أبد )([8]) بعنوان ( المعجم اللغويّ التاريخيّ ) ، ذهب أربع وثلاثون صفحة منه في المقدّمة ، وجاء المنشور من حرف الهمزة في ثلاث وخمسين صفحة ، ذهب عشرون منها في الحديث عن أنواع الهمزة ، والباقي منه في كلمات أعجميّة وعربيّة ، ولذا فهو نموذج قصير ، لقلة الألفاظ الغنيّة فيه .
وكنت حاولت الاطّلاع على بطاقات فيشر في مجمع اللغة العربيّة بالقاهرة لإثراء النماذج المدروسة وتوسيعها لتكون شاملة ، لكنّ محاولتي باءت بالفشل([9]) .
ولدينا نموذج آخر([10]) يكشف عن طبيعة المعجم أكثر ممّا كشف لنا النموذج المطبوع ، وهذا النموذج لم يطبع على أنّه جزء من المعجم ، فقد قدّمه فيشر إلى مجمع اللغة العربيّة نموذجاً على نظريّته في المعجم التاريخيّ ، حينما طُلب منه وضع خطّة له ، كما أنّه قدّمه ثانية مثالاً على معجمه التاريخيّ الخاصّ الذي ندرسه هنا .
والاطّلاع على هذا النموذج الذي هو جزء من مادّة لغويّة واحدة هي ( أخذ ) يدلّ على الشمول والسعة اللذين كان فيشر يسعى أنْ يتّصف بهما معجمه ، حيث يشتمل على الثلث الأوّل من مادّة ( أخذ ) بمعانيها التي جمعها وصنفها .
ذكر فيشر في إحدى جلسات المجمع أنّ لديه ستمائة جزازة في معاني ( أخذ ) ، لكنّه اكتفى بثلث المادّة عندما طلب منه المجمع كراسة صغيرة([11]) ، وستكون الدراسة هنا خاصّة بما طبع من معجم فيشر ، لكنّي سأقف عند نموذج مادة ( أخذ ).
المنهج التاريخيّ في صناعة معجمه :
يمثّل سلوك المنهج التاريخيّ الهدفَ الرئيس في معجم فيشر ، فقد كان صاحب التجربة الناضجة الأولى بين معاجم العربيّة ، ولذا أدار حول هذا الأمر الحديث في عدّة مواضع من مقدّمته ، شأن أي صاحب دعوة جديدة يدعو إلى نظريّته .
المعجم في نظر فيشر :
يعدّ أوجست فيشر من أبرز المستشرقين في ميدان صناعة المعجم ، وأقواهم أثراً فيه ، وكانت جهوده المعجميّة معتمدة على أسسٍ واضحة لديه ، تنطلق من اتّجاهٍ يؤمن به في ميدان المعجم .
ولكي نعرف اتّجاهه في هذا الميدان يحسن أنْ نعرف نظريّته التي دعا إليها ، ثمّ نتعرف تطبيقَه لها في معجمه .
نظريّته في صناعة المعجم التاريخي :
لفيشر نظريّة في تأليف المعجم بيّنها حينما قدّم تقريره الخاصّ([12]) بطريقة تأليف المعجم التاريخيّ الكبير للغة العربيّة ، قدّمه إلى مجمع اللغة العربيّة بالقاهرة ، ذلك التقرير يبيّن المعجم المثاليّ في نظره ، أمّا صنع المعجم فكان شيئاً آخر ، فهو يحتاج إلى من يطبّق تلك النظريّة ، ولذا فحينما بدأ بصنع المعجم التاريخيّ لم يلتزم بكلّ ما ذكره في خطّة المعجم التاريخيّ الكبير ، لأنّ ذلك التقرير أعدّه لمجمع اللغة العربيّة ، أمّا معجمه الخاصّ فلم يلزم نفسه بكلّ ما ذكره هناك ، لأنّه لا يستطيع القيام به وحده .
وممّا فعله فيشر لكي يكون صنع المعجم ملائماً له أنْ جعل له حدّاً زمنيّاً يمتدّ إلى نهاية القرن الثالث الهجري ، وهو زمن العربيّة الفصحى في أوج كمالها .
أمّا ما ذكره في تقريره الخاصّ فلم يحدّد المعجم بفترة زمنيّة ، بل ذهب إلى أنّه يحوي كلّ كلمة وردت في الكتب العربيّة القيّمة دون وضع حدٍّ زمنيّ لنهايته .
وقد يحار الباحث فيما قد يظهر من تناقضٍ أو غموضٍ في آراء فيشر حول معايير قبول المادّة اللغوية ؛ فهو في مناقشاتٍ دارت في المجمع حول المولّد ، واختلاف الآراء في تحديد عصر المولّد قال :" أرى أنّ هناك خلافاً في تحديد زمن المولّدين ، ونحن في أوربّا نرى أنّ زمن المولّدين يبتدئ من دولة بني العبّاس ، وكلام أهل العصر العبّاسي عندنا لا يحتجّ به "([13]) ، وكلامه هذا دليل على إدراكه الفرق بين مستويات الكلام التي سار عليها علماء العربيّة .
ولنا أن نتساءل حول رأيه السابق : هل يؤمن فيشر بقصر الاحتجاج اللغوي على نهاية العصر الأمويّ ، وقد تساءل في مقدمة معجمه عن كيفية كون معجم العربية ملائماً للتطوّر العلمي للعصر الحاضر ، وأجاب عنه بوجوب اشتمال المعجم على كل كلمة – بلا استثناء – وجدت في اللغة([14]) .
وأساس نظريّته أوضحه في بداية تقريره بقوله :" لا ينشأ المعجم على أساس بقيّة المعاجم العربيّة التي نشرت قديماً وحديثاً ، ولا يقتدي بأسلوبها ، بل يمتاز عنها بأشياء مهمة تُعرف ممّا هو آتٍ " ، ثمّ ذكر الأسس لذلك المعجم ، وسأعرضها بعد إعادة ترتيبها على النحو التالي :
الأساس الأول : مادّة المعجم :
في مقدمة معجمه أشار إلى رأيه في المعجم الذي تحتاجه العربية ، فتساءل عن كيفية كون معجم العربية ملائماً للتطوّر العلمي للعصر الحاضر ، وأجاب عنه بوجوب اشتمال المعجم على كل كلمة – بلا استثناء – وجدت في اللغة([15]) .
ولكنه حينما بدأ بإصدار معجمه جعل له حدّاً زمنياً يبدأ بنقش النمارة من القرن الرابع الميلادي وينتهي بنهاية القرن الثالث الهجري ، وفي الزمان الذي حدّد بدايته ونهايته ذهب إلى أنّ كلّ الكلمات التي جاءت في الآداب العربيّة في تلك الفترة يتناول بحث تاريخها .
وأشير إلى الاختلاف بين مادّة معجمه هذا ، وقد حدّدها بنهاية القرن الثالث ، ومادّة المعجم الذي يدعو إليه ، ويمثل نظريّته في المعجم ، وهو المعجم الذي ذكر أن مرسوم إنشاء مجمع اللغة العربية أشار فيه إلى وضع معجم تاريخي للغة العربية ، وقد نبّه إلى التفرقة بين ذلك المعجم ومعجمه بقوله :" وهذا المعجم ليس هو المعجم الذي ذُكر في صفحة 21 أنه من أعمال مجمع اللغة العربية ، وهو – كما يُستدلّ من عنوانه – معجم تاريخي للغة الآداب العربية حتى نهاية القرن الثالث الهجري ، أي حتى منتهى ما وصلت إليه اللغة العربية الفصحى من الكمال "([16]) .
وقد يبدو لنا بعض التناقض في ذهابه إلى أن المعجم الذي تحتاجه العربية يجب أن يحوي كل كلمة في الكتب العربية القيّمة ، ووقوفه في صنع معجمه عند نهاية القرن الثالث الهجري ، إلى جانب إيمانه – كما ذكر - أنّ زمن المولّدين يبتدئ من دولة بني العبّاس ، ولذا فكلام أهل العصر العبّاسي لا يحتجّ به.
ويترجح لي هنا أنّ فيشر كان بين اتّجاهين : أحدهما متأثّر بالنظر إلى اللغة على أنّها دائمة التطوّر ولا حدود لتطوّرها فكلّه مقبول ، وآخر متأثّر بنظرة العرب إلى وجود مستويات للغة محدودة بأزمنة محددة ، منها ما يُقبل ومنها ما يُردّ .
ولذا فعند التطبيق حاول الانتقاء والاصطفاء للمستوى الفصيح المقبول ، فرأى أن مادّة المعجم تحوي جميع الألفاظ وصيغ الألفاظ والتراكيب والمعاني المختلفة للألفاظ الواردة في الكتب العربيّة التي لها أهميَّتها بين المؤلّفات العربيّة القيّمة ، ويتّضح مستوى مادّة المعجم من الاطّلاع على مصادره التي اقترحها وقدّم نماذج لها في خطّته .
مصادر المادّة :
ذكر فيشر في الجزء المطبوع من معجمه قائمة بالمصادر التي أخذ منها شواهده وتعليقاته ، وسردها على الترتيب الألفبائيّ بذكر المختصر الذي يشير إلى المصدر في ثنايا المعجم ، وأمامه اسمه كاملاً ، وأحصيتها فبلغت مائتين واثنين وتسعين مصدراً([17]) ، ومع كثرتها إلاّ أنّها لا تعدّ شاملة لعصور العربيّة أو مواضيعها أو ميادينها ، حيث ذكر أنّه سيقف عند نهاية القرن الثالث الهجري ، وهو تحديد لا يعني أنّه يرى عدم تدوين ما جاء بعد ذلك الزمن ، ولعله أراد بذلك التحديد أنْ يكون التجربة الأولى في صناعة معجم تاريخيّ ، يبدأ بما قبل الإسلام مع القرون الثلاثة ، ثمّ تليها جهود أخرى تستكمل ما نقص منها .
وممّا يُلاحظ على قائمة مصادره أنّها " اختيرت في جُلّها وعن قصد من المصادر المجموعة التي حقّقها ونشرها المستشرقون دون غيرهم ، ولقد اختلطت فيها النصوص المدوّنات بالمراجع الثانويّة ، لأنّ المؤلّف لم يفصل بين النصوص الأصول والمراجع الثانويّة التي يستعين بها للاستدراك على بعض السقطات أو الفراغات في النصوص الأصليّة ، فلقد حشر النوعين من النصوص في زمرة واحدة ، كأنّها متساوية في القيمة من حيث صلتها بالمعجم التاريخيّ "([18]).
وأعرض هنا مصادر فيشر التي وُجدت في البطاقات لجميع الحروف باستثناء حرفي الدال والذال ، وهي صورة لعمله ، لكونها نُقلت من بطاقاته :
1- البخاري 2- عبد الله بن قيس الرقيات 3- الأصمعيات
4- ديوان لبيد 5- ديوان القطامي 6- ديوان المتلمس
7 - الكميت ( الهاشميات له بتحقيق هيروفتس ) 8 - لسان العرب
أمّا حرفا الدال والذال فقد وجد في بطاقاتهما عدد كبير من المراجع غير ما ورد في بقيّة الحروف ، وقد ذكرت بأسماء مختصرة ، منها ما هو مشهور ومنها ما يذكره باسم صاحبه ، ولكنها تعطي المطلع صورة جليّة عن مراجعه :
1 – القرآن 2- الكامل 3- التاج
4- الجاحظ 5- المفصل 6- القزويني
7- البحتري 8- الأضداد 9- القاموس
10- المزهر 11- الثعالبي 12- الشنفرى
13- الفرزدق 14- المتنبي 15- الأخطل 16- الزمخشري
17- حمزة الأصفهاني 18- ابن خلدون 19- سيبويه
20- الأغاني 21- المعلقات 22-ديوان الحماسة
23- البيضاوي 24- علقمة 25- الطبري
26- أبونواس 27- ابن بطوطة 28-المقريزي
29- كعب بن زهير 30- البيروني 31- ابن الوردي
32- البكري 33- الكشاف 34- الحادرة
35- ياقوت 36- الملاحن 37- المجنون
38- الواقدي 39- الأعشى 40- المقصورة
41- الجوهري 42- المثقب العبدي 43- خليل الظاهري
44- المعرّي 45- ألف ليلة وليلة 46- الدرة اليتيمة
47- السموءل 48- الواحدي 49- أبو بكر الخوارزمي
50- المقدسي 51- مجموعة من أعمال بعض الغربيين([19]) .
ويتّضح من تلك المصادر أنّ فيشر رجع إلى مصادر من تلك التي اعتمدها علماء العربيّة ، إلى جانب كتب أخرى من عصور مختلفة بما فيها العصر الحديث ، وسبب غلبة المراجع القديمة المشتملة على الفصيح دون غيره ، ليس لكونه يؤمن بحدود الفصاحة التي ضربها العلماء ، وإنما لكونه ذكر أنّه سيقف في تتبع التطوّر التاريخيّ للمعاني عند نهاية القرن الثالث الهجري .
ولم يلتزم فيشر في مصادره بأنْ تكون كلّها من كتب الأصول التي تحتوي على الألفاظ ، حيث كان هدفه ذلك ، إلاّ أنّه نبّه في مقدّمته إلى أنّ من الكلمات ما لم يجد لها شواهد في المصادر الأصليّة ، ولذا رجع إلى بعض المعاجم العربيّة القديمة ، مثل :
1- الجمهرة - ابن دريد .
2- تاج العروس – الزبيدي .
3- الصحاح – الجوهري .
4- العين – الخليل .
5- القاموس المحيط – الفيروزآبادي .
6- لسان العرب – ابن منظور .
7- المجمل – ابن فارس .
8- المخصّص – ابن سيدة .
9- مقاييس اللغة – ابن فارس .
ورجع أيضاً إلى كتبٍ حديثةٍ لمستشرقين ، مثل :
1- قواعد النحو العربيّ – هـ. ركندورف .
2- القرابة والزواج عند العرب القدماء – و. ر. سميث .
3- في نحو اللغة العربيّة الفصحى – ت. نولدكه .
4- ذيل للقواميس العربيّة – ر. دوزي ، وهو تكملة المعاجم العربيّة .
5- مدّ القاموس – لين .
6- مستدركات على المعاجم العربيّة – للنمساوي أ. فون كريمر .
7- دائرة المعارف الإسلاميّة .
والتعليل لرجوعه إلى كتب حديثة للمستشرقين – كمعجم دوزي - هو أنّ أغلبها مختص بالعربيّة الفصحى ، فالمهمّ عنده أنْ تكون الألفاظ داخلةً في تحديده الزمني ، أمّا الكتب فلا ضير أنْ تكون من عصور متأخرة .
ولنا أنْ نتساءل عن التوفيق بين ما ذكره فيشر من أنّ معجمه معجم تاريخيّ للغة حتى نهاية القرن الثالث الهجري ، والمصادر التي رجع إليها بعد القرن الثالث مثل : أساس البلاغة واللسان والقاموس المحيط ، ومعاجم المستشرقين كمعجم لين ( مدّ القاموس ) ، والذي يظهر لي هنا أنّ تحديده الزمني هو للمادّة اللغويّة ، فلا يدخل في معجمه إلاّ ما كان في نطاقها الزمني ، أمّا المصادر فغير مقصود تحديد زمنها ، بل المهمّ أنْ تكون مادّتها من ذلك العصر ، وهذه القضيّة قد تُسبّب التوهّم بأنّ فيشر اقتصر في المصادر حتى نهاية القرن الثالث .
ووقع في الوهم بعض الباحثين فظنّ أنّ التحديد للمصادر ، فالمستشرق الألماني مانفريد أولمان قال :" فقد كانت مقتبساته تقتصر على المصادر المؤلّفة حتى عام 300 هـ "([20]) ، ووهِم د. أحمد مختار عمر أيضاً فرأى أنّ فيشر وقع في تناقضٍ فرجع إلى الزمخشري في القرن السادس([21]) .
وممّا رجّح لديّ أنّ التحديد للمادّة لا للمصادر ذكرُه أنّ معجمه " معجم تاريخيّ للغة الآداب العربيّة حتى نهاية القرن الثالث الهجري ، أي حتى منتهى ما وصلت إليه اللغة العربيّة الفصحى من الكمال "([22]) ، وهو صريح في تحديده اللغة التي يحويها بنهاية القرن الثالث .
أمّا مصادر المادّة للمعجم التاريخيّ الذي تحتاجه العربية فهي أوسع من مصادر معجمه ، ففي التقرير الخاصّ بتأليف المعجم التاريخي الكبير للغة العربية ، وهو التقرير الذي قدّمه إلى المجمع ، ذكر أنواع محتويات المعجم فذكر أنه يشمل جميع الألفاظ وصيغ الألفاظ والتراكيب والمعاني المختلفة للألفاظ الواردة في الكتب العربية التي لها أهميتها بين المؤلفات العربية القيمة ، وكذلك الواردة في خير المعاجم العربية الكبيرة ، وتكملة المعاجم العربية لدوزي والعديد من المستشرقين .
وقد يبدو ذكر فيشر المعاجم العربية من مصادر المادة غريباً لأن الأصل لديه أن تكون مصادرُ المعجم المصادرَ الأصلية الأولى للعرب لا المعاجم ، لكنه رأى الرجوع إلى المعاجم عند عدم وجود مصدر لأحد الألفاظ ، وقد صرّح بعدم الرجوع إلى المعاجم في إحدى مداولات المجمع حول مصادر المعجم([23]) ..
وتلك المصادر التي ذكرها في تقريره أراد بها تقديم نماذج منها ، ولم يرد بها الحصر ، وبعد نهاية حديثه عن نظريّته قدّم نموذجاً للمعجم من مادّة ( أخذ ) ، ثمّ قدّم قائمة بالمصادر التي رجع إليها ، فبلغت ( 131 ) مصدراً ، ولا شكّ أنه لم يرد بها الحصر أيضاً فلو اطّلعنا على قائمة مصادر معجمه التي وضعها في نهاية الجزء المطبوع منه فسنجدها أكثر من هذه ، حيث بلغت ( 292 ) مصدراً ، مع أن معجمه يقف عند نهاية القرن الثالث ، أمّا دعوته هنا إلى المعجم التاريخي فأراد بها معجماً شاملاً للعربية في جميع العصور ، فيتّضح أن مصادر المعجم التاريخي الذي دعا إليه ستكون شاملة لكل العصور ، وستكون أكثر من مصادر معجمه .
طريقة جمع المادّة :
ذكر طريقة جمع مادة المعجم باستعمال جذاذات ، بأن يُفرَد لكلّ كلمة وتركيب ومعنىً جذاذةٌ خاصّة ، وتُصمّم كما يلي :
على يمينها الكلمة المخصوصة بين هلالين كما هي في المصدر المنقولة منه.
على يسارها يذكر الفعلُ الماضي إنْ كانت الكلمة المخصوصة فعلاً ، والمفردُ مرفوعاً إنْ كانت الكلمة اسماً .
في أعلاها أصل الكلمة .
وفيها ذكر الجملة أو البيت الذي وردت فيه ، وتفسيرها ، وذكر قائلها والمصدر مع رقم الصفحة والسطر في النثر ، ورقم القصيدة أو القطعة أو البيت في النظم ، ثم نبّه إلى ترتيب الجذاذات بعد الفراغ ترتيباً ألفبائيّاً .
وأورد نموذجين على تصميم بطاقاته ، واحد للأفعال والآخر للأسماء ، وأوردهما هنا زيادة في التوضيح :
نموذج للأفعال :
بكى ( نَبْكِ ) بَكَى معروف ( to weep ; pleurer ) امرؤ القيس : المعلقة بيت 1 |
نموذج للأسماء :
نزل ( ومَنْزِلِ ) مَنْزِلُ مكان النزول : معروف habitation temprary quartersof nomads , camp; temporaire de bedouins امرؤ القيس : المعلقة بيت 1 |
وطريقة جمع مادة المعجم التي ذكرها كانت ملائمة لعصره ، لكنّها الآن تبدو وقد تجاوزها الزمن في عصر الحاسب ، ويعلم أيّ متخصص أن الحاسب يعطي المعجميين إمكانات كبيرة لجمع موادّ المعجم وصياغتها وترتيبها .
وقد خصّ بعض مكوّنات مادة معجمه بالتنبيه على ما يذكره وما لا يذكره منها ، ومن أهمّها :
¨ أورد أسماء الأشخاص والقبائل والبلاد أحياناً إذا احتمل أنّها تبين معنى اسم جنس .
¨ لم يورد المشتقات القياسيّة مثل : صيغ الأفعال ، وصيغ أسماء الفاعل والمفعول ، وصيغ المصادر للأفعال المزيدة ، إذا لم يكن لها معان خاصّة .
فإنْ كان لها معانٍ خاصّة أوردها مثل : حاكم ، شاهد ، عامل ، قاضٍ ، كاتب ، والٍ ، مؤذن ، مسلم ، مؤمن ، مشرك ، مبتدأ ، مجتهد ، متحسب ، تاريخ ، تجنيس ، مزاوجة ، إسلام ، إضافة ، إقواء ، اقتضاب ، استدراك([24]) .
الأساس الثاني : المداخل :
بنى فيشر مداخل معجمه بالتفريق بين الكلمات العربيّة والأعجميّة على النحو التالي :
مع الكلمات العربيّة :
جعل المدخل المادّةَ الأصليّة مجردة من الزوائد ، ووضع تحتها مشتقاتها ، شأنه شأن أغلب المعجميّين الذين يدركون قيمة وضع المشتقات تحت مادّة واحدة في العربيّة ، لكونها لغة اشتقاقيّة .
ومع وضوح هذا الأمر لكنّي أورد بعضاً من مداخله لكون بعضها حروفاً وبعضها كلمات :
بدأ معجمه بذكر بعض أنواع الألف في مداخل منفصلة على النحو التالي :
( ألف الاستفهام ) ثمّ ( حرف القسم ) ثمّ ( ألف النداء ) .
ثم ( إ ) ثمّ ( آ ) ثمّ ( آء ) ثمّ ( آح ) في مداخل مستقلّة .
وبعد أنْ ذكر عدداً من الكلمات الأعجميّة أورد ( أب ) وأحال إلى ( أبو ) ، ثم ذكر مدخلاً آخر هو ( أبب ) وذكر تحته ما اشتق منه في عنوانات مستقلّة مثل ( أبَّ ) و ( إيتبَّ ) و ( أبٌّ ) و ( أُباب ) و ( إبّانٌ ) .
مع الكلمات الأعجميّة :
جعل لكلّ كلمة أعجميّة مدخلاً خاصّاً ، يوردها على صورتها التي هي عليها ، دون أنْ يعيدها إلى أصل عربيّ ، إلاّ إذا تصرّف بها العرب ، قال في مقدّمته :" والكلمات الأعجميّة المعرّبة الزائدة على ثلاثة أحرف تتبع الكلمات العربيّة في ترتيب المعجم إنْ تصرّف فيها العرب بالاشتقاق ، مثل : إبريق ، دكان ، ديباج ، أسوار ، سراويل ، وهلمّ جرّاً ( تجدها في مادّة " برق " ، "دكن" ، " دبج " ، " سور " ، " سرول " وهلمّ جرّاً ) .
أمّا ما لم يتصرّف فيه العرب بالاشتقاق فتعتبر حروفه كلّها أصليّة ، مثل إبريسم ، إستبرق ، بنفسج ، سفرجل ، شطرنج ، وهلمّ جرّاً ، غير أنّي أوردت أيضاً " إبريق ، دكان ، ديباج ، أسوار ، سراويل " ، وهلمّ جرّاً على حدة ، مشيراً إلى مادّة " برق " ، " دكن " ، " دبج " ، " سور " ، " سرول " وهلمّ جرّاً ، لكي يتيسر العثور على جميع الكلمات الأعجميّة المعرّبة دون عناء "([25]).
ومن أمثلة الكلمات الأعجميّة :
أورد بعد ( آح ) :
( آذين ) وهي فارسيّة .
ثم ( آزاذمرد ، آزادمرد ) وهي فارسيّة .
ثم ( آسمانجونيّ ، أسمانجونيّ ) وهي فارسيّة .
ثم ( آهندال ) وهي فارسيّة ، وكلّ تلك الكلمات في مداخل مستقلّة .
الأساس الثالث : الترتيب :
يشمل الترتيب في المعجم ترتيبين :
ترتيب خارجي للمداخل ، وترتيب داخلي للمشتقات فيها ، ونبّه فيشر إلى الترتيبين على النحو الآتي :
ترتيب المداخل بمراعاة الحرف الأوّل والثاني والثالث ، وأشار إلى ترتيب اللسان والقاموس ونحوهما بأنّه ليس حسناً لسببين :
¨ لوقوع اللبس عندما يكون الحرف الأخير حرف علة .
¨ لكثرة وقوع الحرف الأخير غير أصلي مثل أخ وأب وابن واست وماء ، من : أخو و أبو و بنو و سته و موه ، ولصعوبة ترتيب الكلمات الأحاديّة والثنائيّة مثل حروف المعاني والضمائر .
ترتيب المشتقات : بدأ فيشر في ترتيبه المشتقّات بالفعل المجرّد ثمّ المزيد بحرف ثمّ بحرفين ثمّ بثلاثة أحرف ، وتكون أبنية الأفعال على الترتيب التالي :
فَعَل ، فَعِل ، فَعُل ، فَعّل ، فاعَل ، أفْعَلَ ، تَفَعّلَ ، تَفاعَل ، انْفَعَل ، افْتَعَل ، افْعَلّ ، استفعل ، افْعالّ ، افْعَوْعَل ، افْعَوّلَ ، افْعَنْلَلَ ، افْعَنْلى .
ثمّ الأسماء بعد الأفعال على ترتيب الأفعال : المجرّد ثمّ المزيد ، وهكذا ، وتكون أبنية الأسماء على الترتيب التالي : فَعْل ، فِعْل ، فُعْل ، فَعَل ، فَعِل ، فِعَل ، فِعِل ، فُعُل ، فُعَل ، فَعُل ، فاعِل ، فاعَل ، فَعال([26]) .
ونبّه في خطّة المعجم التاريخي الكبير([27]) إلى أنّ مضارع الثلاثي يذكر عند ذكر ماضيه بعلامات خاصّة تميّزه ، واختار طريقة صاحب ( أقرب الموارد ) على النحو التالي :
الباب الأوّل : باب نصر ينصر ، وعلامته ( ن ) .
الباب الثاني : باب ضرب يضرب ، وعلامته ( ض ) .
الباب الثالث : باب قطع يقطع ، وعلامته ( ع ) .
الباب الرابع : باب علم يعلم ، وعلامته ( ل ) .
الباب الخامس : باب كرم يكرم ، وعلامته ( ر ) .
الباب السادس : باب حسب يحسب ، وعلامته ( س ) وهو قليل .
وذكر ضرورة إيراد مصادر الثلاثي بعد أبنيته .
وتُذكر جميع الأسماء المفردة معها .
وفضّل ذكر الأبنية المقيسة المطّردة كاسم المرّة ، ومصادر ما فوق الثلاثي واسم التفضيل وأفعال التعجب وجمع السلامة بقسميه .
ومن اللغويّين المعاصرين من استحسن ترتيب فيشر للمشتقات عند حديثه عن ضرورة ترتيب المشتقات في المعجم العربيّ ، تجنّباً لما وقعت فيه المعاجم القديمة من عدم التنظيم ، وقد نسبه إلى الغربيين ، ونوّه بتجربة فيشر([28]) .
ومن الأمثلة على الترتيب الداخلي :
¨ مادّة ( أبب ) : بدأ بـ ( أبَّ ) ثمّ ( إيتبّ ) ثمّ الأسماء ( أَبّ ) ثمّ ( أُباب ) ثمّ ( أَبابة وإبابة ) ثمّ ( إبّان )([29]) .
¨ مادّة ( أبد ) : بدأ بذكر أصلها السامي ، ثمّ بدأ بالمشتقات : ( أَبَدَ ) ثمّ ( أَبِدَ ) ثمّ ( أَبّدَ ) ثمّ الخماسي : ( تَأبّدَ ) ثمّ الأسماء : ( إبْد ) ثمّ ( أَبَد ) ثمّ ( أَبِدٌ ) ثمّ ( إِبِدٌ ) ثمّ ( إِبِدَة ، أَبِدَة ) ثمّ ( أَبَدِيّ ) ثمّ ( أَبَدِيّة ) ثمّ ( آبِد ) ثمّ ( أبيد ) ثمّ ( أَبُود ) ثمّ ( أيبد ) ثمّ ( مؤبّد ) ثمّ ( متأبّد )([30]) .
ترتيب الكلمات المعرّبة :
لكون الكلمات المعرّبة غير أصيلة في العربيّة جعل فيشر لها ترتيباً خاصّاً يضبط موقعها دون حدوث اضطراب فيه ، بخلاف ما سار عليه أكثر المعجميّين .
لم يتحدّث عن الكلمات المعرّبة الثلاثيّة إذا وجدت ، ممّا يفهم أنّها تتبع الكلمات العربيّة ، أمّا الكلمات الزائدة على ثلاثة أحرف ففصّل فيها على النحو التالي :
¨ تتبّع الكلماتِ العربيّةَ في الترتيب إنْ تصرّف فيها العرب بالاشتقاق مثل : إبريق ، دكان ، ديباج ، أُسْوار ، سراويل … ( يذكرها في مادّة : برق ، دكن ، دبج ، سور ، سرول ) ثمّ يضعها في مداخل مستقلّة ويحيل إلى مواضعها ليتيسّر العثور عليها .
¨ تعدّ حروفها كلها أصليّة وتُرتّب على صورتها إذا لم يتصرّف فيها العرب بالاشتقاق مثل : إبْرِيْسَم ، إسْتَبْرَق ، بَنَفْسَج ، سَفَرْجَل ، شِطْرَنْج([31]) .
أمثلة على ترتيب المداخل :
المداخل العربيّة رتّبها على المادّة ، وذكر تحتها مشتقاتها ، أمّا الأعجميّة فرتبّها بحسب صورتها التي هي عليها - إذا لم يتصرّف بها العرب - كما في الموادّ التالية :
بدأ فيشر الكتاب بحرف الألف عامّة ، ثمّ ألف الاستفهام ، ثمّ حرف القسم ، ثمّ ألف النداء ، ثمّ ( إ ) ثمّ ( آ ) ثمّ ( آء ) ثمّ ( آحِ ) ثمّ ( آذين ) ثمّ ( آزاذمرد ، آزادمرد ) ثمّ ( آسمانجوني ، أسمانجوني ) ثمّ ( آهندال ) ثمّ ( آي ) ثمّ ( آئين ، آيين ) ثمّ ( أب ) ثمّ ( أبب ) .
ونلاحظ هنا أنّ فيشر رتّب الكلمات الأعجميّة على صورتها التي هي عليها ، لأنّ العرب لم يتصرّفوا فيها بالاشتقاق ، فأوردها بجميع حروفها في الترتيب .
الأساس الرابع : الشرح :
يأتي الشرح رابع أسس صناعة المعجم ، ولدى فيشر نستنبط هذا الأساس ممّا ذكره في خطة المعجم التاريخي الكبير ، ومقدمة معجمه عن طريقة دراسة الألفاظ ، مع ملاحظة الجانب التطبيقي في الجزء المطبوع من معجمه .
ففي خطة المعجم التاريخي الكبير ذكر عدّة قضايا تدخل في بالشرح أعرضها على النحو التالي :
- ضبط جميع كلمات المعجم بدقّة ، إمّا بذكر مثالٍ مشهور ، أو بالنصّ على حركات حروفها.
- الاستشهاد للكلمات والتراكيب والمعاني المختلفة ، ويذكر مع الشاهد المصدر الذي أُخذ منه ، مع ذكر المؤلّف أو الشاعر ، ورقم الصفحة والسطر أو القصيدة والبيت .
ويُكتفى مع الكلمات كثيرة الدوران بالمهمّ من الشواهد الدالّ على خواصّها وزمن استعمالها ، ودائرته ، مع ذكر علامة خاصّة تشير إلى كثرة ورودها .
أمّا الكلمات قليلة الوجود فتذكر كلّ المواضع التي وردت فيها .
- التفرقة بين شواهد النثر والشعر بوضع نجمة أو علامة أخرى مع الشعر.
- ترتيب الشواهد تاريخيّاً بحسب تواريخ مصادرها ، لمعرفة حياة الكلمات وتاريخها
- وضع علامة خاصّة بالمعرّب والدخيل ، مع ذكر أصله بدقّة .
- التعريف بالحيوان والنبات بدقّة ، لتمييز كلّ واحد منها عن غيره ، مع ذكر اسمه العلميّ.
- تفسير الاصطلاحات الحديثة بأسمائها العلميّة([32]) .
أمّا عن طريقته في دراسة الألفاظ فقد ذكر في مقدّمته وجوب أنْ تُعرض كلّ كلمة عند دراستها على وجهات النظر السبع : وهي التاريخيّة والاشتقاقيّة والتصريفيّة والتعبيريّة والنحويّة والبيانيّة والأسلوبيّة([33]) ، وسأستعرض ملامح تلك الوجهات في ثنايا الكتاب لمعرفة تطبيقه لها :
¨ الوجهة التاريخيّة : إنّ أهمّ ما في هذه القضيّة رصد تطوّر معاني الكلمة في جميع الأطوار التي مرت بها ، وذكر شواهدها مرتبة ترتيباً تاريخيّاً .
لكنّ ترتيب المعاني لا يكون في كلّ كلمة ذكرها بسبب عدم تعدّد المعاني لكلّ كلمة ، فمن الكلمات ما يكون لها معنى واحد ، ومنها ما يكون لها أكثر من معنى ، وليس بينها أيّ رابط معنوي ، وهو ما يعطينا دلالة على أنّهما معنيان مستقلاّن وليس أحدهما تطوّراً عن الآخر .
مثال :
ذكر معاني ( أَبَد ) وأوّلها : الدهر الطويل غير المحدّد ، وذكر أوّلاً تعريف الأبد عن الراغب في المفردات ، ثمّ ذكر الشواهد الشعريّة لهذا المعنى ، وهي على الترتيب :
بيت لطرفة ، بيت لزهير ، بيت لحسان ، بيت لجرير ، بيت من النقائض لخداش بن بشر ، بيت للطرمّاح ، بيت من الكامل لابن الأثير ونفح الطيب للمقري غير منسوب .
ثم ذكر مثلين من الميداني ، ثمّ عبارة من كتاب الأموال لأبي عبيد ، ثمّ عبارة من أساس البلاغة للزمخشري ، ثمّ عبارة من المغرب للمطرزي .
ونلاحظ أنّه حاول ترتيب الشواهد ترتيباً تاريخيّاً إلاّ ما جهل قائله أو لم يعرف تاريخه .
وبعد تلك الشواهد على المعنى الأوّل ذكر تركيبات أخرى لـ ( أبد ) – استشهد لها بشواهد مثل : للأبد ، لأبد ، لأبد أبدٍ ، لأبد الأبد ، لأبدٍ أبداً ، إلى الأبد ، ثمّ تحدّث عن ( أبداً ) ظرف زمان ومعناه : دائماً دون انقطاع ، وذكر أنّ العرب قالوا بدل أبداً : الأبد وعلى الأبد وفي أبد ، واستشهد لها بشواهد ، وذكر ورود ( أبداً ) في الكلام المنفي واستشهد لها .
وذكر عدّة تركيبات لتوكيد ( أبداً ، الأبد ) : أبد الآباد ، أبد الأبدين ، أبد الآبدين ، أبد الأبديّة ، أبد الأبيد ، أبد الأبد ، أبيد الأبيد ، أبد الدهر ، آخر الأبد ، واستشهد لها بشواهد .
ثم ذكر المعنى الثاني لـ ( أبد ) وهو : الدهر مطلقاً .
ثم المعنى الثالث وهو : ذو ، ذات أبد أي دائم ، دائمة .
ثم المعنى الرابع وهو : الولد الذي أتت عليه سنة .
وكما يظهر لنا فإنّ المعاني الأربعة ليس بينها رابط معنوي لكي يمكن ترتيبها ، وبذا فإنّ قضيّة الترتيب لا تتناول إلاّ عدداً قليلاً من المعاني .
مثال آخر :
ذكر المعنى الثاني لـ ( تأبّد ) وهو حقيقي : تأبّد وحشٌ أو ناسٌ : عاش في القفار ، ومجازي وهو : تأبد بمعنى تعزّب [ وتبتّل ] عن النساء . ص 36
ثم قال : وكان تطوّر هذا المعنى كالآتي : (1) تأبّد : توحش أي عاش في القفار ، (2) ترهب أي عاش كالراهب في القفار ، (3) تعزّب كالراهب .
¨ الوجهة الاشتقاقيّة : تتناول البحث عن أصل الكلمة ونسبها ، ويرتبط بها علم ضبط الهجاء ، أمّا الكلمات المعرّبة فترد إلى أصولها بقدر الإمكان ، وذكر أنّ مؤلّف المعجم لا بدّ أنْ يكون متمكّناً من اللغات الساميّة والفارسيّة والتركيّة واليونانيّة واللاتينيّة وغيرها .
أمّا ذكره مشتقات الكلمة فذكر أنّه لم يورد المشتقات القياسيّة الخاصّة بالتصاريف اللغويّة مثل : صيغ الأفعال ، وصيغ أسماء الفاعل والمفعول ومصادر الأفعال المزيد فيها إذا لم يكن لها معنى خاصّ ، فإنْ كان لها معنى خاصّ ذكرها مثل : حاكم ، شاهد ، عامل ، قاض ، كاتب ، وال ، مؤذن ، مسلم ، مؤمن ، مشرك ، مبتدأ ، مجتهد ، متحسب ، تأريخ ، تجنيس ، مزاوجة ، إسلام ، إضافة ، إقواء ، اقتضاب ، استدراك. ص 28
ومن الأمثلة على ذكره المشتقات :
- ( أبت ) : أبَت اليوم يأبِت ويأبُت أبتاً وأُبُوتاً ، وأبِت : اشتد حره وغمّه وسكنت ريحه . ص 27
- ( أبب ) : أبّ الشيء يئبّ ويؤبّ أبّاً وأبيباً وأَباباً وأَبابةً وإبابةً : تهيّأ وتجهز . ص 23
ونجد هنا أنّه لم يذكر مشتقات ( أبت ) و ( أبب ) القياسيّة كاسم الفاعل واسم المفعول ونحوهما ، لكنّ استقصاءه للمشتقات واضح حيث أورد مصادر الفعلين المتعدّدة .
- أبو جاد : بُدّلت قديماً صيغة أبجد بسبب اشتقاق خاطئ أبو جادٍ ، وتنصرف أبو جاد كما يلي : أبو جاد ، أبي جاد ، أبا جاد ، ووردت أيضاً با جادٍ للضرورة . ص 30
أمّا ذكر أصل الكلمة فمن أمثلته ذكره احتمال أنْ يكون أصل كلمة ( أبد ) سامياً لقرابتها بكلمات – ذكرها – من لغات ساميّة كالأثيوبيّة والأكديّة والعبريّة والآراميّة . ص 32
أمّا ضبط الكلمة بالشكل فهذا ظاهر لا يحتاج إلى تمثيل لظهوره في جزء المعجم المطبوع .
أمّا ردّ المعرّبات إلى أصولها فظاهر كذلك ، ومن أمثلته :
- ( آسمانجوني ، أسمانجوني ) : نسبة إلى آسمانجون معرّبة ، وهي في الفارسيّة آسمان كون ، وهي مركبة من آسمان " سماء " وكون " لون " ، ومعناها " سماوي اللون ، مُزْرَقّ " وهذا هو أيضاً معنى أسمانجوني . ص 21
- وكذا فعل بـ ( آهندال ) و ( آئين ) . ص 22
¨ الوجهة التصريفيّة : تتناول تحديد الصيغ التصريفيّة للكلمة ، أي تصريف الأفعال والأسماء ، ويكتفى بالاستشهاد على الحالات التي تحتمل الشكّ ، أمّا الصيغ النادرة فيحسن إيراد جميع شواهدها ، ونبّه إلى وجود صيغتين أو أكثر في تصريف الفعل أو الاسم ، وإلى عدم وجود بعض الصيغ التي كان يمكن استعمالها وفق القياس .
ومن الأمثلة :
أبَّ ( متعدياً ): حرّك ، مثلاً : أبَّ يده إلى سيفه :ردّها إليه ليستلّه . ص24
¨ الوجهة التعبيريّة : تتناول تحقيق معنى الكلمة أو معانيها ، فإذا كان للكلمة عدّة معانٍ تراعى قواعد معينة لترتيب تلك المعاني :
أ – يذكر دائماً المعنى الأوّل للكلمة التي لها معان مختلفة ، وهو ما يؤخذ من اشتقاق الكلمة.
ب - يجب في ترتيب المعاني تقدّم العامّ على الخاصّ ، والحسيّ على العقليّ ، والحقيقيّ على المجازيّ ، ويجب مراعاة علم المجاز ، ومراعاة استعمال الكلمة اصطلاحياً ، ويراعى الترادف بين الكلمات لأهميَّته في الموازنة بين الكلمات المتقاربة المعاني بحصر المعاني ومعرفة فحواها ، وإدراك أنّ الفارق بين تلك الكلمات يرجع إلى أسباب تاريخيّة أو جغرافيّة ، فقد تدلّ كلمة على معنى في زمان ومكان ، وتدلّ عليه كلمة أخرى في زمان ومكان آخر .
وتُورَد الكلمات التي تُناقض الكلمات المذكورة ، ويُعرّف بكلّ حيوان ونبات وجماد تعريفاً كاملاً ، وتذكر فصيلته واسمه العلميّ ، ومن الأمثلة :
- ذكر معنيين لـ ( أبو جاد ) : الأوّل بمعنى ( أبجد ) ويقصد به حروف المعجم ، وهو حقيقي ، والثاني مجازي بمعنى مبادئ التعليم المدرسي ، ويكون هنا قدّم الحقيقي على المجازي . ص 30-31
- ذكر المعنى الأوّل لـ ( أَبَد ) وهو : أَبَدت البهيمة تأبُد وتأبِد أُبوداً ، وكذا تأبّدت : توحّشت ونفرت . Lane ( أبد ) . ص 33
ثمّ ذكر معنى مجازيّاً وهو : أَبَد الشاعر يأبد أُبوداً Lane ( أبد ) ، وكذا أَبّد : أتى في شعره بأوابد ، وهي غرائب لا يعرف معناها على بادئ الرأي .
- ذكر معاني ( أَبَدٌ ) ، الأوّل : الدهر الطويل غير المحدود … ثمّ قال : وهو ضد ( أَزَل ) ، لأنّه يعبّر عن مدّة لا نهاية لها في حين أنّ ( أَزَل ) يدلّ على مدة لا بداية لها أي على قدم . ويكون هنا ذكر نقيض الكلمة . ص 37
¨ الوجهة النحويّة : تتناول جميع الصلات التي تربط كلمة بأخرى ، وتتناول ترتيب كلمات لها مواضع معينة في السياق ، مثل " فقط ، إنما ، أيضاً ، وغيرها " ، ومراعاة المضمر أو المحذوف ، ومعرفة هل استعمال الكلمة استعمالاً مطلقاً جائز ؟ ، هل الفعل متعدٍ أم لازم ؟ ، متى ظهر هذا التعبير أو ذاك للكلمة لأوّل مرّة أو آخرها ، وأين ؟ .
لم ألحظ اهتماماً واضحاً بمعالجة فيشر للكلمات في النموذج المطبوع سواء فيما يتعلق بالصلات بين الكلمات أو ترتيب بعض الكلمات في السياق ، وعن استعمال الكلمة هل هو جائز مطلقاً ؟ كما أنّني لم أجد اهتماماً ببيان المتعدي من اللازم ، وإنما يعرف المتعدي من تمثيله به متعدياً .
أمّا عن زمن ظهور التعبير بالكلمة لأوّل مرّة أو آخرها وأين ؟ فإنّ هذا الجانب لا أرى أنّ له علاقة بالناحية النحويّة إلاّ إنْ قصد تركيب الجملة لاعتماده على القواعد النحويّة .
أمّا عنايته بالمسائل النحويّة فهي واضحة في الجزء المطبوع ، وقد يكون ظهورها فيه لاشتماله على جزء من حرف الهمزة ، وهو موضع كثيرٍ من الأدوات المتكوّنة من إحدى صور الهمزة .
¨ الوجهة البيانيّة : تتناول علاقات الكلمة اللازمة لها دائماً ، كالتراكيب أو التعابير التي قضت روح اللغة بوضعها في موضع خاصّ لعامل من عوامل البلاغة ، ومن تلك العلاقات :
- صيغة الإتباع والمزاوجة نحو : ساغب لاغب ، حريب سليب ، وأرَبّ فلان وألَبّ .
- صيغة المشاكلة كقوله تعالى : " ومكروا ومكر الله " ، " تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك " ، كما تدين تدان ، جزاه شرّ جزائه ، ونحوها .
- صيغة التوكيد المشتقة من الاسم المؤكّد ، نحو : موتٌ مائت ، شعرٌ شاعر ، العرب العاربة ، جهدٌ جاهد ، صدقٌ صادق ، ونحوها .
- صيغة ازدواج عبارتين متضادتين للتعبير عن معنى واحد كقوله تعالى :" لله الأمر من قبل ومن بعد " ، " ما بين أيديهم وما خلفهم " ، البعيد والقريب ، الداني والقاصي ، ما له صامت ولا ناطق .
¨ الوجهة الأسلوبيّة : تحدّد المحيط اللغويّ الذي تستعمل فيه الكلمة أو التعبير أو التركيب استعمالاً عامّاً أو خاصّاً كلغة القرآن والحديث ، وأسلوب الشعر والنثر ، والأسلوب التاريخيّ ، وأسلوب الفنون ، أو خاصّاً كالأسلوب الشخصي لمؤلّف معين ، حيث يستعمل كلمة أو تركيباً معيناً غالباً ، أو يكون له أسلوب خاصّ به .
تدلّ نظرة فيشر هذه على استيعابه الكبير لوظيفة المعجم ، وتمكّنه من فهم كثير من خصائص العربيّة ، ذلك الفهم الذي مكنه من الحديث عن تلك الوجهات السبع حديث العارف بما يقول ، لكنّ ذلك الحديث لا يعدو أنْ يكون حديثاً نظريّاً لا قيمة له إنْ لم يَؤُلْ إلى التطبيق .
أمّا عن الوجهتين البيانيّة والأسلوبيّة فلم أجد في النموذج المطبوع عناية بهما ؛ ذلك لأنّ النموذج قصير يتناول جزءاً من حرف الهمزة ، وغير منتظر أنْ توجد جميع الوجهات في كلّ كلمة ، ولو أنّ فيشر تمكّن من إكمال جزء من معجمه لكان أغنى بالنماذج المطلوبة .
وممّا سبق تتبيّن ملامح نظرية فيشر المعجمية مستنبطةً من تقريره عن المعجم التاريخي الكبير للغة العربية الذي قدّمه إلى المجمع ، وما ذكره في مقدمة معجمه ، إضافة إلى مادة ( أخذ ) التي قدّمها نماذج على المعجمين ، ولعلّ الوقوف عند نماذج مادة ( أخذ ) يعطي صورةً عن التطبيق الفعلي لما ذكره .
نموذج مادّة ( أخذ ) :
هذا النموذج يدلّ على الجهد الذي بذله في ملاحقة النصوص التي تشتمل على المادّة اللغويّة ، وهي مادّة ( أخذ ) ، بل الثلث الأوّل منها – على ما ذكره في خطّته – حيث جمع نصوصها وشواهدها ، وكدّ ذهنه في الوصول إلى معانيها المتعدّدة ، لا اعتماداً على المعاجم اللغويّة القديمة ، وإنما استنباطاً من الشواهد التي جمعها ، ولذا أوصل معاني ( أخذ ) إلى اثنين وثلاثين معنىً ، جعل كلاًّ منها قائماً مستقلاً ، لأنّها معانٍ متعدّدة في رأيه.
تميّزت تلك المعاني بالثراء في شواهدها ، حيث جمعها من مصادر كثيرة جدّاً ، أمّا تعدّد تلك المعاني فلم يألفه العربيّ في المعاجم القديمة ، ففي أغلبها يجد فيها واحداً للمعنى الحقيقي ، وآخر للمجازي .
ويرجع تعديد فيشر هذه المعاني إلى نظرته – وهو الأعجمي – إلى الدلالات اللغويّة المجازيّة على أنّها معانٍ مستقلّة ، لعدم إدراك الصلة المعنويّة بين المجازي والحقيقي ، مع أنّ كثيراً منها يدخل تحت المعنى الأصلي ، لكنه اكتسب دلالة مجازيّة من سياقه لا تخرجه عن الدلالة الأصليّة .
وقبل بيان المعاني التي عدّدها فيشر وكان الصحيح جعلها تحت معنى واحد ، يحسن سرد المعاني التي ذكرها دون أنْ أذكر شواهدها لكي لا يطول السرد ، مع ذكر عدد شواهد كلّ معنى أمامه ، لمعرفة الجهد الذي بذله في جمع شواهده الكثيرة :
معاني ( أخذ ) مع عدد شواهدها :
( أ ) أخذ كذا بقوة أو بحيلة :
ويشتمل هذا الوجه على المعاني التالية :
1- أمسك شخصاً أو شيئاً ، قبض عليه ( باليد أو بالذراع أو بالأسنان ونحوها ) 12
2- حاز شيئاً . 2
3- ذهب بشيء ظلماً أو غصباً . 7
4- قبض على شيء في الحرب ، غنمه . 7
5- أسر شخصاً ، سباه . 9
6- صاد ، ( أسر حيواناً بريّاً ) . 2
7- تغلّب ( على بلد ، أرض ) ، فتح ( بلداً ، أرضاً ) . 2
8- غلب ، قهر ( ناساً ، جيشاً ، عدواً ) . 5
9- حبس ( مجرماً ) . 4
10- منع شخصاً ، كفّه . 1
11- حجز ( على مال ) . 1
12- طعن في شخص . 2
13- تمكّن من شخص أو حيوان فقتله . 5
14- أهلك واستأصل ( ناساً ) . 1
15- عاقب ، عذب . 5
16- غلب ، قهر بمعانٍ مجازيّة أي :
( 1 ) خلب ، أعجب . 1
( 2 ) أسكر ( الشراب ) . 1
( 3 ) نوّم وما أشبهه . 6
17- أصاب شخصاً ( أمراض ، آلام ، ضعف بدني ) . 12
18- عرا شخصاً ( حركات نفسانيّة ) . 7
19- أصاب ، اعترى ( ناساً بليّة ، عذاب ، لومة ) . 11
20- أصاب ( ناساً المطر وأمثاله ) . 6
21- سَحَر . 1
22- ظَفِرت شخصاً ، وقعت عليه ( العين ، الطرف ) . 3
23- جَهَرت شخصاً ( العين ) . 5
( ب ) أخذ كذا بغير قوة أو حيلة :
( أ ) المفعول به شيء ماديّ :
24- تناول شيئاً ( باليد سواء ذكرت اليد أو لم تذكر ) . 23
25- لبس ( ثوباً ، سلاحاً ، زينة ) . 12
26- شرب . 2
27- تناول شخصاً ، آواه ، أجاره . 5
28- تزوّج امرأة . 2
29- اشترى شيئاً ( بثمن كذا ) . 7
30- اقترض شيئاً . 2
( ب ) المفعول به شيء غير ماديّ :
31- نال ، حصل على ( صفة ، مزيّة ، رتبة ، منزلة ) . 4
32- حافظ ( على أمر وما شابهه ) . 1
يظهر من النظر في تلك المعاني مبالغة فيشر في التفريق بينها ، حتى كأنّه عدّد المعاني بحسب ما يقع عليه الأخذ ، مع أنّ المعنى واحد لكنه مختلف باختلاف المأخوذ ، ولو أخذنا بعض الأمثلة من معانيه لأيقَنّا أنّ عدم إدراكه رجوعَ كثيرٍ منها إلى معنى واحد هو بسبب جهله بالصلة المعنويّة بينها ، وهو ما جعله يفسّر اللفظ في كلّ سياق بالنظر إلى الدلالة المكتسبة من السياق لا إلى الدلالة المكتسبة من اللفظ نفسه ، ومن تلك الأمثلة :
- المعنى السادس الذي ذكره لـ ( أخذ ) : صاد ( أسر حيواناً بريّاً ) ، واستشهد عليه بنصٍّ هو :" ثعلب في جحر إنْ أقمت عليه أخذته " ، وبنصٍّ فيه :" وقد أخذوا ذئباً فأوثقوه " ، ولا يخفى أنّ المعنى لا يخرج عن المعنى الأصلي ، وليس خاصّاً بالصيد ، وإنما جاء الأخذ هنا في سياق ذكر الصيد .
- المعنى الثامن والعشرون : ( تزوّج امرأة ) واستشهد عليه بما في البخاري :" وأخذوا غيرها من النساء " ، وبما في سنن أبي داود :" لمّا أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم صفيّة أقام عندها ثلاثاً " ، وجليّ عن البيان عدم صحّة هذا التفسير ، فالأخذ هنا من المعنى الأساسي ، لكنه ورد هنا لحيازة الزوجة ، أمّا التزوّج فمكتسب من السياق والحال لا من اللفظ .
ولعل من أوضح ما ينتج عن جهل الأعجمي باللغة أنْ يضطرب في التفريق بين المعنى الحقيقي والمجازي للفظ ، وهو ما وقع فيه فيشر في نموذجه الذي قدّمه ، فمع أنّه نبّه إلى بعض المعاني المجازيّة ، إلاّ أنّه ترك معاني أخرى دون تنبيهٍ على مجازيّتها ، ظنّاً منه أنّها حقيقيّة ، ومن الأمثلة على النوعين ما يلي :
الأوّل : نبّه على المعاني المجازيّة التالية :
- أصاب ( ناساً المطر وأمثاله ) ، ومثّل عليه بما في البخاري :" أخذهم المطر " و " أخذتهم السماء " ونحوه … ثمّ قال : وهو من المجاز . ص 17
- غلب ، قهر بمعانٍ مجازيّة :
أ- خلب ، أعجب ، مثل : أخذ الثوب المزخرف القلوب مأخذه .
ب- أسكر ( الشراب ) مثل : أخذ الشراب برأسه .
ج- نوّم ، واستشهد بالآية " لا تأخذه سنة ولا نوم " ، ومثل : يأخذه النوم ونحوه . ص 15
الثاني : ذكر المعاني التالية ولم ينبّه على مجازيّتها :
- عرا شخصاً ( حركات نفسانيّة ) واستشهد عليه بمثل قوله تعالى :" ولا تأخذكم بهما رأفة " ، وفي البخاري :" فأخذتني غضبة فلطمته " ، وقول عائشة :" فأخذني ما قرب وما بعد " … وغيره . ص 16
- سحر ، ومثّل عليه بقولهم : أخذته الأُخْذة وفسّرها بالسحر.ص17
- ظَفِرت شخصاً ، وقعت عليه ( العين ، الطرف ) ، واستشهد بقول العرب : وما ظَفِرتك عيني منذ زمان أي ما رأتك … ونحو : فلم تأخذ عينه أحداً غيري . ص 17
وهو معنى مجازي لم ينبّه عليه .
واضطراب الفرق بين الحقيقي والمجازي لدى فيشر هو الذي أوقعه في هذا ، ودعاه إلى تتبّع شواهد الأخذ – على كثرتها – وتصنيفها بحسب المعاني التي تدلّ عليها هذه المادّة ، وإنْ كان ما رآه معنى جديداً هو في الحقيقة راجع إلى معنى أصليّ ، لوجود صلة بينهما لم يستطع إدراكها .
وهذا المأخذ لَحَظه عبد القادر المغربي حينما قدّم فيشر تقريره إلى المجمع ، قال عن ذلك :" والمؤلّف – وإنْ أشار إلى أنّ من المعاني ما هو حقيقي وما هو مجازي – لكنه أبهم التفرقة بين المعاني الحقيقيّة والمجازيّة إبهاماً يوقع القارئ في حيرة من تفهّم ما يقرأ … ثمّ قال : ومن تأمّل كلام المؤلّف وجده في تصنيفه لمعاني ( أخذ ) قد أقام الاختلاف في الفاعل أو المفعول أو المتعلّق سبباً لجعل الفعل الواحد فعلين ، واعتبار معناه معنيين "([34]) .
وفي بحث المغربي وقف أمام كلّ معنى من الاثنين والثلاثين ، وأبان عن المعنى الذي يدخل تحته ، واستطاع أنْ يردّها إلى ثلاثة أقسام تندرج تحتها :
± قسم لشواهد المعنى الحقيقي ، وهو إمساك الشيء والقبض عليه باليد ونحوها ، وأدخل تحته المعاني التالية بأرقامها عند فيشر ( 1 ، 9 ، 13 بعض أمثلته ، 24-28 ، 30 ، 32 )
± قسم لما جاء بمعنى الحيازة والاستيلاء والغلبة والقهر ، وهو معظم كلمات الأخذ الواردة في لغة فصحاء العرب ، وأدخل تحته المعاني التالية ( 2-8 ، 11 ، 13 بعض أمثلته ، 14-21 ، 31 ) .
± قسم يجمع ضروباً من المعاني تجوّزوا فيها عن معنى الاستيلاء والغلبة ، لكنه تجوّز في غاية الخفاء واللطافة ، وتدخل تحته بقيّة المعاني ( 10 ، 12 ، 22 ، 23 ، 29 ) .
إنْ أُخِذ على فيشر خلطه بين الحقيقي والمجازي ، فإننا ندرك عذره فيه ، حيث يكتب بلغةٍ لا تمتّ إلى لغته بصلة ، ولعلمه بصعوبة إدراك المعاني والتفرقة بينها سلك فيها مسلك المعجميّين في لغته ، حيث تُذكر المعاني مستقلّة عن بعضها ، لكنه نسي الفرق بين اللغتين ، حيث تأتي المعاني – غالباً – في العربيّة متصلة بالمعنى الأصلي للمادّة ، وإنْ ظهر للناظر أنّها معانٍ مستقلّة .
وما فعله المغربي من ردّ تلك المعاني إلى ثلاثة أقسام تندرج تحتها ، هو اجتهاد منه للإبانة عن رجوع كثير منها إلى معنى يجمعها ، لكنه اجتهاد قابل للخطأ ، فبعض ما جعله داخلاً تحت القسم الثاني هو من الثالث ، لأنّه مجاز ، مثل المعنيين ( 18 ، 21 ) ، وهو دليل على الصعوبة التي يقع فيها من أراد ردّ المعاني إلى أصولها ، ولا عجب في اختلاف اثنين في ردّ معنى واحد إلى أصله ، لأنّه يتصل بقدرة الناظر في ملاحظة الدلالات الدقيقة المتعلّقة به .
وممّا أنبّه إليه هنا وجوب عدم التكلّف في محاولة ردّ المعاني المتعدّدة إلى معنى واحد يجمعها ، وإنْ أغفل أكثر المعجميّين العرب التنبيه إلى الأصول التي تعود إليها المعاني ، فإنه أُخذ على ابن فارس تكلّفه ذلك في كتابه ( معجم مقاييس اللغة ) .
ولعلّ ناظراً لو نظر في معاني ( أخذ ) التي ذكرها فيشر لردّها إلى أكثر من ثلاثة أقسام ، ومثل ما أُخذ على فيشر مبالغته في تعديد المعاني أُخذ على المعجميّين العرب تقصيرهم في هذا الجانب ، وتركهم ملاحظتَه للقارئ .
أمّا ما طُبع من معجم فيشر التاريخيّ فبالموازنة بينه وبين ما ذكره في تقريره المقدّم إلى مجمع اللغة العربيّة – والذي سبقت دراسته – يظهر التقارب بينهما ، فكلاهما سَعَيا إلى معجم تاريخيّ للغة العربيّة ، وبالاطّلاع على مقدّمة معجمه يتّضح لنا ذلك .
قال في مقدّمة معجمه واصفاً المعجم الذي يرى أنّ العربيّة محتاجة إليه ، والذي كان معجمه تلبيةً لتلك الحاجة ، قال :" ومنتهى الكمال لمعجم عصري أَن يكون معجماً تاريخيّاً ، ويجب أنْ يحوي المعجم التاريخيّ كلّ كلمة تُدُوولت في اللغة ، فإنّ جميع الكلمات المتداوَلة في لغة ما لها حقوق متساوية فيها ، وفي أنْ تُعْرَض وتستوضح أَطوارها التاريخيّة في معجماتها ، ولكنّ المعجمات العربيّة بعيدةٌ كلَّ البعد عن وجهة النظر هذه ، إذ إنها لا تعالج الناحية التاريخيّة لمفردات اللغة ، بل تقتصر على إيضاح الاتّجاه النموذجي لها ، أعني أنّ مصنفيها إنما أَرادوا التفرقة الدقيقة بين الفصيح من العربيّة وغير الفصيح ، وذلك بوضع قانون للاستعمال الصحيح للكلمات ، ويدلّ هذا الاتّجاه - دون شكّ - على إحساس لغويّ دقيق عند اللغويّين ، ولكنه عاق القوة الحيويّة الدافعة في اللغة عن التقدّم والتوسّع " ([35]).
ويتّضح من قول فيشر السابق أنّه يرى المعجم المثالي هو المعجم التاريخيّ الذي يتتبع تطوّر دلالات الكلمة عبر العصور ، دون أنْ تكون الفصاحة شرطاً لها ، فهو يرى أنّ التفرقة بين الفصيح وغيره إعاقة للغة عن التقدّم ، إلاّ أنّه كان يدرك أنّ مراعاة فصاحة الكلمة له منافع في الحفاظ على اللغة .
أمّا ما دعا إليه في مقدّمة معجمه الخاصّ من عرض الألفاظ عند دراستها على وجهات النظر السبع : التاريخيّة والاشتقاقيّة والتصريفيّة والتعبيريّة والنحويّة والبيانيّة والأسلوبية ، فلم يدعُ إليه في تقريره الخاصّ بوضع المعجم الكبير لمجمع اللغة العربيّة .
دراسة الجزء المطبوع :
تأتي هذه الدراسة مكملة لدراسة المقدّمة ، فقد كانت تلك الدراسة للجانب النظريّ من المعجم ، وتجيء هذه للجانب التطبيقيّ منه ، مع أنّ الجزء المطبوع جاء في ثلاث وخمسين صفحة إلاّ أنّه كافٍ لإعطاء صورة مختصرة عن العمل .
وفي هذا القسم حاولت جمع ما رأيت صلاحه لأنْ يكون مثالاً على أحد الجوانب في الدراسة ، وجمعت تلك الأمثلة المفرقة في المعجم وضممت المترابط منها تحت موضوعات خاصّة تتعلّق بالمعجم العربيّ وقضاياه .
وأستعرض هنا أهمّ القضايا :
الإشارة إلى أصول الكلمات واللغات :
الغرض الأساس من المعجم التاريخيّ تتبّع التطوّرات الدلاليّة للكلمة في أقدم النصوص العربيّة المعروفة ، ثمّ في النصوص التي جاءت بعدها ، حتى آخر المرحلة الزمنيّة المحدّدة .
وبيان أصول الكلمة في لغات أخرى تنتسب إلى مجموعة لغويّة ، كاللغات الساميّة التي تنتسب إليها العربيّة لا شكّ أنّه مما يميّز المعجم التاريخيّ .
ولا شكّ في أنّ ذكر فيشر الأصول الساميّة لبعض الألفاظ مفيدٌ جدّاً في معرفة صلة العربيّة بأخواتها ، وممّا أعانه على معرفة تلك الأصول إجادته لعدد من اللغات الساميّة .
مع قصر النموذج المطبوع الذي ينتهي بـ ( أبد ) ، ومع أنّه لا يعطي الصورة الحقيقة التي كان سيعطيها العمل لو قُدّر له الفراغ منه ، إلاّ أنّه لا يخلو من إشارات قيمة تدلّ على المستوى اللغويّ الذي كان سيبلغه ، ومن تلك الإشارات ما يتعلق بأصول الألفاظ ، تظهر براعة اللغويّ بقدر إجادته اللغات الأجنبيّة ، ومن تلك الإشارات التي تدلّ على قدرة فيشر في هذا الجانب :
¨ إشارته إلى أنّ الأصل في النداء أنْ يلحق بالمنادى صوت a ( آ ) ، وهذا الصوت إلى جانب صوت o ( أو ) يوجد في كثير من اللغات الساميّة في النداء ، مثل : ياربّا ، يا غلاما ، يا أبتا ، يا بنت عمّا ، في العربيّة . ص 19
¨ إشارته إلى احتمال رجوع كلمة ( أبّ ) التي وقع الخلاف في معناها إلى ( إبّا ) من الآراميّة ، وهي ترجع إلى ( إنبو ) في اللغة الأكّديّة . ص 26
¨ بعد ذكره الخلاف في أصالة نون ( إبّان ) وزيادتها ذكر احتمال كونها – أي إبّان – أُخذت من الآراميّة كما أُخذت منها ( عِدّان ) بنفس الصيغة والمعنى . ص 27
¨ بعد أنْ ذكر الأبجديّة العربيّة ذكر أنّ الحروف ما عدا ستة منها ، وهي ( ثخذ ضظغ ) ، تقابل الحروف الهجائيّة للغتين العبريّة والآراميّة ، وتطابقها تماماً في الترتيب . ص 29
¨ قال عن ( أبد ) :" قد يكون أصل الكلمة ساميّاً عامّة ، ثمّ ذكر قرابتها من كلمات في بعض اللغات الساميّة . ص 32
الكلمات الأعجميّة :
كان لإجادة فيشر العديد من اللغات الساميّة دور في إعادة الكلمات الأعجميّة المعرّبة إلى أصولها ، وفي النماذج التالية ما يدلّ عليه :
¨ آذين : كلمة فارسيّة معناها في اللغة الفارسيّة " زينة ، زخرف " و " عادة ، رسم ، قانون " … ثمّ ذكر نصاً للطبري فيه الكلمة .
¨ آزاذَمَرْد ، آزادَمَرْد : كلمة فارسيّة معناها في اللغة الفارسيّة " أصيل ، حرّ " وذكر نصين من الطبري والجاحظ .
¨ آسمانجُونيّ ، أسمانجونيّ : نسبة إلى آسمانجون معرّبة ، وهي فارسيّة آسمان كون ، وهي مركبة من آسْمان " سماء " ، وكون " لون " ومعناها " سماوي اللون مُزْرقّ " … ثمّ استشهد بعدّة نصوص من عدّة كتب .
¨ آهندال : كلمة فارسيّة معرّبة مركبة من آهَنْ :" حديد " ، ودال :" شجرة " .
¨ آئين ، آيين : كلمة فارسيّة معرّبة ، وتأتي في الفارسيّة بمعنى " عادة ورسم وقانون " كما تأتي بمعنى " زينة " ، ثمّ ذكر معانيها في العربيّة وهي عديدة ، واستشهد بنصوص لكلّ منها([36]) .
ونستخلص من الأمثلة السابقة أنّه سلك طريقة واحدة في دراسة الكلمات الأعجميّة تنتظم النقاط التالية :
- ذكر أصلها في اللغة الأعجميّة ، نحو : فارسيّة ، أو نحوها .
- ذكر معناها في لغتها الأولى .
- ذكر معناها في العربيّة بعد تعريبها إذا اكتسبت معاني أخرى .
- نقل نصوصٍ تشتمل على الكلمة للاستشهاد بها مع ذكر مراجعها .
مصادره :
ذكر فيشر في الجزء المطبوع من معجمه قائمة بالمصادر التي أخذ منها شواهده وتعليقاته ، وسردها على الترتيب الألفبائيّ بذكر المختصر الذي يشير إلى المصدر في ثنايا المعجم ، ثمّ بذكر اسمه كاملاً ، وأحصيتها فبلغت ( 292 ) مصدراً ، ومع كثرتها إلاّ أنّها لا تعدّ شاملة لعصور العربيّة أو مواضعها أو ميادينها ، فقد ذكر أنّه سيقف عند نهاية القرن الثالث الهجري ، وهو تحديد لا يعني أنّه يرى عدم تدوين ما جاء بعد ذلك الزمن ، بل إنه نبّه إلى أنّ كلّ كلمة تُدُوولت في اللغة لها حقّ التدوين ، لكنّ تحديده القرن الثالث لغرض وضع حدٍّ زمنيٍّ لمعجمه لعدم تمكّنه من شموله جميع عصور العربيّة ، ويُلاحظ على قائمة مصادره أنّه اختارها في جُلّها من المصادر المجموعة التي حقّقها ونشرها المستشرقون دون غيرهم ، لكونها المنتشرة في زمنه ([37]).
ولكثرة مصادره فلا حاجة إلى سردها ويمكن الرجوع إلى ما ذكرته سابقاً منها ، سواء مصادره التي اعتمدها في معجمه ، أو المصادر التي ذكرها في خطّة المعجم التاريخيّ الكبير في الحديث عن أسس المعجم .
طريقته في إيراد المصادر :
سلك فيشر الطريق الأسهل في ذكره مصادره ، فكان يذكرها في وسط الكلام ، ولا يذكرها في الحاشية ، ومن الأمثلة عليه :
ذكر أحد عشر مصدراً في أحد المواضع ، مع رقم الصفحة والجزء إنْ كان ذا أجزاء ، دون ما كُرّر منها. ص 5
ذكر ثلاثة عشر مصدراً في أحد المواضع . ص 40 ، وأورد بعضاً منها لتُعرف طريقته :
" مسلم 1/ 72 / 18 مآي ( ك 1 ب 45 ) في نار جهنم خالداً مخلّداً ، فيها أبداً – المقامات 1/ 239 / شرح ت : وفي الحديث : احرث لدنياك كأنّك تعيش أبداً – الطبري ، تاريخ 1/1946/16 : وإنّ البقيّة أبداً في الشدّة ..." ص 40
أمّا عن طريقته في الرجوع إلى المصادر في المعجم فتظهر من النظر في شرحه الكلمات ، فبعد أن يذكر المعنى العربيّ للكلمة يُتبعه بشرح مختصر بالإنجليزيّة ثمّ بالفرنسيّة ، ويكون الشرح المختصر باللغتين قبل ذكر الشواهد ، ويرمز إلى الشواهد بحرف ( ش ) ، ثمّ يذكر الشواهد بمصادرها على إحدى الطرق التالية :
¨ يذكر المعنى ، ثمّ يذكر المصدر وينقل منه شرح المعنى ، مثل :
أ- ذكر من معاني ( أبَدَ ) :
الدهر الطويل غير المحدود ، الراغب ، المفردات في غريب القرآن " أبد " :" الأبد : عبارة عن مدّة من الزمان الممتدّ الذي لا يتجزّأ كما يتجزّأ الزمان ، وذلك أنّه يقال : زمان كذا ، ولا يقال : أبد كذا " . ص 37
ب- أيْبَد : نبات . المخصّص 11/63/3 – والأيبد : نبات مثل زرع الشعير سواءً ، وله سنبلة كسنبلة الدخنة ، فيها حبّ صغير أصغر من الخردل أُصيفر ، وهو مَسْمَنة للمال جدّاً ، - ل 4/36/9 : والأيبد : نبات مثل زرع الشعير سواءً الخ ... ثمّ نقل عن القاموس ثمّ التاج … ص 52
¨ يذكر المعنى ، ثمّ يذكر المصدر ، وينقل منه شواهد على المعنى ، مثل :
أ- أوابد الكلام : غرائبه .
ش . الأنباري في شرح المفضليات 179/5 ، 188/7 ، 287/12 ، 862/1 : ومنه قولهم : جاء فلان بآبدة ، أي بكلمة غريبة وحشيّة لا تُعرف ، الميداني 1/86/18 : منه قول الناس : أتى فلان في كلامه بآبدة ، أي بكلمة وحشيّة . ص 49
ب- ذكر أحد معاني ( تَأبّد ) : تأبّد وحش أو ناس : عاش في القفار .
ش . البحتري 210/13 : وحشٌ تأبّد في تلك الطلولِ
أمية 63/20 :
ربّ الأنام وربّ من يتأبّد [ أي ربّ الوحوش ]…الخ الشواهد. ص 36
¨ يذكر اللفظ ومعناه والمصدر دون أيّ نقل :
ويكون ذلك إذا لم يعثر على شواهد لمعنى أو تعبير أو كلمة وردت في المعاجم العربيّة فيكتفي بذكر المعجم([38])، ومن الأمثلة عليه :
أ- " الأبد : الولد الذي أتت عليه سنة ، القاموس " أبد " . ص 43
ب- " تأبّد الوجهُ : كَلِف ونَمش ، المجمل والقاموس والتاج " أبد ". ص 37 .
ج- " إبِل أُباثى : بروك شِباع ، القاموس " أبث " . ص 28
د- " مُؤْتَبِثَة : سقاء يُملأ لبناً ويُترك فينتفخ ، القاموس " أبث " . ص 29
المعنى الحقيقي والمجازي :
من أساليب ترتيب المادّة لدى فيشر أنْ تُقدّم المعاني الحقيقيّة على المجازيّة ، لكون الحقيقي هو الأصل ، ومن الأمثلة عليه ما يلي :
¨ في مادّة ( أَبَدَ ) ذكر له ثلاثة معانٍ :
(1- أ) أبَدت البهيمة تأبُدُ وتأبِدُ أبوداً – وكذا تأبّدت : توحّشت ونفرت …
(1- ب) من المجاز : أبَدَ الشاعر يأبِد أبوداً ، وكذا أبّدَ : أتى في شعره بأوابد ، وهي غرائب لا يُعرف معناها على بادئ الرأي …
(2) أبد بالمكان … : أقام به ولم يبرحه . ص 33
يظهر هنا تقديمه المعنى الحقيقي على المجازي ، ثمّ مجيء المجازي بعد المعنى الأوّل الذي أخذ منه ، وجاء بعده المعنى الحقيقي الثاني .
¨ ذكر من معاني ( تَأبّدَ ) :
( 2- أ ) تأبّد وحشٌ أو ناسٌ : عاش في القفار …
( 2- ب ) ومن المجاز : تأبّد بمعنى تعزّب وتبتّل عن النساء . ص 36
¨ ذكر معنيي ( أبو جاد ) :
( 1 ) ذكر أنّها صيغة أخرى لـ ( أبجد ) مع التصرّف فيها عند العرب …
( 2 ) ذكر المعنى المجازي ، وهو مجيئها بمعنى مبادئ التعليم المدرسي … ص30-32
¨ ذكر معاني ( مُؤبَّد ) وهي أربعة :
ذكر المعنيين الحقيقيين وهما :
( 1 ) مؤبّد : مُخَلّد …
( 2 ) ناقة مُؤبّدة : وحشيّة معتاصة …
ومعنيين مجازيين هما :
( 3 ) مؤبّد : للشِعْر الغريب …
( 4 ) مؤبّد : للشِعْر الأغرّ … ص 53
تنوّع مادّة المعجم :
اشتملت المادّة – ممّا اشتملت عليه – على عدد من أنواع المسائل :
¨ المسائل اللغويّة ، ومنها :
- ترتيب حرف الألف في الحروف الهجائيّة ، والإشارة إلى ترتيبات أخرى للحروف ، ووجوده في اللغات الكنعانيّة الآراميّة والعبريّة والسريانيّة واليونانيّة واللغات التي أخذت أبجديّتها عن اليونانيّة ، وكذا أشار إلى اسمه في تلك اللغات للتدليل على تقارب هذه الأسماء . ص 1
- تحت ( أبجد ) تحدّث بتوسّع عن ترتيب الحروف الهجائيّة على الترتيب الأبجدي عند المشارقة والمغاربة ، وتطابُق أكثر الحروف العربيّة في الترتيب مع حروف اللغتين العبريّة والآراميّة ، وحديثه عن أصل الخط العربيّ ، والترتيب الألفبائيّ المعروف بناءً على تقارب الحروف في الرسم ، واختلاف ترتيب المشارقة عن ترتيب المغاربة بعض الاختلاف ، وكذا ترتيب الحروف على مخارجها ، وهو ترتيب معجم العين . ص 29-30
- ذكر نوعي الألف : المتحركة والساكنة اللينة ، ومخرجيهما وآراء العلماء العرب فيهما ، والعلاقة بينهما ، والعديد من القضايا المتصلة بهما . ص 2-3
¨ المسائل النحويّة ، ومنها :
- تحدّث عن ألف الاستفهام ووجودها في الحروف الساميّة القديمة .
وذكر موقعها في الجملة ، وما يأتي بعدها من حروف العطف ، وما يحذف معها ، كألف الوصل ، وما يذكر معها كألف حرف التعريف ونحوها ، سواءٌ ببقائها أو تليينها ، وتليين همزة القطع بعدها ، مع حشد من الشواهد القرآنيّة وغيرها . ص5-6
- فصّل الحديث عن أنواع الاستفهام بالألف ، وأكثر من الشواهد كثرة جليّة ، مع تفصيله فيما يتعلق بالاستفهام من قضايا ، وذكر مصادر عديدة . ص 7-14
- أورد مجيء الهمزة حرف قسم واستشهد عليه بشواهد كثيرة . ص 15
- أورد مجيء الهمزة حرف نداء ، وأنواع النداء بالهمزة وغيرها ، وفصل الحديث عنها ، واستشهد بنصوص كثيرة عن قضايا في النداء لا يستدعيها المقام . ص 16-20
شواهده :
الاستشهاد ركن من أركان معجم فيشر ؛ ذلك لأنّه قائم على أخذ اللغة من المصادر الأولى للنصوص ، وكان – في أغلب حالاته – يميل إلى جمع كثير من الشواهد للكلمة ، بل إنه يلجأ إلى استقصاء جميع شواهد الكلمة – كما ذكر ذلك – عندما يكون الحديث عن صيغٍ نادرة .
ومن الأمثلة على إكثاره من الشواهد ما يلي :
¨ أورد مجيء الهمزة حرف قسم كالواو ، ثمّ استشهد لها بما يلي :
آية واحدة ، وثلاثة عشر قولاً متنوّعة من أقوال مفسّرين ومؤرّخين ولغويّين ونحوهم .
وستة عشر مصدراً لتوثيق ما نقل . ص 15-16
¨ أورد ( إبّان ) وفسّرها بالوقت والحين، وأورد شواهدها وهي كما يلي :
أورد حديثين ، وأربعة أبيات ، وأربعة أقوال مختلفة .
وتسعة مصادر لتوثيق ما نقل . ص 27
¨ أورد مجيء ( أبداً ) في الكلام الموجب ، واستشهد لها بما يلي :
ثلاث آيات ، وحديثين ، وسبعة أبيات ، وأربعة أقوال مختلفة .
وثلاثة عشر مصدراً لتوثيق ما نقل . ص 39-40
أمّا عن طريقته في الاستشهاد فبذكر الكلمة وشرحها ، أو القاعدة أوّلاً ثمّ الشاهد ثانياً ، ويبتدئ استشهاده بحرف ( ش ) للدلالة على الشاهد أو الشواهد .
وشواهده هي الشواهد التي استعملها اللغويّون في كتبهم ، وفيما يلي أنواعها وأمثلة عليها :
القرآن الكريم :
استشهد بآيات من القرآن في مواضع كثيرة ، وطريقته - غالباً - بالرمز إلى القرآن بحرف ( ق ) ، وبعده رقمان : الأوّل للسورة ، والثاني للآية :
¨ قال : وأمّا التركيب ( أثُمّ ) فقد ورد مرّة فقط في القرآن :" أثمّ إذا [ ما ] وقع آمنتم " (10/51) ص 5
¨ استشهد على إتيان التوبيخ في الجمل المنفيّة ، ق 12/59 :" ألا ترون أنّي أوفي الكيل " ، 36/62 :" أفلم تكونوا تعقلون " . ص 9
¨ استشهد على حذف حرف النداء في المضاف : ق 2/260 :" رب أرني " ، 5/114 :" ربنا أنزل علينا مائدة " ، 12/101 :" فاطر السموات والأرض " . ص 20
الحديث :
أولى الحديث أهميَّة كبيرة من بين شواهده ، وطريقته أنْ يذكر كتاب الحديث أوّلاً ، والأرقام التي تدلّ على موقعه من الكتاب ، ثمّ يستشهد بالجزء الذي فيه الشاهد اختصاراً ، ومن الأمثلة عليه :
¨ استشهد على جواب الاستفهام الحقيقي بالهمزة بنعم أو لا أو بل أو غيرها بحديث البخاري :" أفلا نَتّكل يا رسول الله ؟ قال : لا اعملوا…" وذكر بعده عدّة أحاديث . ص 7
¨ استشهد على حذف همزة الاستفهام بحديث البخاري :" … تعلم من تخاطب مذ ثلاث ليالٍ يا أبا هريرة ؟ قال : لا … " . ص 13
¨ استشهد على ( آبدة ) مفرد ( أوابد ) للوحوش بجزء من حديث أم زرع :" فأراح عليّ من كلّ سائمةٍ زوجين ، ومن كلّ آبدةٍ اثنتين " . ص 46
الشعر :
جاء حظ الشعر وافراً من بين الشواهد ، فأورد أبياتاً كثيرة في المطبوع وهو صغير ، وطريقته أنْ يذكر اسم الشاعر ورقمين ، الأوّل لرقم القصيدة في الديوان ، والثاني لرقم البيت ، مثل قوله عند الشاهد الأوّل : ذو الرمة ، رقم 1/3 .
ومن الأمثلة عليه ما يلي :
¨ استشهد على حذف ألف الوصل بعد الهمزة بقول ذي الرمة :
أَستحدثَ الركبُ عن أشياعهم خبرا ؟ ص 5
¨ استشهد على المنادى المنصوب بقول عبد يغوث : ص 17
فيا راكباً إمّا عرضت فبلّغنْ
¨ استشهد على مجيء ( تأبّد ) بمعنى : تعزّب أي لا يقرب النساء بقول الأعشى :
ولا تقربنّ جارةً إنّ سرّها * عليك حرامٌ فانْكِحَنْ أو تأبّدا ص 36
النثر :
استشهد بنصوص نثريّة من شتى الكتب ، ككتب التاريخ والأدب وغيرها ، ولا شكّ أنّ نصيب هذا النوع من الشواهد أقلّ لكونه ليس من الأنواع الشائعة كالقرآن والحديث والشعر والأمثال وغيرها ، وفي هذا النوع يتبين تميّز منهج فيشر وأمثاله ممن يريد الرجوع إلى النصوص التي دونت في أيّ عصر من عصور اللغة ، ذلك لأنّ اللغويّين القدماء اقتصروا على الاستشهاد بنصوص عصور الاحتجاج ، وهو ما لم يُتحْ لهم الاستشهاد بكتب التاريخ والرحلات ونحوها من الكتب التي رجع إليها فيشر ، لأنّها دونت بعد عصر الاستشهاد ، أمّا فيشر فاتّسعت دائرة نصوص الاستشهاد لديه بحيث إنه ساوى بين الشعر والنثر في الأهميَّة .
من الأمثلة على شواهد النثر ما يلي :
¨ استشهد على الاستفهام التوبيخي بنصّ من الأغاني وهو :"…أزناً وزَنْجيّة ؟ لا والله لا أفعل". ص 8
¨ استشهد على ( آذين ) الفارسيّة بنصّ من تاريخ الطبري وهو :" … هيئوا الهرمزان في هيئته ، ووضعوا على رأسه تاجاً يدعى الآذين مكللاً بالياقوت " . ص 21
¨ استشهد بنصّ من كتاب الصولي ( أدب الكتّاب ) على ( أبو جاد ) وهو :" وقد أعرب الناس أبا جاد وسعفصاً ، فقال معاذ الهراء – يخاطب رجلاً عاب النحو والعربيّة -…" . ص 32
الأمثال والأقوال :
اعتنى فيشر بهذا النوع من الشواهد فورد في المطبوع – على صغره – عدد من الأمثال والأقوال ، منها:
¨ استشهد من المفصّل وابن يعيش بالمثل :" لا عبابٍ ولا أبابٍ " . ص 24
¨ استشهد بالمثلين من مجمع الأمثال للميداني :" طال الأبد على لُبَد " ، " خير ليلة بالأبد بين الزُبانى والأسد " . ص 38
¨ استشهد من لسان العرب بالقول :" جاء فلان بآبدةٍ " أي بداهية يبقى ذكرها على الأبد .ص 40
¨ من مجمع الأمثال ورد المثل :"إنْ لم تغضّ على القذى لم ترض أبدا " . ص 41
¨ نقل من لسان العرب :" ومن الأبديّات قولهم : لا آتيك ما بلّ بحرٌ صوفةً ، وحكى اللحياني : ما بلّ البحر صوفةً " . ص 44
¨ استشهد من مجمع الأمثال بالمثل :" بمثلي تطرد الأوابد " . ص 46
اتّضح ممّا سبق عناية فيشر بالاستشهاد لأنّ نظريّته في المعجم قائمةٌ على الأخذ من المصادر الأصيلة ، أي الكتب التي حوتْ النصوص لا من المعاجم ، ومع صغر القسم المطبوع فهو يدلّ دلالة واضحة على اعتماد عمل فيش على الاستشهاد .
ب وترجيحاته :
تميّز فيشر بالقدرة العلميّة على البحث وترجيح الآراء التي فيها خلاف ، ووصوله إلى هذا القدر دليل على استيعابه وفهمه العربيّة – في جانبها المقروء – كأحد أبنائها ، ومن الأمثلة عليه :
¨ ذكر أنّ همزة النداء لم ترد في القرآن ، ثمّ قال :" وقد يتعذر علينا أنْ نوافق الفراء الذي ذهب في تفسير الآية 39/9 :" أمّن هو قانتٌ آناءَ الليلِ " - التي قرأ بعض القراء فيها : أَمَنْ بدلاً من أَمَّنْ – إلى أنّ همزة أَمَنْ حرف نداء " ، وكأنّه هنا يرجّح بقاء الهمزة في الآية همزة استفهام في القراءتين . ص 16
¨ تفسيره ما في الطبري وهو :" ووضعوا على رأسه تاجاً يدعى الآذين مكللاً بالياقوت " ثمّ قال :" ومعناها هنا على الأرجح " زينة " . ص 21
¨ ترجيحه رواية ( لآبك ) على ( لأبَّك ) بقوله بعد ذكر الروايتين وأصحابهما :"وأفضل هذه الرواية" ص 24
¨ قال بعد أنْ ذكر ( الأبّ ) في مواضع :" ومن الأرجح أنّ ( أبٌّ ) في كلّ هذه المواضع ترجع إلى ( أبّ ) التي وردت في ق [ أي القرآن ] ، ولعلها أخذت كما أخذت كلمة ٭ אּב ( إيب’ēb ) ، אּבּוֹ ( إبّو ’ibbō ) العبريّة المتأخرة ، من اللغة الأَراميّة ، يعني من كلمة אּבּא ( إبّا ’ibbā ) ( إبّا’ebbā ) אּנבּא ( إنبا’inbā ) ومعناها ثمر وفاكهة ، وهذه الصيغ ترجع حسب الظاهر إلى (enbu , inbu إنبو ) بنفس المعنى في اللغة الأكّديّة"([39]) . ص 26
¨ بعد ذكره الخلاف في زيادة نون إبّان وأصالتها قال :" يحتمل أنّ كلمة ( إبّان ) أخذت من الآراميّة كما أخذت منها ( عِدّان ) بنفس الصيغة والمعنى " . ص 27
¨ تحدّث عن الأبجديّة العربيّة ومال إلى أنّ العرب أخذوا الخطّ عن الساميين الشماليين وخاصّة الأنباط ، وذكر أنّ الحروف العربيّة تقابل حروف اللغتين العبريّة والآراميّة عدا ستة حروف هي ( ثخذ ، ضظغ ) " . ص 29-30
¨ توقعه أنْ يكون أصل ( أبد ) سامياً ، وذكر قرابتها بعدد من الكلمات في بعض اللغات الساميّة . ص 32
¨ نقل عن المعاجم اسمين لنبات ( أَبِيْد ) و ( أَيْبَد ) ، فمنهم من ذكر الأوّل ، ومنهم من ذكر الثاني ، ونقل عن بعضهم أنّ ( أيْبَد ) تصحيف ، لكنّ فيشر أكّد أنّ الصيغة الصحيحة هي ( أيْبَد ) ، واستدلّ بأقوال بعض الرحّالة والباحثين الغربيين ، حيث ذكره فورسكال Forskal بهذه الصيغة ، كذا فلبي Philby ، ونقل عن المستشرق السويسري هس Hess أنّه نقله عن عُتَيْبِيّ بهذه الصيغة . ص 52
وفي النماذج السابقة ما يعطي دليلاً على قدرة فيشر على الترجيح .
دراسة نموذج كامل :
من تمام الدراسة اختيار نموذج لإعطاء تصوّر واضح عن عمل فيشر ، بعد دراسة أمثلة متفرقة في نماذج متعددة .
اخترت حرف الألف لدراسة ما ورد فيه ، لكونه يعطي صورة مختصرة تشتمل على جزء بصورته التي بناها عليه المؤلّف .
عرضٌ مختصرٌ لحرف الألف([40]) :
آثرت دراسة أوّل الكتاب وهو شرحه حرف ( الألف ) لتفصيله الحديث فيه ، ولاشتماله على كثير من ملامح منهجه ، وسأعرض عرضاً مختصراً لما ورد في الكتاب ، مع التعليق عند الحاجة :
أوّلاً : ذكر ترتيب الألف بين الحروف العربيّة في المشرق والمغرب ، وهو الترتيب الأوّل .
ثانياً : موقع الألف – وهو الأوّل - في الحروف الهجائيّة للغات الكنعانيّة الآراميّة ، كما تدلّ عليه اللغة العبريّة والسريانيّة ، وكذلك اليونانيّة المرتبطة بالكنعانيّة ، وكلّ اللغات التي أخذت أبجديتها عن اليونانيّة .
ثالثاً : تسميته بـ ( الألف ) ترجع إلى تسميته في اللغات الآراميّة والعبريّة والسريانيّة والأثيوبيّة واليونانيّة ، فهي أسماء متقاربة في النطق ، ذكرها بنطقها .
رابعاً : أطال كثيراً في ذكر تفصيلات عن حرف الألف ، تفصيلات تدخل في علم النحو وعلم الأصوات ، ويذهب كثير من اللغويّين إلى أنّ مثل هذه القضايا لا مكان لها في معجم لغويّ يُعْنى بشرح الكلمة باختصار بحسب غرض المعجم ، ولكنْ عند الرجوع إلى هدف فيشر من معجمه وهو أنْ يكون تاريخيّاً ، فإننا نجد العذر له في كونه أراد لمعجمه أنْ يكون شاملاً ما يتعلق بالكلمة من جميع النواحي السبع التي ذكرها ( التاريخيّة والاشتقاقيّة والتصريفيّة والتعبيريّة والنحويّة والبيانيّة والأسلوبيّة ) ، ومن التفصيلات التي أوردها ما يلي :
أ- نوعا الألف :
الأوّل : المتحركة – التي تكتب مع همزة – ومخرجها من لسان المزمار ، أي من الحلق ، وذكر أنّ هذا رأي فقهاء اللغة العرب .
الثاني : الساكنة اللينة – التي تكتب ألفاً ممدودة أو مقصورة – عرفها بأنّها علامة مد لحركة الفتح ، وذكر أنّها من حروف المد وحروف اللين والعلة ، وذكر أنّها مجهورة ومن حروف الزيادة .
ذهب إلى أنّ المتحركة أقدم من الساكنة التي كتبت فيما بعد ، وعلاقتها بها كعلاقة الواو والياء المتحركتين .
ذكر أنّ المبرد أخطأ في عدم ذكره الألف من حروف المعجم حيث أسقطها لعدم ثباتها على صورة واحدة .
ذكر نوعي الألف وهما : ألف القطع وألف الوصل .
ب- خصّ ألف الاستفهام بحديث ذكر فيه ما يلي :
1- حرف من الحروف الساميّة القديمة ، وذكر مقابله في العبريّة ، وأشار إلى وجوده في كلّ اللهجات الآراميّة اليهوديّة .
2- موقعها في أوّل الجملة الاسميّة ، ومجيئها قبل حروف العطف ( و ، ف ، ثمّ ) ، وذكر شواهد من القرآن الكريم والشعر والنثر .
3- حذف ألف الوصل بعد همزة الاستفهام ، وذكر شواهد من القرآن والشعر والنثر.
4- تليين همزتي الوصل والقطع بعد همزة الاستفهام ، وذكر شواهدهما.
5- نوعا الاستفهام اللذان تعبّر عنهما ألف الاستفهام :
أ- استفهام حقيقي ، وذكر شواهده .
ب- استفهام بياني – وهو ليس استفهاماً حقيقياً ، وإنما إخبار – وذكر حالاته :
- للتوبيخ والتقريع ، ويكون للجملة معنى موجب ، على أنّ لها معنى مقدّراً يُراد به عكس منطوقها .
- توبيخي للإنكار ، وتكون الجملة للتقرير ، أي ليس بها نفي .
- للتهكم والاستهزاء .
- للتعجيب والتشويق إلى استماع ما بعده .
- للأمر أو العرض أو التحضيض .
- التوبيخ والإنكار الاستفهاميان في صيغة المضارع المرفوع المنفي .
وذكر الزيادات الصوتيّة التي تلحق آخر الاستفهام الإنكاري مثل : أزيدُنيه ، أعُمَروه ، وقد فصل الحديث فيه وذكر شواهد عديدة .
خامساً : حذف حرف الاستفهام مع بقاء الاستفهام ونغمته ، مع ذكر شواهده .
ذكر الفرق بين الاستفهام غير المعمول فيه والاستفهام المعمول فيه في أهمّ اللغات الغربيّة ، أمّا العربيّة فلا وجود للاستفهام المعمول فيه حيث إنّ ألف الاستفهام تمنع أنْ يعمل ما قبلها فيما بعدها .
سادساً : ذكر نوعين آخرين للهمزة وشرحهما بالتفصيل ، وهما :
أ- حرف القسم ( أ ) .
ب- حرف النداء ( أ ) .
وفصّل القول فيهما واستشهد لهما .
إنّ هذا النموذج يعطي صورة تقريبيّة عن معجم فيشر الذي كان يسعى إلى إنجازه ، وهو وإنْ لم يكن مماثلاً في المادّة لبقيّة المعجم ، إلاّ أنّه يقدّم خير مثال على المعجم المراد ، مع عدم خلوّه من مآخذ ، ككثرة القضايا النحويّة فيه مثل كثرة أنواع الهمزة ، وتفصيل فيشر الحديث عنها ، ولو قُدّر لأجزاء أخرى الظهور لأعطت صورة أكثر وضوحاً .
لأهميَّة هذا المعجم آثرت إجراء موازنة بينه وبين المعجم الكبير الذي يصدره مجمع اللغة العربيّة بالقاهرة ، فلاحتمال تأثّره بمعجم فيشر ؛ لكون فيشر وضع خطّةً للمعجم التاريخيّ الكبير وقدّمها إلى المجمع ، لاحتمال تأثّره به تأتي أهميَّة الموازنة بينهما لإبراز جوانب الشبه إنْ وُجدت .
موازنة بين معجم فيشر والمعجم الكبير :
من المعلوم أنّ فيشر وضع خطّةً للمعجم الكبير ، قدّمها إلى مجمع اللغة العربيّة مع نموذجٍ من معاني مادّة ( أخذ ) ، ومضى زمنٌ طويلٌ بعد موت فيشر عام 1949م وانقطاع العمل في معجمه ، ثمّ ظهر الجزء الأوّل من المعجم الكبير عام 1970م ، أي بعد موت فيشر بإحدى وعشرين سنة .
وكان فيشر أهدى جزازات معجمه إلى المجمع للاستفادة منها في صنع المعجم الكبير والمعاجم الأخرى .
ويحقّ لنا التساؤل عن الشبه بين المعجمين ، وما أثرُ فيشر في المعجم الكبير ؟ .
أسئلةٌ عديدةٌ تبرز عند ذكر المعجمين ، ولكي تتّضح لنا الصورة المطلوبة سأوازن بين بداية كلٍّ منهما لمعرفة وجوه الاتفاق والاختلاف بينهما .
وممّا يجدر التنبيه إليه هنا أنّ المعجم الكبير لم يُرِد به المجمعُ أن يكون المعجمَ التاريخيّ الذي كان المجمع يسعى إلى صنعه ، وإنما جعلوه تلبيةً للحاجة الملحّة إليه ، مع عدم تمكّنهم من إخراج معجم فيشر لنقصه ، وعدم تمكّنهم من إخراج المعجم التاريخيّ المنتظر لأنّه يحتاج إلى أعمال تمهيديّة لم يُبدأ بها بعد([41]) ، والموازنة بين المعجمين مفيدة في معرفة وجوه الشبه بينهما .
المعجم الكبير([42]) :
فيما سبق من الأوراق عرض مختصر عن حرف الهمزة في معجم فيشر ، ولكي تتّضح وجوه التشابه والاختلاف بين المعجمين أعرض بداية المعجم الكبير عن حرف الهمزة لنلاحظ العلاقة بينهما :
بدأ واضعو المعجم بحرف الهمزة وذكروا أنّ المبرّد لا يعدّها في الحروف لعدم التزام صورةٍ لها ، حيث تكتب ألفاً وواواً وياءً ، بحسب موقعها ، ورجّحوا أنّها من حروف الهجاء لثبوتها في النطق ، أمّا تغيّر صورتها فبسبب تخفيفها .
وذكروا عدّة مسائل عن الهمزة أهمّها :
± وقوعها في أوّل الكلمة ووسطها وآخرها .
± القدماء عدّوها مجهورة تخرج من أقصى الحلق ، وعدّها بعض المحدثين مهموسة شديدة تخرج من الحنجرة .
± ذكروا قسميها للوصل والقطع ، مع الفرق بينهما .
± ذكروا أقسامها : الأصليّة والزائدة والمبدلة من ألف زائدة ، وذكروا إبدال الهمزة هاءً عند بعض العرب .
± مجيئها لنداء القريب ، والاستفهام ، وتأتي للاستفهام مع كونها عوضاً من حرف القسم مثل : آللهِ أكرمت أخي ؟ .
± الهمزة الممدودة تأتي لنداء البعيد أو القريب على قولين .
حينما نوازن بين ما كتبه فيشر في بداية معجمه ، وما جاء هنا في المعجم الكبير نجد الفرق كبيراً ، ففيشر أطال كثيراً في حرف الألف وأقسامه – سبق ذكر ذلك في العرض السابق قبل هذه الموازنة – أمّا الكبير ففيه اختصار واقتصار على مسائل أساسيّة .
المداخل في المعجمين :
بلغت مداخل فيشر للمبدوء بهمزةٍ ممدودة اثني عشر مدخلاً ، كما يلي :
ستةٌ لعدد من الأدوات والأصوات ، هي : ( آ ) حرف الاستفهام ، ( آ ) حرف النداء ، ( آءٌ ) وأحال فيها إلى مادة ليست في المطبوع ، ومثلها المداخل التالية دون تفسيرها ، ( آحِ ) ، ( آهْ ، آهِ ، آهٍ ، آهاً ) في مدخل واحد ، ثمّ ( آيْ ) .
وستةٌ لكلمات أعجميّة معرّبة ، لكنّها وردت عند العرب القدماء ، وأورد عليها نصوصاً من كتب عربيّة متقدّمة ، منها اثنان لنباتين ، وأربعة لمعانٍ عامّة .
وبلغت مداخل المعجم الكبير لما بُدئ بهمزة ممدودة ثلاثةً وستين مدخلاً على النحو التالي :
ستة وعشرون مدخلاً لكلمات معرّبة ، وباقيها عربيّة ، وجميع المداخل - بالمعرّب والعربيّ - تقع تحت أنواع مختلفة :
ثلاثة عشر مدخلاً لأعلامِ أشخاص .
ثلاثة عشر مدخلاً لأعلامِ مواضع .
ستة مداخل لنباتات .
وبقيّتها لموادّ لغويّة أخرى .
يتّضح ممّا سبق الاختلاف في العدد بين المعجمين ، وهو دليل على تفوّق المعجم الكبير في الحجم على معجم فيشر ، لكنّ أكثر المداخل في المعجم الكبير لا تدخل – عند كثير من الباحثين – في الموادّ اللغويّة ولا يحتاج إليها المعجم كأعلام الأشخاص والمواضع وأسماء النباتات .
ويتميّز معجم فيشر بمنهجه التاريخيّ في تتبّعه الكلمة في النصوص الواردة في مصادره لتتّضح تطوّرات المعنى .
أمّا المعجم الكبير فلا يعتني بهذا الجانب ، ولذا فشواهد فيشر منها آيات قرآنيّة وأحاديث وشعر ونصوص نثريّة من كتب أدبيّة وتاريخيّة وغيرها ، أمّا شواهد المعجم الكبير فتقتصر على القرآن والحديث والشعر والأمثال ، أمّا النصوص النثريّة فلا وجودَ يُذكر لها ، لعدم عنايته بتتبّع المعنى .
الأعلام في المعجمين :
وأعني بالأعلام أعلام الأشخاص والمواضع وما يشابهها .
أمّا معجم فيشر فلا نكاد نلحظ إكثاره منها ، أمّا المعجم الكبير فبالغ واضعوه في تعديد الأعلام ، وسبق بيان عدد أعلام الأشخاص والمواضع في الهمزة الممدودة ، وهو ستة وعشرون علماً ، وممّا يُلاحظ عليه إيراده أعلاماً أعجميّة مثل :
آدم سميث : فيلسوف اقتصادي اسكتلندي .
فهو شخص غربي لا مكان له هنا .
آريوس : صاحب نحلة ( عام 336 ) .
فهو أعجميّ قبل العربيّة ، ولم يُستعمل فيها .
آريوسية : اسم النحلة … ولم يبق لها أثر بعد القرن الرابع الميلادي .
ما الحاجة إلى ذكرها هنا ما دامت لم تنتقل إلى العربيّة ، ومكانها في موسوعات الأعلام .
الآريّ : في السنسكريتيّة آريا … : النبيل العريق : ذكروا أنّه أطلق في الهند قبل الميلاد على الطبقات الرئيسة الثلاث …
ويتّضح أنّ الكلمة لا صلة لها بالعربيّة لأنّ معناها خاصّ بمعنى أعجميّ .
وسأستعرض هنا مادّة ( أبد ) بمشتقاتها في المعجمين ، لتكون الموازنة في مادّة محدّدة :
مادّة ( أبد ) :
أَبَدَ : اتّفقا في ذكر معانيه الثلاثة : التوحّش ، والإقامة وطول المدّة ، والإغراب .
أَبِدَ : اتّفقا في ذكر معنييه : التوحّش ، والغضب .
أَبّدَ : اتّفقا في ذكر أربعة معانٍ : تنفير الدابة ، مجيء الرجل بآبدة ، وهي الأمر العظيم ، والإغراب ، وتخليد الشيء .
وزاد الكبير معنىً هو : التوحّش للحيوان … 1/25
تَأبّدَ : اتّفقا في ذكر أربعة معانٍ : أقفر المنزل ورعته الأوابد ، عاش في القفار ( للناس والبهائم ) ، تعزّب وقلّ إربه في النساء ، كَلِف ونَمِش الوجه .
وزاد الكبير : طال الزمان وامتدّ . 1/26
اتّفقا في ترتيب المشتقات السابقة ، ثمّ اختلفا بعدها ، وسأورد البقيّة على ترتيب فيشر مع ذكر ما في الكبير :
إبْد : أحال على ( إبِد ) وفي موضعها ذكر ( أَبِد و إبْد ) لغتين فيها ، وكذا الكبير ، ذكر فيشر معنى الكلمات الثلاث للأمة والفرس والناقة بمعنى وَلود ضانِئة ، أي تلد كلّ عام ، وذكر لـ ( أَبِد ) وحدها المعاني التالية : حمار الوحش المستنفر ، الرجل المتوحّش ، المنزل القفر .
أمّا الكبير ففسر ( الإبْد ) و ( والإبِد ) بـ ( الأبِد ) 1/29 ، ولكنّه لم يفسر (الأبِد ) ولم يجعل له مدخلاً .
أَبَد : اتّفقا على ثلاثة معانٍ : الدهر مطلقاً ، الدهر الطويل غير المحدود ، الولد الذي أتت عليه سنة .
وزاد فيشر معنى رابعاً هو : ذو ( ذات ) أَبَد أي دائم ( دائمة ) نقلاً عن لين ، واستشهد بقول عبيد بن عمير :" الدنيا أَمَد ، والآخرة أَبَد " وفسر ( أبَد ) بذات أبد ، وهو تفسير غير صحيح ، فالمعنى دلالته على الدهر الطويل غير المحدود ، ولا حاجة إلى وضع معنى جديد لها ، فتفسيره لها بالدوام داخل في دلالتها على الدهر الطويل غير المحدود .
أَبِد ، إبِد : سبق ذكرهما مع ( إبْد ) .
إبِدَة ، أبِدَة : أحال على ( إبِد ) ، وهو أراد به ما سبق ، أي أنثى ( إبِد وأبِد ) .
أبَدِيّ : فسّره فيشر ص 44 بـ : دائم لا ينقطع ، ولم يذكره الكبير لأنّه صيغة قياسيّة ، فهو نسبة إلى ( أبد ) ، وهو الدهر الطويل غير المحدود ، فلا حاجة إلى فصله بمدخل ، ولعل ما دعاه كونُه أصبح كالمصطلح ، فذكر أنّه كثيراً ما يرد في كتب علماء الدين والفلاسفة المتأخرين .
أبَدِيّة : ذكر فيشر لها معنيين : ديمومة لا تنقطع ، الأبَدِيّات ، وهو جمع : اصطلاح لأقوال سائرة تعبّر عن معنى ( أبداً ) .
أمّا الكبير فجعل المعنى الأوّل تحت المفرد في مدخل خاصّ ، وجعل الجمع في مدخل آخر بتفسيره . 1/29
آبِد : ذكرها فيشر اسم فاعل للفعل ( أبَدَ ) ، وعدّد المعاني ، وهي داخلة في معنى اسم الفاعل ، وهو قياسي فلا حاجة إلى جعله مستقلاً ، وكان الأولى ذكره مع فعله ، وأطال في ذكر شواهدها .
والمعنى الأخير الذي ذكر لـ ( آبِد ) : ممتاز ، واستشهد عليه بشواهد ، وهذا المعنى ليس جديداً ، وإنما هو داخل في معنى : غريب لا ممتاز .
أبِيد : أحال إلى ( أبَد ) ، حيث وردت ( أبيد ) لتوكيد ( أبَد ) .
أبُود : وحشيّ ، مبالغة ( أبِد ) ، واستشهد له ، ولم يذكره الكبير .
أيْبَد : نبات ، وذكر صورة أخرى هي ( أبِيد ) عند بعض العلماء ، ثمّ رجّح ( أبيد ) اعتماداً على عدّة أدلّة ، أمّا الكبير فجعل ( أبيد ) للنبات مدخلاً مستقلاً ، ولم يذكر ما ذكره فيشر .
مُؤبّد : ذكر معنييها : مخلّد أي دائم ، وناقة مؤبّدة : وحشيّة معتاصة ، ومعنيين مجازيين : شِعْر غريب ، شِعْر أغَرّ : أي مشهور .
ولم يذكر الكبير من المعاني الأربعة إلاّ الأوّل فقط ، وزاد معنى لم يذكره فيشر للمؤنث ( مُؤبّدة ) للعقوبة الدائمة مدى الحياة . 1/30 ، وهو معنى حديث .
مُتَأبِّد : ذكر مرادفتها لـ ( آبِد ) وهو الوحش يلزم البيداء ، مستوحش ومستنفر عن الناس ، والمعنى الآخر : راهب .
وهذا المدخل لم يذكره الكبير .
وممّا زاده المعجم الكبير على مداخل فيشر ما يلي :
أَبَّدة : بلدة بالأندلس … 1/27
الأبَدان : الإصباح والإمساء ( عن ثعلب ) . 1/29
مَأْبِد : موضع . 1/29
يتّضح ممّا سبق وضوح العلاقة بين المعجمين ، والتقارب بينهما في ذكر المعاني ، وأغلب الظنّ أنّ واضعي الكبير استعانوا بجزازات فيشر التي أهداها إلى المجمع ، وكان من الاقتراحات التي طُرحت للاستفادة منها أنْ يُستعان بها في وضع المعاجم التي يصدرها المجمع .
وممّا يرجّح استفادة واضعي الكبير من معجم فيشر أو جزازاته اتّفاقهما في عدد من الموادّ – وسبق بيانه – واتّفاقهما في بعض الآراء التي رجّحها فيشر .
كما أنّ بعض الأعضاء نظروا في معجم فيشر ومآله ، فطرح أحمد الزيات العلاقة بين المعجم الكبير ومعجم فيشر للتساؤل ، ورأى توحيد العملين في عمل واحد إذا كان ممكناً ، وذهب إلى أنّ الطريق للتوحيد بينهما يتمثّل فيما يلي :
أ- مزج طريقة المعجم الكبير بطريقة فيشر القائمة على وجهاتِ نظرٍ سبع .
ب- إدخال الزيادات التي انفرد بها فيشر في المعجم الكبير .
ج- ترتيب الجزازات وإكمالها والاستفادة منها .
د- تسجيل ذلك في مقدّمة المعجم والتنويه بمجهود فيشر .
وتداولوا حول رأي الزيات ، وانتهوا بالموافقة على اقتراحات اللجنة([43]) .
أثر فيشر على المعجميين العرب في دعوتهم إلى صناعة معجم تاريخي :
من المعاجم التي سلكت المنهج التاريخي في معالجتها الألفاظ معجم أكسفورد ، وهو أسبق من معجم فيشر ، بل إنّ فيشر نفسه كان متأثّراً بغيره في صناعة معجمه ، سواءً كان تأثّره بمعجم أكسفورد ، أم بالمستشرق ف. هيرديكن ، أم المستشرق توربيكه ، على ثلاثة آراء سبق ذكرها في بداية الدراسة .
أمّا من دعا إلى اقتفاء أثر فيشر في صناعة المعجم فهم كثير ، فقد أصبح المثل الأعلى في صناعة المعجم ، ورأى العديد منهم أنّه المعجم الذي يلبّي الحاجة القائمة ، يستوي في هذه الدعوة بعض المستشرقين الذين أُعجبوا بمعجم فيشر فتبنّوا الدعوة إليه ، ومن دعا من العرب إلى صناعة معجم تاريخيّ للعربيّة ، تأثّراً بمعجم فيشر .
ويبدو أثر معجم فيشر جليّاً لكونه بالعربيّة ، لكنّنا لا نغفل أثر معجم أكسفورد على بعض الباحثين الذين درسوا علوم اللغة في الغرب .
ومع أنّ التأثر بمعجم فيشر مستمرّاً لكني سأذكر بعض أوائل من دعا إلى وضع معجم تاريخيّ :
¨ إسماعيل مظهر :
كان يعمل في مجمع اللغة العربيّة بالقاهرة ، حينما نقل فيشر جذاذات معجمه إلى المجمع للعمل فيه ، بعد أنْ نال الموافقة عليه من المجمع ، واختاره فيشر ليعمل معه ، مع عدد من الباحثين لقراءة الكتب وجمع غريب الألفاظ ، وجمع الشواهد في جذاذات خاصة .
ولمدة عامين أشرف إسماعيل مظهر على هذا العمل ، إلى أنْ سافر فيشر إلى ألمانيا في صيف 1939م ، ولم يعد لأنّ الحرب العالميّة الثانية قامت ، وبقي في ألمانيا إلى أنْ مات .
وعمل إسماعيل مظهر في مشروع فيشر له أثر كبير في اقتناعه بحاجة العربيّة إلى معجم تاريخيّ ، لكنّ أثر معجم أكسفورد يظهر جليّاً في البحث الذي أعدّه بعنوان ( القواعد الأساسيّة في تأليف معجم لغويّ تاريخيّ )([44]) ، وقدّمه إلى لجنة المعجم في مجمع اللغة العربيّة في سنة 1939م ، ثمّ نشره عام 1945م ، وقد استخلص القواعد التي ذكرها من مقدّمة معجم أكسفورد ، وهو دليل على أثر هذا المعجم على إسماعيل مظهر .
ثم نشر بحثاً آخر يحمل الدعوة نفسها ، بعنوان ( اللغة العربيّة وحاجتها إلى معجم لغويّ تاريخيّ )([45]) ، وعلّل دعوته باقتصار المعاجم العربيّة على المعاني الحقيقيّة دون المجازيّة أو الجديدة ، وذكر أنّه وقع لكثير من اللغات الحيّة ما وقع للعربيّة .
وذكر ما حدث للإنجليزيّة ومعاجمها ، فقد اقتصرت المعاجم في بداياتها على جمع المفردات الغريبة دون ما هو معروف ، ثمّ سلك الأديب ( جونسون ) في معجمه طريقاً آخر ، إذ أثبت شواهد الألفاظ التي تؤدي المعنى المراد ، ثمّ خطا اللغويّ ( ريتشاردسون ) خطوة أخرى ببيان تاريخ الألفاظ اللغويّة ، ثمّ كان تمام تلك المراحل ما وصل إليه معجم أكسفورد من تطوّر في هذا الميدان .
ويتضح ممّا ذكره إسماعيل مظهر من تفصيله الحديث عن المعاجم الإنجليزيّة ، وذكره مقاطع من مقدّمة معجم أكسفورد ، يتبيّن مدى الأثر الذي كان لمعجم أكسفورد عليه في تبنّيه الدعوة إلى معجم تاريخيّ للعربيّة ، مع أثر عمله مع فيشر في معجمه لمدة عامين .
وكأنّ أَثَرَي المعجمين : معجم أكسفورد ومعجم فيشر متعادلان ، فأسهما في تبنّي إسماعيل مظهر الدعوة إلى معجم تاريخيّ .
¨ إبراهيم إبراهيم يوسف :
كتب مقالاً([46]) عن اللغة العربيّة والنهضة التي قامت في العصر الحديث بعد سبات طويل ، ودعا إلى تجنيد علماء اللغة من عرب ومستشرقين لوضع معجم للعربيّة الفصحى ملائم للتطوّر العلميّ في العصر الحاضر.
أمّا عن صفات هذا المعجم فكان تأثّره بفيشر كبيراً ، فقد نقل من مقدّمة معجمه التاريخيّ – أي معجم فيشر – صفات المعجم الذي يدعو إليه ، وذهب إلى أنّ قسماً ممن يُنتدَب لهذا العمل يتّجه إلى العمل مع فيشر في معجمه التاريخيّ للتعجيل بالفراغ منه ، ويكونون على قدر كبير من العلم باللغة وعلومها ، وإتقان اللغات الساميّة الأخرى ، واللغات الأجنبيّة .
ويعمل قسم آخر في وضع المعجم التاريخيّ الكبير الذي نصّ مرسوم المجمع على وضعه .
ويظهر التأثّر الواضح بفيشر في الدعوة إلى المعجم التاريخيّ ، وفي الثناء الكبير الذي كاله لفيشر وعمله ، ودعوته إلى أنْ يكون المعجم الذي يضعه المجمع على غرار معجم فيشر .
¨ عبد الله العلايلي :
تأثّر بالاتجاه السائد في صناعة المعجم ، وهو أنْ يكون معجماً تاريخيّاً ، فحاول تطبيقه في معجمه ( المرجع )([47]) ، فأرّخ للألفاظ ودلالاتها بالإشارة إلى العصر الذي وجدت فيه الكلمة أو المعنى أو الاستعمال .
¨ علي توفيق الحمد :
في نهاية بحث طويل بعنوان ( بطرس البستاني وجهوده المعجميّة ) قدّم اقتراحات حول المعجم العربيّ ، دعا في اثنين منها إلى وضع معجم تاريخيّ يؤرخ للكلمة وتاريخ ظهورها واستخدامها ، وتطوّر معانيها … وجمع المادّة اللغويّة التاريخيّة من القرآن الكريم والحديث الشريف وكتب العرب ، لا من المعاجم القديمة([48]) .
ثم قدّم بحثاً طويلاً عميقاً بعنوان ( المعجم التاريخيّ العربيّ – مفهومه ، وظيفته ، محتواه ) إلى ندوة ( المعجم العربيّ التاريخيّ : قضاياه ووسائل إنجازه ) ، وفيه عرّف المعجم التاريخيّ من مصادر أجنبيّة ومصادر عربيّة ، وذكر مفهومه لدى عدد من العرب والمستشرقين ، وفصّل الحديث عن المعجم التاريخيّ العربيّ المنتظر([49]) .
¨ جمعيّة المعجميّة العربيّة بتونس :
يحقّ لهذه الجمعيّة أنْ يقال عنها إنها أبرز الهيئات العلميّة العربيّة اهتماماً بالمعجم العربيّ وقضاياه ، وجاءت الدراسات المعجميّة التي صدرت عنها من أقوى الدراسات المعجميّة الصادرة من هيئة علميّة عربيّة ، وأعمقها وأكثرها جِدّةً .
يصدر عنها مجلّة تُعنى بشئون المعجم ، اسمها ( مجلة المعجميّة ) ، تشتمل على دراسات عميقة .
ولاهتمام الجمعيّة بالمعجم التاريخيّ عقدت له ندوة عنوانها ( المعجم العربيّ التاريخيّ : قضاياه ووسائل إنجازه ) بتاريخ 14-17 نوفمبر 1989م ، دعت إليها نخبة من لغويّي البلاد العربيّة ، نوقشت فيها أهمّ قضايا المعجم التاريخيّ ، ونشرت بحوث الندوة في جزء خاصّ به من المجلة([50]) .
ثم أصدرت الجمعيّة كتاباً خاصاً ببحوث الندوة ، سمّته ( المعجم العربيّ التاريخيّ ) ، طبعه ( بيت الحكمة – قرطاج ) .
جاء اهتمام الجمعيّة بالمعجم التاريخيّ والدعوة إلى أنْ يكون للعربيّة معجم تاريخيّ ، جاء لاقتناع أعضائها بأنّها قضيّة لها صلة بتراثنا وحاضرنا ومستقبلنا ، وأنّ المعجم أصبح ضرورة لا غنى عنها ، فهو ذاكرتنا اللغويّة والثقافيّة والحضاريّة .
المآخذ على فيشر في معجمه :
ممّا وجدته من المآخذ على فيشر ما يلي :
1- أوهامه :
يظهر تمكُّن فيشر من العربيّة - وبالأخصّ في الكتابة - عند الاطّلاع على ما كتبه في المعجم وغيره ، لكنّ فهم معاني الكلمات وإدراك دلالاتها الدقيقة لا يكاد أعجميّ يسلم من الوهم فيه .
ومثلُ وقوعِ بعض المستشرقين في توهّمِ بعضِ المعاني المندرجة تحت معنى واحد معانيَ متعدّدةً ، وقع فيشر في الوهم نفسه – مع قلّة النماذج – فجعل الدلالة الواحدة في سياقاتٍ مختلفةٍ عدةَ معانٍ ، وحينما ننظر في تلك المعاني ندرك ذلك الوهم ، فما ظنّه عدّة معانٍ هو في الحقيقة معنى واحد في عدّة سياقات ، تربط بينها صورة معنويّة واحدة .
وإليك بعض الأمثلة على أوهامه :
¨ ذكر معاني ( أبَّ ) ومنها :
أ- أَبَّ أبَّه : قصد قصدَه .
ب- أبَّ فلاناً : قصده . ص 25
والواضح أنّ المعنى واحد للفعل وهو ( قَصَد ) ، لكنّه في الأوّل غير متعدٍّ ، وفي الثاني متعدٍّ إلى مفعول .
¨ فرّق بين المشتقاتِ المرتبطةِ بصيغةٍ واحدة ، بسبب عدم إدراكه الرابط بينها ، مثل :
أ - في مادّة ( أبد ) : ذكر كلمة ( أَبَد ) . ص 37 ، وذكر بعدها عدداً من المشتقات ، ثمّ ذكر ( أَبَدِيّ ، وأَبَدِيَّة ) . ص 44 ، وهما منسوبتان إلى ( أبد ) .
ب - ذكر الفعل ( أَبَّد ) . ص 33 ، ثمّ ذكر اسم المفعول منه ( مُؤبَّد ) . ص 53
ج - ذكر الفعل ( تأبَّد ) . ص 34 ، ثمّ ذكر اسم الفاعل منه ( مُتأبِّد ) . ص 53
¨ ذكر معنى ( أبد ) وهو الدهر الطويل غير المحدّد ص 37 ، ثمّ ذكر معنى ثانياً وهو الدهر مطلقاً ص 42 ، ثمّ معنى ثالثاً وهو ذو ( ذات ) أبد أي دائم ( دائمة ) نقلاً عن لين ، واستشهد بكلام عبيد بن عمير :" الدنيا أمَد ( أي ذات أمد ) والآخرة أبَد ( أي ذات أبد ) ص 42-43 ، ولا يخفى أنّ المعاني الثلاث تعود إلى معنى واحد .
2- إكثاره من الرموز والمختصرات :
سلك فيشر مسلك الغربيين في كتبهم ، حيث تزخر بالرموز التي تختصر حجم الكتاب ، وللاختلاف بين اللغات فالعربيّة تختلف عن اللغات الغربيّة ، لأنّ حروفها تتصل في الكتابة ، أمّا الغربيّة فتكتب مفصولة كما تكتب موصولة .
ولذا يبدو الإكثار من الرموز ثقيلاً على القارئ العربيّ لاختلافه عمّا اعتاد عليه ، بل يزيد من غموض النصّ .
ومن الأمثلة عليه من معجم فيشر ما يلي :
¨ قال بعد ذكره شطر بيت :" الأغاني 3/244/9 : أفلا قلتَ الحمد لله ؟ قال : أوَ نعمةٌ هي حتى أحمد الله عليها ؟ هلۤج . رۤ كذلك المفصّل § 581 مع ابن يعيش غ . ص 5
إيضاح الرموز :
هلۤج : وهلمّ جرّاً .
رۤ : لم يفسرها .
غ : وغيره ، وغيرها ونحوه .
¨ قال تحت ( أَبّ ) :" أبَّ لشيء يئِبّ ويؤُبّ أبّاً وأبيباّ وأباباً وأبابةً وإبابةً ( آنـ : Lane " أبب " فۤق " أبّ " ) : تهيّأ له وتجهّز ، ويقال : هو في أبابِه وأبابته : أي في جهازه ، Lane موسۤا . ص 23
إيضاح الرموز :
آنـ : انظر .
فۤق : فقرة .
ويكون معنى ما بين القوسين : انظر Lane " أبب " أي المادّة ، فقرة " أبّ " .
موسۤا : الموضع السابق .
¨ قال بعد ذكر شطر بيت هو : ذي جُدّتين آبدِ الشرودِ
: ( في الشرح : والجُدّتان خطّان في الظهر ، يعني ظهر الحمار ) وكذلك الهذليون رقم 16/5 ( رۤو : الصحم بدل العصم ( رۤ : ما يلي 47 ع 1/8 ) ، - أبو كبير رقم 40/6 ، - كثير رقم 123/5 ، - البكري 463 / ت . ص = 4/ع1/8 . ص 46
إيضاح الرموز :
الهذليون رقم 16/5 : الرقم الأوّل للقصيدة ، والثاني للبيت ، ومثله أبو كبير رقم 4/6 ، وكثير …
رۤو : وقد روي ، وفي رواية أخرى .
رۤ : لم أجد مدلولها .
ما يلي 47 ع 1/8 : ص 47 ، عمود 1 ، سطر 8 .
البكري 463 / ت ص = 4/ ع1/8 : البكري ص 463 ، تحت صفحة 4 ، عمود 1 ، سطر 8
ولكثرة الرموز التي استخدمها فإنها تؤدي إلى لبس وجهد في معرفتها .
وممّا يحدث لبساً أنّه استعمل حرف التاء ( ت ) رمزين لشيئين مختلفين ، ففي مصادره استعمله اختصاراً لسنن الترمذي ، ووضعه في قائمة الرموز الأخرى وفسره بـ ( تحت ، من تحت ) ، ووكل فيشر التعرّف على الرمزين إلى القارئ ، وإنْ كان سياق الكلام قد يدلّ على سنن الترمذي عندما يأتي في السياق ذكر حديث ، لكنّه مع ذلك موضع لبس .
3- تعديد المعنى الواحد :
حينما يكتب الأجنبي عن لغةٍ من اللغات فهو معرّضٌ للزلل فيما يمسّ المعاني بخاصّة ، لكون المعنى مرتبطاً بالفهم ، والفهم مبنيّ على علم الإنسان وثقافته وخلفيّته الحضاريّة واللغويّة ، لذا نلحظ أنّ كتابات المستشرقين في اللغة العربيّة قلّما تخلو من هذا الخلل ، مع إتقانهم جانب المنهج ، وتفوّقهم على دراسات بعض العرب فيما يتعلّق بالدقّة العلميّة والجدّ والمثابرة ، وما ينبني على هذا من نتائج علميّة قيّمة ، هي ما يميّز كتابات بعض المستشرقين .
أمّا الخلل في الفهم فهو دليل على الضعف اللغويّ لدى المؤلّف ، ومن مظاهره تفسير اللفظ بمعنى اكتسبه من السياق لا من اللفظ نفسه ، ولعجمة الشارح لا يستطيع إدراك مصدر المعنى ، فيظنّ أنّ تلك الدلالة هي دلالة اللفظ أينما وُجد ، وفي أيّ سياق ورد .
ومن الأمثلة في معجم فيشر ما يلي :
¨ ذكر ( آبِد ) وذكر من معانيه :
اسم الفاعل من ( أَبَدَ ) : مقيم بالمكان غير بارح له .
وذكر اسم الفاعل من ( أَبَدَ ) أيضاً ، وتحته ثلاثة معانٍ فرعيّة :
أ- وحش يلزم البيداء مستوحش ومستنفر عن الناس .
ب- بهائم توحّشت ونفرت من الأنس كالوحش .
ج- وحشيّ ، مستوحش ، شارد للمعاني المجازيّة . ص 45-48
وهي اسم فاعل من ( أَبَدَ ) ، فالمعنى الأوّل اسم فاعل من ( أَبَدَ ) للإقامة وطول المدة ، والمعنى الثاني بفروعه ( أ ، ب ، ج ) اسم فاعل من ( أَبَدَ ) للتوحّش كما سبق ذكر معانيه في بداية المادّة ، ولذا فهو عدّد معنى واحداً إلى معانٍ عديدة .
¨ ذكر معاني ( أبَّ ) ومنها :
أ- أبَّ أبَّه : قصد قصدَه .
ب- أبّ فلاناً : قصده . ص 24
والواضح أنّ المعنى واحد للفعل وهو ( قصد ) ، لكنّه في الأوّل غير متعدّ ، وفي الثاني متعدٍّ إلى مفعول .
¨ ذكر معنى ( أبد ) وهو الدهر الطويل غير المحدد ص 37 ، ثمّ ذكر معنى ثانياً وهو الدهر مطلقاً ص 42 ، ثمّ معنى ثالثاً وهو ذو ( ذات ) أبد أي دائم ( دائمة ) نقلاً عن لين ، واستشهد بكلام عبيد بن عمير :" الدنيا أمَد ( أي ذات أمد ) والآخرة أبَد ( أي ذات أبد ) ص 42-43 ، ولا يخفى أنّ المعاني الثلاثة تعود إلى معنى واحد .
¨ فرّق بين المشتقات المرتبطة بصيغة واحدة ، بسبب عدم إدراكه الرابط بينها ، مثل :
أ - في مادّة ( أبد ) : ذكر كلمة ( أَبَد ) ص 37 ، وذكر بعدها عدداً من المشتقات ، ثمّ ذكر ( أَبَديّ ، وأَبَديّة ) ص 44 ، وهما منسوبتان إلى ( أبد ) .
ب - ذكر ( أَبَّد ) ص 33 ، ثمّ ذكر اسم المفعول منه ( مؤبَّد ) ص 53
ج - ذكر ( تأبَّد ) ص 34 ، ثمّ ذكر اسم الفاعل منه ( متأبِّد ) ص 53
من مزايا عمل فيشر :
لنكون منصفين يحسن بعد عرض بعض المآخذ على فيشر أنْ نذكر بعض مزايا أعماله ، والعديد منها ينطبق على أعمال المستشرقين الآخرين ، فمن مزايا أعمالهم :
اتّساع ثقافتهم في الميدان الذي يدرسونه :
وهذا ظاهرٌ لكلّ مطّلعٍ على أعمالهم وسيَرهم التي تدلّ على إتقان الواحد منهم العديد من اللغات التي تمتّ بصلةٍ إلى اللغة المدروسة ، وهو ما يُكسب أعمالهم ثراءً ، لقدرتهم على معرفة أصول الكثير من الألفاظ التي انتقلت من لغةٍ إلى أخرى ، والاستعانة بذلك للتأريخ للألفاظ ، مع ما يكون عليه المستشرق من سعةٍ في الثقافة تُكسب عمله الاتّساع والثراء .
وغير خافٍ تميّز الدراسات الاستشراقيّة بالربط بين العربيّة مثلاً وأخواتها الساميّات في العديد من القضايا ، وقدرتهم على تتبّع تاريخ اللفظ في العربيّة وصورته التي كان عليها قبل العربيّة ، ولذا استفادوا من علمهم باللغات في معرفة أصول الألفاظ المعرّبة بإعادة اللفظ المعرّب إلى لغته الأولى .
أما عن عمل فيشر خاصّة فمن مزاياه ما يلي :
اهتمامه بالشواهد اللغويّة :
تأتي معاجم العديد من المستشرقين العربيّة على طريقة معاجمهم في لغاتهم ، فالشاهد اللغويّ أساس بنائه ، بل هو العنصر الرئيس فيه ، ومنه تنطلق المعاني .
لذا لا عجب أنْ تبلغ بطاقات فيشر التي جمعها لمعجمه الذي كان يسعى لصنعه مليون بطاقة ، وجمع ( 575 ) شاهداً على استخدام كلمة ( كلّ ) ، و ( 587 ) شاهداً على كلمة ( كان ) ، و ( 17700 ) إحالة إلى الأخطل وحده([51]) .
وكذا في الجزء المطبوع من معجمه ، اعتمد في إيراد المعاني على سرد الشواهد عليها ، ولا حاجة إلى التمثيل عليها ، فقد سبق ذكره .
ترتيب المشتقات تحت المداخل على ترتيب معيّن :
أي ترتيب المشتقّات بحيث تأتي منتظمة ، وهو ما يسهّل العثور عليها بسرعة عند معرفة منهج المؤلّف في ترتيبها .
ولا شكّ أنّ المستشرقين استفادوا في ترتيبهم المشتقات من ترتيبها في معاجم لغاتهم ، وحين نوازن بين المعاجم العربيّة القديمة ومعاجمهم في هذه المسألة نجد أنّ الغالب على معاجمهم التزام ترتيب يرتضيه أصحابها ، أمّا المعاجم العربيّة فيغلب عليها إيراد المشتقات دون ترتيب ، وهو ما يسبّب صعوبة العثور على المراد فيها .
والترتيب الشائع عندهم هو البدء بالأفعال ثمّ الأسماء ، وتقديم الأفعال المجرّدة ثمّ المزيدة ، ثمّ الأسماء المجرّدة ثمّ المزيدة .
وأبان فيشر هذا الترتيب فنصّ على ترتيب الأوزان ، وهو الترتيب الشائع عندهم :
فترتيب أبنية الأفعال على النحو التالي :
فَعَل ، فَعِل ، فَعُل ، فعَّل ، فاعَل ، أَفْعَل ، تَفَعّل ، تفاعَل ، انْفَعَل ، افْتَعَل ، افْعَلّ ، استفعل ، افْعالّ ، افْعَوعَل ، افْعَوّل ، افْعَنْلَل ، افْعَنْلى .
وأبنية الأسماء تذكر كلّها بعد الأفعال سواءً أكانت مشتقة أم جامدة ، وترتّب على نظام ترتيب الأفعال ، فيذكر المجرّد منها أوّلاً ، ثمّ المزيد ، ويكون ترتيبها كما يلي :
فَعْل ، فِعْل ، فُعْل ، فَعَل ، فَعِل ، فِعَل ، فِعِل ، فُعُل ، فُعَل ، فَعُل ، فاعِل ، فاعَل ، فَعال ، وهكذا "([52])
خاتمة
بعد هذه الجولة العميقة في معجم فيشر التي تناولت نظرية فيشر المعجمية ، إلى جانب دراسة الجانب المنهجي واللغوي في المعجم ، أرجو أن أكون قد نجحت في تقديم ما سعيت إلى تقديمه من الكشف عن تجربة فيشر ، ومدى توفيقه فيها .
في نهاية هذا البحث يحسن تقديم ما توصلت إليه من رؤى ونتائج :
ª عمق تجربة فيشر وما قدّمه في ميدان الدراسة المعجميّة العربيّة من ريادة وجرأة ، وقد تمثّلت تجربته في مشروعه لصناعة معجم تاريخي للعربية .
ª اعتماد فيشر على النصوص الأصليّة في الكتب العربيّة المختلفة - للاستشهاد على المعاني - لا على المعاجم العربيّة ، وقد اتّضح لدينا هذا عند دراسة معجمه ، حين رجع إلى كتب النصوص ككتب التاريخ والرحلات والأدب وغيره ، ولم يرجع إلى المعاجم العربيّة إلاّ في مواضع قليلة ، فمنهجه متأثّر فيه بمناهجهم في لغاتهم ، لأنّ اللغة عندهم كائن حيّ يتغيّر ، وخير ما يمثّلها كتب النصوص لا المعاجم .
ª التأثير المتبادل بين العرب والمستشرقين ، وغلبة أثر المستشرقين فيما يخصّ مناهج البحث ، فظهرت لنا مناهجهم في صناعة المعجم ، ممثلةً بمعجم فيشر في هذا البحث ، وظهر لنا مدى تأثّر اللغويّين العرب بها حين أصبحت شائعة بينهم .
تلك كانت بعضاً ممّا ظهر لي أثناء دراسة عمل فيشر ، ممّا يعدّ من النتائج العامّة ، ويحسن بنا الاستفادة ممّا يناسبنا منها ، ويمكنني الخروج بتوصيات منها :
1- في ميدان الصناعة المعجميّة العربيّة تبدو أهميَّة الاطّلاع على جهود المستشرقين فيه ، فقد نال قدراً كبيراً من الاهتمام في لغاتهم ، ثمّ نقلوه لتطبيقه على العربيّة ، ويمثل دراسة عمل فيشر والاستفادة منه تطبيقاً لهذه التوصية.
2- عند النظر في تلك الدراسات حول صناعة المعجم لديهم تظهر حاجتنا إلى دراسات متخصّصة تتّجه هذا الاتّجاه لمعرفة النظريّات التي اعتمد عليها واضعوها ، لمعرفة محاسنها وعيوبها ، للاستفادة منها في صناعة المعجم في العصر الحاضر .
3- وجوب الاهتمام بدراسة جهود المستشرقين وعرضها للتحليل والنقد ، لاكتشاف جوانب الإجادة فيها للاستفادة منها ، والعناية بالوقفات القيّمة التي يقفها المستشرقون في بعض أعمالهم والتفاتهم إلى ما لا يلتفت إليه العربيّ .
أسأل الله عزّ وجلّ أنْ أكون قد وُفّقت إلى الكشف عن بعض ملامح تجربة فيشر في معجمه ، وصلى الله وسلم على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين .
--------------------------------
مراجع البحث:
الكتب :
- أعمال مجمع اللغة العربيّة بالقاهرة – أ. د. محمّد رشاد الحمزاوي ص 98 ، 509-510 ط الأولى 1988م دار الغرب الإسلامي – بيروت.
- البحث اللغويّ عند العرب – د. أحمد مختار عمر ، ط الرابعة 1402هـ 1982م – عالم الكتب – القاهرة .
- تاريخ حركة الاستشراق – الدراسات العربية والإسلامية في أوربا حتى بداية القرن العشرين – يوهان فوك ، تعريب عمر لطفي العالم ، ط الأولى 1417هـ 1996م ، دار قتيبة – دمشق .
- مجمع اللغة العربيّة في ثلاثين عاماً (1) – إبراهيم مدكور ، الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية 1383هـ 1964م .
- المرجع - عبد الله العلايلي ، صدر الجزء الأول منه عام 1963م عن مكتبة الفرح الحديثة في بيروت
- المستشرقون – نجيب العقيقي ، الطبعة الرابعة ، دار المعارف – القاهرة .
- المعجم الكبير طبع الجزء الأوّل بمطبعة دار الكتب عام 1970م .
- معجم اللغة العربية الفصحى – مانفريد أولمان ( ضمن كتاب : ألمانيا والعالم العربي ، دراسات تتناول الصلات الثقافية والعلمية والفنية بين الألمان والعرب – حققه بالألمانية أ. د. هانس روبرت رويمر ، ترجمه د. مصطفى ماهر ، د. كمال رضوان .
- المعجم اللغويّ التاريخيّ – أوغست فيشر ، طبعته الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية ( 1387هـ ، 1967م ) ، ونشره مجمع اللغة العربيّة .
- المعجم الوسيط – مجمع اللغة العربية بالقاهرة ، ط الثانية – دار الدعوة – إستنبول – تركيا 1406هـ 1986م .
- موسوعة المستشرقين – د. عبد الرحمن بدوي ، ط الثانية 1989م – دار العلم للملايين – بيروت .
البحوث :
ü تاريخ المعجم التاريخي العربيّ في نطاق العربية : المبادرات الرائدة – أ . د . محمّد رشاد الحمزاوي ( مجلة المعجميّة 5-6/26 ) .
ü تقرير خاصّ بطريقة تأليف المعجم التاريخي الكبير للغة العربية – وضعه أ. فيشر – ملحق في مجلة المقتطف – الجزء الثالث – المجلد ( 114 ) ص 3-36
ü اللغة العربيّة وحاجتها إلى معجم لغويّ تاريخيّ – إسماعيل مظهر ( المجلة – العدد ( 40 ) السنة الرابعة – شوال 1379هـ أبريل 1960م ) .
ü محاضر الجلسات - الدورة 16 - الجلسة 29 .
ü محاضر الجلسات – دور الانعقاد الأوّل – الجلسة ( 23 ) 1/333 .
ü محاضر الجلسات – دور الانعقاد الثالث – الجلسة ( 8 ) 1/11/1354هـ 25/1/1936م
ü محاضر الجلسات - دور الانعقاد الثاني - الجلسة ( 13 ) ص 136.
ü محاضر الجلسات – دور الانعقاد الثاني – الجلسة ( 3 ) ص 29 .
ü تقرير عن معجم الدكتور فيشر ( محاضر الجلسات في الدورة ) 16 ص 41-43 .
ü القواعد الأساسيّة في تأليف معجم لغويّ تاريخيّ – إسماعيل مظهر ( المقتطف – الجزء (4) المجلد (107) 1945م 1364هـ ).
ü المعجم التاريخي العربيّ – د. علي توفيق الحمد ( مجلة المعجميّة 5-6/103 ) .
ü معجم الدكتور أ. فيشر – وصفه ونقده - عبد القادر المغربي ، مجلة المجمع العلميّ العربيّ ( الجزء الرابع – المجلد الرابع والعشرون ) ص 500.
ü معجم اللغة الضادي – أمنية تتحقق ( المقتطف ج 1 المجلد ( 98) 1941م ، 1359هـ ص 34-38 ) .
ü من قضايا المعجميّة العربيّة المعاصرة – أحمد شفيق الخطيب ( في المعجميّة العربيّة المعاصرة ص 621 ) .
ü من قضايا المعجميّة العربية المعاصرة – عفيف عبد الرحمن ( في المعجميّة العربية المعاصرة ص 388 ) .
ü وقائع ندوة المعجم العربيّ التاريخي : قضاياه ووسائل إنجازه ( مجلة المعجميّة – العددان الخامس والسادس 1409هـ 1989م ، و 1410هـ 1990م ) .
----------------------------------
([1]) ينظر في ترجمة فيشر : تاريخ حركة الاستشراق ص 340-341 ، موسوعة المستشرقين ص 280-284 ، المستشرقون 2/415-416 .
([5]) لم يكن فيشر الوحيد الذي كان يدعو إلى الاعتماد على المصادر الأصول لا المعاجم العربيّة ، بل أيّده المستشرق ماسينيون وحسن حسني عبد الوهاب . ينظر : أعمال مجمع اللغة العربيّة بالقاهرة ص 507 .
([6]) وينظر : مجمع اللغة العربيّة في ثلاثين عاماً (1) – إبراهيم مدكور 1/66 ، الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية 1383هـ 1964م ، وذهب د. أحمد مختار عمر إلى هذا الرأي ، ينظر كتابه : البحث اللغويّ عند العرب ص 273 – ط الرابعة 1402هـ 1982م – عالم الكتب – القاهرة .
([7]) ينظر عن الموضعين : أعمال مجمع اللغة العربيّة بالقاهرة – أ. د. محمّد رشاد الحمزاوي ص 98 ، 509-510 ط الأولى 1988م دار الغرب الإسلامي – بيروت ، معجم فيشر ( المقدمة ) ص 25 .
([9]) قابلت أمين المجمع د. إبراهيم الترزي رحمه الله وطلبت منه الإذن بالاطّلاع على بطاقات فيشر فنفى وجودها في المجمع ، مع أنه أصبح من المعلوم للباحثين المهتمّين بمعجم فيشر أن أغلب بطاقاته بقيت في المجمع ، واستفاد منها في إعداد عدّة معاجم.
([10]) وجدت هذا النموذج مطبوعاً على أنه مثال تطبيقيّ على المعجم التاريخي ، فنُشر مع خطة المعجم التاريخي التي قدمها فيشر إلى المجمع ، ونشرها في ( تقرير خاصّ بطريقة تأليف المعجم التاريخي الكبير للغة العربيّة ) في ملحق مجلة المقتطف ج 3 المجلد 114 ص 3-36 ، ونشره إسماعيل مظهر عند حديثه عن معجم فيشر في مجلة المجلة – العدد 40 – السنة الرابعة 1379-1960 ص 20-24 .
وفي المداولات السابقة بين أعضاء المجمع ما يدلّ على أنه قدّم نموذج ( أخذ ) مثالاً من معجمه ، ودارت بينهم مناقشات حول تلك المعاني ، ودليل آخر على ذلك ما كتبه عبد القادر المغربي في مجلة المجمع العلميّ العربيّ ( الجزء الرابع – المجلد الرابع والعشرون ) ص 500 ، بعنوان ( معجم الدكتور أ. فيشر – وصفه ونقده ) ، فقد ذكر أن فيشر قدّم ( أخذ ) نموذجاً من معجمه ، فدرسه ونقده .
وما مضى دليل على أن هذا النموذج قدمه فيشر مثالاً على معجمه الخاصّ والمعجم التاريخي .
([12]) تقرير خاصّ بطريقة تأليف المعجم التاريخي الكبير للغة العربية – وضعه أ. فيشر – ملحق في مجلة المقتطف – الجزء الثالث – المجلد ( 114 ) ص 3-36 ، وكان المجمع قد أصدر قراراً بأن يقوم فيشر بعمل نموذج لجزازات المعجم ، وأن يضع تقريراً يشرح فيه طريقة العمل . ينظر : محاضر الجلسات – دور الانعقاد الثاني – الجلسة ( 3 ) ص 29 .
([17]) سأذكر في هذا الموضع عدداً قليلاً من مصادره على سبيل التمثيل ، وهي المصادر التي وجدت في بطاقاته التي اطّلعت عليها إحدى لجان المجمع ، وقدّمَت تقريراً عن المعجم ومصادره .
([18]) تاريخ المعجم التاريخي العربيّ في نطاق العربية : المبادرات الرائدة – أ . د . محمّد رشاد الحمزاوي ( مجلة المعجميّة 5-6/26 ) .
([20]) معجم اللغة العربية الفصحى – مانفريد أولمان ( ضمن كتاب : ألمانيا والعالم العربي ، دراسات تتناول الصلات الثقافية والعلمية والفنية بين الألمان والعرب – حققه بالألمانية أ. د. هانس روبرت رويمر ، ترجمه د. مصطفى ماهر ، د. كمال رضوان ص 334 ) .
([26]) مقدمة فيشر ص 28-29 ، هذا ما ذكره من أبنية الأسماء ، ولم يرد بها الحصر ، بل التمثيل ، وفي تقريره عن خطّة المعجم التاريخي الكبير ذكر تسعين وزناً من أوزان الأسماء .
([27]) ينظر :(تقرير خاصّ بطريقة تأليف المعجم التاريخي الكبير للغة العربيّة) في ملحق مجلة المقتطف ج3 المجلد 114 ص8-9
([28]) ينظر : من قضايا المعجميّة العربية المعاصرة – عفيف عبد الرحمن ( في المعجميّة العربية المعاصرة ص 388 ) .
([32]) ينظر :( تقرير خاصّ بطريقة تأليف المعجم التاريخي الكبير للغة العربيّة ) في ملحق مجلة المقتطف ج3 المجلد 114 ص 9-10
([37]) ينظر : تاريخ المعجم التاريخي العربيّ في نطاق العربيّة : المبادرات الرائدة – أ . د . محمّد رشاد الحمزاوي ( مجلة المعجميّة 5-6/26)
([39]) كتب فيشر الكلمات السامية بحروفها الأصلية ، ثمّ بالحروف اللاتينية ، وقد حاولت كتابتها بحروفها الأصلية كما كتبها راجياً ألاّ أكون أخطأتُ فيها ، ثم كتبتها بالحروف اللاتينية .
([41]) ينظر تصدير د. إبراهيم مدكور للطبعة الأولى للمعجم الوسيط ص 8 ( ط الثانية – دار الدعوة – إستنبول – تركيا 1406هـ 1986م ) .
([47]) صدر الجزء الأول منه عام 1963م عن مكتبة الفرح الحديثة في بيروت ، ينظر : المعجم التاريخي العربيّ – د. علي توفيق الحمد ( مجلة المعجميّة 5-6/103 ) .
([48]) ويظهر تأثّره القويّ بفيشر في مصادر مادته ، فقد مال إلى أن تؤخذ من مصادرها الأصلية لا من المعاجم ، ينظر في اقتراحاته كتاب ( في المعجميّة العربيّة المعاصرة ص 332 ) .
([50]) مجلة المعجميّة – العددان الخامس والسادس 1409هـ 1989م ، و 1410هـ 1990م ( وقائع ندوة المعجم العربيّ التاريخي : قضاياه ووسائل إنجازه ) في مجلد واحد .
([51]) ينظر : من قضايا المعجميّة العربيّة المعاصرة – أحمد شفيق الخطيب ( في المعجميّة العربيّة المعاصرة ص 621 ) .
([52]) ينظر : مقدمة فيشر ص 28-29 ، ولمعرفة أوزان المشتقات عند المستشرقين وترتيبها راجع : ( تقرير خاصّ بطريقة تأليف المعجم التاريخي الكبير للغة العربية ) وضعه فيشر ، مجلة المقتطف – ملحق بالجزء الثالث من المجلد الرابع عشر بعد المائة ص 3-36 ، وذكر فيشر في هذا البحث تسعين وزناً من أوزان الأسماء مضبوطة بالشكل ومرتّبة .