دراساتٌ تاريخيّة

مع بدء النهوض الحضاري العربي الإسلامي وتوسعه ظهرت المؤلفات الجغرافية العربية وتطورت لتقوم في كل فترة بالتوثيق الجغرافي والبلداني، ولعل أهميتها تعود إلي أنها عكست بصورة ما ذلك الواقع التاريخي وأحياناً بتفصيلاته. بقي التراث العربي الجغرافي مخطوطاً ومحفوظاً في المكتبات، إلي أن صدرت طبعاته الاستشراقية بالتتالي وباهتمام من قبل المستشرق الهولندي دي غويه (1836- 1909) في سلسلة المكتبة الجغرافية العربية في عشرة أجزاء، صدرت ما بين عامي (1870- 1894) معتمداً فيها علي مخطوطات مكتبة ليدن الشهيرة. وتضمنت...

في تناول ادوارد سعيد للاستشراق أغفل- عن عمد- الاستشراق الألماني، وربما كان عامل اللغة حائلاً بينه وبين تناول المستشرقين الألمان، وقد جاءت بعض الدراسات التي تناولت الاستشراق الألماني أبحاثاً جادة ومفيدة، ألقت بعض الضوء على بعضهم إلا أننا نفتقد دراسة جادة تتناول الاستشراق الألماني ككل لما يحتله هذا الاتجاه من أهمية بالنسبة لنا نحن إذ إننا- نحن- موضوع الاستشراق تراثاً وتاريخاً وواقعاً واستشرافاً، وسواء أوافقنا على نتائجهم أم اختلفنا حيالها فلن يقلل من أهميتها، ومن ثم دراستها ونقدها.

...

لم تكن الدراسات الأندلسية التي نراها تزدهر يوماً بعد يوم وتلقى اهتمام الباحثين – على هذه الحال دائما؛ إذ يلاحظ أن ثمة فجوة تفصل بين ما صُنِّف حول التراث الأندلسي وبين الدراسات الحديثة التي قامت فيما بعد تعالج المنجز الحضاري للعرب والمسلمين في الأندلس، أو ما اصطلح المستشرقون على تسميته "إسبانيا الإسلامية"، فهناك حلقة مفقودة كان ينبغي لها أن تربط بين تأليف "نفح الطيب" في القرن السابع عشر، وبين نشر متون التراث الأندلسي ومصادره الأخرى وطباعتها على يد المستشرقين في...

تزهو كثيرٌ من الجامعات الأوروبية بتاريخها العريق في تدريس اللغة العربية منذ قرون، لكن مئات السنين من تدريس اللغة العربية في الجامعات الأوروبية لم تكن حافلة جميعها بما نعرف اليوم من إجراءات تدريس اللغات؛ فقد كانت الجامعات الأوروبية ما تزال غضّة العود، وكانت الأنظمة والمناهج والأساتذة والطلبة... وحتى المباني الجامعية ما تزال هي الأخرى في طور نشأتها، هذا إذا لم نغفل عن جانب مهم وهو أن التعليم في ذلك الحين لم يكن منتشراً إلا بين جدران الأديرة وقصور الأغنياء.

لقد بدأ...

لئن كانت حركة الاستشراق والتوجه لدراسة اللغة العربية تضرب بجذورها أكثر من ألف عام، فإن الشائع أن هذه الحركة قد قامت بجهود أبناء أوروبا من العلماء المهتمين بدراسة اللغات الشرقية، والمستشرقين الذين اعتنوا بدراسة اللغة العربية والحضارة الإسلامية، إلا أن هؤلاء لم يكونوا دوماً بمعزل عن الاختلاط بأهل اللغة التي يدرسونها، وقد أفادوا من تواصلهم مع بعض العرب فوائد جمّة عادت عليهم وعلى أعمالهم بخير عظيم.

وقد كان "الحظُ السعيد" رفيقَ بعض المستشرقين الذين التقوا - في أثناء...