ولقد أثبتت دراسات علماء التربية أن المتعلم بلغة الأم أكثر استيعاباً من المتعلم بغيرها، والاستيعاب عون على التمثل، وتمثل المعرفة هو السبيل إلى الابتكار والإبداع. ولقد أوصت منظمة "اليونسكو" استناداً إلى تقارير الخبراء باستخدام اللغة الوطنية في التعليم حتى أعلى مرحلة ممكنة (2).
وعلى الرغم من رحيل القوات الاستعمارية من بلاد العرب فلا يزال الأطباء يدرسون ويعلمون ويتعلمون بلغات المستعمر سواء أكانت الإنجليزية في المشرق أم الفرنسية في المغرب، تراهم يصرون على عجمتهم متذرعين بأوهام يزينونها للطلاب وللناس، وذلك على الرغم من القرارات السيادية والقرارات التي اتخذها المختصون منذ أعوام كثيرة.
إنه لأمر مؤسفٌ حقاً أن تظل قضية اللغة مطروحة علينا في الوقت الذي حسمتها فيه أمم أخرى أقل عدداً وأصغر شأناً منذ أمدٍ بعيد. أليس عجيباً أن تُدرس العلوم في كوريا وفيتنام وتنزانيا ورومانيا وبلغاريا وفنلندا واليونان وكيبيك الكندية وبورتريكا الأمريكية بلغاتها الوطنية وتبقى اللغة العربية وهي لغة الحضارة قروناً عديدة، ولغة القرآن العظيم التي ينطق بها مئات الملايين داخل الوطن العربي وخارجها - غريبة عن العصر، معزولة عن المؤسسات العلمية خاصةً الطبية منها.
فقد أصدر اتحاد أطباء العرب، ومجلس وزراء الصحة العرب، ومؤتمر وزراء التعليم العرب عديداً من القرارات الداعية إلى التعريب، ومن أبرزها:
قرارات مؤتمري وزراء التعليم العالي المنعقدين: في الجزائر (1981) وفي تونس (1983).
اتحاد الجامعات العربية : توصيات ندوة كليات الطب في الجامعات العربية المنعقدة في الجامعة الأردنية (1983).
قرارات مجلس وزراء الصحة العرب المنعقد: في الخرطوم (1987) وفي الجماهيرية العربية الليبية (1989).
قرار المؤتمر الطبي العربي الرابع والعشرين الذي عقده اتحاد الأطباء العرب في القاهرة (1988).
توصيات ندوة تعريب التعليم الصحي في الوطن العربي المنعقدة في دمشق (1988).
قرارات ندوة القاهرة التي حضرها جميع عمداء كليات الطب في الوطن العربي في يونيو 1990م، ونصّت على أن يكون آخر المبتدئين في التعريب 1995م، ليكتمل تعريب العلوم الطبية بنهاية هذه الحقبة لنلج القرن الحادي والعشرين متعلمين الطب في الوطن العربي باللغة العربية.
قرارات ندوة التعريب التي انعقدت في البحرين في (1992) وحضرها وزير التعليم العالي في السودان والبحرين والأردن.
وآخرها مؤتمر التعريب السابع في الخرطوم في يناير 1994.
نود أن نؤكد للإخوة من سرد كل هذه القرارات الإيجابية أن قرار التعريب كان قراركم أيها الأطباء وأساتذة الطب وأنها مسؤوليتكم أمام الأجيال والتاريخ، وما كان لكم الآن أن تنخروها بآراء فلسفية واهية ولكن كان لابد من النظر في الحقائق ومحاولة تذليل المشكلات، فنحن لا نزال نتجادل في التعريب والناس يكتشفون ويبدعون ويقودون العالم وننسى أن اللغة العربية التي نشكك فيها الآن كانت لغة الطب زهاء سبعة قرون. ومما ذكره بعض العلماء في فرنسا في تلك الحقبة، حيث قيل أن العالم كان من يعرف اللغة العربية لأنه بذلك فُتحت له كتب القانون والتصريف والحاوي والفلسفة، والرياضيات... فذاك تاريخ مضيء وهذا حاضر مظلم فعند النظر في لغات تعليم الطب في العالم كما في الجدول أدناه : نجد الآتي :لغات كليات الطب في العالم (1988)
عدد البــــــلاد
عدد كليات الطب:
بلاد تدرس باللغة الوطنية 103(80%)
بلاد تدرس باللغة الأجنبية 21(16%)
بلاد عربية تدرس باللغة الوطنية 1
بلاد عربية تدرس باللغة الأجنبية 14(66%)
1100(87%)
94 (7%)
3
50 (4%)
العدد الكلــــي 128
1259
الذين يدرسون بلغاتهم1/ العرب جميعهم يدرسون بغير لغتهم الرسمية إلا سوريا والسودان وليبيا جزئياً
كليات الطب في الوطن العربي (1992)
المغرب-2 السودان-11 سوريـا-3 الصومال-1
الجزائر-9 مصــــر-11 الإمارات-1
تونــس-4 اليمــــن-1 قطــــــر-1
الكويت-1 الأردن - 2 السعودية-4
ليبيـــــا-3 العـــراق-6 عمــــــان-1
51 بلغــة أجنبيـــة
10 بلغــة عربية "سوريا والسودان وليبيا"
ملاحظات عامـــــة :
1. اللغة الوطنية هي لغة العلم والثقافة ولا يمكن للأمة أن تبدع بغيرها.2. فقدان اللغة الوطنية فقدان للهوية كما يدلنا على ذلك التاريخ المزامن للاحتلال الأجنبي.3. إن تغيير اللغة من العربية في التعليم العام إلى الإنجليزية في كليات الطب في الوطن العربي لأمر غريب. فبعد أثني عشر عاماً من التعليم العام بالعربية نجد أن الطالب يفقد الثقة بكل ما تعلم.4. مستوى اللغة الأجنبية في التعليم العام متردّ ولا يمكن أن يستوعب علماً كالطب بسهولة، وبالتالي يؤدي إلى انخفاض مستوى الطالب العلمي.5. إن التعليم في أكثر كليات الطب لا يجري بلغة عربية ولا بلغة أجنبية إنما بلغة ثالثة مهجنة مما ساهم في خفض المستوى العلمي للطلاب.6. إن العراقيل التي تذكر في وجه التعريب هي في الواقع نتاج الوضع الراهن وليس أسبابه فلمن تؤلف الكتب وتصدر المجلات وتصاغ المصطلحات بالعربية إذا لم يكن ثمة تعليم بالعربية.7. إن عجز الطبيب العربي عن التدريس بالعربية لا يعدو أن يكون وهماً كبيراً.8. المصطلح العلمي ليس كل المادة الفكرية ولا يمثل أكثر من 2%. ( المصطلح العلمي لا يشكل أكثر من 2% في أي كتاب طبي).9. جميع دساتير الدول العربية تنص على أن العربية هي اللغة الرسمية وأن لغة التعليم في جميع مراحل التعليم هي العربية، وأن التدريس بغيرها يحتاج إلى استثناء.10. مع انحسار الاستعمار بدأت بلدان كثيرة تعود إلى لغاتها الأصلية. وكذلك كان العرب ولكن صار جل القرارات على الورق بلا تنفيذ
الصعوبات:
من خلال تجربتنا في عملية التعريب زهاء الثلاث سنوات الماضية في كلية الطب والعلوم الصحية بجامعة أم درمان الإسلامية واطلاعنا على تقارير أساتذة العلوم الطبية الأساسية، نتوقف عند جملة من الصعوبات تواجه عملية التعريب وتتعلق بالمجالات الخمسة التالية: الأستاذ، والكتاب، والمصطلح، والطالب، والرأي العام.
1 الصعوبات لدى الأستاذ:
إن أساتذة الطب رجال أجلاء يكوّنون ذخيرة كبيرة، ولقد قضوا حياتهم يدرسون بالإنجليزية أو الفرنسية في المغرب ويجدون صعوبة كبيرة في التحول من اللغة التي أجادوها ومارسوا بها الطب والتعليم عشرات السنين خاصة أن جل القوم من الرعيل الذي درس بالإنجليزية أو الفرنسية حتى في المدارس الثانوية وقد وصلوا الآن إلى عمر يجدون فيه أنفسهم منشغلين بأمور كثيرة. وعملية التعريب تحتاج إلى تفرغ، لذلك فإن الأمر يحتاج إلى دعم كبير من الأجهزة والكليات لمساعدة هذا الأستاذ في إكمال عملية التعريب. ويمكننا أن نوصي بالرجوع إلى مقررات مؤتمر عمداء كليات الطب المنعقد في القاهرة 1990 ووضعها موضع التنفيذ، وكذلك لابد من :1. تنظيم زيارات إلى كليات الطب التي تدرس بالعربية، لقد بدأت هذه الزيارات ولكن لابد من إعادة النظر فيها لتكون تدريبية يقوم الأساتذة بزيارة سوريا بغرض :
* الحضور المستمر والمشاركة في المحاضرات، وحضور المحاضرات والتدريس العلمي الإكلينيكي لفترة أسبوعين أو أكثر.2. تهيئة العدد الكافي من الأساتذة العرب وخاصة في العلوم الطبية الأساسية وتدريبهم ليستطيعوا التدريس بها عند تخرجهم.3. إقامة الندوات الدورية في التعليم باللغة العربية، وأقترح أن تكون ندوة لمدة يوم واحد شهرياً بالتناوب بين كليات الطب المختلفة في كل بلد شرع في عملية التعريب أو ينوي الشروع فيها.4. تشجيع مراكز تطوير التعليم الصحي على القيام بدور نشط في إعداد المدرّسين باللغة العربية.5. تشجيع المدرّسين على الترجمة والتأليف وتقديم الدعم المادي المجزي والمساعدة على تقديم إسهاماتهم باللغة العربية في المؤتمرات.
2 المصطلح
لا شك في أن للمصطلح خطره ومكانته في البيان، ذلك أن التصور إذا قام في الذهن استدعى لفظاً يدل عليه أو اسماً يسمى به، فكما أن المولود يوضع له اسم يدعى به ويميزه من غيره فكذلك التصور يستدعي اسماً يختص به ويقتصر عليه. فالتسمية أصل وضع المصطلح وهي أهم جزء في التعبير وفي دقة الدلالة. إن الاسم وسم للتصور كالختم في رأي الكوفيين القدماء أو إبراز وإعلاء وسمو بالتصور كما يرى البصريون حين ننقله من دائرة الغياب الدلالي إلى عالم الحضور اللغوي كي يصبح ماثلاً رهن الاستعمال ويغدو مطية الدلالة في عالم الفكر والكلام والكتابة. إنه حضور وبقاء وتطور بعد أن كان غياباً وضباباً في الذهن أو عدماً.
ولا شك في أن المؤلف عالماً أو فيلسوفاً أو أديباً يختلف عن غيره بانتقاء مفرداته ودقة مصطلحاته وجودة دلالاتها وقلة تعثره فيها.
ومن المناسب أن نفرق بين المفرد اللغوي والمصطلح العلمي. إن المفرد اللغوي ينطلق الفكر فيه من اللفظ إلى المعنى أو التصور الذي قد نجده في المعجم، أما المصطلح فإن الفكر يتجه فيه من التصور أو المعنى أو الشيء الجديد الناجم ليبحث عن اللفظ المناسب للدلالة عليه ولتخصيصه به.
إن الزوبعة حول المصطلح إنما هي زوبعة في فنجان. فهم يتحدثون :1. عن غرابة المصطلح2. صعوبة حفظ المصطلح3. بُعده من الأصل اللاتيني
والرد على هذا الأمر :
أولاً : لا عجب في غرابة المصطلح فهذا هو الأصل في الغرابة لأن الشيء الذي لا يعرفه الإنسان يكون غريباً وعند معرفته به تنتفي الغرابة ومع الزمن يكون معلوماً لأن المصطلح هو اسم لشيء فبعد معرفتنا به يكون عادياً وتنتفي الغرابة عنه.
ثانياً : صعوبة حفظ المصطلح : سوف يكون هذا صعباً وسيستمر صعباً لمن بدأت خلاياه العصبية في العد التنازلي، ولكن لطلاب الطب سوف لن يكون هذا بنفس القدر من الصعوبة ونأمل أن تزول هذه الصعوبة أيضاً بالممارسة ولقد لاحظنا ذلك في طلابنا الذين يكتبون بسلاسة ويمكننا إبراز بعض النماذج.
ثالثاً : بعده من الأصل اللاتيني : هذا لا نستطيع أن نغيره فنحن عندما ننظر في كيفية نحت هذه المصطلحات نتأكد أن المصطلحات الموجودة هي الأقرب إلى الواقع وعلى الرغم من ذلك فإن لجنة المعجم الطبي الموحد مستعدة لتقبل أي انتقادات للألفاظ المصطلحية وإعادة النظر فيها إذا اقتنعت اللجنة بوجاهة البديل كما حدث بالنسبة للمعثكلة، فلقد تغيرت إلى البنكرياس في الطبعة الجديدة من المعجم الطبي الموحد، أما الكلمات غير المصطلحية فاللغة العربية غنية بالمترادفات، فإذا وجدنا في الكتاب السوري مترادفاً شائعاً في سوريا فعند تأليف كتاب سوداني يستعمل كلمات أكثر شيوعاً في السودان وهذا يعتبر محمدة للغة العربية ولم يمنع انتقال الكتاب من قطر إلى آخر.
وكذلك نود أن نذكر أن المصطلح لا يمثل أكثر من 2% من الكلمات في أي صفحة من أي كتاب طبي، وعليه فلن يكون هنالك كبير عناء إذا كتبنا المصطلح اللاتيني بالإضافة إلى المصطلح العربي داخل النص.
إن الهدف الرئيسي هو أن يتفهم الطالب المعلومات العلمية ولا شك أن ذلك سوف يتأتى من القراءة للشرح والتوضيح باللغة الأم كما أسلفنا وذلك هو رأي خبراء التربية والتعليم.
3 الطالب
عندما نسأل الطلاب عن التدريس باللغة العربية، يقولون إن الفهم باللغة العربية أحسن ولكن....!! وعندما نسأل عن (لكن) هذه يقولون إن لديهم تخوفاً من عدم تمكنهم من العمل في البلاد الأجنبية وعدم استطاعتهم مواصلة التدريب بعد التخرج وعدم توافر الكتاب العربي وما إلى ذلك من الأعذار.
فهم الطالب هو أهم أمر في مبحثنا هذا فنحن نهدف أن يتفهم الطالب المادة العلمية ويستوعب العلم، فما دام الأمر كذلك وباعتراف الطلاب فإن أي حديث آخر يصبح جدلا غير موضوعي وفيه كثير من المغالطة.
أما عن عدم إمكانية العمل في البلاد الأجنبية فإن هدفنا هو تخريج الطبيب الذي يعمل في البلاد العربية وفي ظروف تلك البلاد، ولكن كذلك نعلمه اللغة الإنجليزية أو الفرنسية، حتى يستطيع القراءة والكتابة باللغة الإنجليزية كلغة ثانية، ونحن لا نحجر على أحد أن يقرأ الكتب الإنجليزية والمجلات بل نشجعها ونجعلها جزءاً من المنهاج في كلياتنا ولقد أثبتت التجارب في الوطن السوري أن الذين يخرجون للدراسات العليا خارج سوريا يستوعبون دراستهم باللغة الأجنبية بسرعة لأنهم قد استوعبوا العلم الأساسي سلفاً باللغة الأم.
إضافة إلى ذلك فإن مستوى اللغة الإنجليزية في التعليم العام ضعيف جداً ويجد الطلاب المستجدون في الجامعة صعوبة كبيرة في استيعاب المعلومات بسرعة، ولقد أثبتت ذلك دراسات في كليتي طب الجزيرة والخرطوم، إذ تبين أن نسبة النجاح في مادة وظائف الأعضاء قد ارتفعت بعد إدخال التعليم باللغة العربية، عنها عندما كانوا يدرسون باللغة الإنجليزية.
في هذا المجال، أقف وقفة لأقول إن هذه هي عين المغالطة في أن نصر على عدم التعريب رغم قناعتنا بميزاته التربوية، ورغم ظهور نتائجه الإيجابية. في الحقيقة إن الحصيلة اللغوية للطلاب في اللغة الإنجليزية غير كافية ليتعلم بها الطلاب الطب خاصة في مراجعها الأجنبية المؤلفة أصلاً باللغة الإنجليزية.
إذاً ما هو الحل أو العلاج؟
أن نستمر في التعليم باللغة العربية مع استمرار تدريب الأساتذة وتوفير الكتب وكذلك تقوية اللغة الأجنبية ليتخرج الطالب طبيباً يفهم ويستطيع أن يتعلم ويحفظ المصطلحات باللغتين العربية والإنجليزية. ومن جهة أخرى فإن الطالب إذا انتهى من دراسة التشريح باللغة العربية فلقد تعرب التعليم الطبي لديه، لأن المصطلح جله إن لم يكن كله يقع في دائرة مادة التشريح والأنسجة.
4 الكتاب
هنالك كتب عربية في الوطن السوري، منها ما هو مؤلف بواسطة أساتذة كليات الطب ومنها ما هو مترجم بواسطة الأساتذة وبواسطة الطلاب، وعند النظر في هذه الكتب نجد فيها الجيد ومنها ما دون ذلك. ولقد قامت منظمة الصحة العالمية بتكليف لجنة من أساتذة الطب على رأسهم الأستاذ الجليل الدكتور إياد الشطي واستطاعت انتقاء أكثر من ستين عنواناً ترى اللجنة أنها كتب مناسبة وتغطي جميع التخصصات الطبية الرئيسية، وكما أرسلت منظمة الصحة العالمية قائمة بذلك وأهدت نسخة واحدة من هذه الكتب لجميع كليات طب الوطن العربي وقامت بتكليف أساتذة أجلاء بتأليف كتب بدأت بالطب الشرعي والطب النفسي. كل هذه مجهودات مقدرة في المكتب الإقليمي ومديره العام الدكتور حسن الجزائري نحو تأمين الكتاب الطبي العربي، ولا يمكن أن يكتمل ذلك في يوم وليلة وكذلك لا يمكن أن ينجز بدون استمرار عملية التعريب.
ونحن في بداية التجربة هذه استطعنا أن نحدد على الأقل كتاباً واحداً باللغة العربية لكل من العلوم الطبية الأساسية وإن كان هنالك بعض المآخذ على بعض هذه الكتب، ولكن هذه المآخذ ليست مدعاة لعدم بداية التعريب ويجب أن نعلنها صريحة إن البداية ستكون ضعيفة لعدم توفر الكتاب وغيره من العوامل ولكن الكتاب هو أيسر هذه المعوقات ويجب أن نعلم أنه لا يمكن تأمين الكتاب الممتاز إلا باستمرار عملية التعريب أما الدعوة إلى توقف التعريب لتأمين الكتاب فهو قول مردود، إنه دعوة لتوقف التعريب ولكن بطريقة دبلوماسية. إننا يجب أن نؤكد أن التعليم باللغة الأجنبية الضعيفة هو سبب التردي في المستوى الأكاديمي وليس اللغة العربية التي كان يدرس بها الطلاب طوال حياتهم العلمية في التعليم العام.
لقد بدأنا تأمين كتب عربية في المواد الرئيسية : التشريح، والكيمياء الحيوية، ووظائف الأعضاء، وعلم الأمراض، وعلم الأحياء الطبية الدقيقة، ويمكن الاستعانة بالكتب المطبوعة في سوريا في بقية التخصصات. وكذلك بدأنا في مشروع تأمين الكتاب الطبي المعرب ونرجو أن يكون ذلك مشروعاً تتبناه الهيئة العليا للتعريب ومنظمة الصحة العالمية مع المركز العربي للتأليف والترجمة والنشر بدمشق ومكتب تنسيق التعريب وبمشاركة نخبة من أطباء الوطن العربي من مشرقه ومغربه.
5 الرأي العام :
نتيجة لإصرار الأطباء على التحدث بالإنجليزية ظن الرأي العام أن الطب لا يمكن تعلمه بالعربية كذلك نجد أن كثيراً من الذين تعلموا واعتبروا مثقفين يدخلون أبناءهم المدارس الأجنبية، وصار الأمر حلقة مفرغة لا علم بلا تعليم أجنبي ولا طب بلا إنجليزية وكل الأمر ليس له أساس علمي.
لذلك نرى أن الرأي العام يعترض على التعليم بالعربية، فقد حدثني كثير من الأباء أن العربية ستؤدي إلى انخفاض المستوى، و...... و......الخ. ولكن الأمر غير ذلك. لقد تحدثنا سالفاً عن لغة الأم ودورها في التعليم: اللغة العربية مشهورة بالإنجاز والدقة.
إن الأمر يدخل في مخطط مترامي الأطراف يدبر له الأعداء ولكن العرب هم الذين يؤججون ناره بإلقاء الوقود فيه، ولكن النار تتأجج لتأكل الأخضر واليابس وتأكل تراث الأمة نار التغريب - نار فقدان العلم، نار الجهل.
وكما قال الدكتور عبد الله الهامي:
أيا لغة القرآن أنت حياتنا ** ومرآتنا فيما نقول ونعمل
ورثت كنوز الأرض علما وحكمـة ** فما لغة في الأرض إياك تعدل
.................
لعل الليالي السود تنجاب في غد ** ويشرح صبح بالعدالة مقبل
ومن يخش نيران الكفاح ووقدها ** فان لها من هم أعز وأنبــل
الخاتمــــــــة :
يبقى أن نقول إن القصور منا لا من لغتنا والعيب فينا لا في لساننا، فاللغة مرآة لأصحابها تحيا بهم وتضعف بهم وتموت بموتهم وليس لها عقل ومنطق لتحتوي على أسماء جاهزة لمسميات ليست من اختراع المتحدثين بها.
لا شك أن التعليم عامة والطب خاصة باللغة التي يفهمها الطالب ويفكر بها ويستوعبها هي الأولى أن يؤخذ بها وتجند لها جميع الإمكانات، وما أظن أن كلية أو جامعة تؤمن بقضية أمتها وبمصيرها تقدم على هذه الردة التي ليست في مصلحة الطالب ولا في مصلحة الأمة، ولكن أؤيد القوم في أن الإمكانات لتأمين احتياجات التعريب يجب أن توفر. فلنضع جميعاً أيدينا سوياً في مشروع حضاري سوف تتحدث عنه الأجيال كما نتحدث نحن الآن عن بيت الحكمة وعصر الترجمة وعصر الإبداع وعصر الإنجاز الحضاري للأمة الإسلامية. نحن أمة قوامها ما يزيد على مائتي مليون . أما آن لنا أن نتحدث بلغتنا وقضيتنا واضحة وممكنة وهي تدريب الأستاذ وتأمين الكتاب والعمل بتجرد خدمة لقضية العلم. أملنا بغد مشرق، والغد من صنع اليوم فلنعمل معاً بقلوب ملؤها الإيمان بأن الخير باق في أمتنا كما رفعها الأسلاف مثل ابن سيناء، وابن النفيس، والرازي والزهراوي، والله أسأل أن يهدينا جميعاً سواء السبيل ويسدد خطانا.
--------------
- د. عبد الوهاب الإدريسي - عميد كلية الطب والعلوم الصحية - جامعة أم درمان الإسلامية (السودان)
مجلة اللسان العربي – عدد 43