يوقن الناظر في واقع اللغة العربيّة بتردّي منزلتها بين أهلها وبأنّ الإساءة إليها تأتي من أبنائها قبل الغرباء عنها ؛ فلا عجبَ أن يسعى الأعداء إلى إضعاف منزلتها عند أهلها ليقينهم بأنّها أحد عوامل استقلالهم ، لكنّ العجبَ حين يُسهم بعض أبنائها في إضعافها من حيث يقصدون أو لا يقصدون ، ولستُ هنا في مقام إحصاء مظاهر الخُذلان للعربيّة من أبنائها ، فهو ميدانٌ واسعٌ له مقامٌ آخر ... لكنّي سأقف عند أحد المظاهر الجديدة التي تدلّ على إسهام بعض العرب في الرجوع بالعربيّة إلى الوراء وإحلال غيرها محلّها .
ما أعنيه هنا هو الشعار الجديد لشركة الاتصالات السعوديّة المشتمل على مثالٍ صارخٍ للإساءة البالغة للغتنا العربيّة ، لغة ديننا من قرآنٍ وسنّةٍ ، وشعارنا وحامل تراثنا .. بل السدّ المنيع والحصن الحصين دون الذوبان أمام طوفان التغريب ؛ فقد اشتمل الشعار الجديد على إعطاء اللغة الإنجليزية حقّ الصدارة فيه بوضع الاسم الإنجليزي المختصر للشركة في أعلى الشعار بخطّ كبير ، ووضع الاسم العربيّ أسفل منه بخطّ صغير !!!
لا يمكن تعليل ذلك بالخطأ أو السهو فالشعار الجديد مرّ بدراسات وتعديلات ومناقشات قبل إقراره ، ولذا فالتعليل الوحيد لهذا الخطأ الشنيع هو ( تعظيم الاسم الأجنبيّ للشركة والشعور بأنّه سيرفع من قيمتها وإعطاء الاسم العربيّ المنزلة الثانية فيه مع أنّ الشركة عربيّة في بلدٍ عربيّ ، بل في بلاد الحرمين الشريفين منبع الإسلام !!) ، وهذا هو فعل المنهزمين الذين يرون الجمال والحسن فيما يأتي من الأجنبيّ ، فمع أنّ الشركة سعوديّة إلا أن اسمها الأول في الشعار هو الاسم الأجنبيّ ، وهم بذلك قد فاقوا الذين ذكرهم أديب العربيّة مصطفى صادق الرافعي منتقداً انبهارهم باحتفاظهم بالاسم الأجنبي للشيء الأجنبيّ ، أمّا ما نحن فيه فهو تفضيل الاسم الأجنبيّ لشيء عربيّ .. قال الرافعي :" وأعجبُ من هذا في أمرهم أنّ أشياء الأجنبيّ لا تحملُ معانيَها الساحرةَ في نفوسهم إلا إذا بقيت حاملةً أسماءها الأجنبيّة ، فإنْ سُمّي الأجنبيّ بلغتهم القوميّة نقصَ معناه عندهم وتصاغَر وظهرت فيه ذلّة ... وما ذاك إلا صِغَر نفوسهم وذلّتها ، إذْ ينتخون لقوميّتهم فلا يلهمُهم الحرفُ من لغتهم ما يُلهمهم الحرف الأجنبيّ .
والشرقُ مبتلى بهذه العلّة ، ومنها جاءت مشاكله أو أكثرها ، وليس في العالم أمّةٌ عزيزةُ الجانب تقدّم لغةَ غيرها على لغة نفسها ، وبهذا لا يعرفون للأشياء الأجنبيّة موضعاً إلا من وراء حدود الأشياء الوطنيّة ، ولو أخذنا - نحن الشرقيّين - بهذا لكان وحده علاجاً حاسماً لأكثر مشاكلنا " وحي القلم 3/ 30
إنّني أتساءل : كيف يرضى المسؤولون عن شركة الاتصالات السعودية أن تُهان لغتنا العظيمة في موطنها وبين أهلها ؟؟ !!
كيف يخالفون الأنظمة المعتمدة في بلادنا للأسماء التجاريّة ؟
ألأغراضٍ تجاريّةٍ جاء هذا الشعار ؟
أم هو الانهزاميّة والانبهار بما له صلةٌ بالغرب ؟
يجدر بالمسؤولين عن الشركة تصحيح هذا الخطأ الفاضح ليثبتوا أنّه وقعَ بالخطأ من موظف غير عارفٍ بأبعاد هذا الأمر .
لو أنّي تساءلتُ عن أسباب الزهد بما هو عربيّ اللفظ والميل إلى الأسماء الأعجميّة لوجدتُها ما يلي :
• ضعف أهل العربيّة في بيان قيمتها وأثرها في تعزيز هويّتهم واستقلالهم ، وتقريب هذه اللغة للناس وتيسيرها ليعرفوا قيمتها .
• الطوفان الجارف لمظاهر التغريب في اللغة والثقافة .
• الانبهار من بعض أبناء المسلمين بكلّ ما هو غربيّ والزهد بما هو عربيّ .
• الرغبة في تسويق بضاعةٍ تجاريّةٍ بإلباسها اسماً أجنبيّاً لينجذب إليها المشترون.
إنّ الاطلاع على (نظام الأسماء التجاريّة السعوديّ ) يدلّ دلالة واضحة على المخالفة الصريحة من شركة الاتصالات السعودية لهذا النظام ... [ ويمكن الاطلاع على النظام في الموقع تحت عنوان : نظام الأسماء التجاريّة السعوديّ ].
هل يجدي إرسال استنكار للشركة من الغيورين على اللغة ؟
هل يمكن أن تصحّح الشركة خطأها ؟
ما نستطيع فعله هو الكتابة عن هذا الأمر وتوعية الناس به والتأكيد على أنّ اللغة ليست ألفاظاً يسهل استبدال غيرها بها ، بل هي هويّةٌ وانتماءٌ واستقلال .
أدعو كلّ غيور إلى المشاركة في مناقشة هذه الظاهرة وإيضاح أسباب وقوعها وما يمكن أن يكافحها ويحدّ منها .
Air Jordan 1 Retro High OG "Shadow" Black/Medium Grey-White For Sale