س - هل من نبذة سريعة عن ضيفنا الكريم ؟
ج - أعمل الآن خبيراً ثقافياً ومسؤولاً عن مركز الترجمة (مكلف بإنشائه) في المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث في الدوحة قطر. وذلك بعد خدمة 34 سنة في التدريس الجامعي بين دمشق، وبيروت، واليمن وقطر وغيرها. وأسهم في الحركة الثقافية والأدبية العربية مع نشاطات غير احترافية في الترجمة الأدبية. وقد توجت جهودي بحصولي على جائزة الملك فيصل العالمية (2002) في موضوع الأدب الفلسطيني، وكذلك في صدور كتاب تكريمي أهداه لي زملاء عرب وأجانب من تحرير الصديق الدكتور محمد شاهين بعنوان : " من الصمت إلى الصوت ".
س - هل لك أن تحدثنا عن حياتك ودراستك ؟
ج - كانت حياتي حياة تنقل فكري وأيديولوجي ومكاني ومعرفي ووظيفي كذلك.
فمثلاً من ناحية الدراسة تخرجت في جامعة دمشق من قسم اللغة العربية ثم قسم اللغة الإنكليزية، ثم دبلوم الاختصاص في التربية، وأخيراً نِلتُ الدكتوراة من جامعة كامبردج. ومن الناحية الوظيفية الخالصة كنت دائماً رغم تقلبي في مناصب خارج الجامعة، أًحرص على استمرار واجبي الجامعي (من أستاذ إلى رئيس قسم إلى وكيل إلى عميد)، ونادراً ما تخليت عن نصابي التدريسي في جامعة دمشق. أما الوظائف الأخرى فكان معدّل مكوثي فيها يصل من ثلاث إلى أربع سنوات تقريباً، إذ عملت مستشاراً لرئيس الدولة وفيما بعد مستشاراً لرئيس مجلس الشعب، ثم معاوناً لوزير التعليم العالي (دمشق)، ثم أميناً عاماً بالوكالة للاتحاد البرلماني العربي، وفيما بين ذلك كنت رئيس تحرير مجلة المعلم العربي، ثم مجلة البرلمان العربي (مؤسس)، ثم مجلة الآداب الأجنبية (مؤسس)، وعضواً في هيئة الإشراف والتحرير في عدة مجلات عربية، مثل المعرفة السورية (عضواً في هيئتها منذ ثلث قرن).
ومن الناحية المعرفية ألّفت كتباً ونشرت دراسات في مجالات النقد الأدبي والأدب المقارن والرواية العربية وقضية اللغة العربية والقضية الفلسطينية، كما نشرت بعض القصص القصيرة ومئات المقالات في الدوريات. ومنذ البدء مارست الترجمة الأدبية والفكرية، وفي الآونة الأخيرة ركزّت بوضوح على دراسات الترجمة والترجمة الآلية. ولي أكثر من ثلاثين كتاباً مطبوعاً وعشرات الدراسات الميدانية.
س - ما هي أهم الدوريات التي نشرت فيها ؟
ج - المعلم العربي، المعرفة، الآداب الأجنبية، الموقف الأدبي (كلها في دمشق)، فصول (القاهرة)، الوحدة العربية، نزوى (عمان)، ثقافات (البحرين)، العربي (الكويت)، والمجلات الجامعية المتخصصة، والكتاب السنوي للأدب المقارن YCGL (جامعة إنديانا الأمريكية)، ومجلة الأدب العربي Journal of Arabic Literature (لايدن، هولندا)، وغيرها.
س - ما هي مؤلفاتك (و أهم الأبحاث) في مجال اللغويات والترجمة ؟
ج - أعتز بمؤلفاتي الأخيرة في التسعينات ومنها : "آفاق الأدب المقارن عربياً وعالمياً"، و "الأدب والتكنولوجيا"، و "الأدب المقارن من العالمية إلى العولمة". وأما في مجال اللغويات فقد نشرت دراساتي ومقالاتي في كتاب "اللغة العربية: إضاءات عصرية" وذلك حتى أول التسعينات. واتخذت دراساتي اللغوية بعد ذلك طابعاً أكاديمياً ونشرت في المجلات المتخصصة. وكنت بدأت نشاطي في الترجمة بترجمة دراسة مطولة لياكوبسون Jacobson حول "اللغة والمرأة"، وفي السنوات الأخيرة تابعت تطورات الترجمة الآلية من خلال إسهامي في المؤتمرات الدورية لندوة المسؤولين عن التعريب في الوطن العربي، وكان تركيزي حول إمكان استخدام الترجمة الآلية في مجال تعريب العلوم، ونشرت دراسات في مجلة " التعريب "، المركز العربي – دمشق، حول الترجمة الآلية وموضوع التعريب بوجه عام.
س - هل لديكم مشاريع مستقبلية، وفي هذا الباب أطرح السؤال التالي: هل يمكن للمترجم أن يتقاعد ؟
ج - مشاريع الكاتب لا حدود لها ولا عمر، وقد تموت معه وقد تعيش بعده. أما المترجم فكلما تقدم في العمر ازدادت خبرته، شريطة أن يدعم الممارسة بالاطلاع على تطورات علم الترجمة، وما أكثر هذه التطورات. ولكن طبعاُ يجب أن نستثني الترجمة الفورية التي ينبغي أن تقف عند سنٍ معينة لكثرة ما تتطلّبه من تركيز ذهني وتوتر نفسي.
أما مشاريع الترجمة فقد كان حلمي منذ صغري أن أضع في العربية أسساً لتقييم الترجمات وقواعد للتمييز حتى لا يختلط الحابل بالنابل كما هو واقع الحال اليوم. وآمل من خلال المهمة الجديدة التي أسندت لي لتأسيس مركزالترجمة القطري أن تخصص جهود وآليات لتقييم الترجمات وتصنيفها.
س - هل اقتصر اختصاصك على الترجمة في مجال معين؟
ج - ركزت دائماً على الترجمة الفكرية والأدبية، وترجمت أشعاراً عالمية كثيرة من خلال رئاستي لتحرير مجلة الآداب الأجنبية، التي أسهمت في تأسيسها ثم عملت رئيس تحرير لها طول الثمانينات.
س - كيف كانت تجربتك في أول كتاب ترجمته ؟
ج - كان أول كتاب ترجمته هو : السيرة الذاتية The summing up لسمرست موم، وتصرفت بالعنوان فكان : "عصارة الأيام " ، مستفيداً من عنوان " الأيام " لطه حسين. وكنت ترجمته على مراحل نشرتها في الدوريات السورية. وكان الكتاب ممتعاً جداً، وكانت صراحته جديدة على ثقافتي العربية. وكم فرحت حين نشرته لي وزارة الثقافة السورية عام 1964 . وأعتقد أنني لو ترجمته اليوم لما استطعت أن أجاري اللغة الشفافة التي تأتّت لي آنذاك من خلال الدهشة والحماسة والصفاء. إن ترجمة السيرة الذاتية _ مثل كتابتها في الأصل – تحتاج إلى رهافة شعورية وذوق لغوي وصراحة غير فجّة. وكان عشقي لذلك الكتاب سبباً في نجاح الترجمة. وقد أعادت دار الفكر طبعه عام 1973.
تعليم اللغات ومناهج الترجمة :
س - ما مدى أهمية المناهج النظرية في الترجمة ؟
ج - إن الدراسات النظرية في الترجمة تسلح المترجم برؤية منفتحة وتساعده على تطوير ترجمته ولاسيما من خلال التقييم الذاتي وإعادة النظر في إنتاجه وتخليصه من آفة الآلية في الترجمة وما يترتب عنها من ضعف حاسة التمييز اللغوي وضعف رهافة الإحساس بالرسالة التي يحملها نص المصدر، وكل رسالة لغوية فيها جانب ظاهري وجانب جُـوّاني وبُعد ثقافي. والدراسات النظرية الحديثة في الترجمة هي التي تسلِّحنا بالهمّة والمقدرة على مراعاة مثل هذه الأبعاد.
س - ما تفسيرك لكثرة تعداد الإناث اللواتي يدرسن الترجمة في الجامعات والمعاهد؟
ج - هذا العصر هو عصر الترجمة الأنثوية. وهذا التطور يتماشى مع الاكتشافات اللغوية الحديثة التي بدأها ياكبسون في مقاله المشار إليه سابقاً : " اللغة والمرأة " ، وفيه أكد أن النساء هن مستودع اللغة الأمين.
وموهبة المرأة في اللغة معروفة عبر العصور. واليوم تعمل منظمة اليونسكو وعدد من الباحثين اللغويين على إحياء اللغات المنقرضة ولاسيما في أمريكا الجنوبية. وقد تحققت معظم النجاحات من خلال التوصل إلى لغة النساء المحلية في تلك المناطق. وهنا أذكر واقعة معروفة في سورية وهي وجود ثلاث قرى حول دمشق تتكلم السريانية إلى جانب العربية. ومن خلال عملي المبكر في الكلية البطريركية والمدرسة الآسيّة في دمشق اتصلت بأبناء وبنات هذه القرى وزرتها واكتشفت أن نساءها يتكلمن السريانية بأفضل مما يفعله الرجال. وذلك لأن لغة الرجال تختلط بالوسط الخارجي. وبالمناسبة تسيطر النساء في الغرب على دراسات الترجمة Translation Studies التي تتصل أيضاً بالدراسات الانثوية Feminine Studies (أرجو إلا تترجم هذه العبارة بالدراسات النسائية)، وكلتاهما تتجهان إلى مراجعة مسلمات الترجمة من ناحية الدقة اللغوية والعبودية للنص الأصلي التي تعتبرها هذه الدراسات وريثة عصر السيطرة الذكورية.
هيئات اللغة :
س - ما هي أهم المخاطر التي تحدق باللغة العربية ؟
ج - إن أهم هذه المخاطر هي ضعف ثقتنا بأنفسنا ولغتنا وتراثنا، وعدم مقدرتنا على النجاح في أي مشروع بسبب غياب التخطيط والعمل الجماعي والوجدان الفردي. وبالنسبة للغة العربية لا أخفي حسرتي وهيجان مشاعري حين أرى عزوف أصحابها عنها، ولو كانت هذه اللغة عند أمة حيّة لزادتها تقديساً على قداستها. وقبل ربع قرن كتبت عدة مرات أبكي على الوحدة العربية، وفلسطين، ويومها حذرت أبناء قومي من إضاعة الركن الثالث لوجودهم وكرامتهم ومستقبلهم، وهو اللغة العربية. ومع الأسف نشهد اليوم تخلياً مجنوناً عن اللغة العربية لا نظير له عند أية أمة تحترم نفسها. والمسؤول عن ذلك كل الجهات التربوية واللغوية التي تطبل وتزمر للغة العربية ولا تقدّم أية خدمة نوعية لتطويرها وتحويلها من عبء على المتكلم إلى متعة ومصدر قوة توصيلية. وهذه هي رسالة كتابي المعنون : اللغة العربية إضاءة عصرية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1995 .
أسئلة ختامية..
س - هل ثمة سؤال كنتم تتمنون أن أطرحه عليكم ؟
ج - أجيبكم على سؤالكم هذا مثلما أجابني قبل أربعين سنة تماماً، شيخنا وحبيبنا علي الطنطاوي، رحمه الله. وكنت وجهت في ذلك الحين استفتاء لكتاب القصة في سورية، واعتبرته واحداً من كتابها، فأرسل إلي يقول: ما هذه الأسئلة يا أستاذ حسام ، الحمد لله أنني لم أكن تلميذاً عندك، وإلا لكنت "ساقطاً" في الامتحان. إن أسئلتكم ما شاء الله لم تبقِ ولم تذر، وقد تحتاج إجابتها إلى أن يحول عليها الحول على الأقل. والحمد لله أنني لن أتعرض لامتحان من قبلكم. حياكم الله وبيـّاكم وقوّاكم.
س - هل اطمع من أستاذنا بأن يحكى لنا عن موقف طريف قابله في أثناء عمله كمترجم ؟
ج - طرائف الترجمة كثيرة. ومعظم الترجمات غير الأدبية التي توليتها في حياتي كانت من خلال موقعي الوظيفي وليس من خلال الموقع المهني. ومن جملة المواقف التي لا أنساها أبداً حين كنت أعمل في الاتحاد البرلماني العربي، أنه في إحدى الليالي، بل في منتصف تلك الليلة، دق جرس الهاتف، وطلب مني رئيس برلمان عربي معيّن أن آتي إليه فوراً لتدارك مشكلة كبيرة. حين ذهبت وجدت أركان حرب المجلس مجتمعين في حالة وجوم.
وسلموني ترجمة رسالة واردة من الكونغرس الأمريكي (لجنة الشؤون الخارجية) وطلبوا مني كتابة ردّ مباشر بالإنكليزية يكون حاسماً وقوياً. تقول الترجمة إن الوفد الأمريكي إلى مؤتمر الاتحاد البرلماني الدولي في لندن (أوائل الثمانينات) لا يوافق أبداً على الإجراء الذي اتخذه المؤتمر العام بقبول وفد المجلس الوطني الفلسطيني عضواً مراقباً في الاتحاد. ولا يعترف بذلك ولا يريد أن يعود إلى بحث هذا الموضوع. قرأت الترجمة فوجدت فيها اضطراباً، وطلبت الأصل وقرأته فهالني كيف انقلب المعنى رأساً على عقب. كان النص الأصلي يقول : إن وفد الكونغرس الأمريكي صوّت ضد قرار قبول البرلمان الفلسطيني في الاتحاد البرلماني الدولي ومازال عند رأيه في هذا الموضوع. ولكن بما أن القرار اتخذ بطريقة ديمقراطية فإن الشعبة البرلمانية الأمريكية تعتبر الموضوع منهياً، ولن تعود إلى طرحه مرة ثانية. (في ذلك الوقت كان الأمريكيون مازالوا يحتفظون بشيء من التهذيب في إملاءاتهم على الدول الأخرى!).
وبالطبع حين أوضحت المعنى المقصود زالت الغمّة عن إخواني، وتذكروا ضغطي عليهم بسبب استهانتهم بشروط استخدام المترجمين لأن المترجم الضعيف يمكن أن يوقع المؤسسة التي يترجم لها في أوخم العواقب السياسية والمالية أو المعنوية.
رسالتي ليس إلى المترجمين وحدهم بل إلى جميع الهيئات العاملة في الترجمة أو المستفيدة من خدمات الترجمة: الترجمة أداة فعالة للتواصل والتفاهم والتفاعل فحذار حذار من التهاون في شروطها والإعداد لها.
وتمنياتي لجمعية المترجمين العرب باطِّراد النجاح والتوسع، والحق يقال إنها في غضون سنوات قليلة تمكنت من خلق مناخ ترجمي معافى ومبشرٍ بمستقبل وضّاء.
--------------------
الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب :
http://arabswata.org/site/index.php?p=4&wid=30