كلية الآداب- أكادير - المغرب
hafidsmaili@gmail.com / hafidsmaili@yahoo.fr
يفتح الاختبار الإبستيمولوجي المجال لفقه الذات، بصياغة جديدة للأسئلة في خصوص النظر اللساني وحدوده وأشكاله ورسومه، فكما تتساءل اللسانيات عن أحوال اللغة وطرق جريانها لتصفها وتفسرها وتكشف عن منطق تصريفها... تتساءل إبستيمولوجيا اللسانيات عن هذا الخطاب (الميتالغوي) ذاته، بقصد الكشف عن منطقه واستلزاماته وأصوله ومناهج تحققاته[1].
لا مراء في أن النماذج اللسانية العربية توحي بالاختلاف والتعدد، ولكنها، في الوقت نفسه، تفرض أسئلة من قبيل: ماذا قدمت هذه الكتابات المختلفة والمتعددة للغة العربية؟ ما هي أسسها النظرية وأصولها المعرفية؟ وما هي شروط العلم والمعرفة التي تحكمت في صياغتها ونمذجتها؟ وكيف بنت نماذجها اللسانية، إن بنتها فعلا؟
لعل هذه الأسئلة وغيرها تدخل مباشرة في مبحث إبستمولوجي محض لا يهتم فقط بالتحليل النحوي والبناءات اللسانية، بل بما ترتكز عليه من شروط علمية وتحيل عليه من مراجع وأسس نظرية[2].
أولا: الإبستمولوجيا: تحديدات أولية
إن مصطلح»الإبستمولوجيا Epistémologie مصطلح جديد (...) صيغ من كلمتين يونانيتين Epistémé ومعناها: علم، وlogos، ومن معانيها: علم، نقد، نظرة، دراسة... الإبستمولوجيا، إذن، من حيث الاشتقاق اللغوي هي"علم العلوم" أو"الدراسة النقدية للعلوم"... وهذا ما يختلف كثيرا عن معناها الاصطلاحي«[3].
ويحدد أندري لالاند مصطلح إبستمولوجيا بالقول: »تعني هذه الكلمة فلسفة العلوم، ولكن بمعنى أكثر دقة فهي ليست دراسة خاصة لمناهج العلوم، لأن هذه الدراسة موضوع للميتودولوجيا وهي جزء من المنطق، كما أنها ليست أيضا تركيبا أو توقعا حدسيا للقوانين العلمية(على الطريقة الوضعية)، إنها، بصفة جوهرية، الدراسة النقدية للمبادئ والفرضيات والنتائج العلمية، الدراسة الهادفة إلى بيان أصلها (المنطقي لا النفسي) وقيمتها الموضوعية، وينبغي أن نميز الإبستمولوجيا عن نظرية المعرفة، بالرغم من أنها تمهيد لها، وعمل مساعد لا غنى عنه، من حيث إنها تدرس المعرفة بتفصيل، وبكيفية بعدية في تنوع العلوم والموضوعات لا في وحدة الفكر «[4].
استنادا إلى هذين التحديدين تكون إبستمولوجيا اللسانيات العربية مقاربة تهتم بصورة المعرفة اللسانية في ثقافتنا، بغية تقويمها من جهة أسسها ومبادئها المصرح بها أو المسكوت عنها. وإذ تبين لنا أن النقد أساس من أسس التفكير الإبستمولوجي فإننا نتساءل: هل خضعت الكتابة اللسانية العربية لأسس النظر النقدي السليم؟
قبل الاهتداء إلى إجابة عن هذا السؤال نشير إلى أن تأطير عمل ما في خانة التحليل الإبستمولوجي يقتضي أن تكون مقدمة الانطلاق هي الكشف عن المقدمات الاستلزامية للنظر الإبستمولوجي، وهي مقدمات نهتدي بواسطتها إلى استخلاص العبر المعرفية والقيم الإبستمولوجية للسانيات مادامت الإبستمولوجية تقويما لنوع خاص من المعارف هو المعرفة العلمية[5].فما هي المقومات التي تجعل من معرفة ما معرفة تمتلك حجية النظر الإبستمولوجي؟
إن الحدود التي وقفنا عليها آنفا لا تتعدى حدود ربط المعرفة الإبستمولوجية بالنقد. وحتى بالاحتكام إلى هذا الربط البسيط، فالملاحظ أن معظم الكتابات اللسانية العربية تفتقر إلى حجية النظر النقدي السليم، لذلك يتعين علينا تبيين المياسم التحديدية الدقيقة للإبستمولوجيا قصد الكشف عن أوجه التداخل بينها وبين بعض الدراسات المعرفية المتاخمة لها ومن ذلك: "فلسفة العلوم"، و"نظرية المعرفة" و"الميتودولوجيا" و"تاريخ العلوم".... ففي ضوء هذا التداخل بين هذه الفروع المعرفية يمكن الاهتداء إلى طبيعة الممارسة الإبستمولوجية عامة وإبستمولوجيا اللسانيات خاصة[6]:
1 ـ الميتودولوجيا: من اليونانية (Méthodos)، ومعناها الطريق إلى... المنهاج المؤدي إلى... هي علم المناهج، والمقصود تحديدا مناهج العلوم. والمنهاج العلمي هو جملة من العمليات العقلية، والخطوط العملية، التي يقوم بها العالم، من بداية بحثه حتى نهايته من أجل الكشف عن الحقيقة والبرهنة عليها.
2 ـ نظرية المعرفة:Gnoséologie وتختص بالبحث في إمكانية قيام معرفة ما عن الوجود بمختلف أشكاله ومظاهره. وإذا كانت المعرفة ممكنة، فما أدواتها، وما حدودها، وما قيمتها؟
3 ـ تاريخ العلوم: إن كل بحث عن الأسس التي يقوم عليها الفكر العلمي يستوجب بحثا في تاريخ العلوم. يقول بوترو (P.Boutroux): » إن تاريخ العلوم، مدروس بشكل ملائم، يزيد من حظوظنا في اكتشاف أسس التفكير العلمي واتجاهاته«[7].
4 ـ فلسفة العلوم: لا يمكن تعريف المقصود بفلسفة العلوم تعريفا محددا، ومع ذلك يبقى كل تفكير في العلم، أو في أي جانب من جوانبه، في مبادئه أو فروضه أو قوانينه، في نتائجه الفلسفية أو قيمته المنطقية والأخلاقية، هو بشكل أو آخر"فلسفة العلوم".
فما هي علاقة الإبستمولوجيا بهذه التحديدات؟
تتكامل الإبستمولوجيا مع الأبحاث المعرفية التي أشرنا إليها، على هذا النحو[8]:
ـ ترتبط الإبستومولوجيا بالميتودولوجيا من جهة تناولها لمناهج العلوم، ليس من الزاوية الوصفية التحليلية وحسب، بل وبالأخص، من زاوية نقدية وتركيبية أيضا.
ـ وترتبط بنظرية المعرفة بمعناها العام من حيث إنها تدرس طرق اكتساب المعرفة وطبيعتها وحدودها، ولكن لا من زاوية التأمل الفلسفي المجرد، بل من زاوية فحص المعرفة العلمية والتفكير العلمي فحصا علميا ونقديا قوامه الاستقراء والاستنتاج معا.
ـ وهي ترتبط بتاريخ العلوم من حيث إنها تدرس تاريخ العلم، ولكن لا لذاته، بل من زاوية كونه مسلسلا لنمو الفاعلية البشرية، الفكرية خاصة، التي هي عبارة عن تحقق إمكانيات الذات في فهم العالم وتغييره، وبالتالي تحقق إمكانيات وعي الذات بنفسها وقدراتها وحدودها.
ـ إنها إذن، فلسفة للعلم، تتلون بلون المرحلة التي يجتازها العلم في سياق تطوره، وتقدمه، ومن هنا طابعه العلمي، وبكون الفلسفات التي تقوم خلال كل مرحلة، أو عقبها مباشرة. وبناء على ما سبق تكون الإبستمولوجيا والأبحاث الأخرى بمثابة حد واحد، وكل فصل بينها يبقى فصلا غير واضح كما هو الحال في التقليد الفرنسي (كونت، وباشلار، وكانغيلم...)، والأمر نفسه يلاحظ أيضا عند بعض الكتاب الأنكلوساكسونيين[9].
غير أن هذا التداخل لا يحول دون وجود بعض التعريفات التي تحاول أن تضع مياسم تحديدية واضحة للإبستمولوجيا؛ كأن تجعلها تخصيصا للمعايير التي توصل إلى أشكال المعرفة[10]. أو فرعا من فروع الفلسفة يهتم بطبيعة وأهداف المعرفة، وبمسلماتها، وأسسها...[11].ونجد من يعتبر الإبستمولوجيا فلسفة بشكل خالص لأنها تسائل العلم بواسطة مقولات فلسفية[12].وهي أيضا خطاب عقلاني عن المعرفة بالمعنى الذي تكون فيه المعرفة تقنية، في مقابل الرأي((L\\\'opinionأو الاعتقاد (Croyance)، وهي "نظرية المعرفة" أي طبيعة المعرفة الإنسانية وميكانيزمها ومداها[13].كما نجد من يربط الابستمولوجيا بالمنطق »من حيث إنها كالمنطق تدرس شروط المعرفة الصحيحة. ولكنها تختلف عنه من حيث إن المنطق يعنى بصورة المعرفة فقط. في حين أنها تهتم بصورة المعرفة ومادتها معا، وبالأخص بالعلاقة القائمة بينهما«[14].
وعموما يمكن القول إن المتابعة الدقيقة للكتابات التي تروم حصر الممارسة الإبستمولوجية وفهم آليات اشتغالها وحدودها-تكشف عن مرونة واضحة في حصر هذا المفهوم، و لذلك وجب التمييز في تلك الكتابات بين زاويتين مختلفتين:
1- زاوية تاريخية تكشف عن رؤية نوعية لهذه الممارسة انطلاقا من منظور إبستمولوجي وارتباطه بمدرسة معينة.
2- زاوية معرفية: تعكس مرونة المفهوم وصعوبة حصره في تعريف جامع مانع، وهي مرونة مستمدة من طبيعة الممارسة الإبستمولوجية وارتباطها الجدلي بالمعرفة العلمية، ولا يهمنا من التحديدات السابقة التوصل إلى تحديد ماهوي (التعريف بماهيته وجوهره) بقدر ما يهمنا الجانب العلائقي في التعريفات.
من أهم المياسم التحديدية التي يتم التركيز عليها في تعريف الإبستمولوجيا نشير إلى ما يلي:
أ- التمييز بين دراسة مناهج العلوم، باعتبارها دراسة وصفية، وبين الإبستمولوجيا من حيث إنها دراسة نقدية تدرس أسس ونتائج العلوم.
ب- التمييز بين الإبستمولوجيا من جهة وبين الميتودولوجيا وفلسفة العلوم، بمعناها العام، من جهة أخرى.
ج- الإبستمولوجيا دراسة نقدية موضوعها المعرفة العلمية من حيث فرضياتها، ومبادئها ونتائجها.
ثانيا: إبستمولوجيا اللسانيات العربية: المنطلقات والتوجهات.
يمكن أن نميز، في الكتابات اللسانية العربية التي تسعى إلى امتلاك حجية النظر النقدي بين ثلاثة اتجاهات كبرى:
- كتابات نقدية عامة: موضوعها الكتابة اللسانية العربية بشكل شمولي.
- كتابات نقدية خاصة: تتجه صوب أحد الاتجاهات اللسانية، أو أحد اللسانيين.
ويلاحظ على هذين النوعين من الكتابة النقدية غياب مساطر واضحة في التقويم النقدي كما سنبين.
- كتابات نقدية مؤسسة: تروم إعمال النظر في الكتابة اللسانية العربية، ونقدها وتقويمها، بالاستناد إلى أسس نقدية واضحة المعالم.
فما هي خصوصيات كل اتجاه؟ وما الذي يميزه عن غيره من الاتجاهات الأخرى؟
1. الكتابات النقدية العامة:
يوجه النقد-هنا-إلى اللسانيات العربية في عموميتها دون تمييز بين نماذجها واتجاهاتها، ودون الكشف عن الأسباب الحقيقية وراء الوضع المأزوم الذي تعيشه اللسانيات العربية. ومما يركز عليه في هذا الاتجاه تخلف اللسانيات العربية وضعف مردوديتها، فهي» لم تثبت أقدامها بعد بالقدر الكافي، ولا تزال تفصل بينها وبين المستوى الذي بلغته في جامعات الغرب درجات كبيرة، اللهم ومضات تلمع بين الحين والحين ترتفع إلى ذلك المستوى، ولكنها في الأعم، نتاج جهد فردي خالص «[15]. وأن » ما تقدم به معظم الباحثين المحدثين أتى قسم منه موغلا في القدم شكلا و مضمونا (...) بينما جاء القسم الآخر، على أهميته، عرضا، إن لم نقل ترجمة حرفية لما أطلقه رواد هذا العلم منذ مطلع القرن العشرين إلى يومنا هذا «[16].
وكثيرا ما يكون النقد في هذا الاتجاه بدافع الحماس والانتصار لاتجاه لساني معين، واعتبار الاتجاهات الأخرى غير ذات جدوى، هذا شأن ريمون طحان الذي رأى أن » أكثر الدراسات التي طبقت على أنها دراسات حديثة هي في الواقع دراسات تقليدية تساق فيها المعلومات والنظرات والآراء، دون غربلة أو تمحيص، حتى أن من يطالعها ليشعر بلعثمة أو هزة ناجمة عن حرارة في رأي واضعيها، بل على عكس ذلك يحس وكأنها فقدت عنصر التجديد فيقف الباحث محاولا أن يحد منها المعلومات القيمة فيعرض عنها لأنها مملوءة بالتعليلات المرهقة وبالألغاز والتمويه«[17]. غير أن مقصدية هذا الباحث سرعان ما تتضح الغاية منها بدعوته إلى ضرورة تبني الاتجاه البنيوي في التحليل.
2. الكتابات النقدية الخاصة:
تستهدف أحد اللسانيين أو إحدى المدارس اللسانية، وأحيانا يركز على فرع من فروع الدراسة اللسانية، ويرجع هذا الاختلاف إلى طبيعة الكتاب الذي ورد فيه النقد، وما يلاحظ عموما على هذا الصنف من الكتابة النقدية تجاوزه، في أحيان كثيرة، لحدود اللياقة العلمية لينزاح عن أهدافه ويتحول من لسانيات إلى تلاسن[18].
يمكن أن نمثل لهذا الصنف من الكتابة بما كتبه سعد مصلوح في مراجعته لكتاب في"صوتيات العربية". يقول: » لهذا كله [يقصد ما عرضه مؤلف الكتاب] رأيته واجبا علي أن أتناول هذا الكتاب، لا بالعرض الناقد، فليس فيه من مسائل الخلاف كثير ولا قليل، وإنما بالتنبيه إلى ما ضمنه بين دفتيه من أخطاء في أوليات الدرس الصوتي وبديهياته، التي لا يعزب بعضها عن علم النجباء من الطلاب بله الأساتذة المتخصصين، وأحسب أن القيام بهذا الواجب فرض كفاية على كل من أتاه الله أثارة من هذا العلم، فالكتاب مطبوع وكاتبه أستاذ جامعي، والمكتبات إنما تقتني الكتب بعناوينها، وبألقاب مؤلفيها دون فحص سابق يمتاز به الصحيح من السقيم، وأيدي الطلاب تمتد إليه رغبة في المعرفة، وطمعا في الفائدة، وقد تعتقد كثيرا منهم من يقود خطاه على الطريق، وتجنبه مواطن الزلل، فيأخذ ما بها من أخطاء مأخذ الحقائق المفروغ من صحتها، وهنا تنفض على العالم والمتعلم كليهما غايتهما من الدرس والتحصيل، وتؤتى الحقيقة من حيث لا تحتسب، فتكون القارعة «[19].
ويضيف معيبا فصلين من فصول الكتاب نفسه:»في هذين الفصلين عيوب ظاهرة، منها التداخل والتجميع السطحي للمعلومات، وضعف الصلة بين منحاها وموضوع الكتاب، وابتسار المعالجة وغموضها، ويتجلى ذلك واضحا في العناوين الأصلية والفرعية الواردة في الفصلين من مثل قوله: »موجز في تاريخ عدة ظواهر لغوية"، وفي حشد الأسماء والتواريخ دون نفع يرجى، أو غاية تدرك«[20].
غير أن ما يلاحظ على مصلوح هو عدم تصريحه بالأصول النظرية والمنهجية التي اعتمدها في مؤلفه الذي اختار لـه عنوان "دراسات نقدية في اللسانيات العربية المعاصرة"، ويستمد هذا السؤال مشروعيته من مضمون الكتاب الذي تضمن دراسات لا علاقة لها باللسانيات.
وإذا كان نقد مصلوح يتجه إلى مؤلف محدد من المؤلفات الصوتية، فإننا نجد من يطلق العنان لنقد الصوتيات بشكل عام، فقد ذهب أحمد مختار عمر إلى أن » المكتبة العربية ما تزال فقيرة جدا في البحوث المتعلقة بعلم الأصوات« [21]، وهو بهذا الإطلاق يسوغ لنفسه تأليف كتاب في الموضوع، وهو النهج الذي تسير عليه جل المؤلفات التي تندرج في إطار اللسانيات التمهيدية[22].
ويتخذ النقد وجهة أخرى، تستهدف إحدى النظريات اللسانيات، أو أحد أتباعها، وهذا يفسر الصراع بين التوجهات اللسانية في الثقافة العربية، نقف على مظاهر من هذا النقد عند محمد الحناش في نقده لأحد اللسانيين المغاربة وللاتجاه التوليدي عموما، يقـول: »من المعضلات التي ما زال البحث العلمي يئن تحت وطأتها في هذا البلد، أن كل من تعلم كيف يحل عن لسانه عقدة التلعثم يحسب أنه برع في جميع ميادين المعرفة، فيشرع في نشر تجاربه الأولى على أبيض الصفحات، واهما أنه يقول شيئا عظيما، لكنه لا يعدو أن كونه يضرب أخماسا في أسداس، وحتى يضفي على أوهامه طابع المشروعية، فإنه يتوجه إلى مقارعة الحجة بالباطل والبهتان ناهشا في أعراض الناس لا يدري أحد ما الذي ألم به، فتراه يثير زوبعة لا تحمل معها إلا أصداء أقوام ذهبوا وانقضى أجلهم بعد أن فاتهم الركب. إنه يحاول جمع أشلاء عظامهم لعله يعيد صنع آدميتهم من جديد، ذلك هو حال توابع وزوابع النحو التوليدي في هذا البلد، أو بلغة العصر الإنسان الآلي التوليدي عندنا، وذلك هو ديدنهم في التعامل مع النظريات المخالفة لما يؤمنون به. يرفضونها قبل مناقشتها. إنه العقم والانغلاق على الذات «[23].
ويلاحظ أن هذا الباحث لا يقصر نقده على من يهمه أمره، بل نحا باللائمة على كل التوليديين، وعلى النحو التوليدي، ورآه نحوا تجريديا كما تظهر مفاهيمه كمفهوم البنية العميقة، والذي لا يستسيغه لا حاليا ولا مستقبلا[24].غير أن السؤال الذي يطرح هو: ما هو البديل الذي جاء به هذا الباحث؟ وما الذي يسوغ له محاسبة الآخرين؟ وما هي الأسس التي يستند عليها؟
ونلفي أشكالا أخرى من نقد اللسانيات من خارج دائرة اللسانيات، نقف على جوانب من هذا النقد عند علي حرب من خلال كتاباته، وخصوصا كتابه:" الماهية والعلاقة نحو منطق تحويلي "، حيث خصص فصلا لنقد تشومسكي تحت عنوان: تشومسكي ومأزق النحو التوليدي[25]، وقد عاد في مؤلف آخر بعنوان:" أصنام النظرية و أطياف الحرية"( نقد بورديو وتشومسكي) ليقوم بالشيء نفسه، وعلى غرار ما فعله في الكتاب الأول خصص القسم الثاني من الكتاب لنقد تشومسكي في فصل عنونه بـ:تشومسكي من الناطق الفطري إلى الفاعل اللغوي[26].
والملاحظ، من قراءة هذين المؤلفين، أن حرب تناول اللسانيات التوليدية من جوانب لا تدخل في مجال اختصاصه، وهذا ما يمكن أن يساهم في خلق وعي مغلوط بالعديد من القضايا اللسانية، التي تستعصي أحيانا حتى على المختص[27].
ولا يخلو النقد، في ثقافتنا، من النفاق العلمي، الذي ينطلق أحيانا من اعتبار "المناسبة شرط"، فتأتي الأحكام متباينة بتباين المناسبات، هذا ما لاحظناه في مهاجمة الراجحي للسانيي المغرب العربي، وخاصة التوليديين منهم، وهو نقد يعبر عن آراء مناقضة لما سبق أن عبر عنه في مناسبة أخرى[28].
وفي مقابل هذا النقد الذي يضمر كل أشكال القسوة والعداوة والصراع، يتخذ النقد وجهة أخرى يتحول معها إلى حمل كل أشكال التمجيد والتنويه، هذا ما نقرأه عند عبد الفتاح المصري في عرضه لكتاب عبد السلام المسدي: التفكير اللساني في الحضارة العربية، يقول عن مضمون هذا الكتاب: » أما المضمون فسأسعى فيما يلي إلى تلخيصه، ولابد من الإشارة في البدء إلى أن البحث طويل، والفكر فيه غنية، والاستنتاجات متتابعة على نحو يصعب فيه التلخيص و الاستغناء عن بعض هذه الفكر والاستنتاجات لأهميتها ودورها في إيضاح جوانب القضايا المطروحة«[29]. ليصل بعد ذلك إلى الحديث عن الأمل المعقود على الكتاب: » و في يقيني أن هذا الأمل بدأ يتحقق، فها هو ذا أحد هؤلاء اللغويين قدم إ لينا واحدا من الكتب المنهجية التي نحن بأمس الحاجة إليها، يسهم به في شق الطريق في مجاهل التراث اللغوي العربي، ليسلكه غيره نيرا واضحا، فيستطيع أن يصل فيه إلى غايته من إبراز لدور العرب في بناء صرح الحضارة الإنسانية في غابر الزمن وحاضره « [30].
إن جوانب النقد، التي عرضنا لها آنفا، تنم عن وجود وعي نقدي بدأ يعرف طريقه إلى الثقافة العربية، غير أن الملاحظ هو أن أغلب المحاولات في هذا الاتجاه تظل ناقصة، من جهة افتقارها لمقومات العمل النقدي السليم، وهذا ما تسعى الكتابات النقدية المؤسسة إلى تجاوزه.
3. الكتابات النقدية المؤسسة:
يعتمد النقد هنا على محددات نظرية ومنهجية تضمن للناقد تماسكا واضحا، من خلال الربط بين المقدمات والنتائج، وصياغة الأسئلة والإشكالات قبل أن يتجه للإجابة عنها باعتماد الانسجام والتماسك في التحليل مما يستجيب لقيد النسقية[31]، وإن كان الالتزام بهذه القيد لا يعني دائما توفقا ونجاحا كليين.
وإذا كان مثل هذا النقد قليلا وحديثا على الكتابة اللسانية العربية، وحتى الغربية، فإننا لانعدم بعض الكتابات الحديثة التي وفقت في رسم معالم واضحة لهذا الاتجاه في الثقافة العربية، ومن أبرز الكتابات في هذا الصدد نذكر، على سبيل المثال لا الحصر:
أ- رياض قاسم: تتبع قاسم جهود اللغويين في لبنان من سنة 1801 إلى سنة 1960، وعرض لها بالتحليل والنقد، يقول: » و كان علي أن أعرض لكل رأي، ولا أرفضه لمجرد الرفض، جاعلا النقد العلمي الهادئ خاتمة لكل مبحث أو رأي«[32].
ب- عبد القادر الفاسي الفهري: عبر عن موقفه الصريح من الكتابات اللسانية العربية الحديثة، حيث رأى أن ما يكتب هو» خطاب لساني هزيل«[33]، لكونه يفتقد لمقومات الخطاب العلمي، وترجع هزالة هذا المنتوج إلى جملة من المغالطات المترسخة منها:
- اللغة الموصوفة و أزمة المنهج
- ادعاء العلمية والمنهجية
- تصور خاطئ للتراث
- تصور خاطئ للغة العربية[34].
ج- حمزة بن قبلان المزيني: وهو من أبرز اللسانيين العرب، يشهد على ذلك إسهامه في ترجمة مجموعة من المؤلفات اللسانية التي أغنت الثقافة اللسانية العربية[35]. إلى جانب ذلك اهتم المزيني بمراجعة ما يكتب في الثقافة العربية من خلال كتابه: مراجعات لسانية[36].
يعتبر المزيني الاهتمام بمراجعة المؤلفات اللسانية ونقدها من« أهم العوامل التي تبعث الحياة في التخصصات المختلفة. بل ربما أمكن القول إن البحث العلمي بمجمله إنما هو، بطبيعته، لا يخرج عن كونه مراجعة مستمرة لما أنجزه السابقون»[37]، غير أن البحث في إنتاج العرب المحدثين سواء ما كان منه مؤلفًا أم ما كان مترجمًا ما يلبث أن يكشف عن بعض السلبيات التي تتضح لنا في هذه الأعمال. ويمكن تلخيص هذه السلبيات، بحسب المزيني، فيما يلي:
1 ـ ما يسمى بالسرقات: فكثيرًا ما تجِد أن بعض هؤلاء يقوم بترجمة ما يراه من أية لغة أجنبية ثم ينسبه إلى نفسه، دون الإشارة إلى المصدر الأساس. وهناك وجه آخر لهذه السرقات، وهو ترجمة ما ترجمه الآخرون أو ادعاء ترجمته، بينما الذي يحدث لا يزيد عن تغيير بسيط يقصد به التعمية.
2 ـ الترجمة غير الجيدة: فقلما يُعنى هؤلاء بترجمة ما يترجمون على الصورة الصحيحة. فربما تجد في هذه الترجمات عدم الإلمام الكافي بالعلم أو عدم القدرة على صياغته بلغة عربية سليمة والفوضى في استعمال المصطلحات وغير ذلك من السلبيات.
3ـ الادعاء، فكثيرًا ما نجد الواحد من هؤلاء يتكلم عن موضوع معين وكأنه أولُ من بدأ التفكير فيه، أو هو أول من استطاع صياغته بصورة جيدة. بينما الحقيقة أن ما أتى به لا يزيد عن كونه استلاباً من هنا وهناك، أو تفنناً في إطلاق الخيال غير المقيد بالمنهجية.
4ـ التشكيك في الآخرين وتغيير المواقف بسرعة دون أن يكون ذلك نتيجة لاقتناع.
وهذه السلبيات، على خطورتها، ليست إلا قليلاً من كثير، إذ يمكن أن يضاف إليها الوقوفُ عند مرحلة معينة وعدم تجاوزها تبعًا لتطور هذا العلم الذي لا يني عن التغير والتطور. وهناك أيضًا قول ما قيل سابقا، سواء أقاله الشخص نفسه أم قاله الآخرون[38].
د- أحمد العلوي: قدم العلوي مشروعا إبستمولوجيا لقراءة اللسانيات، وهو مشروع يعتمد أصولا ومنطلقات خاصة في القراءة، تعتبر القرآن أصلا معرفيا، مع التمييز بين مراتب القول(القول الحقيقي، القول الطبيعي، القول التجسسي، القول النظري)، وقد قدم العلوي في كتاباته نقدا لبعض الباحثين العرب، كما يظهر من نقده لتمام حسان ومحمد أركون...، كما نجد عند العلوي نقدا واضحا للاتجاه التوليدي. ويفضي النظر فيما قدمه الباحث إلى أنه يهدف إلى وضع ضوابط للنظر اللساني، قوامه التشكيك في هذا الإطلاق العربي والغربي.
إن إدخال العلوي للقول القرآني في المذاكرات الثقافية، هو دعوة صريحة إلى إماطة اللثام عن التناقض الذي يعيشه المسلمون، إذ كيف يعقل أن نعد القرآن حقا مؤلفا بالمقدمة الإيمانية، وفي الوقت نفسه نخرجه من القول الثقافي، وكأنه حق صغير، أو حق في كل شيء إلا في المذاكرات الثقافية[39].
هـ- مصطفى غلفان: خصص كتاباته لنقد اللسانيات العربية الحديثة، معتمدا في ذلك، على أسس إبستمولوجية تستمد أصولها من الإبستمولوجيا المعاصرة.
و- عبد السلام المسدي: ضمن بعض كتاباته آراء نقدية للتجربة اللسانية في الثقافة العربية، وخصوصا في كتابيه: اللسانيات وأسسها المعرفية ومباحث تأسيسية في اللسانيات.
ز- عز الدين المجدوب: سعى في كتابه المنوال النحوي العربي إلى تدارك هفوات ونقص القراءات النقدية للتراث النحوي العربي، اعتمادا على إطار نظري، بدونه لا يمكن صناعة تأويل مثيل للتراث النحوي، وتوضيح علاقته باللسانيات، وبالتالي علاقتنا به.وقد انطلق، في نقده، من التمييز بين مفهومين أساسين:
- الفرضيات العامة
- المنوالات
وهو تمييز معهود في فلسفة العلوم Epistémologie والمنطق، والعلوم الصحيحة، ويمكن اعتماده من إدراك دقيق لما يميز التفكير العلمي الحديث من الممارسة العلمية التي سبقته[40].
وعموما فإن الكتابات التي تحسب على هذا التوجه تعتمد التحليل النقدي السليم » الذي يستطيع أن يخلق بينه وبين العلم المستهدف نقدا وحوارا علميا مثمرا تكون لـه نتائج نظرية ومنهجية أو تطبيقية في مجال معرفي معين«[41].
غير أن الملاحظ أن معظم هذه المحاولات، على أهميتها، واختلاف منطلقاتها، تبقى في حاجة إلى أبحاث أخرى تتمم ما بدأته. فمحاولة رياض قاسم جاءت محصورة بحدود زمانية (1801 – 1960)، وحدود مكانية لبنان. وتجربة عز الدين المجدوب ركز فيها بشكل خاص على القراءات النقدية التي اهتمت بالتراث النحوي العربي. أما ما كتبه عبد القادر الفاسي الفهري في مجال النقد فيندرج ضمن اهتمامات لسانية أخرى، ولا يمكن أن ندرجه في المجال النقدي الصرف، والملاحظة نفسها تصدق على بعض كتابات عبد السلام المسدي. ويبقى المشروع الإبستمولوجي لأحمد العلوي، على أهميته، خاصا من جهة مقدماته المعرفية.
وبالنظر إلى أهمية هذا الاتجاه والدور الذي يمكن أن يلعبه في خلق ممارسة ابستمولوجية تعي حقيقة الإنجاز اللساني العربي الحديث، وتساهم في ترسيخ خطاب تقويمي للحيز التداولي للعمل اللساني العربي، وقياس النظريات اللسانية لمعرفة آلاتها ومساطرها وأوزانها، سنقف على جوانب من النقد الابستمولوجي عند الدكتور مصطفى غلفان في كتاب "اللسانيات العربية الحديثة: دراسة نقدية في المصادر و الأسس النظرية و المنهجية". على أن نعود في مقالات أخرى بحول الله للكشف عن مظاهر الممارسة الإبستمولوجية في النماذج التي أطرناها في خانة الكتابات النقدية المؤسسة.
ثالثا: ابستمولوجيا اللسانيات في الثقافة العربية: عقبات في الطريق
على الرغم من المجهودات التي تبذل من الباحثين الغيورين على اللسانيات العربية، فإن هذا المجال من البحث يبقى محتشما بالنظر إلى الصعوبات الكثيرة التي تواجه الباحث في هذا المجال:
ثالثا: اللسانيات العربية الحديثة: دراسة نقدية في المصادر والأسس النظرية و المنهجية:
يروم الدكتور مصطفى غلفان من محاولته النقدية للكتابة اللسانية العربية الإجابة عن أسئلة من قبيل:
- ماذا قدمت اللسانيات للعربية؟
- هل هناك لسانيات عربية؟
- ما المقصود بها؟
- ما هي سماتها المنهجية والنظرية؟
- ما هي النتائج النظرية والمنهجية المترتبة على تطبيق النماذج اللسانية على اللغة العربية؟[42].
إن الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها يقتضي »القيام بمسح دقيق لأهم وأبرز الكتابات التي اعتبرت من قبيل "اللسانيات العربية" أو "الألسنية العربية" أو "اللغويات العربية" وتحليلها تحليلا منهجيا يمكن من كشف وتبيان خصائصها النظرية والمنهجية في ضوء اللسانيات العامة«[43] (ص9).
فعلى الرغم من تجذر البحث اللساني في الثقافة العربية، فإن التمحيص والفحص المنهجي لا يفرز إلا حالات نادرة تستحق فعلا أن تندرج في إطار البحث اللساني بالمعنى العلمي الدقيق، وبغض النظر عن الاختلافات التي يمكن أن تثار حول هذه المسألة، فإن الخروج برؤية علمية في الموضوع تحتاج إلى أن تقوم التجربة اللسانية في الثقافة العربية تقويما صحيحا ينطلق من الإجابة عن التساؤلات الآتية:
-كيف وعى اللغويون العرب المحدثون مبادئ اللسانيات العامة وفرضياتها ونماذجها النظرية؟
-كيف تم توظيف كل هذه الأمور وتطبيقها في دراسة مختلف جوانب اللغة العربية؟ كيف تم نقل ذلك للقارئ العربي متخصصا كان أم قارئا عاديا؟(ص:11)
إن الإجابة عن هذه التساؤلات تشكل اللامفكر فيه في البحث اللساني العربي، وهذا ما حدا بالمؤلف إلى وضع مؤلفه يقول: » تخلو المكتبة العربية – فيما نعلم– من الدراسة المفصلة والشاملة التي تعرض بالتحليل النقدي لتجربة اللسانيات في الثقافة اللغوية العربية الحديثة. فلم تعقد بعد أي صلات بين الخطاب اللساني العربي وبين الخطاب اللساني العام، وهي الصلات التي بإمكانها أن تبين لنا المصادر الأساس التي نهلت منها كتاباتنا اللسانية الحديثة، وتحدد الأسس النظرية والمنهجية المعتمدة، وتكشف عما استفادته دراسة اللغة العربية من هذه المعرفة الجديدة. والدراسة التي نقدم، في هذا الكتاب، ليست سوى مساهمة أولية لرصد بعض الجوانب التاريخية والنظرية المتعلقة بالتجربة اللسانية في العالم العربي سواء من حيث العوامل الفاعلة فيها سلبا وإيجابا أم من حيث إمكاناتها وحدودها«(ص:5).
1- المنطلقات النظرية والمنهجية:
ما يميز محاولة مصطفى غلفان هو تجاوزه لكل رؤية مذهبية سواء في الكتابة اللسانية العربية أو اللسانيات الحديثة، فلم يعتمد أي نظرية لسانية للحكم على ما يكتب في اللغة العربية، وعلاوة على ذلك اعتمد خطة منهجية صارمة تتجلى في تخصيصه مدخلا نظريا ومنهجيا تناول فيه مجموعة من القضايا التي تمهد لتقديم تحليل نقدي للسانيات العربية، وهو بيت القصيد في عمله. فما هي التصورات التي اعتمدها منطلقا في نقده؟
يعتبر المحلل الناقد، في نظر الباحث، » بمثابة محاور ومناظر لغيره، في الوقت ذاته. إنه يتوجه للآخر مطلعا على ما يعتقد ويعرف مطالبا إياه بالمشاركة في الاعتقاد، قصد تحقيق أغراض علمية محددة، مما يجعل عمله قائما على التعاون مع الآخر، في طلب الحقائق والحلول في تحصيل المعارف واتخاذ القرارات العامة والتوجه بها إلى العمل.إن العمل النقدي شبيه، من حيث بنيته العامة، بالحوار العادي سوى أن الأول أكثر ضبطا لشروطه وأصوله، وإن كان الثاني لا يخلو منها. كلاهما يتبع طرقا استدلالية محددة قد تكون أكثر وضوحا في الحوار العلمي. إن النقد اللساني، بهذا المعنى التفاعلي، يجب أن يصير حوارا علميا « [44]، وهذا ما تفتقر إليه أغلب المحاولات النقدية التي عرضنا لها آنفا خصوصا ما تعلق من ذلك بالنقد العام والنقد الخاص.
إن الالتزام بالمبادئ التي سطرها الباحث تجنبنا إصدار أحكام قيمة سلبا وإيجابا، دون تفسير يستند لمبادئ منهجية محددة، وهو المنطلق الذي يجب أن يبدأ منه كل من يروم إعمال النظر والنقد.
إن التحليل النقدي السليم لا يمكن أن يكون إلا بوضع أسس واضحة المعالم نظريا ومنهجيا، تكون بمثابة قاعدة يتم الاستناد إليها باستمرار. على هذا الأساس يميز الباحث بين نوعين من القواعد: قواعد معيارية، وقواعد مؤسسة، وهو تقسيم يستعيره من فيلسوف اللغة سورل.
أ- القواعد المعيارية:
ترتبط القواعد المعيارية »أساسا بذات المحلل الناقد ووعيه، وهي ذات طبيعية أخلاقية بالدرجة الأولى، ومنها: وجوب الاتصاف بالموضوعية واحترام رأي الآخر وعدم الإساءة إليه، والتخلي عن المجازفة في التعميمات والقطع في الإثبات أو النفي. وقد يكون لهذه القواعد أهمية تفوق درجة كفاءة المحلل الناقد العلمية. فلا علم بدون أخلاق.ويمكن ربط هذه القواعد المعيارية بما عرف في الثقافة العربية القديمة بشروط الجدل والمناظرة«(ص:58).
ب- القواعد المؤسسة:
وهي القواعد التي» تحدد الكيفية التي ينبغي أن تناول بها التحليل النقدي اللساني موضوعاته، وذلك بتزويد المتتبع برؤية منهجية محددة تستند لجملة من المبادئ القابلة للضبط والمراقبة. ومن شأن هذه القواعد أن تجعل المتابعة النقدية مقيدة شكلا ومضمونا، مما يعطي للاستنتاجات المحصل عليها قدرا كبيرا من الموضوعية والوضوح حتى لا يتحول النقد إلى أحكام ذاتية مرتبطة باعتبارات ظرفية وشخصية «(ص:59).
إن هذه القواعد التي يستند إليها الباحث في تقسيمه السابق قواعد كثيرة، ولعل أهمها بالنظر إلى واقع البحث اللساني العربي:
- الإيمان بتعدد المذاهب والتيارات اللسانية،
- التعرف الكامل والدقيق على المصادر الأساس للكتابة المستهدفة نقدا،
- تقويم الكتابة اللسانية تقويما داخليا، انطلاقا من الإطار النظري الذي تندرج فيه،
- العناية بالقضايا ذات المردودية النظرية والمنهجية والتطبيقية(ص:59).
غير أن هذا الحصر لا ينفي وجود مبادئ أخرى قد تكون أساسا لنقد موضوعي مفيد.
فكيف استثمر الباحث هذه المبادئ النظرية والمنهجية في نقده للكتابة اللسانية العربية ؟ وما هي أهم تجليات ذلك ؟
2- من تجليات التحليل النقدي في الكتاب:
أولا:السمات المنهجية للكتابة اللسانية التمهيدية:
على الرغم من المساهمة الإيجابية للسانيات التمهيدية في تقدم البحث اللساني العربي في بعض مناحيه، فإنها لم تسلم، في نظر الباحث، من بعض الهفوات لخصها فيما يلي: الارتباك في تحديد مجال البحث اللساني: ويرجع هذا الارتباك والغموض إلى طبيعة » المصادر التي تعتمدها بعض الكتابات التمهيدية، وهي مصادر عامة بعيدة نسبيا عن اللسانيات بمعناها العلمي الدقيق«(ص:110). كما يفسر هذا الارتباك بعدم تحديد موضوع علم اللغة تحديدا دقيقا، فالمتتبع لموضوعات الكتابة اللسانية التمهيدية، وتحليلها يلاحظ أنها حصرت مجالات علم اللغة في نطاقه الواسع؛ أي دراسة اللغة في إطارها العام تاريخيا وحضاريا واجتماعيا ونفسيا ولم تهتم بالمبادئ اللسانية العامة إلا في حالات نادرة.
غياب تقنيات التحليل اللساني:يشكل الجانب التقني أحد الجوانب الأساس التي تتوسل بها اللسانيات في فرض منهجية علمية للتحليل، غير أن الأمر في الكتابة اللسانية التمهيدية ليس على هذه الشاكلة » إذ من النادر وجود كتابة تعرض التقنية المتبعة في التحليل اللساني، أي كل ما يتوسل بواسطته المحلل اللساني في وصف الظواهر اللغوية، من أدوات تقنية وطرق إجرائية في التحليل المباشر للغة. رغم أن جل الكتابات اللسانية التمهيدية العربية هي ذات منحى وصفي بالأساس، فإنها لم تعمل على تقديم المنهجية المتبعة في هذا الاتجاه من الدرس اللساني«(ص:114). صحيح أن الكتابة اللسانية التمهيدية تتحدث عن موضوعات علم اللغة بإسهاب، لكنها لا » تعرض للكيفية التي يتم بها تناول هذه الموضوعات لسانيا، سواء في إطار المنهج الوصفي أم التاريخي أم التقابلي«(ص:115)، وهذا ما يضع القارئ أمام تساؤلات عديدة، تربكه، فـ » تعامل الكتابة اللسانية التمهيدية مع تقنيات التحليل اللساني ظل عموما منحصرا في تقديم معلومات تعود لبداية هذا القرن، في صيغ يغلب عليها الطابع الأدبي. أما النفاذ إلى عمق المناهج اللسانية، باعتبارها أجهزة مفاهيمية لها أدواتها الواصفة التي تضبط عملية التحليل الوصفي للغة معينة، فذلك ما لم تتمكن الكتابة اللسانية التمهيدية من القيام به بشكل كاف«(ص:116)، وإن كانت بعض الكتابات الصادرة منذ الثمانينيات قد تجاوزت نسبيا هذا النقص.
عدم مواكبة النظريات اللسانية: تتميز النظريات اللسانية، عموما، بالتجدد، ولا سيما النماذج المتأخرة منها، كتلك التي عرفها النحو التوليدي والنحو الوظيفي، غير أن الواقف على الكتابة اللسانية العربية التمهيدية يجد » أنها لا تواكب في مجملها التطورات التي حصلت في البحث اللساني الحديث، وما عرفته النظريات من تغييرات وتصورات جديدة، وتكاد المرحلة التي تتناولها الكتابة التمهيدية هي المرحلة البنيوية، في إطارها البنيوي في إنجلترا «(ص:116). وتظهر عدم المواكبة، خصوصا، في كتابات لسانية تمهيدية ينحصر النظر فيها في مجالات لسانية عديدة [صوت، تركيب، دلالة] في فترة زمنية محددة من تاريخ اللسانيات ولا تتجاوزها، دون أن تعير اهتماما للتطورات التي عرفتها اللسانيات في إطار النحو التوليدي مثلا. لقد عرض المؤلف لجوانب عديدة تمثل لعدم قدرة العديد من اللسانيين مواكبة مستجدات البحث اللساني وبذلك لم تقدم الكتابة التمهيدية للقارئ العربي المبتدئ المعلومات الكفيلة بمواكبة مستجدات النظريات اللسانية وتطوراتها.
اللغة العربية في الكتابة التمهيدية:اللغة العربية أساس البحث في الكتابة اللسانية التمهيدية العربية، غير أن هذه الكتابة » تخلو من أي ربط يبين ما تقدمه من معلومات لغوية والواقع اللغوي العربي. وتكثر الكتابات التمهيدية العربية من المثال التطبيقي المأخوذ مباشرة من اللغات الأجنبية خاصة اللغة الإنجليزية. ويعطي عدم انشغال الكتابة التمهيدية بأمثلة من اللغة العربية الانطباع لدى القارئ عامة، والمبتدئ على وجه الخصوص، أن هذه المبادئ المعروضة عليه لا تمس اللغة العربية في شيء ولا تنطبق عليها، وبالتالي لاتهمها«(ص:120).
وإذا كانت بعض الكتابات قد نجحت في أن تستقل أمثلتها من العربية، فإن ما يلاحظ عليها أن أمثلتها بسيطة، وتطرح أكثر من إشكال نظري، كما هو الشأن، مثلا، بالنسبة إلى تحديد بنية الجملة العربية، إذ لا نجد تصورا واحدا لتمثيل بنية الجملة البسيطة، سواء تعلق الأمر بالمنظور البنيوي أو المنظور التوليدي. وترجع النقائص السابقة إلى جملة من العوامل يمكن تلخيصها في:
- الإفراط في التبسيط
- الجنوح للتعميم الشديد
- إهمال المصادر العلمية(ص:128)
كل ذلك يتعارض مع كل كتابة لسانية تمهيدية جادة ومنفتحة، يمكن أن تساهم في خلق وعي لساني جديد في الثقافة العربية.
ثانيا: لسانيات التراث:
عرض الباحث في مستهل حديثه عن لسانيات التراث للإشكالية التي يندرج فيها هذا الصنف من الكتابة اللسانية العربية الحديثة، أي ما اصطلح على تسميته في الفكر العربي الحديث"إشكالية الأصالة والمعاصرة"، ليتناول بعد ذلك لأهم المنطلقات والاتجاهات في هذا التوجه ليصل إلى تقويم الوضع الإبستمولوجي للقراءة.
إن أول ملاحظة يمكن تسجيلها بخصوص هذا الوضع، في نظر الباحث» أن المنهجية المعروفة بالقراءة أو إعادة القراءة، لا تجيب بالتحديد عن جملة من الأسئلة منها: ماذا نقرأ؟وكيف نقرأ؟ في ضوء ماذا نقرأ؟ إنها أسئلة تجعل الكتابة اللسانية القرائية لا تستند إلى أساس نظري أو منهجي محدد لعدم استناد القراءة نفسها إلى وضع إبستمولوجي محدد في غياب منهجية واضحة المعالم «(ص:146).
- القراءة بين التأويل الذاتي و الطرح المنهجي:
إن السمة الغالبة على لسانيات التراث هي اعتمادها تأويل النصوص واستنطاقها، منطلقا مع عزلها عن سياقاتها، فهي قراءة »لا تنظر إلى المقروء كما هو في شموليته وكليته ولحظاته التاريخية. إنها لا تهتم بالتراث إلا في إطار ما تستهدفه من وراء عملها ممارسة نوع من الانتخاب والانتقاء ونزع النصوص من سياقها التاريخي، ثم إعادة زرعها في سياق جديد وإسقاطها على الماضي (إلى الوراء) وعلى المستقبل (إلى الأمام)، وعن التأويلات الحرفية أو الباطنية والمبالغات المعنوية «(ص:147).
فهل يمكن أن توصف قراءة بالموضوعية في غياب منهجية محددة؟ إن هذا غير ممكن إطلاقا في مجال المعرفة العلمية، لأن المعرفة العلمية - كما ينص على ذلك كارل بوبر- ينبغي أن تبرر باستقلال عن نزوات أي شخص، وأن يكون التبرير موضوعيا عندما يكون قابلا للمراقبة ويفهمه الكل.
وإذا كان التأويل ضروريا فإن السؤال الذي يطرح كيف يمكن تحاشي المنزلقات والهفوات التي تنتج عنه؟
يقدم الباحث جوابا عن هذا السؤال مفاده » أن التأويل الذي تقوم عليه القراءة ليس جملة من الإواليات المضبوطة الكفيلة بتحديد مسافات التأويل، إن القراءة في جوهرها مجموعة من"التقديرات" المقدمة في شكل حدوس وتخمينات متباينة يتحول فيها التراث على صورة مستكنهة مقدرة تومئ (...) إن تأويل النص القديم، إما تقدير، وإما حدس، وإما ظن، وإما تفكير ضمني(...)كيف يمكن أن نقيم مقارنات ونستخلص منها بعض النتائج والأحكام ذات الأهمية البالغة، إذا كان الأمر لا يعدو أن يكون أن هذا اللغوي القديم يفكر ضمنيا بهذه الكيفية، أو أن هذا النص القديم يشير ضمنيا إلى كذا وكذا؟«(ص:148).
- القراءة ونظرية العلم:
تكشف المتابعة الدقيقة للقراءة التي يقدمها لسانيو التراث عن » فهم عام لمضامين النظرية اللسانية، وإدراك غير واضح لها بسبب تداولهم إياها تداولا حدسيا وتلقائيا، متناسين، في حالات عديدة، مصادرها الفكرية والأسس النظرية والمنهجية التي تقوم عليها. إن ما تعتبره القراءة اللسانية مفاهيم بسيطة مثل مفهوم العامل، ومفهوم الحالة، ومفهوم البنية العميقة والبنية السطحية، ومفهوم التحويل، وغيرها من مفاهيم التوليدية هي في العمق غير ذلك.إن المفاهيم اللسانية الحديثة ترتبط في جوهرها بمبادئ منهجية على جانب كبير من التعقيد النظري باعتبارها جزءا من شبكة من الإشكالات المتداخلة «(ص:151)، وهذا ما كشفنا عنه من خلال حديثنا عن لسانيات التراث وأهم تجليات التلقي التي ميزتها.
إن أي دراسة، في أي مجال من مجالات البحث العلمي، تقوم بمدى مساهمتها في تطوير مجالات البحث وتعميقها، أما استهداف التقارب لذاته، فلا يفيد النظر العلمي في شيء، ومن ثم لا أهمية له، يقول غلفان في هذا الصدد: » ليس المهم في شيء أن نصل إلى مثل هذا التقارب؛ إن عمق المشكل يكمن في مساءلة الأسس المنهجية والأبعاد النظرية للنشاط اللغوي العربي ونظيره الغربي الحديث. قد يحصل الالتقاء والتشابه بين الفكر اللغوي القديم والفكر اللساني الحديث، في كثير من المجالات المعرفية، كما يحدث صدفة أو عفويا بين جميع الثقافات الإنسانية إن ما يتعين القيام به وتوضيحه بالبحث والتنقيب هو كيف وضع هذا المفهوم أو ذاك في إطار نظري معين ؟ كيف يتم توظيفه؟ ما علاقته بمفاهيم أخرى؟
من المؤكد أن انتقاء المفاهيم وعزلها عن الإطارين النظري والمنهجي اللذين يتحكمان في هذه المفاهيم لا يقود إلى نتيجة منهجية مفيدة «(ص:151).
إن القراءة في لسانيات التراث تهدف إلى البرهنة على صحة البحوث اللغوية العربية من خلال مقارنتها بالبحوث اللسانية، وهي مقارنة تقوم على التصويب الكلي للبحوث اللغوية، والبحوث اللسانية في الوقت نفسه وهذا يتنافى، في منظور الباحث، مع مفهوم النظرية وشروطها إذ يجب أن تكون النظرية » قابلة للإبطال أو، على الأقل، قابلة للتجاوز، في حين يكون ما تنادي به لسانيات التراث المتمثل في قابلية الفكر اللغوي العربي للقولبة والاندماج في مجموع النظريات اللسانية الحديثة أمرا مستحيلا فلا يمكن– على الأقل من الناحية النظرية - » البرهنة على صحة النظريات، كل ما يمكن القيام به هو البرهنة على خطئها« وكل نظرية لا تقبل الإبطال والدحض هي ميتافيزيقا. »إن الفرق بين العلم والميتافيزيقا هو الإبطال Falcification «(ص:151).
إن ما تقدمه لسانيات التراث يجعل أصالة التراث العربي مرتبطة أساسا بهذا الشكل من المقارنة، وهذا يعني أنه لا وجود للتراث اللغوي العربي ولا لأصالته إلا بالارتباط المباشر بالنظريات اللسانية الحديثة. والواقع أن» أصالة الفكر اللغوي العربي ليست مرتبطة بمدى ملاءمتها بما تقدمه النظريات اللسانية الحديثة. إن اللسانيات ليست مقياسا لتقويم أصالة التفكير اللغوي العربي القديم، إن أصالة هذا الفكر مرتبطة بالإطار الحضاري العربي الإسلامي وبالشروط التاريخية التي وجهت التفكير اللغوي العربي في المسار الذي سار فيه بكل الملابسات والأبعاد المعروفة« (ص:154)، وهذا ما لم يأبه به لسانيو التراث.
القراءة والعمل اللساني:
اتخذت الدراسات اللغوية منحى جديدا بمجيء سوسير الذي استطاع أن يضبط بدقة موضوع اللسانيات ويخلصه من القضايا الخارجة عن اللغة بالدعوة إلى تركيز البحث على دراسة اللغة في ذاتها، ومن أجل ذاتها، غير أن النظر إلى » الدراسات اللغوية التي تندرج في إطار لسانيات التراث لا تهتم بالموضوع(...)،إنها لا تتناول اللغة العربية باعتبارها بنية مكونة من مستويات مختلفة. إن غاية الكتابة اللسانية القرائية هي التوفيق بين التصورات اللغوية القديمة ومضامين الدرس اللساني الحديث.إنها تتعالى عن موضوعها الأصلي لينصب اهتمامها حول التراث اللغوي، فهي لا تصف ولا تفسر الظواهر اللغوية العربية. إن قراءة الفكر اللغوي العربي القديم أو إعادة قراءته في ضوء اللسانيات يوحي بأن موضوع اللسانيات الأساس هو تأويل التراث وليس دراسة اللغة في حد ذاتها ولذاتها «(ص:155).
إن النظر في مبادئ التراث وتقييمها أمر مشروع، خصوصا إذا كان الهدف هو تطوير الفكر اللغوي العربي القديم، وكان هذا النظر يعتمد قواعد البحث اللساني السليم بعيدا عن التأويل والدوغمائية، لكن النظر إلى القراءة التي تقدمها لسانيات التراث يكشف أنها » أقرب ما تكون إلى العمل الفيلولوجي من حيث إنها تضع الشروح المساعدة على فهم النصوص المساعدة. إن القارئ في مجال التراث العربي ليس إلا شارحا وفيلولوجيا، إنه يحاول أن يضع الشروح المساعدة على فهم النصوص القديمة فيجد نفسه من اجل تقريب فكر قديم من معاصريه(...)يلجأ إلى استعمال ألفاظ وتعابير حديثة. وهكذا يأتي الشرح يختلط فيه القديم والحديث عبر ألفاظ لا يربط بينها سوى إرادة الشارح. لذلك لن تفيدنا النتائج المتوصل إليها عن طريق المقارنة أو التشابه اللذين تقف عندهما لسانيات التراث نظرا لتباعد أهدافها وأهداف العمل اللساني الصرف. عن دراسة اللغة سانكرونيا يتعلق بدراسة قواعد اللغة العربية العام وطرق اشتغالها والجهاز الواصف لهذه اللغة.
- حدود لسانيات التراث:
إن الهدف، هنا، هو الكشف عن بعض القضايا النظرية والمنهجية العامة التي تثيرها لسانيات التراث، والكشف عن النتائج المترتبة على ذلك. فالقراءة في هذا النمط من اللسانيات تطرح إشكالات كثيرة منها جملة من القضايا الفكرية تبقى أهمها إشكالية" هوية" التراث اللغوي وعلاقته بالنظريات اللسانية وتنوعها، فـ» إذا تناولنا مثلا المستوى النحوي لهذا التراث اللغوي، فإننا نعرف أنه يشكل منظومة مرجعية خاصة بالثقافة العربية الإسلامية القديمة. إنه نسق فكري وضع في فترة تاريخية محددة نتيجة عوامل معينة، وقام على أسس فكرية معينة باعتباره جزءا من بنية ثقافية عامة، هي الثقافة العربية بمختلف مكوناتها الحضارية ( فكرية واجتماعية ودينية وسياسية ) غير أن تعدد القراءات يفقد التراث اللغوي العربي "خصوصيته"الحضارية، وذلك عندما نجعله قابلا لأن يصاغ حاضرا ومستقبلا في أي نظرية لسانية ممكنة اليوم وغدا. ما تنتهي إليه القراءة أنه كلما ظهرت نظرية لسانية جديدة فإن النحو العربي يكون قادرا على احتوائها «(ص:157).
فهل من المعقول أن يكون النحو العربي بنيويا وتوليديا ووظيفيا في أسسه النظرية والمنهجية؟ إن هذا غير ممكن إطلاقا وكل توجه من هذا القبيل يوقعنا في »مفارقة منهجية ومغالطة إبستمولوجية. إن ما يكون بنيويا تصنيفيا لا يمكنه أن يكون، في الوقت ذاته، توليديا تحويليا نظرا لاختلاف الأسس النظرية والمنهجية بين التصورين «(ص:158).
- حول مقولة تجانس التراث:
إذا كنا نتحدث عن النحو العربي بهذا الإطلاق، فإن ذلك لا يسوغ اعتبار هذا النحو مدونة متجانسة، لأننا عندما نعتبره كذلك نسمح لأنفسنا » باستنتاج أمور لا تتفق وحقيقة الظاهرة المدروسة.إن التجانس التي تضفيه القراءة على التراث يلغي التناقض الذي يزخر به هذا التراث عبر مساره الطويل «(ص:161).
إلى جانب التجانس تعتمد المقارنة بين اللغويات واللسانيات على مظاهر التشابه، لكن» ما هو هذا التشابه الذي يمكن أن يتمظهر في نمطين من التفكير لكل منهما شروطه الموضوعية والذاتية التي أفرزته وخصائصه التاريخية التي وجهته« (ص:162).
إن هذا التشابه والتجانس يلغيان الخصوصيات التي تميز كل ثقافة سواء أتعلق الأمر بالثقافة العربية الإسلامية أم بالثقافة اللسانية... وهذا ما لم يعه لسانيو التراث.
- الأبعاد الحضارية للقراءة:
إن اللجوء إلى قراءة الفكر اللغوي العربي القديم، يفرض علينا أن نميز بين موقين:»-موقف حضاري: تكون القراءة فيه، فعلا، وسيلة تكفل لنا التعرف على ذواتنا حضاريا، وتسمح لنا بإبراز خصوصياتنا أمام تحديات العصر المتعددة، وفي هذا الاتجاه تعتبر القراءة وسيلة ناجعة للتعريف بالتراث اللغوي العربي، لا باعتباره جزءا من تاريخ الفكر العربي فحسب، وإنما باعتباره أيضا محطة تاريخية في مسار الفكر اللغوي الإنساني لا يمكن تجاهلها.
- موقف علمي: حيث ينبغي أن ينظر إلى التراث على أنه نتاج معرفي، محدد بإطار تاريخي وثقافي، يوضح مصادره الفكرية، ويرسم الخطوات والمراحل التي اتبعها لتحقيق جملة من الأهداف الفكرية والاجتماعية والسياسية، يقتضي منا أن ننظر إلى التراث اللغوي العربي باعتباره نتاج مرحلة من مراحل الفكر الإنساني التي تفاعلت مع مراحل أخرى «(ص:164). وعليه وجب التفريق بين طبيعة العمل اللساني باعتباره ممارسة وبين البحث اللغوي بصفته مساهمة حضارية.
ثالثا- لسانيات العربية:
ميز مصطفى غلفان في لسانيات العربية بين ثلاثة اتجاهات أساسية:اتجاه بنيوي وصفي، واتجاه توليدي تحويلي، واتجاه تداولي وظيفي.
أولا: الكتابة العربية الوصفية:
وقف الباحث في كتابات الوصفيين على جملة من الملاحظات، أهمها:
أ - عدم تحديد المصادر والأسس النظرية والمفاهيم المنهجية توضيحا كافيا.
أ- الانتقائية في التعامل مع النظريات اللسانية الوصفية
ج- السطحية في تداول المفاهيم والمبادئ اللسانية الوصفية.
- عدم تحـديد المصادر والأسس النظرية والمنهجية:
يتحدث الوصفيون عن الوصفية بإطلاق، دون اهتمام بتحديد الإطار النظري الذي تعتمده، وكأن المسألة بذلك الوضوح الذي يبدو في كتاباتهم. فمن » المعروف أن اللسانيات الوصفية أو البنيوية اتجاهات ومدارس متعددة تتفق في أمور وتختلف في أخرى. غير أن الدارسين العرب لا يهتمون بمسألة التحديد المضبوط للإطار النظري الذي يشتغلون فيه ويوظفونه في تعاملهم مع اللغة العربية «(ص:178). هذا ما نلاحظه عند تمام حسان وعبد الرحمان أيوب وريمون طحان... وغيرهم.
- الانتقائية في التعامل مع مبادئ اللسانيات:
إذا كان الوصفيون يتفقون على بعض الأسس النظرية، فإن الاختلاف قائم بينهم حول الكثير من المفاهيم، ويرجع ذلك إلى الاختلاف في بعض جوانب التحليل، فقد ركز البعض على الجانب الشكلي لمستويات التحليل اللغوي، بينما ركز البعض الآخر على الجانب الوظيفي. وقد استتبع هذا الاختلاف اختلافا آخر على مستوى المفاهيم.
- من البساطة في التعامل إلى السطحية:
يتعامل الوصفيون العرب » مع المبادئ البنيوية بكثير من البساطة، حيث لا يتم عرضها بالشكل الذي يقتضيه البحث العلمي من عمق وضبط ودقة. فالكتابة اللسانية العربية الوصفية تتحاشى الدخول في التفاصيل والجزئيات، وكل ما له علاقة بالأمور الصورية المتعلقة بالمفاهيم و المبادئ المستعملة في التحليل اللساني«(ص:184). وهذا ما جعل تحليلاتها عامة تفتقد إلى الدقة المطلوبة.
- المنهج الوصفي واللغة العربية:
تتلخص السمات التي تميز تطبيق المنهج البنيوي على اللغة العربية في النقط التالية:
- التطبيق الجزئي
- بساطة التطبيق
- استمرار حضور التحليل اللغوي القديم
- غياب الوصف بمعناه المنهج الدقيق
- إسقاط عيوب النحو الغربي على النحو العربي.
- التطبيق الجزئي:
تقصر الكتابة الوصفية مجال اهتمامها على بعض القضايا الجزئية، وهذا ما يجعل الجهود موزعة، مما يحول دون تحقيق نتائج، ولذلك فعلى الرغم من » مرور أزيد من نصف قرن على ظهور المنهج البنيوي لا تتوفر اللغة العربية على أي تحليل وصفي شمولي لبنياتها، ولا حتى على التحليل البنيوي المتكامل لأحد مستوياتها (ص:188)«.
- من التبسيط إلى السطحية:
فضلا عن » تعامل الكتابة اللسانية العربية الوصفية مع مبادئ اللسانيات العامة بالتبسيط، اتسم تعاملها مع القضايا العربية–من الناحية الوصفية– بكثير من السطحية بسبب انعدام التحليل الوصفي العميق وعدم التعمق في سبر أغوار بنيات اللغة العربية«(ص:188). وهذا ما تكشف عنه المتابعة الدقيقة لكتابات الوصفيين أمثال أنيس فريحة، وتمام حسان وعبد الرحمان أيوب وريمون طحان...الخ.
- أي تحليل جديد للغة العربية؟
تلجأ الكتابة اللسانية الوصفية » للتراث اللغوي العربي مستلهمة منه جملة من المفاهيم والمصطلحات بل حتى بعض التصورات، لقد ظل التحليل الوصفي للنظام الصرفي العربي محتفظا بالتسميات الموروثة عن الفكر اللغوي القديم مثل"الماضي"و"المضارع" و"الأمر" بالرغم من كثرة الشكوى من المصطلح القديم بسبب دلالته الملبسة وعدم شموليته«(ص:191).
- أي وصف للغة العربية؟
إذا كانت الكتابة الوصفية العربية تتخذ من المنهج الوصفي منطلقا، فإن الملاحظ أنها لم تتقيد بخطوات هذا المنهج، فمن» المعروف أن التحليل الوصفي يبدأ بتحديد ما اصطلح على تسميته بالمتن Corpus باعتباره مادة البحث اللساني. ويتعلق الأمر بجمع النصوص المنطوقة أو المكتوبة أو هما معا، ويشترط فيه نوعا من التجانس والتمثيلية والتحديد الزماني والمكاني للغة الموضوعة للوصف.
إن كتاباتنا الوصفية لا تأخذ بعين الاعتبار هذا الأساس المنهجي الهام في التحليل الوصفي. ما هي المادة اللغوية التي درس اللسانيون العرب؟ ماذا وصفوا؟ إن الكتابة الوصفية العربية تتحدث عن تحليل اللغة العربية، لكنها لا تحدد منهجيا هذه اللغة العربية التي تنطق منها«(ص:194) على هذا الأساس يكون نقد الوصفيين للنحاة واللغويين نقدا غير مبني على أسس نظرية ومنهجية متكاملة.
- الكتابة الوصفية والنحو العربي:
لقد رأى الوصفيون العرب فيما صح من نقد الوصفيين الغربيين للنحو التقليدي قابلا للتطبيق على النحو العربي » غير أن مجمل ما أخذته اللسانيات البنيوية في أوربا وأمريكا على الأنحاء التقليدية الغربية، لا ينطبق بالضرورة على النحو العربي لاختلاف المرجعيتين الفكريتين الثاويتين وراء الممارسة النحوية العربية واللاتينية–الإغريقية.ومهما يكن، فإن نقد الكتابات اللسانية للتراث اللغوي القديم لم يكن متماسكا ولا مقنعا وبصفة عامة لم يكن له أي مردودية نظرية أو منهجية« (ص:198).
إن الهفوات التي سقط فيها الوصفيون العرب في نقدهم للنحو العربي يمكن تلخيصها فيما يلي: » أولا: إنه نقد لم يكن قائما على رؤية منهجية أو نظرية أو شاملة للفكر اللغوي العربي القديم، وإنما يتعلق الأمر بملاحظات متفرقة تحاكي في حالات عديدة ما ورد في الفكر الغربي من نقد للنحو الغربي التقليدي.
ثانيا: إن نقد النحو العربي لم يكن نقدا موضوعيا، بقدر ما كان دفاعا عن المنهج الوصفي ووسيلة لتبرير اللجوء إليه.
ثالثا: وقوف الكتابة اللسانية الوصفية العربية عند حدود النقد، دون أن تتمكن من تقديم نظرية لسانية بديلة للنحو العربي القديم، أو حتى أن تبلور وتنمي الأفكار اللغوية القديمة، نحو ما هو أفضل لدراسة اللغة العربية.
رابعا: إنه نقد"عجز عن دحض الأطروحات التقليدية" بحيث ظلت الأفكار اللغوية القديمة هي السائدة، واستمر الفكر النحوي العربي القديم مصدرا أساسيا لكثير من الكتابات الوصفية العربية التي اعتمدت بوعي أو بدون وعي تصورات القدماء ومصطلحاتهم ومفاهيمهم في أسلوب جديد« (ص:199).
ثانيا- الكتابة التوليدية العربية:
عرض مصطفى غلفان بتفصيل للأطر النظرية التوليدية، والتغيرات التي عرفتها في نظمها الأصلية، ليصل إلى الكشف عن خصوصيات الكتابة التوليدية في الثقافة العربية.
إن المتتبع لمسار الدرس التوليدي في الثقافة العربية يلاحظ أن الكتابة التوليدية العربية قد تمكنت » من تقديم جملة من الاقتراحات الجديدة المتعلقة بطبيعة البنيات العربية صوتا وصرفا وتركيبا ودلالة ومعجما. وجاءت بعض هذه الكتابات مضاهية شكلا ومضمونا لنظيرتها الغربية أمريكية وأوربية من عدة أوجه، في مقدمتها تقيدها المطلق بشروط وقواعد البحث العلمي اللساني و خطابه «(ص:223).
لقد عرفت النماذج التوليدية تطورات متلاحقة، فرضت على كل باحث في إطار البحث اللساني التوليدي مواكبة المستجدات والمتغيرات الطارئة، فقد» أصبحت دراسة اللغة العربية محكومة بجملة من الأصول والمفاهيم النظرية والمنهجية المضبوطة، فبدون معرفة الإطار الذي تندرج فيه هذه الكتابة أو تلك، لا يمكن بأي حال من الأحوال إدراك طبيعة تحليل المقدمة ونتائجها النظرية. فلم يعد ينظر للغة العربية نظرة حرة اعتباطية قائمة على التأمل والانطباع، وإنما تتقيد المقاربة بالإطار النظري للنموذج الذي تشتغل فيه وتحاول تطبيقه على اللغة العربية مستعملة مجموعة من وسائل الاستدلال والبرهنة على ما تقوم به«(ص:223).
لقد كان ذلك دافعا جعل الكتابة التوليدية العربية تحقق مجموعة من الأهداف منها:
- تمكنها من صياغة قواعد للظواهر اللغوية المدروسة تتسم بالبساطة والوضوح والأناقة، على غرار ما هو معروف في النحو التوليدي.
- تقديم قواعد عامة تفسر المعطيات تفسيرا شموليا، وهذا ما نجده في كتابات عبد القادر الفاسي الفهري وداود عبده مثلا. إن مواكبة الكتابة اللسانية التوليدية العربية لمستجدات النظرية التوليدية، جعلها تخضع لتعدد النماذج اللسانية؛ وهو تعدد له إيجابياته.ومن هذه الإيجابيات:
- إثراء البحث اللساني العربي
- تقريب الدرس اللساني العربي من واقع البحث اللساني العالمي
- تعميق المعرفة العلمية باللغة العربية
- إثارة إشكالات جديدة واقتراح الحلول المنهجية الممكنة
- التحليل العميق والشامل للغة العربية
بيد أن هذه الإيجابيات لا تخفي بعض الصعوبات التي مازالت تحد من فعالية الكتابة التوليدية العربية، وهي صعوبات يمكن إجمالها فيما يلي:
- عدم تقديم بحث توليدي متكامل للغة العربية،
- تناولها التجزيئي لقضايا اللغة العربية والخلط بين النماذج اللسانية،
- عدم التدقيق في فرضياتها ومدى ملاءمتها للغة العربية.
وقد تمخض عن هذا الوضع » أن التعامل مع النماذج التوليدية تسم برؤية مرحلية لا تبحث عن المعالجة الشمولية لظواهر اللغة العربية، وإنما عن تقديم أشتات و"منوعات"من التحليل التوليدي الذي ينحصر في الاشتغال بمواد لغوية منتقاة من اللغة العربية أو مترجمة غليها من لغات أجنبية تلائم النموذج المقترح. وتكون الحصيلة وجود فراغات وقفزات في نحو اللغة العربية التوليدي، الذي تظل أجزاؤه تبحث باستمرار عمن يتممها ويملأ هذه الفراغات«(ص:235).
أما فيما يخص الموضوعات والقضايا التي يقترحها التوليديون، فيلاحظ أنهم يكتفون بتقديم اللبنات الأولى، وهي لبنات أشبه ما تكون بتقارير عامة عن برامج العمل التي يرومون البحث فيها مستقبلا. لكنهم سرعان ما يتحولون إلى موضوعات جديدة مطبقين ما ظهر من افتراضات جديدة في البحث اللساني التوليدي دون أن يعودوا–إلا نادرا- لتعميق البحث والتحليل فيما تم وضعه من لبنات أولى والدفع بها نحو صياغة، لا نقول نهائية، ولكن شاملة وعامة تأخذ بعين الاعتبار الظواهر المدروسة في تكاملها.
- إشكالية المعطيات في الكتابة التوليدية العربية:
رأينا آنفا عند حديثنا عن الكتابة اللسانية الوصفية العربية أن منطلقات الوصفيين كانت من محاورتهم للتراث النحوي العربي. غير أن التوليديين رأوا في هذا الشكل من المحاورة اجترارا لأصول ومبادئ النحاة، ولذلك حاول تجاوزه من خلال اقتراح حلول وتصورات أخرى.
لكن السؤال الذي يطرح هنا هو: ما هو الأساس النظري للمعطيات اللغوية في النظرية التوليدية؟
من المعروف أن موضوع اللسانيات التوليدية هو المتكلم المستمع المثالي الذي يعرف لغته جيدا ويعيش في عشيرة لسانية متجانسة كليا.غير أننا إذا» استثنينا موقف الفاسي الفهري في مسألة المعطيات وطبيعتها وما يرتبط بهذا الموضوع الهام من إشكالات، فإن الكتابات التوليدية العربية الأخرى لم تحدد طبيعة هذا المتكلم السامع المثالي، وكأن الأمر لا يطرح أي إشكال بالنسبة إلى اللغة العربية، صحيح أن مفهوم المثالية مفهوم منهجي، ولا علاقة له بالدلالة العادية للكلمة، لكن واقع اللغة العربية استعمالا أو اكتسابا ليس هو واقع الإنجليزية أو الفرنسية أو الألمانية «(ص:238).
ثالثا- الكتابة التداولية الوظيفية العربية:
اهتم الدكتور مصطفى غلفان بتتبع مسيرة اللسانيات الوظيفية، وعرض لمصادرها الأساس، فوجد تلك المصادر موزعة بين المنطق والفلسفة اللغوية وبعض النظريات الحديثة.
ومن خلال عرضه لتلك المصادر والأسس استنتج غياب أي اهتمام حقيقي بالدراسات التداولية العصرية في الثقافة العربية، والمحاولة الوحيدة التي وقف عليها هي محاولة طه عبد الرحمن، وهو أحد المفكرين العرب الأوائل الذين حاولوا التعريف بالفكر التداولي، وتطبيقه في بعض مناحي الثقافة العربية الإسلامية.
فقد اهتم طه عبد الرحمن بالقضايا التداولية من وجهة نظر منطقية وفلسفية مستمدا وسائله النظرية والمنهجية من علمين حققا نتائج باهرة، هما: اللسانيات والمنطق. وهذا ما اكسب هذه النظرية رؤية منهجية ناقدة تنم عن وعي كبير بأهمية المنهج العلمي.
ولقد عرفت اللسانيات الوظيفية تطورات متلاحقة تمثلت في أعمال مدرسة براغ، وأعمال اللسانيين التشيكيين المعروفة بالوجهة الوظيفية للجملة والمدرسة النسقية (لندن)، وهذا ما عرض له الباحث بالدرس والتحليل، كما عرض لمبادئ النحو الوظيفي وبنيته العامة، المتمثلة في البنية الحملية، والبنية الوظيفية، والبنية المكونية، وتبنى هذه البنيات بتطبيق ثلاثة أنواع من القواعد: قواعد الأساس، وقواعد إسناد الوظائف التركيبية والتداولية، وقواعد التعبير.ليصل بعد ذلك إلى نحو اللغة العربية الوظيفي ممثلا له بكتابات المتوكل، التي تنم عن " متابعة" دقيقة لتطورات نظرية النحو الوظيفي الذي وضعه سيمون ديك. كما تتسم كتابات المتوكل بوحدة الرؤية النظرية والمنهجية، المحددة بأصول اللسانيات الوظيفية وتكييفها مع معطيات اللغة العربية، وترتب على هذه الوحدة في الأسس النظرية النظرة الشمولية لظواهر اللغة العربية المدروسة والتكامل فيما بينها. وقد مكنه ذلك من وضع جزء هام من نحو اللغة العربية الوظيفي.
هذه بعض السمات النظرية والمنهجية التي وسمت البحث اللساني العربي، وهي سمات تكشف عن اختلاف وتفاوت واضحين بين اللسانيين العرب؛ فبينما عجزت بعض الكتابات(التمهيدية والتراثية والوصفية) عن تحقيق أهدافها، نجحت كتابات أخرى، إلى حد بعيد، في السمو بالدرس اللساني العربي وتوجيهه وجهة صحيحة تتسم بالدقة والضبط، وهذا ما تعبر عنه كتابات عبد القادر الفاسي الفهري ذات السمة التوليدية، وكتابات أحمد المتوكل ذات التوجه الوظيفي، على سبيل المثال لا الحصر، وقد » تأتى لها ذلك بفضل ما تزودت به من أسس وأصول منهجية واضحة المعالم بشروط النظرية اللسانية العلمية من اشتغال بالمعطيات وتحديد الإطار النظري وصياغة صورية. وكان من النتائج المباشرة لهذه الدراسات، أن تغيرت النظرة إلى اللغة العربية، التي أصبح ينظر إليها، في ضوء الدراسات اللسانية، على أنها لغة طبيعية لا تختلف في شيء عن باقي اللغات العالمية الأخرى. كما لم يعد التجديد في البحث اللساني العربي مقصورا على الباحثين المستعربين، كما كان عليه الأمر في بداية القرن العشرين، بل إن بعض الكتابات (الفاسي الفهري والمتوكل) ساهمت بشكل ملحوظ في إغناء بعض النماذج الغربية نفسها، وبالتالي تبين أن الممارسة اللسانية العربية لم تعد مجرد تطبيق حرفي أعمى كما يدعي البعض ذلك «(ص:282).
بذلك كله يكون الدكتور مصطفى غلفان قد تتبع بالبحث والتحليل والتقويم مختلف اتجاهات البحث اللساني العربي بالكشف عن موضوعاتها ومناهجها وغاياتها. وهي أمور تدخل في عمق التحليل الإبستمولوجي.
إن تحديد موضوع اللسانيات تحديدا دقيقا شكل منطلقا حاسما في تغيير وجهة الدرس اللساني الحديث، إذ إن أول ما قام به سوسير هو تحديد موضوع اللسانيات، بحصر ما يدخل في طبيعة الممارسة اللسانية، وما ينأى عنها ليتاخم ممارسات أخرى. وبذلك حدد للسانيات أسسها وموضوعها وجهازها المفاهيمي حتى تتميز عن غيرها من الممارسات المحاقلة لها، يقول سوسير: » إن مهمة اللسانيات تتجلى في:أ.....ب.....ج: تحديد موضوعها وتعريف نفسها بنفسها «[45]. كذلك فعل تشومسكي عندما حدد موضوع الدرس التوليدي في الاهتمام بالنحو عوض الاهتمام باللغة.
وعلى هذا الأساس فقد أصبحت اللسانيات مع سوسير وبعده تشومسكي ممارسة صامتة للإبستمولوجيا من داخل اللسانيات، وهو ما يدخل في إطار تقليد علمي يقوم على تفكير تأملي في العلم وتنظيم داخلي للأسس بمراجعة مستمرة لمبادئه وأدواته المعرفية.
والواقع أنه على الرغم من أهمية تحديد الموضوع؛ فإن بعض اتجاهات البحث اللساني العربي لم تول اهتماما لهذا الجانب، وذلك ما حذا بمصطفى غلفان إلى إيلاء هذا الجانب ما يستحق من أهمية، واختبار مدى كفاية الاتجاهات اللسانية، بل وتصنيفها، اعتمادا على هذا المعيار.
أما من جهة المنهج فإنه لا ينفصل عن الموضوع، إذ إن» هناك ضرورة منطقية تجبر صنفا لسانيا على استخدام منهج مخصوص وهو يتناول بالدراسة الموضوع الذي ارتضاه«[46]. من هذا المنطلق ربط الباحث بين اتجاهات البحث اللساني العربي وبين مناهجها، فكان عمله بذلك في صميم البحث الإبستمولوجي، مادمنا نجد » عند الباحثين الإبستمولوجيين والمهتمين بمناهج العلوم، القول بأن"طبيعة الموضوع هي التي تحدد المنهج"، وإذن فالخطوة الأولى في كل بحث علمي هي تحديد الموضوع والتعرف على طبيعته«[47]
علاوة على ما ذكرنا اهتم مصطفى غلفان بالأصول الإبسمولوجية للنظريات اللسانية العربية مما مكن من ترتيبها في سياقاتها المرجعية، وفي ظل الشروط المعرفية والتاريخية التي أفرزتها. وبذلك يتجاوز التأصيل الملاحظات العارضة إلى النبش والحفر ومتاخمة الابستيمي، وهو ما يمكن من ملء الثغرات في الاتجاهات اللسانية العربية، وهذا لا يختلف في شيء عن تقاليد إبستمولوجية مترسخة في الغرب، تجد أبرز معالمها عند جوليا كريستيفا من خلال محاولتها الرامية الكشف عن مجموعة من الشروط الواقعية والذاتية والداخلية للإنتاجات النوعية للمفاهيم والنظريات العلمية[48]. ونظير ذلك نجده عند غلفان الذي اهتم بالشروط التاريخية للبحث اللساني العربي وهذا ما مكنه من التمييز بين خطاب لغوي نهضوي وخطاب لساني عربي حديث. واهتمامه كذلك بالشروط السوسيولوجية من خلال التمييز بين العوائق الذاتية والعوائق الموضوعية.
من القضايا الأساسية التي استأثرت باهتمام الباحث أيضا: المفاهيم المتداولة في اتجاهات البحث اللساني العربي، حيث لاحظ أن تلك المفاهيم تستعمل دون مراعاة لسياقاتها المرجعية؛ إذ » إن ما تعتبره القراءة اللسانية مفاهيم بسيطة مثل مفهوم العامل ومفهوم الحالة ومفهوم البنية العميقة والبنية السطحية ومفهوم التحويل وغيرها من مفاهيم التوليدية هي في العمق غير ذلك. إن المفاهيم اللسانية الحديثة ترتبط في جوهرها بمبادئ منهجية على جانب كبير من التعقيد النظري باعتبارها جزءا من شبكة من الإشكالات المتداخلة «[49].
إن الاهتمام بالمفاهيم وبطريقة تشكلها تبقى خطوة أساسية في كل ممارسة إبستمولوجية، ونستحضر في هذا الصدد بعض المحاولات الدالة في تاريخ اللسانيات، فقد اهتم بارت في كتابه"إمبراطورية العلامات" بالأصول المعرفية للمفاهيم السوسيرية: كالدليل، والاعتباطية، والنسق، والنظام.... ، ويعيد اعتمادا على ذلك، قراءة السياق المعرفي برمته للعصر الذي أنتج فيه سوسير أفكاره. كذلك فعل فوكو، وجان كلود شوفالييه الذي تتبع بناء المفاهيم النحوية خلال القرن السابع عشر والقرن الثامن عشر[50]
من هذا المنطلق فإن ابستمولوجيا اللسانيات يجب أن تهتم بالكشف عن الأصول المعرفية المختلفة للمفاهيم الواصفة، إذ الملاحظ أن الكثير من تلك المفاهيم تستعمل في كثير من الأحيان بعيدا عن سياقاتها المرجعية.
تلكم بعض الجوانب من نقد مصطفى غلفان للمصادر والأسس النظرية والمنهجية في اللسانيات العربية الحديثة، وإذا كان كل بحث يقيم بمصادره باعتبارها الأصول والمبادئ المنهجية التي يرتكز عليها اتجاه لساني معين، أو التي يعتمدها باحث معين في دراسة موضوع محدد، فإن مصادر الكتاب تكشف عن اطلاع واسع ودراية عميقة بمحتوى الكتابات التي تشكل مرجعا أساسا للبحوث الإبستمولوجية المعاصرة ونمثل لذلك بـ:بوبر(Popper)[51]وألمو(Ullmo)[52]، وباشلار(Bachelard)[53]، وكانغليم[54] وفيتغنشتاين(wittegenstein)[55] وغيرهم، كما يقيم المؤلف المصادر اللسانية بالرجوع إلى ينابيعها وأصولها بإحالته على تشومسكي (Chomsky)[56] وروس (Ross) [57]وفيلمور(Fillmore)[58] وكروس (Gross)[59] وماكفلي (McCawley)[60] وباخ (E.Bach)[61] ولايكوف (Lakof)[62] في إطار النحو التوليدي و الدلالة التوليدية.
أما في إطــار اللسانيات الوظيفة فنجد إحالات على:فريـج(Frège)[63]وراسل(Russel)[64] وكارناب(Carnap)[65]وتارسكي(Tarski)[66]وشارلموريس(Ch.Morris)[67]وأوسـتين Austine)[68]وهاليداي (Halliday) [69] وديك(Dick)[70]... وغيرهم. والواضح من خلال هذه المصادر أن المؤلف استطاع أن يقدم تقييما داخليا للسانيات العربية الحديثة، يقوم على توضيح مصادرها الأساس والعناية بقضاياها ذات المردودية المنهجية، مثل طبيعة المعطيات المعتمدة في التحليل اللساني وعلاقتها بالتقعيد وتحديد الإطار النظري[71].وبكل ذلك يبقى الكتاب من المحاولات التأسيسية لابستمولوجا لسانية عربية حديثة.
إن ترسيخ وعي نقدي في اللسانيات العربية يستلزم بالضرورة الوعي بأهميته ودوره في تصحيح مسار اللسانيات في الثقافة العربية، وهذا ما نجد بعض بوادره في المحاولات السابقة، غير أن تلك المحاولات، على أهميتها، تبقى محدودة؛ بالنظر إلى مجموعة من الصعوبات، لعل أهمها:
- سلطة الرقيب: التي تؤمن بالقداسة الفكرية والمشيخة، وتقضي على كل حوار علمي جاد وبناء[72].
- المجاملة: مجاملةُ المؤلف لصداقة بينه وبين المراجِع أو تغلب عليها القسوة لسبب من الأسباب غير العلمية. وكثيرًا ما تمر الكتب دون مراجعة بسبب المقايضة: أي أن (أ) يتغاضى عن المآخذ التي توجد في الكتاب الذي ألفه (ب) لكي يتغاضى (ب) بالمثل، عما يوجد في كتاب (أ) من المآخذ[73].
- عدم القبول بالاختلاف: فكثيرا، ما تتحول اللسانيات إلى تلاسن، لحسابات بعيدة كليا عن اللسانيات. – الاعتبارات القطرية الضيقة: وهي اعتبارات تحد الثقافة العربية بحدود جغرافية ضيقة، فينجم عن ذلك بعض الحسابات التي لا يفهمها إلا أصحابها .
- عزوف اللسانيين عن متابعة ما يكتب في مجال تخصصهم، وكأنهم غير معنيين به...
إن وضعا من هذا القبيل يوجب تضافر الجهود للنهوض بمستوى اللسانيات في الثقافة العربية، وتقويمها نظريا ومنهجيا حتى لا يبقى البحث اللساني في ثقافتنا ضربا من الأهواء، وحتى لا تبقى اللسانيات العربية لسانيات صامتة بتعبير المزيني.
هوامش وإحالات:
[1] - محمد وهابي، فقه اللسانيات: أسئلة التأسيس. جريدة العلم الثقافي. السبت 5 يونيو 1999: 9.
[2] - نفسه: 9.
[3] - محمد عابد الجابري، مدخل إلى فلسفة العلوم.الجزء 1، تطور الفكر الرياضي والعقلانية المعاصرة. مطبعة دار النشر المغربية: 13.
[4]- André Lalande, Vocabulaire technique et critique de la philosophie, 9° éd, voir Epistémologie
(نقلا عن وقيدي: ما هي الإبستمولوجيا ؟ مكتبة المعارف الرباط. ط2. 1987: 8.)
[5] - عبد السلام بن عبد العالي وسالم يفوت: درس الإبستمولوجيا. دار توبقال للنشر. الدار البيضاء
[6] - نشير إلى أننا اعتمدنا في صياغة هذه التعريفات المراجع التالية:
- محمد عابد الجابري: مدخل إلى فلسفة العلوم.
- عبد السلام بن عبد العالي وسالم يفوت: درس الإبستمولوجيا.
- محمد وقيدي: ما هي الإبستمولوجيا؟
- منهج و تقنيات البحث العلمي: مقاربة إبستمولوجية. منشورات عالم التربية.
J.Kristeva .Les épistémologies de la linguistique. Langages,n-24,1971.
J. Piaget:- Logique et connaissance. Gallimard. Paris. 1969.
Introduction à l’épistémologie génetique.T1.Paris 1973.
R.Blanché. L’épistémologie..PUF.Paris. 1955.
[7] - P.Boutroux: L’idéal scientifique des mathématiques.PUF.Paris نقلا عن محمد عابد الجابري: مدخل إلى فلسفة:1/47
[8] - محمد عابد الجابري: مدخل إلى فلسفة العلوم:1/ 58ـ59
[9] - J.Kristeva.Les épistémologies de la linguistique.p:4.
[10] - Ibid P:4
[11] - Ibid P:4
[12] - L. Mayet:Invitation à l’épistémologie.in Hors-série.Sciences et avenir. Décembre -Janvier.2003.p:3.
[13] - L. Mayet:Invitation à l’ épistémologie.p:3
[14] - محمد عابد الجابري، مدخل إلى فلسفة العلوم:1/58
[15]- مبروك سعيد عبد الوارث: في إصلاح النحو العربي دراسة نقدية. دار القلم الكويت.1985:173
[16]- الزين عبد الفتاح: قضايا لغوية في ضوء الألسنية، الشركة العامة للكتاب. الطبعة الأولى.1987: 5.
[17] - نفسه: 11
[18] - من العبارات التي تكشف عن ذلك النعوت التي يلحقها بعض اللسانيين بكتابات بعضهم: اللسانيات السريعة، لسانيات هبل، لسانيات الاشرئباب إلى المناصب... و قد آثرنا تجنب ذكر الواصف والموصوف درءا لتفشي مثل هذه اللسانيات في ثقافتنا اللسانية، و نظرا إلى ما يمكن أن يثيره الموضوع من حساسيات نحن في غنى عنها.
[19] - سعد مصلوح: دراسات نقدية في اللسانيات العربية المعاصرة، عالم الكتب.الطبعة الأولى. 141/ 1989:275.
[20] - نفسه: 275- 276.
[21] - أحمد مختار عمر:دراسة الصوت العربي. عالم الكتب.القاهرة.1987: 102.
[22] - لمعرفة هذا الاتجاه وخصوصياته يمكن الرجوع إلى مقالنا: اللسانيات في الثقافة العربية وإشكالات التلقي (اللسانيات التمهيدية نموذجا) مجلة فكر ونقد العدد 58/2004.
[23] - الحناش محمد: البحث اللساني بين العمق و العقم " سفر التهافت". مجلة دراسات أدبية ولسانية. العدد4.صيف/ خريف 1986: 113- 142
[24] -نفسه:116
[25] - علي حرب: الماهية والعلاقة نحو منطق تحويلي. المركز الثقافي العربي. ط1. 1998: 105- 108.
[26] - علي حرب: أصنام النظرية وأطياف الحرية: (نقد بورديو و تشومسكي).المركز الثقافي العربي. ط1. 2001: 70- 94.
[27] - وقفنا في الكتاب الأول على جملة من الملاحظات المغلوطة وسنسعى إلى تخصيص دراسة مستقلة لها بحول الله.
[28] - نقف على هذا النقد في محاضرة معنونة بـ " النظريات اللغوية المعاصرة وموقفها من اللغة العربية ألقيت بالنادي الأدبي في جدة 24/ 02/1408. وهي محاضرة تتناقض كليا مع ما ذهب إليه في المحاضرة التي ألقاها في الرباط: " النحو العربي واللسانيات المعاصرة"، منشورة ضمن أعمال البحث اللساني والسيميائي منشورات كلية الآداب الرباط.1984.
[29] - المصري عبد الفتاح: التفكير اللساني في الحضارة العربية. مجلة الموقف الأدبي. العددان 135/136 تموز / آب 1982: 233.
[30] - نفسه: 266.
[31] - بخصوص هذا المفهوم ينظر كتاب:D.Durand ,La systematique, PUF, Paris, 1979
[32] - رياض قاسم: البحث اللغوي الحديث في العالم العربي، مؤسسة نوفل.بيروت. الطبعة الأولى.1982: 14
[33] - عبد القادر الفاسي الفهري: اللسانيات واللغة العربية، دار توبقال للنشر. الدار البيضاء. الطبعة الثالثة. 1993.
: 1/ 35.
[34] - نفسه:36.
[35] - من بين أهم الترجمات التي أصدرها المزيني يمكن أن نشير على سبيل التمثيل لا الحصر إلى ما يلي:
+ ترجمة كتابي اللساني الأمريكي نعوم تشومسكي: language and the problems of knowledge,1988
اللغة ومشكلات المعرفة، دار توبقال، المغرب 1990م.
+ New Horizons in the study of language and Mind,2000.آفاق جديدة في دراسة اللغة والذهن. المجلس الأعلى للثقافة مصر.
+ ترجمة كتاب اللساني الأمريكي ستيفن بنكر: The language intinct : How mind creates language,1994 بعنوان: غريزة اللغة: كيف يبدع العقل اللغة. نشرته دار المريخ في الرياض،2000.
+ ترجمة كتاب ديفيد جستس The Semantics of from in Arabic, In The Mirror of European languaged,1987. محاسن العربية في المرآة الغربية أو دلالة الشكل في العربية في ضوء اللغات الأوروبية.
[36] - حمزة بن قبلان المزيني، مراجعات لسانية، الجزء الأول، كتاب الرياض رقم79، يونيو 2000. مقدمة الطبعة الثانية. يعتبر الكتاب من المراجعات النقدية القليلة في الثقافة العربية الجديرة بالقراءة.
[37] -.نفسه، مقدمة الطبعة الثانية
[38] - نفسه، مقدمة الطبعة الأولى
[39] - للاطلاع على بعض جوانب النقد عند العلوي ينظر، على سبيل المثال كتابه: الطبيعة والتمثال. الشركة المغربية للناشرين المتحدين. الرباط. 1988.
[40] عز الدين المجدوب، المنوال النحوي العربي، قراءة لسانية جديدة. كلية الآداب– سوسة. دار محمد علي الحامي.الطبعة الأولى. 1998 :6.
[41] - مصطفى غلفان: اللسانيات العربية الحديثة:دراسة نقدية في المصادر والأسس النظرية والمنهجية.جامعة الحسن الثاني- عين اشق كلية الآداب والعلوم الإنسانية. سلسلة رسائل وأطروحات.رقم 4: 56.
[42] - مصطفى غلفان: اللسانيات العربية الحديثة: 9.
[43] - نفسه:9( وتفاديا للتكرار نحيل بالأرقام الواردة في نهاية النصوص على صفحات الكتاب)
[44] - نفسه:57.
[45] - F.D. Saussure.Cours de linguistique generale.Payot. Paris .1960.p :20
[46] - محمد الأوراغي، الكليات والوسائط، (في جزءين) منشورات دار الأمان، الطبعة الأولى 1421هـ/2001 :41
[47] - محمد عابد الجابري، التراث ومشكل المنهج. ضمن كتاب المنهجية في الأدب والعلوم الإنسانية:71.
[48] - J. Kristeva, Les épistémologies de la linguistique.P.2-13
[49] - مصطفى غلفان، اللسانيات العربية الحديثة:150
[50] - J kristeva, Les épistémologies de la linguistique.P.5
[51] - نفسه:147هامش 48، ص:151 هامش 61 – 62 – 63.
[52] - نفسه: 149 هامش 54- 55، ص:151 هامش64،ص: 152هامش 65.
[53] - نفسه: 150 هامش 56، ص:152 هامش67
[54] - نفسه: 152 هامش 68، ص:164 هامش 91.
[55] - نفسه: 247 هامش 11.
[56] - نفسه: 247 هامش 11.
[57] - نفسه: 214 هامش 22.
[58] - نفسه:216 هامش 27، ص: 218 هامش 29.
[59] - نفسه: 239 هامش 67.
[60] - نفسه: 210 هامش 16.
[61] - نفسه: 210 هامش 16.
[62] - نفسه: 210 هامش 16.
[63] - نفسه: 246 هامش 8.
[64] - نفسه: 246 هامش 8.
[65] - نفسه: 246 هامش 8.
[66] - نفسه: 246 هامش 8.
[67] - نفسه: 246 هامش 9.
[68] - نفسه:246 هامش 10، ص: 247 هامش 12. ص: 248 هامش 13.
[69] - نفسه:256 هامش 24، ص: 257 هامش 25. وهامش 26.
[70] - نفسه: 259هامش 29، ص: 259 هامش 30. ص: هامش 33.
[71] - نفسه: 279.
[72] - أورد الدكتور حمزة بن قبلان المزيني في مقدمة كتابه مراجعات لسانية نصا جاء فيه: « فقد كتب الأستاذ رئيس النادي الأدبي في تقديمه للكتاب (ص7) أنه "...حينما يتبنى النادي طباعة هذا الكتاب فليس معنى ذلك أنه يقر الاتهام الموجه إلى الدكتور رمضان عبد التواب وهو علم بارز من أعلام وأساطين اللغة العربية الأكفاء. فللدكتور رمضان من علمه ومكانته المعروفة ما يشفع له في مواجهة هذه التهمة. . .". وقوله (ص8): "إن قيام النادي الأدبي بنشر هذا الكتاب ليس من باب تأييد الاتهامات بين بعض الكتاب وبعض...(مقدمة الطبعة الثانية من الكتاب)
[73] - نفسه، مقدمة الطبعة الأولى