النحو العربي والنص : مدخل لبحث العلاقة بينهما - د . عبد السلام حامد (*)
أقصد بالنص هنا نص الكلام العربي الذي هو موضوع النظر في اللغة من أجل استنباط القواعد والتحليل والتفسير، لا النص بالفهم العام الذي له أشكال وأنماط كثيرة منها العلميّ (ككتب النحو نفسها) وغير العلمي، ومنها المتن والشرح والحاشية والنص النثريّ والمنظومات وما شابه هذه الأقسام. وتراث النحو العربي مليء بهذا كله، وهو مما يشكل مجالاً واسعاً للنظر وللبحث فيه من جوانب وزوايا نصية فكرية وثقافية مختلفة، كشهرة بعض النصوص ونفوذها وتأثيرها بحسب الزمان أو المكان أو نمط التأليف وما نتج عن ذلك. وبناءً على هذا يتحدد ما أقصده في العنوان السابق المثير لأفكار وأسئلة عديدة في ثلاثة محاور، الأول: موقف النحو العربي من نص اللغة، والثاني : علاقة هذا النحو بما يسمى "نحو النص"، والثالث : جدوى منهج نحو النص ومدى أهميته بالنسبة للنحو العربي.
والغرض من دراسة هذه الجوانب الثلاثة ومن البحث نفسه، تكوين رؤية شاملة لعلاقة هذا النحو بالنص على مستوى الأصول والقواعد والمنهج قديماً وحديثاً. ويأتي ذلك إيماناً بأن هذه الرؤية لها أهميتها في أنها تعد مدخلاً لدراسة هذه القضية التي يمكن أن توسع تفاصيلها وجوانبها بأشكال أخرى فيما بعد، وأنها تعد مراجعة ـ تحاول أن تجمع بين القرب والبعد ـ لأمور كلية قد ينسي تناول جزئياتها منفصلاً بعضها عن بعض عن أهمية النظر فيها مجتمعة لاستنباط نتائجها.
أولاً ـ موقف النحو العربيّ من النص :
نصوص الكلام العربي التي كانت أمام النحاة هي : القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف، والشعر، والنثر. وقد كان للنحاة العرب ثلاثة مواقف من هذه النصوص : الأول : موقف يتعلق بالتوثيق، والثاني : موقف يتعلق بالاستشهاد والتقعيد، والثالث : موقف يتعلق بالتحليل والتطبيق .
أ ـ موقف التوثيق :
ينصب هذا على توثيق ما سوى القرآن الكريم والحديث؛ لأن المقصود هنا توثيق علماء أصول النحو واللغة لنصوص الشعر والنثر، والضوابط التي وضعها هؤلاء تتعلق بمحاولة توثيق المرويّ من اللغة سنداً ومتناً على غرار ما تم في الحديث، وهي من الناحية النظرية جيدة ومقبولة، لكنها من الناحية العملية كان يحكمها "العصبية والمنافسة"؛ ولذا يبطل مفعول ضبط الرواية ـ كما حاول العلماء أن يقيموها ـ ويصير من اليسير تصفية هذه القضية وعزلها ([1]).
على أن أهم ما في هذه المسألة ما ترتب عليها من وجود شواهد شعرية داخلها الزيف والاضطراب وخالطها الضعف. وتصنف المظاهر العامة لهذه الشواهد فيما يأتي ([2]):
1 ـ الشواهد المجهولة النسبة. 2 ـ الشواهد المتعددة النسبة.
3 ـ الشواهد ذات الوجوه المتعددة. 4 ـ الشواهد المصنوعة.
5 ـ الشوهد المحرفة. 6 ـ الشواهد التي أسيء فهمها.
فالشواهد المجهولة النسبة وُضع لها ضابط هو ـ كما ذكر الأنباري ـ عدم الاستشهاد بما لا يعرف قائله، لكن هذا الضابط جاء متأخراً بعد جهد عظيم كان النحاة قد بذلوه في الشواهد واستنباط القواعد منها. ولذلك استمر الاعتماد على هذا النوع من الشواهد ([3]). والشواهد المتعددة النسبة تمثل نقطة ضعف لاحتمال كونها مصنوعة أو ملفقة وغير موثقة أو محرفة المتن، ولذا فهي في حاجة في وقتنا الحاضر إلى تنقية ومراجعة بعد توافر ظروف التحقيق الكثيرة المعاصرة.
والشواهد ذات الوجوه المتعددة قد تثبت القاعدة وقد تنفيها، وأسباب تعدد وجوهها أحد أمور ثلاثة هي : ورود أكثر من رواية عن الشاعر نفسه، والتغيير من الراوي، والتغيير من النحاة. والتغيير من الراوي والنحاة أدخل في دائرة الاحتمال والظن من غيرهما؛ وذلك لنصرة آرائهم ومذاهبهم القائمة على قواعد وتفريعات ولهجات وغايات مختلفة. من ذلك ما أنشده أبو العباس المبرد في قصر الممدود من الأبيات الآتية : للنمر بن تولب :
يسرّ الفتى طولُ السلامة والبقا فكيف ترى طول السلامة يفعلُ
وليزيد بن الصعق :
فزِعتمْ لتمرين السياط وأنتـمُ يشنّ عليكم بالفنا كل مربـعِ
وللطرمّاح :
وأخرج أمّه لسواس سلمى لمعفور الفدا ضرِم الجنينِ
وقد بين علي بن حمزة الصواب في ذلك بقوله إن بيت النمر روايته : "طول السلامة والغنى"، وأن بيت ابن الصعق روايته "بالقنا"، وأن بيت الطرّماح روايته : "لمعفور الضنى"، ثم قال : " وهذا من فعل أبي العباس غير مستنكر!! لأنه ربما ركب هذا المذهب الذي يخالف فيه أهل العربية واحتاج إلى نصرته، فغيّر له الشعر واحتج به " ([4]) . ومثل هذا قول أفنون التغلبيّ :
أم كيف يَنفع ما تُعطي العَلوقُ به رئمان أنفٍ إذا ما ضُنَّ باللبـنِ
فقد" أنشده الكسائي في مجلس الرشيد بحضرة الأصمعي؛ فرفع "رئمان" فأنكر عليه الأصمعي ذلك وقال : إنه بالنصب، فقال له الكسائي : اسكت، ما أنت وهذا؟ يجوز الرفع والنصب والجر، فسكت، هذا مع أن حق المعنى والإعراب (فضلاً عن الرواية) النصب ـ كما بين ابن الشجري ـ لأن "رئمان" مفعول "تعطي" ([5]).
ومما ورد فيه هذا أيضاً قول طفيل الغنوي :
لأيّامها قِـيدت وأيامـها جَرَتْ لغُنْمٍ ولم تؤخذْ بأرضٍ وتُغصبِ
فقد جوّز بعض القدماء في "أيامها" الثانية الأوجه الثلاثة الرفع والنصب والجر. وكذلك قول كعب بن زهير :
ضخـمٌ مُقـلّّدُها عَبْـلٌ مُقيّـدُها في خَلْقها عن بنات الفحلِ تفضيلُ
ذكر ابن هشام أنه يجوز في " ضخم " الرفع والنصب والجر، والرفع على أربعة أوجه، والنصب بإضمار أمدح أو على أنه حال، والجر على أنه صفة لنضاخة (قبل ذلك ببيتين) على لفظها أو لعذافرة (قبل ذلك بثلاثة أبيات) على المعنى ([6]).
ومثل هذا عند المحدثين ما ورد في قول المرار بن منقذ ([7]):
ثـم تنهـدّ على أنمــاطها مثـلَ ما مالَ كثيـبٌ منقعرْ
عَبَـق العنبرُِ والمسـك بها فهيَ صفراء كعرجون العمرْ
فقد أجاز محققا المفضليّات جعل (عبق) اسماً مبتدأً وجر (العنبر) على أنه مضاف إليه، وعلى هذا يكون الخبر "بها"، وأجازا أيضاً جعل (عبق) فعلاً ماضياً والفاعل هو (العنبر) .
ومثل هذا التعدد المبنيّ على ما يجوز في الموضع الواحد في الشعر لا يمكن أن يكون قد صدر عن الشاعر؛ لأنه يمثل مفارقة للتاريخ الصحيح بالضرورة . ولقائل أن يقول إن هذا التعدد أمر مقبول لاعتبارات من أهمها : إثراء تعدد أوجه القراءة الشعرية المفتوحة، وظروف عدم التحقق من الرواية وفقد الدليل على الوجه التاريخي المحدد الصحيح، وصيرورة الشعر بعد رحيل قائليه ملكاً للثقافة العربية ومعطياتها اللغوية الائتلافية تقرؤه على النحو الذي تسمح به القواعد. وهذا القول صحيح إذا أعيا التحقيق التاريخي المستمد من منهج لغوي يجب الأخذ به، وهو منهج يفترض أن يقوم على أدلة مختلفة أهمها الاحتكام إلى الخصائص اللهجية للشاعر وطلب الاتساق في شعره، وضرورة الاطراد في شعر القبيلة، وتحري الصواب النحوي، ونفي التعدد في موضع مقتضاه التوحد ([8]).
والشواهد المصنوعة تكمن أدلة صناعتها في: النص على نسبة الصنعة لبعض النحاة، والطعن الصريح في بعض الشواهد ووسمها بالصنعة، كطعن المازني في شاهد تأنيث "السكّين" الذي أنشده الفراء :
فعيث في السَّنام غداةَ قرٍّ بسكيـنٍ موثّقة النصابِ
وكذلك نسبة بعض الشواهد إلى شعراء لم يوجدوا أصلاً أو شك في وجودهم، كالذي ينسب إلى مجنون بني عامر :
بكيتُ على سرب القطا إذ مررنَ بي فقلت ومثــلي بالبـكاء جديــرُ
أسربَ القطا هل من يعيـرُ جناحَه لعلّي إلى من قـد هويـتُ أطيـرُ
وظهور أمارات الصنعة في الرصف اللغوي لبعض الشواهد، كالأبيات التي يستشهد بها النحاة على لغة من يلزم المثنى الألف وفتح النون مثل :
أعرف منها الجيد والعينانا ومنخرين أشبـها ظبيـانا
والشواهد المحرفة لا يستبعد الباحث أن يكون بعض تحريفها من تعمد النحاة أنفسهم، ومما يدل على هذا اختلاف روايتها في كتب النحو عما هي عليه في مصادرها الأصلية، ومن أوضح الأمثلة على ذلك الاستشهاد على أن "أنْ" تجزم المضارع بقول امرئ القيس :
إذا ما ركبنا قـال ولدانُ أهلـنا تعالوا إلى أنْ يأتنا الصيدُ نَحطبِ
والرواية في الديوان (إلى أن يأتيَ الصيدُ نحطبِ) ، وكذلك الاستشهاد على الجزم بلن بقول كثير عزة :
أيادي سبا يا عزّ ما كنت بعدكمْ فلن يحلُ للعينيـن بعدك منظرُ
والرواية في الديوان المطبوع هكذا (فلم يحل للعينين) . ويعدّ تحريف الشواهد أكثر جوانب هذه القضية خطراً؛ لما ترتب عليها من تفريعات وآراء وجزئيات أسهمت في تضخيم قواعد النحو العربي وتعقيدها وحشوها بغير الصحيح وما لا فائدة فيه .
والشواهد التي أسيء فهمها نتجت عن عزل الشواهد من سياقها فكان لهذا أثر في القول بالتأويل بصوره المختلفة، ومن هذا توجيه الأشموني جر الملحق بجمع المذكر السالم بالكسرة في بعض ما ورد من الشعر بأنه لغة خاصة مع أنه في الحقيقة للضرورة الشعرية ([9])، وكذلك القول بأن ما ورد في الحديث " يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار " يعد مما جاء على لغة "أكلوني البراغيث" مع أن للحديث رواية أخرى مشهورة هي " إن لله ملائكة يتعاقبون فيكم: ملائكة بالليل وملائكة بالنهار" ([10]).
وقد كان الدافع الذي سمح للنحاة بأن يُدخلوا هذه الشواهد الضعيفة بأنواعها ومظاهرها المختلفة مجال النحو هو " مراعاة القواعد لا النصوص، فقد وجهوا جهدهم أساساً في الدراسة لخدمة القواعد فانزلق بهم ذلك إلى استخدام نصوص ما كان لها أن تستخدم أو على الأقل : كان ينبغي لها أن تُحقّق وتنخل قبل أن تستخدم " ([11]).
ب ـ موقف الاستشهاد والتقعيد :
مع القرآن :
النحو العربي ـ ككل العلوم العربية ـ نشأ في كنف النص القرآني وكان من أوائل العلوم التي اعتنت به، وكان هذا الاعتناء ـ في البدء ـ لصيانته وحفظه من وقوع اللحن والتحريف في قراءته. وموقف النحاة من القرآن من حيث الاستشهاد يتلخص في أنهم من الناحية النظرية كانوا يؤمنون بما قرره السيوطي من بعد وهو أن " كل ما ورد أنه قرئ به جاز الاحتجاج به في العربية سواءٌ أكان متواتراً أم شاذاً، وقد أطبق الناس على الاحتجاج بالقراءات الشاذة إذا لم تخالف قياساً معروفاً، بل (و) لو خالفته يحتج بها في ذلك الوارد بعينه ولا يقاس عليه نحو (استحوذ) " ([12]). وأما من الناحية العملية، فقد كان الأمر بخلاف ذلك؛ إذ إن معظمهم لم يستخدموا القرآن في دراسة مسائل النحو، ولم يولوه ما هو حقيق به من الاستشهاد والاحتجاج. والشواهد على ذلك كثيرة منها أن كتاب سيبويه ـ وهو قمة الدراسات السابقة عليه ودستور ما جاء بعده ـ فيه اعتماد يكاد يكون كاملاً على الشعر العربي القديم في الاستقراء وتقرير الأصول، وتغافل واضح عن آيات القرآن والشعر الإسلامي، ولا يزيد ما فيه من الآيات عن ثلاثمائة آية، ومعظمها يذكر بعد الشعر كأنما يساق بهدف التقرير والتوكيد لا الاستشهاد، وبناءً على هذا لا يُعَدّ من الغريب الزعم بأن " هذا الانصراف عن الاعتماد على النص القرآني في الاحتجاج قد شمل معظم النحاة تقريباً ... ماعدا "ابن هشام" الذي وجه الكثير من عنايته إليه، فزاد على تنظيمه للقواعد وترتيبها وحسن عرضها الاستدلال عليها من القرآن الكريم في غالب الأحوال كما يبدو ذلك في كتابه "شذور الذهب" وشرحه له " ([13]). ويقول ابن حزم : " والعجب ممن إن وجد لأعرابي جلف أو لامرئ القيس أو الشماخ أو الحسن البصري لفظاً في شعر أو نثر جعله في اللغة واحتج به وقطع به على خصمه، ولا يستشهد بكلام خالق اللغات ولا بكلام الرسول وهو أفصح العرب، وما في الضلال أبعد من هذا " ([14]).
وقد ترتب على هذه الظاهرة أمران : الأول : الاضطراب أمام النصوص القرآنية والاضطرار إلى توجيهها توجيهاً خاصاً بها. والثاني : رفضهم أحياناً بعض القراءات القرآنية لمخالفتها للقواعد المعدة لديهم المأخوذة من نصوص أخرى، وجعل القراءة مجال تطبيق الأحكام لا الاستنباط منها . وقد حمل لواء تلحين القراء والقراءات نحاة البصرة المتقدمون، ثم تابعهم غيرهم من اللغويين والمفسرين؛ فكان مما لحنوه القراءات الخاصة بالفصل بين المضاف والمضاف إليه، والعطف على معمولي عاملين مختلفين، وتسكين لام الأمر مع "ثم"، وتسكين الحركة الإعرابية ([15]). وكان أبو علي الفارسي على رأس هؤلاء، ومن شواهد هذا لديه وصفه لهمز "معايش" في قراءة ابن مجاهد عن نافع [الأعراف : 10] بأنه غلط([16]).
ولأجل هذا اجتهد ابن جني في كتابه "المحتسب" للدفاع عن القراءات الشاذة وذكر أن شذوذها لا يغض من ثبوت روايتها ولا من رسوخ قدمها في العربية، وكان مما قاله في ذلك أنه على رغم خروج الشاذ عن إطار القراءات السبع " إلا أنه مع خروجه عنها نازع بالثقة إلى قرائه، محفوف بالروايات من أمامه وورائه، ولعله أو كثيراً منه مساوٍ في الفصاحة للمجمع عليه، نعم وربما كان فيه ما تلطف صنعته، وتعنف بغيره فصاحته، وتمطوه قوى أسبابه، وترسو به قدم إعرابه... ولسنا نقول ذلك فسحاً بخلاف القراء المجتمع في أهل الأمصار على قراءتهم، أو تسويفاً للعدول عما أقرته الثقات عنهم، لكن غرضنا منه أن نُري وجه قوة ما يسمى الآن شاذاً، وأنه ضارب في صحة الرواية بجرانه، آخذ من سمت العربية مهلة ميدانه، لئلا يَرى مُرًى أن العدول عنه إنما هو غض منه أو تهمة له. ومعاذ الله وكيف يكون هذا والرواية تنميه إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؟! والله تعالى يقول : " وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " ([17]) .
والذي دعا النحاة إلى مثل هذا الموقف العملي السلبي من القرآن الكريم وقراءاته هو "التحرز الديني" ومعناه أنهم أرادوا أن يحفظوا للقرآن قدسيته وهيبته، وأن ينأوا به عما يشيع في مسائل النحو من تعدد الآراء وإعمال الذهن والأخذ والرد والرغبة في التصرف بحرية مع النص المدروس.
مع الحديث النبوي:
احتج علماء اللغة في كتبهم منذ بداية التأليف بالحديث. أما النحاة فقد سكتوا عن الاحتجاج به وأحجموا عن هذا من لدن سيبويه إلى أن جاء ابن مالك في القرن السابع الهجري؛ فاعتمد عليه وخالف العرف الشائع في هذا؛ فعلق أبو حيان في شرحه للتسهيل على ذلك وأنكر على ابن مالك فعله وعدّ سكوت القدماء عن الاستشهاد بالحديث منعاً متعمداً وعلله بأمرين، الأول: أن الرواة جوزوا النقل بالمعنى، والثاني: وقوع اللحن فيما روي من الحديث؛ لأن كثيراً من الرواة كانوا غير عرب بالطبع ([18]). وبإثارة أبي حيان لهذه الفكرة وتعليقه عليها وتفسيره لها صارت الفكرة قضية مشهورة وموضوع بحث ونظر وصار فيها ثلاثة اتجاهات : اتجاه المنع وقد تزعمه أبو حيان وهو ممن جاء بعد ابن مالك مباشرة، واتجاه التوسط بين المنع والجواز ومن أبرز من مالوا إلى هذا أبو الحسن الشاطبي (ت 790) في شرح الألفية، واتجاه الجواز والسير على خطا ابن مالك، على نحو ما نجد عند الدماميني في شرحه للتسهيل والبغدادي في خزانة الأدب.
ويظهر موقف ابن مالك واضحاً من الحديث النبوي الشريف في كتابه " شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح "، وبرغم أن الغرض الأصليّ منه ـ كما يبدو من عنوانه ـ توجيه بعض وجوه الاستعمال والتراكيب المشكلة نحوياً في صحيح البخاري، جعله ابن مالك كتاباً نظرياً وتطبيقياً وجمع فيه بين التقعيد والتطبيق، معتمداً على مختلف أنواع الشواهد التي كان من أهمها الأحاديث؛ حتى إننا نرى مسائل أجازها ابن مالك وكان للحديث فيها القول الفصل، ومن ذلك :
ـ جواز ثبوت الخبر بعد "لولا" (وهو ما خفي على النحاة إلا الرماني وابن الشجري).
ـ وجواز حذف الموصول لدلالة صلته أو بعضها عليه ، وهو مما انفرد به الكوفيون ووافقهم الأخفش عليه؛ استناداً إلى الحديث : " مثَل المهجّر كالذي يُهدي بَدَنَة، ثم كالذي يهدي بقرة، ثم كبشاً ثم دجاجة، ثم بيضة " .
ـ وصحة العطف على ضمير الرفع المتصل غير المفصول بتوكيد أو غيره، وهو مما لا يجيزه النحاة في النثر إلا على ضعف، ويزعمون أن بابه الشعر، والصحيح جوازه نظماً ونثراً ([19]).
وبذلك تبرز قيمة هذا الكتاب في أنه أول كتاب اختص الحديث النبوي الشريف بالدراسة النحوية، وقد تهيأ له من النصوص ما لم يتهيأ لكتاب في مثل حجمه الصغير ؛ إذ ضم سبعمائة وثلاثين شاهداً ما بين آية وحديث ومنظوم ومنثور، وتكاد شواهد النثر تتكافأ فيه مع شواهد الشعر إن لم تزد عليها، وبذا كان هذا الكتاب علامة نصيّة مميزة في تاريخ النحو العربي لها أثرها فيمن جاء بعد ابن مالك ([20]).
ومن الجدير بالذكر هنا أن تفسير أبي حيان لموقف النحاة الأوائل من الاستشهاد بالحديث بأنه كان امتناعاً للسببين السابق ذكرهما ـ هو الذي شاع فيما بعد وتناقله عنه العلماء الأقدمون وكان له أثره في الدراسات المعاصرة لدى المحدثين ومنهم الدكتور محمد عيد الذي اتفق مع أبي حيان في النتيجة ـ وهي أن أوائل النحاة امتنعوا عن الاحتجاج بالحديث واجتنبوه ـ واختلف معه في السبب؛ فقد كان رأيه أن الذي دفعهم إلى هذا هو التحرز الديني نفسه الذي كان سبب امتناعهم عن الاحتجاج بالقرآن الكريم، وأما ما يذكر في هذا من تعليل منع الاستشهاد بالحديث بأنه كان بسبب الرواية بالمعنى أو اللحن في المتن، فإن ذلك ـ في رأيه ـ لا يؤيده التاريخ المبكر لتوثيق الحديث وجمعه ومعاصرته لدراسة اللغة وجمعها وتقعيدها؛ إذ التقى الاثنان في زمن واحد دون أن يثمر هذا الاعتمادّ على الحديث في الاحتجاج والاستشهاد ([21]). لكنّ في هذه القضية تفسيراً آخر لابن الطيب الفاسي (ت 1170هـ) فهو يرى أن موقف القدماء لم يكن امتناعاً عن عمد بل كان سكوتاً وانصرافاً عن الاحتجاج بالحديث لعدم شهرته بينهم، وفي هذا الشأن يقول راداً على أبي حيان : " وحاصل ما قاله أن هؤلاء المذكورين لم يستدلوا بالحديث، ولا أثبتوا القواعد الكلية. وهذا لا دليل فيه على أنهم يمنعون ذلك ولا يجوزونه كما توهمه، بل تركهم له لعدم تعاطيهم إياه، وقلة إسفارهم عن محيّاه ... وأيضاً في الصدر الأول لم تشتهر دواوين الأحاديث ولم تكن مستعملة استعمال الأشعار العربية والآي القرآنية، وإنما اشتهر وكثرت دواوينه بعد، فعدم احتجاجهم به لعدم انتشاره بينهم، وعلماء الحديث غير علماء العربية. ولما تداخلت العلوم، وتشاركت في صدور العلماء استعملوا بعضها في بعض، وأدخلوا فناً في فن ... وبالجملة فكون هؤلاء لم يحتجوا بالحديث لا يلزم منه أنهم يمنعونه كما هو ظاهر لا خفاء فيه " ([22]). وأياً كان التفسير فالموقف واحد والأثر واحد : ظل النحو العربي حتى عصر ابن مالك غير معتمد على الحديث في الاستشهاد والتقعيد .
مع الشعر والنثر:
كان من الطبيعي بعد أن ترك النحاة الاستشهاد بالقرآن والحديث، أن يكون جل على اعتمادهم على الشعر وغريب النثر، لكن الشعر هو الذي حظي بنصيب الأسد في ذلك، حتى صارت دراسة النحو مصطبغة بصبغة الشعر، بالرغم من أنه يمثل لغة خاصة مليئة بالقيود ومواضع الضرورة ، وقد وجدوا فيه على كل حال ـ من وجهة نظرهم ـ نمطاً منضبطاً يكفل حفظه وسهولة تداوله وكونه ديوان العرب إمكان الاطمئنان إليه في الاستشهاد . وقد كان معيارهم الذي عنوا به في الشعر والنثر وعولوا عليه كثيراً معيار النقاء والفصاحة؛ لذلك احتفوا في الشعر كثيراً بنمط خاص منه هو الرجز، ولم يأخذوا من النثر إلا الغريب والنادر والبدوي ([23]).
وموقف الاحتجاج والاستشهاد هذا كان بالنسبة لغير القرآن والحديث (أي الشعر والنثر) مقيداً زمانياً بما يسمى عصر الاستشهاد، وهو يمتد مما روي من الجاهلية إلى منتصف القرن الثاني الهجري؛ إذ قُبِلَ كل ما ورد قبل هذا التاريخ شعراً كان أو نثراً، يستوي فيهما ما كان عن البدو وما كان عن الحضر. وقد استمر الأخذ والاستشهاد بالنسبة للبدو إلى نهاية القرن الرابع الهجري. وبناءً على هذا تعامل النحاة مع الشعر الذي خرج عن هذا الإطار الزمني بالرفض؛ ولهذا كان الأصمعي يقول : " بشار خاتمة الشعراء، والله لولا أن أيامه تأخرت لفضلته على كثير منهم " ([24]). وقد سُمي الشعراء الذين جاءوا بعد هذا الزمن المحدد بالشعراء المحدثين أو المولدين وأصبح من اليسير نعتهم باللحن . يقول الدكتور محمد عيد : " فبعد الطبقة الأولى من شعراء الدولة العباسية ـ وقد عاش معظم شعرائها في الدولة الأموية ثم الدولة العباسية، وعاصروا فترة الانتقال بين العصرين اللغويين ـ عمموا الحكم باللحن على أخطاء الشعراء بعد ذلك في الدولة العباسية ، وقد وصف بذلك من شعراء الطبقة الثانية أبو العتاهية (ت 211) وأبو نواس (ت 198) والعباس بن الأحنف (ت 192) وانسحب هذا الحكم على الشعراء في الطبقة الثالثة، طبقة أبي تمام (ت221) وديك الجن (ت225) وغيرهم، ثم طبقة ابن الرومي (ت283) والبحتري (ت284) وابن المعتز (ت 296) وغيرهم وفي القرن الرابع المتنبي (ت 354) وأبو فراس (ت 367) ثم أبو العلاء المعري (ت 447) . كل هؤلاء الشعراء ـ وأمثالهم كثيرون ـ مما لا يقارن بهم المتقدمون من حيث الفن والصناعة رفض اللغويون الأخذ عنهم تعميماً للرأي الذي اعتنقوه عن الاحتجاج والأخذ عن الحضر في تلك الفترة .هذا طبعاً بخلاف أعراب البادية وشعرائها، فهم ... موثقون لدى العلماء تؤخذ عنهم اللغة أياً كانت هذه اللغة !! ولو كانت لهجة رديئة أو ضعيفة، فمثلاً شاعر مثل "عمارة بن عقيل" من طبقة ابن الرومي في الدولة العباسية استخدم أحياناً لغات رديئة ، وكان أبو حاتم لا يثق بعربيته، ومع ذلك أخذ النحاة عنه اللغة، وقال عنه المبرد : ختمت الفصاحة في شعر المحدثين بعمارة بن عقيل !! وكان ذلك لأنه ممن يسكنون بادية الكوفة " ([25]).
إذن هذا هو موقف النحاة من الشعر الذي ورد بعد عصر الاستشهاد : لا يستشهدون ولا يحتجون به، وإن جاز لهم أن يستخدموه للتمثيل في النحو أو المعاني كما فعل ابن جني مثلاً مع المتنبي. ومن ذلك ما ورد عند تفريقه بين القول والكلام من أن كل واحد منهما قد يقع في موقع صاحبه وأن القول يمكن أن يكون مجازياً ؛ فقد كان مما مثّل به لذلك بيتان للمتنبي هما :
فلو قدر السنانُ على سنـان لقال لك اللسان كما أقـولُ
لو تعقل الشجر التي قابلتها مدّت محييةً إلـيك الأغصُنا
ثم قال : " ولا تستنكر ذكر هذا الرجل ـ وإن كان مولّداً ـ في أثناء ما نحن عليه من هذا الموضع وغموضه ... فإن المعاني يتناهبها المولَّدون كما يتناهبها المتقدمون . وقد كان أبو العباس ـ وهو الكثير التعقب لجلة الناس ـ احتج بشيء من شعر حبيب بن أوس الطائي لما كان غرضه فيه معناه دون لفظه ، فأنشد فيه له ([26]):
لو رأينا التوكيد خُطّةَ عجزٍ ما شفعنا الأذانَ بالتثويب
ج ـ موقف التحليل والتطبيق :
تناول النحاة النصوص بأنواعها المختلفة بالتحليل والتطبيق بغرض الشرح والتفسير والتوجيه بما تسمح به أدواتهم وقواعدهم وأصولهم ومناهجهم ، يوجه ذلك كله أهداف معينة أهمها : تفسير النص لغوياً ونحوياً وتيسيره للفهم من هذه الجهة([27]) ، ومحاولة حل مشكله وبيان أوجهه الغريبة وتأويلها بحيث يبدو متفقاً مع القواعد، وتعليم الناشئة وإعطاؤهم أمثلة وشواهد متنوعة متعددة لتطبيق القواعد الصرفية والنحوية . إننا نلحظ ذلك في كتب إعراب القرآن الكريم وتفسيره وبيان معانيه وتوجيه مشكله وشاذه وسائر ما ألفه النحاة في هذا الباب ، وكذلك كل ما ألفوه في شرح الشعر وإعرابه، مضافاً إليه القليل الذي ألّف في إعراب الحديث. ومن أوضح نماذج ذلك في الشعر شرح ابن جني لشعر المتنبي ولبعض شعر هذيل ولأرجوزة لأبي نواس وتأويله لمشكل أبيات الحماسة ([28]) .
تعقيب :
1 ـ ظهور مشكلة في توثيق شواهد الشعر خاصة يجعلنا نتوقف كثيراً وندقق في التعامل مع هذه الشواهد ونحاول تمحيصها وتمييز الصحيح منها مما يشوبه ضعف أو تزييف ، معتمدين في هذا على مجموعة من الأسس والمبادئ ومن ذلك ما جاء متأخراً وصرح به أبو البركات الأنباري وهو أنه لا يجوز الاحتجاج بشعر أو نثر لا يعرف قائله أو تتمته ما لم يكن قد صدر من ثقة يعتمد عليه؛ مخافة أن يكون مصنوعاً أو لمن لا يوثق بكلامه. ومن هذا ما استشهد به الكوفيون على جواز إظهار "أن" بعد "كي" وهو البيت المجهول القائل :
أردتُ لكيما أن تطير بقْرِبتي فتتركَها شَنّـاً ببيــداءَ بلقعِ
ومن هذه الأسس أيضاً اعتبار أبيات سيبويه " أصح الشواهد، اعتمد عليها خلف بعد سلف، مع أن فيها أبياتاً عديدة جُهل قائلوها، وما عيب ناقلوها. وقد خرج كتابه إلى الناس والعلماء كثير، والعناية بالعلم وتهذيبه وكيدة، ونُظر فيه وفُتّش، فما طعن أحد من المتقدمين عليه ولا ادّعى أنه أتى بشعر منكر. وقد روي في كتابه قطعة من اللغة غريبة لم يدرك أهل اللغة معرفةَ جميع ما فيها، ولا ردّوا حرفاً منها ... " ([29]) . وقد اجتهد البغدادي صاحب هذا الكلام كثيراً في تحري الدقة في الشواهد التي ذكرها في كتابه (خزانة الأدب) من حيث ضبط روايتها وردها إلى أصولها ومحاولة بيان الرواية الصحيحة فيما تعددت روايته، كل ذلك بالرجوع إلى مصادر جمة ([30]) .
2 ـ نستطيع من خلال تحليل مواقف النحاة السابقة من النصوص توثيقاً واستشهاداً وتقعيداً وتطبيقاً أن نستنبط فكرة مهمة تتعلق بما يمكن أن نسميه " بتنميط النصوص "، وأقصد بهذا محاولة وضع أطر عامة تميز كل نوع من أنواع النصوص عن غيره، عن طريق مراجعة جهود النحاة في النصوص من هذه الزوايا وفحصها بروية وعمق. وفكرة تنميط النصوص شبيهة بالحديث عن الأساليب، وهي مستعارة مما سماه فان دايك " بالأبنية العليا ". لقد قال إن أنماط النصوص ـ كالشعر والقصة والرواية والإعلان ـ أبنية عليا أي هياكل مجردة وهي تختلف عن المضمون وتختلف أيضاً عن الأنظمة الثانوية التي تحتاج إليها ، ومثال هذا، حادثة ما؛ فهي يمكن أن تؤدى في شكل الشعر أو القصة أو الرواية أو السرد بصفة عامة أو أي شكل آخر، ولكل واحد من هذه الأنواع أنظمته الخاصة، ولو أخذنا نوعاً من هذه الأنواع كالشعر مثلاً فسندرك أن الشعر نفسه بناء علوي أما العروض فهو نظام ثانوي لازم له ، وهذا يختلف عن مضمون القصيدة ([31]). وبتطبيق هذه الفكرة على نصوص اللغة العربية وموقف النحاة منها يمكننا أن نرصد ما يأتي:
أ ـ في القرآن الكريم : نجد لدى النحاة القدماء ـ على مستوى كتب التقعيد ([32]) ـ بعض المظاهر التي قد تبدو محاولة منهم لاكتشاف أبنية أنماط القرآن الكريم ، والحقيقة أن هذه المظاهر ما هي إلا نوع من التأويل والتوجيه الخاصين اللذين يُشعران بإدراك النحاة لأنماط القرآن وأساليبه الخاصة دون أن يحددوا أنظمة هذه الأنماط والأساليب، ومن أمثلة هذه المظاهر:
ـ قول بعضهم إن القرآن ينبغي أن يحمل على أحسن إعراب وأحسن تركيب، فلا يجوز فيه جميع ما يجوزه النحاة في شعر الشماخ والطرّماح وغيرهما من سلوك التقادير البعيدة والتراكيب القلقة والمجازات المعقدة ولا يحسن حمله على القليل جداً ([33]). ومن هذا الباب أيضاً اختيار المصطلح المناسب لإعراب الوظائف النحوية فيه، كتسمية ابن مالك لبدل الكل من الكل "بدلاً مطابقاً" تحرياً للدقة لوقوعه في اسم الله تعالى، كما في : " إلى صراط العزيز الحميدِ . اللهِ ... [إبراهيم : 1،2] ولفظ "الكل" لا يطلق إلا على ذي الأجزاء ([34]).
ـ الحروف المقطعة في أوائل السور مبنية للشبه الإهمالي ولا محل لها من الإعراب لأنها من المتشابه الذي لا يدرك معناه.
ـ وضع إطار خاص لنوع من المعاني يمكن تسميته "بالمعاني النحوية الدينية" ومن هذا : اعتبار ما ورد في القرآن من صفات الباري سبحانه مجموعاً بالواو والنون ملحقاً بجمع المذكر السالم، كقوله تعالى : "ونحن الوارثون" [الحجر : 23] وقوله : "فقدرنا فنعم القادرون" [المرسلات : 23] وقوله : " وإنا لموسعون ... فنعم الماهدون" [الذاريات : 47،48]، ولا يقاس على هذا لأن إطلاق الأسماء عليه توقيفيّ، واختصاص "كان" بالدلالة على الدوام في صفات الله سبحانه وتعالى كقوله : " وكان الله سميعاً بصيراً " [النساء : 134] ([35])، وقول بعض النحاة ـ كابن مالك ـ إن أفعل التفضيل يأتي عارياً من معنى التفضيل كما في قوله تعالى : " ربكم أعلمُ بكم " [الإسراء : 54] وقوله " وهو أهونُ عليه " [الروم : 27]. وقد اعتبر آخرون هذا نوعاً من التأويل مراعاة للمعنى الديني . وقد يكون تحديد أنماط المعاني النحوية الدينية وأساليبها في القرآن بالسلب والنفي، ومن هذا الإشارة مثلاً إلى أن التوكيد بـ " جميع " و"كلا" و"كلتا" لم يقع في القرآن، وإلى أن التوكيد بالنفس والعين لم يقع إلا في آية واحدة على تأويل هي قوله تعالى : "والمطلقات يتربص بأنفسهن ثلاثة قروء" [البقرة : 228] ([36]).
ب ـ مما يدخل في باب التنميط في مجال الحديث النبوي العنعنة في إسناد الرواية، أي قول : عن فلان عن فلان عن فلان عن فلان إلى ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وذكر نص الحديث .
ج ـ في الشعر :
كان لاعتماد النحاة على الشعر كثيراً في الاحتجاج ـ أي ما وافق منه المعيار الزمني الذي حددوه ـ آثار غير حميدة في التقعيد النحوي للنثر الذي هو الأصل والمقصود بالتقعيد، وقد حاولوا من خلال القول بالضرورة الشعرية أن يجدوا مخرجاً من هذا الخلط في التقعيد بين الشعر والنثر، وأصبحت الضرورة المشجب الذي تعلق عليه كل مخالفة " حرصاً على القاعدة، فكثرت بذلك الضرورات في كتب النحو دون تفسير أو دراسة، وكان الأشبه بهم حين نظروا للشعر على أنه محل الضرورات أن يدرسوه دراسة منفصلة عن النثر وألا يفرضوا بعض تراكيبه على النثر " ([37]) .
ومع ذلك أرى أنهم بقولهم في الشعر بهذه الضرورة أسدوا إليه نظرة خاصة تعني أن له لغة خاصة تميزه عن غيره، هذه اللغة هي اللغة الفنية التي تجعل أسلوبه ونمطه مختلفاً عن غيره من الأساليب والأنماط . وهذه الرؤية النحوية للضرورة هي ما ينبغي أن يؤخذ من كلام النحاة الكبار وآرائهم كالخليل الذي يقول : " الشعراء أمراء الكلام يصرفونه أنى شاءوا. ويجوز لهم ما لا يجوز لغيرهم من إطلاق المعنى وتقييده، ومن تصريف اللفظ وتعقيده، ومد المقصور وقصر الممدود، والجمع بين لغاته والتفريق بين صفاته، واستخراج ما كلّت الألسن عن وصفه ونعته والأذهان عن فهمه وإيضاحه، فيقربون البعيد ويبعّدون القريب، ويُحتَجّ بهم ولا يُحتج عليهم، ويصورون الباطل في صورة الحق والحق في صورة الباطل " ([38]). ومثل هذا قول ابن جني : " فمتى رأيت الشاعر قد ارتكب من الضرورات على قبحها، وانخراق الأصول بها، فاعلم أن ذلك على ما جشمه منه وإن دلّ من وجه على جوره وتعسفه، فإنه من وجه آخر مؤذن بصياله وتخمطه ، وليس بقاطع دليل على ضعف لغته، ولا قصوره عن اختياره الوجه الناطق بفصاحته. بل مثَله في ذلك عندي مثل مجري الجموح بلا لجام، ووارد الحرب الضروس من غير احتشام، فهو وإن كان ملوماً في عنفه وتهالكه، فإنه مشهود له بشجاعته وفيض مُنّته؛ ألا تراه لا يجهل أن لو تكفّر في سلاحه، أو اعتصم بلجام جواده لكان أقرب إلى النجاة، وأبعد عن الملحاة، لكنه جشِم ما جشمه على علمه بما يعقب اقتحامُ مثله، إدلالاً بقوة طبعه، ودلالة على شهامة نفسه ... فاعرف بما ذكرنا حال ما يرد في معناه، وأن الشاعر إذا أورد منه شيئاً فكأنه لأنسه بعلم غرضه وسفور مراده لم يرتكب صعباً، ولا جشِم إلا أمما، وافق بذلك قابلاً له، أو صادف غير آنس به " ([39]) .
فمثل هذا الكلام يسلك في الضرورة مسلكاً صحيحاً ويجعلها تنصب على "لغة الشعر"التي تتمثل في أمرين : الخصائص التركيبية (الصرفية والنحوية) والخصائص الفنية وهي الإطار الخارجي مجسداً في الوزن والقافية والمضمون الداخلي والربط بينهما . وبهذا يكون النحاة، كأنهم حاولوا تنميط لغة الشعر من خلال تحديد خصائصه اللغوية، وإن جاء هذا لدى معظمهم عفواً عند وضع القواعد ومحاولة طردها، ولم يكن ذلك التنميط بوعي وبقصد إلا عند النحاة الكبار : الخليل وسيبويه وابن جني وابن مالك.
3 ـ خلاصة موقف النحاة أمام النصوص توثيقاً واستشهاداً وتقعيداً أن أغلبهم راعوا القواعد واهتموا بها على حساب النصوص واعتمدوا على الشعر ـ وهو موضع ضرورة ـ وغريب النثر في فترة زمنية معينة وبيئة جغرافية ممتدة ومحددة، في مقابل قلة الاعتماد على القرآن والحديث فترة طويلة ـ وكان لهما فيهما متسع ـ فكان التأويل وتضخيم القواعد وتراكم التفريعات، نتيجة طبيعية لموقف النحاة هذا، بل كان التلحين أحياناً من نصيب بعض القراءات المتواترة وشعر الشعراء الكبار الذين جاءوا فيما بعد عصر الاستشهاد، على أن مذهب الكوفيين " كان أقل تكلفاً في حمل النص القرآني على ظاهره من مذهب البصريين الذي يقوم على التمحل والتكلف في كثير من المواطن لأن هذا النص يخالف ظاهرُه أصولهم " ([40]). ومن أمثلة التأويل بصفة عامة :
ا ـ لا يصح عند البصريين أن تأتي صيغة "فاعل" بمعنى "مفعول" وما ورد من ذلك مثل : ماء دافق وسر كاتم وعيشة راضية، مؤول على النسبة إلى المصادر التي هي الدفق والكتم والرضا ([41]).
ب ـ ذكر السيوطي في باب العطف أنه يجوز عطف الاسم على الفعل، والماضي على المضارع، والمفرد على الجملة، وبالعكوس، أي الفعل على الاسم، والمضارع على الماضي، والجملة على المفرد في الأصح، إذا اتحد المعطوف والمعطوف عليه بالتأويل، بأن كان الاسم يشبه الفعل، والماضي مستقبل المعنى، أو المضارع ماضي المعنى، والجملة في تأويل المفرد، بأن يكون صفة أو حالاً، أو خبراً أو مفعولاً، ومن أمثلة هذا قوله تعلى : " يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي" [الأنعام : 95] وقوله : " إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله " [الحديد : 18]، وقوله : " يقدم قومه يوم القيامة فأورده النار " [هود : 98] ، وقوله : " أنزل من السماء ماءً فتصبح الأرض مُخضرّة " [الحج : 63] أي فأصبحت ([42]) .
ومن المؤكد أن العدول في هذا وأمثاله في الصيغة أو في العطف عن الأصل له مغزى ومعنى ودلالة ولا يكفي فيه ما ذهب إليه النحاة من تأويل.
ج ـ وقع في رواية بعض الأحاديث صور من الأساليب والتراكيب غير الجارية على الشائع من الاستعمال، فلجأ النحاة إلى تأويلها، ومن هذا:
ـ " إن قعر جهنم سبعين خريفاً " : "سبعين" منصوبة على رأي الكوفيين الذين يجيزون أن تكون إنّ ناصبة للجزأين، والذين يمنعون هذا يخرجونه على أن "القعر" مصدر " قعرتُ البئر " أي بلغت قعرها، و" سبعين " منصوبة عندئذ على الظرفية .
ـ " إنّ من أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورّون ": قيل اسم إنّ ضمير الشأن المحذوف.
ـ " كل أمتي معافىً إلا المجاهرون " : قيل : رفع ما بعد "إلا" جائز على لغة حكاها أبو حيان، وأجاز ابن مالك أن تكون "إلا" بمعنى (لكن)، وأن يكون ما بعدها مبتدأ حذف خبره.
ويلاحظ على هذه شواهد الحديث هذه أن النحاة يتعلقون فيها بروايات غير مشهورة ويغفلون عن الروايات الصحيحة؛ فما من حديث من هذه الأحاديث إلا له رواية أخرى مشهورة ليس فيها إشكال نحوي ، وبناءً على هذا يثير التأويل هنا سؤالاً مهماً: أعلم النحاة بهذه الروايات الأخرى المشهورة ولكن دفعهم حب التأويل وإظهار الصنعة إلى التأويل ؟ أم أنهم لم يعلموا بها فيكون ذلك عذراً لهم على أساس القاعدة التى تقول : التأويل يسوغ إذا كانت الجادة على شيء ثم جاء شيء يخالف الجادة فيُتَأوَّل، ومن ثم رُدّ تأويل أبي علي لرفع ما بعد "إلا" بأنه على إضمار ضمير الشأن في : " ليس الطيبُ إلا المسكُ " ـ لأن أبا عمرو ذكر أن ذلك لغة لتميم ([43]).
د ـ ثمة نوع من التأويل يعد وسيلة من خمس وسائل يُعترض بها على النقل في المتن، وذلك " مثل أن يقول الكوفي: الدليل على جواز ترك صرف ما ينصرف في ضرورة الشعر قول الشاعر:
وممن ولدوا عـامِــــرُ ذو الطُّول وذو العرضِ
فترك صرف (عامر) وهو منصرف فدل على جوازه. فيقول له البصري: إنما لم يصرفه لأنه ذهب به إلى القبيلة، والحمل على المعنى كثير في كلامهم ... فيقول له الكوفي: قوله (ذو الطول وذو العرض) يدل على أنه لا يذهب به إلى القبيلة، لأنه لو ذهب به إلى القبيلة لقال: ذات الطول. فيقول له البصري: قوله (ذو الطول) رجع إلى الحيّ، ونحو هذا في التنقل من معنى إلى معنى قول الشاعر:
إن تميـماً خـُلقتْ مَلمـوما
قوماً ترى واحدَهمْ صِهْمـيما
والصهميم: الذي لا ينثني عن مراده ([44]) ".
إن هذه الأمثلة السابقة المختلفة للتأويل تدل على أنه ـ في كثير من الأحيان ـ كان تأويلاً لخدمة القاعدة وجعلها مطردة ولتأييد المذهب ولم يكن معنياً بالتفسير إلا قليلاً، كما في القول بالتأويل مثلاً بالاعتماد على مبدأ شجاعة العربية عند ابن جني، وهو على كل حال كان مؤشراً على العدول في الأسلوب عن أصل القاعدة والاستعمال. وبناءً على هذا يكون مفهوم التأويل عند النحاة مختلفاً عن مفهومه عند البلاغين وعلماء الكلام والمفسرين وعلماء الأصول؛ فهو عند البلاغيين قائم في علم البيان على المجاز وهو من أسس البلاغة ، وعند علماء الكلام قائم على شروط محددة ويتعلق بصحة العقيدة أو عدم صحتها وهو نوعان صحيح وفاسد، وعند المفسرين التأويل قائم على الاستنباط والدراية وهو قسيم التفسير الذي يقوم على النقل والرواية، وهو عند الأصوليين يقوم على أساس تقسيم اللفظ من حيث الوضوح وعدم الوضوح وطرق الدلالة على المعنى([45]). والضابط العام للتأويل في هذه العلوم كلها هو صرف اللفظ عن ظاهره بدليل.
4 ـ لم يكن عمل النحاة في النصوص بمعزل عن السياق لغوياً كان أو مقامياً والشواهد على هذا كثيرة، لكنّ الملاحظة التي تلفت الانتباه هنا أنهم بذلوا جهداً كبيراً في محاولة حصر معاني الحروف والأدوات والتقعيد لها نظرياً، مع الإشارة أحياناً إلى ارتباطها الوثيق بالاستعمال والنص وكون معانيها سياقية لا تتضح ولا تتحدد إلا من خلال السياق.
وبهذا ندرك أن أهم فوائد دراستهم للحروف تكمن في أمرين : الأول : الإشارة إلى أصل معنى كل حرف، وتظهر فائدة هذا عند العدول في الاستعمال عنه، والثاني : ربط بعضهم المعاني المختلفة بالسياق. فهمزة الاستفهام ـ كما قال المرادي ـ قد ترد بحسب المقام لمعان أخر مثل التسوية والتقرير والتوبيخ والتحقيق والتنكير والتهديد والتنبيه، و" أو " ذكر لها المتأخرون اثني عشر معنى والتحقيق ـ كما ذكر ابن هشام ـ أنها موضوعة لأحد الشيئين أو الأشياء كما بين المتقدمون، وقد تخرج إلى معنى "بل" أو إلى معنى "الواو"، وأما بقية المعاني فمستفادة من قرائن المقام ([46]). لكن من الحروف التي أشكلت على بعضهم "رب" ، وقد انقسموا في معناها إلى آراء وأقوال مختلفة أهمها فيما أرى يمكن أن يجمل في ثلاثة : الأول : أنها للتقليل وهذا مذهب أكثر النحاة ونسب إلى سيبويه وبه أخذ المرادي، والثاني : أنها للتكثير في الغالب وللتقليل قليلاً ، وقد انتصر لهذا الرأي وأيده بالشواهد المختلفة ابن مالك وابن هشام الذي أيد دلالتها على الكثرة بقوله تعالى : " ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين " [الحجر : 2] وبحديث : " يا رب كاسيةٍ في الدنيا عاريةٌ يوم القيامة " ثم بقول أعرابي وببيتين ثم قال : " ووجه الدليل أن الآية والحديث والمثال مسوقة للتخويف، والبيتين مسوقان للافتخار، ولا يناسب واحداً منهما التقليل " ([47])، وقال الرضي : " التقليل هو أصلها ثم استعملت في التكثير حتى صارت فيه كالحقيقة وفي التقليل كالمجاز المحتاج لقرينة "، والرأي الثالث : أنها حرف إثبات لم يوضع لتقليل ولا تكثير، بل ذلك مستفاد من السياق([48]).
ويبدو أن سبب الإشكال هو عدم الالتفات إلى السياق، فالذين قالوا إنها للتقليل لا غير لجئوا إلى التأويل والتحايل؛ قال المرادي : " والدليل على ذلك (أي أنها للتقليل) أنها جاءت في مواضع لا تحتمل إلا التقليل، وفي مواضع ظاهرها التكثير، وهي محتملة لإرادة التقليل بضرب من التأويل. فتعين أن تكون حرف تقليل، لأن ذلك هو المطرد فيها "([49]) ؛ ولهذا كانت نظرة الرضي وابن مالك وابن هشام أقرب إلى الصواب لأخذهم بالسياق واعتمادهم على الشواهد العملية الواضحة التي يفهم من أغلبها معنى الكثرة ومن بعضها معنى القلة وعلى هذا بُنِيَ رأيهم، ومن أجل ذلك أيضاً كان من الآراء السديدة الرأي الثالث وهو رأي على قدر كبير من الأهمية لأنه يلفت النظر إلى القاعدة التي ينبغي التعامل مع الحروف كلها ـ لا رب وحدها ـ على أساس منها، وهي أن الحروف لها معان أصلية لكن لا يستفاد صواب المعنى إلا من السياق، وهذا هو معنى قول النحاة أنفسهم إن الحرف معناه في غيره . ويترتب على ما سبق أن النحاة إذا كانوا قد انتبهوا إلي دلالة السياق والمقام بصورهما المختلفة في وضع القواعد، فما زال أمامهم شوط بعيد من المعنى لم يقطع بعد، هو إعادة النظر في معاني الحروف ومراجعة ترتيبها وتنظيمها وربطها بالتنظير والتطبيق واعتبار معانيها هي معاني الجمل والمعاني المستفادة من النص بأكمله؛ لأن هذه الحروف لها عظيم الأثر في تمييز تركيب عن تركيب وأسلوب عن أسلوب، وهذا مما تتعلق به بلاغة القرآن وإعجازه ([50]) .
ثانياً ـ علاقة النحو العربي بنحو النص :
نحو النص نظرية أو اتجاه لغوي غربي حديث من اللسانيات الوصفية يُعنى بوصف البنية الكلية للنص وتحليلها وبيان علاقاتها – دون الاقتصار على دراسة الجملة فقط كما هو مألوف في النحو العادي – مع تركيز الاهتمام على توضيح أوجه الاطراد والتتابع اللغوية النصية التي تحقق تماسك النص وتناسقه([51]) . ومن المعلوم أن هذا الاتجاه يضع معايير سبعة تكفل للنص صحة كونه نصّا، وهذه المعايير هي :
1 ـ السبك أو التماسك (Cohesion) ، ويقصد به تتابع البناء الظاهري للنص عن طريق استخدام وسائل الربط النحوية والقاعدية المختلفة .
2 ـ الحبك أو التناسق (Coherence) . ويقصد به التتابع الدلالي للمفاهيم والعلاقات داخل النص، وهذا المعيار ألصق بجانب الربط المعنوي، ويمثل كلا هذين المعيارين الأولين أهم المعايير، وهما يعملان معاً في تآلف وتآزر حميمين .
3 ـ القصد، فليس من قبيل النص لغو الكلام وحشوه وكلام المكره والناسي والمخطئ والسكران.
4 ـ التناصّ، وهو علاقة تقوم بين أجزاء النص بعضها وبعض كما تقوم بين النص والنص الآخر، كعلاقة الجواب بالسؤال وعلاقة المتن بالشرح وعلاقة التلخيص بالنص الملخص وعلاقة الغامض بما يوضحه والمحتمل المعنى بما يحدد معناه .
5 ـ رعاية الموقف (المقامية) : ويقصد بها العوامل التي تجعل النص مرتبطاً بموقف سائد يمكن استرجاعه. ومثال هذا بالتطبيق على القرآن الكريم توجيه قوله تعالى : " ولا تُطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على الله" [الأحزاب : 48] بمراعاة ما نعرفه من السيرة على أن اسم المصدر فيه مضاف إلى الفاعل لا إلى المفعول؛ إذ إن المعروف أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو الذي كان يؤذى، وكذلك توجيه قوله تعالى : " وما علمناه الشعر وما ينبغي له " [يس : 69] على أن " ما" نافية لا على أنها موصولة كما يسمح بذلك احتمال الكلام هنا .
6 ـ الإعلامية : ومعناها أن يكون للنص مضمون يريد إبلاغه للمتلقي، فليس من قبيل النص قول المجنون بن جندب :
محكوكة العينين معطاء القفا كأنما قدّت على متـن الصفا
ترنو إلى متن شراك أعجـفا كأنـما ينـشر فيـه مصحفا
إذ لا مضمون للبيتين. وكذلك كل كلام هرائي لا معنى له، ومثل هذا ربما لا يكون لنحو الجملة اعتراض عليه؛ لأن كل جملة استوفت أركانها ومكملاتها وحس ترتيبها بحيث يجوز أن تحلل وتعرب. لكن نحو النص لا يقبل مثل هذا إلا بعد طول تأمل وتحليل ([52]) .
7 ـ القبول : وهي صفة تعني أن النص يمثل صورة مقبولة من صور اللغة بين أجزائها تماسك والتحام وهي محددة الدلالة، وهذه صفة يضعها نحو النص في مقابل مطابقة القاعدة وتعني أنه لا يقبل ـ مثلاً ـ التردد في الأوجه الإعرابية المختلفة المحتملة في الموضع الواحد، ولكن يعمل على تسخير كل صفاته كالتناصّ ورعاية الموقف والإعلامية وغيرها لاتخاذ قرار يؤدي إلى تحديد المعنى ([53]). ومثال ذلك أنه لا يقبل التردد في أوجه الإعراب الناتج عن أن المصدر من الممكن أن تكون إضافته إلى الفاعل أو المفعول كما في " زيارة الأصدقاء تسعد النفس " أو التردد الناتج عن أن الصفة بعد المتضايفين صالحة لكل منهما كما في " عجبت لمعلمة اللغة العربية " .
هذا هو الإطار العام لنظرية علم النص لدى الغربيين، لكنّ هناك تفاوتاً في الاتجاهات والاهتمامات بين نظرياته المختلفة؛ فهاليداي ـ مثلاً ـ اهتم بالتركيز على وسائل الاتساق اللغوية النحوية والمعجمية والدلالية المتعددة وحاول أن يصفها وصفاً دقيقاً وحَصَرها في الإحالة والاستبدال والحذف والوصل والاتساق المعجمي، وفندايك اهتم بالمستويين الدلالي والتداولي من أجل الوصول إلى شيء أعم مثل موضوع الخطاب والبنية الكلية، وبراون ويول ركّزا على كيفية فهم المتلقي للخطاب وتأويله ([54]).
وبناءً على هذا، يرى كثيرون أننا إذا عدنا إلى النحو العربي وقارنا بينه وبين نحو النص ـ بهذا الفهم ـ نجد أنه نحو جملة أو من لسانيات الجملة . وقد وضح ذلك الدكتور تمام حسان ذلك بالاعتماد على نقاط الاختلاف والاتفاق بين الاثنين . فهناك صفات يتسم بها نحو الجملة وحده وهي :
1 ـ الاطّراد ، ومعناه أن القاعدة حكَم على اللغة الفصيحة، وعلى رغم الاعتراف بالفصاحة للشذوذ يظل الشاذ شاذاً.
2 ـ المعيارية، وتعني أن القاعدة سابقة على النص وأنها معيار للصواب والخطأ ينبغي أن يراعى عند إرادة القول.
3 ـ الإطلاق، ومعناه أن القاعدة النحوية صادقة على ما قيل من قبل وما سيقال من بعد فهي الحكم الذي يرد إليه الكلام كله .
4 ـ الاقتصار في بحث العلاقات على حدود الجملة الواحدة فلا يتخطاها إلا عند الإضراب أو الاستدراك أو العطف وما يشبه ذلك .
ونحو النص ينأى عن هذه الصفات الأربع كلها . فهو فيما يتعلق بالاطّراد يعترف بالمؤشرات الأسلوبية، وهي تصرفات خاصة يلجأ إليها منشئ النص ليميزه عن غيره أو ليثير بها انتباه المتلقي. وهو أبعد ما يكون عن المعيارية والإطلاق؛ لأنه نحو تطبيقي لا يأتي دوره إلا بعد أن ينشأ النص ويكتمل. وكذلك يتجاوز نحو النص العلاقات داخل حدود الجملة الواحدة إلى أجزاء النص كله أيا كان طوله، محللاً إياها ومتتبعاً لها.
وفي مقابل ما سبق هناك صفات تخص نحو النص وحده ولا تعني نحو الجملة في شيء، وهي خمسة من المعايير السبعة التي ذكرناها من قبل للنص: القصد والتناصّ ورعاية الموقف (المقامية) والإعلامية والقبول .
ويتفق الاثنان نحو الجملة ونحو النص في صفتين هما : التضام (وهو ما ذكرناه باسم السبك) والاتساق(وهو ما ذكرناه باسم الحبك). والتضام علاقة لفظية تشمل الافتقار والاختصاص والتلازم والمطابقة وعود الضمير وما شابه هذا، والاتساق علاقة في المعنى بين المتضامين تجعل أحدهما غير نابٍ في الفهم عن الآخر. فلا وجه لجملة فعلية مثل "فهم الحجر" ولا لجملة اسمية مثل "السماء تحتنا". فذلك غير مقبول في الظروف العادية لاستعمال اللغة وقد يكون مقبولاً في المواقف غير المعتادة كالسخرية والمجاز ([55]).
وهذا الاختلاف الواضح بين الاثنين : نحو الجملة ونحو النص، لا يترتب عليه إمكان إغناء أحدهما عن الآخر، بل هما يتكاملان وقواعد نحو الجملة تمثل جزءًا أساسياً غير قليل ينبني عليه نحو النص ([56]) .
ومع هذا التصنيف للنحو العربي على أنه ـ كغيره من الأنحاء النمطية ـ "نحو جملة" وليس "نحو نص" وأنه لا يدخل في هذا الإطار، يمكننا أن نجد لمحات ونظرات نصية لدى بعض النحاة، وأن نلاحظ كثيراً من المعطيات النصية في النحو العربي. وهذا يتضح في مسألتين : حصر جهود النحاة النصية، والالتفات إلى أثر النحو العربي فيما سمي بلسانيات النص العربية :
أ ـ فحصر جهود النحاة النصية يكون بدراستها في النماذج التي تمثلها خير تمثيل، أي من خلال دراسة أعلام النحاة الذين عنوا بالنص واهتموا به، وبدراسة النحو التطبيقي.
وفي هذا نقول إن أعلام النحاة الذين عنوا بالنص عناية كبيرة نظرياً وتطبيقياً على رأسهم ابن جني وابن هشام . فابن جني جمع بين النظر والتطبيق خاصة في كتبه الخصائص والمحتسب وشروحه الشعرية المتعددة، وكان له في ذلك أصول ومبادئ وآراء وتطبيقات كثيرة لا تنكر، لها أثرها([57]). وابن هشام اهتم في كتبه ـ ولا سيما مغني اللبيب وشرح شذور الذهب ـ بالتطبيق والاستشهاد كثيراً بالقرآن الكريم ، بل إن كتابه المغني متوجه توجهاً نصياً باهتمامه كثيراً بالقرآن من حيث الغاية والتنظير والتطبيق، ومراجعة مقدمة الكتاب ومسائلة تثبت هذا. ففي المقدمة ذكر أن غرضه من كتابه تيسير علم الإعراب بعد أن أصبحت الكتب الموضوعة فيه مكررة مليئة بالحشو، وليس فيها الأصول العامة والقوانين الكلية التي تضبط الفهم وتذلل الصعب، وكل ذلك خدمة للقرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، يقول: " فإن أولى ما تقترحه القرائح، وأعلى ما تجنح إلى تحصيله الجوانح، ما يتيسر به فهم كتاب الله المنزل، ويتضح به معنى حديث نبيه المرسل ... وأصل ذلك علم الإعراب الهادي إلى صوب الصواب ... ووضعت هذا التصنيف على أحسن إحكام وترصيف، وتتبعت فيه مقفلات الإعراب فافتتحتها، ومعضلات يستشكلها الطلاب فأوضحتها ونّقحتها، وأغلاطاً وقعت لجماعة من المعربين وغيرهم فنبهت عليها وأصلحتها " ([58]).
وبالإضافة إلى أن نصف الكتاب تقريباً خصص للحديث عن حروف المعاني ـ وهي ذات فاعلية كبيرة في الربط وبناء الجمل وتتابعها ـ نجد الأبواب الآتية من أهم مسائل الكتاب التي تنصب على التنظير لنحو الجملة الموجّه للتطبيق وتجاوز في كثير من الموضوعات حدود الجملة الواحدة:
ـ الباب الثاني وهو في تفسير الجملة وذكر أقسامها وأحكامها، ومن ذلك : الجمل التي ليس لها محل من الإعراب وهي سبع، والجمل التي لها محل من الإعراب وهي تسع.[2/374] .
ـ الباب الرابع وهو في ذكر أحكام يكثر دورها، مثل ما يعرف به المبتدأ والخبر، وما يفترق فيه عطف البيان والبدل، والحال والتمييز. وتفصيل الروابط من جهتين : روابط الجملة بما هي خبر عنه وهي عشرة، والأشياء التي تحتاج إلى رابط وهي أحد عشر شيئاً . [2/498،502] .
ـ الباب الخامس : الجهات التي يدخل الاعتراض على المعرب من جهتها وهي عشر ، منها : أن يراعي ظاهر الصناعة ولا يراعي المعنى، والعكس، وأن يخرّج على ما لم يثبت في العربية، وأن يترك بعض ما يحتمله اللفظ من الأوجه الظاهرة، وألا يراعي الشروط المختلفة بحسب الأبواب، وأنه تجوز أشياء في الشعر ولا تجوز في النثر. [2/527 ـ 592] .
ـ الباب السادس : في ذكر أمور اشتهرت بين المعربين والصواب خلافها. [2/650] .
وجاء في مقدمة "شرح شذور الذهب" له : " والتزمت فيه أنني كلما مررت ببيت من شواهد الأصل ذكرت إعرابه، وكلما أتيت على لفظ مستغرب أردفته بما يزيل استغرابه، وكلما أنهيت مسألة ختمتها بآية تتعلق بها من آي التنزيل، وأتبعتها بما تحتاج إليه من إعراب وتفسير وتأويل، وقصدي بذلك تدريب الطالب، وتعريفه السلوك إلى أمثال هذه المطالب" ([59]).
وأما النحو التطبيقي فأعني به كتب إعراب القرآن وبيان معانيه وكتب التفسير التي اهتمت بالنحو وشروحَ الشعر المختلفة، ومن المعروف " أن حيوية النحو (العربيّ) في القديم نبعت من أنه علم نصي، نشأ في حضن القرآن الكريم والشعر العربي القديم، وأن النحاة لم يوقفوا دراستهم على الجانب النظري وحسب، بل تخطوا ذلك إلى الجانب التطبيقي؛ متخذين من القرآن الكريم والشعر العربي القديم وشعر معاصريهم أحياناً مادة خصبة للتطبيق النحوي " ([60]).
ومن أمثلة الواضحة لذلك في القرآن الكريم التحليل أو التفسير النحوي الذي قدمه أبو حيان لقوله تعالى : " واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين . الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون " [البقرة : 45،46] . فقد تكلم في هاتين الآيتين بالتفصيل عن النقاط الآتية : مرجع الضمير في "إنها" واحتمالاته المختلفة ـ الاستثناء المفرغ بإلا ـ موقع "الذين" وأنه يجوز فيه الإتباع والقطع إلى الرفع أو النصب للمدح ـ معنى الظن في "يظنون" وكونه بمعنى اليقين أو الحسبان ـ معنى "الملاقاة" صرفياً بناءً على أنه إذا قيل إن " فاعلَ " تأتي بمعنى " فَعَلَ " (مثل عافى وعاقبَ) فهذا لا يصح هنا لأن الصيغة المجردة من هذا الفعل (لقيَ) تدل على الاشتراك ؛ فمادة اللقاء مجردة ومزيدة تقتضي الاشتراك في كل حال ـ معنى الإضافة غير المحضة في "ربهم" وكون الإضافة إلى الرب في غاية الفصاحة ـ تفسير معنى "الملاقاة" دلالياً على أربعة أوجه : الأول : أن يكون اللقاء بمعنى رؤية الله سبحانه، وعلى هذا يكون الظن على بابه يراد به الترجيح ، والثاني : أن يكون على حذف مضاف والتقدير : يظنون أن ملاقو جزاء ربهم، والظن بمعنى اليقين، والثالث : أن يكون بمعنى الكناية عن الموت وانقضاء الأجل، والظن على هذا بمعنى اليقين أيضاً، والرابع : أن يكون بمعنى حذف مضاف أخص، أي يظنون أنهم ملاقو ثواب ربهم، والظن هنا على بابه بمعنى الحسبان ([61]).
ومن هذا في شرح الشعر شرح ابن هشام لقصيدة "بانت سعاد" وهو من الشروح التي تتميز بالأصالة والتي اعتمد عليها جملة وافرة من الشراح الآخرين، ويأتي في عداد الشروح التي اهتمت في المقام الأول بإعراب القصيدة ومسائلها النحوية ، لكنه لا يخلو مع ذلك من وجوه أخرى من الاهتمام ، كالاهتمام بالفوائد اللغوية والبلاغية والأدبية وغيرها، وقد اشتمل على مسائل دقيقة خلا من أكثرها جميع مصنفاته، ووصفه البغدادي قائلاً : "إنه غاص على معاني الأبيات ، وفحص عن عويصاتها الأبيّات، وحل تراكيبها المشكلة، وفتح مبانيها المقفلة، ودرّب الطالب الماجد على تخريج طرق الأعاريب في التركيب الواحد " وهو يعد مع شرح أحمد بن محمد بن الحداد البجليّ البغدادي ـ وعصر تأليفهما متقارب ـ أجل شروح القصيدة، لكن شرح البغداديّ أكثر استنباطاً لمعاني الشعر ([62]). ومن النماذج العملية في هذا الشرح أن ابن هشام شرح المعنى الإجماليّ لستة عشر بيتاً وكان في الوقت نفسه معنياً بربط معاني الأبيات فيما بينها، ولذا قال في شرح البيت الثامن والثلاثين :
أنبئتُ أن رسول الله أوعدنـي والعفوُ عند رسول الله مأمولُ
" جميع ما تقدم توطئة لهذا البيت فإن غرضه من القصيدة التنصل والاستعطاف" . وبعد هذا البيت قول كعب :
مهلاً هداك الذي أعطاكَ نافلة الـقرآن فيها مواعيـظٌ وتفصيل
بين ابن هشام أن هذا البيت وما بعدة تتمة للاستعطاف، والاستعطاف فيه من جهات: أحدها : طلب الرفق والأناة، والثاني : الدعاء له في قوله "هداك"، والثالث : التذكير بنعمة الله عليه، والرابع : الإقرار بالتنزيل، والخامس : التذكير بما جاء في التنزيل من قوله تعالى : " خذ العفو وأمر بالعرف وعرض عن الجاهلين" [الأعراف : 199] ([63]).
ب ـ على عكس النحو، ثمة علوم أخرى عربية تُصنف على أنها لسانيات النص في التراث العربي، وهي البلاغة ـ وتتعامل مع النثر والشعر ـ والنقد الأدبي ـ وهو يركز على الشعر ـ ومجال التفسير وأصول الفقه وهما موجهان إلى القرآن والحديث النبوي ([64]) . فهذه العلوم بطبيعة مجالها واهتماماتها ومباحثها توجه إلى النص، ومع هذا سنجد أنها ـ وخاصة البلاغة ومجال تفسير القرآن ـ أفادت من نحو الجملة العربي كثيراً ووسعته وبنت عليه، حتى إننا يمكن أن نستخلص مجمل ما قدمه هذان المجالان (أي البلاغة وتفسير القرآن) لنحو النص بعد الإفادة من النحو في هذين الأمرين :
1 ـ أن البلاغة العربية اهتمت بالأدوات التي يتماسك بها الخطاب، وقد توزع هذا الاهتمام على مستويات المعجم والدلالة والتداول ([65]). وقد كان المبحث المهيمن على المستويات كلها بل على البلاغة العربية جميعها هو مبحث الفصل والوصل ([66])، وهذا هنا يعني الإرث النحوي الكبير في هذا المبحث؛ لأنه قام على أسس نحوية كثيرة وواضحة . ففكرة الفصل والوصل قامت على أساس العطف واستحضار باب التوابع . وخلاصة ما رآه عبد القاهر في هذا أن الجملتين إذا كانتا متصلتي الموضوع ومن واد واحد ـ كالصفة مع الموصوف والتأكيد مع المؤكَّد ـ وجب ترك العطف، وكذلك يجب تركه إذا كانت الثانية منهما غريبة عن الأولى، أما عندما يكون حال الجملة مع ما قبلها كحال الاسم الذي يكون غير ما قبله لكن يشاركه في الحكم، مثل أن يكون كلا الاسمين فاعلاً أو مفعولاً، فهنا يجب الوصل والعطف. والحالة الأولى سماها السكاكي "كمال الاتصال" والثانية سماها "كمال الانفصال" والثالثة سماها "بين بين" ([67]). وبناءً على هذا إذا جاز للبلاغة العربية أن تُعدّ علماً نصياً وأنها أقرب إلى النص وعلم لغة النص من النحو ، فلا ينبغي أن ننسى الأصول النحوية النصية لهذه البلاغة، المستّمدّةَ من جهود سيبويه وابن جني ومؤسس البلاغة عبد القاهر الجرجاني.
2 ـ أن مجال تفسير القرآن وعلومه (كما تثبت نماذجه عند الزمخشري والرازي والبقاعي والزركشي والسيوطي) اهتم بانسجام الخطاب على ثلاثة مستويات : النحو والمعجم والدلالة، وقد اعتنى في النحو بالعطف والإحالة والإشارة، وفي المعجم اعتنى بالتكرار وبناء السورة على حرف أو حروف، وفي الدلالة اعتنى بموضوع الخطاب وتنظيمه وترتيبه وبالعلاقات من حيث البيان والتفسير والإجمال والتفصيل والعموم والخصوص ([68]).
وبناءً على ما سبق ندرك أن النحو العربي ـ وإن لم يكن نحو نص بالمفهوم الحديث ـ علم نصي بالمفهوم العام لتعلقه الوثيق بالقرآن الكريم والشعر وأن له إسهاماته الواضحة في هذا. ويدخل ما قدمه النحو العربي في هذا الشأن في باب "التماسك" أو السبك (Cohesion) أكثر من غيره. ويرى أحد الدارسين أن خلاصة ما تقدمه مفاهيم المستوى النحوي في لسانيات النص العربية لنحو النص من هذه الزاوية يتمثل في ثلاثة جوانب هي : العطف والإحالة والإشارة. وفي مقابل ذلك تتلخص مفاهيم المستوى النحوي الخاصة بالاتساق في المقترحات الغربية في جوانب : الإحالة والإشارة والاستبدال والحذف والوصل وأدوات المقارنة. ويقترح من أجل إقامة دراسة تطبيقية وفق خطته دمج خلاصة النظرة العربية والنظرة الغربية للمستوى النحوي بحيث تصبح : الإحالة والإشارة وأدوات المقارنة والعطف والحذف والاستبدال ([69]). وبناءً على هذا، يكون الجديد الذي لم يكن في الإنجاز العربي في تصور الباحث وحاول أن يأخذه من الإنجاز الغربي هو : أدوات المقارنة والحذف والاستبدال. ومجمل هذا في رأيي غير صحيح؛ لأن هذه المفاهيم ليست بعيدة عن مقولات النحو العربي والبلاغة العربية، وليس هناك أوضح في هذا الشأن من الحذف والاستبدال. وقد نتج هذا التصور عن أسباب مختلفة أهمها أنه أبعد معطيات النحو العربي نفسه عن لسانيات النص.
وبعد هذا التحري عن خلاصة ما قيل في علاقة النحو العربي بنحو النص، هل من الممكن أن نعيد النظر فيما يمكن أن يقدمه النحو العربي لنحو النص ؟ أرى هذا ضرورياً، لكن لا بد أن يسبق ذلك تحديد نوع النص الذي نريد للنحو أن يخدمه؛ لأن المفاهيم النصية ووسائل التماسك تختلف في بعض الأحيان من نمط إلى آخر. وقد جرت العادة حتى في مجال الدراسات الحديثة على أن نتعامل مع نمط نصي واحد هو النص الأدبي وكأنه هو النوع الوحيد المتاح دون غيره. إن أكثر التصنيفات مناسبة وقبولاً أن نقسم النصوص إلى ثلاثة أنواع : نصوص أدبية، ونصوص علمية، ونصوص تواصل اجتماعية ذات أشكال مختلفة. وسنقصر الحديث هنا على النصوص الأدبية فقط لضيق المجال اختصاراً، لا جرياً وراء العادة .
إن خلاصة ما يمكن أن يقدمه النحو العربي بصورته المعروفة إلى نحو النص في المجال الأدبي، تتمثل في : المناسبة الصوتية في الصيغ، وكيفية تعليق الوظائف النحوية بعضها ببعض، والربط بصوره المختلفة، والاستعمال العدولي. وتوضيح هذا على النحو الآتي :
أ ـ كثير من أمثلة المناسبة الصوتية في الصيغ يدخل في إطار ما سماه ابن جني " قوة اللفظ لقوة المعنى "، ومن هذا مناسبة "مقتدر" لمعنى التفخيم والدلالة على الجزاء وشدة الأخذ به في قوله تعالى: " فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر " [القمر:42] وهي في هذا أبلغ من "قادر" ، وكذلك مناسبة خفة لفظ "كسبت" للحسنات ومناسبة التفخيم والزيادة في لفظ "اكتسبت" للسيئات في قوله تعالى: " لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت " [البقرة:286] وذلك لثقل وقع السيئات وعظم استنكارها وقبحها ([70])، وحذف التاء في الفعل "اسطاع" فيه إشعار بنقصان القدرة ووجودها دليل على كمالها، ولذا كان حذف التاء فيه وهو منفي في سورة الكهف دالاً على ذهاب القدرة وكان وجود التاء فيه وهو منفي دالاً على ذهاب كمالها وإمكانها بصعوبة ، نلحظ ذلك في قوله تعالى : " لن تستطيعَ" ـ " ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا" ـ " فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقباً [الكهف : 75،82، 97] ، وكذلك مناسبة خفة الفتحة في لفظ "الحَزَن" لموقف الحمد والشكر في قوله تعالى :" وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحَزَن إن ربنا لغفور شكور " [فاطر: 34] ومناسبة ثقل الضمة فيه لموقف الضيق والألم في الحديث عن يعقوب : " وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحُزن فهو كظيم" [يوسف: 84] . ومن هذا الباب أيضاً استعمال القرآن الفعل (مات) مسنداً إلى ضمير الرفع المتصل في الماضي مضموم الميم في مواقف التعظيم والتشريف ومكسورها في مواضع الهوان والصغار، ومن الأول قوله تعالى:"ولئن قُتلتم في سبيل الله أو مُتم لمغفرة من الله ورحمة خيرٌ مما يجمعون، ولئن مُتم أو قُتلتم لإلى الله تُحشرن" [آل عمران : 157،158] ومن الثاني قوله تعالى: " فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتني مِتُّ قبل هذا وكنتُ نسياً منسياً" [مريم : 23] وكذلك الدلالة الواضحة للتضعيف " في نحو " اثّاقلتم " على التباطؤ وشدة الالتصاق بالأرض، ودلالة تضعيف الكاف والباء في " فكُبْكِبوا فيها " على قلب الكفار بعضهم على بعض وإلقائهم على وجوههم مرة بعد أخرى في جهنم حتى يستقروا في قعرها. وقد تكون المناسبة الصوتية لمجرد الخفة كما في القراءة الواردة بجر "خُضْر" في قوله : " عاليهم ثيابُ سندسٍ خضرٍ " [الإنسان : 21] وكذلك الحديث : " ارجعن مأزورات (بدل موزورات أي مذنبات) غير مأجورات " ([71]) .
ب ـ وتعليق الوظائف النحوية هو صلب مهمة النحو، ومعناه توزيع الأبواب النحوية بقرائنها اللفظية والمعنوية على الجملة وأجزائها بحيث تترابط الأجزاء وتتكامل المعاني، ويكون هذا مناط النظم على نحو ما وضح عبد القاهر في نظريته المشهورة في هذا.
ج ـ قدم النحو العربي للربط صوراً متعددة، هي: الربط بالأداة والربط بالمطابقة والربط بتكرار اللفظ أو المعنى والربط بالإحالة (الضمير أو الإشارة أو الموصول الاسمي أو الحرفي) .
فالربط بالأداة قد يكون عن طريق : أدوات الجمل (ولنا أن نتخيل أهمية هذه الأدوات عندما نعرف أن أنواع الجمل العربية أربعة وعشرون نوعاً منها تسعة عشر تتقدمها الأداة) وأدوات الأجوبة، وأدوات المفردات مثل حروف الجر والاستثناء والعطف والمعية، وهذه قد تربط بين الاسم والاسم أو الاسم والفعل أو الفعل والفعل . وتكمن أهمية الربط بالأداة ـ كما وضحت من قبل ـ أن الأدوات معانيها نصية سياقية لأنها لا تكون في ألفاظها وإنما تكون في غيرها. وتكمل وسائل الربط بأن يضاف إلى ما سبق: الربط بتكرار المطلع والربط بالموصول والربط بالوصف، فمثال الربط بتكرار المطلع قوله تعالى: " ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فُتنوا ... إن ربك من بعدها لغفور رحيم " [النحل : 110] والربط بالموصول يقصد به وضع الاسم الظاهر موضع الضمير ومثاله قوله تعالى : " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً " [الكهف:30] ، والربط بالوصف يقصد به اللفظ الواصف للمرجع بحيث يدل عليه ولا يكون اسماً له مثل قوله تعالى : " قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين " [التوبة:14] أي ويشف صدوركم ([72]).
د ـ مجمل نصيب النقد الأدبي من النحو أمران : نقد صحة النص على المستوى الأصولي (أي مستوى ما تقتضيه أصول القواعد) ([73])، ونقد أسلوب النص على مستوى الاستعمال العدوليّ ([74]). والاستعمال العدولي (وهو ما يسمي في مجال النقد والدراسات الأسلوبية بالانحراف) معناه اختيار أسلوب مغاير لأصل القاعدة يكون مسموحاً به في الغالب ويكون هو مكمن البلاغة وسر تميز أسلوب عن أسلوب وأداء عن أداء، وقد وضع النحاة الأسس والأركان لهذا المبدأ ثم سخرت البلاغة العربية نفسها لخدمته وتطويره وتفصيله، وأصبح شغلها الشاغل. ومن النحاة الذين أصلوا لذلك ومهدوا سبيله ابن جني وقد سماه "شجاعة العربية"، قال في مقدمة الباب الذي يحمل هذا الاسم : " اعلم أن معظم ذلك إنما هو الحذف، والزيادة، والتقديم، والتأخير، والحمل على المعنى، والتحريف "([75]). والأهم من هذا عنده أنه ربط هذا المبدأ (أي شجاعة العربية) بالمجاز، وفائدته ـ كما رأى ـ تحقيق ثلاثة معان: الاتساع والتوكيد والتشبيه؛ " ألا ترى أنك إذا قلت : بنو فلان يطؤهم الطريق، ففيه من السعة إخبارك عما لا يصح وطؤه بما يصح وطؤه ... ووجه التشبيه إخبارك عن الطريق بما تخبر به عن سالكيه، فشبّهته بهم إذ كان هو المؤدي لهم فكأنه هم. وأما التوكيد فلأنك إذا أخبرت عنه بوطئه إياهم كان أبلغ من وطء سالكيه لهم. وذلك أن الطريق مقيم ملازم، فأفعاله مقيمة معه وثابتة بثباته، وليس كذلك أهل الطريق، لأنهم قد يحضرون فيه ويغيبون عنه ..." ([76]).
وبناءً على ما سبق في مفهوم العدول وشجاعة العربية، مثال الحذف قوله تعالى : " فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا " [البقرة:6] أي فضرب فانفجرت ، وكذلك " فمن كان منكم مريضاً أو به أذىً من رأسه ففدية" [البقرة:196] أي فحلق فعليه فدية، ومن أمثلة الزيادة : قوله تعالى : " ليس كمثله شيء" [الشورى : 11] فالكاف زائدة للتوكيد ([77])، ومن أمثلة التقديم تقديم الحال على عاملها في : " خشعاً أبصارهم يخرجون من الأجداث " [القمر:7 ]. ويتعلق بالتقديم والتأخير ما يسمى بالفصول والفروق كالفصل بين الظرف والمصدر العامل فيه بالخبر في قوله : " إنه على رجعه لقادر. يوم تبلى السرائر " [الطارق:8،9] فالمعنى : إنه على رجعه لقادر يوم تبلى السرائر. والحمل على المعنى باب واسع جداً، منه تذكير المؤنث وتأنيث المذكر وتصور معنى الواحد في الجماعة ومعنى الجماعة في الواحد والعطف على التوهم والتضمين ، فمن تذكير المؤنث مثلاً : " فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي " [الأنعام:78] أي هذا الشخص أو المرئي، ومن عكس ذلك ـ وهو تأنيث المذكر ـ تأنيث "الصوت" مراداً به معنى الاستغاثة في قول الشاعر:
يأيها الراكب المُزجي مطيّـته سائلْ بني أسدٍ ما هذه الصوتُ
ومن العطف على التوهم : " لولا أخرتني إلى أجل قريبٍ فأصدَّقَ وأكنْ " [المنافقون:10] فأكن مجزوم لأنه محمول في العطف على معنى : إن تأخّرْني أصدّقْ وأكنْ . ومن التضمين : " أحِلّ لكم ليلة الصيامِ الرفثُ إلى نسائكم " [البقرة : 187] فقد عديَّ الرفث بإلى لما كان معناه الإفضاء . والتحريف يكون في الاسم والفعل والحرف، ومن أمثلة ذلك في الحرف قراءة تخفيف الميم في "لما" في قوله تعالى : " إن كل نفسٍ لما عليها حافظ " ([78]).
ثالثاً ـ جدوى منهج نحو النص ومدى أهميته بالنسبة للنحو العربي :
تجديد مناهج البحث والنظر أمر ضروري في البحث العلمي مادامت الحاجات تتغير والمطالب تتجدد، والنحو العربي أحوج ما يكون إلى ذلك لتقادم عهده وطول أمد العربية.
ولقد أدركنا من الفقرة السابقة أن النحو العربي برغم كونه نحو جملة، قدم جهوداً نصية تأصيلية ونظرية وتطبيقية متنوعة، وأنه كان له أثر واضح في لسانيات النص العربية خاصة البلاغة والتفسير، وقد بينا ما يمكن أن يقدمه لنحو النص في عدة جوانب هي المناسبة الصوتية في الصيغ، وكيفية تعليق الوظائف النحوية بعضها ببعض، والربط بصوره المختلفة، والاستعمال العدولي . وهذه الجهود والثمار التي قدمها النحو بالرغم من أنها طيبة وليست بالشيء القليل، لكن تظل هناك مطالب كثيرة للنص لم تتحقق، يشهد بهذا أن الجوانب النصية للنحو العربي موسومة في الغالب بسيما الجملة وطابعها؛ فالمعنى في غير الشعر هو معنى الجملة أو الجملتين أو الثلاث، وفي الشعر المعنى هو معنى البيت أي الشاهد معزولاً عن قصيدته أو البيتين، وكذلك السياق سياق جزئي على قدر المثال أو الموضع، والمعنى كثيراً ما يكون هو المعنى المحايد الذي يرتبط بالقاعدة المجردة أكثر من غيرها.
وإن نحو النص بالنسبة للدراسات اللغوية العربية، لا شك أنه منهج مفيد من جهات عديدة أهمها :
1 ـ شمول نظرته إلى النص ووسائل تماسكه وبنائه وعدم قصرها على الحدود والوسائل التقليدية المعروفة والمحدودة في النحو، بل إدخال عناصر من مجالات أخرى منها المعجم.
2 ـ كون مبدأي التناص ورعاية الموقف يسهمان كثيراً في فهم النص ويزيلان كثيراً من أوجه اللبس، ويساعدان على تقليل احتمال الموضع الواحد لأكثر من وجه إعرابي في المواضع التي يشيع فيها تعدد أوجه الإعراب والغموض، ولا تكفي فيها القرائن اللفظية والمعنوية، ومن ذلك مواضع: الإضافة إلى المصدر مثل (مساعدة الوالدين) والتشبيه بعد النفي مثل (لا يكتب الولد مثل أخيه) والجار والمجرور ومتعلقهما، والموصوف والصفة المنسوبة مثل (التوجيه الجماعيّ) والعطف، ووقوع الصفة بعد الإضافة ([79]) والاختلاف في تحديد صاحب الحال. والسبب في تقليل الغموض اعتماداً على التناص ورعاية الموقف يرجع إلى أن السياق كلما امتد واتسعت رقعته من التركيب إلى الجملة إلى الفقرة إلى النص كله، زاد وضوح الدلالة وزاد احتمال تشابه الاستجابات لدى المتلقين ([80]). ومن أمثلة الاستعانة بالتناصّ ورعاية الموقف في التفسير هذان المثالان :
أ ـ من المعلوم أن فعل "الظن" يدل على التردد في النسبة بين أمرين مع الميل إلى الترجيح ومثال ذلك قوله تعالى: " فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنّا أن يقيما حدود الله " [البقرة :230] وكذلك : " وإني لأظنك يا فرعون مثبورا " [الإسراء : 202]، لكن أشكل على النحاة ـ كما يبدو في الرأي المشهور ـ استعمال هذا الفعل في القرآن الكريم في مواضع يبدو فيها أنها للعلم واليقين، فكان رأيهم الذي استقروا عليه أن هذا الفعل يستعمل للرجحان واليقين وإن كان الغالب فيه أن يكون للرجحان ([81]). ومن أشهر المواضع التي ورد فيها "الظن" بمعنى العلم واليقين في رأيهم قوله تعالى:
ـ " واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين . الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون " [البقرة:45،46].
ـ " وعلى الثلاثة الذين خُلّفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه " [التوبة : 118].
ـ " ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفاً " [الكهف : 53].
ـ " إني ظننتُ أني ملاقٍ حسابيه " [الحاقة : 20] .
ـ " ووجوه يومئذ باسرة . تظنّ أن يُفعل بها فاقرة " [القيامة : 24،25].
والذي أراه ـ كما قال بعض المفسرين وكما يحتم منطق أسلوب القرآن وإعجازه ـ أن "الظن" هنا على بابه للشك والرجحان بما يناسب الموقف والسياق في كل موضع من هذه المواضع، يؤكد هذا أن استعمال "الظن" بمعنى العلم غير مشهور في كلام العرب، قال ابن عطية عند تفسير (فظنوا أنهم مواقعوها) : " ولو قال تعالى بدل "ظنوا" : "أيقنوا" لكان الكلام متسقاً على مبالغة فيه، ولكن العبارة بالظن لا تجيء أبداً في موقع يقين تام قد ناله الحس، بل أعظم درجاته أن يجيء في موضع علم متحقق لكنه لم يقع ذلك المظنون، وإلا فما يقع ويُحَسّ لا يكاد يوجد في كلام العرب العبارة عنه بالظن، وتأمل هذه الآية، وتأمل قول دريد :
فقلتُ لهم ظُنّوا بألفَيْ مُدجّجٍ سَراتُـهمُ بالفارسيّ المُسرّدِ ([82]) "
ففي آية البقرة (الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم) المقبول أحد هذه الاحتمالات : أن يكون المعنى منصرفاً إلى ظن الموت وتوقعه في كل لحظة، أو أنهم يظنون أنهم ملاقو ربهم بذنوبهم، أو يظنون أنهم ملاقو ثواب ربهم، أو أن يكون عبر بالظن عن العلم تهويلاً للأمر وتنبيهاً على أنه يكفي العاقل في الحث على ملازمة الطاعة، فكيف والأمر متيقن !
وفي آية التوبة (وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه) عبر بالظن إيذاناً بأنهم لشدة الحيرة كانت قلوبهم لا تستقر على حال أو أنهم لم يكونوا قاطعين بأنه سينزل في شأنهم وحي، أو للإشارة إلى أن أعلى درجات اليقين في التوحيد لا تبلغ الحقيقة على ما هي عليه من باب " لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك ". وفي آية الكهف (ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها) استخدم الظن للدلالة على جريهم على عادتهم في الجهل والإجرام وأنهم عريقون فيهما، فبالرغم من رؤيتهم للنار ما زلوا يشكون في معاقبتهم بها، ويطمعون في عدم دخولها. وفي آية الحاقة (إني ظننت أني ملاق حسابيه) إذا كان الظن في الآخرة فقد استعمل للإشارة إلى الخوف والرجاء، وإذا كان في الدنيا فقد عبر به " عن اليقين إشارة إلى أنه يكفي العاقل في الخوف الحامل له على العمل ظن الخطر، وفيه إشعار بهضم النفس لأن الإنسان لا ينفك عن خطرات من الشبه تعرض له وتهجم عليه، وإيذان بأن مثل ذلك لا يقدح في الجزم بالاعتقاد وتنبيه على أنه يكفي في إيجاب العمل الظن فيكون حينئذ تعليلاً لإعطاء الكتاب باليمين ، وفيه تبكيت للكفار بأنهم لم يصلوا في هذا الأمر المحقق إلى مرتبة الظن ... " ([83]). وفي آية القيامة (تظن أن يفعل بها فاقرة) الظن معناه التوقع ([84]). ولعلنا أدركنا من تأمل هذه المواضع المختلفة لاستعمال "الظن" والنظر في تناصّها أنها يجمعها معنى واحد هو التعبير عن علم متحقق لم يقع بعد وقد عومل هذا معاملة الشك والظن لمناسبتهما للسياق .
ب ـ بناءً على قول النحاة المشهور تكون " أنْ " بعد "لمّا" زائدة للتوكيد في قوله تعالى : " ولما أن جاءت رسلنا لوطاً سيء بهم وضاق بهم ذرعاً " [العنكبوت :33] وقوله : "فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال يا موسى أتريد أن تقتلني " [القصص :19] وقوله : " فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيراً " [يوسف:96] ولا فرق بين تراكيب "لمّا" و"أنْ" في هذه الآيات واستعمال "لمّا" وحدها في قوله تعالى : " ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى ..." [العنكبوت :31] إلا في هذا المعنى وهو زيادة "أن" للتوكيد([85])، ولكن ابن الأثير يرى أن النحاة لم يفطنوا هنا إلى المعنى الصحيح الذي تفيده "أن" في هذا الموضع وهو معنى الإبطاء والتراخي، وبناءً على هذا يدل عدم وجودها على معنى السرعة والفور ([86]).
3 ـ أن نحو النص منهج تطبيقي يسمح بأن يوجه الدراسة النحوية وجهة عملية مثمرة وفعالة في فهم النصوص وتفسيرها، بدلاً من الاقتصار على الجانب النظري الجاف.
وفي مقابل ذلك ثمة مآخذ أو انتقادات يمكن أن توجه إلى الأخذ بهذا المنهج في الدراسات العربية، من أهمها في رأيي:
أ ـ أن نحو النص ليس منهجاً جديداً بالنسبة للتراث العربي، فهو مليء بالدراسات النصية التي دار قسط كبير منها حول أعظم نص قامت حوله دراسات وبذلت أقصى ما تستطيع لتفهمه، أعني القرآن الكريم"، وقد نتج عن ذلك نظريات صالحة للتطبيق والاستفادة منها. ويُفهَم من خلال الإشارة السابقة إلى المقارنة بين الجهود العربية والجهود الغربية في الدراسات النصية أن كل جانب قد أعطى لنحو النص ما لا يقل عن جهد الآخر، إن لم يزد جهد الجانب العربي في جانب طول النص؛ إذ إن معظم الأمثلة التي مثل بها الفكر الغربي في هذا المجال تعد نصوصاً قصيرة مشتملة على جمل محدودة، على عكس الإسهامات العربية التي دار كثير منها حول نص القرآن الكريم . بل من الباحثين من يرى أن جهود الغربيين الحثيثة في نحو النص لم تخرج عن أربع مقولات مهمة وردت عند العرب في جهودهم النصية هي : فاعلية أدوات الربط في بناء النصوص وتماسكها، ودراسة الدلالة وأنواعها، ودراسة النص ضمن إطار معرفة العالم، وجزئية التفكير في النص ([87]) .
ب ـ أن منهج نحو النص لا يلبي الطموح العلمي الذي يريده النحو العربي المعاصر بحالته الراهنة القائمة في أحسن الأحوال على محاولة الجمع والتوفيق بين اجترار القديم العربي واستيراد الحديث الغربي، والحركة الحائرة بينهما كبندول الساعة دون أن ننتبه إلى مواطئ الأقدام ومعرفة المناسب لنا على وجه الدقة.
إن منهج علم لغة النص أو نحو النص ـ في رأيي ـ لا يسعفنا إلا في جانب واحد فقط هو الجانب التطبيقي، أي تحليل النصوص وفهمها واستيعابها. ونحن نريد نظرية عربية خالصة تلبي هذه الحاجات والمطالب الملحة التي تغيب عنا رؤيتها رؤية كلية وإدراك ملامحها وجمع شتاتها :
1 ـ تطوير قواعد النحو العربي وربطه بالاستعمال، ولست أقصد بهذا قضية تيسير قواعد النحو، فهذه قضية جزئية، وإنما الذي أعنيه دراسة التطور النحوي للعربية المعاصرة من خلال نظرة متوازنة يدخل فيها اعتبارات مختلفة أهمها الحفاظ على الجانب المعياري والإفادة من جهود المجامع اللغوية.
2 ـ تضييق الهوة بين اللغة العربية الفصيحة والعاميات المختلفة من أجل الإسهام في توسيع دائرة استخدام اللغة الفصيحة؛ حتى لا نظل نعاني من انفصام لغوي ظاهر بين اللغة التي نحاول أن نعلمها للتلاميذ والطلاب في المدارس والجامعات ولغة الواقع والحياة.
3 ـ تطوير قواعد النحو العربي وربطها بالمعاني، وذلك بدمج النحو بعلم المعاني؛ لأن هذين في الحقيقة مجالان لعلم واحد موضوعه التراكيب، وأحد المجالين هو صحة التركيب والآخر هو حسن التركيب وتميزه .
4 ـ بناء نظرية دلالية تطبيقية متكاملة نحلل بها النصوص ونفسرها بها والإفادة من الجهود القيمة التي بذلت في هذه السبيل ([88])؛ وذلك لأن الجانب الدلالي في النحو العربي القديم يوصف أو يتهم بأنه من أضعف جوانبه، بعد أن عُزلت النظرية النحوية الدلالية التي وضعها عبد القاهر الجرجاني وقيّدت في اتجاه آخر. ومن أمارات ذلك : غمز ابن الأثير النحاة وقوله إنهم لا فتيا لهم في الفصاحة([89])، وقول البغدادي صاحب خزانة الأدب عند المقارنة بين شرح ابن هشام وشرح أحمد بن محمد البجليّ البغداديّ لقصيدة بانت سعاد : إن شرح البغداديّ أكثر استنباطاً لمعاني الشعر وأدق تفتيشاً للمزايا والنكت، وشرح ابن هشام أوعى للمسائل النحوية وتفسير الألفاظ اللغوية، وقد كان ابن هشام نفسه أيضاً من أكثر النحاة إحساساً بهذه المشكلة في كتابه " المغني "، نلاحظ هذا في تلميحه الدائم للفرق بين تناول النحاة وتناول من سمّاهم " البيانيين " أي البلاغيين؛ حتى إننا نجده يصرح ذات مرة بأن ذكر النحاة لأغراض بناء الفعل للمجهول كالجهل به أو الخوف منه أو عليه ـ تطفّل منهم على صناعة البيان وأنه لم يهتم بمثل هذا جرياً على عادتهم، ولإحساسه بأن هذا الموقف يشوبه الخطأ والانحراف عما يجب أن تكمل به صناعة النحو تمثل بقول الشاعر([90]) :
وهل أنا إلا من غَزيّة : إن غوتْ غوَيْـتُ وإن ترشُدْ غزيّـةُ أرِشُدِ
وبإدراك التشابه والعلاقة بين المطلبين الأول والثاني، والمطلبين الثالث والرابع ـ نستنتج أننا نحتاج إلى نظريتين نحويّتين : واحدة لتطوير القواعد والاستعمال وتوسيع دائرة استخدام اللغة الفصيحة في الواقع ([91])، أي نظرية عربية وظيفية واقعية للنحو وهي أقرب ما يكون إلى الجمع بين منهج علم اللغة الاجتماعي والتداولية (pragmatics) معاً وهما فعلاً يتداخلان ([92])، وأخرى لتطوير الدلالة في النحو والإفادة منها في التطبيق. ونستطيع أن نصف النظرية الأولى بأنها للاستعمال العادي والتواصل في المناسبات المختلفة وكل ما يمكن أن يبتعد عن مجالات العامية والخصوصية الشديدة ، وأن نصف الثانية بأنها للأدب ومقام اللغة البليغة . والنظرية الأولى يمكن أن نقول إن الوصول إليها عملياً ليس سهلاً وأنها تحتاج إلى جهود كبيرة، أما الثانية فهي قريبة المنال والمعطيات أمامها سهلة وميسورة، ومن أهمها نظرية نحو النص نفسه الذي ينبغي أن يكون أهم ما يشغلنا منه الإفادة منه في تحليل النصوص وتفسيرها ([93]). وينبغي أن يكون من أول ما تعنى به هذه النظرية الثانية مهمتان هما :
أ ـ تفسير النص وفهمه وتحليله جملة وتفصيلاً .
ب ـ دراسة الفروق وأجه الشبه في التراكيب الناشئة عن التكرار أي في التراكيب والاستعمالات المتشابهة مع بعض الاختلاف، مثل محاولة تبين الفرق بين النفي بليس والنفي بما كما في قوله تعالى : " قل لست عليكم بوكيل " [الأنعام : 66] وقوله تعالى : "وما أنا عليكم بوكيل " [يونس : 108]. ومعنى ذلك أن يدخل في هذا المجال دراسة الأدوات أو التراكيب والاستعمالات ذات المجال أو الباب النحوي الواحد في مواضع النص المختلفة كالفرق بين التعليل باللام وكي والباء ومِن ، وكحصر الأسماء التي أضيفت إلى ذات الله سبحانه في القرآن واستنباط دلالة التشريف والتبجيل منها، أو النظر في مواضع إبدال الذات من المعنى وربط بعضها بمجال الثواب ([94]). وهذا النوع من الدراسة وثيق الصلة بفكرة التناصّ وهو أكثر صلة وشبهاً بما يسمى في مجال تفسير القرآن بالتفسير الموضوعي، وهو نوع دعا إلي ضرورته وأهميته الداعون، وإذا كان مصطلح "الموضوع" في التفسير يراد به الكلمة بمعناها المعجمي والدلالي العام "كالجهاد" أو "الإنسان" أو "المرأة" في القرآن الكريم، فالموضوع في النحو هو الباب أو المعنى النحوي كالفاعل والتوكيد والحال مثلاً.
الخاتمة
أستطيع أن أجمل التعليق على هذا البحث في النقاط الآتية:
1 ـ كانت هناك ثلاثة مواقف للنحو العربي من النص: موقف توثيق، وموقف استشهاد واحتجاج وتقعيد، وموقف تطبيق. والملحوظة المهمة هنا أن الشعر ـ بحكم حاجته إلى توثيق وبحكم التحرز الديني من القرآن وتأخر الاعتماد على الحديث النبوي ـ سيطر على موقفي التوثيق، والاستشهاد والاحتجاج والتقعيد، وأن القرآن الكريم كان التوجه إليه أكثر في مجال التطبيق. وهيمنة الشعر في المجالين الأولين تبين أنه داخله كثير من الخَبَث ومظاهر الضعف والتحريف وعدم الصحة. وكل ذلك يجعله بالنسبة لنا الآن في حاجة إلى مراجعة وتمحيص. وقد تبين أيضاً أن النحاة كان يعنيهم في المقام الأول مراعاة القواعد على حساب النصوص، وقد نتج عن هذا ظواهر من أهمها تلحين بعض القراءات، والتأويل الذي كان تأويل ربط النص بالقاعدة لا تأويل تفسير. وبناءً على ذلك كله، ندرك أن موقف النحاة من توثيق النص والاستشهاد به هو موقف من النص على مستوى الأصول أي في علم أصول النحو والتقعيد، وأود أن أضيف هنا أن النظرة الأصولية في هذا العلم، كان يحكمها أحياناً الجفاف والافتراضات العقلية والنظرية غير المجدية، ومن ذلك ـ على سبيل المثال ـ مسألة إثبات الحكم في محل النص: بماذا يثبت بالنص أم بالعلة([95])؟
2 ـ أهم المظاهر التي من الممكن أن تكون جهداً غير معلن أو غير واضح للنحاة في مجال "تنميط النصوص" جاء في الشعر من خلال تحديد مبدأ "الضرورة الشعرية" الذي يعنى أن للشعر لغته الخاصة التي تميزه عن غيره. أما تحديد الأبنية الرئيسة وأنماط أهم النصوص ـ وهو القرآن الكريم ـ فالنحاة القدماء في المستوى التقعيدي لم يقوموا بهذا، وكل ما فعلوه في هذا الجانب تأويل بعض ظواهر التراكيب القرآنية التي تدل على خصوصية نمط القرآن وأساليب تعبيره.
3 ـ النحو العربي ـ بمقياس نظرية نحو النص الحديثة ـ ليس نحو نص، بل هو نحو جملة، ومع هذا نجد مظاهر متعددة لنحو النص في النحو العربي، ومما يتجلى فيه هذا: النظرات والمفاهيم النصية لدى بعض النحاة الذين عنوا بالنص نظراً وتطبيقاً، والتأثير الواضح لمعطيات النحو العربي في لسانيات النص العربية ـ خاصة البلاغة وتفسير القرآن ـ من خلال ما يدخل في إطار مفهوم "التماسك" أو "السبك". ومعنى هذا أن النحو العربي علم نصي بالفهم العام لا الخاص.
4 ـ خلاصة المفاهيم التي يمكن أن يقدمها النحو العربي بصورته المعروفة إلى نحو النص في المجال الأدبي، تتمثل في : المناسبة الصوتية في الصيغ، وكيفية تعليق الوظائف النحوية بعضها ببعض، والربط بصوره المختلفة، والاستعمال العدولي.
5 ـ من حيث جدوى منهج نظرية نحو النص بالنسبة إلى النحو العربي، تبين لنا أن هذه النظرية مفيدة من جهات عديدة، من أهمها ما يسهم به مفهوم التناص ومفهوم رعاية الموقف في فهم النص كله وإزالة كثير من أوجه اللبس وتقليل أوجه تعدد الإعراب، ومع هذا قلنا إن هذه النظرية لا تلبي حاجات النحو العربي ولا تسد الفراغ التنظيري له بحالته الراهنة؛ إذ إنها تسعفه في جانب واحد فقط هو جانب التطبيق. والذي يجب تقديمه لهذا النحو نظريتان: نظرية وظيفية لتطوير القواعد في الاستعمال العادي وتوسيع دائرة استخدام العربية الفصيحة في الواقع، ونظرية أخرى لتطوير دراسة الدلالة في النحو والإفادة منها في التطبيق في مجال اللغة الأدبية، بحيث يكون من أهم مهام هذه النظرية دراسة الفروق وأوجه الشبه بين التراكيب المتشابهة واستثمار نتائج ذلك في التحليل الأسلوبي.
6 ـ على الرغم من أن النحاة عُنُوا في مجال التطبيق والإعراب بالنص القرآني كثيراً والنص الشعري بصورة أقل، يبدو أن النظر في النص العلمي ـ خاصة نص كتاب سيبويه ـ شغلهم أحياناً عن النظر في نصوص اللغة نفسها لتفسيرها وفهمها ومتابعتها، وكثيراً ما حملوا النصوص العلمية ـ على أهميتها وقدرها العظيم ـ أكثر مما تحتمل من التعليقات والشروح والحواشي والاختلاف في أوجه التفسير([96])، وجرهم هذا إلى ظواهر من أوضحها كثرة الدوران في فلكها، والانصراف أحياناً عن بعض الأمور الأخرى المهمة، ونشأة بعض الأبواب التي تبحث في أصول فهم أقوال العلماء، كالباب الذي عقده ابن جني في الخصائص بعنوان (باب في اللفظين على المعنى الواحد يردان عن العالم متضادين) ([97]).
--------------------------------
المصادر والمراجع
أولاً ـ الكتب:
ـ الإغراب في جدل الإعراب ولمع الأدلة، لأبي البركات الأنباري، قدم لهما وعني بتحقيقهما سعيد الأفغاني ( مطبعة الجامعة السورية ـ 1377هـ ـ1957).
ـ الاقتراح للسيوطي، تحقيق الدكتور أحمد قاسم (القاهرة ـ 1976).
ـ أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك، تأليف ابن هشام الأنصاري، ومعه كتاب عدة السالك إلى تحقيق أوضح المسالك لمحمد محيي الدين عبد الحميد (المكتبة العصرية ـ بيروت ـ 1418هـ ـ 1998م).
ـ بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز، للفيرزآبادي (المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ـ القاهرة).
ـ تفسير البحر المحيط لأبي حيان :
طبعة مكتبة النصر الحديثة ـ الرياض ـ د.ت .
طبعة دار الفكر ـ بيروت ـ 1412هـ ـ 1992.
ـ التأويل النحوي في القرآن الكريم ، تأليف الدكتور عبد الفتاح الحموز (مكتبة الرشد ـ الرياض ـ ط1 ـ 1984).
ـ الجنى الداني في حروف المعاني، صنعة الحسن بن القاسم المرادي، تحقيق د. فخرالدين قباوة، ومحمد فاضل (دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ ط1 ـ 1413 هـ ـ 1992م).
ـ حاشية الأمير على المغني (مغني اللبيب وبهامشه حاشية الشيح محمد الأمير) ـ القاهرة ـ دار إحياء الكتب العربية ـ 1955.
ـ حاشية الصبان على شرح الأشموني على ألفية ابن مالك (مطبعة دار إحياء الكتب العربية ـ القاهرة ـ د.ت).
ـ الحديث النبوي في النحو العربي، تأليف الدكتور محمود فجال (أضواء السلف ـ الرياض ـ ط2 ـ 1417 هـ ـ 1997م) .
ـ الخروج من التيه: دراسة في سلطة النص، تأليف د. عبد العزيز حمودة (سلسلة عالم المعرفة ـ الكويت ـ نوفمبر 2003 م) .
ـ خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب، لعبد القادر البغدادي ، تحقيق عبد السلام هارون (الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ 1979).
ـ الخصائص لابن جني ، تحقيق محمد علي النجار (الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ ط 3) .
ـ دراسات لأسلوب القرآن الكريم، تأليف محمد عبد الخالق عضيمة (دار الحديث ـ القاهرة).
ـ دلائل الإعجاز، لعبد القاهر الجرجاني، قرأه وعلق عليه أبو فهر محمود شاكر (مكتبة الخانجي ـ القاهرة ـ ط3 ـ 1413 هـ ـ 1992م).
ـ رؤى لسانية في نظرية النحو العربي، للدكتور حسن الملخ (دار الشروق ـ عمّان ـ ط1 ـ 2007) .
ـ الرواية والاستشهاد باللغة: دراسة ... في ضوء علم اللغة الحديث، للدكتور محمد عيد، (عالم الكتب ـ القاهرة ـ 1976م) .
ـ شرح شذور الذهب، لابن هشام، ضبط وتشكيل وتصحيح يوسف البقاعي (دار الفكر ـ بيروت ـ ط2 ـ 1998) .
ـ شرح الرضي على الكافية، تصحيح وتعليق يوسف حسن عمر ( منشورات جامعة قاريونس ـ ليبيا ـ 1978).
ـ شرح قصيدة بانت سعاد لابن هشام، ضبطه وفهرسه الدكتور محمد مفتاح (المكتب العالمي للطباعة والنشر ـ ط1 ـ 1996).
ـ شرح المفصل لابن يعيش ـ مكتبة المتنبي بالقاهرة ـ د.ت .
ـ شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح، تحقيق الدكتور طه محسن (وزارة الأوقاف العراقية ـ 1985) .
ـ الصورة والصيرورة: بصائر في أحوال الظاهرة النحوية ، للدكتور نهاد الموسى (دار الشروق ـ عمّان ـ ط1 ـ 2002) .
ـ الضرورة الشعرية في النحو العربي ، للدكتور محمد حماسة عبد اللطيف (مكتبة دار العلوم ـ القاهرة ـ 1979) .
ـ عبقري اللغويين أبو الفتح عثمان بن جني للدكتور عبد الغفار هلال (دار الفكر العربي ـ القاهرة ـ ط1 ـ 2006) .
ـ العربية والدراسات البينية (كتاب مؤتمر عقد بكلية دار العلوم، جامعة القاهرة ـ 2007م) ـ بحث للدكتور عبد السلام حامد بعنوان: "من جوانب المعنى في العلوم العربية، مقدمة دلالية".
ـ علم الدلالة:علم المعنى، للدكتور محمد الخولي (دار الفلاح ـ عمّان ـ 2001م).
ـ علم لغة النص: المفاهيم والاتجاهات، للدكتور سعيد بحيري (الشركة المصرية العالمية للنشر – لونجمان – مصر – ط1 – 1997م).
ـ علم المعاني، للدكتور درويش الجندي (دار نهضة مصر ـ القاهرة ـ د.ت).
ـ علم النص:مدخل متداخل الاختصاصات، تأليف تون أ. فان دايك، ترجمة الدكتور سعيد بحيري (دار القاهرة للكتاب ـ القاهرة ـ ط1 ـ 1421هـ ـ 2001م).
ـ فيض نشر الانشراح من روض طي الاقتراح،لأبي عبد الله محمد بن الطيب الفاسي، تحقيق د. محمود فجال (دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث ـ دبي ـ ط1 ـ 1421 هـ ـ 2000م).
ـ قضية التحول إلى الفصحى في العالم العربي الحديث ، للدكتور نهاد الموسى (دار الفكر ـ عمّان ـ ط1 ـ 1987 م) .
ـ الكتاب، لسيبويه ، تحقيق عبد السلام هارون (مكتبة الخانجي ـ القاهرة ـ ط3) .
ـ لسانيات النص: مدخل إلى انسجام الخطاب، لمحمد الخطابي (المركز الثقافي العربي – بيروت – ط1 – 1991م).
ـ مبادئ النقد الأدبي والعلم والشعر، تأليف أ.أ. ريتشاردز، ترجمة محمد مصطفى بدوي (المجلس الأعلى للثقافة ـ القاهرة ـ 2005).
ـ المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، لابن الأثير، تحقيق د. أحمد الحوفي ود. بدوي طبانة (مكتبة نهضة مصر ـ ط1 ـ 1381هـ ـ 1962م).
ـ المحتسب، تحقيق علي النجدي ناصف وآخرين (المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ـ القاهرة ـ 1966 ـ 1969).
ـ المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، لأبي محمد عبد الحق بن عطية الأندلسي تحقيق الرحالة الفاروق وآخرين (مطبوعات وزارة الأوقاف ـ قطر ـ ط2 ـ 1428 هـ ـ 2007م).
ـ مدخل إلى علم اللغة النصي، تأليف لولفجانج هاتيه وديتر فيهفيجر، ترجمة د. فالح بن شبيب العجمي (جامعة الملك سعود ـ النشر العلمي والمطابع – سلسلة اللغويات الجرمانية –1419هـ ـ 1999م) .
ـ معاني النحو، للدكتور فاضل السامرائي (وزارة التعليم العالي ـ جامعة بغداد ـ 1989م).
ـ مغني اللبيب لابن هشام ، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد (مكتبة صبيح ـ القاهرة ـ د.ت) .
ـ مقالات في اللغة والأدب ، للدكتور تمام حسان، (عالم الكتب ـ القاهرة ـ ط1 ـ 2005) .
ـ منهاج البلغاء وسراج الأدباء، لحازم القرطاجني، تقديم وتحقيق محمد الحبيب بن الخوجة (تونس ـ 1996) .
ـ منهج ابن هشام في شرح بانت سعاد، للدكتور محمود ياقوت، (دار قطريّ بن الفجاءة ـ الدوحة ـ قطر ـ 1986) .
ـ الموسوعة اللغوية، تحرير ن.ي. كولنج، ترجمة د. محيي الدين حميدي ود . عبد الله الحميدان (النشر العلمي والمطابع ـ جامعة الملك سعود ـ الرياض ـ 1421هـ).
ـ نحو النص: اتجاه جديد في الدراسات النحوية ، للدكتور أحمد عفيفي (مكتبة زهراء الشرق ـ القاهرة ـ 2001) .
ـ نحو النص في ضوء التحليل اللساني للخطاب ، للدكتور مصطفى النحاس (ذات السلاسل ـ الكويت ـ ط1 ـ 2001) .
ـ نحو النص، نقد النظرية وبناء أخرى، للدكتور عمر أبو خرمة (عالم الكتب الحديث ـ إربد ـ الأردن ـ ط1 ـ 2004).
ـ النحو والدلالة: مدخل لدراسة المعنى النحوي الدلالي، للدكتور محمد حماسة عبد اللطيف (دار الشروق ـ القاهرة ـ ط1 ـ 1420هـ ـ 2000 م).
ـ النحو وكتب التفسير، للدكتور إبراهيم عبد الله رفيدة (مصراته ـ ليبيا ـ ط3 ـ 1990).
ـ النص والخطاب والإجراء، لروبرتت دي بوجراند ترجمة د. تمام حسان (عالم الكتب – القاهرة – ط1 – 1998م) .
ـ نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، للبقاعي (مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية ـ حيدر آباد ـ الهند ـ ط1،ط2 بين سنتي 1975 و1986م).
ـ همع الهوامع في شرح جمع الجوامع ، للسيوطي، تحقيق أحمد شمس الدين (دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ ط 1 ـ 1998).
ثانياً ـ الدوريات والرسائل:
ـ الدراسة النحوية للشعر عند ابن جني" : رسالة ماجستير للدكتور عبد السلام حامد ـ مكتبة كلية دار العلوم ـ جامعة القاهرة ـ 1992م .
ـ صحيفة دار العلوم للغة العربية وآدابها والدراسات الإسلامية (تصدرها جماعة دار العلوم بالقاهرة) أكتوبر ـ 2001 ـ بحث للدكتور عبد السلام حامد بعنوان: "التكرار في النص الشعري الحديث رؤية نحوية" .
ـ فصول (المجلد العاشر ـ العددين 1، 2 ـ يوليو وأغسطس 1991 ـ بحث للدكتور سعد مصلوح بعنوان: "نحو أجرومية للنص الشعري: دراسة في قصيدة جاهلية") .
ـ نحو الجملة ونحو النص، للدكتور تمام حسان (محاضرة الصيف في الموسم الثقافي لمعهد اللغة العربية بجامعة أم القرى ـ 1995م ـ مخطوطة).
--------------------------------
(*) أستاذ مشارك بقسم اللغة العربية بكلية الآداب والعلوم ـ جامعة قطر ، وقسم النحو والصرف والعروض بكلية دار العلوم ـ جامعة القاهرة . وقد نشر هذا البحث في مجلة كلية دار العلوم ـ جامعة القاهرة (إصدار خاص) ـ 2009 م .
[1]) ) ـ انظر : الرواية والاستشهاد باللغة ، للدكتور محمد عيد 97 . ومن أوضح الأمثلة العملية على هذه القضية أن دراسة الشاهد الشعري عند أبي البركات الأنباري في كتابه "الإنصاف في مسائل الخلاف" ـ وهو من أهم مصادر النحو العربي ـ تثبت هذه الفجوة بين التنظير والتطبيق؛ إذ إنه نظرياً وضع ضوابط كثيرة لضبط المتن والسند، لكنه عملياً خالفها بدافع العصبية، ومن ذلك أنه رد أحد عشر شاهداً للكوفيين بسبب جهل القائل، ولم يلجأ إلى هذه العلة في توثيق شواهد البصريين كلها، كما أنه اتخذ الروايات المختلفة للشاهد أسلوباً من أساليب تسويغ الحكم لا من أساليب الوصول إليه . انظر : رؤى لسانية في نظرية النحو العربي، للدكتور حسن الملخ 196،207.
[2]) ) ـ انظر : الرواية والاستشهاد باللغة 195 ـ 217 .
[3]) ) ـ انظر : أمثلة متعددة لهذا النوع من الشواهد في "في فيض نشر الانشراح" لابن الطيب الفاسي، تحقيق د. محمود فجال 1/621 ـ 627 .
[4]) ) ـ انظر : التنبيهات على أغاليط الرواة ، نقلاً عن الرواية والاستشهاد باللغة ، للدكتور محمد عيد 206 .
[5]) ) ـ انظر : مغني اللبيب لابن هشام، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد 1/45،46 .
[6]) ) ـ يقصد بذلك قوله : من كلّ نضّاخة الذِّفرى إذا عرِقت عُرضتها طامسُ الأعلامِ مجهولُ
وقوله : ولن يبلّغـها إلا عذافـرةٌ لهـا على الأيـْـن إرقالٌ وتبغيـلُ
انظر : شرح قصيدة بانت سعاد لابن هشام، ضبطه وفهرسه الدكتور محمد مفتاح 120 ـ 134 .
[7]) ) ـ المفضليات : 92، نقلاً عن الصورة والصيرورة، بصائر في أحوال الظاهرة النحوية ، للدكتور نهاد الموسى 103، 104 .
[8]) ) ـ انظر : الصورة والصيرورة للدكتور نهاد الموسى 115 .
[9]) ) ـ انظر : شرح الأشموني (في حاشية الصبان) 1/89 ، وشرح الرضي على الكافية ، تصحيح وتعليق يوسف حسن عمر 3/382 ـ 384 ، وشرح المفصل لابن يعيش 5/11،12.
[10]) ) ـ انظر : الاقتراح للسيوطي، تحقيق الدكتور أحمد قاسم 55 ، وفتح الباري لابن حجر: باب فضل صلاة العصر.
[11]) ) ـ الرواية والاستشهاد باللغة ، للدكتور محمد عيد : 217 .
[12]) ) ـ الاقتراح للسيوطي ، 48 .
[13]) ) ـ الرواية والاستشهاد باللغة : 123 .
[14]) ) ـ الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم : 4/36 نقلاً عن الرواية والاستشهاد باللغة 124 .
[15]) ) ـ انظر : دراسات لأسلوب القرآن الكريم، للأستاذ محمد عضيمة، القسم الأول ج1 ص 19 ـ 22 .
[16]) ) ـ انظر : الحجة في القراءات السبع لأبي علي الفارسي4/139 ، نقلاً عن "عبقري اللغويين أبو الفتح عثمان بن جني" للدكتور عبد الغفار هلال 1/154 .
[17]) ) ـ المحتسب : 1/ 32،33 .
[18]) ) ـ انظر : الاقتراح للسيوطي 52،53 .
[19]) ) ـ انظر : شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح، تحقيق الدكتور طه محسن 25، 26 .
[20]) ) ـ انظر : السابق 33،34 .
[21]) ) ـ انظر : الرواية والاستشهاد باللغة 135 ـ 137 .
[22]) ) ـ فيض نشر الانشراح من روض طي الاقتراح، لابن الطيب الفاسي 1/452،453 ، ونظر : الحديث النبوي في النحو العربي، للدكتور محمود فجال 109 ـ 112، 125،126 .
[23]) ) ـ انظر : الرواية والاستشهاد باللغة ، للدكتور محمد عيد 125 ـ 147 .
[24]) ) ـ الأغاني : 2/23 . وانظر : الرواية والاستشهاد باللغة ، للدكتور محمد عيد 149 .
[25]) ) ـ الرواية والاستشهاد باللغة : 152، 153 .
[26]) ) ـ الخصائص، لابن جني : 1/25 .
[27]) ) ـ كانت كتب "معاني القرآن" تعنى بالتفسير اللغوي والنحويّ واستمرت على هذا النحو إلى القرن الرابع الهجري، فتحولت إلى كتب التفسير وكان لها أثرها في المراحل اللاحقة للتأليف في التفسير . انظر : النحو وكتب التفسير، للدكتور رفيدة 1/529 ـ 531 .
[28]) ) ـ انظر : رسالتي للماجستير "الدراسة النحوية للشعر عند ابن جني" ـ مكتبة كلية دار العلوم ـ 1992 .
[29]) ) ـ خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب، لعبد القادر البغدادي ، تحقيق عبد السلام هارون 1/16،17 .
[30]) ) ـ انظر : السابق 1/18 .
[31]) ) ـ انظر : علم النص مدخل متداخل الاختصاصات ، لفان دايك، ترجمة الدكتور سعيد بحيري 208 ـ 212 .
[32]) ) ـ الكلام هنا مقيد بكتب التقعيد لدى النحاة القدماء، وبناءً على هذا، ما سوى ذلك ـ ككتب إعراب القرآن وبيان معانيه ـ فالحكم عليه من هذه الزاوية يتوقف على مراجعته ودراسته. وأما الدراسات النحوية واللغوية الحديثة ـ كدراسات الأستاذ عضيمة ـ فمن الواضح أنها أصابت قدراً غير قليل من تحديد أنظمة أنماط القرآن وأساليبه.
[33]) ) ـ انظر : البحر المحيط في التفسير ، لأبي حيان الأندلسي 1/12، 13 (دار الفكر ـ بيروت ـ 1992) 1/12 ، وحاشية الصبان 3/303.
[34]) ) ـ انظر : شرح الأشموني 3/124 .
[35]) ) ـ انظر : همع الهوامع للسيوطي ، تحقيق أحمد شمس الدين 1/153،154،380 .
[36]) ) ـ انظر : دراسات لأسلوب القرآن الكريم للأستاذ محمد عضيمة، القسم الثالث، ج4 ص3،6،7 .
[37]) ) ـ الضرورة الشعرية في النحو العربي ، للدكتور محمد حماسة عبد اللطيف : 589 .
[38]) ) ـ منهاج البلغاء وسراج الأدباء، لحازم القرطاجني ، تقديم وتحقيق محمد الحبيب بن الخوجة 143،144 .
[39]) ) ـ الخصائص : 2/394،295 ، وانظر : الكتاب لسيبويه، تحقيق وشرح عبد السلام هارون 1/ 26 ـ 32.
[40]) ) ـ التأويل النحوي في القرآن الكريم ، تأليف الدكتور عبد الفتاح الحموز : 2/1462،1463 .
[41]) ) ـ انظر : شرح قصيدة بانت سعاد لابن هشام 127،128 .
[42]) ) ـ انظر : همع الهوامع 3/191 ، والتأويل النحوي في القرآن الكريم 2/ 1437 ـ 1450 .
[43]) ) ـ انظر : الحديث النبوي في النحو العربي، للدكتور محمود فجال 101 ـ 104، وفيض نشر الانشراح 1/637 ـ 639 .
[44]) ) ـ الإغراب في جدل الإعراب ولمع الأدلة لأبي البركات الأنباري، تحقيق سعيد الأفغاني : 49 ـ 51.
[45]) ) ـ انظر : من جوانب المعنى في العلوم العربية ـ مقدمة دلالية، بحث للدكتور عبد السلام حامد، في كتاب مؤتمر "العربية والدراسات البينية" 618 ـ 622، 626 ـ 639.
[46]) ) ـ انظر : الجنى الداني للمرادي (دار الكتب العلمية ـ ط1) 31 ـ 35 ، ومغني اللبيب لابن هشام 1/61 ـ 67، وحاشية الأمير على المغني 1/65 .
[47]) ) ـ مغني اللبيب لابن هشام : 1/135 ، وانظر : شواهد التوضيح والتصحيح لابن مالك 164،165 .
[48]) ) ـ انظر : الجنى الداني للمرادي 439، 440 .
[49]) ) ـ السابق : 440 .
[50]) ) ـ انظر : مقدمة دراسات لأسلوب القرآن الكريم (للأستاذ محمود شاكر) القسم الأول، ج1 صفحة و .
[51]) ) ـ انظر: مدخل إلى علم اللغة النصي، تأليف لولفجانج هاتيه وديتر فيهفيجر، ترجمة د. فالح بن شبيب العجمي ص 11، وانظر أيضاً: علم لغة النص، المفاهيم والاتجاهات، للدكتور سعيد بحيري 52.
[52]) ) ـ يوازي عنصري القصد والإعلامية " القصدُ " عند عبد القاهر الجرجاني، وهو مفهوم نحوي ولغوي صرف. وقد اعتبر مؤلف كتاب "الخروج من التيه : دراسة في سلطة النص" التفات عبد القاهر إلى هذا العنصر لفتة عظيمة منه؛ لأنها تؤكد سبق عبد القاهر في الالتفات إلى أصل مهم من أصول التفسير المنضبط للنص يؤسس لنظرية عربية بديلة له، ويقضي على عبث المناهج النقدية الغربية المستعارة الحداثية وما بعد الحداثية ـ كالتفكيكية والشكلية ـ لأنها تجرد النص من سلطة مؤلفه وقصده وتطلق العنان للمتلقي في التفسير . انظر : دلائل الإعجاز، لعبد القاهر الجرجاني، قرأه وعلق عليه أبو فهر محمود شاكر 405 ، والخروج من التيه، تأليف د. عبد العزيز حمودة 310 ـ 313 .
[53]) ) ـ انظر : مدخل إلى علم اللغة النصي 93-95، والنص والخطاب والإجراء، لروبرتت دي بوجراند ترجمة د. تمام حسان 103- 105، ونحو النص اتجاه جديد في الدراسات النحوية ، للدكتور أحمد عفيفي 75 وما بعدها، وفصول (المجلد العاشر – العددين 1، 2 – نحو أجرومية للنص الشعري: دراسة في قصيدة جاهلية د. سعد مصلوح) ص154.
[54]) ) ـ انظر : لسانيات الخطاب: مدخل إلى انسجام الخطاب، لمحمد الخطابي 16 ـ 25 ، 88،89 .
[55]) ) ـ انظر : نحو الجملة ونحو النص، محاضرة مخطوطة للدكتور تمام حسان 1 ـ 4 ، ونحو النص اتجاه جديد في الدراسات النحوية، 63 ـ 92 .
[56]) ) ـ انظر : علم لغة النص ، للدكتور سعيد بحيري 134، ونحو النص اتجاه جديد في الدراسات النحوية 71.
[57]) ) ـ انظر : الدراسة النحوية للشعر عند ابن جني، رسالة ماجستير بكلية دار العلوم ـ جامعة القاهرة ـ 1992،وعبقري اللغويين أبو الفتح عثمان بن جني 1/181 ـ 208 .
[58]) ) ـ مغني اللبيب :1/9 .
[59]) ) ـ شرح شذور الذهب ، لابن هشام ، ضبط وتشكيل وتصحيح يوسف البقاعي : 21 .
[60]) ) ـ نحو النص في ضوء التحليل اللساني للخطاب ، للدكتور مصطفى النحاس : 13.
[61]) ) ـ البحر المحيط في التفسير ، لأبي حيان الأندلسي 1/300، 301 (دار الفكر ـ بيروت ـ 1992) 1/12 .
[62]) ) ـ انظر : قصيدة بانت سعاد لكعب بن زهير وأثرها في التراث ، للدكتور السيد إبراهيم محمد 99، 100، 131 .
[63]) ) ـ انظر : شرح قصيدة بانت سعاد، لابن هشام ،ضبطه وفهرسه الدكتور محمد الصباح 187 ـ 189 ، ومنهج ابن هشام في شرح بانت سعاد، للدكتور محمود ياقوت 93 .
[64]) ) ـ انظر : لسانيات النص، مدخل إلى انسجام الخطاب 95. ومن الملحوظات المهمة هنا أن ما نقلناه عن أن البلاغة العربية القديمة علم نصيّ، يعدّ من باب التغليب، وإلا فهي ـ كما يرى الدكتور درويش الجندي ـ مثل النحو، لا تتعدى دائرة الجملة إلى البحث في جمال القطعة الأدبية المتكاملة إلا قليلاً ، ومن ثم فهي في حاجة إلى تطوير. انظر : علم المعاني 5،6.
[65]) ) ـ انظر : لسانيات النص 138، 139.
[66]) ) ـ قيل للفارسي : ما البلاغة ؟ قال : معرفة الفصل من الوصل . وقد ورد عن عبد القاهر عبارات قريبة من هذا تؤكده . انظر : دلائل الإعجاز 222 وما بعدها، وعلم المعاني للدكتور درويش الجندي 187 وما بعدها، ولسانيات النص، مدخل إلى انسجام الخطاب 97 .
[67]) ) ـ انظر : دلائل الإعجاز 222 وما بعدها، ولسانيات النص 110.
[68]) ) ـ انظر : لسانيات النص مدخل إلى انسجام الخطاب، 100 ـ 111، 205 ، ونحو النص، نقد النظرية وبناء أخرى، للدكتور عمر أبو خرمة 79،80 .
[69]) ) ـ انظر : لسانيات النص مدخل إلى انسجام الخطاب، 209 ـ 211 .
[70]) ) ـ انظر : الخصائص 3/268.
[71]) ) ـ انظر : نحو النص للدكتور مصطفى النحاس 142 ـ 147 ، ومقالات في اللغة والأدب للدكتور تمام حسان 1/347 ـ 355 .
[72]) ) ـ انظر : مقالات في اللغة والأدب للدكتور تمام حسان 1/169 ـ 204.
[73]) ) ـ لقد أشار سيبويه في باب "الاستقامة من الكلام والإحالة" إلى درجات الصحة في الجملة بناءً على تحقق التآلف بين الاستقامة النحوية والاستقامة الدلالية وعدم تحققهما من خلال مستويات محددة للكلام وتجاوز ذلك إلى الإشارة إلى المستوى المجازي . انظر : الكتاب لسيبويه 1/25،26 ، والنحو والدلالة، للدكتور محمد حماسة 65 وما بعدها .
[74]) ) ـ انظر : مقالات في اللغة والأدب للدكتور تمام حسان 1/373 .
[75]) ) ـ الخصائص : 2/ 362.
[76]) ) ـ االسابق : 2/ 448.
[77]) ) ـ انظر : مغني اللبيب 1/179، والجنى الداني : 87.
[78]) ) ـ انظر : الخصائص 2/363 ، 386 ، 404 ، 413 ـ 418 ، 426 ، 437 ، 443 .
[79]) ) ـ انظر : علم الدلالة ، للدكتور محمد الخولي 151 ـ 163.
[80]) ) ـ انظر : مبادئ النقد الأدبي والعلم والشعر ، تأليف أ.أ. ريتشاردز، ترجمة محمد مصطفى بدوي 59.
[81]) ) ـ انظر : شرح الرضي على الكافية 4/150، وشرح المفصل لابن يعيش 7/81، وأوضح المسالك لابن هشام 2/40، وهمع الهوامع للسيوطي 1/481، وشرح الأشموني 2/21 ـ 24 . ومن الجدير بالذكر هنا أن كلام سيبويه في هذه المسألة لا يفهم منه هذا الرأي، بل كل ما يفهم منه تصريحاً أو تلميحاً أن " الظن" قد يقوى فيصبح هذا مسوغاً لجواز اعتبار أنّ (أن) الواقعة بعده هي المخففة من الثقيلة لتدل على معنى التوكيد المناسب لقوة الظن . والظاهر أن قول سيبويه في هذه المسألة : "فجرى "الظن" ههنا (أي الظن الذي بعده "لا") مجرى اليقين لأنه نفيه " ـ وهي عبارة لها سياقها الخاص ـ هو الذي جعل النحاة يطلقون أن "الظن" قد يقع موقع اليقين. انظر : الكتاب 3/166،167 .
[82]) ) ـ تفسير ابن عطية المحرر الوجيز : 5/622. ويتفق مع خلاصة ما قاله ابن عطية هنا ما ورد في المحكم لابن سيده من أن اليقين بـ " ظنَّ " يقين تدبر لا عيان . انظر معاني النحو، للدكتور فاضل السامرائي 2/439 .
[83]) ) ـ نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي : 20/362،363 .
[84]) ) ـ انظر : السابق 1/342،343، 9/39، 12/87، 21/107، والمحرر الوجيز، لابن عطية 1/201،202، 5/622، 8/480، والبحر المحيط لأبي حيان 1/300،301 (طبعة دار الفكر ببيروت )، 5/110، 6/137 (طبعة مكتبة النصر الحديثة بالرياض) ومعاني النحو للدكتور فاضل السامرائي 2/436 ـ 440.
[85]) ) ـ انظر : مغني اللبيب 1/34،35 .
[86]) ) ـ انظر : المثل السائر لابن الأثير، تحقيق د. أحمد الحوفي ود. بدوي طبانة 3/12 ـ 14 ، ونحو النص في ضوء التحليل اللساني للخطاب، للدكتور مصطفى النحاس 146،147 .
[87]) ) ـ انظر : نحو النص، نقد النظرية وبناء أخرى : 96،97 .
[88]) ) ـ على رأس هذه الجهود كتاب الدكتور تمام حسان "البيان في روائع القرآن" وكتب الدكتور محمد حماسة في الدلالة والشعر ومؤلفات الدكتور فاضل السامرائي خاصة كتابيه "معاني النحو" و"التعبير القرآني" .
[89]) ) ـ انظر : المثل السائر 3/14،15 .
[90]) ) ـ انظر : مغني اللبيب 2/650 .
[91]) ) ـ انظر : قضية التحول إلى الفصحى في العالم العربي الحديث ، للدكتور نهاد الموسى.
[92]) ) ـ انظر : الموسوعة اللغوية ، تحرير ن.ي. كولنج، ترجمة د. محي الدين حميدي ود . عبد الله الحميدان 2/487 .
[93]) ) ـ من الأمثلة العملية التي قدمتها في هذا تحليل التكرار في قصيدة "موسيقى فوضى الأشياء" للشاعر محمد الفيتوري وهي من ديوان "قوس الليل قوس النهار" . انظر بحثي الذي بعنوان : "التكرار في النص الشعري الحديث رؤية نحوية " ـ صحيفة دار العلوم ـ أكتوبر ـ 2001 .
[94]) ) ـ انظر : معاني النحو، للدكتور فاضل السامرائي1/6، وبصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز، للفيروزآبادي 2/37،38، ودراسات لأسلوب القرآن الكريم للأستاذ محمد عضيمة : القسم 3 ـ ج4 ـ ص36،37 .
[95]) ) ـ انظر : لمع الأدلة لأبي البركات الأنباري 121،122 .
[96]) ) ـ من أمثلة هذا اختلافهم في تفسير كلام سيبويه في "ربّ " بين كونها للقلة وكونها للكثرة . وقد أشرت إلى مصادر هذه المسألة من قبل عند الحديث عن السياق ومعاني الحروف في تعليقات القسم الأول من البحث.
[97]) ) ـ انظر : الخصائص 1/201 .