أزمة التعريب في التعليم المغربي

أما إذا كانت الذريعة هي مواكبة التطور، فهذا ما يزيد من جهلها لأنه وبكل بساطة لا يمكن أن نكون فرنسيين بأي حال من الأحوال، لا يمكن أن نفكر مثلهم، أن ندرس مثلهم ، أن نتربى مثلهم، بل لا يمكن أن ننسلخ عن هويتنا وثقافتنا التي لا يعرفها إلا المغربي .فكل الدول التي درست العلوم بلغتها تطورت وحققت تنمية لسكانها: اليابان، الصين، كوريا، ماليزيا، الهند، إيران.....أما الدول التي ظلت تفكر بغير لغتها الأم فما زالت تحت وطأة التخلف من قبيل: دول العالم الثالث وكثير من الدول الإفريقية.

   يجب أن نتفق مع ملك البلاد وندعم الطرح الذي اقترحه لتصحيح مسار التعليم في المغرب، كل المجالات قابلة لكي تسييس إلا التعليم الذي يجب أن ينأى بعيدا عن المزايدات السياسوية. وإذا كنا في مرحلة الإصلاح فلا يمكن أن نبدأ إلا باللغة بإخراج أكاديمية محمد السادس للغة العربية إلى الوجود وإيلاء اللغة العربية المكانة التي تستحقها، فالمشكلة ليست في اللغة بل في متكلميها الذي يحملون لواء تطويرها وجعلها مواكبة للتطور، بتفعيل دور معهد الدراسات والأبحاث للتعريب بمنحه صلاحيات لغوية وتربوية كبيرة وألا نترك نتائج أبحاثه حبرا على ورق،؟ لماذا يعرف المغاربة كل الذين يسمونهم فنانين؟ ولا يعرفون مثقفي البلاد وكتابها وباحثيها؟ ربما خلف ذلك سياسة معينة هي أن تجعل من الدكتور المهدي المنجرة عالم المستقبليات ، والدكتور إدريس السغروشني صاحب نظرية انشطار الفتحة في اللغة العربية ، والقاص أحمد بوزفور الذي رفض جائزة المغرب للكتاب، والدكتور الفاسي الفهري عبد القادر الذي بنى مشروعا لسانيا توليديا كبيرا في المغرب وكان له الفضل في إدخال وتعريف اللسانيات بالمغرب، والدكتور عبد الرحيم جيران الذي يقاوم خفافيش الظلام من أجل أن يوصل نظرياته المنقحة في سيميائيات النص، عبد الله العروي الذي بنى مشروعا ابستومولوجيا جديرا بالاهتمام والتحليل، إدريس الشريبي الذي مات في الظل فجاءت صورة خبر وفاته أصغر من صورة نانسي عجرم في أحد الجرائد المغربية.......... وغيرهم كثير، أن تجعل منهم عفاريت وتماسيح يعيشون في الظل دون أن نستفيد منهم في وضع مخططات تربوية تعيدنا إلى السكة الصحيحة، بدل تهميش أفكارهم ونظرياتهم. إذن تفهمون جيدا لماذا تغدق حكوماتنا الملايين لإقامة مهرجانات وحفلات ومسابقات غنائية تحت شعار الثقافة للجميع، في حين لو أبدلنا أولئك الفنانين - المحترمين جدا- بهؤلاء الكتاب لتحول مغرب الثقافات إلى عاصمة الخرافة للجميع. فكل شيء مرتبط بالإرادة السياسية لحكومتنا. لذلك عقب كل دخول مدرسي يتكلم الجميع عن أزمة التعليم في المغرب دون أن ننتبه إلى أن الأزمة هي أزمة فكر وأزمة تخطيط ومنهجية، لم تراهن أي حكومة في المغرب يوما على الاستثمار في العنصر البشري بتنميته ثقافيا ومعرفيا ،بل كل السياسات المتعاقبة تزيد من حجم الهوة بين المتعلم والعلم، أفقرت الأستاذ وشردت أذهان التلاميذ بمحتويات معرفية فارغة، لم تمنح الأستاذ حصانة دبلوماسي وأجرة وزير، بل معاناة يومية في تحصيل القوت اليومي ليظل الهم الكبير هو الخبز بدل العلم. أما مسألة الإصلاح فلا يختلف اثنان في كونها يجب أن تكون بنيوية تركز بكل بساطة على الإبداع عبر الملاحظة والفهم والتأويل لا أقل ولا أكثر، بدون كثرة الكلام عن المخططات والمشاريع والبرامج والكفايات والمهارات.....

   يجب أن نكن أكثر وضوحا وصراحة ونقر أنه يجب على نظامنا التربوي أن يعلن القطيعة بين التعليم القائم على المنتج والمستهلك، والتعليم الذي يؤمن بتبات المعارف، بل يجب أن نفكر أيضا أن هذه القطيعة لن تكون أبد بالأمر السهل اعتبارا أن الكثير من وسائل التعليم ونظمه قد ترسخت فينا بشكل متحجر ، مما دفع بالكثير من الأصوات إلى رفع صوت "إرحل" في وجه التصلب التربوي الجاثم على قلوبنا من قرون، بل إن هذا التحجر هو الذي كان سببا في فشل الكثير من الإصلاحات التربوية التي كانت تهدف إلى تعريب التعليم وجعله باللغة الأم أو اللغة المعيار في إشارة واضحة إلى اللغة العربية، بل الأكيد أن هذا النهج التربوي قد أثبت نجاحه في الكثير من الدول التي استطاعت أن تحقق نهضة علمية وفكرية واقتصادية كبيرة.

   فإذا كان الواقع يقول إننا قد سئمنا الحال، وسئمنا ما نحن عليه، فإن الحل بين أيدينا إذا فكرنا بطريقة سليمة تعيدنا مرة أخرى إلى الريادة، خصوصا مع الإرادة السياسية التي أقرت بضرورة تأسيس أكاديمية محمد السادس للغة العربية باعتبارها مؤسسة مسؤولة على حماية اللغة العربية وجعلها في صلب الاهتمام والفكر والإبداع، إلا أن هذه الإرادة ظلت مكبلة بأيادي خفية تكن العداء لها خصوصا بعد المسار التشريعي الطويل الذي ابتدأ بإقرارها في لجنة التربية والتكوين في يونيو 1999، وصدور قانونها التأسيسي في يوليوز 2003، بإجماع ممثلي الشعب ومصادقة مجالس الحكومة والوزراء برئاسة جلالة الملك.. ويصدق هذا التجاهل والحِجر على مقتضيات ميثاق التربية والتكوين، خاصة المادة 114 التي تقر بفتح شعب علمية وتقنية في التعليم الجامعي باللغة العربية (مع دعمها بلغتين أجنبيتين)، كشرط من شروط ضمان الاختيار المسؤول، وتكافؤ فرص النجاح للمتعلمين الذين يختارون تعلم هذه المواد بالعربية أساسا.

   الحقيقة أنه عندما يعيش نظامنا التربوي الشتات المصطلحي ، فإنه لن ينتج سوى شتاتا معرفيا لا يمكن له أن يواكب الأنظمة التربوية العالمية، لذلك يجب أن نشتغل منذ اليوم على ضرورة تبني نظام مصطلحي ممنهج يعمل بطريقة نسقية ومحوسبة تحت إشراف مؤسسة مرجعية واحدة، فنحن نرى أن الأوان قد حان لكي نفعل تنزيل مشروع أكاديمية محمد السادس للغة العربية، فالعيب كل العيب أن تؤسس إسرائيل مجمعا للغة العربية، بل وتجعل من اللغة العربية لغة رسمية إلى جانب العبرية، ونحن مازلنا في بلدنا نعيش على أطلال الأجداد، فالعيب كل العيب أن أكثر من 22 دولة عربية وثلاثة دول أجنبية ( إسرائيل ، اريتريا، التشاد ) تتخذ من اللغة العربية لغة رسمية لها ونحن مازلنا نصارع مع "دونكي شوط" الطواحين الهوائية، فالعيب كل العيب أن نعيش شتاتا مصطلحيا في الوقت الذي تتكتل فيه الدول حول بناء أنساق معرفية متطورة وموحدة تشجع البحث العلمي وتمجده، فما الذي يجعل من المنظومة التعليمية الفنلندية منظومة ناجحة؟ يعود الأمر بالدرجة الأولى إلى الطابع المحلي للتجربة، والاعتماد على الإمكانات الذاتية، وتشجيع البحث العلمي الذي تخصص له حوالي أربعة بالمائة من الناتج الوطني الإجمالي ، وهو معدل مرتفع بالمقارنة مع الإمكانات الاقتصادية للبلد. يمكن أن نستفيد من هذه التجارب بشكل كبير إذا نحن أحسنا التعامل مع خصوصيات هويتنا الثقافية واللغوية بشكل ينسجم مع طبيعة التفكير وطبيعة العنصر البشري باعتباره الفئة المستهدفة.بخلق مؤسسات كفيلة بتأطير البحث العلمي وتحفيز الباحثين وتشجيعهم على العطاء.

   كل سياسة تعليمية تحترم نفسها يجب أن تنظر إلى التعريب أنه الوسيلة الوحيدة التي ستساعدنا في رسم خارطة طريق التعليم المغربي بتفعيل دور المجامع اللغوية والمعاهد الرسمية ، والتسريع من وتيرة إخراج أكاديمية محمد السادس للغة العربية.

 

 

 

 

 

 

nike kyrie irving jersey for sale on ebay shoes

التصنيف الرئيسي: 
التصنيف الفرعي: 
شارك: