حياة العِلْم البيان[1]مقولة تردّدها الشفاه، وتعيها القلوب، وتتذكرها الأذهان ساعة المعاناة وهي تغوص في لجج العلم، تبحث عن أمر فيستعصي عليها، ويحجب عنها بستائر الغموض والإبهام، ثم لا يلبث العلْمُ المقصود أن يتلاشى ويغيب في أحشاء الكتب وبطون الخزائن كأنه فقد الحياة، لأنه فقد البيان .
والمقولة السابقة، تحمل معها تساؤلاً عن حقيقة البيان، الذي يسبب حياة العِلم، وسرعان ما تكون الإجابة توضيحاً للموضِّح وبياناً للمبيِّن، فالبيان اسم جامع لكل شيء كشف لك قناع المعنى، وهتك الحجاب دون الضمير، حتى يفضي السامع إلى حقيقة، ويهجم علىمحصوله كائناً ما كان..."[2].
والأمر يتطلب إعادة النظر كرّة أخرى للصول إلى ماهية ما يكشف قناع المعنى . إنها توجد في أصناف الدلالات على المعاني التي تدور ما بين لفظ وغير لفظ [3].
وتقتضي الدراسة البحث في حقيقة اللفظ الذي يدّل على معنى العلم الموضوع له، والمختص به والّدال عليه، وننتيجة لهاتين الخصيصتين، انحرف اللفظ عن معناه المادي الأساسي، إلى وجهة دلالية أخرى . والوجهة الجديدة من عمل أرباب العلم وطوائف اللغويين، الذين اتفقوا على استعمال خاص للفظ ،ولهذا سمي " مصطلحاً " والاصطلاح كما هو في العُرْف اللغوي " اتفاق طائفة على شيء مخصوص، ولكلّ علم اصطلاحاته " [4].
والمصطلح - كما هو مبيّن - اكتساب اللفظ المتفق عليه غير معناه الموضوع له في أصل الوضع اللغوي، وبهذا الكَسْب تخصّص اللفظ بعد شيوعه . وحسبي الأمثلة تؤكد ذلك لعلّ من أبلغها مصطلح " النحو “ لما فيه من مراعاة المقال المقام، جاء في حدّ النحو ما يلي : " وهو في الأصل مصدر شائع ،أي نحوت نحواً، كقولك قصدت قصداً، ثم خصّ به انتحاء هذا القبيل من العِلْم ،كما أن الفقه في الأصل مصدر فَقِهت الشيء أي عرفته ،ثم خصّ به علم الشريعة من التحليل والتحريم "[5]
إن المصطلح اتجاه جديد في دلالة اللفظ ،وتحول يُبرزُهُ التشابه بين القديم والجديد . أو بكلمة بين المعنى اللغوي الأساسي والمعنى الاصطلاحي . والذي سوّغ هذا الحمل الجديد علاقة ومناسبة [6]بينهما ،فاختير اللفظ ليقوم بحمل معنى معينٍ، وهو أمر ينتبه عليه المصطلحون عند الاختيار ،وتُهيِّئه ظروف عدّة . وقد أوضح أحد الدارسين ذلك، قال : " تطلق كلمة مصطلح في اوساط الناس اليوم ليراد بها المعنى الذي تعارفوا عليه، واتفقوا عليه في استعمالهم اللغوي الخاص أو في أعرافهم الاجتماعية ،وعاداتهم السائرة، وتساعد الظروف الاقتصادية و السياسية والاجتماعية والدينية على أن تحمل كلمة ما غير الذي وضعت له في أصل اللغة التي تنتمي إليها " [7] .
برز مفهوم " مصطلح " في اللغة العربية، نتنيجة لتطور الحياة الفكرية والسياسية والاقتصادية ،التي وجهت بعض ألفاظ العربية وجهات معينة ،وهذا الإجراء دليل حياة العربية، ونوع من الديناميكية التي تحاول الألفاظ مواكبة مسار الحياة بتياراتها المختلفة، وهي ظاهرة تشهد لها الحضارة العربية في جوانبها جميعاً .
وقد لحظ أحد علماء العربية هذه الظاهرة، بقوله : " كانت العرب في جاهليتها على إرثٍ من إرْث آبائهم في لغاتهم وآدابهم ... فلما جاء اللَّه - جل ثناؤه - بالإسلام حالت أحوال، ونسخت ديانات وأُبْطِلتْ أمورٌ، ونقلت من اللغة ألفاظ من مواضع إلى مواضع أخرى بزياداتِ زيدت، وشرائع شُرعت، وشرائط شُرطت " [8]..
ومجيء الإسلام لم يكن حدثاً محصوراُ في نقل ألفاظ اللغة من مواضع إلى أخرى، بل عَمِل على بروز كثير من العلوم، مابين عقلية ودينية [9]. و هذا أمر يصدقه الواقع، لأن " أهم المبادئ المؤثرة في الحضارة المبادئ الدينية " [10].
ومن العلوم التي دارت في فلك العلوم النقلية ( الدينية )، والتي تتقدم النظر في القرآن والسّنة علم النحو، وسبب ذلك أن استنباط الأحكام الشرعية متوقف عليه ،والاجتهاد يعود إليه . وقد أدرك الفقهاء أهمية النحو واللغة، فجعلوهما شرطاً يجب توافره في الفقيه، ذكر ابن حزم في كتابه الإحكام ..: " أنه لابدّ للفقيه أن يكون نحوياً لغويّاً وإلا فهو ناقص، ولا يحلّ له أن يفتي لجهله بمعاني الأسماء وبعده عن فهم الأخبار " [11] .
عمل علماء العربية بدافع ديني - كما بيّنا- إلىجانب دوافع أخرى على وضع قوانين وقواعد للعربية تصون الألسِنَة وتحافظ على ملكة اللسان التي أخذ يعتريها الزيغ والزيف . فضلاً عن أهميتها في معرفة أحكام كتاب اللَّه . وكان ميدان عملهم ومادتهم كلام العرب الفصيح . وقد صوّر ابن خلدون عمل علماء العربية، بقوله : " ...وخشي أهل العلوم منهم أن تَفْسُدَ تلك الملكة رأساً، ويطول العهد بها، فينغلق القرآن والحديث على المفهوم، فاستنبطوا من مجاري كلامهم قوانين لتلك الملكة مطّردة ،شبه الكُليّاتِ والقواعد، يقيسون عليها سائر أنواع الكلام، ويلحقون الأشباه بالنظائر .[12]
بدأت طلائع النحو العربي بدءاً وظيفياً [13]يتعرف به العربي أحكامه عن طريق نظم الكلام وضبطه ضبطاً صحيحاً، من دون أن يقدم نظرية بمصطلحات . يشهد لذلك مارواه ياقوت عن عاصم، قال : " جاء أبوالأسود الدؤلي إلى زياد ابن أبيه .. وقال : إني أرى العرب قد خالطت الأعاجم وفَسَدَتْ ألسنتها، أفتأذن لي أن أضع للعرب ما يعرفون به كلامهم " [14] .
ثم أخذ النحو يتطور، ليصبح علماً له أصوله وأحكامه . ومعلوم أن لكل علم مصطلحات هي بمثابة أوعية له . فمن أين استمد العربي وهو ابن الصحراء هذه المصطلحات ؟؟
لم يكن الموقف سهلاً أمام علماء العربية ،إذ قنوات الترجمة عن الأمم الأخرى لم تشقّ بعد، بالإضافة إلى ان العلوم الأخرى لم تُرْسَ قواعدها ،حتى يستعار منها، وتنقل مصطلحاتها إلى النحو . ولكن الأمر يُحلّ بالعودة إلى موجودات البيئة العربية ومسمياتها، ففيها المدد وعليها المعتمد . وهذا الإجراء تقتضيه حياة العربي . فقد عرف عن العربي الاستعانة بمظاهر الطبيعة، يستمد منها مسميات لأمور معنوية تعترضه . من أدلة ذلك ما كان يفعله عند تسمية مايُولد له . قال الثعالبي : " ..وكان بعضهم إذا وُلد لأحدهم ولدٌ سمّاهُ بمايراه ويسمعه مما يتفاءل به . فإن رأى حجراً تأوّل فيه الشدّة والصلابة والصبر والبقاء، وإن رأى كلباً تأوّل فيه الحراسة والأُلفَة وبُعْدَ الصوت، وإن رأى نِمْراً تأوّل فيه المَنْعَة والتِيهَ والشكاسة، وإن رأى ذِئباً تأوّل فيه المهابة والقُدرَة والحشْمَة ..."[15].
من هذا الحقل اللغوي المادي، اقتلع علماء العربية مصطلحات نحوهم . فإذا بهم يستمدون من رفع الخيمة اسم الرفع ومن انتصاب أسبابها اسم النصب ،ومن البيان اسم الإعراب .... والذي يرجح ذلك ماوصف به ابن خلدون عمل علماء العربية، وهم يقعدون قواعدهم، قال : " ... ثم رأوا تغيُّر الدّلالة بتغير حركات هذه الكلمات، فاصطلحوا على تسميته إعراباً، وتسمية الموجب لذلك التغيُّر عاملاً وأمثال ذلك . وصارت كلهااصطلاحات خاصة بهم، فقيّدوها بالكتاب وجعلوها صناعة لهم مخصوصة، واصطلحوا على تسميتها بعلم النحو " [16] ..
إنها حقيقة واضحة، يسندها التفكير السليم والنظر القويم .والذي يجلو خوافي هذا الطرح أن أسماء موجودات الصحراء كانت من بواكير ما عرفه العربي . ودليل ذلك تفسير ابن عباس لقوله تعالى : [ وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ]، قال : " علمه الأسماء كلها، وهي هذه الأسماء التي يتعارفها الناس من دابة وأرض وسهل وجبل وجَمَل وحمار وأشباه ذلك من الأمم وغيرها " [17].
هكذا كانت بيئة العربي ومسمياتها المادية منطلقات تأسيس مصطلحات النحو . فقد نقلوها من معانيها المادية المحسوسة إلى رحاب علوم العربية، لتدل على جزئياتها، وأحكام قواعدها .. ومن ثّمة سار المعنى الجديد في بيئته الجديدة بين الناس حتى أصبح في استعمالهم اليومي شيئاً مألوفاً نُسِيَ معه ذلك المعنى اللغوي الأساسي أو كاد[18] .
ولا ريب في ذلك فالأدلّة ترجح كفّة اليقين على الشك، وحتى يكون مع الكلام دليل وفقه، وهو مايقتضيه المنهج الصحيح، نعمد إلى مجموعة من المصطلحات النحوية نستقرئ معانيها الأصلية، لتكون الشاهد والبيّنة، وهاكم أمثلةعلى ذلك :
1- التقدير :
هو نيّة الشيء وتصور وجوده . وكثيراً مايستعمل في المواطن التي يقع فيها الحذف أوالتي تحتاج فيها الكلمات إلى ما يكمل معانيها [19] . وقد مثّل سيبويه على هذه المعادلة بين الألفاظ والمعاني بقوله شارحاً مايضمر فيه الفعل المستعمل في كلام العرب، قال : " إذا سمعت وَقْعَ السَّهْم في القِرطاس قلت: القرطاسَ واللَّهِ، أي أصاب القرطاس [20] .
وحقيقة المعنى اللغوي جاء وصفاً للفرس، بقولهم : " فرسٌ بعيدُ القَدْر : بعيد الخطو " [21] . وقد حمل اللفظ علىالمعنى لعلاقة، وهي فهم المعنى علىالرغم من بُعْد اللفظ المحذوف . و " قدر " في اصل وضعها تدلّ على مبلغ الشيء وكنهه ونهايته .[22]
2- المبني
ثبوت الشيء على صورة واحدة ،وهو لزوم آخر الكلمة حركة أو سكوناً . والبناء فرع في الأسماء أصل في الأفعال والحروف .[23]
وهو في أصل وضعه يدلّ على البناء الذي يلزم موضعاً لا يزول من مكان إلى غيره، وليس كذلك سائر الآلات المنقولة كالخيمة والمظلّة.. وقد نقل اللفظ إلى الاصطلاح تشبيهاً بالبناء لثباته . وقد أدرك ابن منظور هذه العلاقة، قال : " وكأنهم إنما سموه بناء لأنه لما لزم ضرباً واحداً فلم يتغير تغير الإعراب، سمي بناء من حيث كان البناء لازماً موضعاً لا يزول .."[24].
3 - التجرد
حالة تقتضي تعرية عامل ما من خاصية معينة، كما في رفع الفعل المضارع المعلل بتجرده من الناصب والجازم [25].
وقد حمل اللفظ علىغيره مماشاركه في معناه، وهو قولهم : جرّد السيف من غِمْدِه : سلّه . وتجرّدت السنبلة وانجردت : خرجت من لفائفها . وانجردت الإبل من أوبارها إذا سقطت عنها [26].
والذي جمع الاستعمالين اللغوي والاصطلاحي المعنى المتمثل بـ بُدُوّ ظاهر الشيء من دون أن يسبقه شيء يستره، شأنه في ذلك شأن السسيف الذي تجرّد من غمده فبدا ظاهراً لا يستره ساتر .
4- الجرّ
سميت الحروف العاملة الجرّ، لأنها تجرّ معاني الأفعال إلى الأسماء، أي توصلها إليها فيكون المراد من الجرّ المعنى المصدري، ومن ثم سماها الكوفيون الإضافة، لأنها تضيف معاني الأفعال التي توصلها إلى الأسماء .[27]
وأصل استعمال الجرّ في قول العرب : الإبل الجارّة ،العوامل سميت جارّة لأنها تُجَرُّ جرّا بأزمّتها أي تُقاد بِخُطُمِها وأَزِمّتها كأنها مجرورة . فقال جارّة فاعلة بمعنى مفعوله[28] والمعنى الجامع بين الاستعمالين هو السحب .
5- الجامد
بخلاف المتصرف، وهومالا يجيء له الأمثلة، كَنِعْمَ وبِئْسَ [29]وهو في اللغة يستعمل كما في قولهم " ناقةٌ جمادٌ : لا لَبَنَ بها " [30]. والذي سّوغ هذاالحمل المعنى المشترك وهو استقرار الحال وعدم تغيرها ،وانشقاق شيء منها.
ولهذا كان الشيباني يقول : الجماد الأرض لم تمطر [31]، لأن عدم المطر يمنع الإنبات منها ..
6- الحرف
ماجاء لمعنى ليس بمعنى اسم ولا فِعْل ،نحو هل، وبل وثمّ [32]
وفي اللغة الحَرْف من الإبل : النَّجيبة الماضية التي أنْضَتها الأسفار، شبهت بحرف السيف في مضائها ونجائها ودِقّتها، وقيل : في الضامرة الصُّلبَة . [33]
والجامع بين المعنيين الدقّة و الضمور في الدلالة، تشبيهاً بالناقة الحرف . ودقة الحرف في الاصطلاح واضحة في تعليلهم سبب تسميتهم له، في قولهم : " .. وذلك لأن الاسم يكون حديثاً ومحدّثاً عنه، والفعل يكون حديثاً ولا يكون مُحَدّثاً عنه . والحرف أداة بينهما لا يكون حديثاً ولا محدثاً عنه "[34]
7- الحركة
لقبت الحركات بهذا اللقب لأنها تطلق الحروف بعد سكونها. فكل حركة تطلق الحرف نحو أصلها من حروف اللين ،فأشبهت بذلك انطلاق المتحرك بعد سكونه [35].
وهي في اللغة مأخوذة من قولهم : " ركب حارِكَ البعير، وهو أعلى كاهله، وحركتُ البعير : أصبتُ حارِكَهُ، وتقول ظَلِلْتُ اليومَ أُحَرِّك هذا البعير أي أُسّيِّرُهُ فلا يكاد يسير [36]. وقد استعمل تجوّزاً وتوسعاً عبر المعنى المشترك وهو التحرك ضد السكون .
8- الخفض
مصطلح كوفي يقابله مصطلح بصري هو " الجر " [37] وهوأحد الحركات التي تلزم أواخر الكلمات للإعراب إلى جانب " الرفع " و " النصب " . وقد ميّز سيبويه بين حركات البناء وحركات الإعراب قال في" باب مجاري أواخر الكلم من العربية ": وإنما ذكرت لك ثمانية مجارٍ لأفرُق بين ما يدخله ضربٌ من هذه الأربعة لما يحدث فيه العامل - وليس شيء منها إلا وهو يزول عنه - وبين مايُبْنَى عليه الحرفُ بناءً لا يزول عنه لغير شيء أحدث ذلك فيه من العوامل ..."[38].
وأصل الخفض ضد الرفع، خفَضَه يَخْفِضُه خَفْضاٌ، والتخفيض مدّك رأس البعير إلى الأرض، قال : [ الرجز ]
يَكَادُ يَسْتَعصِي على مُخفِّضِهْ [39]
والمعنى الجامع بين الاستعمالين ( اللغوي والاصطلاحي ) هو : الميل إلى أسفل نتيجة لربطه؛ وذلك أن حروف الجرّ تضيف الفعل إلى الاسم، أي تربط بينهما .
9- الإدغام
هو التداخل، فُعِلَ ذلك لضرب من التخفيف، ليرتفع اللسان بهما رفعة واحدة . وذلك يكون في المثلين أو المتقاربين علىشريطة[40] .... وهو في بيئة العربي يستعمل على النحو التالي : " يقال : أَدغَمْتُ اللجامَ في الفرس إذا أدخلته فيه "[41]والذي حمل هذااللفظ إلىمصطلح النحو مشاركته في معنى واحد هو " التداخل "، وقد لحظ ابن دريد ذلك بقوله - في شرح المادة نفسها - " ... ومنه إدغام الحروف بعضها في بعض " .
10 - المذكر
مصطلح نحوي يقابل المؤنث، وهما معروفان، واساسه في اللغة " سيف ذكر ومذكـّر [42].
وقد انتقل لفظ " المذكر " إلى بيئة النحو نظراً لم يحمله من صرامة الذكر وقوته في بيئة يشاركه في ذلك السيف الصارم .
11- الرابط
حرف أوضمير يربط بين أمرين، أو هو العلاقة التي تصل شيئين بعضهما ببعض وتعين كون اللاحق منهما متعلقاً بسابقه [43]ومثال ذلك الفاء التي تكون رابطة للجواب، وذلك حيث لا يصلح لأن يكون شرطاً ،كأن يكون الجواب جملة اسمية، كما في قوله تعالى : [ وإنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ] [44]
انتقل اللفظ من معناه المادي الذي دلّ على ربط الدابة وهو شدّها بالرّباط والمِرْبط ...وقطعت الدابة رِبَاطَها ومِرْبَطَها ،والخيلُ رُبُطُها ومرابطها . والفرس في مِرْبَطه و الخيل في مرابطها [45].
والعلة الجامعة بين الاستعمالين معنى الشدّ والثبات والوصل بين المستلزمين .
12- الرفع
وجه من وجوه إعراب الاسم ،وهو علم الفاعلية [46] . وللرفع أربع علامات، هي "الضمة والواو والألف والنون "[47] وهي علامة تدلّ علىخلاف الوضع ،ومن هنا كانت مشابهتها لقولهم : رفعتُ الشيء رفعاً، وهو خلاف الخفض . ومرفوع الناقة في سيرها: خلاف الموضوع . قال طرفة: [ من السريع ]
مَوْضُوعُها زَوْلٌ وَ مَرْفُوعُها
كَمَرِّ صّوْبٍ لَجِبٍ وَسْطَ رِيحْ [48]
13- الزَّجْر
هو أحد معاني " كلا " وسمي إعراب " كلا " بمعناها ،قالوا : حرف ردع وزجر [49]ومعناه في اللغة وارد في استعمالهم : " زَجَرتُ البعيرَ حَتى مَضَى أزجُره ... والزَّجور من الإبل : التي تعرف بعينها وتُنكر بأنفها .[50] وقد انتقل إلى النحو لعلاقة بينهما تتمثل في معنى النهي والإثارة .
14 - السكون
علامة من علامات الإعراب تخصّ الجزم ،كما في لم يَخْرُجْ، ويشارك الجزم فيها الوقف ؛ لأنه لا يكون إلا علىساكن [51]وقد استمد علماء العربية هذاالمصطلح من بيئتهم واستعمالهم حين قالوا : سكنت الريح، وسكن المطر وسكن الغضب [52] . والتشابه بين الاستعمالين يعزّزه المعنى المشترك، وهو : انقطاع الحركة.
15 - الاشتقاق
أخذ صيغة من أخرى مع اتفاقهما معنىّ ومادةً أصلية، وهيئة تركيب لها ؛ ليدُلَّ بالثانية على معنى الأصل، بزيادة مفيدة لأجلها اختلفا حروفاً أوهيئة [53] .... وقد أطلق هذا المصطلح حملاً من الاستعمال اللغوي : "اشتق الفرس في عَدْوِهِ : مالَ في أحد شِقّيه، وفرس أشقّ أمق "[54]وقد حمل هذا اللفظ للمشاركة في معنى " انصداع في الشيء " وكأن ميلان الفرس في عدوه أوحى إلى اللغويين تسمية عملية نزع صيغة من أخرى اسم الاشتقاق ..
16- الصريح
وهو وصف يقابل المؤول ،ومثله : ائتني بعدما تَفْرُغُ .. فــَ " ما " و " تَفْرُغُ " بمنزلة الفراغ[55] ولما ظهر الكلام بعد هذا التأويل، سمي صريحاً، كأنه استمد معناه من قولهم : اللبن الصَّريحُ الذي انحسرت عنه رغوته [56]وبناء عليه قالوا : صرَّحت الخمرُ، إذا ذهب عنها الزَّبد، قال الأعشى : [ من المتقارب ]
كُمَيْتٌ تكشَّفُ عَنْ حُمْرَةٍ
إِذَا صَرَّحَتْ بَعْدَ إِزْبَادِهَا [57]
17 - المضارع
نوع من الأفعال دخلته الزوائد الأربع، نحو أَفْعَلُ، نَفْعَلُ، تَفْعَلُ، يَفْعّلُ وهو يصلح للحال والاستقبال، تقول يَفْعَلُ وهو في الفعل، ويفعل غداً[58] ...
و هذا النوع من الأفعال معرب، ولذلك اطلقوا عليه اسم " المضارع " لمضارعته الأسماء أي مشابهته إياه، ومعنى المضارع المشابه يقال ضارعته وشابهته وشاكلته وحاكيته إذا صرت مثله، وأصل المضارعة تقابل السخلين علىضرع الشاة عند الرضاع، يقال : تضارع السخلان إذا أخذ كل واحد بحلمة من الضرع[59] .
-------------------------------------------------
[1] الجاحظ : البيان والتبيين ( تحقيق عبد السلام هارون، دار الفكر، بيروت، ط 4، لا، تا ) مج1، ج1 ص 77 .
[2] الجاحظ : البيان والتبيين ، مج1، ج1 ص 76
[3] جعل ابن هشام أصناف الدلالات على المعاني مما تحصل به الفائدة أربعة أمور، هي : اللفظ والخط والإشارة وما نطق به لسان الحال، ينظر، ابن هشام : شرح شذور الذهب ( تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ، لا، نا، لا، تا )، ص 29
وزاد الجاحظ واحداً ،فأصبحت خمسة أشياء، هي : اللفظ ثم الإشارة، ثم العَقدْ، ثم الحظ، ثم الحال التي تسمى نِصْبةً، يراجع الجاحظ : البيان والتبيين، مج 1، ج1 ص 76
[4] مجمع اللغة العربية : المعجم الوسيط ( قام بإخراجه مصطفى وآخرون ،واشرف على طبعه عبد السلام هارون، المطبعة العلمية، طهران ،لا .تا ) ج1 ص 522، مادة [ صلح ] .
[5] ابن جني : الخصائص ( حققه محمد النجار، دار الهدى للطباعة والنشر، بيروت، ط2 ،لا، تا، )ج1 ص 34.
[6] من قوانين تبدل معاني الألفاظ وتطورها، الانتقال بسبب المشابهة أو المجاورة، ويكون بانتقال اللفظ من معناه إلى معنى مشابه له أو قريب منه أو بينه وبينه مناسبة،
ينظر، محمد المبارك : فقه اللغة وخصائص العربية ( دار الفكر الحديث ،لبنان، ط2، 1964 م )، ص 220 .
[7] إبراهيم السامرائي : في المصطلح الإسلامي ( دار الحداثة، بيروت، ط1، 1990 م ) ،ص 8
[8] ابن فارس : الصاحبي في فقه اللغة وسنن العرب في كلامها ( حققه وقدم له مصطفى الشويمي ،مؤسسة أ . بدران للطباعة والنشر ،بيروت، 1964 م ) ص 78
[9] قسَّم الغزالي العلوم إلى قسمين : عقلية كالطب والحساب والهندسة ..ودينية كالكلام والفقه وأصوله وعلم الحديث وعلم التفسير وعلم الباطن .. الغزالي : المستصفى من علم الأصول ( دار الفكر ،بيروت، لا، تا ) مج 1 ص5.
[10] غوستاف لوبن ( Gustave Le Bon ) : سرّ تطور الأمم ( نقله إلى العربية أحمد فتحي زغلول، دارالنفائس، بيروت ط1 ن 1987 م )، ص 158 .
[11] ابن حزم : الإحكام في أصول الأحكام ( دار الجيل، بيروت، ط2، 1987 م ) مج1، ج1ص 51
[12] ابن خلدون : المقدمة ( دار الكتاب اللبناني ومكتبة المدرسة، بيروت، 1982 م ) ص 1057 .
[13] يقصد بالنحو الوظيفي مجموعة القواعد التي تؤدي الوظيفة الأساسية للنحو، وهي ضبط الكلمات ونظام تأليف الجمل ،ليسلم اللسان من الخطأ في النطق، و يسلم القلم من الخطأ في الكتابة . ينظر، عبد العليم إبراهيم : النحو الوظيفي ( دار المعارف، القاهرة، ط4، 1978 م ) ص هــ - و
[14] ياقوت الحموي ومعجم الأدباء ( دار إحياء التراث العربي، بيروت، لا، تا ) مج6، ج 12 ص 35 .
[15] الثعالبي : فقه اللغة وأسرار العربية ( منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت، لا، تا ) ص 240 -241.
[16] ابن خلدون : المقدمة، ص 1057 .
[17] ابن فارس : الصاحبي في فقه اللغة ، ص 31 .
[18] إبراهيم السامرائي : في المصطلح الإسلامي، ص 8
[19] محمد سمير نجيب اللبدي : معجم المصطلحات النحوية والصرفية ( مؤسسة الرسالة ودار الفرقان ،بيروت وعمان ،ط3، 1988 م )، ص 182 .
[20] سيبويه : الكتاب ( تحقيق عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط3، 1988 م ) ج1 ص 257 .
[21] الزمخشري : أساس البلاغة ( دار صادر، بيروت، 1979 م )، ص 495 .
[22] ابن فارس : المقاييس ( تحقيق عبد السلام هارون، دار الكتب العملية، إيران، لا، تا ) مج5، ص 62، مادة [قدر ]
[23] ابن الدهان : كتاب الفصول في العربية ( تحقيق د . فائز فارس، دار الأمل ومؤسسة الرسالة، إربد وبيروت، ط1، 1988 م ) ص 3 .
[24] ابن منظور : لسان العرب ( دار صادر، بيروت، ط1، 1990 م ) ج14 ص 94، مادة [ بني ] .
[25] الأشموني : شرح الأشموني ( تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الكتاب العربي، بيروت ،ط1، 1955 م) ج3 ص 547 .
[26] ابن منظور : لسان العرب، ج3 ص 117، مادة [ جرد ] .
[27] الصبان : حاشية الصبان على شرح الأشموني ( دار الفكر، بيروت، لا، تا ) ج2 ص 203 .
[28] ابن منظور : لسان العرب، ج4 ص 126، مادة [ جرر] .
[29] عبد القاهر الجرجاني : المفتاح في الصرف ( تحقيق د . علي توفيق الحمد ،مؤسسة الرسالة، ودار الأمل ،بيروت ط1، 1987 م ) ص 56 .
[30] الزمخشري : أساس البلاغة، ص 98، مادة [ جمل ] .
[31] ابن فارس : المقاييس، ج1 ص 477، مادة [ جمد ] .
[32] المطرزي : كتاب المصباح في النحو ( تحقيق مقبولة علي النعمة، دار البشائر الإسلامية، بيروت، ط1، 1993م ) ص 53 .
[33] ابن منظور : لسان العرب، ج9 ص 42، مادة [ حرف] .
[34] المطرزي : كتاب المصباح في النحو، ص 53 .
[35] السيوطي : الأشباه والنظائر في النحو ( تحقيق عبد الإله نبهان ،مطبوعات مجمع اللغة العربية ،دمشق، لا، تا ) ج1 ص 346 .
[36] الزمخشري : أساس البلاغة، ص 123، مادة ( حرك ) .
[37] ابن يعيش : شرح المفصّل ( إدارة الطباعة المنيرية، مصر، لا، تا ) ج2 ص 117 .
[38] سيبويه : الكتاب، ج1 ص 13
[39] ابن منظور :لسان العرب، ج7 ص 145 ،مادة [ خفض ] .
[40] ابن الدهان : كتاب الفصول في العربية ، ص 161 .
[41] ابن دريد : جمهرة اللغة ( دار صادر ،بيروت، ط1، 1345 هــ، ) ج2 ص 288، مادة [ د غ م ]
[42] ابن فارس : مقاييس اللغة، ج2 ص 358، مادة [ ذكر ]
[43] محمد سمير نجيب اللبدي : معجم المصطلحات ..، ص 90 .
[44] سورة الأنعام، الآية 17، حيث جاءت الفاء رابطة لجواب الشرط، هو قدير، لأنه جملة اسمية .
[45] الزمخشري : أساس البلاغة، ص 216، مادة [ ربط ] .
[46] ابن يعيش : شرح المفصّل، ج1 ص 71
[47] الزجاجي : كتاب الجمل في النحو ( تحقيق د . علي توفيق الحمد، مؤسسة الرسالة ودار الأمل، بيروت وإربد، ط1 ، 1984 م ص 3
[48] ابن فارس : مقاييس اللغة، ج2، ص 424، مادة [ رفع] .
ديوان طرفة بن العبد ( دار صادر، بيروت، لا . تا ) ص 16
[49] المرادي : الجنى الداني ( تحقيق د . فخر الدين قباوة ،المكتبة العربية، حلب، ط1، 1973 م ) ص 577 .
[50] ابن فارس : مقاييس اللغة ج3 ص 47 ،مادة [ زجر ] .
[51] الخليل بن أحمد : الجمل في النحو ( تحقيق د. فخر الدين قباوة ،مؤسسةالرسالة ،بيروت، ط1، 1985 م، ص 190 ..
[52] الخليل بن أحمد : كتاب العين ( تحقيق د . مهدي المخزومي وآخر، مؤسسة الأعلمي، بيروت، ط1، 1988 م ) ج5 ص 312، مادة [ ك يس، ن ] .
[53] السيوطي : المزهر ( تحقيق محمد أحمد جاد اللَّه وآخرون، دار الجيل، بيروت، لا، تا ) ج1 ص 346 .
[54] الزمخشري : أساس البلاغة، ص 334، مادة [ شقق] .
[55] سيبويه : الكتاب، ج3 ص 11 .
[56] ابن دريد : جمهرة اللغة ن ج2 ص 135، مادة [ ح ر ص ] .
[57] ديوان الأعشى ( دار صادر، بيروت، لا، تا ) ص 59، وفيه " كميتاً " بدل " كميتٌ " وابن فارس : مقاييس اللغة ج3 ص 347، مادة [ صرح ] .
[58] عبد القاهر الجرجاني : كتاب الجمل في النحو ( تحقيق يسري عبد اللّه، دار الكتب العلمية ، بيروت، ط، 1990 م ) ص 40 - 41 .
[59] ابن يعيش : شرح المفصّل ، ج7 ص 6
-----------------
نشر هذا البحث في :
مجلة التراث العربي-مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب-دمشق العدد 68 - السنة السابعة عشرة - آب "أغسطس" 1997 - ربيع الآخر 1418