قبل نحو عامين، خرج أحد طلاب كلية دبي التقنية بفكرة غريبة، سرعان ما تحولت إلى برنامج إلكتروني فعال يتم من خلاله تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، فطبقه في دروس منتظمة على أساتذته الأجانب العاملين في الكلية كخطوة أولى.
ذلك المشروع المبتكر الذي انتشر في عدد من مؤسسات التعليم العالي في الدولة، بفعل مساندة الطلاب والطالبات الإماراتيين، دخل مرحلة جديدة من حيث التوسع والتنظيم والاعتماد، بعد أن اطلع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، على فكرته، وذلك على هامش افتتاحه مؤتمر وزراء التعليم العالي العرب الذي استضافته جامعة زايد العام الماضي، حيث وجه حينها بتبني المشروع ودعمه ومتابعته في مختلف جامعات وكليات الدولة.
زايد العبدولي صاحب الفكرة ومبدعها إلكترونياً، نشر المشروع بين الطلبة الإماراتيين، فوجد سريعاً فريق عمل متحمس لتولي زمام المبادرة وتطبيق الفكرة واقعاً، وتزامناً مع تلك الجهود، بدأت إدارة التوجيه التربوي بوزارة التربية والتعليم حينها، بصياغة منهاج متكامل يمكن الطلبة من تدريس اللغة العربية للأساتذة الأجانب، بما يخدم الثقافة العامة والأعراف والتقاليد التي يحتفظ بها ويدعمها المجتمع الإماراتي.
وفي السابق أيضاً سعى زايد العبدولي خريج كلية دبي التقنية، وأكاديمية شرطة دبي، ويحمل الآن رتبة ملازم في إدارة الدفاع المدني في دبي، بالتعاون مع عدد من الطلبة، إلى تأسيس اللجنة الإدارية لمشروع تدريس اللغة العربية لغير الناطقين بها، مع وجود منسق من كل جامعة في الدولة يتبعه فريق عمل من الطلبة المعلمين لأساتذتهم.
وقبل هذا الوقت، بادر فريق العمل إلى مخاطبة معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التعليم العالي والبحث العلمي رئيس مجمع كليات التقنية ورئيس جامعة زايد، والدكتور حنيف حسن وزير التربية والتعليم، اللذين أبديا إعجابهما بالمشروع، ووجها إلى التعاون المشترك بين الوزارتين للخروج بثمرات عملية كنتيجة لما أراده الطالب المتحمس للفكرة، فيما بدأت فعلياً عملية تدريس الأجانب قبل نحو عامين، وذلك بالاستناد على أساليب مبتكرة وإمكانيات محدودة، وبالتركيز على عنصر المحادثة بالدرجة الأولى، بموضوعات وجمل منتقاة، ومواقف مصورة تتوافق مع رؤية وإستراتيجية الدولة في التعريف بثقافة البلد وتراثه وأعرافه وتقاليده.
المفارقة كانت أن زايد العبدولي خرج بفكرة تدريس الأساتذة الأجانب للغة العربية، من منطلق كرهه لتعلم اللغة الإنجليزية، حيث ظل يتساءل: لماذا يتعين على الطلبة تعلم غير لغتهم، فيما لا يفرض على الآخرين تعلم اللغة العربية؟ ومن هنا بدأ يفكر بآلية تمكنه من تحقيق رغبته تلك، فتوصل بالتعاون مع زميله الطالب عبدالرحمن المحمود إلى فكرة إيجاد آلية مبتكرة وعملية سرعان ما حظيت بإعجاب الكثيرين.
قبل شهور قليلة تخرج زايد العبدولي من أكاديمية شرطة دبي، فتم ترشيحه لدورة ضباط في سنغافورة، فسافر حاملاً معه هم اللغة العربية، وبمجرد أن وصل المكان، جلس كما يقول وحيداً، وقرأ تفاصيل جدول إقامته وتدريبه، فاكتشف أنه سيكون من نصيبه أكثر من 64 يوم فراغ على مدار 8 شهور هي مدة الدورة، حينها تحمس لبذل مزيد من الجهد للارتقاء بفكرته، وراح يبحث عن مراكز تعليم اللغة العربية، مستنداً على تصريح أحد الوزراء السنغافوريين «علينا أن نجعل اللغة العربية لغتنا الثالثة»، ومن هنا كانت انطلاقته.
ويؤكد زايد أن هم اللغة والحفاظ على صورة ناصعة للثقافة والحضارة العربية، دائما يراوده وفي كل أحواله، فهو يتسلح بمشروع يحفظ له طموحاً بأن ينقله إلى العالمية، وهناك في سنغافورة تعرف زايد على عدد من مسؤولي مراكز تعليم اللغة العربية، وعرض عليهم مشروعه فرحبوا بالفكرة إلى أبعد حد، وطبقوها كتجربة أولية في مراكزهم، وفي هذه الأثناء عثر زايد العسكري على المؤسسة الرسمية المسؤولة عن العرب هناك، وهي «الوحدة العربية».
تلك المحطة كانت انطلاقة زايد في برنامجه نحو العالمية، حيث تواصل مع مؤسسات في كندا وأخرى في اليابان، وكانت الردود إيجابية ومرحبة، وبهذا الواقع بقي زايد مصراً على أن يكون مشروعه الأول والأفضل عالمياً، بما يخدم الحضارة العربية وثقافة أهل الضاد. اتفق زايد هناك مع مؤسسات معترف بها، على أن تكون سنغافورة قاعدة مشروع تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها بالنسبة للعالم الخارجي، أما دبي فستظل مركزاً إدارياً للمشروع وقاعدته في العالم العربي، إضافة إلى كونها المركز والمقر الأساسي، مؤكداً أن طموحه يصب في خانة تحقيق اتحاد عالمي لتدريس اللغة العربية للأجانب، يجمع العرب في منهاج موحد ومبسط يوجه لخدمة الأمة العربية.
وقبل أن يعود من سنغافورة، بادر زايد العبدولي باقتراح عملي، وطلب من رئيس الدفاع المدني في سنغافورة، تقديم هدية لنظرائه الضباط السنغافوريين من زميلهم الضابط الإماراتي، وهي محاضرة عن الثقافة العربية ممنهجة وفق المشروع الذي يعتمده، فرحب السنغافوريون بالفكرة، وحضرها مجموعة من كبار الضباط هناك، يتقدمهم رئيس الدفاع المدني في سنغافورة، وفي نهاية المحاضرة التي استمرت لساعتين تم تكريم زايد من قبل السنغافوريين لما لمسوه من حس إيجابي نتيجة تلك المبادرة.
وهناك تمكن زايد على مدار 8 شهور متواصلة من الإلمام بمختلف أشكال التأهيل العسكرية في مجال الدفاع المدني، وعودته إلى الإمارات ضمنت له رتبة ملازم في الإدارة العامة للدفاع المدني، وذلك واقعه حالياً في الإدارة بعد أن أنهى تدريبه قبل نحو شهرين. ويؤكد زايد أنه نحج في إيصال فكرة سليمة عن دولة الإمارات والعالم العربي وعن اللغة العربية لعدد من كبار ضباط سنغافورة، مع التركيز على إيصال الجانب الحضاري للإمارات وللأمة العربية.
دبي ـ عنان كتانة
----------------------------------
مجلة البيان الإماراتية : 22 مارس 2010 ، 6 ربيع الآخر 1431 هـ ـ العدد 10869
http://www.albayan.ae/servlet/Satellite?c=Article&cid=1228573935683&page...