وأننا نتساءل مع الدكتور صلاح الدين المنجد: كم يكون عدد المصنفات العربية المخطوطة لو وصلت إلينا كاملة قبل الفتن والثورات والحروب، وقبل الجهل الذي أصابنا بضعة قرون؟... إن لدينا اليوم ثلاثة ملايين مخطوطة يمكننا أن نسقط مليوناً منها على أنه مكرر، فقد يوجد من الكتاب نسختان أو عشر نسخ، ويمكننا أن نسقط مليوناً آخر على أنه ذو قيمة ضئيلة، لا أصالة فيه قائم على النقل من الكتب التي ألفت من قبل. يبقى عندنا مليون كتاب فيها خلاصة الحضارة العربية في مختلف ألوانها ووجوهها، من القرن الثامن إلى السابع عشر. هل تستطيعون أن تتصوروا كم يقدم هذا المليون من المخطوطات من الأفكار؟ لو قدم كل كتاب فكرة واحدة أصيلة لكان لدينا مليون فكرة وهذا شيء ضخم.
إن تقديرنا لعدد المخطوطات، هو، بالطبع، تقدير غير دقيق تماماً، والعاملون في حقل التحقيق ونشر الكتب مختلفون في عدد المخطوطات العربية الباقية، لكن هذا العدد لا ينقص عن المليونين، وليس بمقدور أحد حتى الآن أن يحدده تحديداً مطابقاً أو ملاصقاً للواقع، لأن هذه المخطوطات لم تفهرس جميعاً، فهناك الكثير من مكتبات العالم لم تفهرس فيها المخطوطات العربية، وهناك مكتبات المساجد والأديرة والمكتبات الخاصة التي تضم مخطوطات عربية لا يعرف عددها، لذلك، فالتقدير يفتقر إلى الإحصاء، وهو بالتالي يستدعي القيام بمثل هذا الإحصاء الشامل، تنفذه أجهزة متمكنة على صعيدي الكفاءة والإمكانيات المادية، وعلى مستوى جميع الدول العربية.
وأما نسبة ما طبع من مخطوطات عربية فلم تتعد: "جزءاً من عُشر مجموعه"، كما يقول البعض، وهي على قول البعض الآخر: "ضئيلة جداً بالقياس إلى عدد المخطوطات".
والحقيقة أن الحديث في هذا المجال لا يمكن أن يؤتي ثماراً، لأن المخطوطات مجهولة العدد، وكذلك المطبوعات، فكما أن التقصير والإهمال حاصلان في إحصاء المخطوطات فهما أيضاً حاصلان في إحصاء المطبوعات.
ومع ما لفهرسة المخطوطات من أهمية بالغة في تحديد حجم تلك المخطوطات، وفي تحديد أماكنها، وفي تسهيل عمل المحققين، وفي تجنب نشر مخطوطات لا تستند إلى جميع نسخها، ومع ما لفهرسة المطبوعات من دور فعال في معرفة المخطوطات المطبوعة، تجنباً لتكرار نشر المخطوطات غير مرة وخاصة إذا كان النشر متسماً بالدقة والأمانة ومتبعاً أصول التحقيق وقواعد النشر، فإن عملية إحياء التراث يجب أن تستمر، والكنوز الدفينة يجب أن ترى النور دون أن يقف عدم فهرسة المخطوطات والمطبوعات عائقاً مانعاً أمام المحققين، بالرغم من المتاعب والمحاذير. ولو كانت للعرب خطة تتسم بالمنهجية والتنسيق المتكامل لوضعوا سلم أولويات للوسائل الواجب اعتمادها توصلاً إلى نشر التراث العربي المخطوط، فبدؤوا بفهرسة المخطوطات العربية فهرسة مركزية بمعنى أن هذه الفهرسة تزود المحقق بجميع المعلومات التفصيلية الخاصة بكل مخطوطة (عنوان المخطوطة، اسم المؤلف، عدد نسخ المخطوطة، أماكن وجود كل منها، أرقام تصنيفها، اسم ناسخ كل منها، تاريخ النسخ....)، تلي ذلك فهرسة المخطوطات العربية المطبوعة فهرسة مركزية أيضاً تزود المحقق بالمعلومات الكافية عن كل مخطوطة مطبوعة (اسم المحقق أو المحققين، مكان وتاريخ الطبع، رقم الطبعة..).
وهكذا، لا يُقدِم المحقق على تحقيق المخطوط إذا عرف أن غيره سبقه إلى تحقيقه تحقيقاً علمياً، أو إذا عرف أيضاً أن هناك نسخاً خطية أخرى للمخطوط غير تلك التي يعرفها أو هي بين يديه. وبهذا، لا تظهر كتب محققة غير مرة وفي غير بلد عربي أو أجنبي، ولا يهدر الجهد والوقت سدى، كذلك، لا يضطر المحقق إلى أن يعيد تحقيق الكتاب مرة ثانية إذا فوجئ بظهور نسخ خطية إضافية على جانب كبير من الأهمية، وإن حدث ذلك فسيكون نادراً بفضل توفر الفهرسة المركزية للمخطوطات العربية التي من شأنها إرشاده إلى أماكن جميع النسخ، باستثناء النسخ التي يملكها أفراد يسكتون عن ذكرها، ولا تظهر إلا تحت ظروف وسوانح.
إن نشر المخطوطات لا يمكن أن يكون علمياً وموضع ثقة، إلا إذا اعتمد المحقق الأصول والقواعد المتبعة في التحقيق والنشر. لأن استبدال حروف المطبعة بحروف الناسخ لا يعني إطلاقاً أن الناشر كان أميناً على نصر المؤلف، ويبدو وهم الناشر في ذلك من خلال مايمكن أن يقحمه الناسخ من كلام دخيل على نص المؤلف أو من خلال ما يسقطه من كلام المؤلف أو من خلال ما يشوهه الناسخ من كلمات كان يقرؤها على غير حقيقتها، أو كان يستبدل أخرى بها ظناً منه أنه يحسِّن النص، أو تعمداً منه في الإساءة إلى النص تبعاً لموقفه من المؤلف في الإيجاب أو السلب.
أما تاريخ بدء التحقيق عند العرب، فاختلف الباحثون في تحديده، ويغلب الظن أن تكون محاولاته الأولى قد بدأت في القرن الثامن عشر أو التاسع عشر، أو العشرين. ويبدو أن اختلافهم مآله إلى تباين نظريتهم إلى مفهومهم لمعنى النشر أو التحقيق. فإذا انحصر معنى النشر في تحويل مخطوط إلى مطبوع، فزمن نشر المخطوطات من هذه الزاوية لازم ظهور الطباعة العربية في المشرق العربي (أول مطبعة عربية ظهرت في حلب سنة 1702م، وفي لبنان سنة 1733م. وفي مصر سنة 1821م. وفي العراق وفلسطين سنة 1830م.). وإذا كان النشر يعني تصحيح الأخطاء الإملائية وشرح الغوامض من المعاني واعتماد النسخة الواحدة لمخطوط متعدد النسخات فزمن نشر التراث العربي يعود إلى القرن التاسع عشر، وإذا كان المقصود اتباع القواعد العلمية الدقيقة في التحقيق، كما عرفها الغرب ومعظم المستشرقين وبعض المحققين العرب فزمن النشر يكون منذ أوائل هذا القرن.
وأما عملية طبع الكتب قبل هذا القرن، فلا تستحق تسميتها "محاولات نشر أو تحقيق"، لأنها في الواقع تفتقر إلى الحد الأدنى من أصول النشر، وما طبع قبل هذا القرن هو بحاجة إلى تحقيق، وهو، مع ذلك، يعد خطوة لا مفر منها لأي تراث، ولاشك في أن حافز تلك الخطوة وما أعقبها من محاولات نشر كان ظهور الطباعة.
وحركة إحياء التراث العربي المبنية على أسس ومبادئ علمية بدأت بفهرسة الكثير من المخطوطات العربية على أيد لبنانية، كما بدأت بتحقيق ونشر بعض هذه المخطوطات على أيد لبنانية أيضاً، ومن أبرز من عمل على نشر التراث العربي نشراً علمياً موثقاً الأب لويس شيخو الذي حقق على سبيل المثال: "تهذيب الألفاظ"، لابن السكيت، و"البلغة في شذور اللغة"، و"حماسة البحتري"، و"شرح ديوان الخنساء". "ومن البارزين أيضاً الأب أنطون صالحاني، الذي نشر كتاب "تاريخ مختصر الدول"، لابن العبري، و"ديوان الأخطل"، وغيرهما من النفائس العربية القديمة، ومن الذين صرفوا حياتهم لإحياء العربية ونصرة تراثها الأب انستاس ماري الكرملي الذي ولد في بكفيا بلبنان، وعاش في العراق حيث وهب نفسه لخدمة اللغة العربية وآدابها القديمة.
أما في مصر فيرجع الفضل في اتخاذ الخطوة الأولى في التحقيق والنشر إلى أحمد زكي باشا الذي حقق كتاب "أنساب الخيل"، وكتاب "الأصنام" لابن الكلبي، فكان عمله هذا فاتحة تقدم لجهة تقديم النص وضبطه والتعليق عليه وشرح غامضه وإلحاق الفهارس التحليلية به، واستخدام علامات الترقيم الحديثة.
بعد ذلك توالى تحقيق الكتب التراثية في مختلف الأقطار العربية، وخاصة في مصر والعراق وسوريا ولبنان والكويت. وكان توالي ظهور الكتب المحققة على مستويين: مستوى أفراد، ومستوى هيئات خاصة وعامة.
وهنا، نشير إلى أن مبادرة الباحثين الأفراد في مجال التحقيق كانت أسبق من مبادرة اللجان أو المجالس أو الهيئات الخاصة والعامة. وهذا الأمر أصبح مسلماً به في أكثر من مجال، فرأينا أن معظم المخطوطات تحقق على صعيد أفراد، حتى برزت أسماء كثيرة من المحققين، لكن هذه الأسماء ما لبثت أن دخلت في إطار لجان ومجامع علمية ومجالس أدبية، وهذا أمر طبيعي، لكن الأسماء ظلت أكثر شهرة من الهيئات، وارتبط تاريخ التحقيق بأسماء أعلام المحققين أكثر من ارتباطه بأسماء المجامع والمجالس واللجان والهيئات.
لكن هؤلاء المحققين لم يطبقوا أصول التحقيق العلمي تطبيقاً دقيقاً، فقد تجاوزوا كثيراً من هذه الأصول على صعيدي النقد الداخلي والنقد الخارجي للمخطوط.
أما حركة التحقيق والنشر على مستوى الهيئات فقد تمثلت فيما قامت به دار الكتب المصرية من نشر أمهات الكتب العربية وموسوعات التراث، وتجدر الإشارة في هذا المجال إلى أن هذه الدار أنشئت سنة 1870م. وتأسست المكتبة فيها سنة 1876م.
وفي مصر أيضاً أسهمت عدة هيئات بحركة إحياء التراث، فنشرت وزارة الثقافة (مركز تحقيق التراث)، مخطوطات هامة، وشارك المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في هذه الحركة، فأنشأ لجنة إحياء التراث الإسلامي التي قامت بنشر عدد من كتب تراث الإسلام، كما شاركت في عملية نشر المخطوطات لجنة التأليف والترجمة والنشر، ويضاف إلى جميع هذه الهيئات المعهد العلمي الفرنسي بالقاهرة والمجلس الأعلى للفنون والآداب، وأخيراً معهد المخطوطات العربية الذي أنشأته جامعة الدول العربية بتاريخ 4/4/1946. وقد استهل هذا المعهد أعماله بوضع بطاقات للمخطوطات المنوي تصويرها، وأعقب ذلك تصوير المخطوطات في كل من سوريا ولبنان ومصر عام 1947، وفي العام التالي جرى تصوير ما يقرب من /3000/ مخطوط، وفهرسة /15000/ مخطوط من 17 مكتبة خارج الأقطار العربية، واستمرت عمليات التصوير حتى أصبحت مكتبة معهد المخطوطات تضم 25 ألف مخطوط ميكرو فيلم.
ومن أطرف ما ذكر عن نشاط المعهد إزاء ما هو مطلوب ماقاله الدكتور عبد الوهاب أبو النور في مجلة "الدارة" السعودية (عدد 1 سنة 5 ص196): "وقد أنشئ المعهد منذ ما يزيد على ثلاثين عاماً، وتمكن من تصوير ما يقرب من 18 ألفاً من المخطوطات، ورغم أن هذه حصيلة طيبة، إذ يقف المعهد في الميدان وحده تقريباً، إلا أن هذا العدد لا يذكر بالمقارنة مع عدد المخطوطات العربية في العالم، وهو يقارب المليونين (يرى غيره أن العدد يقارب الثلاثة ملايين)، ولو استمر المعهد على هذا المعدل فإنه يحتاج لإتمام العمل كله إلى أكثر من ثلاثة آلاف سنة.
وفي مجال ذكر الهيئات التي أسهمت في التحقيق والنشر المعهد العلمي الفرنسي بدمشق ووزارة الثقافة والسياحة والإرشاد القومي السورية (إحياء التراث القديم) ووزارة الإعلام العراقية ودائرة المطبوعات والنشر الكويتية، وأخيراً الجامعات والمجامع العلمية العربية. لكن هذه الهيئات جميعها ما تزال مقصرة جداً عن الحد الأدنى المطلوب، لأن كتل المخطوطات الواجب تحقيقها تستدعي تجنيد طاقات هائلة، وتستوجب النشاط المكثف وليس العمل المتراخي، على الرغم مما نشرته من كتب ومن مجلات تعنى بشؤون التحقيق والنشر.
أما دور النشر فقد قام تعاملها مع المخطوطات والمحققين ولا يزال قائماً على مبادئ تجارية في معظم الأحيان، ولعل أصدق ما ذكر عن هذه الدور وعن أصحابها ما قالته الدكتورة بنت الشاطئ: "وأكثر تراثنا الأدبي ما تزال ذخائر مخطوطاته مبعثرة في شتى أنحاء الدنيا، وأكثر ما نشره الناشرون منه كان في طبعات تجارية سقيمة غير محققة، يرفض المنهج اعتمادها أساساً للدرس، وليست من الوثائق المعتمدة".
لكن هذه الدور لم تكن تنشر الكتب على مستوى واحد من التحقيق والتوثيق، فثمة السمين، وثمة الغث، وهناك المحقق المشغول، وهناك السقيم التجاري المشحون بالأخطاء والتصحيف والتحريف.
ولما شعر المحققون الغيارى على التراث أن نشر المخطوطات يتم على غير نهج موحد، وأن كثيراً من المحققين لا يعرفون تماماً أصول التحقيق ومبادئه فيقعون عن حسن نية في أخطاء كثيرة غير جائزة، بادروا إلى وضع قواعد وأصول للتحقيق، وهم يحذون في ذلك حذو المستشرقين الذين سبقوهم في نشر الكثير من أمهات الكتب العربية نشراً علمياً دقيقاً. وفيما يلي موجز لمحاولات وضع تلك القواعد والأصول:
سنة 1944 تحدث الدكتور محمد مندور بإيجاز عن قواعد نشر النصوص الكلاسيكية في مقالين ظهرا في مجلة الثقافة (العددان 277 و 280)، ثم نشرهما في كتابه "في الميزان الجديد".
سنة 1949 أصدرت وزارة المعارف المصرية قراراً بتشكيل لجنة من العلماء لنشر كتاب "الشفاء" لابن سينا، وقد رسمت هذه اللجنة منهج هذا النشر، وأشرفت على تنفيذه.
سنة 1951 كلف المجمع العلمي العربي بدمشق لجنة من العلماء، لوضع قواعد عامة تتبع في تحقيق مجلدات تاريخ ابن عساكر.
سنة 1953 نشر الدكتور عبد المنعم ماجد كتابه "مقدمة لدراسة التاريخ الإسلامي"، عقد فيه فصلاً عن تحقيق النص القديم.
سنة 1954 نشر الأستاذ عبد السلام محمد هارون كتيباً يقع في 93 صفحة دون نماذج الخط والفهارس، وهو بعنوان: "تحقيق النصوص ونشرها"، قال فيه مؤلفوه أنه: "ثمرة كفاح طويل وجهاد صادق، وتجارب طال عليها المدى في نشر النصوص القديمة".
سنة 1955 نشر الدكتور صلاح الدين المنجد مقالاً عن "قواعد تحقيق المخطوطات"، في مجلة معهد المخطوطات العربية (مجلد 2 جزء 2 سنة 1955 ص 317 ـ 337). ثم ظهر هذا المقال في كتيب مستقل مؤلف من 30 صفحة.
سنة 1969 قام الدكتور محمد حمدي البكري بإعداد ونشر محاضرات المستشرق براجستراسر الذي ألقاها بجامعة القاهرة خلال فترة (1931 ـ 1932) بعنوان: "أصول نقد النصوص ونشر الكتب".
سنة 1970 عالج الدكتور علي جواد الطاهر مبادئ التحقيق في كتابه: "منهج البحث الأدبي".
سنة 1971 تناولت الدكتورة بنت الشاطئ مبادئ التحقيق في كتابها: "مقدمة في المنهج".
سنة 1972 عقد الدكتور شوقي ضيف فصلاً عن توثيق النصوص وتحقيقها في كتابه "البحث الأدبي".
سنة 1972 عقد الدكتور نور الدين عتر فصلاً عن التحقيق في كتابه: "منهج النقد في علوم الحديث".
سنة 1974 نشر محمد علي الحسيني ضمن كتابه "دراسات وتحقيقات"، أمالي المرحوم الدكتور مصطفى جواد في أصول التحقيق.
سنة 1975 نشر الدكتوران نوري حمودي القيسي وسامي مكي العاني كتابهما، وهو بعنوان: "منهج تحقيق النصوص ونشرها".
سنة 1977 عقد الدكتور عبد الرحمن عميرة باباً لتحقيق المخطوطات في كتابه "أضواء على البحث والمصادر".
سنة 1977 نشر الدكتور محمد طه الحاجري مقالاً في مجلة "عالم الفكر"، الكويتية (مجلد 8، عدد1)، بعنوان: "تحقيق التراث: تاريخاً ومنهجاً".
سنة 1979 نشر أحمد الجندي مقالاً في "المجلة العربية" السعودية، بعنوان: "تحقيق التراث".
سنة 1979 نشر الدكتور عبد الوهاب أبو النور مقالاً في مجلة "الدارة" السعودية عدد 1 سنة 5 بعنوان: "قضية التراث".
سنة 1980 ألقى الدكتور حسين نصار بحثاً بعنوان: "منهج تحقيق التراث العربي وقواعد نشره"، في الندوة الأولى عن التراث التي عقدت في القاهرة.
سنة 1982 نشر الدكتور بشار عواد معروف كتيباً بعنوان: "ضبط النص والتعليق عليه".
سنة 1982 نشر الدكتور عبد الهادي الفضلي كتاباً بعنوان: "تحقيق التراث" نشرته مكتبة العلم بجدة، السعودية.
وأخيراً يجب أن نشير إلى أن المستشرقين بلاشير وسوفاجيه أخرجا كتيباً بالفرنسية بعنوان: "قواعد لنشر النصوص وترجمتها"، وذلك سنة 1945 ولم يترجم إلى العربية حتى اليوم مع أنه مخصص للمخطوطات العربية بالذات.
وقد كان لي نصيب متواضع في هذا المجال، إذ وضعت كتاباً سنة 1981 بعنوان : "المخطوطات العربية: تاريخها وأصول تحقيقها"، يقع في 620 صفحة وهو قيد الطبع حالياً.
إن جميع هذه المحاولات الدائبة لوضع مبادئ وقواعد للتحقيق لم تتوصل إلى خلق تيار ضاغط على جميع المحققين ليجروا في مجراه، إذ أن نشر المخطوطات لا يزال يتم حالياً وفق ما يرتئيه كل محقق، فالاختلاف في المنهج بين محقق ومحقق قائم، والجدية والجَلد والتروي والتجرد والتقصي والحذر والشك والتدقيق والتثبت والتمكن من اللغة في مختلف علومها، والاطلاع الواسع العميق، وسائر الصفات الواجب توفرها في المحقق تتفاوت بين المحققين، ويتفاوت بالتالي مستوى التحقيق بين كتاب وآخر، وحتى في الكتاب الواحد إذا حققه أكثر من محقق.
إن وضع قواعد التحقيق وأساليب النشر يعني العمل على إنشاء علم التحقيق وإعطائه الاستقلالية المميزة له عن سائر العلوم مع استمرار خاصيته في الارتباط الوثيق بتلك العلوم.
وتوضيحاً لهذا العلم، نورد التحديد العام المتواضع عليه بين جمهور المحققين فنقول إن التحقيق علم وفن يراد بهما إخراج النص المراد نشره كما وضعه مؤلفه تماماً وارتضاه لنفسه نهائياً، دون التعليقات والشروح المثبتة على هوامش النص. والكتاب المحقق: هو الذي صح عنوانه، واسم مؤلفه، ونسبة الكتاب إليه، وكان متنه مطابقاً للصورة التي تركها مؤلفه أو أقرب ما يكون إليها (Constitus textus).
ولا يخفى أن بلوغ جميع هذه الغايات أو الحقائق يتطلب الكثير من المعارف والخبرات، ويستوجب تعمقاً وتفهماً دقيقين لمبادئ التحقيق وأصول النشر، فعسى المحققين يتسلحون بكل ذلك، لينقلوا إلى العالم العربي والعالم كله ذخائر التراث العربي بأمانة وموضوعية يفرضهما العلم والحق.
بيروت في 10/10/1984
د.جورج ميخائيل كرباج
أستاذ الأدب العربي في الجامعة اللبنانية
يقيم معهد التراث العلمي العربي في جامعة حلب وبالتعاون مع محافظة الرقة المؤتمر السنوي التاسع لتاريخ العلوم عند العرب ويحتفل خلال انعقاد المؤتمر بمرور عشرة قرون على وفاة العالم العربي الرقي "أبي عبد الله البتاني" يومي الأربعاء والخميس 24 ـ 25 نيسان 1985م. في مدينة الرقة.
----------------
نشر هذا البحث في :
مجلة التراث العربي-مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب-دمشق العدد 18 - السنة الخامسة - كانون الثاني "يناير" 1985 - ربيع الثاني 1405