حوار مع د. سامي نجيب رئيس جمعية لسان العرب لـ «العالمية»: رسالتنا تهدف إلى النهوض بلغة القرآن الكريم
مجلة «العالمية» حاورت رئيس الجمعية د. سامي نجيب للتعرف على دور الجمعية في الحفاظ على اللغة العربية، والتصدي لمحاولات النيل منها فكان هذا الحوار:
* لو عدنا إلى الوراء قليلاً متى وكيف أسست الجمعية وما أهدافها الرئيسية؟
- تأسست جمعية لسان العرب لرعاية اللغة العربية في عام 1992م، ولم يكن تأسيس الجمعية وخروجها إلى الوجود أمراً هيناً!
وقد استند فكر التأسيس لهذه الجمعية إلى رؤية إستراتيجية بعيدة المدى، جاءت نتيجة دراسة واعية لواقع الأمة العربية، وموقع هذه الأمة ومستقبلها، حيث تستند كل أمة إلى مدى ازدهار ونضج لغتها، وربما أثبتت اللغة العربية ازدهاراً ونضجاً لم تتبع بها لغة أخرى، وذلك بفضل الرعاية والتطوير والمتابعة المستمرة، وقد أثبت رصد واقع اللغة العربية في الربع الأخير من القرن العشرين حاجتها لاستيعاب أغراض الحياة العلمية والعملية والإبداعية. من هنا كان مولد المجامع اللغوية العربية خلال القرن الماضي، إلا أن نشأة هذه المجامع كانت حكومية، وجاءت موازية لظهور الجامعات، في الوقت نفسه ظهرت الحاجة الشديدة لقيام جهود أهلية لرعاية هذه اللغة على أساس الأخذ بأسلوب الإدارة الفعالة، وسرعة اتخاذ القرار، وحيوية الحركة والانتشار، وهذا هو الفكر المؤسس والدافع القوي لإنشاء جمعية لسان العيب.
وتعتبر جمعية لسان العرب هي أول جمعية أهلية في مصر لرعاية اللغة العربية وقد ضمت تحت لوائها المتخصصين في اللغة العربية والعاشقين لها من علماء وأساتذة ومفكرين من كافة التخصصات في كل أنشطة الحياة، ومن رجال غيورين على لغتهم وهويتهم العربية، الذين لا يألون جهداً في الذود عنها ضد أية تيارات دخيلة ومناهضة لهذا اللسان العربي المبين، الناطق بلغة القرآن الكريم.
كذلك هي ثاني أقدم جمعية لرعاية اللغة العربية على المستوى العربي، بعد جمعية اللغة العربية بالجزائر الشقيقة.
نشاطات متعددة :
* وماذا عن أنشطة الجمعية وعلاقاتها بالمؤسسات العربية والدولية أجندتها اللغوية والثقافية على مدار أكثر من عقد من الزمان؟
- تعددت أنشطة جمعية لسان العرب، وتنوعت أوجه اهتماماتها في المجالات الأدبية والمحلية ساعية في ذلك رعاية اللغة العربية. ولقد تضمنت هذه الأنشطة العمل على عقد المؤتمرات والندوات المتعلقة بتنشيط اللغة خاصة بين شباب الجامعات والمدرس. كذلك المشاركة في المؤتمرات والندوات المحلية والإقليمية والدولية التي تعقد في شأن اللغة العربية في الداخل والخارج باعتبارها لغة حضارة، وإحدى اللغات الستة المعترف بها من قبل هيئة الأمم المتحدة ومؤسساتها الدولية التابعة لها.
ونذكر في هذا الصدد تكليف منظمة اليونسكو جمعية لسان العرب الاحتفال باليوم العالمي للغة الأم، حيث تنظم الجمعية احتفالاتها بين طلاب المدارس فتقام الندوات وتجرى المسابقات، فيتم توزيع شهادات التقدير والجوائز على المتسابقين من الطلبة وهيئات التدريس.
أيضاً تحرص الجمعية ضمن أنشطتها على نشر الكتب والموضوعات الخاصة باللغة العربية والنقل منها وإليها. كما يتم تنظيم برامج تدريبية وحلقات بحث في تكوين وصقل المهارات في فن الكتابة والتحدث بالعربية، كذلك نعمل على إنشاء شعب متخصصة بغرض تحقيق الارتباط العلمي بين أعضاء الجمعية والباحثين في مجالات تنشيط استخدام اللغة العربية في مختلف أنشطة الحياة.
أيضاً تساهم الجمعية في إنشاء مؤسسات تعليمية نموذجية تدرس اللغة العربية بأسلوب عصري، إضافة إلى حث الأعضاء على عمل بحوث في مجال محو الأمية، والمساهمة في تكوين كوادر مدربة للعطاء في هذا المجال الحيوي العام.
لقد حرصت جمعية لسان العرب منذ إنشائها على تشجيع الباحثين وشحذ هممهم للقيام بالبحوث والدراسات العلمية المتعلقة باللغة العربية بكافة الطرق وفي كافة المجالات، وكان نتيجة لذلك أن تلقت الجمعية خلال مؤتمراتها السنوية منذ عام 1994 وحتى 2003م أكثر من 350 بحثاً في شتى المجالات المتعلقة باللغة العربية من باحثين مصريين وعرب ومسلمين من غير العرب.
صعوبات ومعوقات :
* أعداء اللغة العربية كثيرون وتحدياتها عظيمة كيف استطاعت الجمعية أن تسلك طريقها في ظل هذه الصعوبات؟
- منذ مولد جمعية لسان العرب عام 1992 وإقامة أول مؤتمر سنوي لها عام 1994 والجميع يمد لها يد العون والمساعدة ويقف بجانبها حبا للغة ورغبة في مواصلة مسيرة الجمعية فهناك من الشخصيات التي ساهمت بالجهد والمال وحتى عمرها من أجل مولد الجمعية واستمرار عطائها وأخص بالذكر هنا مؤسس الجمعية الراحل الدكتور عاطف نصار ورئيس الجمعية حتى وفاته العام الماضي الذي أعطى للجمعية كل ما يملك ولم ينجل بشيء عليها حتى وفاته. ولا شك أن هناك الكثير والكثير من الشخصيات في المجالات المختلفة التي أعطت ومازالت تعطي للجمعية قدر استطاعتها من أجل مواصلة المسيرة.
أما المؤسسات العربية ودورها لتشجيع الجمعية فتتقدمهم جامعة الدول العربية التي احتضنت جميع مؤتمرات الجمعية السنوية العشر ورعتها حتى الآن سواء في عهد الدكتور عصمت عبد المجيد الأمين العام السابق، أو في وقت الأستاذ عمرو موسى الأمين العام الحالي.
ولو أردنا الحديث عن الشخصيات العربية التي احتضنت نشاط الجمعية ودفعت به للأمام إيماناً برسالة الجمعية السامية من اجل النهوض بلغة القرآن الكريم نجد في أول الصفوف - نجد الأستاذ عبد العزيز البابطين الأديب والشاعر والمحب والمتيم باللغة العربية رئيس مجلس أمناء مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري واحد ابرز الوجوه المرموقة من الشقيقة الكويت والذي قدم للجمعية الكثير والكثير وترأس المؤتمر السنوي العاشر الذي عقد في أكتوبر من العام الماضي تحت رعاية جامعة الدول العربية.
عصر العولمة :
* المؤتمر الأخير حمل عنوان اللغة العربية في عصر العولمة .. إلى أي مدى تأثرت اللغة بقيم العولمة وما أبرز الخطوات العملية التي ترتبت على المؤتمر؟
- عقد المؤتمر الأخير وهو العاشر ضمن سلسلة المؤتمرات السنوية التي تقيمها جمعية لسان العرب في مقر الأمانة العامة بجامعة الدول العربية تحت رعاية أمينها العام عمرو موسى ورئاسة الأستاذ عبد العزيز سعود البابطين من الشقيقة الكويت، وذلك في شهر أكتوبر الماضي.
وكان اختيار عنوان المؤتمر «اللغة العربية في عصر العولمة» محاولة لتوضيح مدى تأثير العولمة على لغتنا العربية، وتبيان حقيقة العولمة، والتعريف المتفق عليه، وما هي أهدافها وأثرها في عالم الثقافة، ودورها في حضارات الأمم.
إننا ندرك أن العولمة تحمل فرصاً معرفية هائلة مصاحبة لهذه الثورة العلمية والتكنولوجية، وهذا التطور الهائل في وسائل الاتصالات وتقنية المعلومات، ومن ثم إتاحة فرص استثمارية ضخمة تحتم فتح الأسواق، وفك القيود التقليدية السائدة. إلا أننا علينا أن ندرك أيضاً أن العولمة تحمل بين طياتها مخاطر عديدة بعضها ظاهر والآخر خفي في المجال الثقافي هناك مخاطر عديدة تتضمن إذابة الحضارات أو تهميشها وخلق ثقافة إنسانية تعمل على تفكيك كل الثوابت المراد إعادة صياغتها أو تقيمها بداية من الدين مروراً بالقيم الاجتماعية وإنهاء بإعادة صياغة الخطاب الثقافي والإعلامي والتعليمي وفقاً لرؤى معينة!
إننا كعرب ومسلمين لا نستطيع تجاهل ايجابيات العولمة الواضحة، وكذلك لا يمكننا غض البصر والوقوف مكتوفي الأيدي إزاء آثارها السلبية الواضحة كالغزو الثقافي ومحو الهوية القومية والتهاون في ثوابت الدين.
هذا هو موضوع المؤتمر الأخير لجمعية لسان العرب، وقد أتى مواكباً لما يحدث على الساحة العالمية، ورأينا أن نضع العولمة تحت مجهر العلماء والمفكرين العرب لتبيان ايجابياتها وسلبياتها خاصة وأنها قد تحولت من النظرية إلى التطبيق.
لقد تقدمنا إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى بمشروع إنشاء آلية لترجمة أمهات الكتب من العربية إلى اللغات الأخرى والتي تكاد الساحة العالمية تخلو من هذه الترجمات في شتى مجالات العلم والمعرفة والثقافة، وذلك لتقديم إسهامات الحضارة العربية والإسلامية في بناء الحضارة الإنسانية للقارئ الأوروبي بعين الحقيقة وبعيداً عن التوجهات المغرضة لبعض المستشرقين، على أن يتم تمويل هذا العمل الكبير من مساهمات الدول العربية الأعضاء بالجامعة وفي صندوق خاص لهذا المقترح. وبذلك نكون قد انتقلنا من التوصيات المكتوبة إلى الواقع التنفيذي، وحتى لا تكون التوصيات مجرد بضاعة مزجاة والعرب فيها من الزاهدين.
أجندة مستقبلية :
* وماذا تحمل أجندتكم المستقبلية؟
- لقد تم الاتفاق من حيث المبدأ على عقد مؤتمر عربي هام خلال الفترة المقبلة تكون أولى مهامه كيفية تطبيق توصيات ونتائج المؤتمرات السابقة على أرض الواقع وإلزام الوزراء العرب في مجالات التعليم والثقافة والإعلام بالعمل على تفعيل هذه القرارات والأخذ بها عملياً.
هذا المؤتمر هو الأول من نوعه الذي تسعى لإقامته جمعية لسان العرب تحت رعاية جامعة الدول العربية، ولقد تم تشكيل وفد من الجمعية وكان لي شرف رئاسة حيث قام بزيارة عمل للعديد من العواصم العربية والتقى برؤساء المجامع اللغوية لشرح أهداف هذا المؤتمر دورهم في الاتصال بوزراء التعليم والثقافة والإعلام في بلدانهم والتأكيد على أهمية مشاركتهم في هذا المؤتمر من اجل إضفاء طابع الإلزام والعمل على تطبيق القرارات التي ستصدر عن المؤتمرين وترجمتها على ارض الواقع. وذلك بدلاً من الأسلوب التقليدي للمؤتمرات السابقة التي كانت تعقد بحضور أهل الاختصاص من رؤساء الجمعيات اللغوية في غياب الوزراء المعنيين حيث يتم رفع التوصيات إلى مسؤولي الحكومات العربية، ولا تجد طريقها للتطبيق!
سوف نعمل في هذا المؤتمر على توحيد منهجيات اللغة العربية والوصول للأسلوب الأمثل لتطبيقها بالدول العربية، كذلك الوقوف بشكل جماعي رسمي وأهلي ضد استخدام اللهجات العامية في وسائل الإعلام خاصة بعد انتشار القنوات الفضائية التي استشرت المفردات العامية في لغتها بشكل خطير.
الوفد وجد الاستجابة من المسؤولين في الدول العربية، والرعاية من جامعة الدول العربية، والدعم المادي والمساندة المعنوية من الأستاذ عبد العزيز البابطين. بقي أن يتم تحديد الموعد النهائي المناسب لانعقاد المؤتمر وتوجه الدعوات الى الوزراء العرب ورؤساء المجامع اللغوية، ومسؤولي الجمعيات الأهلية المهنة باللغة العربية.
إننا ندرك أن الله سبحانه وتعالي قد حفظ هذه اللغة التي انزل بها القرآن الكريم مصداقاً لقوله تعالى «إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون» ولكن علينا أن ندرك أن حفظ الذكر من قبل الله عز وجل لا يمنع من تضافر الجهود لحفظ اللغة من الاغتراب الذي نعانيه الآن.
وهنا يجب تفعيل دور الجمعيات الأهلية، وتنشيط دور مجامع اللغة العربية والتزام المسؤولين العرب بتوصيات المؤتمرات وتحويلها إلى واقع ملموس يحمي اللغة وينهض بناطقيها.
=====
مجلة العالمية : ( الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية ):
العالمية - شعبان - 1425 هجرية - أكتوبر2004 م - العدد (173) - السنة السادسة عشر
http://www.iico.org/al-alamiya/issues-1425/issue-173/Arabic.htm