الدلالة عند اللغويين العرب
د.أيوب جرجيس العطية من كتاب ( اللغة العربية 1-4 ) لطلاب كلية الشريعة والقانون المطبوع في اليمن سنة 2006م
يجد المتتبع لقضايا الدلالة في التراث اللغوي العربي أن تناول المسائل الدلالية قد سار في اتجاهين :-
أحدهما :- اتجاه نظري تمثله الدراسات النظرية للعلاقات الدلالية بين المفردات ، حيث ظهر في وقت مبكر دراسات حول التضاد و الترادف و المشترك اللفظي وحول الحقيقة و المجاز و الخاص و العام في معاني الألفاظ . وأما الاشتقاق وهو الوسيلة الرئيسة لتوليد الألفاظ في اللغة العربية لتواكب مستحدث المعاني و الأفكار ، فكان وما يزال ينال الاهتمام في معظم المصنفات و الدراسات اللغوية قديماً وحديثاً . وإذا نظرنا في أمهات الكتب اللغوية كالخصائص لابن جني و الصاحبي في فقه اللغة لابن فارس وفقه اللغة وسر العربية للثعالبي ، والمزهر في علوم اللغة وأنواعها للسيوطي ([1]) سنجد أن هذه القضايا قد شغلت مساحات واسعة في هذه المصنفات .
والآخر :- اتجاه تطبيقي ويتمثل في الأعمال المعجمية التي أصبحت تمثل تياراً لغوياً قوياً في الدرس اللغوي العربي ، حيث بدأت على شكل رسائل لغوية في غريب القرآن و الحديث ويغلب عليها التفسير اللغوي لألفاظها . وكتب الحيوان و النبات و اللهجات و الكتب التي تعني ببيان معاني الألفاظ الفقهية فضلا عن إلى معانيها اللغوية وكتب الدخيل و المعرب و النوادر ([2]) .
وقد تطورت فكرة الرسائل اللغوية على يد الخليل كما ظهرت في معجمه الشهير ( العين ) ثم توالى التأليف المعجمي بعد ذلك كما يظهر في اتجاهاته المختلفة .
وفيما يلي تعريف موجز بجهود علماء اللغة في تلك المسائل الدلالية .
أولاً :- تعدد المعنى
لقد بحث اللغويون مسألة تعدد المعنى ومشكلات العلاقات الدلالية بين الألفاظ بحثاً مستفيضاً ، وقسموا ألفاظ اللغة من حيث دلالتهُُُُا إلى أنواع هي :-
1- المتباين : وهو أكثر اللغة ، وذلك أن يدل اللفظ الواحد على معنى واحد .
2- المشترك اللفظي : وهو أن يدل اللفظ الواحد على أكثر من معنى .
3- المترادف : وهو أن يدل أكثر من لفظ على معنى واحد .
4- التضاد : وهو أن يدل اللفظ الواحد على معنيين متناقضين .
وما يدخل تحت تعدد المعنى ويمثل مشكلة لغوية هو المترادف ، والمشترك اللفظي و التضاد .
أ- الترادف :-
ويعرفه العلماء بأنه ( الألفاظ المفردة الدالة على شيء واحد ) ([3]) ومن أمثلة ذلك : الخلقة و السجية و الطبيعة و الغريزة و السليقة .
ومنه في أسماء العسل . الضَّرَب ، الشوب ، الورس ، الشَّهْد ، الشِّراب ، الغرب ، والمزج ، والسلاف و الرحيق ..... الخ ([4]) .
وهذه الظاهرة بحثها اللغويون العرب ووقفوا منها موقفين متضادين فريق يؤيد وجودها في اللغة وفريق ينكره .
أما الأسباب التي تؤدي إلى ظهور الترادف في اللغة فهي :-
1- اختلاف اللغات و اللهجات :-
فقد دخل اللغة العربية بعد الإسلام كثير من الكلمات الأجنبية بسبب الحاجة إلى ذلك فيحدث الترادف نتيجة استعمال الكلمة الأجنبية إلى جانب نظيرتها العربية التي تحمل الدلالة نفسها ومن ذلك مثلاً الألفاظ الآتية : الحرير مع السندس و الاستبرق ، اليم مع البحر ، الفردوس مع الجنة ، الصراط مع الطريق و السبيل .
كما أن اللهجات قد تتلاقى في استعمال ألفاظ مختلفة لمعنى واحد فيحدث نتيجة لذلك الترادف ، ومن ذلك المدية في قبيلة و السكين في قبيلة أخرى ووثب في قبيلة وقفز في قبيلة أخرى .
ولكن الرواة حينما سجلوا ألفاظ اللغة لم يشيروا إلى اختلاف اللهجات في استعمالها وإنما جمعوها في صعيد المترادفات .
2- المجاز :-
فقد تستعمل الكلمات استعمالاً مجازياً ثم تمر الأيام على تلك المجازات ويكثر استعمالها ، فتنسى الناحية المجازية فيها وتصبح معانيها حقيقية .
ومن أمثلة ذلك ترادف كلمتي الوغى و الحرب ، والوغى في الأصل اختلاط الأصوات في الحرب ثم تنوسي أصل الدلالة وأصبحت الوغى بمعنى الحرب .
3- اختلاط الأسماء و الصفات :-
فكثير من الكلمات كانت في الأصل صفات للمسمى الواحد في الأحوال المختلفة ، ولكن هذه الصفات تنوسيت على مر السنين وأصبحت الصفات تستعمل بمعنى الاسم وكأنها متردافات .
ومن ذلك مثلاً : السيف وهو الاسم ثم المهند و المشرفي ، واليماني ، والعضب ، والصفيحة ، والخشيب ... الخ ، فهذه صفات تشتمل على فوارق معنوية في الأصل ولكنها بمرور الزمن استعملت وكأنها ترادف لفظ السيف .
ب- المشترك اللفظي :-
يقصد بالمشترك اللفظي أن يدل اللفظ على معنيين أو أكثر على التساوي .
ومن أمثلته ( العين ) فإن لها معاني كثيرة منها : الباصرة ، وعين الجيش الذي ينظر لهم ، والعين : النفس ، وهو أن يعين الرجل بمعنى أن ينظر إليه فيصيبه بعين ، والعين : الجاسوس ، والعين : الدينار وغير ذلك من المعاني الكثيرة .
وقد ألف القدماء فيه كتباً كثيرة ومن ذلك : كتاب الوجوه و النظائر لمقاتل بن سليمان البلخي ( 150هـ) . و الوجوه و النظائر لهارون بن موسى الأزدي ( 170هـ) وكتاب ما اتفق لفظه واختلف معناه من القرآن المجيد للمبرد ، وكتاب المنجد في اللغة لكراع ، كما ألف في ذلك الأصمعي و اليزيدي وآخرون .
أما الأسباب التي تؤدي إلى وقوع الاشتراك في اللغة فهي :-
1- اختلاف اللغات و اللهجات :-
فاللغة قد تستمد ألفاظاً من لغات أجنبية عنها ، وذلك على جانب ألفاظ أخرى موجودة فيها قد تتحد معها في الصيغة فينتج عن ذلك الاشتراك اللفظي ، ومثال ذلك كلمة ( الحُبّ ) بمعنى ( الوداد ) و الحِبُّ بمعنى الجَرّة الكبيرة التي يجعل فيها الماء ، والمعنى الأول من العربية و الثاني من الفارسية . وكذلك لفظ ( سور ) بمعنى حائط المدينة و الضيافة و المعنى الأول عربي و الثاني فارسي .
واختلاف اللهجات قد تكون سببا في وجود الاشتراك اللفظي فكلمة ( السيد ) تعني الذئب في لهجة طيء وعند هذيل تعني الأسد . وكلمة ( الألفت ) عند تميم تعني الأعسر وعند قيس تعني الأحمق . ومثل هذه الكلمات التي تنتمي إلى لهجات مختلفة ( تتشابه في نطقها ) وتتحد في معناها تعد سببا من أسباب وقوع الاشتراك اللفظي .
2- الاشتمال المجازي :-
أي انتقال الكلمة من الحقيقة إلى المجاز مثل كلمة ( العين ) التي هي في الأصل العضو المبصر ثم انتقلت إلى معان أخرى مجازية فأصبحت تدل على الجاسوس وعلى البئر ، وعين الميزان وثقب الإبرة ... الخ .
ج- التضاد :-
يقصد بالتضاد استعمال اللفظ بمعنيين متضادين وهذه ظاهرة موجودة في جميع اللغات وذلك في العربية كـ(الجون ) للأبيض و الأسود ( و القرء ) للطهر و الحيض ( و الصريم ) لليل و الصبح ( و الند ) للمثل و الضد و ( الناهل ) للعطشان و الريان ..... الخ ([5]) .
أما العوامل التي تؤدي إلى نشأة هذه الظاهرة في اللغة فإنها تتشابه مع بقية العوامل الأخرى في ظاهرتي الترادف و المشترك و هي :-
اختلاف اللهجات حيث يستعمل اللفظ بمعنى في إحدى اللهجات وتستعمله لهجة أخرى بمعنى آخر .
ومن ذلك المجاز و التطور الصوتي و الأسباب النفسية الاجتماعية التي يراعى فيها المخاطب كأن يطلق لفظ القافلة على الجماعة المسافرة ، و المفازة على الصحراء ، وعاقل على المجنون ، والأبيض على الأسود .... الخ .
ثانياً :- الدلالة في المعجم
المعجم هو قائمة من الكلمات تشتمل على جميع ما يستعمله المجتمع اللغوي من مفردات .
ثالثاً :- التغير الدلالي
وقد تنبه اللغويون و الأصوليون لمسألة التطور في دلالات الألفاظ وأشاروا في ملحوظاتهم الدلالية إلى أن اللفظ قد تنتقل دلالته من الاتساع إلى الضيق أو العكس .
أو ينتقل المعنى عن طريق العلاقات المجازية فيعبر عنه بلفظ آخر بينه وبين اللفظ الأول سبب من الأسباب التي سموها بالعلاقات المجازية ، وأفاضوا في تفصيل أنواعها ، كما نبه اللغويون القدماء على هذه الظاهرة وأفاضوا في شرحها ، ويكشف عن ذلك ما عرضه السيوطي في الأبواب الثلاثة التي عقدها لمسألة التغير في المعنى وهي :-
- العام و الخاص .
- الحقيقة و المجاز .
- الألفاظ الإسلامية .
وفي موضوع الحقيقة و المجاز يناقش اللغويون آثر المجاز في تطور دلالات الكلمات ، وقد بحث اللغويون في علاقات المجاز وهو أمر يكشف إدراكهم لقانون هام من قوانين تغير المعنى ، وهو ارتباط الحالة التي تنتقل إليها الكلمة بالحالة التي انتقلت منها .
ويتفاوت القدماء في حصر أنواع العلاقة بين محل الحقيقة و المجاز أي المدلول الأول للفظ و المدلول الثاني الذي انتقل إليه ، من ذلك :-
1- السببية : وهي إطلاق اسم السبب على المسبب ، أي العلة على المعلول كالتعبير عن العنب بالخمر في قوله تعالى : ] إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً [.
2- المسببية : وهي إطلاق اسم المسبب على السبب ، كالتعبير عن المرض المهلك بالموت .
3- المشابهة : وهي تسمية الشيء باسم ما يشبهه في الصفة المعروفة ، كإطلاق الأسد على الشجاع أو إطلاق اسم الإنسان على الصورة المنقوشة في الحائط .
4- المضادة : وهي إطلاق اللفظ على ما يضاد ، كتسمية الصحراء المهلكة بالمفازة .
5- الكلية : وهو إطلاق اسم الكل على الجزء ، ويعد منه إطلاق العام على الخاص . ومثاله إطلاق الأصابع وغرادة بعضها في قوله تعالى : ] يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ [ (البقرة: من الآية19) .
6- الجزئية : وهي إطلاق اسم الجزء على الكل ، كإطلاق اسم الرقبة على العبد في قوله تعالى : ] فَكُّ رَقَبَةٍ [ (البلد:13) .
7- الاستعداد : وهي أن يسمى الشيء المستعد لأمر باسم ذلك الأمر كتسمية الخمر وهي في الدن بالمسكر ، ويعبر عن هذه العلاقة بأنها إطلاق اسم الفعل على القوة أو تسمية باسم ما يئوب إليه .
8- المجاورة : وهي تسمية الشيء باسم ما يجاوره ، كإطلاق ( الراوية ) على قربة الماء ، و الأصل في الراوية ( الدابة التي تحمل الماء ) .
ويشتمل التجوز في التراكيب الزيادة : كقوله تعالى : ] لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [ (الشورى: من الآية11) ، الكاف زائدة ، والحذف كقوله تعالى : ] وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ [(يوسف: من الآية82) ، أي أهل القرية .
و المجاز في التركيب يسمى المجاز الإسنادي أو المجاز العقلي وذلك في مقابلة المجاز المفرد المعروف بالمجاز اللغوي .
وعلاقات المجاز العقلي هي : الملابسة ، وذلك بأن يسند الفعل إلى غير ما هو له أصالة كقوله تعالى عن فرعون ( يذبح أبناءهم ) فنسب الذبح إلى فرعون وهو فعل أعوانه لكونه آمرا به ، ومنها الزمانية و المكانية و المصدرية .
ويشمل المجاز المفرد اللغوي ما عرف بالاستعارة و الكناية ، والاستعارة بدورها تنقسم إلى : التصريحية و المكنية .
وفي المجاز المفرد تنقل دلالة اللفظ الأصلي إلى لفظ آخر لعلاقة بينهما كقولنا ( الأسد ) للرجل الشجاع ، لعلاقة المشابهة .
وقد ذكر القدماء الأسباب التي تؤدي إلى وقوع المجاز وهي :-
1- ثقل لفظ الحقيقة لصعوبة نطقه على اللسان فلفظ ( الخفنقيق ) بمعنى الداهية أو المصيبة يعدل عنه لنقله إلى لفظ يكون سهلا على الناطق ، وبينه وبين معنى اللفظ السالف علاقة . وكلفظ ( الموت ) مثلاً يقال : وقع في الموت ، وهو يريدون مصيبة شديدة وهو سبب صوتي يؤثر بلا شك في هجر استعمال بعض الألفاظ . واستعمال ماله دلالة على معنى الكلمة نفسها ، أو ما هو قريب منها ، فإذا استعمل القريب منها للدلالة على معناها فهو المجاز ، وهو بالتالي ذو أثر في التغير الدلالي وفي حياة بعض الألفاظ وموت أخرى .
2- أن يكون معناها حقيراً ، فيعدل عن لفظ الحقيقة إلى لفظ مجازي كالتعبير بالغائط عن عملية التبرز أو قضاء الحاجة ، والأصل في الغائط ( المكان المنخفض من الأرض ) .
3- أن يتحقق باستعمال المجاز شيء من البديع لا يتحقق بلفظ الحقيقة كالمجانسة و المقابلة و السجع ووزن الشعر .
4- أن يكون في المجاز تعظيم كقولك لمن تخاطبه معظماً : سلام على المجلس العالي ، فإن فيه تعظيماً بخلاف قولك سلام عليك .
وقد يكون في المجاز تقوية للمعنى كقولك : رأيت أسدا يقاتل ، ففيه من القوة ما ليس في قولك : رأيت رجلا يشبه الأسد في الشجاعة .
وقد حدد اللغويون المعالم التي يمكن في ضوئها الاهتداء إلى الفصل بين الحقيقة و المجاز ومعرفة الطرائق التي تعود إلى كون اللفظ المستعمل من الحقيقة أم من المجاز ، وواضح أن ما ورد من ملاحظات عن تطور الاستخدام الدلالي للألفاظ من الحقيقة إلى المجاز هو من صميم ما عرف في عالم المعنى بالتطور الدلالي .
أما الأمر الثالث في ملحوظات اللغويين القدماء عن التغير الدلالي فهو الذي أورده اللغويون عند الحديث عن تطور دلالات بعض الألفاظ الإسلامية ([6]) .
وقد كانت ملاحظات أبي حاتم الرازي حول مسالة تطور دلالات بعض الألفاظ من أكثر الملاحظات أهمية . فقد جمع الرازي في كتابة ( الزينة ) ما يزيد عن أربعمائة لفظ اشتملت على بعض الأسماء التي وردت في القرآن و الألفاظ التي اصطلح عليها المسلمون وذكر معانيها ومدلولاتها الجاهلية و الإسلامية واستشهد على ذلك بالشعر المعروف وأراد فيها ما روى علماء العربية ، وأهل التفسير في تفسير كل كلمة .
وحاول الرازي أن يفسر معاني الكلمات التي تغيرت مدلولاتها في العصر الإسلامي عما كانت في العصر الجاهلي ، وإن لم تكن مفهومة عند العرب قبل الإسلام ثم يسير إلى أن يشرحها كما وردت في القرآن و الحديث ويورد فيها آراء اللغويين و النحويين المتقدمين ، وأحياناً نراه لا يراعي هذا التسلسل الزمني ، بل يبدأ بمدلولها الإسلامي ويستشهد بالقرآن و الحديث قبل أن يحتج بالشعر و اللغة ، وكثيراً ما يفسر الكلمات تفسيراً لغوياً صرفاً يأتي باشتقاقاتها ومعانيها ، ولا يهدف فيه إلى معنييها الجاهلي والإسلامي .
وتجدر الإشارة إلى أن الرازي قد صنف كلماته فيما يشبه الحقول الدلالية ، وهي التي تجمع كلمات ذات قرابة ، وذلك لأنه بدأ بأسماء الله تعالى ثم بالقضاء ثم بالجنة وصفاتها و النار وصفاتها .... الخ وفيها عالج كلمات ذات قرابة ، مثل : النار ، الصراط ، الأعراف ، الثواب ، و العقاب ، الإثم و الوزر .
ومن ذلك اسم منافق لمن راءى بالإسلام واستتر بالكفر ، أخذ ذلك من النافقاء و القاصعاء و الداماء ( أسماء جحر اليربوع ) .
ومثل الشرك و الكافر ، ومثل التيمم ، قال تعالى : ] فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً [ (النساء: من الآية43) ، أي تحروا ذلك وتوخوه وقال تعالى : ] فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ [ (المائدة: من الآية6) ، فكثر في هذا الكلام حتى صار التيمم هو المسح نفسه ، وكذلك عادتهم وصنيعهم في الشيء إذا طالت صحبتهم وملابستهم له .
ومن ذلك النجو : وذلك أن الرجل إذا أراد قضاء الحاجة تستر بنجوة ، والنجو الارتفاع من الأرض ، قالوا من ذلك : ذهب ينجو . كما قالوا ذهب يتغوط ثم اشتقوا منه فقالوا إذا غسل موضوع النجو : قد استنجى .
ومن ذلك العذرة ، وإنما العذرة الفناء ، والأفنية هي العذرات ولكنه لما طال إلقاؤهم النجو و الزبل في أفنيتهم سميت تلك الأشياء التي رموا بها باسم المكان التي رميت به و في الحديث ( اتقوا عذراتكم ) . وقال ابن الرقيات :
رحم الله أعظما دفنوها |
بسجستان طلحة الطلحاتِ |
|
كان لا يحجب الصديق ولا |
يعتل بالبخل طيب العذرات |
ولكنهم لكثرة ما كانوا يلقون نجوهم في أفنيتهم سموها باسمها .
من قضايا المعنى ( التطور الدلالي )
أشرنا إلى أن العرب قد أدركوا مسألة تغير المعنى وتدل ملاحظاتهم حول المجاز وكلمات مثل الصلاة و الحج والنفاق على أنهم قد تحدثوا عن جانب من هذه المسألة ولكن تلك الملاحظات الدلالية لم ينتظمها منهج معين .
وفي علم الدلالة الحديث نالت قضية تغير المعنى حظاً كبيراً من عناية اللغويين ، وقد بحث هؤلاء في صور تغير المعنى وأسباب ذلك التغير و العوامل التي تتدخل في حياة الألفاظ أو موتها .
أسباب تغير المعنى :-
ذكر بعض العلماء أن أسباب تغير المعنى ترجع إلى ثلاثة أسباب ، إمّا لغوية أو تاريخية أو اجتماعية . ولخص بعضهم هذه الأسباب فيما يأتي :-
1- ظهور الحاجة :-
حينما يملك المجتمع اللغوي فكرة أو شيئاً يريد أن يتحدث عنه فإنه يمثله بمجموعة من الأصوات في معجم اللغة .
وقد يكون هذا التمثيل عن طريق الاقتراض من مصدر خارجي أو عن طريق وضع لفظ جديد على طريقة كلمات هذه اللغة ، وهذان النوعان ليس لهما صلة بتغير المعنى . ولكن هناك وسيلة ثالثة تعد من هذا الباب وهي أن يلجأ أبناء اللغة إلى الألفاظ القديمة ذات الدلالة المندثرة فيحيوا ([7]) بعضها ويطلقوه على مستحدثاتها ملتمسين في هذا أدنى ملابسة ، وهكذا نجد أنفسنا أمام كم هائل من الألفاظ القديمة في صورة جديدة الدلالة .
ومن أمثلة ذلك الكلمات : مدفع ، دبابة ، سيارة ، قاطرة ، ثلاجة ، سخانة ، مذياع ، ذبذبات ، تسجيل ، جرائد ، صحف ، وغير ذلك من الألفاظ التي أحياها الناس ، أو اشتقوها ، وخلعوا عليها دلالات جديدة تطلبتها حياتهم الجديدة ، وتتم هذه العملية عن طريق الهيئات و المجامع اللغوية ، أو قد يقوم بها بعض الأفراد الموهوبين في صناعة الكلام كالأدباء و الكتاب و الشعراء ، ثم تفرض تلك الألفاظ في وضعها الجديد على أفراد المجتمع بالتداول و التعامل بها .
2- التطور الاجتماعي و الثقافي :-
وهذا السبب يظهر في صور مختلفة ، منها :
أ- فقد يكون في شكل الانتقال من الدلالات الحسية إلى الدلالات التجريدية نتيجة لتطور العقل الإنساني ورقية .
وانتقال الدلالات من المجال المحسوس إلى المجال المجرد يتم عادة في صورة تدريجية ، ثم قد تنزوي الدلالات المحسوسة وقد تندثر وقد تظل مستعملة جنباً مع الدلالات التجريدية لفترة تطول أو تقصر .
ب- وقد يكون في شكل اتفاق مجموعة فرعية ذات ثقافة مختلفة على استخدام ألفاظ معينة في دلالات تحددها تماشياً مع الأشياء و التجارب و المفاهيم المناسبة لمهنها وثقافتها ، وقد يؤدي هذا إلى نشوء لغة خاصة ، ولا شك أن شدة الاتصال بين أفراد هذه الجماعة ، وبينها وبين أفراد الجماعات الأخرى من المجتمع الكبير سيقضي على صعوبة إفهام الآخرين وتعاملهم مع المدلول الجديد .
وقد حدث هذا مثلاً بالنسبة للكلمات الدينية كالصلاة والحج و الزكاة و الوضوء و التيمم . ويمكن القول على وجه العموم : إنّ الاتجاه في مثل هذه الحالات يميل نحو التضييق في معنى الكلمة حين تنتقل من الاستعمال العام إلى المجالات المتخصصة .
ت- وقد يكون في شكل استمرار استخدام اللفظ ذي المدلول القديم وإطلاقه على مدلول حديث للإحساس باستمرار الوظيفة رغم الاختلاف في الشكل .
ومن ذلك كلمة ( بيت ) في العربية التي ما تزال تطلق على الشكل الحديث رغم تغيره عن القديم .
3- المشاعر العاطفية و النفسية :-
تحظر اللغات استعمال لبعض الكلمات لما لها من إيحاءات مكروهة أو لدلالتها الصريحة على ما يستقبح ذكره ، وهو ما يعرف باللامساس Taboo ولا يؤدي اللامساس إلى تغير المعنى ولكن يحدث كثيراً أن المصطلح البديل يكون له معنى قديم ، مما يؤدي إلى تغير دلالة اللفظ ، فكان اللامساس يؤدي إلى التلطف في العبير . وهو في الحقيقة إبدال الكلمة الحادة بكلمة أقل حدة وأكثر قَبولاً . وهذا التلطف هو السبب في تغير المعنى .
4- الانحراف اللغوي :-
قد ينحرف مستعمل الكلمة بالكلمة عن معناها إلى معنى قريب أو مشابه له فيعد من باب المجاز ، ويلقى قَبولاً من أبناء اللغة بسهولة، وقد يكون الانحراف نتيجة سوء الفهم أو الالتباس أو الغموض ، وحينئذٍ يتصدى له اللغويون بالتقويم و التصويب ، وغالباً ما يكون محل رفض منهم ، وحتى لو قبلته الجماعة اللغوية وجرى على ألسنتهم ([8]) .
ويحدث سوء الفهم حين يصادف المرء اللفظ الأول فيخمن معناه وقد ينتهي به التخمين إلى دلالة غريبة لا تكاد تمت إلى ما في ذهن المتكلم بأي صلة ، وحين يتكرر الانحراف من أكثر من شخص قد يؤدي هذا إلى تطور اللفظ تطوراً مفاجئاً يرثه الجيل الناشئ ويركن إليه .
ومن أمثلة ذلك كلمة ( الأرض ) التي تحمل دلالات عدة متباينة فهي الكوكب المعروف وهي الزكاة والرعدة ، ومثل ( الأسد ) الذي يعني الليث ويعني العنكبوت .
ويعد الأطفال كذلك أحد الأمثلة البارزة للانحراف اللغوي خصوصاً وأنهم يغلبون جانب الشكل على جانب الوظيفة ، فقد يطلق الطفل على الفأس و المطرقة لفظ ( قدوم ) . وقد يطلق على ( الكنبة ) لفظ سرير ..... وهكذا .
5- الانتقال المجازي :-
وعادة ما يتم بدون قصد ، بهدف سد فجوة معجمية . وقد يحدث بمرور الوقت أن يشبع الاستعمال المجازي فيصبح للفظ معنيان ، وقد يشيع المعنى المجازي على حساب المعنى الحقيقي ويقضي عليه .
6- الابتداع :-
ويعد الابتداع Innovation من الأسباب الداعية لتغير المعنى ، وكثيراً ما يقوم به أحد صنفين من الناس :-
أ- الموهوبون من أصحاب المهارة في الكلام كالشعراء و الأدباء ، وحاجة الأديب إلى توضيح الدلالة ، أو تقوية أثرها في الذهن هي التي تحمله على الالتجاء إلى الابتداع .
ب- المجامع اللغوية و الهيئات العلمية حين تحتاج إلى استخدام لفظ ما للتعبير عن فكرة أو مفهوم معين وبهذا تعطي الكلمة معنى جديداً يبدأ أول الأمر اصطلاحياً ثم يخرج إلى دائرة المجتمع فيغزو اللغة المشتركة كذلك ، ومثال ذلك كلمة Root التي يختلف معناها بحسب مهنة المتكلم أهو مزارع أم عالم رياضيات أم لغوي .
أشكال تغير المعنى :-
حاول رجال القواعد وعلماء البلاغة جاهدين منذ أرسطو أن يخضعوا تغيرات المعنى لشيء من التنظيم و التعقيد ، غير أنهم حصروا جهودهم قروناً طويلة في تصنيف المجازات لأسباب جمالية أو أسلوبية .
وحين انتقل الأمر إلى علماء اللغة حاولوا تنظيم البحث عن عمليات انتقال دون حساب لمضموناتها الأدبية .
وقد كانت الأنواع التي توصل غليها اللغويون هي :-
1- توسيع المعنى :-
يقع توسيع المعنى عندما يحدث الانتقال من معنى خاص إلى معنى عام ، ويعني ذلك أن يصبح عدد ما تشير إليه الكلمة أكثر من السابق ، أو يصبح مجال استعمالها أوسع من قبل . ومن أمثلة ذلك استعمال الطفل ( تفاحة ) لكل الأشياء المستديرة .
وكلمة Salary التي تعني مرتب الجندي فقط ، وقبل ذلك كانت تعني حصة الجندي من الملح .
وكلمة Picture كانت تطلق على اللوحة المرسومة ، والآن امتدت لتشمل الصور الفوتوغرافية .
2- تضييق المعنى :-
تضييق المعنى أو تخصيصه يعني تحويل الدلالة من المعنى الكلي إلى المعنى الجزئي أو تضيق مجالها ، وعرفه بعضهم بأنه تحديد معاني الكلمات وتقليلها .
ومن أمثلة ذلك كلمة ( حرامي ) هي في الحقيقة نسبة إلى الحرام ، ثم تخصصت دلالتها ، واستعملت بمعنى ( اللص ) .
وكلمة ( الحريم ) كانت تطلق على كل محرم وأصبحت الآن تطلق على النساء وكلمة Poison الإنجليزية كانت تعني الجرعة من أي سائل و لكن الذي حدث هو أن الجرعات السامة دون غيرها هي التي استرعت الانتباه واستأثرت به لسبب أو لآخر ، وبهذا تحدد مدلول الكلمة مقصورا على أشياء تقل في عددها عما كانت عليه .
3- نقل المعنى :-
ويكون الانتقال عندما يتعادل المعنيان أو إذا كانا لا يختلفان من جهة العموم و الخصوص ، كما في حالة انتقال الكلمة من المحل إلى الحال أو من المسبب إلى السبب أو من العلاقة الدالة إلى الشيء المدلول عليه .... الخ أو العكس . وانتقال المعنى يتضمن طرائق شتى مثل الاستعارة وإطلاق البعض على الكل ، وهو المجاز المرسل بشكل عام .
وعلى هذا يكون الفرق بين هذا النوع و النوعين السابقين ، كون المعنى القديم أوسع أو أضيق من المعنى الجديد في النوعين السابقين ، وكونه مساوياً في النوع الحالي .
ومن أمثلة نقل المعنى الكلمة ( شنب ) التي كانت في القديم تطلق على جمال الثغر وصفاء الأسنان وهي في الاستعمال الحديث بمعنى الشارب ، وكلمة ( السفرة ) كانت تعني الطعام الذي يصنع للمسافر وهي في الاستعمال الحديث المائدة وما عليها من الطعام ، وكان طول اليد يعرف بالسخاء فأصبح يوصف به السارق .
ومن أشكال انتقال المعنى ما يعرف باسم ( انحطاط المعنى ) أو ( ابتذاله ) ، وعكسه ( رقي المعنى ) وقد يتردد معنى الكلمة بين الرقي و الانحطاط في سلم الاستعمال الاجتماعي ، بل تصعد الكلمة الواحدة إلى القمة وتهبط إلى الحضيض في وقت واحد .
والأمثلة على ذلك ما يلي :-
1- اللقب ( أفندي ) : المأخوذ من التركية كان له خلال القرن التاسع عشر الميلادي مركز هام ومكان مرموق ثم انحط قدرة على توالي الأيام ، وصار الآن ذا قدر تافه ، ومثل هذا كلمة ( حاجب ) التي آلت إلى المعنى التافه الذي تدل عليه الآن .
2- كلمة ( رسول ) : كان معناها الشخص الذي يرسل في مهمة ما ، ثم صار لها هذه الدلالة السامية التي نعرفها اليوم .
وكلمة ( Knight ) التي كانت في القرون الوسطى تعبر عن مركز مرموق وكانت قبل ذلك تعني ( ولد خادم ) .
4- المبالغة :-
عُدَّ بعض اللغويين المبالغة من أشكال تغير المعنى ، وعدها مسئولة عن تلك الشعارات المذهبية والاصطلاحات الخادعة التي تستغلها أجهزة الدعاية حتى أنها لا تلبث أن تؤدي إلى عكس المقصود منها .
كما في قولك هو سعيد بشكل مخيف ، ورائع بكل بساطة ، ومثل هذه التعبيرات سرعان ما تفقد جدتها وقوة التعبير عنها حتى تصبح مبتذلة بالية ، ثم تخلفها وتحل محلها تعبيرات أخرى .
نظرية السياق :-
وهذه النظرية تقوم على أساس أن معنى الكلمة هو ( استعمالها في اللغة ) أو الطريقة التي تستعمل بها أو الدور الذي تؤدية ، ولهذا لا ينكشف المعنى إلا من خلال تسييق الوحدة اللغوية أي وضعها في سياقات مختلفة ويقوم أصحاب هذه النظرية في شرح وجهة نظرهم معظم الوحدات الدلالية تقع في مجاورة وحدات أخرى ، أو، معاني هذه الوحدات لا يمكن وصفها أو تحديدها إلا بملاحظة الوحدات الأخرى التي تقع مجاورة لها .
وعلى هذا الأساس فدراسة معاني الكلمات تتطلب تحليلا للسياقات و المواقف التي ترد فيها حتى ما كان منها غير لغوي ، ومعنى الكلمة على هذا يتعدد تبعاً لتعدد السياقات التي تقع فيها أو بعبارة أخرى تبعاً لتوزيعها اللغوي .
أما السياق اللغوي فيمكن التمثيل له بكلمة ( حسن ) في العربية ، التي تقع في سياقات متنوعة وصفا لــ :-
1- أشخاص ( رجل ، امرأة ، ولد ..... ) .
2- أشياء مؤقتة ( وقت ، يوم ، حفلة ، رحلة .... ) .
3- مقادير ( ملح ، دقيق ، هواء ، ماء .... ) .
فإذا وردت في سياق لغوي مع كلمة ( رجل ) كانت تعني الناحية الخلقية ، وإذا وردت وصفا لطبيب مثلا كانت تعني التفوق في الأداء وليس الناحية الأخلاقية ؛ وإذا وردت وصفا للمقادير كان معناها الصفاء و النقاوة .
كما يمكن التمثيل للسياق اللغوي بكلمة ( يد ) التي ترد في سياقات متنوعة منها :-
1- أعطيته مالا عن ظهر يد .
2- هم يد على من سواهم .
3- يد الفأس .
4- يد الدهر .
5- يد الطائر .
6- بعته يدا بيد .
7- يد الريح .
8- ثوب قصير اليد .
9- فلان طويل ليد .
10- سقط في يده .
11- حتى يعطوا الجزية عن يد .
12- إن بين يدي الساعة أهوالا .
وأما السياق العاطفي فيحدد درجة القوة و الضعف في الانفعال مما يقتضي تأكيدا أو مبالغة أو اعتدالا . فكلمة Love في الإنجليزية غير كلمة Like رغم اشتراكهما في أصل المعنى . وكلمة ( يكره ) العربية غير كلمة ( يبغض ) رغم اشتراكهما في أصل المعنى .
و أما سياق الموقف ، فيعني الموقف الخارجي الذي يمكن أن تقع فيه الكلمة ، مثل استعمال كلمة ( يرحم ) في مقام تشميت العاطس ( يرحمك الله ) ( البدء بالفعل ) ، وفي مقام الترحم بعد الموت ( الله يرحمه ) ( البدء بالاسم ) فالأولى تعني طلب الرحمة في الدنيا و الثانية طلب الرحمة في الآخرة ، وقد دل على هذا سياق الموقف إضافة إلى السياق اللغوي المتمثل في التقديم و التأخير .
و أما السياق الثقافي فيقتضي تحديد المحيط الثقافي أو الاجتماعي الذي يمكن أن تستخدم فيه الكلمة ، فكلمة ( عقيلته ) تعد في العربية المعاصرة علامة على الطبقة الاجتماعية المتميزة بالنسبة لكلمة ( زوجته ) مثلاً ، وكلمة ( جذر ) لها معنى عند المزارع ، ومعنى ثان عند اللغوي ، ومعنى ثالث عند عالم الرياضيات .
وقد كان للعملاء العرب جهود في العناية بدلالة السياق على المستويين النظري و العملي إذ أشاروا إلى أهمية السياق ووظفوه في دراسة النصوص وتحليلها .
ويتّضح ذلك عند المفسرين والأصوليين ، فقد اشترطوا فيمن يتصدّى لتفسير القرآن الكريم وتأويله شروطاً لها علاقة بالسياق اللغوي و الحالي وهي العلم بأسباب النزول و الناسخ و المنسوخ ، وعلى المفسر أن يراعي السياق اللغوي فسيتحضر النص القرآني عند تفسير بعضه .ومعنى أسباب النزول في ملابسات النص وكل ما يحيط به وهي من أهم مكونات سياق الحل . ومعرفة السياق تقتضي المعرفة بألفاظ العربية ودلالالتها وهذه المعرفة ضرورية للمفسر و إلا فلا يحلّ له الإقدام على تفسير كتاب الله .
وأما الأصوليون فكانوا أسبق من غيرهم في التصريح بمصطلح السياق وتحديد مفهومة . وقد استثمروا دلالة السياق في استنباط الأحكام الشرعية وجعلوها أصلاً مهماً في فهم النصوص الشرعية .
مثال يوضح ضرورة اعتداد ( المقام ) في تحديد المعني الدلالي . من المعلوم أن ( يا ) من حروف النداء وأن كلمة ( سلام ) اسم من أسماء الله تعالى وهي كذلك ضد الحرب . فإذا أخذنا بالمعنى الوظيفي لأداة النداء و المعنى المعجمي لكلمة ( سلام ) حين ننادي ( يا سلام ) فإن المعنى الحرفي أو المقالي أو ظاهر النص أننا ننادي الله سبحانه وتعالى لا أكثر ولا أقل . ولكن هذه العبارة صالحة لأن تدخل في مقامات اجتماعية كثيرة جدا ومع كل مقام منها تختلف النغمة التي تصحب نطق العبارة فمن الممكن أن تقال هذه العبارة في مقام التأثر وفي مقام التشكيك وفي مقام السخط وفي مقام الطرب وفي مقام التوبيخ وفي مقام الإعجاب وفي مقام التلذذ وفي مقامات أخرى كثيرة غير ذلك ، وظاهر النص في عبارة ( السلام عليكم ) أنها تحية إسلامية يجاب عليها بأحسن منها أو مثلها . ولكن هذه العبارة بذاتها قد تتحول إلى معنى المغاضبة فقد يطول النقاش بينك وبين إنسان في موضوع ما ويتمسك كل منكما براية فحين تيأس من إقناع صاحبك . وتريد أن تعلن له عن انتهاء المقابلة بالمغاضبة تولية ظهرك منصرفا وتشير بيديك إشارة الذي ينبذ شيئاً وراء ظهره من فوق كتفه وتقول مع هذه الإشارة ( السلام عليكم ) وتذهب مغاضبا . فهذا المعنى لا يفهم من مجرد المعنى الوظيفي منفردا ولا المعجمي منفردا ولا هما معا ولكنه يتوقف النهاية على ( المقام ) الاجتماعي المعين . وقد تقال هذه العبارة بعينها فيفهم منها معنى الهزل في مقام يعين فيه ذلك .
نماذج من تحليل اللغويين العرب في كتب غريب الحديث
الألفاظ الغريبة المتعلقة بالزواج و الطلاق في غريب الحديث
أ- الألفاظ الغريبة المتعلقة بالخطبة و الزواج :-
الدلالة ونوعها اللفظ |
الدلالة الأصلية |
دلالة القصد |
الدلالة الشرعية |
يُؤْدَم |
أدم الطعام وإصلاحه |
إيقاع الألفة و الوفاق |
السَماح شرعاً بمجالسة الخطيب لخطيبته قبل الزواج . |
اغتربوا |
ـــــــــــــــــــــــــ |
تزوّجوا الغرائب |
الترغيب في زواج الغريبات ( غير الأقارب ) |
جدول يبين دلالات الألفاظ الغريبة المتعلقة بالخطبة و الزواج |
يُؤْدَم :-
قال أبو عبيد في حديثه عليه السلام ( حين قال للمغيرة بن شعبة وخطب امرأة ، لو نظرت إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما ) . قال الكسائي : قوله يؤدم بينكما : يعني أن تكون بينكما المحبة و الاتفاق ..... قال أبو عبيد لا أرى هذا إلا من أدم الطعام لأن صلاحه وطيبه إنما يكون بالأدام ، وقال الزمخشري فيه ( و المعنى فإن النظر أولى بالإصلاح و إيقاع الألفة والوفاق بينكما ) . فقد حدد أبو عبيد الدلالة الأصلية بأنها من أدم الطعام أي إصلاحه ، ثم انتقلت الدلالة من الإصلاح الحسي للطعام لتعم وتدل على الإصلاح المعنوي و التوفيق والألفة بين العروسين ، وهذه دلالة القصد ؛ كما قال الكسائي في تفسيره ( يعني أن تكون بينكما المحبة والاتفاق ) وهذا ما قاله الزمخشري أيضاً ، وفي هذا توجيه شرعي بأن يرى الخاطب خطيبته قبل الزواج .
اغتربوا :-
قال الزمخشري جاء في الحديث ( اغتربوا لا تضووا ). أي تزوجوا الغرائب دون الأقارب . فقد حدد الزمخشري دلالة القصد لـ ( اغتربوا ) وهي ( الزواج بالغريبات ) ، وكأن الغرابة في دلالة القصد بالنسبة للعرف الاجتماعي الذي كان سائداً وهو تحبيذ الزواج من الأقارب ، دلالة شرعية تفهم من ذلك الترغيب في الزواج من الغرائب أي من غير الأقارب .
ب- الألفاظ الغريبة المتعلقة بالزواج المحرم أو المنهي عنه في الإسلام :-
الدلالة اللغوية |
الدلالة العرفية |
دلالة القصد |
دلالة الشرع |
|
الشِّغار |
الإخراج |
أن يزوج الرجل أخته أو ابنته مقابل زواجه من أخت أو ابنة الآخر ولا مهر إلا هذا |
ـــــــــــــــــــــــــــ |
النهي |
جدول يبين دلالات الألفاظ الغريبة المتعلقة بالزواج المنهي عنه في الإسلام ونوعها كما حددها أصحاب معاجم غريب الحديث |
الشِّغار :-
قال أبو عبيد في حديثه عليه السلام ( لا جلب ولا جنب ولا شغار في الإسلام ..... وأما الشغار فالرجل يزوج أخته أو ابنته على أن يزوجه الآخر أيضاً ابنته أو أخته ليس بينهما مهر غير هذا ، وهي المشاغرة وكان أهل الجاهلية يفعلونه ) ([9]) ، وفيما قاله أبو عبيد تحديد للدلالة العرفية للشغار . أما الدلالة الأصلية للشغار فقد حددها ابن قتيبة في قوله ( وأصل الشغر للكلب وهو أن يرفع إحدى رجليه ويبول ، فكني بذلك عن النكاح إذا كان على هذا الوجه وجعل له علماً ) ([10]) وأرى أن هذه التكنية عن هذا الأسلوب في النكاح بهذه اللفظة التي تحمل دلالة سيئة يدل على كراهتهم ونفورهم من هذا النوع من الزواج بالرغم من كونه معروفاً عندهم . ولكن الزمخشري أصلها أو حدد دلالتها اللغوية بصورة أخرى فقال ( شغرت بني فلان من البلد إذا أخرجتهم ... ومن قولهم تفرقوا شغر بغر لأنهم إذا تبادلا بأختيهما فقد أخرج كل واحد منهما أخته إلى صاحبة وفارق بها إليه ) ([11]) فكأن الشغار الإخراج بعامة ثم تخصص بالكلب عندما يرفع رجله ويخرج بوله ، ثم كنى به عن الزواج الذي لا يكلف الرجل ، ثم جاء الشرع الإسلامي ليحمل اللفظ دلالة النهي و التحريم لهذا الأسلوب من أساليب النكاح .
=======================
Wholesale Cheap Nike, Jordans, Adidas, Air Max Shoes China Sale Online