الإِعْمَال في مَعنى الإِبْدَال للإمام أبي الحسن تَقيّ الدِّين السُّبْكيّ (ت 756هـ)/ تحقيق د. يوسف عبد الله الجوارنة/ جامعة الزرقاء الخاصّة- الأردن/ نشرت في مجلة الأحمدية بدبي (ع25/ 1431هـ/2010م)
التعريف بالبحث:
كان السّبكي يميل إلى الاعتقاد بما ذهب إليه النّحاة، حتّى تبيّن له من كلام العرب (نثرًا وشعرًا)، أنّ الباء يمكن أنْ تدخل على المأخوذ كذلك، وهو ما كان يذهب إليه الفقهاء الذين خطّأهم النّحاة ومنهم أبو حيّان الأندلسي (ت 745هـ).
ومَن يُمْعِن النظر في الأمثلة والشواهد التي حشدها السُّبكي وابنُ لبٍّ الغرناطي (ت 782هـ) من بعده، على تعيين محلّ الباء ودخولها على المتروك أوالمأخوذ، يجد أنَّ السّيِاق في غالب الأحيان هو الفيصل في تحديد دخولها، وهو ما اعتمدته لجنة الألفاظ والأساليب في مجمع اللغة العربية في القاهرة وقرّرته.
مقدّمة:
الحمدُ للّه ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّد المرسلين، محمّدٍ –صلّى الله عليه وسلّم- أفضلِ مَن نطق بالضّاد لسانًا، وأبلغِ مَن أقام الكلم بيانًا، وبعد:
فإنّ للإمام المتفنّن تقيّ الدّين السّبكي المتوفّى سنة (756هـ) –فضلاً عن كونه فقيهًا وأصوليًّا لا يشقّ له غبار- رسائلَ نفيسةً في اللغة العربيّة، حَرَص فيها على تقييد كثير من المسائل التي خاض فيها الأصوليّون وخالفوا فيها النّحويين، كرسالته "التهدّي إلى معنى التعدّي" التي حاول فيها أنْ يبيّن مفهومًا جديدًا للمفعول المطلق، من خلال تقسيمه الأفعال إلى قسمين: أفعال عامّة وأفعال خاصّة، ورسالته هذه التي أثبت فيها دخول باء البدل على المأخوذ كدخولها على المتروك، مستشهدًا لما قيّده بنماذج من كلام العرب الفصحاء.
ولعلّ ما دعاني إلى الاهتمام بالرّسالة –مع اعتمادي فيها على نسخة مخطوطة واحدة، وما يَعْتور ذلك من مصاعب في التغلّب على مشكلات المخطوط ومحاولة إخراج النصّ على الطّريقة التي المثلى التي أرادها المؤلّف- هو جِدّةُ موضوعها، وتقييدُها لمسألةٍ مهمّةٍ جاءت مخالفةً لما قَيّدَه النّحاةُ وأثبتوه في مصنّفاتهم. لذلك انصبّ عملي فيها على جانبين:
الأوّل: الدّراسة، وصدّرتها بتمهيد يكشف عن الفكرة التي تعالجها الرّسالة، ثمّ تحدّثت عن المؤلّف السّبكي ورسالته "الإعْمال".
الثاني: النصّ المحقّق، وصدّرته بالحديث عن المخطوط وعملي فيه.
وبعد، فأرجو أنْ أكون قد وفّقت في نَشْر هذه الرّسالة وإخراجها إلى عالم النور والمطبوعات، فإنْ كان ذلك فنعمةٌ من الله ومِنّة، وإنْ كان غيرها فمن نفسي وتقصيري. ويطيب لي في هذا المقام أنْ أتقدّم بالشّكر الجزيل لكلّ من كان له عَونٌ في المساعدة على إخراج الرّسالة، وأخّص منهم المحقّقَيْنِ إِياد الغوج وعمر القِيَّام.
والله وليّ التوفيق
القسم الأوّل: الدّراسة
أولاً: تمهيــد
ثَمّة رأي شائع بين النحاة أنَّ الباءَ من حروف الجرّ، تَدخل في مادَّة (ب د ل) ومشتقاتها على المتروك (المعوَّض منه، الذاهب) لا على المأخوذ (المعوِّض، الحاصل). وفي هذا السّياق ردَّ أبو حيان الأندلسي قول الإمام النّووي في كتابه "المِنهاج" إذْ قال عند تعرّضه لقراءَة الفاتحة في الصَّلاة: "ولو أَبدل ضادًا بظاء لم تصحّ صلاته" – فقال: "لو جرى كلامُه على اللسان العربي لقال: ولو أبدل ظاءً بضاد، أي جعل بدل الضَّاد ظاءً؛ فالمنصوب هو الذي يصير عِوضاً، وما دخلت عليه الباءُ هو الذي يكون معوَّضًا منه"([1]).
تَرِدُ الباءُ في كتب حروف المعاني على معانٍ كثيرة، يتّصلُ بعضها صلة وثيقة برسالة السُّبكي؛ مثل: البدل، والعِوض أو المقابلة([2]). ولمّا كان موضوع الرسالة مختصًّا بالإبدال وما يتفرّع من مادة (ب د ل) من مشتقات أخرى، فإنَّ الباء مع هذه المشتقات تدخل إمّا على البدل أو العِوض (المأخوذ)، وإمّا على المُعوَّض منه أو المُبدَل منه (المتروك). والمعاني المتحقّقة من مشتقات مادّة (ب د ل) لا تخرج في مجموعها عن ثلاثة معانٍ، هي([3]):
أولاً: التغيير:
ومنه قوله تعالى: "لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ" (الكهف: 27)، وقوله: فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً" (فاطر: 43)، وقوله: "لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّه" (يونس: 64)، وقوله: "يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ" (الفتح: 15)، وقوله: "ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي" (يونس: 15)، وقوله: "فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ" (البقرة: 181)، وقوله: "إنّي أخاف أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ" (غافر: 26).
وفي هذا المعنى تدخل الباءُ على المأخوذ، كقولِ الإمام النووي: "ولو أبدل ضاداً بظاء لم تصحّ صلاته". وقولِ الفراء: أبدلتُ الخاتَم بالحَلْقة، إذا حوَّلتُ الخاتَم إلى حَلْقة. وقولِه: بدَّلتُ الحَلْقة بالخاتَم، إذا حولتُ الحَلْقة إلى خاتَم. وقَوْل الرّازي (ت791هـ) في المختار: الأبدالُ قومٌ من الصّالحين لا تخلو الدّنيا منهم، إذا مات واحدٌ منهم أبدل الله تعالى مكانه بآخر([4]). وقَوْلِ ابن الشّجري (ت542هـ) في تعليقه على قول الشّاعر الشّماخ بن ضرار الذبياني (ت31هـ):
وشُعبتا مَيْسٍ براها إسكافْ([5])
قال: فأبدل النَّجار بإسكافْ([6]).
وقولِ التاج السُّبكي في تعليقهُ على قول القائل:
وإليكمُ دارُ الحديثِ تُساقُ([7])
قال: أبدل "هذا" بـ "دار".
وقد تُحذفُ الباءُ فيه كقوله تعالى: "يَوْمَ تُبدَّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْض" (إبراهيم: 48)، وقوله تعالى: "بَدَّلُوا نِعْمَةَ الله كُفْرا" (إبراهيم: 28)، على تقدير: الأرضُ بغير الأرض، ونعمةَ الله بكفرهم، على اعتبار أنّ الباء داخلة على المأخوذ لا المتروك.
وقد حَشَدَ ابن لبّ الغرناطي طائفةً من الشّواهد الشّعريّة دخلت فيها الباء على المأخوذ كقول أبي تمّام: (الطويل)
بِسَيْبِ أبي العبّاسِ بُدّلَ أَزْلُنَا بِخَفْضٍ، وصِرْنا بَعْدَ جَزْرٍ إلى مَدّ([8])
وقول أبي الطيّب: (البسيط)
أبْلَى الأجِلَّةَ مُهْري عند غيرِكُمُ وبُدِّلَ العُذْرُ بالفُسْطاطِ والرَّسَنُ([9])
وقوله في مدح كافور: (الخفيف)
مَنْ لبِيضِ المُلوكِ أنْ تُبْدِلَ اللّو نَ بِلَوْنِ الأستاذِ والسَّحْناءِ([10])
وقول المعرّي: (البسيط)
يقولُ إنَّ زماناً يَسْتقيدُ لهم حتى يُبَدَّل من بُؤْسَى بنعماءِ([11])
وقول عديّ بن زيد العبادي: (المنسرح)
وبُدِّلَ الفَيْجُ بالزُّرافةِ والـ أيّامُ خُوْنٌ جَمٌّ عَجائِبُهـا([12])
ثانيًا: البَدَل
وهو ما يُقام الشّيءُ مُقام غيره ويُوقَع موقعه على جهة التّعاقب دون المُثامَنة أو العِوَض([13])، وفيه تدخل الباء على المتروك، كقولِ الصّحابي عمرو بن تغلب بعد أنْ مَدَحه رسول الله -صلّى الله عليه وسلم-: "ما أُحبُّ أنّ لي بكلمةِ رسولِ اللهِ حُمْرَ النَّعَمِ"([14]) أي: بَدَلها، وقول امرئ القيس: (الطويل)
أَأَسماءُ أمسى وُدُّها قد تَغَيَّرَا سَنُبْدِلُ إنْ أَبدلتِ بالوُدِّ آخرَ([15])
ويجوز جرُّ المبدل منه بِـ (مِن) بدل الباء، كقولك: أبدلت كذا من كذا، ووضعُ "مكان" أو "بعد" مكانها كذلك، كقوله تعالى: "وإذا بدّلنا آيةً مكان آيةٍ (النحل: 101)، وقوله تعالى: "ثمّ بَدّلَ حُسنًا بعد سوءٍ" (النمل: 11).
ويجوز فيه كذلك حذفُ الباء كقوله تعالى: "فأولئك يبدّل اللهُ سيّئاتِهم حسناتٍ" (الفرقان: 70)، وقوله: "يومَ تُبدّلُ الأرضُ غيرَ الأرضِ" (إبراهيم: 48).
ثالثًا: العِوَض
وهو ما تُعْقِب به الشّيءَ على جهة المُثامَنة([16])، أيْ ما يدلّ على تعويضِ شيءٍ من شيءٍ؛ وفيه تَدخل الباء على المتروك أو المأخوذ بحسب المعنى المقصود؛ فإذا اقتضى المعنى الأثمانَ بيعاً وشراءً، دخلت الباءُ على المتروك في الشّراء كقولك: اشتريت الثوب بدرهمين، ودخلت على المأخوذ في البيع كقولك: بعتك الثوب بدرهمين.
والفعل (شَرَى) من الأفعال التي تُستخدم في الشّيء ومقابله؛ فهو بمعنى (باع) وعليه قوله تعالى: "وشَرَوْه بثمنٍ بَخْسٍ" (يوسف: 20) أيْ باعوه، ومنه قولُه تعالى: "فليقاتِلْ في سبيل الله الذين يَشْرون الحياةَ الدّنيا بالآخرةِ" (النّساء: 74)، أيْ يبيعون، وقولُه تعالى: "ومِن النّاس مَن يَشْري نفسه ابتغاء مرضاتِ الله" (البقرة: 207)، أي يبيع نفسه بمرضات الله، ومنه حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه قال: "اشترى رجلٌ من رجلٍ عَقارًا له، فوجد الرجلُ الذي اشترى العقارَ في عَقارِه جَرَّةً فيها ذهبٌ، فقال له الذي اشترى العقارَ: خُذْ ذهبَك مني، إنّما اشتريتُ منك الأرض ولم أَبْتَع منك الذهبَ، فقال الذي شَرَى الأرضَ: إنّما بعتُك الأرضَ وما فيها، قال: فتحاكما إلى رجلٍ، فقال الذي تحاكما إليه: ألكما ولد؟ فقال أحدهما: لي غلامٌ، وقال الآخر: لي جاريةٌ، قال: أَنْكِحوا الغلامَ الجاريةَ، وأَنْفقوا على أنفسكما منه، وتَصَدَّقا"([17])، أي بعتك الأرضَ وما فيها بثمنها، فدخلت الباءُ في ذلك كلّه على المأخوذ.
ويأتي بمعنى اشترى ومنه قوله تعالى: "إنّ اللهَ اشترى من المؤمنين أنفسَهم وأموالَهم بأنّ لهم الجنّة" (التوبة: 111)، فالجنّة -كما يقول تاج الدّين التبريزي (ت749هـ) في شرح الحاجبيّة- عِوَض لا مُعَوَّض، وعليه قولُ الشّاعر عنترة: (الوافر)
حِصاني كان دَلاّلَ المنايـا فخاضَ غِمارَها وشَرَى وباعا
وسيفي كان في الهَيْجا طبيبًا يُداوي رأسَ مَن يَشكو الصُّدَاعَا([18])
ولعلّ من هذا المعنى قوله تعالى: "أولئك الذين اشتروا الضّلالةَ بالهُدَى والعذابَ بالمغفرةِ" (البقرة: 175)، فدخلت الباءُ على المتروك.
وإذا اقتضى المعنى الأعواضَ دخلت الباءُ على المتروك، كقوله تعالى: "وبدّلناهم بجنّتيهم جنّتينِ" (سبأ: 16)، وقوله تعالى: "ومَن يَتَبدّلِ الكفرَ بالإيمانِ" (البقرة: 108)، وقوله: "ولا أنْ تَبَدَّلَ بهنّ من أَزواج" (الأحزاب: 52)، وقوله: "أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خيرٌ" (البقرة: 61)، وقوله: "وإنْ أردتم استبدالَ زوجٍ مكانَ زوجٍ" (النساء: 30)، وقوله: "ويستبدلْ قومًا غيركم" (محمد: 38)، أي قومًا غيركم بكم، وقول الراجز:
تَضحكُ مني أُختُ ذاتِ النِّحْيَينْ
أبدلكِ الله بلونٍ لونينْ
سوادَ وجهٍ وبياضَ عينينْ([19])
وقد يقوم مقام الباء ما يؤدي معناها، كقوله تعالى: "ولَيُبدِّلَنَّهم من بعد خوفهم أمنًا" (النور: 55)، وقد تُحذف لدلالة المعنى عليها كقوله تعالى: "عسى ربُّنا أنْ يُبْدلَنا خيرًا منها" (القلم: 32). ويجوز اجتماع الباء و(مِن)، وفي هذه الحالة تدخل الباءُ على المأخوذ و (مِن) على المتروك([20])، ومنه قول المعرّي: (البسيط)
إذا الفتى ذَمَّ عَيْشاً في شَبيبتِه فما يقولُ إذا عَصْرُ الشَّباب مَضَى
وقد تعوَّضْتُ مِنْ كُلٍّ بِمُشْبِهِه فما وجدتُ لأيّامِ الصِّبا عِوَضَا([21])
فقد استخدم الشّاعر (تعوَّض) بمعنى (تَبدّل).
وبعد:
فإنّ مَن يُمْعِن النظر في الأمثلة والشّواهد التي حَشَدها السُّبكي وابنُ لبٍّ الغرناطي في رسالتيهما على تعيين محلّ الباء ودخولها على المتروك تارةً والمأخوذ أخرى، يجد أنَّ السّيِاق في غالب الأحيان هو الفيصل في تحديد دخولها. لذلك، فقد اعتمدت لجنة الألفاظ والأساليب في مجمع اللغة العربية في القاهرة، أنَّ باء البدل يجوز دخولها على المتروك أو على المأخوذ، وقَيَّدت قرارَها بأنَّ المدار في تعيين ذلك يكون على السياق([22]).
وعليه، فإنَّ اعتراض أبي حيّان الأندلسيّ على الإمام النّوويّ، وتخطئته إيّاه في استعمال الباء وإدخالها على الحاصل دون المتروك، لا يَعضده دليل بعد ورود شواهدَ كثيرةٍ تبيّن صحة دخول الباء على الحاصل المأخوذ. لذلك، فإنَّ الإمام السُّبكي يُعدّ من السَّابقين في التنبيه على هذه المشكلة اللغويّة التي دَرَجَ عليها اللغويّون والنحويّون قرونًا متتالية دونما تقييدها، على الرّغم من ورودها منذ عصر الاحتجاج وما تلاه.
مشتقات (ب د ل)
تستعمل الأفعال من مادّة (ب د ل) متعدّية على الأغلب. واللازم منها هو بَدِلَ يَبْدَل بَدَلاً بمعنى وَجِعَتْه مَفاصِلُه، أو عِظامه، أو يَداه ورِجلاه([23]). وهذا الفعل اللازم غيرُ مستخدم –بهذا المعنى- في معاني الباء ومدخولها. وعليه، فإنّ أفعال هذه المادّة المستخدمة هي الأفعال المتعدّية، قال ابن منظور([24]): تَبدَّل الشّيءَ وتَبدّلَ به، واستبدله واستبدل به، وأَبدل الشّيءَ من الشّيءِ وبَدَّله: تَخِذَه منه بَدَلاً. وأَبدلَ الشّيء بغيره وتَبدَّل به: أخذه مكانه.
وأكثر هذه الأفعال المتعدّية استعمالاً أربعة: أَبْدَلَ، وبَدَّلَ، وتَبَدَّلَ، واستبدَلَ، وهي أفعال تتعدّى إلى مفعولين صريحين، أو أحدهما بحرف جرّ -وهو الأشيع- إذا اقتصر فيهما على متقابلين (متروكٍ ومأخوذٍ)، وقد تتعدّى إلى ثلاثة مفاعيل أحدها بحرف جرّ كقوله تعالى: "وبدّلناهم بجنّتيهم جنّتينِ" (سبأ: 16)، قال أبو حيّان: "وأَصلُ (أَبْدَل) و(بَدَّل) أنْ يتعدّى لاثنين منصوبين والثالث بالباء، ألا ترى كيف صرّح بذلك في قوله:
أَبـدلكِ الله بلَـونٍ لَوْنينْ
وفي قوله: "وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ" (سبأ: 16). وقد جرت عادة النحويين أنْ يقولوا: "أبدلتُ كذا بكذا" ولا يَذكرون المفعول الأوّل، وأيضا فليس المعنى عليه، لأنك إذا قلت: أبدلت هذا الحرف بهذا الحرف، لا يريدون أبدلتك هذا الحرف بهذا الحرف، على أنه لا يبعد أن يكون أصله هكذا، ثم حذف المفعول الأوّل، وكثر حذفه في اصطلاحهم حتى صار نِسْيًا لا يُراد معناه بوجهٍ"([25]).
أما إذا كانت متعدّيةً إلى مفعول واحد –كما ذكر السّبكي في رسالته- فإنّ المفعول الثاني يكون محذوفًا على الأغلب، ويمكن –لفهم المعنى- تقديره كقوله تعالى: "فمن بدّله بعد ما سمعه" (البقرة: 181)، إذْ يُقدّر المفعول الثاني: فمن بدّله بغيره بعدما سمعه.
وتَعَدّي هذه الأفعال بحرف الجرّ (الباء) غالبًا، جعل لها معاني تخرج إليها، ويكون لهذه المعاني دورٌ كبير في تحديد دخول الباء على أحد المفعولين (المتروك أو المأخوذ)، وذلك ما عَرضتُ له، وما سيأتي في الرسالة.
ثانيًا: مؤلّف الرّسالة
الإمام تَقيُّ الدِّينِ السُّبْكيّ
هو الإمام، الفقيه، الحافظ، المفسِّر، النّحويّ، اللغويّ، الشّيخ أبو الحسن، تقيّ الدّين، عليّ بنُ عبد الكافي، السُّبْكيّ([26]).
وُلد بـ (سُبْك)([27]) سنة (683هـ)، وقَدِم به والده([28]) إلى القاهرة، فتتلمذ فيها على كبار العلماء والأئمة؛ فأخذ الحديث عن الحافظ شرف الدِّين الدِّمياطي (ت705هـ)، والفقهَ عن شيخ الشّافعيّة نجم الدّين بن الرِّفعة (ت710هـ)، وحفظ "التنبيه" لأبي إسحاق الشّيرازي (ت476هـ)، والأصولَ عن الإمام النّظّار علاء الدِّين الباجي (ت711هـ)، وقرأ النحوَ والعربيَّةَ على الشيخ الإمام أبي حيّان الأندلسي (ت745هـ)، وصَحِب في التَّصوّف الإمام ابنَ عطاء الله السّكندري (ت709هـ)، وقرأ القراءاتِ على الشيخ تقيّ الدِّين بن الصَّائغ (ت725هـ).
كان رحمه الله ذا حافظة قويَّة، مكَّنَتْه أنْ يكون بارعًا في الفقه والأصول والعربيّة وشتّى أنواعِ العلوم، فغدا عالماً نِحريراً يُشارُ إليه ويُرحل؛ فقد تفقَّه به جماعةٌ من الفقهاء والأئمة الكبار، كالشّيخ جمال الدين الإسنوي (ت772هـ)، والقاضي شمس الدين بن النّقيب (ت745هـ)، وسمع منه الحفاظُ الذين طارت شهرتهم فعمّت الآفاق: أبو محمدٍ البِرْزالي (ت739هـ)، وأبو الحجَّاج المِزِّي (ت742هـ)، وأبو عبد الله الذّهبي (ت748هـ) ، وغيرهم كثير.
وأشغل وأفتى وصنّف ودرّس بالمنصوريّة والسّيفيّة وغيرهما، ثمّ انتقل إلى الشام، فولِيَ قضاء دمشق بعد وفاة القاضي جلال الدين القزويني سنة (ت739هـ)، "فأزال عَطَلَه، وأزاحَ خَطَلَه، وأصلح فاسدَه، ونفَّق كاسده" على حدِّ تعبير الأديب ابن فضل الله العمري([29]) (ت749هـ). وكذلك أسنِدت إليه فيها خطابةُ الجامع الأُموي، وهو منصب لا يعتليه إلاَّ العلماءُ ذوو الشَّأن الكبار، قال الذَّهبي لولده التاج: إنَّه ما صَعِد هذا المنبر بعد ابن عبد السَّلام أعظمُ منه([30]).
ثم انتهت إليه بعد وفاة الحافظ المِزِّي مشيخةُ "دار الحديث الأشرفيّة" بالاستحقاق، قال ولدُه تاجُ الدين: إنَّه ما دخلها أعلمُ منه، ولا أحفظ من المِزِّي، ولا أورعُ من النَّووي (ت676هـ) وابنِ الصَّلاح([31]) (ت643هـ).
وقد روى التاج السبّكي عن الإمام الذَّهبي أنَّه قال في والده: "كان صادقاً متثبتاً، خيِّرًا ديِّنًا متواضعاً، حَسَنَ السَّمتِ، مِن أََوْعية العلم؛ يَدْري الفقهَ ويُقرِّره، وعلمَ الحديث ويحرِّره، والأصولَ ويقرِئُها، والعربيَّة ويحقّقها... وقد بقي في زمانه الملحوظ إليه بالتحقيق والفضل"([32]).
عاد الإمام السّبكي إلى القاهرة بعد علَّةٍ أصابته، وبقي فيها لم يغادرها إلى أنْ وافته المنيَّة سنة (756هـ)، تَغمّده الله برحمته ورضوانه، وأسكنه فسيح جنانه.
كان السُّبكيُّ فضلاً عن كونه علمًا مُبَرِّزًا متفرِّدًا في العلوم الشَّرعيَّة والأصول -إماماً كبيراً في العربيَّة، له فيها إسهاماتٌ ومباحثات دقيقة، إن دلَّت على شيء فإنّما تدلُّ على رسوخه في العلم، وطول باعه في العربية؛ ذلك أنَّه فقيهٌ حافظٌ مفسِّرٌ جدليٌّ نظَّار، ولا مندوحة لمن حوى هذه العلومَ وغيرَها من أن يكون من المبرّزين في علوم الآلة، قال فيه تلميذه الصَّفديّ (ت764هـ) يكشف عن شخصيته في النحو والعربيَّة: "وأمَّا النَّحو، فالفارسيّ (ت377هـ) ترجَّل إليه يطلب إعظامه، والزَّجَّاجيُّ (ت337هـ) تكسّر جمعُه وما فاز بالسَّلامة. وأمَّا اللغةُ، فالجوهريٌّ (ت400هـ) ما لصحاحه قيمةٌ، والأزهريّ (ت370هـ) أظلمت لياليه البهيمة"([33]). بل إنّه – كما يروي ولده التاج عن تلاميذه – قُدْوةُ النَّحاة، ورُحَلَةُ الأدب، وترجمان لغة العرب([34]).
ويقول التَّاج في حديثه عن تضلّع والده من علوم العربيَّة: "وأمّا استحضاره لأبيات العرب وأمثالها ولغتها فأمرٌ غريب؛ لقد كانوا يَقرؤون عليه "الكشّاف"([35](، فإذا مَرَّ بهم بيتٌ من الشِّعر، سَرَدَ القصيدةَ غالبها أو عامَّتها من حفظه، وعزاها على قائلها، وربَّما أخذ في ذكر نظائرها. وأما استحضاره لكتاب سيبويه (ت180هـ)، وكتاب المقرَّب لابن عصفور (ت663هـ)، فكان عجيباً، ولعلَّه درس عليهما([36]).
رسائله في العربية:
لقد غلبت العلوم الشرعيَّةُ والأصول وما هو من بابتها على شخصيَّة الإمام تقيّ الدين السُّبكي، فكانت له فيها مطوَّلات وشروح([37]). لذلك، فإنَّ إسهامه في العربيَّة جاء من خلال رسائلَ تعالج قضايا محدّدة في اللغة والنحو، ذاتِ صلة وثيقة بعلوم الشّرع والدِّين، وأذكر هنا ثَبَتًا بما تَيسَّر لي الاطلاع عليه، مرتباً على حروف الهجاء:
1- الاتّساق في بقاء وجه الاشتقاق.
2- أحكام (كلّ) وما عليه تدلّ([38]).
3- الإعمال في معنى الإبدال، وهي الرّسالة التي بين أيدينا.
4- الإغريض في الحقيقة والمجاز والكناية والتعريض.
5- الاقتناص في الفرق بين الحصر والقصر والاختصاص.
6- الإقناع في الكلام على أنَّ (لو) للامتناع([39]).
7- الألفاظ: هل وضعت بإزاء المعاني الذّهنية أو الخارجية ؟
8- أمثلة المشتق: أرجوزة أسماها "لمعةُ الإشراق في أمثلة الاستقاق"([40]).
9- بذل الهمَّة في إفراد العَم وجمع العمَّة([41]).
10- بيان حكم الرَّبط في اعتراض الشَّرط على الشرط([42]).
11- بيان المحتمَل في تعدية (عَمِلَ) ([43]).
12- التعظيم والمِنَّة في "لتؤمِنُنَّ به ولتنصُرُنَّه"([44]).
13- التَّهدِّي إلى معنى التَّعدِّي.
14- حِكمة وضع الظاهر بدل المضمر في "اسْتَطْعَما أَهْلَها"([45]).
15- الحِلم والأناة في إعراب "غير ناظرين إناه"([46]).
16- الرّفْدَة في معنى وَحْدَه([47]).
17- مسألة في الاستثناءات النّحويّة([48]).
18- مسألة لغوية في "يُهَريق الماء"([49]).
19- مسألة نحوية: هل يقال العشر الأواخر؟([50]).
20- مسألة نحوية فقهية: طَلَّقْتكِ إنّ دخلتِ الدار، وإنْ دخلتِ الدار طلقتكِ([51]).
21- مسألة نحوية فقهية: هل يقال: ما أعظم الله([52]) !؟
22- مَن أقسطوا وَمَن غَلَوا في حُكم من يقول (لو)([53]).
23- نيلُ العُلا بالعطف بـ (لا)([54]).
24- وَشْي الحُلَى في تأكيد النفي بـ (لا).
ومَن يُطالع في "فتاوى السُّبكي" ويُمعن النظر فيها، يلوح له مدى اهتمام الإمام السبكي بعلوم العربية؛ فقد حوى كثيراً من المسائل اللغوية والقواعد النحويَّة، التي هي أدواتٌ مُجلِّية بين يدي أبحاث الفقه والتفسير([55]).
وللشّيخ تقيّ الدّين آراء منفرِّدةٌ في البيان والنحو، ذكر التّاجُ السّبكي بعضاً منها في "الطبقات"([56])، مثل: الجارّ والمجرور يأتي عمدةً في الكلام، وتقديمُ المعمول يفيد الاختصاص، والاختصاصُ غيرُ الحصر، وتعميمُ النكرة في سياق النّفي يكون باللزوم لا بالوضع، وشبهُ الجملة إذا وقع خبراً يكون خبراً دون تقدير "كائنٍ" أو "استقرّ"، و (مَن) الاستفهامية ليست للعموم في الإفراد بل للماهية، وقولُك: مَن عندك؛ يُطلب به التصوّر لا التّصديق، والجواب فيها مُفرد لا مركّب، ولا يُقدّر له مبتدأ ولا خبر.
ثالثًا: رسالة الإِعْمَال
عالج الإمام تقيّ الدِّين السُّبكي في رسالة "الإعمال في معنى الإبدال" الموجزة، تعيين محلّ دخول الباء من (المتروك أو المأخوذ) في مادَّة (ب د ل) ومشتقاتها، وكان يميل إلى أنَّ الباء إنَّما تدخل على المتروك حَسْبُ، حتّى تبيّن له في كلام العرب دخولُها على المأخوذ كذلك، فكشف في الرّسالة عن هذه المشكلة التي خَطّأَ فيها النَّحويّون الفقهاءَ، وأثبت فيها أنَّ كلام الإمام النّووي صحيح، وما ذهب إليه شيخُه أبو حيان تنقصُه الدِّقة والإِحاطة.
كانت الرّسالة مهادًا لمن جاء بعده من المصنّفين، بيّن فيها السّبكي خطأَ الاعتقاد بدخول الباء على المتروك فقط، وأنَّها تدخل على المأخوذ كذلك، بحسب السّياق الذي تندرج فيه مشتقات (ب د ل)، مع أنَّ السُّبكي جاء بها مختصرة موجزة، ابتعد فيها عن الإسهاب والتّطويل.
جاء بعده الإمامُ ابنُ لِبّ الغرناطيّ (ت782هـ)([57])، وأفاض في الحديث عن باء البدل في رسالة أسماها "تعيين محلّ دخول الباء من مفعولي بدَّل وأبدل"([58])، جوَّز فيها -كما فعل السُّبكي– دخول الباء على المأخوذ كدخولها على المتروك. وجاءت الرسالة أكثر إبانةً وأوسع حديثاً من رسالة السُّبكي، دونما إشارة منه إليها([59])؛ فقد قسَّم موضوعها أربعة أقسام، كلُّ قسمٍ يُعالج معنى من معاني مشتقات مادة (ب د ل)، منطلقًا من أنّ المعنى هو الذي يحدّد دخول الباء على المأخوذ أو المتروك، وذلك ما فعله السُّبكي دونما إحاطةٍ منه وتبويب.
وقد حَشَدَ ابنُ لبّ طائفةً غير قليلة من الشّواهد الشّعرية، دخلت فيها الباء على المتروك أو المأخوذ، بحسب معاني (ب د ل) ودلالاتها. ثم كشف بُطلانَ رأي أبي حيان وبيانَ ما فيه من تناقضٍ وخلطٍ وقصورٍ في الاطلاع وتهجّم على المصنّفينَ.
القسم الثاني: النّصّ المحقّق
رجعت في تحقيق هذه الرسالة إلى مجموعٍ مخطوطٍ واحدٍ يحتوي على غير رسالة للسّبكي، تبدأ فيه رسالة "الإعْمال" من نهاية الورقة (58ب)، وتنتهي ببداية الورقة (60أ)، وفي كلّ ورقة صفحتان، في كلّ صفحة (25) خمسة وعشرون سطرًا. وكُتب المجموع بخطّ واضح مقروء اعتاصت([60]) فيه بعض الكلمات؛ وذلك فيما يتّصل بالرّسم من تسهيل الهمز تارة وحذفه أخرى، واستخدام الرّموز للدلالة على بعض الكلمات، فضلاً عن اتّصال الكلام بعضه ببعض دون ترقيم أو تفقير.
وكنتُ تحرّيتُ في البحث عن نسخةٍ مطبوعةٍ من هذه الرّسالة القيّمة للإمام السّبكي، قام بنشرها أحد الباحثين المخلصين المنشغلين بإحياء التراث ونَشْره، فلم أظفر بشيء من ذلك في حدود ما علمتُ وبحثتُ.
وقد حَرَصتُ على إخراج النّص بصورةٍ حَسَنةٍ؛ فقمتُ بتصويبِ الأخطاء الواردة فيه مبيّنًا وجه الصّواب، وضبطِ النّصّ وتفقيرِه بحسب مقتضيات المعنى والسّياق، وتوثيقِ الآيات القرآنية، والتعريفِ بالأعلام الوارد ذكرهم في متن الرّسالة، وتوضيحِ ما كان مبهمًا، والتّعليقِ على بعض المواطن التي مسّت الحاجةُ إلى التّعليق عليها، آملاً أن يكون هذا العملُ بدايةً مباركةً في قراءة تراث السّبكي اللغوي، وخطوةً أولى نحو نَشْره وإخراجه.
نماذج من المخطوط
الصفحة الأولى
الصفحة الأخيرة
النّـص المحقّـق
/58ب/الإِعْمَالُ في مَعنى الإِبْدَالِ
للسّبكي أيضًا
قالَ رَضِيَ اللهُ عنه: قالَ الشّيخُ مُحي الدّينِ رَحِمَه اللهُ في (المِنهاج) في قراءة الفاتحة: "ولو أَبْدَل ضاداً بظاءٍ لم يَصِحَّ في الأصحِّ"([61]). وسَبَقَه إلى مثلِ /59أ/ هذه العبارةِ الرَّافعيُّ([62]) والغزاليّ([63]).
وكان شيخُنا أبو حيّان([64])يعترض([65]) عليهم ويقولُ: الصَّوابُ أنْ يُقال: ولو أَبدلَ ظاءً بضادٍ؛ لأنَّ الباءَ تَدخلُ على المتروكِ لا على المأخوذِ([66])، كما في قوله تعالى: "وبَدّلناهم بِجَنّتَيْهم جنَّتينِ" (سبأ: 16)، وقولِ الشّاعر:[الوافر]
وقد بَدّلتُ دارَهُمُ بِآلٍ وجيرانٍ لنا كانوا كِرامِ([67])
وذَكرتُ في "شرح المنهاج"([68]) أنّي تتّبعتُ ذلك فوجدتُه([69]) مطّرداً في التّبدُّلِ والاسْتبدالِ([70])، كقوله تعالى: "ولا تَتَبدّلوا الخبيثَ بالطّيّبِ" (النساء: 2(، وقولِهِ: "أَتستبدلونَ الذي هو أدنى بالذي هو خيرٌ" (البقرة:61). وكذلك في التَّبديلِ والإبْدالِ([71]) إذا تَعدَّى إلى ثلاثةِ مفاعيلَ([72]) كقوله تعالى "وبَدّلناهم بِجَنّتَيْهم جنَّتينِ" (سبأ:16).
ورأيتُه قد جاءَ مُعَدًّى([73]) إلى مفعولٍ واحدٍ([74])، والمعنى على أنّه المتروكُ كقوله تعالى: "فمن بَدّله بعد ما سَمِعه" (البقرة: 181)، "اِئتِ بقرآنٍ غيرِ هذا أو بَدِّلْه" (يونس: 15)، "لا تبديلَ لكلماتِ اللهِ" (يونس: 64).
ورأيتُه جاء متعدّياً إلى مفعولين بغيرِ حرفٍ كقوله: "بَدَّلوا نعمةَ اللهِ كفرًا" (إبراهيم: 27)، فَيُحْتَمَلُ أنْ يكونَ مفعولٌ آخرُ مقدَّرٌ أو حرفٌ مُقدَّرٌ([75]).
وأمَّا تَعديتُه إلى مفعولين خاصّةً أحدُهما بحرفِ الجرّ كما في لفظِ المصنِّفين([76]) والفقهاء، فرأيتُ الواحديّ([77]) في سورةِ النّساءِ عند قولِه تعالى: "بدَّلناهم جُلودًا غيرَها" (الآية: 56) قال: ثعلبٌ عن الفرّاءِ([78]): بَدّلتُ الخاتَمَ بالحَلْقةِ إذا أَذبْتُه وسَوَّيتُه حَلْقةً، وبدَّلتُ الحَلْقة بالخاتَم إذا أذبتُها وحوَّلتُها خاتَمًا([79]). وهذا إنْ صَحَّ من كلامِ العربِ، دلَّ على صحَّةِ عبارة المصنِّف([80]) والفقهاء في ذلك، ولم يَبْقَ عليهم اعتراضٌ.
إلاَّ أنَّه إنَّما قال([81]) ذلك في مَعْرِض الفرقِ بين الإبدالِ والتَّبديلِ([82])، وأنَّ التَّبديلَ تَغييرُ([83]) صورةٍ إلى صورةٍ([84])، والإبدال تنحيةُ الجَوْهرِ واستئنافُ جوهرٍ([85]) آخرَ؛ لأنّه يكفي الفقهاءَ موافقةُ عبارتِهم لعبارةِ الفرّاءِ، مع نقلِ ثَعلبٍ ثمّ الواحديّ لها من غيرِ اعتراضٍ عليها مع قولِ أهلِ الفقهِ أيضاً: إنَّ الإبدالَ هو الإزالةُ؛ فإنْ حافظت على ذلك كان المعنى: "أزال" أيضاً بظاء([86])، فتصحُّ عبارةُ المصنّفِ([87])، وإنْ كان الإبدالُ إتيانَك بِبَدَلٍ مكان المُزَالِ لم يَصِحَّ([88]).
هذا كلامي في "شَرح المنهاجِ" من بضعٍ وعشرين سنةً، فلمّا كان في هذا الوقتِ – وهو سنة 743([89])- وقفتُ /59ب/ في شعر الطُّفيلِ بنِ عَمرو([90]) الدَّوسيِّ لمّا([91]) أَسلمَ في زمنِ النّبِيّ- صلّى الله عليه وسلم: [الوافر]
[فَأَلْهَمَني هُدايَ اللهُ عنه وبَدّلَ طالِعَيْ نَحْسي بِسَعْدي] ([92]).
و"اللهُ" فاعلُ "أَلهمني"؛ وقد دخلت (الباءُ) على السّعدِ الذي حَصَل للطّفيل من الهَدي؛ فصحَّ بذلك كلامُ النّوويّ وغيرِه من الفقهاءِ نصًّا وسماعًا عن العربِ، كما بحثتُه في "شرح المنهاج"([93]).
وتأمَّلتُ حقيقةَ الإبدالِ والتَّبديلِ فوجدتُها جَعْلَ شيءٍ بَدَلَ آخرَ([94]). وقد يكونُ الشّيئانِ حاصِلَينِ عند الشّخصِ وقد لا يكونُ واحدٌ منهما([95]) عنده بل عند غيره، وقد يكونُ عنده أحدُهما دون الآخرِ؛ فيتركُ الذي عنده ويأخذُ الذي ليس عنده.
والباءُ للعِوَض([96])، تدخلُ في:
"اشتريتُ هذا بهذا" على المتروكِ من جانبِ المُشتري؛ لأنَّ مادَّةَ "اشتريت" تقتضي الأخذَ وقد تَعدَّى الفعلُ إليه، ودَخلتِ الباءُ على مقابِلِهِ فلزمَ أنْ يكونَ هو المتروكَ.
و"بعتُ هذا بهذا" عكسُه؛ لأنَّ البيعَ اقتضى التَّركَ من جانبِ البائعِ، فدخلتِ الباءُ على المأخوذِ له([97]).
و"بدَّلت هذا بهذا" محتمِلٌ لهما، لأنَّه إنَّما يَقتضي جَعْلَ أَحَدِهما بَدَلَ الآخرِ، وهما في ذلك سواءٌ، فيجوزُ أنْ يدخلَ على كلٍّ منهما([98])؛ فإنْ عُلِم أحدُهما عند الدّافعِ والآخرُ ليس عنده، كان الذي عنده- وأخرجه- المتروكَ والآخرُ المدفوعَ، ليس لأجلِ الباءِ ولكن للعلم بالحالِ كما ذكرناه، فمِن ضَرورتِه أنْ تدخلَ الباءُ على ما يَقصدُ أنْ يأخذَه ويَدفعَ بَدَلَه على عكس ما تَوَهَّمه الشَّيخُ([99]).
وهذا في حالِ التَّعديةِ إلى اثنين، فإنْ عَدَّيتَه إلى ثلاثةٍ، فمعناه أنًَّك أعطيتَ غيرَك بدلاً بشيءٍ أَخذتَه منه، فهي أيضاً داخلةٌ على المأخوذِ لك. وإنْ كان متروكًا مِن جِهةِ مَن أََعطيتَه، وعلى ذلك قولُه تعالى: "وبَدّلناهم بِجَنّتَيْهم جنَّتينِ" (سبأ:16)، لأنّهم أعطاهم جنَّتينِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ بَدَلَ جَنَّتَيْهم اللتينِ أََخذهما منهم- فالباءُ دخلت على عِوَض البَدَلِ الذي أعطاه.
وحقيقةُ الإبدالِ جَعْلُ شيءٍ بَدَلَ آخَرَ، وهو مُحتمِلٌ كما قلناه في "شَرح المنهاج" للمُزالِ وللموضوعِ مكانه، ولكنْ يترجَّحُ أنَّه في المُزالِ، ويؤيّدُه الاقتصارُ عليه في " يُبَدِّلوا([100]) كلامَ اللهِ " (الفتح:15)، وما أشبهه؛ فإِطْلاقُهُ لذلك يَدُلُّ على أنَّه هو الحقيقةُ، واللهُ /60أ/ أَعلمُ.
...([101]) جمادى الأولى سنة 743 [هجرية].
انتهى
الحَمدُ للهِ حَمداً يُوافي نِعَمَه ويُكافِئُ مَزيدَه. الحَمدُ للهِ حَقَّ حَمدِه، ونُشْكُرُه على عَدَدِ مَخلوقاتِه ومَعلوماتِه، وصلَّى اللهُ على سيِّدِنا مُحمّدٍ، وعلى آله أفضلُ صلواتِه، وعلى سائرِ الأنبياءِ والصّالحينَ وسَلَّمَ تَسليمًا.
---------------------------------------
المصادر والمراجع
- 1.أدب الكاتب، لابن قتيبة الدينوري، تحقيق محمد الدالي، ط2، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1985.
- 2.الإصابة في تمييز الصّحابة لابن حجر العسقلاني، تحقيق عادل عبد الموجود، وعلي معوّض، ط3، دار الكتب العلمية، بيروت،
-
3. إعراب القرآن لأبي جعفر النحاس، تحقيق زهير غازي زاهد، ط2، عالم الكتب-مكتبة النهضة العربية، 1985.
- 4.أعيان العصر وأعوان النّصر، لصلاح الدين خليل بن أيبك الصّفدي، تحقيق علي أبو زيد وآخرون، ط1، دار الفكر المعاصر، بيروت، دار الفكر، دمشق، 1998.
- 5.الأمالي، لابن الشّجري، تحقيق محمود الطناحي، ط1، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1992.
- 6.إنباه الرواة على أنباه النحاة، لجمال الدين القفطي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، ط1، المكتبة العصرية، بيروت، 2004.
- 7.أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك، لابن هشام الأنصاري، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، بيروت.
- 8.البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي، تحقيق عادل عبد الموجود، وعلي معوّض، ط2، دار الكتب العلمية، بيروت، 2007.
- 9.البحر المحيط لبدر الدين الزّركشي، ضبطه وعلق عليه محمد محمد تامر، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، 2000.
- 10.بغية الوعاة لجلال الدين السيوطي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، ط1، مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه، 1965.
- 11.تاج العروس من جواهر القاموس للمرتضى الزبيدي، بعناية عبد المنعم خليل، وكريم محمود، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، 2007.
- 12.التّبيان في إعراب القرآن، لأبي البقاء العكبري، تحقيق علي محمد البجاوي، عيسى البابي الحلبي وشركاه، 1976.
- 13.تهذيب اللغة لأبي منصور الأزهري، تحقيق يعقوب عبد النبي، ومراجعة محمد علي النجار، الدار المصريّة للتأليف والترجمة.
- 14.الجنى الداني في حروف المعاني، للحسن بن قاسم المرادي، تحقيق فخر الدين قباوة، ومحمد نديم فاضل، ط2، دار الآفاق الجديدة، بيروت، 1983.
- 15.الحاوي للفتاوي، لجلال الدين السيوطي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1982.
- 16.خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب، لعبد القادر البغدادي، تحقيق عبد السلام هارون، ط3، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1989.
- 17.الدارس في تاريخ المدارس، لعبدالقادر النعيمي، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1990.
- 18.الدّيباج المُذَهَّب لابن فرحون المالكي، تحقيق محمد الأحمدي أبو النور، مكتبة دار التراث، القاهرة.
- 19.ديوان امرئ القيس، دار صادر، بيروت.
- 20.ديوان أبي تمّام بشرح الخطيب التبريزي ، تحقيق محمد عبده عزّام، ط5، دار المعارف، القاهرة، 1983.
- 21.ديوان سقط الزّند للمعرّي، تحقيق عمر فاروق الطباع، ط1، دار الأرقم، دمشق، 1998.
- 22.ديوان الشّماخ، تحقيق الدكتور صلاح الدين الهادي، دار المعارف، القاهرة، 1968.
- 23.ديوان عدي بن زيد العبادي، تحقيق محمد جبار المعيبد، وزارة الثقافة والإرشاد، بغداد، 1965.
- 24.ديوان عنترة، ط4، مطبعة الآداب، بيروت، 1893.
-
25. ديوان الفرزدق، ضبطه علي فاعور، دار الكتب العلمية، بيروت، 1986.
- 26.رصف المباني في شرح حروف المعاني، لأحمد بن عبد النور المالقي، تحقيق أحمد محمد الخراط، ط3، دار القلم، دمشق، 2002.
- 27.شرح التَّسهيل، لجمال الدين بن مالك ، تحقيق محمد عطا، وطارق فتحي، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، 2001.
- 28.شرح ديوان الحماسة، لأبي علي المرزوقي، تحقيق أحمد أمين، وعبد السلام هارون، ط1، دار الجيل، بيروت، 1991.
- 29.شرح اللزوميّات لأبي العلاء المعرّي، تحقيق منير المدني وآخرون، إشراف د. حسين نصار، الهيئة المصريّة العامة للكتاب، القاهرة، 1994.
- 30.صحيح مسلم، لمسلم بن الحجاج القشيري، بعناية أبي صهيب الكرمي، بيت الأفكار الدوليّة، عَمّان، 1998.
- 31.طبقات الشافعية الكبرى لتاج الدين السّبكي، تحقيق محمود الطناحي، وعبد الفتاح الحلو، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، 1976.
- 32.طبقات الفقهاء الشافعيّة لابن قاضي شهبة، تحقيق علي محمد عمر، مكتبة الثقافة الدينيّة، القاهرة.
- 33.طبقات المفسرين لشمس الدين محمد بن علي الداوودي، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1983م.
- 34.العَرْف الطيّب في شرح ديوان أبي الطيّب لناصيف اليازجي، دار صادر، بيروت.
- 35.العزيز شرح الوجيز "الشرح الكبير" لعبد الكريم الرَّافعيُّ، تحقيق عادل عبد الموجود، وعلي معوّض، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1997.
- 36.عقود الزّبرجد في إعراب الحديث النبوي، لجلال الدين السيوطي، تحقيق سلمان القضاة، ط1، دار الجيل، بيروت، 1994.
- 37.فتاوى السّبكي، لتقيّ الدّين السّبكي، تحقيق حسام الدين القدسي، ط1، دار الجيل، بيروت، 1992.
- 38.فتح القدير الجامع بين فنّي الرّواية والدّراية من علم التفسير، لمحمد بن علي الشَّوكاني، دار المعرفة، بيروت.
- 39.الفروق اللغويّة، لأبي هلال العسكري، تحقيق محمد باسل عيون السّود، ط4، دار الكتب العلميّة، بيروت، 2006م.
- 40.كتاب سيبويه، لأبي بشر عمرو بن عثمان، تحقيق عبد السلام هارون، ط3، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1988.
- 41.كتاب الألفاظ والأساليب (ج1)، مجمع اللغة العربية في القاهرة، أعدّ المادة وعلّق عليها محمد شوقي أمين، ومصطفى حجازي، مطابع دار أخبار اليوم، 1976.
- 42.الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، لمحمود بن عمر الزمخشري، ضبطه وصححه، مصطفى حسين أحمد، ط3، دار الكتاب العربي، بيروت، 1987.
- 43.كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون لحاجي خليفة، دار الفكر، بيروت، 1990.
- 44.لسان العرب لابن منظور، دار صادر، بيروت.
- 45.مجمع الأمثال، لأبي الفضل الميداني، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، دار القلم، بيروت.
- 46.مختار الصّحاح للإمام الرّازي، مكتبة لبنان، بيروت، 1992.
- 47.مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، لأبي العباس بن فضل الله العمري، تحقيق محمد خريسات وآخران، ط1، مركز زايد للتراث والتاريخ، العين، 2001م.
- 48.المصباح المنير، لأحمد بن محمد الفيومي، دار الحديث، القاهرة، 2003.
- 49.معجم الأفعال التي حذف مفعولها غير الصريح في القرآن الكريم، لعبد الفتاح الحموز، ط1، دار الفيحاء، دار عمار، عَمّان، 1986.
- 50.معجم البلدان، لياقوت الحموي، ط1، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1997.
- 51.المعجم الوسيط، لإبراهيم أنيس وآخرون، ط2، دار إحياء التراث العربي، القاهرة، 1972.
- 52.معيد النّعم ومبيد النّقم، لتاج الدين السّبكي، تحقيق محمد علي النجار وآخران، ط2، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1993م.
- 53.مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، لابن هشام الأنصاري، تحقيق مازن مبارك، ومحمد علي حمد الله، ط6، دار الفكر، بيروت، 1985.
- 54.مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، للخطيب الشربيني، دار الفكر، 1980.
- 55.المقتضب، لأبي العباس المبرّد، تحقيق محمد عبد الخالق عضيمة، عالم الكتب، بيروت.
- 56.منهاج الطالبين وعمدة المفتين، لمحيي الدين النّوويّ، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1996.
- 57.الوافي بالوفيات للخليل بن أيبك الصَّفدي، اعتنى به وداد القاضي، مطابع مركز الطباعة الحديثة، بيروت.
- 58.الوسيط في المذهب، لأبي حامد الغزالي، تحقيق أبو عمرو الحسيني، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، 2001.
الحواشي:
([1]) شرح التسهيل، نقلاً عن جلال الدين السيوطي، عقود الزّبرجد في إعراب الحديث النبوي، 1/ 187.
([2]) انظر: رصف المباني في شرح حروف المعاني، أحمد بن عبد النور المالقي، ص223، والجنى الداني في حروف المعاني، الحسن بن قاسم المرادي، ص 40-41، و مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، ابن هشام الأنصاري، ص141.
([3]) انظر: عقود الزّبرجد، 1/ 189 وما بعدها. وقد جعلها ابن لبّ أربعةً؛ الرابع: ما كان بمعنى التعوّض والاستعاضة، وقد أَدْرَجْتُه في المعنى الثالث (العِوَض) حين يقتضي –بمعناه- الأعواض.
([4]) مختار الصّحاح، مادّة (بدل).
([5]) ديوان الشّماخ، ص368. والمَيْس: شجر تُتّخَذ منه الرّحال، والإسكاف: كلّ صانع عند العرب، كما في أدب الكاتب لابن قتيبة، ص187.
([6]) الأمالي، 2/ 458.
([7]) أصله: وإليكمُ هذا الحديثُ يُساقُ، شعر مأخوذ من المثل المشهور: إليكَ يُساقُ الحديثُ. انظر: مجمع الأمثال للميداني، 1/ 48، وطبقات الشافعية الكبرى، للتاج السّبكي، 10/ 201.
([8]) ديوان أبي تمّام بشرح الخطيب التبريزي، 2/64. والأزَل: الضّيق والحبس، والخَفْضُ: الدّعة وسَعَةُ العيش.
([9]) العَرْف الطيّب في شرح ديوان أبي الطيّب، ناصيف اليازجي، 2/346.
([10]) المصدر السابق، 2/305.
([11]) شرح اللزوميّات، 1/81. ويستقيد: يَتَأتَّى ويَنْقاد كما ينقاد البعير إذا قُيّد.
([12]) ديوان عدي بن زيد العبادي، ص47. الفيج: المنفرد في مشيه، والزّرافة الجماعة
([13]) انظر: الفروق اللغويّة لأبي هلال العسكري، ص267.
([14]) صحيح البخاري، كتاب الجمعة، حديث رقم (923).
([15]) ديوانه، ص93.
([16]) انظر: الفروق اللغويّة لأبي هلال العسكري، ص267.
([17]) صحيح مسلم: كتاب الأقضية، باب استحباب إصلاح الحاكم بين الخصمين، رقم(1721).
([18]) ديوان عنترة، ص52.
([19]) شرح ديوان الحماسة للمرزوقي، مج2/ 1841.
([20]) انظر: عقود الزّبرجد، 1/ 194- 195.
([21]) ديوان سقط الزّند، ص246.
([22]) انظر: كتاب الألفاظ والأساليب، 1/ 36.
([23]) انظر: المعجم الوسيط، مادة (ب د ل).
([24]) لسان العرب، مادة (ب د ل).
([25]) في شرح التسهيل، نقلاً عن عقود الزّبرجد للسّيوطي (1/ 188- 189).
([26]) اعتمدتُ في ترجمة السّبكي على طبقات الشّافعيّة الكبرى لولده التاج السّبكي (10/ 139- 338)، و طبقات الفقهاء الشافعيّة، لابن قاضي شهبة، 2/ 116- 120. وله تراجم في: طبقات الشافعيّة للإسنوي 2/ 75، وطبقات القرّاء لابن الجزري 1/ 551، والدّرر الكامنة لابن حجر 3/ 63، وبغية الوُعاة للسّيوطي 2/ 176، وطبقات المفسّرين للداوودي 1/ 412، وشذرات الذهب 6/ 180، والبدر الطالع 1/ 467، وغيرها.
([27]) بضم أوله وسكون ثانيه: اسم موضع، من أعمال الشّرقية في مصر (معجم البلدان، ياقوت الحموي، ج5-6/ ص19.
([28]) القاضي الكبير زين الدين السّبكي، له ترجمة في طبقات الشّافعيّة الكبرى للتاج السّبكي (10/ 89-94).
([29]) انظر: مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، 5/ 511.
([30]) طبقات السبكي، 10/ 169.
([31]) السابق، 10/ 169. ودار الحديث: بناها في سوق العصرونيّة القديمة بدمشق- الملك الأشرف موسى بن العادل الأيوبي (635هـ) سنة (634هـ)، فنسبت إليه. وكان الشيخ ابن الصّلاح أوّل من تسلّم مشيخة الدار، والنّووي رابعهم بعد أبي شامة المقدسي، والحافظ المِزّي التاسع منهم. انظر: الدارس في تاريخ المدارس للنعيمي، 1/15 وما بعدها.
([32]) طبقات الشافعيّة الكبرى، 10/ 148.
([33]) أعيان العصر وأعوان النّصر، صلاح الدين الصّفدي، 3/ 419.
([34]) طبقات الشافعيّة الكبرى، 10/ 161.
([35]) للإمام تقي الدين السّبكي كتاب على الكشّاف عنوانه: "سبب الانكفاف عن إقراء الكشاف"، يعود سبب تأليفه إلى أنّه لمّا انتهى إلى الكلام على قوله تعالى "إنّه لقول رسول كريم" في سورة التكوير، أعرض عنه، وكتب كتابه المشار إليه وقال فيه: "قد رأيت كلامه على قوله تعالى "عفا الله عنك" (التوبة: 43)، وكلامه في سورة التحريم في الزّلّة، وغير ذلك من الأماكن التي أساء أدبه فيها على خير خلق الله تعالى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعرضت عن إقراء كتابه حياءً من النبي صلى الله عليه وسلم، مع ما في كتابه من الفوائد والنّكت البديعة". انظر: معيد النعم ومبيد النقم، للتاج السبكي، ص80-81.
([36]) طبقات الشافعيّة الكبرى، 10/ 198.
([37]) انظر مصنّفاته: السابق، 10/ 307- 315. وهي بين رسائل قصيرة ذات موضوع محدّد، ومجلّدات ضخمة تعالج علومًا بطولها. وهي في جملتها تزيد على (150) مئة وخمسين كتابًا.
([38]) طبع مرتين: الأولى في مصر بتحقيق الدكتور جمال عبد المعطي مخيمر سنة 1985، والثانية في العراق بتحقيق طه محسن سنة 2000.
([39]) أدرجها التاج السّبكي في طبقاته، 10/277-280.
([40]) انظر: الطبقات للسّبكي، (10/186-190).
([41]) انظر: فتاوى السُّبكي، 1/87-91.
([42]) حُقّقت ضمن رسالة جامعيّة في جامعة أم القرى بمكّة المكرّمة، سنة 1414هـ.
([43]) أدرجها السّيوطي في: الاشباه والنظائر، 4/92-99، ويرى (انظر له: الحاوي للفتاوي، 1/ 307-308) أنّ هذه الرسالة ملخّصة من رسالة أخرى بعنوان (التَّهدِّي إلى معنى التَّعدِّي). ولعلّ من يُمعن النّظر في الرّسالتين يلحظ أنّ رسالة "التَّهدِّي" وأعكف الآن على تحقيقيها- هي الملخّصة من الأخرى، لا ما ذهب إليه السّيوطي.
([44]) مدرجة في "فتاوى السُّبكي"، 1/38-41، ونشرها الشيخ علي أسعد رباجي ضمن مجموعة رسائل بعنوان: الرسائل المصطفيّة في الرسائل المحمَّدية.
([45]) مُدرجةٌ في "الأشباه والنظائر" للسّيوطي، 4/102-104.
([46]) مُدْرجةٌ في "فتاوى السُّبكي"، 1/95-102، و"الأشباه والنظائر" للسّيوطي، 4/125-133.
([47]) أدرجها السّيوطي في "الاشباه والنظائر"، 4/112-117، وبعضها في عقود الزبرجد، 2/386-387. ونشرها الدكتور عبد الإله نبهان في مجلة التراث العربي، ع17/1984.
([48]) طبعت مع رسالة (نيل العُلا بالعطف بـ (لا)) في كتاب واحد، بتحقيق الدكتور جمال عبد المعطي مخيمر، 1989.
([49]) انظر: فتاوى السُّبكي، 2/632-635.
([50]) انظر: السابق، 2/641-642.
([51]) انظر: السابق، 1/25-31، 2/642-644.
([52]) انظر: السابق، 2/320-323، والأشباه والنظائر للسّيوطي، 4/108-110.
([53]) أدرجها السّيوطي في عقود الزَّبرجد، 3/458-462.
([54]) أدرجها السّيوطي في الأشباه والنظائر، 4/117-125. وطبعت بتحقيق الدكتور جمال عبد المعطي مخيمر، 1989.
([55]) للباحث سعيد بن خلف أطروحة علميّة، كتبها في كليّة اللغة العربيّة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلاميّة، بعنوان: "آراء تقيّ الدين السّبكي النحويّة والتّصريفيّة في كتابَيْه "الفتاوَى" و "إبراز الحِكَم" جمعًا ودراسة"، وللباحثة نورة أمين البساطي أطروحة أخرى بعنوان: "تقيّ الدين السّبكي وجهوده النحويّة" مع تحقيق رسالته "بيان حكم الرّبط في اعتراض الشّرط على الشّرط"، تقدّمت بها لنيل درجة الماجستير في كليّة اللغة العربيّة بجامعة أم القرى سنة 1414هـ، لم أتمكّن من الظّفر بهما.
([56]) انظر: الطبقات، 10/ 287، 304.
([57]) هو أبو سعيد فرج بن قاسم، من أكابر علماء المالكيّة، أخذ عنه في الأندلس جمعٌ كثير. له مصنّفات عدّة منها في العربية: شرح جمل الزجّاجي، وشرح تصريف التسهيل، توفي سنة (782هـ). انظر: الدّيباج المُذَهّب لابن فرحون، 2/ 139، وبغية الوعاة للسّيوطي، 2/ 243.
([58]) أورد السّيوطي الرّسالة بتمامها في كتابه "عقود الزّبرجد" (1/ 189- 200)، ونشرها محقّقةً الدكتور عيّاد الثّبيتي في مجلّة معهد المخطوطات بالكويت، م 29/ ج1/ 1985.
([59]) لعلّ مردّ ذلك يعود إلى بُعد المسافة بين الإمامين في المشرق والمغرب؛ فقد يكون ابنُ لبّ لم يطّلع على رسالة السّبكي ولم تقع بين يديه.
([60]) اعتاص الأمر: لم يُهتدَ فيه لجهة الصّواب، والكلمة العَوصاء: الغريبة.
([61]) انظر: منهاج الطالبين وعمدة المفتين، ص13. وهذا الكتاب من أكثر كتب الفقه تداولاً، اختصره مؤلفه من "المُحَرَّر" للرّافعي، وعليه شروح كثيرة، أشهرها "مغني المحتاج" للإمام الشّربيني. ومُحيي الدين هو شيخُ الإسلام النّوويّ، فقيهٌ حافظٌ ، له: الرَّوْضة، والمجموع وغيرهما كثير، توفي سنة (676هـ). انظر: طبقات الفقهاء الشافعية، لابن قاضي شهبة، 1/473. والنّووي يعني الضّاد في قوله تعالى: "ولا الضّالّين" (الفاتحة:7).
([62]) انظر: العزيز شرح الوجيز (الشرح الكبير)، 1/496-497. والرَّافعيُّ، أبو القاسم عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم القزويني: إمامٌ كبير في علوم الشريعة، أوحدُ عصره، ومجتهد زمانه في المذهب الشافعي، له المحرَّر، والعزيز في شرح الوجيز للغزالي، لم يُصنَّف في المذهب مثله، توفي سنة (623هـ). انظر: طبقات ابن قاضي شهبة، 1/393.
([63]) انظر: الوسيط في المذهب، 1/222. وأبو حامد الغزالي محمد بن محمد بن محمد الطّوسي، حجّة الإسلام، أَنْظَرُ أهلِ زمانه، حجَّةٌ، ثَبْتٌ، له: البسيط، والوسيط، والوجيز في الفقه الشافعي، وكتابُه "الإحياء" من أجلّ مصنّفاته وأدلّها على مكانته في العلم، توفي سنة (505هـ). انظر: طبقات ابن قاضي شهبة، 1/278.
([64]) أبو حيّان أثير الدّين محمد بن يوسف الغرناطي الأندلسي، عالمٌ في علوم العربيَّة كبير، مَنَعَ الاستشهاد بالحديث النبوي. وهو شيخُ صاحبِ هذه الرِّسالة تقيِّ الدين السُّبكي في النّحو، له تفسير البحر المحيط، وشرحٌ مُسهبٌ على التَّسهيل لابن مالك اسمه "التذييل والتكميل"، و"ارتشافُ الضَّرَب من لسان العرب"، وغيرها. توفي سنة (745هـ). انظر: بُغية الوعاة في طبقات اللغويين والنّحاة، 1/280 وما بعدها، وطبقات المفسرين للداوودي، 2/287.
([65]) في الأصل: معترض، وصوابه ما أثبتناه.
([66]) قال أبو حيان في شرح التسهيل المسمّى "التذييل والتكميل" في مسألة دخول (الباء) على المتروك: هذه المسألةُ غَلِطَ فيها كثير من المصنّفين في العلوم، ومن الشعراء، فيُدخِلون (الباء) على ما لا يصحّ دخولها عليه في لسان العرب، وينصبون ما تدخل عليه في لسان العرب؛ ففي المنهاج لأبي زكريا النّووي: "ولو أَبْدل ضاداً بظاء لم يصحّ في الأصحِّ"، ولو جرى كلامه على اللسان العربي لقال: "ولو أَبْدل ظاءً بضادٍ"، أي جَعَلَ بَدَلَ الضاد ظاءً، فالمنصوبُ هو الذي يَصير عِوضاً، وما دخلت عليه الباءُ هو الذي يكون مُعوَّضًا عنه..."، انظر: عقود الزَّبرجد للإمام السيوطي (1/186-187). وقال في البحر المحيط: دخلت الباء في "بجنّتيهم" على الزّائل، وانتصب ما كان بدلاً وهو قوله "جنّتين"، على المعهود في لسان العرب؛ وإنْ كان كثيراً لِمن ينتمي للعلم يفهم العكس، حتى قال بعضهم: ولو أبدل ضاداً بظاء لم تصحَّ صلاتُه، وهو خطأٌ؛ في لسان العرب: ولو أبدل ظاءً بضادٍ. انظر: البحر المحيط، 7/26.
([67]) البيت للفرزدق من قصيدة يمدح بها هشام بن عبد الملك، ومطلعها:
أَلستُم عائجين بنا لََعَنَّا نَرَى العَرَصاتِ أَو أثرَ الخيامِ
وصدرُ البيت: فكيف إذا رأيتُ ديارَ قومي (ديوانه، ص597). والذي ذكره التّقيّ السّبكي لم أجده فيما بين يديّ من المصادر. وقد ورد العجز في الأصل بالميم المفتوحة (كرامَا)، وصوابُه ما أثبتناه؛ لأن القوافي مجرورة. وعليه فالبيت فيه شاهدان: الأول في الصّدر وشاهده دخول الباء على أحد مفعولي (بدّل)، ودخل هنا على المأخوذ لا على المتروك، وهو عكس ما أراده المؤلّف، والثاني في العجز والشاهد فيه زيادة "كان" بين الصفة والموصوف. وذهب المبرّد إلى أنَّ "كان" في البيت ناقصة، وتقدير الكلام: وجيرانٍ كرامٍ كانوا لنا؛ فيكون الجارّ والمجرور خبر "كان" (انظر: المقتضب، 4/117)، وذلك لأنّ قاعدة زيادة (كان) أن تكون وحدها بلفظ الماضي ولا تزاد مع اسمها، (انظر: أوضح المسالك لابن هشام، 1/255-259)، وعليه فلا شاهد في البيت يُحتجّ به على زيادة (كان). والبيت من شواهد سيبويه (انظر: الكتاب، ط هارون، 2/153)، ومغني اللبيب لابن هشام، ص377، وخزانة الأدب للبغدادي، 9/217.
ويُذكر أنّ الفرزدق حضر عند الحسن البصري، فأنشده (البيت)، فقال له الحسن: كرامَا، يا أبا فراس. فقال الفرزدق: ما ولدتني إلاَّ مَيْسانية، إنْ جاز ما تقول يا أبا سيعد. وأمّ الحسن ميسانية، وميسان في قرى العراق؛ يريد: إنّي لم أكن من العرب العَرْباء، بل من المولّدين إن صَحَّ ما لحَّنتني به. (انظر: خزانة الأدب (9/221-222).
([68]) هو: الابتهاج في شَرْح المنهاج في الفقه، شَرَحَ به منهاج الطّالبين للإمام النَّووي، وَصَلَ به إلى أوائل الطلاق، وأكمله من بعده ابنُه بهاءُ الدِّين السُّبكي (ت773هـ). وله: الإِبهاج في شرح المنهاج، شَرَح به منهاج الإمام البيضاوي في أصول الفقه ولم يُكمله، وتصدَّى له من بعده ابنُه تاج الدين السُّبكي (ت771هـ) صاحب الطبقات. انظر: طبقات الشافعية الكبرى للسبكي، 10/307، وكشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، حاجي خليفة، 2/1873. ولم يتيسر لي الاطلاع على شرحه لمنهاج النّووي.
([69]) في الأصل: فوجدت، ولعلَّ صوابَه ما أثبتناه، وهاء الضمير يعود على معنى دخول الباء على المتروك. ويشهد له قوله بعد قليل: "ورأيته".
([70]) هذان المصدران يأتيان مترادفين بمعنًى واحدٍ؛ فالتبدُّل في الآية بمعنى الاستبدال، كالتعُّجل والتأخّر بمعنى الاستعجال والاستئخار. انظر: تفسير الكشاف للزمخشري، 1/465. وفي هذين المصدرين تدخل (الباء) فيهما على المتروك. انظر: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج للشربيتي، 1/158؛ فهما بمعنى التّعوّض والاستعاضة، وهو الوجه الرابع من أوجه استعمال أفعال (ب د ل) كما في رسالة ابن لبّ.
([71]) دخول الباء فيهما بحسب معناهما؛ فقد تدخل على المتروك وقد تدخل على المأخوذ؛ فإذا اقتصر فيهما على المتقابلين – كما يقول الشّربيني في مغني المحتاج 1/158- ودخلت الباء على أحدهما، فإنَّما تدخل على المأخوذ لا على المتروك. وإذا قصد بهما جعل شيءٍ مكان شيء وبدلاً منه، فإن الباء تدخل على المتروك، وهو الوجه الثاني من أوجه استعمال أفعال (ب د ل) كما في رسالة ابن لبّ الغرناطي.
([72]) يقول أبو حيان في شرح التسهيل: وأَصلُ (أبدل) و(بدَّل) أن يتعدّى لاثنين منصوبين والثالث بالباء... وقد جرت عادة النحويين أن يقولوا: بدَّلنا كذا بكذا، ولا يذكرون المفعول الأول، وكَثُر حذفُه في اصطلاحهم حتى صار نسياً لا يُراد معناه بوجه. وإذا تَعدى الفعلان إلى ثلاثة مفاعيل أحدها بحرف الجر، فإن حرف الجر (الباء) يدخل على المتروك لا المأخوذ كما في الآية "وبدّلناهم بحنّتيهم جنّتينِ" (سبأ: 16). انظر: عقود الزبرجد للسيوطي، 1/188-189.
([73]) في الأصل: معدًّا، والصّواب ما أثبتناه.
([74]) الظاهر أن الآيات التي استشهد بها السُّبكي للدلالة على تَعَدِّي الفعل (بدَّل) إلى مفعول واحد، هي شاهدٌ على تَعدِّيه إلى مفعولين أحدهما بحرف جرّ، وتقدير الكلام: فمن بدَّله بغيره بعدما سمعه، واِئْتِ بقرآنٍ غير هذا أو بدِّلْه بغيره؛ فتكون الباءُ داخلةً على المأخوذ، وهو موافق لِما قاله الشّربيني كما أسلفت. وعليه، فالفعل بدَّل يتعدى إلى مفعولين صريحين، أو الثاني منهما غير صريح (انظر: معجم الأفعال، عبد الفتاح الحموز، ص58) وهو الأرجح.
([75]) الفعل (بَدَّل) في الآية تَعدَّى إلى مفعولين: الأول: نعمةَ، والثاني: كفراً، كما في التّبيان في إعراب القرآن للعكبري، 2/769. ولعلّ تقدير الحرف أقوى؛ فالكفّار لمّا كفروا نعمةَ الله ولم يشكروها، سلبهم الله ذلك، فصاروا متبدّلين بها الكفر. انظر: فتح القدير للشوكاني، 3/109.
([76]) في الأصل: المص، وهو رمز لكلمة المصنّف؛ يعني الإمام النووي في قوله: "ولو أبدل ضادًا بظاء".
([77]) أبو الحسن علي بن أحمد، إمام في النحو واللغة والتفسير، له البسيط والوسيط والوجيز في التفسير، وأسباب النزول، والإغراب في علم الإعراب، وشرح ديوان المتنبي. توفي سنة (468هـ). انظر: طبقات ابن قاضي شهبة، 1/238، وبغية الوعاة للسّيوطي، 1/145.
([78]) سند الرواية كما في عقود الزبرجد (1/197): أبو عمر المطرِّز (غلام ثعلب)، عن ثعلب، عن سلمة بن عاصم، عن الفرّاء؛ لأنَّ ثعلبًا لم يتتلمذ على الفرّاء ولم يسمع منه. والفرّاءُ رأسُ المدرسة الكوفية بعد شيخه الكسائي (189هـ)، له معاني القرآن، أَصْلُ النحو الكوفيّ وعمدتُه، توفي سنة (207هـ). وثعلبٌ إمام الكوفيين – بعد الفراء– في اللغة والنحو، له الفصيح في اللغة، والمجالس، توفي سنة (291هـ). انظر: إنباه الرواة للقفطي، 1/173، 4/7 وما بعدهما.
([79]) هذه العبارة التي نقلها الواحديّ غير موجودة في تفسيره "الوسيط"، ويُرجَّح أنها في تفسيره "البسيط"، ولم يتيسَّر لي الاطلاعُ عليه.
([80]) وصِحّة عبارته أنّ الباء دخلت على المأخوذ لا على المتروك، كما في المثالين.
([81]) القائل هو ثعلب فيما رواه عن سلمة عن الفرّاء.
([82]) جاء في المصباح المنير (مادة بدل): أبدلتُ بكذا إبدالاً: نَحّيتُ الأول وجعلت الثاني مكانه، وبدَّلته تبديلاً: غيرتُ صورته تغييراً. وذكر أبو حيان في تفسيره البحر المحيط (3/285) أنَّ التبديل يأتي في معنيين: تبديل في الصفات مع بقاء العين، وتبديل في الذوات؛ بأن تذهب العين وتجيء مكانها عين أُخرى، يقال: هذا بدل هذا. وقال ثعلب: يقال: بدَّلتُ الشيء أي غيّرتُه ولم أُزِلْ عينه، وأبدلته: أَزلتُ عينه وشخصه. انظر: إعراب القرآن للنحاس، 3/145.
([83]) في الأصل: يغير، ولعلّ الصواب ما أثبتناه. والعبارة كما وردت في تهذيب اللغة للأزهري (مادة بَدَل): قال أبو العباس أحمد بن يحيى: قال الفرّاء: يُقال: أَبدلتُ الخاتَمَ بالحَلْقة إذا نحَّيتُ هذا وجعلتُ هذا مكانه، وبَدَّلتُ الخاتَمَ بالحَلْقة إذا أذبتُه وسوَّيتُه حَلْقةً. وبدَّلتُ الحَلْقة بالخاتَم إذا أذبتُها وجعلتُها خاتَمًا. قال أبو العباس: وحقيقتُه أَنَّ التبديلَ تغييرُ الصورة إلى صورة أخرى والجوهرةُ بعينها، والإبدالُ: تنحيةُ الجوهرة واستئناف جوهرة أخرى". ونَقَلَ هذا بنصه ابنُ منظور في "اللسان"، والزّبيدي في "تاج العروس" مادة (بدل). والباءُ في هذه الأمثلة دخلت على المأخوذ لا على المتروك.
([84]) بعدها: والجوهرة بعينها؛ كما في العبارة نفسها الواردة في الهامش السابق.
([85]) في الأصل: جوهراً، وصوابُه ما أثبتناه. وعليه؛ فإذا كان يقصد بهما التغيير بمعنى التحويل، فالباء تدخل على المأخوذ، وإذا قصد بها جعل شيءٍ مكان شيء وبدلاً منه، فالباء تدخل على المتروك.
([86]) في الأصل: بطاء، وصوابه: بظاء، والمعنى: أزال ضادًا بظاءٍ، فتكون الباء داخلة على المأخوذ.
([87]) فيكون المعنى: ولو أزال ضادًا بظاء، على افتراض أنَّ معنى (أبدل) أزال، فتدخل الباء على المأخوذ.
([88]) لأن الباء تدخل في هذه الحالة على المتروك لا على المأخوذ، كقول امرئ القيس: (الطويل)
أَأَسماءُ أمسى وُدُّها قد تَغَيَّرَا سَنُبْدِلُ إنْ أَبدلتِ بالوُدِّ آخرَ
وهو الوجه الثاني من أوجه استعمال أفعال (ب د ل) كما في رسالة ابن لبّ الغرناطي. انظر: عقود الزبرجد، 1/192، وديوان امرئ القيس، ص93.
([89]) هجرية، أي قبل وفاة المؤلِّف بـ (13) ثلاث عشرة سنة.
([90]) في الأصل عمر، وصوابه: عَمرو، والطُّفيلُ صحابيٌّ من الأشراف، كان شاعراً، غنياً، كثير الضّيافة، مُطاعًا في قومه، اُستُشهد في "اليمامة" سنة (11هـ). انظر: الإصابة في تمييز الصّحابة لابن حجر العسقلاني، 3/424.
([91]) في الأصل: ولمّا، ولعلَّ صوابه ما أثبتناه، على ما نقله الخطيب الشربيني في شرحه على المنهاج عن السُّبكي تقيّ الدّين. انظر: مغني المحتاج، 1/158.
([92]) إضافة الشاهد في المتن يقتضيها السّياق، ولِمَا جاء في شرح المنهاج للخطيب الشّربيني إذْ قال بعد أَنْ أَورد الفرق بين الإبدال والتّبديل: قال السُّبكي: ورأيتُ في شعر الطُّفيل بن عمرو الدَّوسي لمّا أسلم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم:
فألهمني هُدايَ اللهُ عنه وبدَّل طالِعَيْ نَحْسي بِسَعْدي
وهذا البيتُ من مقطوعة أنشدها المرزباني في معجمه؛ يَرُدّ فيها الطّفيل على كفّار مكة لمّا نَهَوْه عن لقاء محمّدٍ صلّى الله عليه وسلم وهدَّدوه، جاء فيها:
أَلا أَبلغْ لديك بني لؤيٍّ |
على الشَّنآنِ والعَضبِ المُرَدِّ |
انظر: الوافي بالوَفَيات للصفدي، 16/461، والإصابة في تمييز الصّحابة لابن حجر، 3/424.
([93]) قال السُّبكي: – بعد إيراده بيت الطفيل كما نقل الشّربيني: وبذلك عُلِمَ فسادُ ما اعتُرِض به على الفقهاء من أنَّ ذلك لا يجوز، بل يلزم دخولها على المتروك. مغني المحتاج، 1/158.
([94]) من معاني الباء أن تأتي بمعنى: البَدَل، وعلامتها أنْ يَحْسنَ في موضعها "بَدَل"، كقول قُريط بن أُنيف العنبري:
فليتَ لي بهم قوماً إذا ركبوا شَنُّوا الإغارةَ فرساناً وركبانا
أي بدلاً منهم. انظر: خزانة الأدب للبغدادي، 7/441. وقولِ الصّحابي عمرو بن تغلب بعد أن مدحه الرّسول صلّى الله عليه وسلم: "ما أُحبُّ أنّ لي بكلمة رسول الله -صلّى الله عليه وسلم- حُمْرَ النَّعَمِ" (البخاري، حديث رقم 923) أي: بَدَلها. وهنا تدخل الباء على المتروك. انظر: الجنى الداني للمرادي، ص40-41، ومغني اللبيب لابن هشام، ص141.
([95]) في الأصل: منها، ولعلَّ الصواب ما أثبتناه، لعود الضمير على (الشيئان).
([96]) هذا المعنى ذكره المالقي في رَصْف المباني، ص223، ويُرادفُه "المقابلة" عند المرادي في الجنى الدَّاني، ص41، وابنِ هشامٍ في المغني، ص141. وباءُ المقابلة أو العِوَضِ، هي الباءُ الداخلةُ على الأَثمان والأعواض، نحو: اشتريتُ الفرسَ بألفٍ، وكافأتُ الإحسانَ بضعفٍ، كما عَرَّفها ابنُ مالك في شرح التَّسهيل، 3/21. وذكر المراديُّ أنَّ هذين المعنيين (المقابلة والعِوَض) يرتدّان إلى معنى السَّببيَّة؛ ففي قولك: هذا بذاك، تقديرُه: هذا مستحقٌ بذاك، أي بسببه. انظر: الجنى الدَّاني، ص41.
وقد فَرَّق الشَّيخ محمد محيي الدين عبد الحميد بين باء التعويض والباءِ الدَّالَّة على السَّببيَّة برأيٍ أُورِدُه هنا لطرافته وفائدته. قال في حواشيه على "أوضح المسالك" لابن هشام (3/36): "اُنْظُر إلى مدخول الباء، فإنْ رأيته قد يُعطَى بعِوضٍ وقد يُعطَى مَجّانًا فاجعل الباءَ للعِوض، وإن كان لا بدّ من حصوله بسبب حصول ما قبله فاجعل الباءَ للسببية؛ لأنَّ طبيعة الأمور أنَّ ما يُعطى بعِوضٍ لا يَمنع العقلُ جوازَ إعطائه مجّانًا، وأنَّ ما يُعطَى بسببٍ لا بدَّ من إعطائه متى حصل سَبَبُه. ومن أَجل هذا حَمَلَ أهل السُّنَّة الباءَ في قوله تعالى: "اُدخلوا الجنّةَ بما كنتم تعملون" (النحل: 32) على أنَّها للعِوض، وحملوا الباءَ في قوله – صلّى الله عليه وسلم- "لن يدخلَ أحدُكم الجنَّةَ بعمله" (انظر: صحيح مسلم/ 2816) على أنَّها للسَّببية؛ فالآيةُ الكريمةُ تدلُّ على أنَّ دخول الجنَّة قد يكون مجانًا فضلاً من الله وإحسانًا، والحديثُ يدلُّ على أنَّ العمل ليس سببًا موجبًا لدخول الجنّة".
([97]) قال الزّركشي في البحر المحيط (2/18) عند حديثه عن قوله تعالى: "اِشْتَرَوا الضّلالةَ بالهدى" (البقرة: 16)، وقوله تعالى: " فَلْيُقاتِلْ في سَبيلِ اللهِ الذينَ يَشْرون الحياةَ الدّنيا بالآخرةِ " (النساء: 74)، في مَعْرِض بيانه عن الباء من حروف المعاني، قال: "وكان المعنى في دخول الباء على كلٍّ منهما –أي العِوض والمعوَّض منه– مع الشّراء، أن (اشتريت) و(بعت) كلٌّ منهما مستعمل بمعنى الآخر، لكنَّ الأكثر في (بعت) الإخراجُ عن الملك، وفي (اشتريت) الإدخال".
([98]) أي دخول حرف الجرّ على المتروك والمأخوذ.
([99]) أبو حيان الأندلسي، إذْ جَعَل الباء في قول الإمام النَّووي "ولو أبدل ضاداً بظاء" داخلةً على المتروك، مع أنَّها داخلةٌ على الحاصل أو المأخوذ كما مَرَّ في أبيات الطُفيل.
([100]) في الأصل: يُبدّلون، وصوابه ما أثبتناه.
([101]) أرقام غير واضحة تشير إلى تاريخ اليوم من جمادى الأولى بينها حرف الواو؛ ولعلّ الناسخ نسخ الرّسالة في يومين : 1 و 2 جمادى الأولى سنة 743هجرية.