الخلاصـة:
على الرغم من أهمية جهود الأستاذ عباس حسن في تيسير النحو العربي وتجديده، إلا أنَّ الباحثين المعاصرين المعنيين بالتيسير النحوي المعاصر، لم يعدّوه من أصحاب التيسير.
حاول هذا البحث تحديد الأسس العامة التي استند اليها في محاولته، فتبين انها كانت من أوسع المحاولات شمولاً للنحو العربي، وأكثرها مقترحات وأدقها تحديدا للمشكلات التي يعاني منها النحو، وأحرصها على معالجة مشكلات النحو في ضوء التراث النحوي الخالد والاستئناس به، تنظيراً وتطبيقاً، شكلاً ومضموناً. فضلاً عن عنايته بالجانب التعليمي والتربوي.
المقدمــة:
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وخاتم النبيين محمد الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فإنّ للأستاذ عباس حسن([1]) – رحمه الله – جهودا مخلصة في النحو العربي ومحاولة تيسيره([2]) تجمع بين احترامه للقديم والنزوع الى الجديد، تذكرنا بجهود العباقرة الأفذاذ من النحاة القدامى الذين شيّدوا صرح النحو عالياً، وتركوا بصماتهم فيه، بحيث لم يعد النحو كما كان قبلهم، كالرضي والزمخشري وابن مالك وابن هشام وغيرهم، منطلقين من ايمانهم واخلاصهم للعربية لغة التنزيل العزيز. لذلك عُدَّ الاستاذ عباس حسن أقرب الى هؤلاء النحاة القدامى من النحاة المعاصرين أصحاب محاولات التيسير النحوي المعاصر . ندعوه – تبارك وتعالى – ان يجعلنا نسير في ركابهم ونقتدي بهم، وان يلهمنا صبرهم وعلمهم واخلاصهم وايمانهم العميق بلغة التنزيل الكريم، ويصطفينا كما اصطفاهم، آمين.
وللأستاذ عباس حسن نتاج وافرٌ من كتب وبحوث، أهمها كتابان، يمثل الأول الجانب النظري لمحاولاته لتيسير النحو العربي ومعالجة مشكلاته التي يعاني منها، هو "اللغة والنحو بين القديم والحديث". ويمثل الثاني الجانب التطبيقي، وهو "النحو الوافي" الذي يعد من اهم المراجع النحوية الحديثة المعتمدة لدى الطلبة والمتخصصين. ويُعدّ نهضة كبيرة في التأليف النحوي الحديث، على الرغم من اعتماده على الحواشي النحوية – غالبا - لكنه زادَ عليها "العناية – أكمل العناية بلغة الكتاب، وضوحاً واشراقاً، واحكاماً، واسترسالاً، فلا تعقيد ولا غموض، ولا حشو، ولا فضول، ولا توقّف لمناقشة لفظ او ارسال اعتراض، او الإجابة عنه ولا حرص على أساليب القدامى وتعبيراتهم إلا حين تسايرنا في البيان الأوفى والجلاء الأكمل"([3]).
مفهوم التيسير النحوي بين المحـافظـة والتجديـد:
التيسير النحوي اتجاه ساد في الدراسات النحوية المعاصرة، ولا سيما في الأربعينات والخمسينيات من القرن الماضي، إذ ظهر نوع من التأليف يحمل هذا العنوان او ما يشبهه، وقد حشر مَنْ هبَّ ودبَّ نَفسه فيه، فكثرت الآراء والمقترحات كثرة تكاد تزعزع ثقة غير المتخصصين بالنحو العربي. فقد غالى بعضهم مغالاة تدل على عدم اطلاعه على التراث النحوي والتبحّر فيه، متناسياً فضل أجدادنا النحاة الذين اعترف بفضلهم علماء اللغة الأجانب، وأشادوا ببراعتهم قبل العلماء العرب المعاصرين.
وكان عباس حسن من القلة الذين خبروا التراث وعرفوا قدره، لذلك لم يغل غلوهم ولم يتابعهم في حملتهم على التراث النحوي.
لم يتفق أصحاب التيسير النحوي المعاصر على مفهوم محدد للتيسير، فقد ذهبوا مذاهب شتى، واختلفوا اختلافات كثيرة فاقت اختلاف القدامى في بعض المسائل النحوية التي عدّها بعض أصحاب التيسير عيباً وإحدى مشكلات النحو. بل لم يتّفقوا على اصطلاح واحد لهذه الحركة التي تفاقمت في العقود الأخيرة، فمنهم من اصطلح عليه بمصطلح : التيسير، ومنهم من سماه إصلاح، واحياء، وتجديد، وتبسيط، وتقريب، وتعريب وغير ذلك.
لكنهم أجمعوا على انه محاولة تقريب النحو للناشئة ولغير المتخصصين من المثقفين. او محاولة إعادة النظر في القواعد النحوية القديمة وطرحها باسلوب علمي رصين في ضوء التراث، او تقديم النحو مبرءاً من العلل والتفريعات والتأويلات، سهل المتناول قريب المأخذ من أذهان المتعلمين باستخدام مناهج وطرائق تربوية مختلفة.([4])
ومنهم مَنْ فرّق بين التجديد والتيسير، فالمحافظون يقصرونه على الحذف والاختصار، والتغيرات الشكلية، واعادة ترتيب الأبواب النحوية، وتقريب ما توعّر منها دون المساس بجوهر النحو.
اما المجددون فيرون ذلك لا يحل المشكلة ولا يعين على تذليل الصعوبة منه، بل هي مهمة تربوية خالصة لذا اشترطوا ان تسبقه خطوة جريئة تتوخى إحياء النحو واصلاحه او تجديده، ونفخ الروح فيه ثم تيسيره وتقريبه([5]).
آما الأستاذ عباس حسن فقد وقف موقفاً وسطاً بين هذه المنازع المختلفة، فهو محافظ ومجدد في آن واحد. محافظ بالتزامه التراث النحوي وانطلاقه مما انتهى اليه النحو عند النحويين المتأخرين، ومجدد لأنه حاول ان يقدّم نحواً معاصراً خالياً من الصعوبات ومما داخله من شوائب أساءت إليه دون المساس بجوهر النحو واللغة كما فعل بعضهم ممن دعا الى حذف بعض أبواب النحو كإلغاء نظرية العامل([6])، وإلغاء الإعرابيين التقديري والمحلي، وإلغاء بابي التنازع والاشتغال([7]) وإلغاء ضمير الشأن وحذف الإعراب جملة وتفصيلاً([8]).
أما هو فكان يعين على فهم هذه الأبواب وتقريبها وتوضيحها وعرضها عرضاً سهلاً ميسراً، لا يردّها او يدعو الى إلغائها، ولا يتعجل بإطلاق الاتهامات او المقترحات التي تمسّ جوهر النحو، فمن ذلك تناوله بعض الأسماء الموصولة نحو (أل، وذا، وأي) وغيرها مما تغمض على المبتدئين لأنها غير مألوفة لديهم مثل (الذي ومن وما) وغيرها. فلم يدع الى إلغائها لصعوبتها ولعسر فهمها كما يفعل بعض دعاة التيسير، وانما حاول توضيحها وتقريبها مفرّقاً بينها وبين (ال) التعريف والعهدية، و (ماذا) بكامله في الاستفهام، و (ذا) الإشارية وايّ الاستفهامية والشرطية. معتمداً كتب التراث، مفصلاً إعراب كل نوع منها، وبعد الشرح المبسوط يلّخص الموضوع تلخيصاً مجملاً مستعيناً بجداول يجمل فيها ما سبق([9]).
ولا سبيل الى التيسير النحوي لدى الأستاذ عباس حسن ((الا بعد تهذيبه والقضاء على ما داخله من مشكلات رغم اختصاره بحذف الفضول وإدماج بعضه ببعضه الآخر، واختصاره للشادين ثم عرضه عرضاً شائقاً جذاباً بإحدى الطرائق المستحدثة الناجحة))([10]).
ورأى ان الذي يقوم بهذا العبء "أولئك الفدائيون ورثة الفدائيين السابقين الذين وهبوا أنفسهم لخدمة العلوم العربية وللسهر عليها، مصابيح العرفان، وهم كثير لا يخلو عصر منهم وفي مقدمتهم علماء الجامعات"([11]) . وكذلك القى هذه المهمة على عاتق المجامع اللغوية والعلمية العربية وسَدَنة اللغة، وبذلك يضيفون الى فضل القدامى فضلاً جديداً لا يجحد([12]).
مشـكلات النحو وأسس علاجـها:
لقد دَرَجَ المعاصرون من أصحاب التيسير النحوي، ان يقدموا بحوثهم ومقترحاتهم بمقدمات تنال من النحو والنحاة القدامى، ولا سيما المتأخرون منهم، فقد ذكروا عدداً من الملاحظات وسموها بـ :عيوب النحو وهي غالباً ما تكون تُهماً الصقوها بالنحو وهو برئ منها، لقصور بعضهم في إدراك أهمية تراثنا النحوي العظيم.
أما الأستاذ عباس حسن فكان أكثرهم إنصافا واحتراماً للتراث النحوي وأشدهم إعجابا به، لذا بدأ جهوده في تيسير النحو بالثناء على النحو العربي والإشادة بالنحاة العباقرة الذين وضعوا قواعده ورفعوا بناءه شامخاً في إخلاص نادر وإيمان عميق وصبر لا ينفذ وحبٍّ للعرب والعربية قلّ نظيره.
بعد ذلك ذكر بعض الهنات، ولم يسمها عيوباً وانما سماها شوائب داخلت النحو في أثناء مسيرته الطويلة، ذكرها مقرونة بذكر أسبابها ومحاولة علاجها، قال: "ليس من شك انّ التراث النحوي والصرفي الذي تركه أسلافنا نفيس غاية النفاسة، وان الجهد الناجح الذي بذلوه فيهما خلال الأزمان المتعاقبة، جهد لم يُهيأ لكثير من العلوم المختلفة في عصورها القديمة والحديثة… بيد ان النحو كبقية العلوم، تنشأ ضعيفة، ثم تأخذ طريقها الى النمو والقوة والاستكمال بخطى وئيدة او سريعة على حسب ما يحيط بها من صروف وشؤون. ثم يتناولها الزمان بأحداثه، فيدفعها الى التقدم والنمو والتشكل بما يلائم البيئة، فتظلّ الحاجة اليها شديدة، والرغبة فيها قوية، وقد يشتط في مقاومتها فيرمى بها الى الوراء فتصبح في عداد المهملات او تكاد … فمن هذا المبدأ ألمّ الوهن والضعف على النحو وتمالأت عليه الأحداث، فاظهرت من عيبه ما كان مستوراً، وأثقلت من حمله ما كان خفياً، وزاحمته العلوم العصرية فقهرته وخلّفته وراءها مهجوراً "(1).
هكذا نظر الى مشكلة النحو، وبيّن أبعادها، وأسبابها، واعتذر عنها، ثم دعا الى حلّها بـ " ان تمتد اليه الأيدي البارّة القوية متمالئة في تخليصه مما شابهه متعاونة على إنقاذه مما أصابه"([13]) وقد فعل هذا بكتابه (النحو الوافي).
لقد حمّل الأستاذ عباس حسن مسؤولية نفور الطلبة من النحو المعاصرين، الذين رموا بالنحو وراءهم، فالعيب فيهم لا في القدامى لانهم "أهملوه ولم يتناولوه تناولاً يبعث الحياة في قديمه و يجمع ما تفرّق منه، واصلاح وتيسير يحببه الى النفوس ويبعد الجفاف عنه" وليتهم اهتموا به كما بذلوا الجهد في غيره لكانت الإفادة منه أعم([14]).
قال في آخر كتابه (اللغة والنحو) متألماً، بعد عرضه لمشكلات النحو: "واحسرتاه!! يعجز العاجز عن الرسم والتصوير والموسيقى، فيجاهر بإلغاء قيودها([15])، ويعجز العييّ عن بلاغة القول وفصاحة البيان فينادي بإلغاء (علوم البلاغة) ويصفها بأنها عبء ثقيل ، وتضييق لا خير فيه ويلتوي لسان الجاهل بالكلام الملحون، والضبط الخاطئ والأسلوب المشوّه فيجأر بالشكوى من النحو، وانه تعجيز وإرهاق لا طائل وراءه، ولا ضير في إهماله وإلغائه. وهكذا نجد لكل علم او فن عدواً من جهاله، العاجزين عن تحصيله مع تلهفهم عليه، المقصرين في ميدانه، لا يرون لدائهم بُرءاً إلا في إلغاءه ما عجزوا عنه وتخلفوا فيه.
ولو استجاب القدر لصُراخهم لانقضى عهد العلم والفن، وتقوضّت دعائم الحضارة، واختفت مظاهر الإنسانية… وليس هذا من إسراف القول، ولا من المبالغة في شئ وإلا فكيف تتحدد العلوم والفنون وتعدد وتتميز، وبأي شيء تتفاوت أقدار الناس ومنازلهم تفاوتاً لا مناص منه في هذه الحياة"([16]).
وبهذا أسكت الضجيج الذي كان يفتعله بعض المغرضين ضد العربية آنذاك بثقة عالية بعلمه بالعربية وبحبه لها. ولكنّ هذا لا يعني انه كان ضد التجديد بل انّ رؤيته للتجديد كانت تختلف عن رؤية هؤلاء الذين وصفهم بالثرثارين، قال: "التجديد الحميد مرغوب فيه في كل أمر، بل مطلوب ممن يحسنه ويقدر عليه بغير عبث و لا إفساد، فلولا التجديد النافع لوقفت مظاهر الحضارة عند حدٍّ لا تتجاوزه… غير ان هذا التجديد لا يكون إلا على يد رجل قادر مكتمل"([17]).
أسـس التيسـير لديـه:
حدّد الأستاذ عباس حسن مشكلات او شوائب – كما سمّاها – يعاني منها النحو العربي كانت وراء تذمر التلاميذ من النحو، وحاول علاجها. وفيما يأتي اهم الأسس التي استند اليها في معالجة هذه المشكلات:
- انتخـاب الآراء النحـويـة الميـّسرة:
يرى الأستاذ عباس حسن ان تعدد الآراء النحوية في المسألة الواحدة واختلاف الأحكام فيه، في مقدمة المشكلات التي يعاني منها النحو، فقد تصل الآراء في المسألة الواحدة الى عشرة او تزيد. والذي يطّلع عليها يهوله ما يرى من تشعّب الآراء وكثرتها وتنافرها بحيث تسبب البلبلة والفوضى وتُخرج النحو عن هدفه الذي ينبغي ان يكون عليه، نحو اختلافهم في إعراب الأسماء الستة([18]) ، واختلافهم في إعراب الحال التي تسدّ مسدّ الخبر في مثل (قراءتي النشيد مكتوباً، وأكلي السويق ملتوتاً) موضع جدل عنيف يثير الدهش والأسف لعدم جدواه، مما حدا بالسيوطي ان يفرد لها تأليفاً مستقلاً فزاد الأمر دهشاً وأسفاً([19]).
ان سبب ذلك – في نظر الأستاذ عباس حسن – اعتماد النحاة الأوائل على لغات ستّ عالية في وسط الجزيرة، وتركهم اللهجات الأخرى، وهذا ينافي طبيعة اللغة، لذا ندّت كلمات أصيلة وأساليب كثيرة صحيحة عمّا جمعه اللغويون وفاتهم ذخر لغوي وافر. لذلك عدّ اللغويين أصحاب الإساءة الأولى للنحو والنحاة. وعندما عارضت قواعدهم أمثلة مسموعة لجأوا الى تأويلها او وصفها بأنها شاذة او نادرة او قليلة، او ان صاحبها مخطئ([20]).
والذي أراه انّ موقف الأستاذ عباس حسن من هذه المشكلة او الشائبة لم يكن واضحاً لسببين: الأول انّ محاولته في جلّها قامت على هذا الخلاف وانتخاب الأنسب والأيسر والأفضل منه بعد دراسته واستخراج الدُرر من الآراء العبقرية القديمة لتيسير وتجديد النحو واحيائه، مما يدل على ان الخلاف ليس عبئاً بل هو دليل حيوية النحو واللغة وطواعيتهما وعدم جمودهما، وانه من محاسنهما ولا سيما ان طبيعة لغتنا العربية المأخوذة من لهجات متعددة متقاربة تتطلب نحواً مرناً هكذا لا قواعد جامدة يحفظها التلميذ حفظاً وهذا ينافي طبيعة اللغة الحيّة الواسعة التي انزل الله تبارك وتعالى كتابه الكريم بها، فأكرم بها من لغة خصّها الله من دون سائر اللغات، ولا سيما ان البحوث اللّغوية الحديثة تتجه الى إثبات ان اللغة العربية هي اللغة الأمّ لجميع اللغات.
والثاني ان الأستاذ عباس ومن خلال دراستي لاثاره وجدته كالبصريين يتشدد أحيانا فيأخذ بالكثير الشائع وينبذ الشاذ والنادر كما سنرى – وأحيانا يدعو ألاّ نضعّف لغةً وألا نردّ مسموعاً وان انفرد به عربي واحد، ولم يجز لنا الرفض او التجريح وهو رأي ابن جني ابي عمرو بن العلاء والشافعي وابن فارس وابي حيان وغيرهم من علماء العربية.
ومهما يكن من امر فانّ عباس حسن رأى علاج ذلك يأخذ شكلين:
1- التوسع في السماع – كما سنرى – والتسامح في الاستعمال اللغوي، وفتح باب الاجتهاد اللغوي، والبعد عن الإفراط والتفريط والميل الى التيسير في غير إسراف ولا جمود وان نحرم التأويل في كتاب الله بغير حاجة ملّحة تدعو اليه.
2- الاستفادة من الخلاف النحوي([21]) : كان هذا من اهم الأسس التي استند اليها الأستاذ عباس حسن في جهوده في التيسير النحوي. والأمثلة على ذلك كثيرة، إذ لم يعرض لمسألة نحوية إلا وقد انتخب أيسر الآراء وأنسبها وأقربها الى عصرنا. "وكان هذا المنزع – وما زال – ديدن لجنتي الأصول والألفاظ والأساليب في مجمع اللغة العربية المصري [ الذي كان هو احد أعضائها] فيما اتخذتا من قرارات، وهو ان يبحث دارس النحو في إمكان تخريج كلمة او استعمالها على وجه من الوجوه النحوية بحيث لا يخالف مخالفة صريحة الأصول المتعارفة لقواعد العربية"([22]). ويرى بعضهم ذلك – أعني الاستفادة من الخلاف النحوي – يراه سنداً قوياً لما ننشده من مرونة تساعد على التيسير والتوسع والتجديد لما نتطلع اليه من تيسير يعين على فك الأغلال عن كثير من الكلمات والعبارات([23]).
لقد سار الأستاذ عباس حسن على هذا المنهج في كتابه (النحو الوافي)، إذ لا تكاد تخلو صفحة من كتابه الكبير من أمثلة على ذلك، ووضع لانتخابه من الآراء النحوية أسساً وأصولاً، لا يسعها هذا البحث الصغير وسأفرد لها بحثاً مستقلاً يجمعها ويدرسها، إنشاء الله.
- عنايته بأصـول النحـو:
يبدو ان اهتمام عباس حسن بأصول النحو كان سبب نجاحه نحوياً كبيراً في عصرنا، وفي شهرة كتابه (النحو الوافي) شهرة واسعة، إذ جاءت أهميته من انطلاق صاحبه من فهم عميق لأصول النحو الذي هو القاعدة او الأساس الذي استند اليه النحاة، والأداة التي استخدموها في وضع قواعد النحو. نظر فيها نظرات دقيقة فاحصة، ودرسها دراسة واعية حديثة، ودعا الى إعادة النظر فيها وتوسيعها. وهو موضوع واسع سأفرده ببحث خاص إنشاء الله تعالى وسأتناول هنا أمرين مهميّن أولاهما عباس حسن اهتماماً كبيراً.
الأول – عصور الاحتجاج والتوثيق:
أخذ الأستاذ عباس حسن على اللغويين الأوائل انهم لم يقفوا من هذه المشكلة موقفاً حاسماً، وتابعهم النحاة، لذلك عدّ اللغويين أصحاب الإساءة الأولى للنحو والنحاة، وهي التفاتة لم ينتبه اليها السابقون, ولا سيما انها لم تُعالج حتى يومنا هذا.
لقد اتفق القدامى على ان يكون الاستشهاد او الكلام الذي يحتج به هو الكلام العربي الأصيل الناشئ بالبادية ولم تفسده مخالطة الحضر والأعاجم وإلا فقد أصالته فيسمى حينئذٍ: (المولّد) او (المحْدث) ولا يأخذ به أي انهم حددوا حدّاً زمانياً ومكانياً للسماع، ومع ذلك برزت مشكلة خطيرة هي ، (غموض المقياس الذي يرجع اليه في الحكم على فرد بأنه فصيح اللغة، وعلى اهل مدينته انهم أصحاء الكلام)، اختلف القدامى في ذلك وهذا الخلاف له أثاره في مادة اللغة ونحوها وسائر شؤونها إذ يختلفون في القواعد والضوابط لأنها مستنبطة من مادة اختلفوا بها، ونجد آثار ذلك حتى يومنا هذا إذ يخطِّئ كاتبٌ كاتباً آخر، ثم يجد الآخر مخرجاً ويوفق للدفاع عن نفسه حيث يجد لغة وآراء تؤيده فيكرّ على صاحبه هاجماً يقاومه، وبذلك تضيع الحقيقة([24]).
وكان أثر ذلك سيئاً ايضاً عند القدامى "إذ يأتي لغوي فيأخذ مادتها من إعرابي دون آخر ويرضى آخر عن الاثنين معاً، وقد يخالف زميله فيما رضى عنه وفيما استنكره من فردٍ او من قبيلة او عصر، وهكذا، فتصدر الأحكام متناقضة متضاربة، وقد يخطّئ بعضهم بعضاً، ويخطئون الكلام العربي الفصيح كإخراج الفرزدق وجرير من الفصحاء الثقات الذين يستشهد بكلامهم في اللغة والنحو بسبب التحديد الزمني وكذلك الكميت والطرمّاح ثم بشار والمتنبي والمعرّي"([25]).
يرى الأستاذ عباس انّ النحاة الأوائل قد بنوا قواعدهم على ما جمعه اللغويون مختلطاً او ناقصاً فنشأ التناقض والاضطراب، وأدى الى خلاف واسع وآراء متعددة، لأنهم وجدوا أنفسهم أمام شواهد فصيحة كثيرة تخالف قواعدهم فلجئوا الى التأويل المصنوع المتكلف وقلما نجد قاعدة سلمت من الإساءة والشواذ. وكان عليهم – كما يرى عباس حسن- ان يلجئوا لأحد طريقين:
الأول: وضع نحوٍ خاص لكل قبيلة يساير لهجتها فيجيء نحواً صافياً لا بلبلة فيه ولا اضطراب.
الثاني: اختيار مثل لغوي بلاغي اسمى ليكون وحده المرجح الذي نستنبط منه القواعد النحوية الموحدة وبعدها يجب على كل الناطقين بالعربية اتباع أحكامه. والأفضل اختيار لغة القرآن الكريم ([26])، كما سنرى.
اما الحل الأفضل فهو رأي المجمع اللغوي المصري الذي هو احد أعضائه، لذلك دعا اليه ودافع عنه وردّ المعارضين له ورآه اقرب الآراء الى الصواب واكملها نفعاً وخلاصته "ان العرب الذين يوثق بعربيتهم ويستشهد بكلامهم، هم عرب الأمصار الى نهاية القرن الثاني الهجري واهل البدو من الجزيرة الى آخر القرن الرابع الهجري"([27]).
لقد اخذ عباس حسن بهذا الرأي وطبقه في كتابه لذا نراه يستشهد بشعر المولدين كالمتنبي وغيره، بل ذهب الى ابعد من ذلك تسامحاً فاستشهد بشعر المعاصرين كشوقي وحافظ وغيرهما. لكننا نجده يتشدد احياناً باختيار الأكثر الشائع.
الثاني: شـواهـده
لعباس حسن اهتمام كبير بالشواهد والأمثلة النحوية، فقد تميّز كتابه (النحو الوافي) بشواهد جديدة مميزة هي أقرب الى طبيعة عصرنا الحالي من طبيعة العصور القديمة التي وضعت لها الشواهد النحوية القديمة.
لقد جاء الأستاذ عباس حسن بأمثلة جديدة لم يسبقه اليها احد، ولا يخفى أثر ذلك في تيسير النحو، فقد قاس امثلة معاصرة على الشواهد القديمة، وألبسها ثوباً معاصراً، فضلاً عن استشهاده بالقرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، والنثر والشعر القديمين([28]) والمعاصرين، أمثلة معاصرة تعبّر عن حياة التلاميذ والوسط الذي يعيشون فيه، تفيض بالمُثُل العليا والحِكَم وتدعوا الى الأخلاق النبيلة تنال إعجاب التلاميذ مما تساعدهم على فهم المادة وتحببهم إياها وتعينهم على فهم معلومات جديدة نافعة معاصرة يدرسونها مرتبطة بالقواعد النحوية، وهي أنجح وسيلة في جعل العربية الفصحى تساير عصرنا بما فيه من تطور جديد. وأبعد كثيراً من الشواهد النحوية القديمة التي لا تمثل حياتنا المعاصرة. فهو بذلك يفرّق بين المثال المعاصر وبين الشاهد القديم.
جاء في دستور كتابه الوافي: "اختيار الأمثلة ناصعة، بارعة في أداء مهمتها، مع توضيح القاعدة، وكشف غامضها في سهولة ويسر، لهذا تركت كثيراً من الشواهد القديمة المرددّة بين اغلب المراجع النحوية، لأنها مليئة بالألفاظ اللغوية الصعبة والمعاني البعيدة التي تتطلب اليوم من المتعلم عناءً وجهوداً لا يطيقها، ولا يتسع وقته للسعي وراءها. فان خلت من هذا العيب ومن الابتذال، وتجملت بالوضوح والطرافة فقد نستبقيها"([29]).
على الرغم من علوّها في الفصاحة والأداء والجمال، وروعة الاسلوب والأدب الرفيع، لكنها اختيرت في عصور تُباين عصرنا ولدواعٍ تخالف ما نحن فيه، إذ كان طالب العلم حافظاً للقرآن الكريم والحديث الشريف والنصوص الأدبية.
أخذ على المعلمين الذين يتخذون تلك الشواهد مجالاً لما يسمونه بـ: (التطبيق النحوي)، فقال: "وليس هذا من وكدي (قصدي) ولا وكد من آحتشد للمهمة الكبرى، مهمة (النحو الأصيل) وما يتصل به التي تتلخص في اعداد مادته إعداداً وافياً شاملاً وعرضها عرضاً حديثاً شائقاً وكتابتها كتابة مشرقة بهية، وقد فات المعلمين حاجة ذلك الى طويل الوقت وكبير الجهد في تيسير صعوباتها اللغوية والمعنوية، ويرى ان مناقشة نصّ أدبي كامل او صفحة من كتاب مستقيم الأسلوب او مقال أدبي لهي اجدى في التطبيق وأوسع إفادة في النواحي اللغوية المتعددة من أكثر تلك الشواهد المبتورة المعقدة، فضلاً عن انها تمثل لهجات عربية متعارضة تقوم دليلاً على لغات قديمة متباينة وتساق لتأييد أراء نحوية متناقضة، فهي معوان على البلبلة اللغوية ووسيلة للحيرة والشك في استخلاص القواعد وباب للفوضى في التعبير"([30]) .
ومع ذلك فقد استخدم بعض الشواهد الغريبة او الشاذة لا لمحاكاتها والأخذ بها ولكن ليتنبّه المتخصصون فيستطيعوا فهم النصوص القديمة الواردة بها حين تصادفهم ولا تصيبهم حيرة او توقف في فهمها(2).
وأخذ على النحاة القدامى استخدامهم المبتذل لـ: (زيد وعمرو وبكر) وسخر من كثرة ترديدهم لهؤلاء في امثالهم "حتى صار التمثيل بهذه الأسماء بغيضاً اليوم، لابتذاله – بحق اهل البلاغة والمقدرة الفنية من المعاصرين([31]). لذلك أعرض عن الشواهد القديمة بشواهد جديدة معبرة عن الحياة المعاصرة، فيها من المثل العليا والأخلاق الحميدة الكثير، والمعلومات المعاصرة النافعة ليس فيها زيد ولا عمر ولا بكر نحو ((إذا ضحكت سنّ اليتيم انهالت نعمة الله على أوليائه))([32]) في إلحاق تاء التأنيث لفعل الدلالة على ان فاعله مؤنث. و ((أنفق من المال الحلال))([33]) في تحويل من بالفتح لالتقاء الساكنين. وقد تطول أمثلته ففي (رأى) بمعنى ظنّ: ((يختلف الأطباء في امر القهوة فواحد يراها ضارّة…))([34])، وفي المضاف في الإضافة المحضة اسم جامد: (( لو استعان الناس كعون النمل ما وُجد بينهم شقيّ ولا محروم))([35]). وفي المضاف في الإضافة المحضة المشتقة الشبيهة بالجوامد التي لا تعمل ولا تدل على زمن: ((الفلاح كالنملة الدؤوب النافعة، يغادر مسكنه قبل الشروق، قاصداً مزرعته، يعمل فيها ويكدّ، فلا تراه إلا على محراثه، او منحنيا على فأسه، او حاصداً بمنجله، أو مُذرياً بمذارتهِ، او متعهدا زروعه، ويظل على هذا الحال حتى المغرب فيرجع من حيث آتى، دون ان يُعّرِج على مَلْعَب، او ملهى او مقهى، يسهر فيه، ثم يقضي الليل هادئاً نائماً حتى يوافيه الصباح الجديد))([36]).
وغير ذلك من الأمثلة التي تربي النفوس وتعلمها الأخلاق الحميدة والهمم العليا واصلاح النفوس طالما تستوقف القارئ متأملاً فيها المعاني السامية ليتعلم منها، وتنمي شعور المتعلمين بقوميتهم وحبّهم لأوطانهم وكل هذا مرتبط بالنحو. وبهذا يربط بين النحو والأدب والمعاني السامية والحياة المعاصرة وهذا لعمري التيسير الحق بعينه. فمن شواهده في الإضافة المحضة: ((استجب لطالب الحقّ اليوم قبل ان ينتزعه بعامل القوة غداً))([37])، و ((إذا شاهدت غلاماً مشرّد النظرات موزّع الفِكرِ، مسلوب الهدوء فاعلم انه بائس يستحق العطف، او جانٍ يستحق الرزاية))([38]). و(( عظيم القوم مَنْ يهوى عظيمات الأمور)). و ((مَنْ وثِق بأعوان السوء لقي منهم شرّ المصائب)) و (0مَنْ التمَسَ تقويم ما لا يستقيم كان عابثاً وإخفاقه تحققا)) و ((نعم العربي، يُسرِع للنجدة حين يدعوه الداعي))([39]).
ويبدو ان هذه الأمثلة التعليمية النحوية من بنات أفكاره، لم يسبقه اليها احد. يدلّنا هذا على الجهد الذي يبذله عباس حسن وعلى مقدرته على الابتكار وقياس أمثلة جديدة على الأمثلة القديمة بحيث تبقى القواعد لتساير لغتنا وحياتنا المعاصرة.
- المثل الّلغـوي الأسـمى:
دعا الأستاذ عباس حسن الى اختيار القرآن الكريم مثلاً لغوياً بلاغياً اسمى، ليكون وحده المرجع الذي تستنبط منه القواعد النحوية، فعندئذ يجب على كل الناطقين بالعربية اتباع أحكامها. مقتصرين على اشهر قراءات القرآن الكريم.
وبعد اتخاذ لغة القرآن الكريم اللغة الأثيرة ((تكون مهمتنا عرض النحو على كلام الله فما وافقه أبقيناه وإلا أهملناه مبتعدين عمّا يسمونه القليل والشاذ والكثير، فان لم نجد شواهد من القرآن الكريم، رجعنا الى كلام عربي نال من الشهرة والذيوع موافقاً لأكثر القبائل مشتركاً فصيحاً… وان رأينا ظواهر القراءة القرآنية الموحدة ما يصلح لاستنباط حكمين مختلفين أخذنا بهما ولا نرجّح واحداً على الآخر. وبذلك النحو نأمن من الوقوع في الخلط والإفساد اللذين وقع فيهما النحاة في اكثر مسائلهم))([40]) فنبتعد مثلاً عن الخلافات الكثيرة المضطربة من قبل إعراب الأسماء الستة بالحروف او الحركات وغير ذلك.
وهي دعوة دعا اليها غيرُ واحد ولاسيما بعده، ولم يشر اليه كالجواري واحمد مكي الأنصاري و د. محمد عبد الخالق عضيمة، ود. عبد العال سالم مكرم، ود. محمود سليمان ياقوت([41]).
وتوسّعوا فيها ووضعوا احكاما لها. وان لم يخصص عباس حسن بحثاً او كتاباً لدعوته هذه إلا انه طبّقها في كتابه (النحو الوافي) فغالباً ما نجده يحتكم الى نصوص من القرآن الكريم في مناقشة كثير من مسائل النحو فضلاً عن اتخاذه القرآن الكريم المعين في الاستشهاد([42]) . إذ قال ان هذه الخطوة الأولى لاصلاح النحو التفصيلي الموّسع بعدها تتناول بعض مسائله واحكامه بالحذف والإدماج فنصل الى نحو مختصر موجز يلائم الناشئة وجمهرة المثقفين غير المتخصصين.
والذي أراه انها دعوة ضيقة، فالعربية واسعة، والقرآن الكريم جزء منها، لكنه الجزء الأعلى الذي شرّفها وأبقاها فتية الى يومنا هذا، فهو لا يشملها جميعها وان كثيراً من الكلمات والتراكيب العربية الفصيحة لم ترد في القرآن الكريم وهذا يفسّر لنا إهمال القدامى لذلك على الرغم من التراث الكبير الذي وضعوه خدمة للقرآن الكريم.
- تـأثره بأهداف المجمع:
أنتخب الأستاذ عباس حسن ليشغل مقعداً كان قد شَغَرَ في مجمع اللغة العربية المصري سنة (1966م)([43])، فأصبح أحد أعضائه، بل أحد أعضاء أهم لجنة من لجانه لإصدار القرارات اللغوية والنحوية، لجنة القواعد والأصول، فأخذ مكانه المناسب، وكان له حضور دائم ونشاط متميز وقد تأثر بأهداف المجمع وأثّر فيه، ومن خلاله خدم اللغة العربية وقام بأعماله خير قيام، ودفع بها قدماً نحو التحقيق فجزاه الله خير الجزاء، وأخذ على عاتقه تطبيقها وتبنّاها في كتبه ودعا اليها ودافع عنها، يدلنا على ذلك كثرة ذكره لها في كتبه([44]).
وكانت اهم أهداف المجمع وقراراته، الاهتمام باللغة العربية وتيسيرها وتطويرها على ان يُخرج مطلقاً على اصل مقرر او قاعدة محكمة والاستئناس بما ذهب اليه الأقدمون، وانتخاب ما يوّسع دائرة اقتباسها لتكون أداة سهلة للتعبير عن المقاصد العلمية وغير العلمية.
وقد وضع المجمع معايير لقبول ما يستعمله المحدثون منها شيوع الظاهرة في الفصحى المحتجّ بها والمعاصرة ومدى الحاجة اليها، وحرص على التوازن بين دواعي المحافظة والالتزام بالقواعد القديمة، ودواعي التجديد ومتطلبات العصر، وذهب المجمع أبعد من هذا فقرر قبول السماع من المحدثين إثراءً للفصحى، وسعى الى إباحة ما منعه النحاة واراد توسيع ماضيقوه لتطويع العربية بحيث تكون وافية بمطالب وفنون وشؤون الحضارة، وتيسيرها على متعلميها بتخليصها مما شاب بعض قواعدها من اضطراب وتشعب واستثناءات، ومن ثم وضع في قراراته انحيازه الى طرد القواعد وتعميم الأحكام([45]).
لقد اخذ عباس حسن بأهداف المجمع كلها، ودعا اليها ودافع عنها، ورأى في تطبيقها الحل لكثير من مشكلات النحو، إذ كان يرى ان اهم مشكلاته عدم تحديد الكلام الذي يحتج به في بناء القواعد، وقد حدّده المجمع بكلام الأمصار الى نهاية القرن الثاني الهجري وكلام البدو من عرب الجزيرة الى آخر القرن الرابع الهجري([46])، فأشاد بهذا القرار وحرص على تطبيقه والتزم به، ولا سيما انه كان احد أعضاء لجنة الأصول التي تصدر هذه القرارات فطالما رفدها بآراء مهمة وشارك في وضعها، وكان المجمع يأخذ بكثير من آرائه ويصدر بها القرارات نحو لحوق تاء التأنيث لفعول صفة، بمعنى فاعل وجمعها جمع تصحيح. فضلاً عن كثرة بحوثه ومذكراته ونشاطه الدؤوب في المجمع، وهي كثيرة تبلغ العشرين أو اكثر، وكتاب (في اصول اللغة) بأجزائه خير دليل على حضوره الدائم في اكثر صفحاته وفي صياغة قرارات المجمع اللغوية، باحثاً ومناقشاً مؤيداً ومعارضاً، كمناقشة بحث الدكتور مصطفى جواد، واعتراضه على اقتراح الجواري بإلغاء غير وسوى من باب الاستثناء في مراحل التعليم الابتدائية والثانوية، ومخالفته بعض المجمعيين كعبد الحميد حسن ومحمد خلف الله وعلي المبارك، وكان يطلب تسجيل مخالفته هذه([47]).
- تجميع مسـائل النحـو المبعثرة:
مما اخذه على النحاة وكتبهم انهم لم يجمعوا مادة النحو – كلها – في كتاب واحد يجمع ما تفرّق من مسائل النحو في كتب اللغة والبلاغة والتفسير والشروح والفقه وغيرها، بحيث يكون موسوعة نحوية وافية لا يكاد يندُّ عنها شيء، ويكون مرجعاً لطلبة النحو والمتخصصين. وبعد لمّ شتات النحو دعا الى غربلته بأناة ومهارة للاستخلاص النحو الشارد ثم وضعه موضعه من أبواب النحو بغير تكرار ولا تداخل. ثم إخراج موسوعة نحوية حديثة بفهارس حديثة وطباعة مونقة، مجمّلة بحسن التنسيق وبراعة الترقيم، ورأى ان من يقوم بهذا العمل الكبير الهيئات الرسمية كالجامعات ووزارة التربية ومجامع اللغة العربية بتشكيل لجان من المتخصصين المخلصين([48]).
ويبدو انه اخذ الأمر على عاتقه فأخرج كتاباً بهذه المواصفات: هو (النحو الوافي) الذي قسمه قسمين كبيرين الأول مختصر ميّسر للطلبة، والثاني مبسوط موّسع ذكر فيه كل ما يتعلق بالمسألة التي عرض لها باختصار في القسم الأول.
أما الهامش فقد استغله أبرع استغلال، لا تقل أهمية عن المتن لغزارة المادة التي شملها وأهميتها في توضيح المتن واتمامه، وفي تيسير المادة وتبسيطها، منها:
1- الإشارة – خلال دراسة المسائل – الى المسألة السابقة او اللاحقة وتدوين رقمها إذا اشتملت على ماله صلة وثقى بالمسألة المعروضة كي تيّسر الأمر لمن شاء ان يجمع شتاتها في سهولة ويسر، وبضم – بغير عناء – فروعها وما تفرّق منها([49]).
2- التفريق بين المصطلحات المتشابهة، والموضوعات المتقاربة، فإذا تناول مثلاً في باب الموصول: ما ومن وذا، ذكر أنواعها الأخرى في الهامش كالاستفهامية وغيرها([50]).
3- شرح آبيات من ألفية ابن مالك، ما يتعلق بالمسألة النحوية التي يعالجها، وقد ذكرنا سبب ذلك.
4- ملحوظات واستقصاءات وردود واحالات، وتوضيح لبعض العبارات التي تحتاج الى ذلك.
وبعدُ فليس غريباً ان يكون الكتاب كبيراً، لذلك اخذ عليه غير واحد حجمه الكبير الذي ينافي طبيعة التيسير([51]). يقول الأستاذ عبد القادر المهيري([52]): "دراسة النحو العربي دراسة واسعة شاملة تضيف مؤلفاً جديداً الى عشرات المؤلفات القديمة، لا مبرر لها في عصرنا إلا إذا اجتهد الدارس ألاّ يلتزم التقليد والاّ يعتبر آراء القدامى من قبيل الآراء المنزلة التي لا تقبل نقاشاً".
والحق ان تيسير النحو لا يعني اختصاره اختصاراً لا نعرف ضرره على النحو العربي، وأن نأتي بنحو هزيل نحذف منه ما نشاء او وفق ضوابط نضعها. والذي أراه ان سبل التيسير اخذ النحو – كل النحو – كاملاً مترابطاً موّسعاً، افضل من تجزأته، لانه وحدة متكاملة، مترابطة. فالإيجاز والاختصار لم يكونا من التيسير دائماً بل العكس صحيح قد يكون الشمول اكثر تيسيراً.
ويبدو ان هذا السبب جعل اكثر الباحثين لا يعدوّن (النحو الوافي) من كتب التيسير النحوي لضخامته وصعوبته. اما ضخامته فقد ذكرنا ما يبررها. واما صعوبته فهذه طبيعة النحو العربي، ولا بدّ ان يجتهد لفهمه وهضمه، لا العزوف عنه والشكوى منه وإلا سوف نعزف عن العلوم الأخرى كالرياضيات والكيمياء التي تتطلب جهداً ومثابرة في تحصيلها.
ولا يعني ان عباس حسن ذكر حشواً في كتابه، ولم يترك صغيرة او كبيرة لدى القدماء من النحاة، الغث والسمين، وانما اهمل كثيراً ما يتعلق بالمسألة التي يدرسها من فضول ومن جدل وخلاف شكلي لا جدوى منه، وتفريعات ترهق كاهل المتعلم. فعند تناوله الآية الكريمة في باب (المبتدأ والخبر) ، "وان أحد من المشركين استجارك فأجره"([53])، قال بعد عرض آراء ثلاثة: "لا حاجة الى عرض أدلة كل فريق ممن يبيح او يمنع، فقد فاض بها المطولات والكتب التي تتصدى لمثل هذا الخلاف، وسرد تفاصيله، وأدلة تضيق بها الصدور – احيانا – حين تقوم على مجرد الجدل"([54]).
وفي باب الاشتغال – وبعد ذكره شروط الاشتغال – قال:" وزاد فريق من النحاة شروطاً أخرى للاشتغال رفضها سواه، هي انها لا تثبت على التمحيص، وهذا رأي سديد حملنا على إهمالها ادخاراً للجهد وابعاداً لنوع من الجدل …"([55]). وبعد عرضه لما يتألف منه الكلام قال: " تعوّد النحاة ان يوازنوا بين الكلمة والكلام والكلم والقول، موازنة أساسها علم المنطق، ويطيلوا فيها الجدل المرهق مع ان الموضوع في غنى عن الموازنة لبعد صلتها بالنحو، وقد يكون الخير في الاستغناء عنه"([56]).
- التمييـز بين فئتين في دراسة النحو:
اتبع عباس حسن منهجاً جديداً في عرض مسائل النحو الكثيرة المتشعبة المتداخلة، لم يُسبق اليه على الرغم من انه بهذا لم يبتعد كثيراً عن تبويب القدامى ولا سيما ترتيب ابن مالك.
فقد اتخذ منهجاً رآه يحل مشكلات المنهج لدى المتأخرين في حواشيهم النحوية، التي يقدّم كمّاً كبيراً من المادة ممزوجة بملاحظ ومباحث بعيدة عن النحو، يقوم منهجه على لم شتات مسائل النحو وغربلتها وعرضها عرضاً جديداً ميسراً.
لقد قسمّ كتابه " تقسيماً فنياً بارعاً، احدهما (موجز) دقيق يناسب طلاب الدراسات النحوية والصرفية بالجامعات – دون غيرهم – غاية المناسبة، ويوفيهم ما يحتاجون اليه غاية التوفية التي تساير التي مناهجهم الرسمية ومكانه (اول المسألة) وصدرها ويليه الأخر" في صفحة جديدة تبدأ بسطر او سطرين من النقاط الأفقية المتقاربة، لتكون رمزاً يمّيز صفحاتها عن القسم الأول من غيرها بعد نهاية كل مسألة – وبجانبها رقم خاص بها – بتقديم المادة النحوية او الصرفية الصالحة للطالب الجامعي، الملائمة لقدرته ولمنهجه، ومقرره الرسمي ودرجته في التحصيل والفهم، مع توخي الدقة والإحكام فيما يقدّم له نوعاً ومقداراً، فإذا استوفى نصيبه المحمود، انتقلت الى بسط يتطلع اليه المتخصص، وزيادة يتطلبها المتكمل.
وكل ذلك في أحكام وحسن تقدير، بغير تكرار، ولا تداخل بين القسمين او اضطراب.
وبهذا التقسيم والتنسيق يجد هؤلاء وهؤلاء حاجتهم ميّسرة موائمة في كتاب واحد قريبة التناول لا يكدُّون في استخلاصها، ولا يجهدون في السعي وراءها في متاهات الكتب المتعددة القديمة، وقد يبلغون او لا يبلغون([57]).
لقد ميّز عباس حسن بين طائفتين من المعنيين بالنحو، طائفة تحتاج الى تيسيره وهم طلبة الجامعة، والأخرى: أساتذتهم المتخصصون، ففي القسم الأول المختصر الموجه لطلبة الجامعة يستخدم أيسر الطرائق التربوية التي يراها الأنسب للموضوع من دون اقتراحات او تعدد آراء واختيارات الآراء بل يقصره على الرأي المشهور واللغة الفصحى.
اما في القسم الآخر (الزيادة والتفصيل) الموجّه للأساتذة المتخصصين، فيعرض فيه الآراء والخلافات والتفصيلات. وينقد ويقترح ويدرس ويستقصي، ويرّد ويوضّح فمثلاً عندما يعرض لباب الاشتغال بأيسر الطرائق وافضل توضيح في القسم الأول الموجز ثم ينقده ويحاول تيسيره ويقترح مقترحات عديدة في القسم الآخر الموّسع([58])، وفي مبحث (الاسم) يعرض للموضوع عرضاً ميّسراً، مختصراً فيبدأ بتعريف الأسم ثم يذكر اشهر علاماته، والدلائل على اسمية الكلمة وهي الجر والتنوين والمناداة والتعريف، كل ذلك يعرضه بإيجاز وبوضوح وبقدر مقصود. اما في القسم الآخر الموّسع فيذكر علامات سبعاً أُخر وسبب هذا التعدد، وتفصيلات ومسائل وخلافات يُعنى بها الأساتذة المتخصصون([59]).
وهو بذلك يختلف عن اكثر أصحاب التيسير إذ انهم يروون التيسير النحوي ينبغي ان يوجه للناشئة من المتعلمين في المراحل ما قبل الجامعة، لكن الأستاذ عباس حسن يسّرّ النحو لطلبة الجامعة، وهو امر ينبغي ان نأخذ به لأننا نجد الطالب الجامعي ولا سيما اليوم هو أحوج الى التيسير النحوي من غيره.
- التبويـب وتنسـيقه:
لم يقترح تبويباً جديداً، فقد يزيد هذا الأمر عسراً وبلبلة، وانما سار على التبويب القديم معدلاً له، ومضيفاً اليه، منظماً ومدققاً فيه، مستخدماً الهامش لإحالات كثيرة لها اثر كبير في تنظيم مادة النحو وتجميعها وتيسيرها، فقد تبلغ إحالاته الى اكثر من عشر إحالات، تجمع المادة كلها وما يتعلق بها، وقد تحيلنا إحالاته الى إحالات أخرى فأخرى وهكذا([60]).
ويبدو ان ذلك محاولة لمعالجة مشكلة تبعثر مسائل النحو، لأنه يرى ان النحو وحدة متكاملة، ينبغي ان يدرس دراسة شاملة متكاملة، لأن مسائله مرتبطة بعضها ببعض ارتباطاً واضحاً، وان كانت تبدو متباعدة، لأنها كلها تعنى باللغة واستنبطت منها، واللغة واحدة ومصدرها واحد هو العقل.
وعلى الرغم من سيره على ترتيب ابن مالك والتزامه به، إلا انه ينقده احياناً، منبهاً على مواطن الضعف فيه، معدلاً له، ومقوماً إياه، ومضيفاً اليه، والأمثلة على ذلك كثيرة كقولهِ في باب افعل التفضيل: " ربما كان الأنسب ان يذكر مع المشتقات، ولكنا وضعناه هنا اتباعاً لترتيب ابن مالك في ألفيته([61])"، واخذ على ابن مالك وضعه باب أبنية المصادر بعد بابي أعمال المصدر واسمي الفاعل والمفعول لأنه يرى الأعمال أمراً نحوياً وثيق الصلة بالأبواب التي سبقت وان الصيغ والأبنية امر صرفي يجيء في المنزلة التالية لمسائل النحو وأبوابه. يرى عباس حسن ذلك حجّة واهية "إذ الترتيب المنطقي يقتضي تقديم الأبنية والصيغ ليكون أعمالها واحكامها وكل ما يختصّ بها منصباً على شيء معلوم مفهوم، ولا يعقل سرد الأحكام الخاصة بشيء دون ان يكون معلوماً من قبل لهذا لم نأخذ بترتيب ابن مالك هنا وقدمنا باب أبنية المصادر"([62]). ولم يكتف بنقد التبويب بل ينقد احياناً الوزن في بعض أبيات الألفية، والقافية والضرورات التي يرتكبها ابن مالك، فضلاً عن الترتيب([63]).
ولم يقتف عباس حسن دائماً ترتيب ابن مالك، وإنما كان كثير التقديم والتأخير لأبيات الألفية ففي باب الإضافة أعاد ترتيب أبياتها لتساير الترتيب المعنوي الأنسب للمسائل المترابطة التي يتمم بعضها بعضاً، على أنه وضع على يسار كل بيت رقمه الذي يدل على ترتيبه في الألفية كما رتبّه الناظم([64]).
وقال في باب الحال: "أبيات ابن مالك في هذا الباب لا تساير المسائل ولا ترتيبها المنهجي على الوجه الذي ارتضيناه لهذا وضعنا كل بيت عقب القاعدة التي يناسبها ويتّصل بها اتصالاً منطقياً، وفي الوقت نفسه وضعنا بجانب كل بيت رقماً يميّزه، ويدّل على ترتيبه بين آبيات الباب كما رتبها ابن مالك"([65]).
ان سبب اختياره ترتيب ألفية ابن مالك كان من اجل تيسير النحو لدى المتعلمين لكونه ترتيباً مألوفاً لدى المعلمين والمتعلمين، وشائعاً بينهم الى اليوم، وملائمته ووفرة أفادته في التحصيل والتعليم. لذا اختار مكاناً في ذيل الصفحات لها، شارحاً، ومقرباً لها من راغبها، ويبعدها من الزاهدين فيها([66]).
وثمة ترتيب آخر شائع يقوم على جمع الأبواب الخاصة بالأسماء يليها الخاصة بالأفعال ثم الحروف كما فعل الزمخشري في مفصله وتبعه عليه شراحه، لم يأخذ به عباس حسن على الرغم من شيوعه وفائدته لأنه يفيد المتخصصين، لا "الراغبين في المعرفة العامة اولاً فأولاً، فالمبتدأ يلازمه الخبر وما يقوم مقامه، وقد يكون الخبر جملة فعلية او شبه جملة. والفاعل لا بد له من فعل او ما يقوم مقامه، فكيف يتعلم الراغب أحكام المبتدأ وحده او الخبر وحده او الفعل…"([67]).
وبهذا يتبين هدفه في كتابه وهو تيسير النحو للمتعلمين والتزام المألوف لديهم أيسر من غير المألوف، وكان عباس حسن لا يبتعد كثيراً عن المألوف الشائع لدى المتعلمين من ترتيب ومصطلحات. على الرغم من وجود أنواع أخرى للترتيب له مزاياه ومن المصطلحات النحوية المعاصرة. وهو دليل على ان عباس حسن اقام محاولته في تيسير النحو على القديم وشيءٍ من الجديد.
- حذف الزوائـد وتقليل الفروع:
عرفنا إن الأستاذ عباس حسن كان يستقصي أحكام المسألة النحوية، ويتتبع مسائل النحو جميعها، يدرسها، ويعالج ما يشوبها مما علق بها خلال المراحل الطويلة التي مرّ بها النحو، ويحاول تصفيتها، ولم تكن الكثرة وضخامة الكتاب هدفاً له، إذ نجده غالباً ما يختصر ولا سيما إذا دعاه التيسير إلى ذلك ويقلل من كثرة الفروع، ويصّفي التفريعات الشاقة ويسهلها ثم يجملها بقواعد وملخصات مغنية. كقوله وهو يعالج أحكام تابع النداء المتشعبة، "أكثر النحاة من الخلاف المرهق، والتفريع الشاق في هذا الباب، وقد ضيقنا كل أحكامه وفرعه جهد الاستطاعة، مع البسط الذي لا غنى عنه احياناً، ثم ختمناه بملخص لا يتجاوز سطراً، فيه غنية للشادي ومن لا يريد بسطاً"([68])، وقال في باب أعمال الصفة المشبهة وهي تعمل في السببين الرفع والنصب والجر نحو: (الحُلوُ القول، والحُلوُ قولاً، والحُلو القولِ) قال: " ينشأ من هذا التفريع صور متعددة أكثرها صحيح، وأقلها غير صحيح، ومن المشقّة والإرهاق إن نتصدى لحصر صورهما، ونحدد عددهما على الوجه الذي فعله بعض الخياليين، فأوصلها إلى مئات، بل ألوف (كالصبان وغيره) وانتهى به التحديد إلى ما لا خير فيه([69])" وقال " وإذا كان التحديد على الوجه السالف خيالياً مرهقاً، فان الحرص على سلامة الأداء وصحة التعبير يقتضينا ان نعرف الصور الممنوعة، كي نتجنبها، ونصون أنفسنا من الخطأ وقد وضع لها النحاة ضابطاً نافعاً، سهل فهمه واستيعابه…"([70]). وقال في (مواضع النكرة المفيدة) بان النحاة قد اوّلوا ذلك "حين تقع مبتدأ إلى نحو اربعين موضعاً، ولا حاجة بنا إلى احتمال العناد في سردها واستقصاء مواضعها، مادام الأساس الذي تقوم عليه هو: (الإفادة) فعلى هذا الأساس وحده يرجح المسلم على صحة الابتداء بالنكرة او عدم صحته من غير داع لحصر المواضع او عدّها"([71])
يتبين من ذلك انه كان يرمي إلى تيسير النحو، ولا سيما انه بعد هذه التصفية والتفصيلات غالباً ما يستخدم الجداول المفصلة الدقيقة إذ عمل جدولاً جمع فيه اشهر المبنيات، وجدولاً لعلامات البناء الأصلية والفرعية، وجدولاً لضبط وإعراب (ليس غير)، وآخر للظروف وآخر لظنّ وأخواتها"([72])
- العناية بلغـة الكتاب واخراجه:
لكي تكتمل محاولته شكلاً ومضموناً، أولى الأستاذ عباس حسن عناية كبيرة الجوانب الشكلية للكتاب، ولا يخفى اثر ذلك وأهميته في تيسير المادة النحوية، فقد عُني بطباعة كتابه الوافي الموفقة وبحسن إخراجه وتنسيق أبوابه واعداده إعدادا جيداً، وبتقسيماته الدقيقة، وببراعة الترقيم، ينقح ويضيف في طبعات كتابه العديدة([73])، وربما كان هذا سبباً لانعدام أخطائه المطبعية على ضخامته([74])، فلا اضطراب، ولا سهو، ولا لبس، ولا غموض، وانما وضوح وإشراق ولاسيما باستخدامه اللغة المرنة الميّسرة التي تختلف عن اللغة التي قدم بها النحاة النحو، إذ كان يرى من مشكلات النحو: " اللغة التي صيغ بها والطريقة التي الّف بها، لا يناسبان ناشئة اليوم، لأنها ملتوية معقدة يعجزون أمامها… بحيث لابدّ للمتن من شرح يفكّ رموزه، ويوضح إبهامه، ويفصل مجمله، ويزيده بعض المسائل وللشرح حاشية تزيل غموضه… وللحاشية (تقرير) هو بمثابة حاشية للحاشية، وكل اولئك موسوم بالسمة الخاصة التي تبعد اسلوبه عن اسلوب البلغاء وتنفر من امثلته المرددة المبتذلة، وتفقده حظه المحمود من البيان الأدبي الذي لا تستغني عنه لغة العلم من غير أن يُسيء اليها…"([75]). وَسَردَ امثلة كثيرة للغة النحاة المضغوطة المزدحمة بالدلالات والإشارات والأحكام النحوية الدسمة كلغة المتون، بل لغة سيبويه الذي يمثل لغة الفارسي المستعرب وايجازها وفي ازدحامها بالمعاني والأغراض حدّ التخمة مع التواء حيناً، وعجز قد يبلغ حدّ الكلفة احياناً نحو: "هذا باب علم ما الكلم من العربية" و " فأما الذي يبني عليه شيء هو هو فان المبني عليه يرتفع به كما ارتفع هو بالابتداء"([76]).
على الرغم من رفضنا هذا الكلام إذ لكل عصر اسلوبه ولا سيما عندما كان النحو في طور النشوء، فاننا نحمد لعباس حسن عرضه النحو كله بلغة مرنة ، سهلة ، اضحة، مشرقة، سليمة، عالية الفصاحة والدقة في التعبير، مع المحافظة على المصطلحات العلمية المأثورة المستقرة ايماناً واقتناعاً بفائدتها.([77])
- اطـرّاد القاعـدة النحـويـة:
من الأسس التي حرص الأستاذ عباس حسن على تطبيقها ومتابعتها في محاولته الاصلاحية وتيسير النحو، اطراد القاعدة ونبذ اللغات الشاذة التي لا تطرّد فيها القواعد النحوية، وهو امرٌ نُسب إلى البصريين دون الكوفيين، لكنّ عباس حسن لم ينتم إلى احد هذين المذهبين وعلى الرغم من ذلك فثمة غرابة في موقفه هذا إذ طالما اخذ على القدامى نبذهم الشاذ وطرحهم النادر من اللغات او حفظها وعدم القياس عليها، والتزامه باطراد القاعدة ينافي ذلك فثمة لغات كثيرة تشذّ عن قواعد النحاة وهي عربية فصيحة.
ولا ارى سبيلاً له غير ذلك ولا سيما انه كان ينشد الوضوح ويعالج الفوضى لأن مهمة اللغة الابانة والوضوح.
ومن حرصه على اطّراد القاعدة ترجيحه الرأي الذي يعدّ (كأن) للتشبيه "لأنه عام ينطبق على كل الحالات ويريحنا من التشتت والخلاف وتشعب القواعد والأخذ بهذا الرأي او ذاك إنما يكون حيث لا توجد القرينة التي تعين المراد فإن وجدت وجب الأخذ بها"([78]) وقوله في مثل : (اشتهر بالعدل الخليفة الثاني ابو حفص بن الخطاب، ومن أولاده عبد الله بن ابي حفص) فرأى فريق وجوب اثبات التنوين وهمزة الوصل والالف ، ويرى آخرون صحة الحذف والإثبات، ويبدو أن الأفضل الحذف لتكون القاعدة عامة مطّردة يقول بعد التفصيل وقد يكون الحذف – على قلته – هو الأنسب اليوم، ليكون حكمه مطرداً شاملاً الصور المختلفة، مطرداً في كل المسائل وقاعدته عامة"([79]).
- العناية بالحدود النحـويـة:
لا يخفى على الدارسين اهمية ذلك في تيسير النحو، لذلك أولى الأستاذ عباس حسن عناية كبيرة بالحدود والتعريفات النحوية، فقد جاء بتعريفات دقيقة محكمة جامعة، بعد استقصائه الحدود السابقة التي ذكرتها كتب النحو، ودراستها والموازنة بينها، مضيفاً اليها ما يلائم المستويات وقابليات المتعلمين، وما يناسب عصرنا إذ انها قد تختلف من عصر إلى عصر، لذلك كان ناقداً للتعريفات القديمة ومقوماً ومهذباً لكي يجلو عن غوامضها ويطرح عنها الصعوبة والعسر ولا سيما إن كثيراً من المختصرات النحوية جاءت بحدود مختصرة حدّ الإلغاز.
فعلى سبيل المثال تعريفه للضمير بأنه "اسم جامد يدل على متكلم اومخاطب"([80])، ثم يزيده توضيحاً في الهامش ويذكر المصطلحات الأخرى للضمير ويبينها مثل (المكني)، سمي بذلك لأنه يكنى او يرمز به عن الظاهر اختصاراً، و (ضمير الحضور) لأن صاحبه لا بد إن يكون حاضراً وقت النطق به. ويعرّف (المثنى): "اسم يدل على اثنين متفقين في الحروف والحركات والمعنى بسبب زيادة في آخره تغني عن العاطف والمعطوف"([81]) ويعرّف الاستغاثة بانها "نداء موجه إلى ما يخلص من شدة واقعة بالفعل، او يُعنين على دفعها قبل وقوعها"([82]). يذكر هذه الحدود الدقيقة الواضحة – غالباً بعد سرد أمثلة معاصرة يبدأ بها الأبواب النحوية، ثم يشرحها، فيكون ذلك بمثابة القاعدة المختصرة للشروحات التي تسبقها، وهي طريقة تعليمية حديثة تربوية، تزيد الموضوع وضوحاً وتيسيراً. وغالباً ما يعلّق على الحدود التي يذكرها – في هامش كتابه – تعليقات تدل على عقليته الدقيقة المنظمة، ونظره الثاقب، فبعد تعريفه الفعل بأنه "كلمة تدل على أمرين معاً هما: معنى (أي حدث) وزمن يقترن به"([83])، قال: "انّ دلالته على الأمرين هو الأعم الأغلب، لأن الفعل في التعريفات العلمية لا يدل على زمان وانما هو منسلخ عنه، مجرد منه كما نصّ الخضري([84])، ويرى فريق من النحاة([85]) إن (كان) الناسخة لا تدل على معنى (حدث) وانما يقتصر دلالتها على إفادة المضي وحده، وهناك أفعال ماضية سلبت الدلالة على الزمن الماضي بسبب استعمالها للحال في الإنشاء وانما تدل على المعنى المجرد المخصص له مثل دلالتها على افعال العقود (كبعث واشتريتُ) وفعلي التعجب في أكثر احوالهما، ثم يطيل الكلام في توضيح أزمنة الأفعال ويحددها بدقة([86]).
وان اختلف النحاة في تعريف ما ، ينتخب، ماراعو فيه جانب الدقة وخلا من العيوب ومال إلى الوضوح واليسر، ويتجنب التعريفات التي بالغوا فيها حتى انتهوا إلى اطالة مذمومة لا تناسب التعريف، او اختصار معيب يحوي الغموض والابهام([87]).
- العناية بالمصطلح النحـوي:
يرى الأستاذ عباس حسن إن نُبقي على المصطلحات العلمية المأثورة، لشيوعها واستقرارها، فلم يفكّر في تغييرها "ايماناً واقتناعاً بفائدتها وبما سجله العلماء قديماً وحديثاً من ضرر هذا التمييز الفردي وفاءً بما اشترطوه في تغيير المصطلحات إن يكون باجماع المختصين المشتغلين بالعلم الذي يحويها"([88]).
ولا يخفى على من يروم تيسير النحو اهمية ذلك، فقد يسبب تغيير المصطلحات الشائعة إلى بلبلة وعسر لدى المتعلمين لذلك تمثلت عناية عباس حسن بالمصطلحات القديمة بالدراسة والمناقشة وانتخاب الأنسب منها وتوضيح العسير منها كاصطلاح (النسبة الجزئية) قال عنه: (مجرد المغايرة المطلقة)([89]). ويستقصي مترادفاتها ويكتفي بذكرها وتوضيحها دون ترجيح كقوله في (لمّا) ظرف زمان بمعنى حين وتسمى (الحينية) ويسميها بعضهم (الوجودية) لأنها الرابطة لوجود شيء بوجود غيره، أو (لما التوقيتية) لأنها بمعنى الوقت([90]). وكقوله في ياء المتكلم: (تسمى أحياناً ياء النفس)، ونون الوقاية: (قد تسمى نون العماد)([91]).
وأحياناً يرجّح مصطلحاً على آخر لأسباب يذكرها، نحو ترجيحه اصطلاح (النائب عن الفاعل) على (المفعول الذي لم يسم فاعله) "لأنه احصر، ولأن النائب عن الفاعل قد يكون الفاعل وقد يكون مفعولاً به في أصله وغير مفعول به كالمصدر والظرف والجار مع مجروره"([92]). وقد يرّد مصطلحاً لعدم دقته كقوله: " لا يسمى التمييز المجرور بمن تمييزاً إلا المنصوب، والأحسن مراعاة الاصطلاح"([93]).
لكنه – غالباً – يستند إلى اساس انتخاب المصطلح الأشهر والأكثر شيوعاً واستقراراً لدى النحاة نحو تسميتهم (جمع المؤنث السالم) بـ (الجمع بالألف والتاء المزيدتين) كابن مالك وابن هشام([94])، لأن مفرد قد يكون مذكراً، وقد لا يسلم بعد جمعه كسرادق وسرادقات، وسجدة وسَجَدات. فلم ينتخب عباس حسن المصطلح الأدق بل رجّح الأشهر وهو (جمع المؤنث السالم)([95]).
ويقول في باب العطف: " كان الأفضل الأقتصار على كلمة (النسق) بمعنى المنسوق من اطلاق المصدر على المفعول. أي الكلام المنسوق بعضه على بعض والنسق اصطلاح كوفي، وقد اشتهر حتى لا يكاد غيره يذكر وانّ سيبويه وكثيراً من البصريين يعبرون عنه بـ (الشركة)…"([96]).
ولم يعول على الخلاف الحاصل بين الكوفيين والبصريين في الاصطلاح، لأنه كان لا يرى ثمة اهمية لذلك، لأن المصطلح يحدده شيوعه واجماع المختصين والمشتغلين بالنحو عليه، فقد يرى سبب الاختلاف هو التطور التاريخي للاصطلاح لا الخلاف المذهبي كما ذهب بعضهم، كاصطلاح (البدل) المشهور، يسمى عند القدامى: (الترجمة والتبيين والتكرير). فلا يرى قيمة لهذا الاختلاف القائم على مجرد الاصطلاح باختلاف العصور([97]).
ولم يكن – دائماً- ينتخب الأشهر من المصطلحات بل يرجح احياناً غير الأشهر لدقته كاصطلاح (اسم مثنى) الذي أطلقه ابن يعيش([98]) على (الملحق بالمثنى). ويسكت عن مصطلحات مهمة لعدم شهرتها كـ (التقريب) الذي قالوا عنه انه لم يعرفه سيبويه وهو أن يعمل اسم الإشارة عمل كان بشروط([99]).
- العناية بالإعـراب:
إن مشكلة الإعراب التي يواجهها المتعلم، وما فيه من تقدير متعسّف، هي من اكثر مشكلات النحو تعقيداً، لذلك أولى المتأخرون الأعراب اهتماماً كبيراً، ولا سيما انها مشكلة واضحة المعالم، لذلك دعا أوائل أصحاب التيسير إلى إلغاء الإعراب وقيوده([100]).
ولم يغفل الأستاذ عباس حسن هذا ، لذلك عني بالإعراب عناية خاصة، فشرّع بتيسيره، وعَرضِهِ عرضاً جديداً مستخدماً أيسر السبل الحديثة، واقترح مقترحات كثيرة من شأنها تخفيف عسر الإعراب وصعوبته، فالاهتمام به كان من اهم الأسس التي استند اليها عباس حسن في تيسير النحو، فقد عقد فصولاً وابواباً له ضمن ابواب النحو في كتابه: (النحو الوافي) مثل مبحث (اعراب الضمير بنوعيه (المستتر والبارز) ذكره في باب (الضمير) بعد تفصيل الكلام في الضمير([101]).
لقد اخذت عنايته بالإعراب شكلين او جانبين:
الأول: الإعراب والمعنى:
سار الأستاذ عباس حسن سير النحاة القدامى في تناوله مسائل النحو، وأضاف ما رآه مناسباً لتجديد مباحث النحو واصلاحها، فهو بذلك قد جمع الحسنيين في دراسة موضوعات النحو القديمة والحديثة. وإن بدا لنا – غالباً-نحوياً قديماً، لكنه نحوي معاصر كأنما أخطأه الزمن. كان عباس حسن كالقدامى يرى الإعراب مرتبطاً بالمعنى، لا ينفصل عنه، وان الحركات دوال على معانٍ. والذي آراه انّ الحركات علامات معنوية جيء بها تقوية وتأكيداً للمعنى، فمعنى الكلام يتَّضح غالباً دون الإعراب فإذا أردنا تقوية هذا المعنى وتأكيده جئنا بالمعاني النحوية وهي الحركات ومهما يكن من امر فان الأستاذ عباس حسن لم يغلِ مغالاة أصحاب التيسير المعاصرين، إذ اتهموا النحاة ولا سيما المتأخرين منهم بانهم فصلوا الإعراب عن المعنى، وبذلك انحرف عندهم النحو عن مفهومه الذي ينبغي أن يكون عليه والذي وضع من اجله، وانهم جعلوا النحو علماً مختصاً بالإعراب والبناء وبهذا قصروه على جانب ضيق هو الإعراب([102]).
وهو اتهام قد بالغوا فيه، إذ إن مفهوم النحو لدى النحاة – ومنهم المتأخرون- اوسع من هذا والمتتبع لحدود النحو في المصادر النحوية ولا سيما المتأخرة منها يجد الدليل([103]).
لم يذهب الأستاذ عباس مذهب هؤلاء ولم يتعجّل بإطلاق الكلام جزافاً، إذ كان يجلّ التراث النحوي إجلالا كبيراً. وانه لم يبالغ ويدّع نظريةً جديدةً تقابل نظرية العامل لدى القدماء، كما فعل بعضهم، لأنه يرى فضل القدامى لا يمكن تجاوزه وينبغي الاستناد اليه في كل جديد. يقول: "الأسماء يناسبها الإعراب، وهو اصلٌ فيها لأن الاسم يدل بذاته على معنى مستقل، فهو يدل على مسمى. وهذا المسمى قد يُسند اليه الفعل فيكون فاعلاً له، وقد يقع عليه الفعل فيكون مفعولاً به. وقد يتحمل معنى آخر غير الفاعلية والمفعولية، ويدل عليه بنفسه… وكل واحد من تلك المعاني يقتضي علامة خاصة به في آخر الكلمة، ورمزاً معيناً يدل عليه وحده، وغيره من المعاني الأخرى فلا بد أن تتغير العلاقة في آخر الإسم، تبعاً لتغير المعاني والأسباب، وان يستحق ما نسميه: (الإعراب) للدلالة على تلك المعاني المتباينة التي تتوالى عليه بتولي العوامل المختلفة"([104]).
هكذا يمضي عباس حسن في توضيح الإعراب وارتباطه بالمعنى، إذ هو متغير بتغير العوامل الداخلة عليه، أي إن تغيير العوامل يؤدي إلى --> تغيير المعاني، وهذا يؤدي إلى-> تغير الحركات. فلكل عامل ومعنى حركة، ويضيف " ومما تجب ملاحظته إن هناك فرقاً في المعنى والإعراب بين عطف الفعل، وعطف الجملة الفعلية على الجملة الفعلية…"([105]).
ثانيـاً: الإعراب التطبيقي:
اما الجانب التطبيقي للإعراب فقد كان له نصيب وافر في محاولة عباس حسن، فهو مع توضيحه للباب النحوي والمسائل، يذكر إعرابها ويخصص لها مباحث، فضلاً عن ذلك فهو يعالج الاعرابات السابقة مما يدل على منهجه التعليمي في كتابه، ومحاولته الشاملة المنظمة، ووضعه للإعراب قواعد حديثة ميسرة، فعلى سبيل المثال قوله في المنادى المفرد العلم المبني على الضم: لا ينوّن ولا ينصب إلا في الضرورة، ويلزم التصريح بهذا عند اعرابه، وأضاف في هامش كتابه: "يقال عند اعرابه انه منادى مبني على الضم، ولحقه التنوين للضرورة نحو: (سلام الله يا مطرٌ عليها..)اما اذا كان منصوباً منوناً فيقال في اعرابه: انه منصوب منوّن للضرورة"([106]).
وكثيراً ما كان يدلو بدلوه بين الدلاء فيُبدي رأياً او اعتراضاً او تنبيهاً على اعرابات السابقين نحو قوله في إعراب ضمير الفعل: " أنسب الأراء وأيسرها الرأي الذي يرى انه في الحقيقة ليس ضميراً بالرغم من دلالته على التكلم والخطاب او الغيبة دائماً هو حرف خالص الحرفية لا يعمل شيئاً، فهو مثل (كاف الخطاب) في اسماء الاشارة، وفي بعض كلمات اخرى مثل: ذلك وتلك .. فمن الأنسب تسمية حرف الفصل لا ضمير الفصل إلا مجازاً بمراعاة شكله وصورته واصله قبل أن يكون لمجرد الفصل…"([107]). هذا شأنه في كثير من معالجاته اعرابات السابقين([108]).
اما موقفه من خلاف القدامى في الإعراب فيتجنب الرأي الأيسر غالباً وان كان غير مشهور ففي إعراب (أبتي) قال : الأيسر في إعرابها، أب: منادى منصوب مضاف والتاء: عوض عن الياء المحذوفة، أما المذكورة فحرف هجائي ناشئ من بناء التاء على الكسرة مع إشباعها والياء بعدها مضاف اليه وقد فصلت بين المتضايقين([109]). وكذلك اقترح إعراب المنادى المضاف إلى ياء المتكلم المنقلبة ألفاً نحو (يا فرحاً)، منادى منصوب بالفتحة الظاهرة وهو مضاف وياء المتكلم المنقلبة ألفاً مضاف اليه مبنية على السكون في محل جر. وقال في الهامش: "وانما كان الأيسر والأوضح اعرابه منصوباً بالفتحة الظاهرة للفرار مما يتكلفه بعض المعربين حين يقولون: انه منصوب بفتحة مقدرة منع من ظهورها الكسرة المنقلبة فتحة لمناسبة الياء المنقلبة ألفاً، وحجتهم انهم يريدون تسجيل الأطوار كلها ولو ادى الأمر إلى الإطالة"([110]). وكذلك فعل الأمر إذا اتصلت به نون التوكيد. (صاحبَنْ كريم الأخلاق) بأنه مبني على الفتح ولا داعي للتشدد الذي يراه بعض النحاة بانه مبني على السكون المقدر منع من ظهوره الفتحة العارضة لأجل نون التوكيد([111]). وكذلك فعل الأمر نفسه عندما عالج إعراب النحاة للجمع المذكر([112])، وفي إعراب (لدن) الظرف وفي "ربّ صديقاً)([113]).
هذا رأيه في كثير من الاعرابات التي اختلف فيها النحاة، إذ ينتخب أيسرها بعد أن يعرضها ويبين ما بها من ضعف وقوة، وينقدها لكثرتها وتداخلها ولكثرة الجدل حولها ويوازن بينها، وربما يأخذ بأكثر من إعراب ويتجنب المفاضلة إذا لم يجد لذلك سبيلاً والأمثلة على ذلك كثيرة يمكن مراجعتها في النحو الوافي نحو إعراب المخصوص بالمدح والذم وافعل به في التعجب، ولا سيما، وسواء وغيرها([114]) من الأساليب التي اختلفوا في إعرابها وبالعوامل التي اثرت فيها لذلك عُني بها عناية خاصة، وحاول تيسيرها وعمل جداول لذلك، كما فعل في إعراب (لا سيما) بعد أن وضّحها بإيجاز وقال: "أما إعرابها فقد يكفي جمهرة المتعلمين انه يجوز في الاسم بعدها الرفع والنصب والجر سواء أكانت نكرة ام معرفة"([115]).
وبعد أن يعرض اكثر من إعراب للمخصوص بالمدح نحو (نعم المغرّد البلبل) قال: "برغم شهرتها تقوم على الحذف والتقدير والتقديم والتأخير مع الركاكة والضعف مع إن هناك رأياً قديماً آخر أولى بالاعتبار لخلوه من تلك العيوب وغيرها هو: إعراب المخصوص بدلاً من الفاعل، وحبذا الأخذ بهذا الرأي السهل الواضح في تقديرنا…، ومن العجيب أن يكون هذا رأي قلة من النحاة مع وضوحه وقوة انطباق قواعد البدل عليه وعدم تناقضه مع قاعدة اخرى…"([116]).
- الاعرابـان التقديري والمحلي:
دعا ابن مضاء إلى الغاء الاعرابين التقديري والمحلي في مثل: هذا القاضي، وتابعه اكثر أصحاب([117]) التيسير المعاصرين. وهو بهذا يتابع مذهبه الظاهري الذي لا يقدّر إلا بمظاهر النصوص([118]).
اما مجمع اللغة العربية في مؤتمره سنة 1945، ردّ ذلك ولم يأخذ به، وكان عباس حسن احد أعضائه، وكلاهما اخذ على عاتقه خدمة اللغة الكريمة بألاّ يمسا جوهر اللغة في اصلاحهما لها، ولأنهما كانا أعمق غوراً وفهماً لطبيعة النحو واللغة، لم ينطلقا من نظرات عجلى او من مذهب فقهي او ممن يحب تسليط الأضواء عليه، وابداء آراء أشبه بالخواطر العابرة. وهذا يُفّسر لنا اهمال القدامى كتاب (الرّد على النحاة)، إذ كيف يمكننا إن نلغي العامل والقياس والتقدير وغير ذلك؟! معنى هذا اننا سنلغي العلم وكثيراً من المذاهب التي اسهمت في بناء التراث العلمي العربي كالمعتزلة وعلماء الكلام واهل التأويل، ولنا إن نتساءل، ألا يحتاج القرآن الكريم تدبراً، ام نكتفي بالوقوف على ظاهره، فما البلاغة إذن والمجاز؟ واين مواضع الإعجاز إذا لم تكن فيه وجوه ووجوه تناسب العقول والعصور؟!!
لقد تناول الأستاذ عباس حسن الإعراب التقديري بالتفصيل محاولاً تيسيره([119]) بأمثلة يسيرة تُغني عن دعوة هؤلاء الرافضين، وجمع شتاته وحاول تركيزه في موضع واحد ليسهل الرجوع اليه وذكر ما يناسب المتعلمين ثم بسط الأمر دراسة وتوضيحاً في قسم (زيادة وتفصيل) فضلاً عن الهامش كعادته في معالجته مسائل النحو وابوابه، قال: "لا يمكن اغفال الإعراب المحلي والتقديري، ولا إهمال شأنهما وأثرهما، إذ يستحيل ضبط توابعهما مثلاً بغير معرفة الحركة المقدّرة او المحلية، بل يستحيل توجيه الكلام على انه فاعل، او مفعول او مضارع مرفوع، وما يترتب على ذلك التوجيه من معنى إلا بعد معرفة حركة كل منها"([120]). والمراد منه أن الكلمة (المبنية) او الجملة في محل (كذا) أي اننا لو وضعنا مكانها اسماً بمعناها معرباً لكان مرفوعاً او منصوباً او مجروراً، فهي قد حلت محل ذلك اللفظ المعرب وشغلت مكانه ومعناه وحكمه الأعرابي الذي لا يظهر على لفظها مثل: (جاء هؤلاء) و (قرأت الصحف من قبلُ).
- تقدير متعلق لشـبه الجملـة:
كذلك دعا كثير من أصحاب التيسير إلى الغاء تقدير متعلق شبهي الجملة والظرف والجار والمجرور في نحو (الرحلةُ يومَ الخميس) و (زيدٌ في الدار)([121]). لكن عباس حسن استأنس برأي شارح المفصل([122]) في إعراب مثل هذه الجملة وأخذ به، فنقول في الأولى أظرف زمان منصوب في محل رفع لأنه خبر المبتدأ، وفي الثانية: جار ومجرور محل رفع خبر المبتدأ، واكتفى بذلك في القسم المبسط من كتابه وقال في القسم الموّسع: (زيادة وتفصيل) انه لا بدّ لشبه الجملة أن يتعلق بعامله المحذوف وهو الخبر تقديره استقرّ او مستقر لأن الأصل أن يكون الخبر مفرداً مرفوعاً وجاءت شبه الجملة وحلّت محل ذلك الأصل فمجيؤها طارئ عرضي والمسألة شكلية بحتة ولا اثر لها في التحقيق، ثم ذكر تفصيلات كثيرة وخلص إلى تقليل التفريعات الشاقة والأدلة الجدلية المرهقة في امور شكلية ودعا إلى اهمالها، ورأى الأفضل الاقتصار على الإعراب المذكور ولا داعي للتشدد في البحث عن العامل ونوعه مع عدم الحاجة اليه لأن المعنى جلي كامل بدونه([123]).
يتبين إن عباس حسن وقف موقفاً وسطاً- كعادته- من هذه القضية الجدلية واستأنس برأي قديم، ولم يتعجل – كعادته ايضاً- إلى رفض ذلك لأنه عرف قيمة بحوث القدماء فلم يدعُ إلى الغائها لأنه رأى قول النحاة بوجوب تعلق شبه الجملة سديد، وان حجتهم في تحتيم ذلك قوية وهي: "تتلخص في أن الخبر هو المبتدأ معنى، وكذلك المبتدأ هو الخبر معنى، كما في مثل (عليّ الخطيب) فالخطيب في هذه الجملة هو علي، وعلي هو الخطيب، فكلاهما من جهة المعنى هو الخبر. وكذلك الشأن في كل مبتدأ وخبر على النسق السالف الوارد في الاستعمال العربي. فلو اردنا بغير التعليق تطبيق هذا الضابط العام الصحيح على الخبر شبه الجملة لم ينطبق، بل يفسر المعنى معه، ولا يصلحه إلا التعلق على الوجه الذي يذكره النحاة، ففي مثل: (علي أمامك) لا يصّح أن يكون الظرف (أما) هو علي ولا العكس إذ المعنى في كل منهما مخالفاً للآخر تمام المخالفة، ولا يصلحه ولا أن يكون الظرف متعلقاً بشيء آخر غير المبتدأ هو (كائن) او (موجود) او نحوهما…"([124]).
هكذا يعالج مشكلات النحو بمنطق وبعقل متفتح وذكاء دقيق، ولم يتعجل بإصدار الأحكام فيدعو إلى إلغاء ما عسر من مسائل النحو، وانما يحاول تقريبها وتيسيرها وتوضيحها.
- الاسـتعانـة بطرائق التدريـس:
ثمة علاقة بين التيسير النحوي وطرائق تدريس النحو، فقد تتداخل احياناً حتى يصعب فرز بعضها عن بعض لأن هدفهما واحد هو تيسير الدرس النحوي للتلاميذ، لكن الأول يتناول المادة النحوية نفسها، وبتناول الثاني طريقة تدريس هذه المادة، واسلوب عرضها([125])، لذلك اتخذها أصحاب التيسير وسيلة من وسائل التيسير النحوي.
لقد استعان الأستاذ عباس حسن بوسائل تربوية وتعليمية لتقريب النحو وتيسيره للتلاميذ منها، عرض المادة بأسلوب رصين تعليمي واضح لا تعقيد فيه ولا التواء ولا خروج عن المادة، مستخدماً تبويباً جديداً في ذلك، وتلخيص الموضوع بأسطر معدودات بعد بسطه والتوسع فيه، وباستخدام جداول توضيحية([126]).
ولم يؤثر طريقة واحدة على الطرائق الأخرى، فقد تكون استنباطية او استقرائية او القائية وقد تكون حواراً وغير ذلك مما يلائم الموضوع النحوي الذي يعالجه وما توصله إلى اهدافه في تيسير الموضوع، فقد قال في مقدمة كتابه: "إذا عرفنا أن الكتاب للكبار الطلاب، وللأساتذة المتخصصين، وان موضوعاته كثيرة متباينة، ادركنا الحكمة في اختلاف الطرائق باختلاف تلك الموضوعات وقرائها، على إن تكون الطريقة محكومة بحسن الاختيار"([127]).
يمكننا عدّ هذا الأساس من الأسس التي استند اليها والتي ميزت كتابه عن كتب النحو الأخرى ولا سيما كتب المتأخرين، على الرغم من اعتماده عليها، ومشابهة كتابه لها في السعة والشمول، لكنه خالفها في هذه الطرائق التربوية، فغالباً ما تقوم طرائق المتأخرين في مؤلفاتهم على اساس: المتن، فالشرح، فالحاشية، فالتقرير وغير ذلك معتمدين على الجدل وكثرة الخلاف، والاهتمام بالتعليلات والعوامل. وعلى الرغم من ذلك فعباس حسن لم يأخذ على القدامى طرائقهم في التأليف، وانما رأى في ذلك فائدة كبيرة تناسب حاجات عصورهم ودواعيه، وتعوّد وطلابهم على ذلك، لكنّ هذه الدواعي والحاجات تغيرت بتغير العصر، ومع ذلك فقد وصفها بأنها ذخائر غالية تضم في ثناياها كنوزاً نفيسة([128]). لا غرابة في ذلك، فقد تلّقى النحو منها وبالطريقة الأزهرية، ففاق كثيراً من النحاة المعاصرين.
مثال على طريقته في عرض المادة النحوية: (أقسام الكلام)، وزعه إلى مسائل، فيتناول الاسم اولاً باستخدام الطريقة الاستقرائية، إذ يذكر امثلة سهلة معاصرة مأخوذة من بيئة التلاميذ، ثم يشرحها شرحاً وافياً ميسّراً، حتى يصل إلى التعريف او القاعدة، مستعيناً بالهامش في ايضاحات كثيرة واحالات، هذا في القسم الاول من كتابه، اما في القسم الآخر: (زيادة وتفصيل) يضيف وينقد ويقترح ويعالج ويقدم افكاراً جديدة، ويستقصي الموضوع من كل نواحيه ويتتبعه في المصادر النحوية وغير النحوية، لكي يجمع مسائله المبعثرة في كتب التراث.ثم يتناول الفعل بالطريقة نفسها، فالحرف ايضاً، ثم يجمل كل هذا في اسطر معدودات خلاصة ستين صفحة تقريباً مستخدماً الجداول التوضيحية، ويوازن بينها وبين الفروق، ثم يختم الموضوع بأبيات من الألفية لأبن مالك في الموضوع نفسه، يشرحها شرحاً موجزاً([129]) .
- النحـو والمنطـق:
يرى اكثر الباحثين المعاصرين انّ النحو قد تأثر بالمنطق اليوناني، ولا سيما بعدما نشطت حركة الترجمة في آواخر القرن الثاني الهجري، وذهب بعضهم إلى ابعد هذا فقال إن الخليل وسيبويه قد تأثرا بهذا المنطق في وضع النحو الوضع النهائي، وعدّدوا امثلة على ذلك في كتاب سيبويه كتقسيمه اللفظ على اسم وفعل وحرف، والمسند والمسند اليه وغير ذلك([130]). وذهبوا إلى أن ذلك كان السبب الأول لصعوبة النحو ووعورة مسالكه، فقد خرج عن غايته التي ينبغي إن يكون عليها وان يؤديها، وقد غالى بعضهم في نقد ذلك([131]).
أما الأستاذ عباس حسن فقد وقف موقفاً وسطاً – كعادته – من هذه القضية، إذ لم يدع إلى فصل النحو من المنطق، وانما أخذ على بعض النحاة مغالاتهم في مزج النحو بالمنطق واستخدام مناهج دخيلة لدراسة النحو هي اقرب إلى علم المنطق من النحو، المتمثلة بالافتراضات البعيدة، والجدل في معالجة بعض مسائل النحو، والتعليلات الخيالية، والتأويلات البعيدة، فضلاً عن التكلف والتعقيد. فقد ردّ "ما ابتدعوا وأوغلوا من التأويل والحذف والتقدير حتى بلغت بهم الجرأة أن يطبقوا هذا على القرآن الكريم في كثير مما خالف قواعدهم وخرج عن ضوابطهم([132])". فمن ذلك ردّه قول النحاة بوجوب اشتمال الاضافة المحضة على حرف جر أصلي مناسب اشتمالاً اساسه التخيل والافتراض لا الحقيقة والواقع([133]). ويقول في المضاف اليه المحذوف الذي يؤدي لفظه او معناه دون لفظه: " انتهينا إلى استخلاصه من الجدل الكثير الذي يغشيه والحق أن النفس غير مطمئنة لما ارتضاه([134])".
وعلى الرغم من ذلك فانه لم يستنكر على النحاة اخضاعهم النحو للمنطق، وانما انكر المبالغة في ذلك. فقد يستشهد – احياناً- بأقوال اهل المنطق ويستعين بها لتقريب النحو كتوضيحه في باب النكرة والمعرفة، (الصورة الذهنية المحضة والخيالية المجرّدة)([135]).
والحق أن للنحو صلة وثقى بالمنطق فكلاهما فكر مجرّد، مصدرهما العقل، ولا سيما اذا عرفنا إن معرفة النحو شرط للأصولي الذي يعتمد المنطق في بحوثه، فاذا كان المنطق هو مجموعة القوانين التي تضبط عقل المفكر وتعصمه من الخطأ في عملية التفكير، فإن أصول الفقه، هو ايضاً مجموعة القوانين التي تضبط عقل الفقيه المستنبط وتعصمه من الخطأ في عملية الاستنباط([136]). فاذا كان الأمر على ذلك فان النحو هو مجموعة القواعد التي تعصم اللسان من الخطأ وهذا مرتبط بالعقل.
هكذا كان عباس حسن-رحمه الله- لم يتعجل في اصدار الاحكام، على الرغم من اتفاق أصحاب التيسير عليها، فقد حملوا على النحاة حملاً شديداً لاستعانتهم بالمنطق في معالجة قضايا النحو، اما عباس حسن فلم يبالغ مبالغتهم، وانما دعا إلى التخفيف من بعض اشكال المنطق في النحو العربي. وقد اثبتت الدراسات اللغوية صلة النحو بالمنطق وعلوم عقلية اخرى([137]).
- التعليـل:
ومن أسس عباس حسن التي استند اليها: "الفرار من العلل الزائفة، وتعدد الآراء الضارة في المسألة الواحدة، فلها من سوء الأثر وقبيح المعبر ما لا يحصى"([138]). وقال: يأبى النحاة إلا أن يتساءلوا: لِمَ رُفعَ الفاعل ولم نصب المفعول، ولِمَ لَمْ يكن العكس، ولِمَ ولِم,,, ويجيبون، وقد يختلفون، وقد تحتدم حرباً جدلية لا طائل منها، حتى انهم جعلوا العلل قيوداً حديدية اخضعوا لها الكلام الأصلي([139]).
ويتساءل: ما هذه العلل والتعليلات المرهقة التي تطفح بها المراجع النحوية وتضيق بها صدور المتعلمين؟ وان جميعها زائفة لا تمت إلى العقل والواقع بصلة([140]). وهي تعليلات تورث العلة احياناً، ودعا لقراءة (الأنصاف في مسائل الخلاف) ليشهد أبرع أنواع المنطق ولكن في غير موضعه، والرأي المحكم، ولكن في غير مكانه، والإطالة في غير إفادة([141]).
من ذلك تعليلهم منع الاسم من الصرف، قال: " للنحاة تعليل طويل في عدم تنوينه (الاسم الممنوع)، ولكنه تعليل يرفضه التأمل، وقد آن الوقت لإهماله، وانما نذكر ملخصه التالي ليطمئن من يشاء من الخاصة إلى انه تعليل مصنوع معيب، فهم يقولون…"، ثم يفصل قولهم وينقده وخلاصته انهم يرون أن الاسم يمنع من الصرف لشبهه بالفعل إذا اجتمع فيه علتان فرعيتان، من علل تسع، وعلى أن تكون هاتان العلتان، إحداهما لفظية والأخرى معنوية، وهناك علل تقوم مقام علتين لقوتها فتمنع الاسم من الصرف. ثم يقول: "ذلك ملخص كلامهم الخيالي وهو مدفوع بأن السبب الحق في تنوين الأسماء وعدم تنوين بعض آخر أن العرب الفصحاء نطقت بهذا منوّناً وبذلك غير منّون، فعلت هذا بفطرتها وطبيعتها، لا سبب آخر كمراعاة لقواعد علمية، وتطبيق لأسس فلسفية منطقية، فانّ هذه وتلك لم تكن معروفة لديهم في عصر صدر الإسلام وما قبله من عصور الجاهلية، ولم يستعينوا بقياس المناطقة او غيره من مسالك الجدل والتوهم وأشباهه مما لا يوافق حياتهم الأولى ولا نشأة اللغة([142]).
وعلى الرغم من رفضه ذلك إلا اننا نجده يعرض باب الممنوع من الصرف كما عرضه القدامى وبعللهم وتعليلاتهم، ولم يستطع أن يتخلص منها هو نفسه، ولم يستطع تطبيق ما ذكره. وهذا ليس غريباً فقد رأيت أن جميع أصحاب التيسير لم يستطيعوا إن يقدّموا نحواً جديداً يخالف نحو القدامى، لا يقوم على نظرية العامل ولا يحتوي على كثير مما أخذوه على النحو العربي، ويبدو أن سبب ذلك رسوخ النحو في العقل العربي.
ومهما يكن من امر فان عباس حسن يرى أن التعليل الصحيح هو نطق العرب، فلا تعليل لذلك إلا محاكاة العرب والنسج على منوالهم ولا شيء غير هذا وكل اجابة غير هذه فضول وهزل ولا صواب فيه ولا جدوى منه([143]).
لقد عبر عن ذلك بما سماه بـ: (علل التنظير) وهي أن يقال إن رفع الكلمة ونصبها وجرّها وغير ذلك، لأن نظيرتها في كلام العرب كذلك ولا علة إلا التنظير، أي قياس الشيء على نظيره، والنظير هو الأصل الذي نتمثله من الكلام الفصيح([144]).
ودعا إلى أن نستعرض التعليلات غير التنظيرية واحدة واحدة وندرسها في تؤدة ونصفة، ونقضي قضاءً مبرماً على ما لا خير فيه وما اكثره، غير مترددين ولا هيابين، وبهذا نطهّر النحو من عيب أي عيب ونصفيه من أدناس وأوشاب طغت عليه، وأساءت اليه والى المشتغلين به والراغبين فيه([145]).
لقد تابع عباس حسن في ذلك بعض القدامى الذين كانوا يرون أن التعليل الحق هو ما قالته العرب ونطقته، ودعوا إلى نبذ التعليلات المنطقية، منهم ابن حزم ومن تبعه من الظاهريين كأبن مضاء القرطبي، ومنهم ابو العلاء المعري، وابو حيان الأندلسي([146])، إلا أن عباس حسن أطلق على هذه العلة اسم: (العلة التنظيرية)، وقد سمّاها ابن مضاء باسم: (العلة الأولى)([147])، وسماها الزجاجي (العلة التعليمية)([148]) ، لأنها تفيد المبتدئين في تعليمهم اللغة، نحو قولهم: لم نُصِبَت زيد في: (إن زيداً قائمٌ) فيقال بـ (إنّ) لأنها تنصب الأسم بعدها في لغة العرب، وبهذا نكون قد ربطنا بين الأسباب ومسبباتها مما يسهل على التلميذ ملاحظته، لذلك لم يدعُ ابن مضاء إلى الغاء هذه العلة على الرغم من انه دعا إلى إلغاء العلل الثواني والثوالث، او القياسية والجدلية، وهذا ما فعله عباس حسن ودعا إلى إلغاء العلل غير التنظيرية، فيكون عباس حسن قد نحا منحى ابن مضاء في ذلك، وهو ما أثبته الدرس اللغوي الحديث([149]).
إلا أن اكثر أصحاب التيسير دعوا إلى إلغاء اكثر هذه العلل بأشكالها المتعددة([150])، الأول ( او التنظيرية او التعليمية) و الثواني (القياسية)، والثوالث (الجدلي)، وكان ينبغي أن يفرّقوا بينهما كما فرّق عباس حسن وأبقى على الأول متابعة للقدامى، أي التنظيرية.
- العـامل:
كان ابن مضاء القرطبي اول الداعين صراحة إلى الغاء العامل، وما يترتب عليه من حذف وتقدير واستتار وغيرها، لكن دعوته هذه لم تلق تأييداً إلا عند أصحاب التيسير المعاصرين الذين ذهبوا إلى أن العامل كان السبب الرئيس وراء مشكلات النحو وتعقيداته([151])، لكن لم يقم احدٌ منهم بتصنيف النحو على اساس جديد يلغي اثر العامل، اولاً يقوم على نظرية العامل المرفوضة لديهم، ولم يقدموا بديلاً ناجحاً عنها ويطرّد تفسير ليشمل الدرس النحوي كله([152]).
انّ الدرس النحوي لا يمكنه الاستغناء عن العامل لأنه خير وسيلة لتعليم اللغة والنحو، ومن الثابت أن من صفات البحث العلمي: تعليل الأشياء وتفسير الظواهر بما يربط الحادث بمحدثه، او السبب بمسببه، والنتائج بعللها، وبهذا تكون نظرية العامل التي اخذت من جهد النحاة الكثير انجازاً علمياً مرموقاً، يوصل الأشياء بأسبابها([153]).
نعم، إن لنظرية العامل جوانب سلبية وأثراً في تعقيد وإفساد بعض الأساليب النحوية، لأن النحاة، ولا سيما المتأخرون منهم اخرجوه من دائرته المحمودة إلى التحكم في الألفاظ والتراكيب، "ذلك التحكم الذي هو داعية الدهش بل السخط، وسبب من اسباب الإساءة إلى اللغة وتعسيرها على المتعلمين والأمثلة كثيرة لا يخلو باب منها، ولا مناص من تطهيره منها إن اردنا للنحو اصلاحاً وللغتنا تيسيراً، والوسيلة الصحيحة لذلك أن ندع كل تأويل وتخريج على الطراز المعيب السالف، وأن نجري في الأمور على ظواهر الألفاظ الصحيحة الصادرة عمّن يصح الاحتجاج والاستشهاد بكلامه…"([154]).
وعلى الرغم من انه يرى جانباً معيباً في العامل إلا انه لم يرفضه رفضاً قاطعاً كما فعل اكثر أصحاب التيسير، اما الجانب المعيب في العامل فهو إن النحاة منحوه "سلطاناً قوياً يتحكم في صياغة الاسلوب، او ضبطه، بغير سند يؤيد من فصيح الكلام، وقد سبق إن امتدحنا هذه النظرية البارعة التي لم تصدر إلا عن عبقرية وذكاء لماح، وقلنا انها لا عيب فيها إلا ما قد يشوبها في قليل من الأحيان مثل هذه الهنوات([155]).
لقد مثل عباس حسن الموقف المعتدل المتمثل بمراعاة جانب احترام جهد القدامى العظيم مع دعوة إلى تجرّد العوامل من التكلف والفلسفة. قال مبيناً اسباب الأخذ بالعامل على الرغم من المشكلات التي يسببها: " فالأخذ برأي الجمهرة في (العامل)، انما هو أخذ بالأيسر عملاً وتطبيقاً، وإفادة، بالرغم من انه ليس هو الحق في الواقع المقطوع به، ذلك أن الواقع اليقين يقطع بأن الذي يجلب الحركات ويغيرها، ويداور بينها انما هو: المتكلم، ما في ذلك شكّ، لكن لا بأس أن ننسى او نتناسى هذا الواقع ما دامت الفائدة محققة في النسيان او التناسي، والضرر لا اثر له. انما الضرر كل الضرر إن نسبغ على هذا العامل المصنوع الواناً من القوة وصنوفاً من المزايا تجعله يتحكم – بغير حق – في المتكلم ويفسد عليه تفكير([156])".
يتبين إن الأستاذ عباس حسن قد وقف موقفاً وسطاً كعادته، بين التراث والمعاصرة او بين القديم والحديث، فهو مع رفضه للجانب المعيب من العامل، لكنه يختار الأسهل والأيسر على الطالب او الكاتب في الاهتداء إلى الحركة المطلوبة بمعرفة العامل اللفظي او المعنوي، لا المتكلم، لأنه لا يعرف ضبط اواخر الكلمات وما يتصل بها.
- التمارين غير العمليـة:
عقد النحاة المتأخرون في كتبهم باباً افتراضياً، لا فائدة فيه، إذ لم يعصم الألسنة من الخطأ، نحو: "الأخبار بالذي والألف واللام"([157])، وقد قال فيه ابو حيان: " انها من وضع النحاة للاختبار والتمرين، ولا يوجد مثلها في كلام العرب البتة"([158])، وقد ذكر عباس حسن نماذج من هذه التمرينات ودعا إلى الفرار منها لأن استعمال مثل هذه الأساليب معيب، بل يخلق مشكلة خطيرة تتمثل بخلق أساليب لا تعرفها العرب، فضلاً عن انها بغيضة لا تجري على سنن من مناهج لغة العرب التي نحاكيها. فمن ذلك قولهم: (محمد ، عمّه، خاله، أخوه قائم) حيث تعددت المبتدءات وكان الاول منها مجرداً من اضافة الضمير، والمبتدءات الأخرى مضافة إلى ضمير المبتدأ الذي قبله فيكون المعنى: (أخو خالك عم محمد قائم)، يقول عباس حسن: " يحسن عدم القياس عليها في الأساليب الأدبية والعلمية وغيرهما مما يقتضي وضوحاً ودقة، لأن فيها تكلف ظاهر وثقل جلي لا يخلو من غموض"([159]).
- الأوهـام النحـويـة:
ومن الأسس التي اعتمدها الأستاذ عباس حسن، تصفية النحو من (الأوهام النحوية) وهي عنده ما سماه بالخرافات او الفضول او اللفظ الأجوف ومنها رفض التكهن والافتراضات في أصل بعض الكلمات نحو (لكن) و (لات) و(أول) وغيرها. كاختلافهم في أصل (لكن) هل هي مركبة ام بسيطة، فقد كان يرى الكوفيون أن اصلها مركبة من (لا) و (أن) و (الكاف الزائدة) لا التشبيه، حذفت الهمزة تخفيفاً، بعد نقل حركتها إلى الكاف([160]). قال: "أي كلام هذا؟ ومن اين جاءوا به؟ أقال لهم العرب ذلك ام انه كلام مرسل هو بالمزح أشبه فسمّه إذاً ما شئت.. هذا غباء فكري وإضاعة وقت فيما لا طائل وراءه"([161]).
ورد قولهم في أن أصل (لات): لا + تاء التأنيث المتحركة بالفتح لتوكيد النفي وتقويته قال: "اختلفوا فيها اختلافات متعددة لا يستريح العقل لواحد منها ولا إلى أن التاء زيدت على كلمة لا لأن العرب الأوائل نطقوا بكلتا الكلمتين (لا و لات) مستقلتين، ولم يذكروا أن احدهما اصل للأخرى، ولم يكن لهم علم بشيء مما اصطلح عليه النحاة بعدهم، وبنوا عليه احكامهم فمن الخير ترك الاراء المتشعبة، والاقتصار على اعتبار (لات) كلمة واحدة مبنية على الفتح، معناها النفي وعملها هو عمل كان، ولي في هذا ما يسيء إلى اللغة في تركيب كلماتها ولا ضبط حروفها، ولا اداء معانيها على الوجه الصحيح المأثور الذي يجب الحرص عليه، ولا سيما اذا كان في اتباعه تيسير ومسايرة العقل والواقع وقد آن الوقت للتحرر من تلك الآراء الجدلية التي لا حاجة اليها اليوم"([162]).
لقد دعا إلى إهمال مثل هذه التكهنات في أصول بعض الكلمات، والقضاء عليها في غير تردد ولا تريث، وتحرير عقل المتعلمين من شرورها([163])، وعلى الرغم من ذلك فانه يعتذر عن النحاة الذين ذكروها، "انما ذكروها للوصول إلى أغراض نافعة، كمعرفة أصول الكلمة و زوائدها، وتطبيق أحكام الإعلال والإبدال عليه، والاهتداء إلى الكشف عن معناها في المراجع النحوية… وهذا أحسن…"([164]).
- ابعـاد اللبس والغمـوض:
تتبع عباس حسن ذلك في ابواب النحو باباً باباً، ونبه عليه، وحاول معالجته مستأنساً بآراء القدامى البعيدة عن اللبس والغموض والتعقيد، يدعو اليها ويختار منها ما يعالج هذه المشكلة، فهو بذلك كان يعالج مشكلات التراث النحوي او الجانب المعيب فيه بالجانب المشرق منه، إذ انه كان يرى إن مهمة اللغة هي الوضوح والبيان وهذا ينافي في وضيفتها ومهمتها التي خلقت من اجلها. لذلك كان ينتخب من الآراء أوضحها وأبعدها عن اللبس والغموض بل يفضل ذلك على الأصح والأفصح احياناً او الأكثر شيوعاً ففي نداء المضاف إلى ياء المتكلم بعد عرضه له يقول: "كل ما تقدّم جائز بشرط إن يكون امر الياء المنقلبة ألفاً او المحذوفة واضحاً، فلا يحدث لبس او غموض او فساد للمعنى بسببه، وبالرغم من جوازها… فالأفضل اليوم التخفيف منها ومن محاكاتها لأنها مع صحتها وجوازها لا تخلو من غموض وخفاء يتناميان مع الغرض الصحيح من اللغة واستخدامها اداة بيان وايضاح، وحسبنا فهم ما ورد بها من كلام القديم…"([165]).
وقد ذهب إلى اكثر من هذا، فدعا إلى ترك استعمالات لغوية فصيحة، لأنها قد توقع في لبس، وحدَّ من استعمالها او محاكاتها إلا من قبل اللغوي العالم باللغة وبأساليب العرب، كقوله في باب كان الزائدة: "الواجب ترك استعمال كان الزائدة إذا أوقعت في لبس"، وكتحذيره من استعمال او محاكاة ما ذكره النحاة في باب الاشتغال([166]).
الخـاتـمـة:
وبعدُ.. فقد أردت انصاف الرجل، إذ انّ الجهود التي قدّمها الأستاذ عباس حسن في خدمة اللغة والنحو وتيسيرها، لم يكن بمقدور أحد أن يقدمها- كماً ونوعاُ- إلا المؤسسات الدولية الكبيرة المعنية باللغة العربية كالمجامع اللغوية والمنظمات العربية. وما بحثي هذا إلا جزء يسير من العرفان بجهده المنقطع النظير.
لقد وقف عباس حسن موقفاً وسطاً بين المحافظة والتجديد، والتنظير والتطبيق، شكلاً ومضموناً، وكانت محاولته أوسع محاولات التيسير الحديثة شمولاً، وأكثرها مقترحات وأدقها في تحديد المشكلات التي يعاني منها النحو العربي، وأحرصها على معالجته في ضوء التراث النحوي الخالد، وأعمقها فهماً للتراث، والتصاقاً به، وكان – رحمه الله- أكثرهم انصافاً للتراث، وأشدهم اعجاباً به، فقد أشاد كثيراً بجهود النحاة العباقرة الذين استنبطوا النحو من لغة العرب.
فلا غرابة اذا كانت أهم الأسس التي استند اليها في محاولته الاستئناس بالتراث النحوي، والاستفادة من الخلاف النحوي، وانتخاب الآراء النحوية الميسرة لوضع نحو جديد يقوم عليها ويستنبط منها ، على الرغم من اختلاف المعاصرين في ذلك – كما فصلت- فضلاً عن عنايته الكبيرة باصول النحو التي اعتمدها النحاة لوضع النحو، مستفيداً من جهود مجمع اللغة العربية القاهري ومحاولة تيسيره اللغة للناس، ومستعيناً بطرائق التدريس الحديثة. في ضوء ذلك كله جمع ما تبعثر من مسائل النحو، ولا سيما في غير كتب النحو، وحاول إعادة صياغتها صياغة جديدة، على الرغم من استخدامه ترتيب ابن مالك ولكن بتعديل وبتحسين مطلوبين، فحذف زوائد غير ضرورية، ودمج بعض الفروع ببعضها، وأولى لغة الكتاب عناية كبيرة واخراجه اخراجاً حسناً جديداً، واهتماماً بطباعته، مميزاً بين فئتين في دراسة النحو، فضلاً عن اهتمامه الكبير بالمصطلح النحوي وبالاعراب وبتطبيقه.
لقد عقدت موازنة بينه وبين اشهر أصحاب التيسير المعاصرين، فخلصت إلى انه كان اقرب منهم إلى التراث النحوي القديم، لذلك لم يتابعهم في كثير من المقترحات التي نالت من هذا التراث الخالد كدعوتهم إلى الغاء بعض الموضوعات النحوية، والغاء نظرية العامل، والاعرابين التقديري والمحلي، بل والغاء الإعراب والاستغناء عنه بتسكين اواخر الكلم، وغير ذلك مما تناثر في ثنايا البحث. وعلى الرغم من ذلك كله لم يذكر احداً منهم صراحة ولم يذكره احدٌ- ضمن أصحاب محاولات التيسير النحوي- ولا سيما انه عاصر حركة التيسير النحوي في أوجها. رحمه الله وجزاه خير الجزاء، آمين.
-----------------------
المصـادر:
- اتجاهات البحث اللغوي الحديث في العالم العربي، لبنان، د. رياض قاسم، ط1، مؤسسة نوفل، بيروت، 1982.
- احياء النحو، ابراهيم مصطفى، ط1، مطبعة لجنة التأليف والنشر، القاهرة، 1977.
- الاقتراح في علم اصول النحو، تح: د. احمد سليم الحمصي، و د. محمد احمد قاسم، ط1، جروس برس، 1988.
- الانصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين، ابو البركات الانباري، دار الفكر، (د.ت.).
- الايضاح عن علل النحو، الزجاجي، تح: د. مازن المبارك، ط4، دار النفائس، بيروت، 1982.
- البحث النحوي عند الأصوليين، د. مصطفى جمال الدين، دار الرشيد للنشر، بغداد 1980.
- تيسير النحو التعليمي قديماً وحديثاً مع نهج تجديده، د. شوقي ضيف، دار المعارف بمصر 1986.
- الخصائص، ابو الفتح عثمان ابن جني، تح: محمد علي النجار، دار الشؤون الثقافية، بغداد 1990.
- الخلاف النحوي في ضوء محاولات التيسير الحديثة، حسن منديل العكيلي، رسالة دكتوراه، آداب المستنصرية 1996.
- حاشية الخضري على شرح ابن عقيل على الفية ابن مالك، المطبعة الازهرية 1305هـ-1932م.
- حاشية ياسين العليمي على شرح التصريح على التوضيح، خالد الازهري، دار الفكر، بيروت (د.ت.).
- رأي في بعض الأصول اللغوية والنحوية، عباس حسن، ط1، مطبعة العالم العربي، القاهرة، 1951.
- شرح قطر الندى وبل الصدى، ابن هشام الانصاري، دار الفكر، طرابلس، ليبيا (د.ت.).
- شرح المفصل لأبن يعيش، عالم الكتب، بيروت، (د.ت.).
- عباس حسن وجهوده في النحو، رسالة دكتوراه، قحطان عبد الستار عارف، آداب بغداد 1998.
- في اصلاح النحو العربي، د. عبد الوارث مبروك سعيد، دار العلم 1985.
- في حركة تجديد النحو وتيسيره في العصر الحديث، د. نعمة العزاوي، دار الشؤون الثقافية، بغداد 1995.
- القياس في اللغة العربية، د. محمد حسن عبد العزيز، ط1، دار الفكر العربي 1995.
- كتاب سيبويه، ابو بشر عمر بن عثمان، تح: عبد السلام محمد هارون، عالم الكتب، ط3، مكتبة الخانجي، القاهرة 1988م.
- كتاب في اصول اللغة، مجموعة القرارات التي اصدرها المجمع من الدورة (29) إلى الدورة (34). الهيئة العامة لشؤون المطابع الاميرية، القاهرة، 1969.
- اللغة والنحو بين القديم والحديث، عباس حسن، ط2، دار المعارف بمصر 1971.
- مجلة مجمع اللغة العربية المصري، الهيئة العامة لشؤون المطابع الاميرية، القاهرة.
- المغني في النحو، ابن فلاح اليمني، تح: د. عبد الرزاق السعدي، دار الشؤون الثقافية، بغداد 1999.
- النحو الوافي، عباس حسن، ط9 ، دار المعارف، القاهرة 1987.
- همع الهوامع شرح جمع الجوامع، جلال الدين السيوطي، تصحيح السيد محمد النعساني، دار المعرفة، بيروت، لبنان (د.ت.).
الحواشي :
[1] - الأستاذ عباس حسن (1906-1979( عالم جليل، وباحث قدير، احرز قصب السبق في اللغة العربية وآدابها، وفاز بجائزتها حينما عمل استاذاً في دار العلوم بالقاهرة، ورئيساً لقسم النحو والصرف والعروض فيها، وعضواً في مجمع اللغة العربية. نشر بحوثاً كثيرة تخصّ النحو العربي، وعدداً من الكتب مثل "اللغة والنحو بين القديم والحديث" و "النحو الوافي".
[2] - ثمة رسالة دكتوراه تناولت ((عباس حسن وجهوده في النحو)) ، لقحطان عبد الستار عارف، آداب بغداد 1998. لكنه لم يسلط الضوء على جهوده في التيسير النحوي كما ينبغي، فقد اكتفى بعرض جهوده النحوية على وفق خطة تقليدية والعناية بتخريج شواهده، والتعريف بالاعلام الواردة في كتبه التي نقل منها نصوصاً طويلة بحيث اذا جرّدناها عادت رسالته صغيرة.
[3] - النحو الوافي 1/ 6.
[4] - تنظر رسالتنا الدكتوراه: الخلاف النحوي في ضوء محاولات التيسير الحديثة 87.
[5] - ينظر: في حركة تيسير النحو وتجديده 124.
[6] - دعا الى ذلك اكثر أصحاب التيسير على رأسهم ابراهيم مصطفى رائد حركة التيسير المعاصر، ينظر: احياء النحو 7.
[7] - ينظر: تيسير النحو التعليمي 56، وتبسيط قواعد اللغة العربية 49.
[8] - ينظر الاحرفية ليوسف السودا 35 ، واتجاهات البحث اللغوي، لبنان 2/ 187
[9] - ينظر: النحو الوافي 1/ 356- 374.
[10] - اللغة والنحو 219.
[11] - اللغة والنحو 219.
[12] - ينظر : بعض الشوائب في النحو 198.
[13] - النحو الوافي 1/ 3، وينظر: اللغة والنحو 66، وصريح الرأي في النحو العربي، القسم الثالث ص 386.
[14] - اللغة والنحو 66 وينظر: النحو الوافي 1/3 وصريح الرأي في النحو العربي / قسم 3 سنة 1957، ص 382.
[15] - يقصد دعاة الشعر الحر.
[16] - اللغة والنحو 298.
[17] - نفسه 299.
[18] - ينظر مثلاً همع الهوامع 1 /38.
[19] - ينظر: النحو الوافي 1/ 523.
[20] - ينظر: صريح الرأي قسم 3 – 386، واللغة والنحو 78
[21] - ثمة خلاف في ذلك فمنهم من يدعو الى الاستفادة من الخلاف النحوي كعباس حسن وعبد الحميد حسن وعلي الجارم وغيرهما ومنهم مَنْ يعارض ذلك كالأستاذ احمد امين والدكتور نعمة العزاوي في حديث خاص معه. وينظر محاضر جلسات المجمع 10/ 273، والقياس في العربية 210.
[22] - القياس في اللغة العربية 209.
[23] - البحوث والمحاضرات 29/ 130.
[24] - ينظر: صريح الرأي في النحو العربي، القسم (5) سنة 1958 ، ص 190-198، واللغة والنحو 127- 137.
[25] - اللغة والنحو 37.
[26] - نفسه 100- 119.
[27] - مجلة المجمع المصري، ج1 ص 202، 303. وينظر: اللغة والنحو 139، وصريح الرأي 198.
[28] - ينظر على سبيل المثال النحو الوافي 1/ 180، 267، 284، 3/121، 142، 163، 4/31. وينظر: 1/ 32، 131، 179، 3/20، 244، 254، 4/6، 25.
[29] - النحو الوافي 1/ 61.
[30] - نفسه 1/ 8.
[31] - نفسه 1/ 509.
[32] - نفسه 1/ 50.
[33] - نفسه 1/ 51.
[34] - النحو الوافي 2/ 15
[35] - نفسه 3/ 4
[36] - نفسه 3/ 4
[37] - نفسه 3/ 6
[38] - نفسه 3/ 6
[39] - نفسه 3 / 4
[40] - اللغة والنحو 117- 154
[41] - ينظر دراسات اسلوب القرآن1/ 2، ونحو القرآن 3، وأثر القرآن والقراءات في النحو 30-50، ونظرية النحو القرآني 140، والنحو التعليمي والتطبيق في القرآن الكريم 5.
[42] - إذ لا تكاد تخلو صفحة من كتابه النحو الوافي إلا واستشهد فيها بشواهد من القرآن الكريم.
[43] - ينظر تفصيل ذلك في مجلة مجمع اللغة العربية الأردني ، تأبينه 233، ومجلة مجمع القاهرة 1997 ص 168 (استقباله).
[44] - ينظر: النحو الوافي 4/ 370.
[45] - ينظر: كتاب في اصول اللغة 1/ 12، والقياس في العربية 14، 152، 165.
[46] - ينظر: اللغة والنحو 139.
[47] - ينظر تفصيل ذلك، كتاب في اصول اللغة 1/ 74، 90، 116، 79، 2/ 27، 33، 59، 71، 80، 142.
[48] - ينظر: النحو الوافي 1/ 5، واللغة والنحو 217-221.
[49] - ينظر: النحو الوافي 1/ 5.
[50] - نفسه 1/ 352-356.
[51] - أخذ ذلك عليه د. صفاء خلوصي، ينظر: اللسان العربي ع5، ص 89.
[52] - تعريف بالكتاب، حوليات الجامعة التونسية ع2، سنة 195، ص 253.
[53] - الآية، التوبة 6.
[54] - النحو الوافي 2/ 145.
[55] نفسه 2/ 138.
[56] نفسه 1/ 18.
[57] - نفسه 1 / 11.
[58] - نفسه 1/ 226.
[59] - نفسه 1/ 29- 32.
[60] ينظر مثلاً: النحو الوافي 1/ 51.
[61] - نفسه 3/ 318.
[62] - نفسه 3/ 181.
[63] - ينظر: 1/ 75، 96، 2/ 101، 136، 148، 405، وغيرها.
[64] - نفسه 3/ 58.
[65] - نفسه 2/ 363.
[66] - نفسه 1/ 10.
[67] - نفسه 1/ 10.
[68] - نفسه 4/ 41 وينظر 4/ 57.
[69] - نفسه 3/ 264.
[70] - نفسه 3/ 296.
[71] - نفسه 1/ 485 وينظر 2/10 – 3، 3/34، 135.
[72] - ينظر: 1/ 10، 38، 87، 102 ، 3/ 38، 141.
[73] - لم يبلغ كتاب نحوي معاصر ما بلغه (النحو الوافي) في عدد الطبعات.
[74] - نادراً ما نجد خطأ طباعياً في النحو الوافي، نحو 1/ 304 ( النائبة= النائية)
[75] - اللغة والنحو 223-224.
[76] - الكتاب 1/ 22، 24 .
[77] - ينظر: الوافي 1/ 6 .
[78] - نفسه 1/ 633 وينظر 4/ 10 .
[79] - نفسه 1/ 44 وينظر 4/ 17، 18 و 1/ 197، 222، 130.
[80] - النحو الوافي 1/ 217.
[81] - نفسه 1/ 117.
[82] - نفسه 4/ 77.
[83] - نفسه 1/ 46.
[84] - ينظر: حاشية الخضري 1/ 23.
[85] - ينظر: جمع الهوامع.
[86] - ينظر: النحو الوافي 1/ 47.
[87] - نفسه 2/ 63.
[88] - النحو الوافي 1/ 5.
[89] - النحو الوافي 1/ 138.
[90] - نفسه 2/ 296.
[91] - نفسه 1/ 280.
[92] - نفسه 2/ 97.
[93] - نفسه 2/ 416.
[94] - ينظر: شرح قطر الندى 51.
[95] - النحو الوافي 1/ 162.
[96] - نفسه 3/ 556.
[97] - نفسه 3/ 165.
[98] - ينظر: شرح المفصل 1/ 119.
[99] - ينظر: مجالس ثعلب 1/ 43.
[100] - ينظر رسالتنا الدكتوراه: الخلاف النحوي 93.
[101] - النحو الوافي 1/ 236.
[102] - ينظر: احياء النحو 37، ونحو التيسير 17، ونحو المعاني 22، ونظرات في اللغة والنحو 2، وفي النحو العربي نقد وتوجيه 29، واللغة العربية معناها ومبناها 18، وينظر تفصيل ذلك في: البحث النحوي عند الأصوليين 24-32.
[103] - ينظر: الاقتراح 22، والمغني في النحو 1/ 47، الذي عرفه بانه آلة معرفة للام الله.
[104] - النحو الوافي 1/ 77.
[105] - النحو الوافي 1/ 63 وينظر 1/ 62، 72 – 75.
[106] - النحو الوافي 4/ 24 وينظر 4/ 79.
[107] - النحو الوافي 1/ 248-255، وينظر 1/ 217، 238.
[108] - كاقتراحه اقتراحاً في اعراب ضمير الشأن 1/ 250.
[109] - النحو الوافي 4/ 63.
[110] - نفسه 3/ 59-60.
[111] - ينظر: الوافي 1/ 80.
[112] - ينظر الوافي 3/ 122.
[113] - ينظر الوافي 1/ 259.
[114] - ينظر: الوافي 1/ 241، 402، 3/ 344، 378.
[115] - الوافي 1/ 402.
[116] - الوافي 3/ 378.
[117] - ينظر: احياء النحو، وتيسير النحو التعليمي 32، 79، وتجديد النحو 23، وتيسير النحو التعليمي 59.
[118] - ينظر: الرد على النحاة 23.
[119] - ينظر: الوافي 198- 205.
[120] - الوافي 1/ 85.
[121] - ينظر: الرد على النحاة 23، وتيسير النحو التعليمي 56 وتجديد النحو 25.
[122] - ينظر: شرح المفصل 1/ 90 والنحو الوافي 1/ 475.
[123] - ينظر: الوافي 1/ 475.
[124] - الوافي 1/ 478 وينظر 2/ 236، 405.
[125] - ينظر رساتنا: الخلاف النحوي 77.
[126] - ينظر مثلا: الوافي 1/84، 2/ 238.
[127] - الوافي 1/10.
[128] - ينظر: الوافي 1/ 10.
[129] - ينظر: الوافي 1/ 26-68.
[130] - ينظر: الكتاب 1/ 23، 25.
[131] - ينظر: احياء النحو 22 وفي اصلاح النحو العربي 47 وفي حركة التيسير النحوي 49.
[132] - بعض الشوائب في النحو، كتاب في اصول اللغة 2/ 62 ومجلة اللسان العربي، مج 15، ع 10، ج1 سنة 977، ص 194.
[133] - ينظر الوافي 3/ 6.
[134] - الوافي 145، وينظر 159، 3/ 40، 52.
[135] - ينظر: الوافي 1/ 206.
[136] - ينظر: البحث النحوي عند الأصوليين 35.
[137] - ينظر: رسالتنا الدكتوراه: الخلاف النحوي 70.
[138] - الوافي 1/ 12.
[139] - ينظر: اللغة والنحو 143.
[140] - ينظر: صريح الرأي في النحو العربي 50.
[141] - بعض الشوائب في النحو 198.
[142] - الوافي: 1/ 34.
[143] - ينظر: صريح الرأي في النحو العربي 49 والنحو الوافي 1/ 33، 40.
[144] - = = = = = = = = = =.
[145] - صريح الرأي 50، واللغة والنحو 178.
[146] - ينظر: همع الهوامع 1/ 56 ، والوافي 1/ 9.
[147] - ينظر: الرد على النحاة 88، الوافي 1/ 478 واللغة والنحو 195.
[148] - ينظر: الإيضاح في علل النحو 65-66.
[149] - تنظر رسالتنا: الخلاف النحوي 72.
[150] - ينظر: احياء النحو 22.
[151] - ينظر: احياء النحو 23 وتيسير النحو التعليمي 19، ونحو التيسير 39.
[152] - ينظر تفصيل ذلك: رسالتنا الخلاف النحوي في ضوء محاولات التيسير 172- 174، 341-354.
[153] - = = = = = =
[154] - اللغة والنحو 215.
[155] - النحو الوافي 2/ 337.
[156] - اللغة والنحو 201، وينظر الوافي 1/ 73، 447، وصريح الرأي 381، والعلامة الاعرابية 190، وظاهرة الاعراب 185.
[157] - ينظر: شرح بن عقيل 2/ 199.
[158] - همع الهوامع 1/ 108.
[159] - الوافي: 1/ 33- 534.
[160] - ينظر: الإنصاف 1/ 209، المسألة (25).
[161] - اللغة والنحو 179 وينظر النحو الوافي 3/ 60.
[162] - النحو الوافي 1/ 605.
[163] - ينظر: اللغة والنحو 184.
[164] - النحو الوافي 3/ 155.
[165] - الوافي 3/ 172، ينظر ص 77.
----------------
أ.د. حسـن منديـل حسن العكيـلي
- جامعـة بغـداد aligeali@Gmail.com