عندما وصلنا إلى هناك نسيت كل أفكاري السابقة لما ذهلت به من ذلك البساط السندسي الأخضر الذي يكسو كل ناحية أتأملها وذلك الجو الربيعي الخيالي الساحر ، حيث استقبلتنا قطرات المطر وداعبتنا نسمات البرد الرقيقة ، ولكن ما لبثت أن انتبهت من غفلتي وذلك لما وقعت عليه عيني من سلوكيات شعب هذه الدولة .
- لقد استقبلونا بنظرات احترت في فهمها ووصفها ، كنت أرى علامات التعجب والدهشة فيها أحياناً ، وأحياناً أراها نظرات من السخرية المبطنة بالحقد والكره ، وذلك بالطبع تعليقا على لباسنا الإسلامي المميز ، وتعدى الأمر لأكثر من ذلك خاصة عند كبار السن الذين أظنهم لم يحتملوا كبت مشاعرهم، فقد أوقفتنا إحداهن في أحد الأسواق وتفوهت بكلمات كلها غضب وسخرية لم نفهم منها إلا ( Saudi Arabia ) ففهمت بعد ذلك أنها تنظر لنا على أننا إرهابيون وكأن لسان حالها يقول : ماذا تريدون في بلادنا بعد كل ما فعلتموه من قتل تدمير ؟
- وهناك موقف آخر ترددت في تقبله بين الرضا والرفض وهو اعتزازهم الشديد بلغتهم فكانوا – أحياناً – يرفضون أو أنهم لا يحبون التحدث إلا بلغتهم ، فأعجبني اعتزازهم بلغتهم وساءني حالنا نحن العرب حيث أهملنا اللغة العربية وصارت اللغة الإنجليزية تطغى على تعليمنا ومعاملاتنا ، رغم ما للغة العربية من مكانة عظيمة لاسيما وهي لغة القرآن الخالد ولغة السنة النبوية المطهرة ، فأنشدت حينها قول شاعرنا حافظ إبراهيم حين تحدث على لسان الفصحى:
أنا البحر في أحشائه الدرُّ كامــنٌ * فهل سألوا الغواص عن صدفاتي
فيا ويحكم أبلى وتبلى محاسنـــي * ومنكم وإن عز الدواء أساتـي
فلا تكلوني للزمان فإننــــــي * أخاف عليكم أن تحين وفاتي
أرى لرجال الغرب عزاً ومنعــــة * وكـــم عز أقوام بعز لغـــــات
فزادني هذا الموقف اعتزازاً بلغتي العربية وإخلاصاً لها...
- أما الموقف الذي تعجبت منه هو : أنه عندما كنا في موقف محطة القطارات حيث كنت منشغلة بالتحدث مع أولادي إذ بي أرى أحدهم يتحدث مع زوجي بلطف ويمد له إحدى الكتيبات فسارعت بعد انصرافه لأسأل زوجي فإذا به يبتسم قائلاً : إنه يدعوني للنصرانية ، فبادلته الابتسامة ولكن في داخلي حزنت على حالنا نحن المسلمين وعن تقاعسنا في الدعوة إلى الله وامتثالنا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، رغم أنني حاولت نشر بعض الكتيبات المعرفة بالإسلام ولكنها كانت جهوداً بسيطة ..فلو أن كل مسلم قام بدوره في الدعوة إلى الله لعاد على نفسه وأمته بالخير الكثير ، فالدعوةُ إلي الله – إخوتي - هِي مِن أعظِمِ الأعمالِ وأكثرُها تشريفاً وإجلالاً عِند المولِي عز وجل.
فهي رِسالةُ الأنبياءِ وهمهُم الذِي ما أنتهَي إلا بالتبلِيِغ والأخذُ بِأيدِيِ
عبادُ الله، وكذلك فهي بابٌ واسِعٌ مِن الخيرِ وجزِيِلِ الأجرِ والإحسانِ بإذن الله
قال صلى الله عليه وسلم :" من دعَا إلي هُدي كانَ لهُ من الأجرِ مثل أجوُر من تبعه لا ينقُص ذلِك من أجورِهم شيء " وقوله كذلك:" لأن يهدِي الله بِك رجُلا واحداً خيرٌ لك من حمرِ النعَم "
- ومن الأمور التي استوقفتني وأذهلتني كذلك هي مدى انضباطهم وحرصهم على النظام والالتزام والهدوء في كل مكان ، فنظام في المرور.. نظام في طوابير الألعاب .. نظام في صفوف الدفع في الأسواق .. نظام في انتظار الحافلات والقطارات . نظام في كل شيء .
فقلت في داخلي - مقارنة بين الفوضى التي نراها كثيراً في بلادنا العربية الإسلامية - ألسنا بأولى بهذا النظام خاصة وأن ديننا الإسلامي يأمرنا به وقد ربانا عليه فلا تكاد أي فريضة أمرنا بها إلا وكان النظام والالتزام أحد أركانها .
لذلك كنت أوصي أولادي دائماً بالنظام وكنت أذكرهم بأنهم صورة لدينهم ورمز لبلدهم فليحسنوا هذه الصورة وليكونوا خير سفراء لدينهم و بلدهم .
- أما ملاحظتي الأخيرة - حتى لا أطيل عليكم - فقد أدهشتني كثيراً وذلك لما لمسته منهم من لين وعطف في تعاملهم مع كبار السن والصغار ومن يحتاج إليهم - فحتى أكون منصفة- كنا أحياناً نحتاج للمساعدة في معرفة بعض الأماكن فما أن نطلب منهم مساعدة إلا وقدموها بإخلاص ، حينها أيقنت بأننا لو التزمنا بتعاليم ديننا العظيم وما أوصانا به حبيبنا عليه أفضل صلاة وأزكى تسليم من التحلي بالأخلاق الكريمة وحسن المعاملة لضربنا أروع الأمثلة في الحب والتسامح للعالم أجمع ولكنا دعاة بأفعالنا وسلوكنا ولاستعدنا ماضينا المجيد وصح فينا قول الله عز وجل :( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ) .
.. فها هو إمامنا وحبيبنا عليه أفضل صلاة وأزكى تسليم يسطّر حروفاً من ذهب إذ يدعو للأخلاق الكريمة فيقول :" من أدخل على أهل بيت من المسلمين سرورا لم يرض الله ثوابا دون الجنة " ويقول:" من فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه " ويقول أيضاً :" أقربكم مني منزلة يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً ".
اللهم صل وسلم على نبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ، اللهم اجمعنا به في جنات النعيم و اجعلنا ممن حلت له شفاعته ، اللهم اسقنا من حوضه شربة هنيئه لا نظمأ بعدها ابدا ، اللهم اجعلنا جيرانه في جنة الفردوس وممن يحشر معه يوم الحشر .. اللهم آمين
همسة:
إخوتي في الله: ليحمل كل منا هم الدين والأمة الإسلامية أينما حلّ .. وليتباهى بدينه وعروبته دائماً .. وليكن نبراساً للحق والخير بامتثاله بتعاليم ديننا القويم..لنعلن للجميع بأنا خير أمة بخير دين ..
أختكم : أم راشد - قطر