الأكاديمي العراقي د. يوسف عز الدين: أعداء اللغة العربية.. عابرون في كلام عابر!
لغة الضاد باقية ما دام القرآن الكريم باقياً أبد الدهر.
قرارات مجامع اللغة العربية مجرد "حبر على ورق".
حوار: جمال عبد الدايم
_______
أكد الأكاديمي والناقد العراقي الدكتور يوسف عز الدين أن الدعوات التي تثار بين الحين والآخر بشأن التخلي عن قواعد اللغة العربية بدعوى جمودها مجرد "كلام عابر" دعا إليه من قبل بعض كبار المثقفين العرب من أمثال سلامة موسي ورفاعة الطهطاوي وسواهما، أما اللغة نفسها فهي حصن منيع غير قابل للاختراق لأنها لغة القرآن الكريم "الكتاب المحفوظ" وستبقى ببقائه أبد الدهر.
ود. يوسف عز الدين –لمن لا يعرفه- واحد ممن يطلق عليهم "حماة اللغة العربية في عصرنا، فهو عضو بارز في مجامع اللغة في كل من القاهرة ودمشق وعمان وتونس، وله أكثر من ستين كتاباً في اللغة والنقد والدراسات الأدبية المقارنة:
* سألناه : ترتفع من آن إلى آخر الدعوات التي تطالب بتطوير اللغة العربية وتحديثها أو إحلال العامية محل الفصحى نظراً لصعوبة اللغة العربية فما رأيك؟
- فأجاب: ليست هذه المرة الأولى التي تثار فيها قضية اللغة العربية وصعوبتها، فقد استهدفت اللغة منذ أن وطأ الغرب الوطن العربي لأنها الرابطة القوية التي تربط أبناءها وتلم شعث العرب وتوحدهم، وبدأت ظاهرة الهجوم أولاً بالدعوة إلى استعمال اللغة العامية وقد عالجت الأمر في محاضرة بمجمع اللغة العربية ونشرت في مجلة "الفيصل" وحذرت من هذه الدعوة.. ومن أبرز الداعين إليها "وليم سبيتا" في القرن التاسع عشر الذي كان موظفاً بدار الكتب المصرية عندما أصدر كتابه "قواعد اللغة العامية في مصر"، ومنهم "يعقوب صنوع" ووقع في الخطأ "رفاعة رافع الطهطاوي" في كتابه "أنوار توفيق الجليل في أخبار مصر وتوفيق بن إسماعيل" الذي ألفه عام 1868م متأثراً بالفرنجة وهو في باريس، ومضى في الدعوة إلى العامية المستشرق –الإنجليزي- "وليم ويلكوكس" وكان يلقى محاضراته بالعامية مدعياً عجز اللغة العربية، بينما العجز الحقيقي في فهمه لها، واستجاب لهذه الدعوة سلامة موسى والمستشرق الألماني "فلورس"، وجاء اليوم من أبناء العربية من يثور ويريد أن يهدم كيان العربية الفصحى وقواعدها التي تقوم عليها وهو الكاتب شريف الشوباشي الذي يدعو إلى إلغاء المثنى ونون النسوة، وتذكير الأرقام، وإلغاء التشكيل وغير ذلك من الآراء التي يعتريها خلط في الفهم وتسرع في الرأي، وصراخ من كثرة المترادفات في اللغة.. وقد بادر زملاء أفاضل بالرد عليه مثل "جابر عصفور" و"حسين نصار" و"محمد عناني" و"عبد الله التطاوي" و" إبراهيم عوض " و"محمد داود ". ولو تساءلت هل قواعد اللغة العربية الفصحى بحاجة إلى تطوير أو تغيير؟! لوجدت الدكتور عصفور يؤكد حاجة اللغة العربية إلى التطوير، ويرى التطاوي ضرورة التطوير، أما الدكتور نصار فيرى أن اللغة تطور نفسها بنفسها، ولا يعترض أمين فاخر على التطوير، وقد رضي عناني بفتح باب الاجتهاد، ورأى مصطفي عبد الغني أن اللغة العربية كائن حي ولابد أن يتطور ونحن نعيش في ظل العولمة، أما أبو همام فكتب موضحاً أن العيب ليس في قواعد اللغة وإنما في غيبة الوعي بها وأسلوب تعلمها.
لا كهانة في اللغة :
* هل تتفق مع اتهام حماة اللغة العربية بالجمود وعدم السعي لتطويرها؟
- لا بالطبع.. لكنى كنت أتمنى من الزملاء الأفاضل وهم رواد الفكر وأساتذة العربية، وبعضهم من مارس تعليم اللغة سنوات أن يرسموا الخطط التي تدعو إلى هذا التطوير والتحديث، ولعل أكثرهم لا يعرف بالدعوات التي صدرت عن مجمع اللغة العربية بهذا الشأن ولم يقرأوا توصيات المجمع، وما أصدره الدكتور شوقي ضيف في هذا الصدد، وما كتبه الدكتور كمال بشر، وكنت شخصياً قد دعوت منذ سنوات لهذا الأمر وفي أحد كتبي وأقولها بصراحة: إن هؤلاء الأساتذة وكل من يعلم العربية هو المسئول عن عدم أخذ المبادرة في التطوير والتحديث ولا أعفي نفسي من هذا المأخذ، لأن جريمة التجديد يجب أن تعقد لها مؤتمرات سنوية مماثلة لما يعقد في الغرب لدراسة اللغة والتي تصدر عنها قرارات يؤخذ بها، فقد حضرت ذات مرة لقاء للدكتور شوقي ضيف مع أحد المسئولين لكي تأخذ الوزارة بقرارات المجمع، فهل نفذ الوعد؟!
* وما هو رأيكم في الاتهامات الأخرى لسدنة اللغة العربية بأنهم المسئولون عن استغلاقها على الشخص العادي؟
- كلام خاطئ، وربما مرجعه لعدم التخصص في اللغة العربية لأن هذه القواعد تكسب اللغة العربية دقة قد لا تتوافر للغات أخرى، فوجود المثنى مثلاً ليس غاية في حد ذاته لكنه وسيلة لتحري الدقة، وهو ما يميز اللغة العربية عن غيرها من اللغات.
* يذهب البعض إلى أن اللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم، وكتب بها روائع الأدب العربي الكلاسيكي لم تستخدم –كما هي- كلغة للكلام في أي عصر من العصور حتى في زمن الرسول "صلي الله عليه وسلم"؟
- لغة الضاد استعملت استعمالا جيداً كلغة كلام في مختلف العصور، وليقرأوا مثلاً كتاب "نهج البلاغة" لعلى بن أبي طالب، ألا يعد هذا الكتاب دليلاً على استعمال اللغة العربية، وهناك كتب الجاحظ وابن المقفع والبيروني وابن سينا، وفيها نجد العربية مستعملة في شتى مجالات الحياة.. ثم ما قولهم في أن الأدب العربي القديم أثر في الأدب الغربي، فمثلاً شاعر الألمانية الكبير "جوته" تأثر بشدة بالأدب الإسلامي، وكذلك شاعر الإمبراطورية البريطانية "تينسون" قد تأثر في أكثر من قصيدة بالمعلقات، ولدينا "الكوميديا الإلهية" لشاعر إيطاليا الكبير "دانتي" وفيها التأثر الواضح بقصة الإسراء والمعراج، "ورسالة الغفران" لأبى العلاء المعري، وهناك من المستشرقين من ترجم معاني القرآن الكريم مثل الفرنسي "جاك بيرك"، وقام الإنجليزي "الفريد غليوم" بترجمة السيرة النبوية إلى اللغة الإنجليزية، وترجم المستشرق "جونز" المعلقات، وهناك العديد من المستشرقين ترجموا أعمالاً من اللغة العربية إلى لغاتهم مثل "بوزورث" و"هاملتون جب" و"زوسر"، وجميعهم أجادوا اللغة العربية وهى لم تكن لغتهم وقبل هؤلاء جميعاً كان سيبويه الفارس الذي وضع قواعد اللغة العربية.. أليس في ذلك دليل على أن اللغة العربية ليست بالصعبة أو المستحيلة على الاستيعاب؟!
* لكن هناك دعوى مفادها أن اللغة العربية لم تعد صالحة لمواكبة العصر، واكتساب العلوم والمعارف؟
- كيف ذلك وهى ذاتها اللغة التي وضعت بها أسس المعارف بل لقد نبغ مستعربون في شتى الأمصار الإسلامية وأبدعوا للإنسانية تراثا يندر أن يجود الزمان بمثله، ومنهم البخاري ومسلم في الحديث الشريف، وسيبويه في النحو، وابن المقفع في الأدب، وابن سينا في الطب، وكانت مؤلفاتهم المكتوبة باللغة العربية هي الأساس الذي قامت عليه النهضة في الغرب، إن ما يؤلمني أن أرى هذا الجحود من أبناء العربية نحو لغتهم في وقت استطاع الصهاينة في فلسطين المحتلة أن يعيدوا إلى اللغة العبرية حيويتها، فصارت لغة علم بعد قرون من اندثارها وهى القومية الوحيدة في إسرائيل.. فلنتعلم من اليهود!
* إذاً كيف السبيل إلى عودة اللغة العربية إلى سابق قوتها ومجدها؟
- الخطأ في تعليم اللغة وتوصيلها لطلاب العلم، وقد لاحظت أن مدرسي القواعد يدرسونها باللغة الدارجة "العامية"، وأقترح عقد مؤتمر لمدرسي اللغة العربية لدراسة الصعوبات التي يعانى منها الطلاب، ووضع الحلول العلمية لها.. كما أرى تغيير كتب النحو التي تدرس في المدارس لتلائم العصر الحاضر أسلوباً وأمثلة، وأن تعقد دورة خاصة في مجمع اللغة العربية لدراسة مناهج النحو والصرف والكتب المقررة لها، ثم وهو الأهم الأخذ بالتوصيات ولا توضع في الأدراج شأن قرارات المجمع اللغوي السابقة التي لا تتعدى أن تكون حبراً على ورق.
زوبعة في فنجان :
* أثيرت قبل فترة زوبعة ثقافية بسبب كتاب الأديب المعروف شريف الشوباشي بعنوان "لتحيا اللغة العربية يسقط سيبويه" فما هو رأيكم في الكتاب وحصاد هذه الضجة الإعلامية؟
- أرى أن الكاتب حسن النية في طلب التطوير بأنه وضع كتابه من منطلق الغيرة على اللغة العربية، ولعدم درايته الكافية بالموضوع الذي يتكلم عنه فقد وقع في جمله أخطاء، فهو مثلاً لا يعرف الواقع اللغوي وتطور اللغة العربية، فلو قرأ جريدة الأهرام قبل مائة عام، وجريدة الزوراء في بغداد لوجد أن اللغة العربية قد تطورت بالفعل لم تقف جامدة في وجه التطور ولو عاد إلى شعراء القرن التاسع عشر وقارن شعرهم مع شعر البارودي وشوقي ثم مع الشعراء المعاصرين لاكتشف التطور الواضح في الأساليب والمعالجة وتنوع الموضوعات التي لم تعالج في شعر السابقين.
وفي تقديري أن الكتاب –وكاتبه- مجرد زوبعة في فنجان، فاللغة التي استطاعت أن تحافظ على نفسها على مدى قرون طويلة لن يهدمها أو يغير قواعدها كتاب عابر، وأعتقد أن أعداء اللغة العربية عامة مجرد عابرين في كلام عابر كما يقول الشاعر الفلسطيني المعروف محمود درويش، ولا جدال أن القرآن الكريم سيحفظ لغة الضاد ويجعلها باقية أبد الدهر.. ولو كره العابرون!
=============
مجلة المثقف العربي :
http://www.muntada2000.com/ND/Magazine/Mag/Htm/Discussion/discussion.asp...