اقتضت هذه المحاولة ترجمة المعطيات النحوية إلى بنية منطقية بسيطة تقوم على أربعة أركان يمكن صياغتها رمزيا على الشكل الآتي:
البنية النحوية = (من ، عن، عملن، قن)
- من متوالية منتهية من المجموعات النحوية، حيث إن ن > 0
-عن متوالية منتهية من العلاقات النحوية ، حيث إن ن > 0
-عملن مجموعة من العمليات المجموعية (الاتحاد،التقاطع..)
-قن مجموعة من القيود وتعتبر هذه القيود شكلا من أشكال التفكير الآلي.
1-مكونات النموذج:
- ركن الفئات النحوية:
الفئة النحوية مجموعة متناهية أو غير متناهية من العناصر اللغوية تتقاسم مجموعة من الخصائص المشتركة وقد عُرفت في النسق المنطقي بطريقتين:
ü إما أن يتم تعريفها ماصدقيا « Extension » وذلك بتعداد جميع عناصرها المنتمية إليها، مثل:
أخوات_كان ={ أصبح،أضحى،ظل، أمسى ،بات،صار، ليس،مابرح، ما انفك ، مازال ، مادام}
ü وإما أن تُعرف مفهوميا « comprehension » عن طريق تحديد الخصائص المشتركة التي تستوفيها العناصر الداخلة ضمن المجموعة ، مثل أن نعرف الاسم اصطلاحا بكونه كلمة تدل "على معنى في نفسه غير مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة" ، ويمكن صياغة ذلك رمزيا على الشكل الآتي:
الاسم = {س |اسم (س)}
فقد عرفنا مجموعة الاسم بخاصية الاسمية "اسم()" ؛ فكل عنصر "س" من مجموعة الكلمات تتحقق فيه خاصية الاسمية "اسم()" فهو عنصر ينتمي فعليا إلى مجموعة الاسم ، ومن أمثلة التعريف المفهومي تعريف الفعل بكونه: "ما دل على معنى في غيره مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة" .
يتبين من الحدين السابقين للاسم والفعل أن التعريف المفهومي قد يتحقق بأمرين؛ إما ايجابا وذلك بإثبات خاصية أو مجموع من الخصائص لعناصر فئة معينة مثل أن نعرف الفعل بكونه كلمة تتحقق فيها خاصية الزمنية، وإما سلبا بأن نعرف الشيء بسلب عناصره مجموعة من الصفات ، نحو أن نعرف الاسم بكونه كلمة لا يتحقق فيها الزمن بحيث أن جميع الأسماء المنتمية لفئة اسم تمتلك خاصية سلبية وهي "لا زمن". يمكن التعبير عن ذلك رياضيا كما يلي بافتراض خاصية زمنية نشير لها بالرمز زمن():
فعل = { س | زمن(س) }
اسم = { س | ⌐زمن (س) } حيث يرمز ⌐ إلى النفي.
- ركن العلاقات النحوية (الفاعلية،المفعولية،الخبرية، الزمنية..) تنهض مهمة هذا الركن بالربط بين عناصر الفئات النحوية مثنى وثلاث ورباع، متخذة من عناصر مجال الفئات النحوية موضوعات لها ؛ فعلاقة الفاعلية في جملة [ضرب زيد عمرا] تتخذ قيمتين أو موضوعين: فعل 'ضرب' و قيمة اسمية 'زيد' (انظر الشكل1)، ويمكن ترجمتها رمزيا في الصور الآتية :
فاعل (ضرب،زيد)
أو بصورة أكثر تجريدا:
فاعل (فعل،اسم)
وباستخدام الأسوار المنطقية والمتغيرات المحمولية نحدد مجال تعريف متغيرين س وص في كل من الفعل والاسم :
(Eس ∈ فعل) (∀ ص ∈ اسم) (فاعل (س،ص))[1]
حيث الرمزEيشير إلى السور البعضي ويعني يوجد على الأقل، أما الرمز الرياضي ∀ فيحيل على السور الكلي ويعني مهما يكن ويدل الرمز ∈ على الانتماء.
الشكل 1
ويجدر بنا الإشارة أننا قمنا باحصاء جميع العلاقات النحوية الممكنة بين عناصر الفئات في كتاب انطلوجيا حاسوبية للنحو العربي(انظر لائحة المراجع)
تنضبط العلاقات النحوية الرابطة بين المجال النحوي بمجموعة من الخصائص المنطقية نجملها فيما يلي:
- خاصية عدم التناظر
العلاقات النحوية عبارة عن أزواج تخضع عناصرها لترتيب محدد أشبه ما يكون بأزواج العلاقات الرياضية، بحيث إذا تغير ترتيب طرفي الزوج تغير معنى العلاقة ،حينئذ نقول إن الزوج النحوي هو علاقة غير متناظرة، وإذا كان الأمر كذلك فإن الزوجين التاليين غير متكافئين:
(فعل-اسم)≠ (اسم-فعل)
إذا تأملت في علاقة الفاعلية وجدتها ذات اتجاه محدد ، وبناء عليه يمكن القول أن لكل علاقة منطلقا ومستقرا ؛ فالمنطلق يسمى بحيز العلاقة والمستقر يسمى بمدى العلاقة (شكل 2) ، هذا القانون يجري على جميع العلاقات النحوية بدون استثناء.
شكل 2
- عدم التعاكس
لا توجد علاقة نحوية تربط العنصر اللغوي بنفسه بحيث لو افترضنا العلاقة الفاعلية "فاعل()" وعنصر نحوي س فإنه من المحال أن نجد: فاعل (س، س)
- عدم التعدي
العلاقات النحوية غير متعدية فإذا كان أ يعمل في ب و ب يعمل في ج فإنه يمتنع أن تجد علاقة عاملية تربط بين أ و ج.نمثل لذلك بعلاقة الفاعلية فاعل ()
إذا كانت الفاعلية تربط بين أ وب فاعل(أ،ب)، فإنه يستحيل أن تجد نفس العلاقة تربط بين ب و ج فاعل (ب،ج)
- التابعية
تربط العلاقة النحوية بين كل معمول من حيز المجال بعامل وحيد وواحد بحيث لا يمكن أن نجد لمعمول كلمة كانت أم جملة أكثر من عامل ، وإذا كان الأمر كذلك فإن العلاقة تسمى تابعية أو تابع (دالة)، ويمكن ترجمة ذلك في الصورة الرمزية الآتية:
(∀س ∈ المعمولات ) (∀ (ع،ع')∈ عوامل) (علاقة(س)=ع ∧ علاقة(س)=ع' ← ع=ع').
- ركن العمليات المجموعية:
تكمن وظيفتها الأساسية في توليد الفئات المشتقة من فئات أولية ونمثل لذلك بمجموعة المرفوعات التي تتقاطع مع مجموعة الكلمات في دائرة معلومة حيث تنتمي عناصرها إلى مجموعتين : مجموعة الأفعال والأسماء المرفوعة:
المرفوعات ∩ الكلمات = {مجموعة الأفعال المرفوعة ، مجموعة الأسماء المرفوعة }
- ركن القيود العلاقية
لا تكتفي العلاقات النحوية بتعليق شيء بشيء آخر وإنما التعليق نفسه يخضع لمجموعة من القيود المنطقية بحيث إن تعليق معين لا يتم إلا بناء على تعليق سابق له في الوجود، سنعرض لمنطق العلاقات بشكل مجمل وأترك للقارئ الكريم أن يبني ما يشاء من المسلمات قدر ما يحتاجه .
أ. قيود على العلاقة الفاعلية:
تصح علاقة الفاعلية إذا وفقط إذا كان الاسم مرفوعا
(∀س ∈ اسم) فاعل(س)=فعل ← (اعرابه (س)=علامة الرفع)
ب. قيود على علاقة نائب الفاعل
تصح علاقة نائب الفاعل إذا وفقط إذا كان مرفوعا وكان وزن الفعل مبنيا للمجهول
(∀س ∈ اسم) نائب الفاعل(س)=فعل ← (اعرابه (س)=علامة الرفع) ∧ وزنه (فعل)=وزن مبني للمجهول)
ت. قيود على علاقة المفعول به:
تصح علاقة المفعول به إذا كان الاسم المفعول به أو جملة المفعول به منصوبة.
(∀س ∈ اسم و ∀س ∈ جملة) مفعول به(س)=فعل ← (اعرابه (س)=علامة النصب)
2-تعاريف
فيما يلي سنقوم باستثمار هذه المفاهيم التي قدمنا لها سابقا في تعريف العناصر النحوية الثلاثة الاسم والحرف ثم الفعل.
1.2-تعريف الاسم
الأسماء كلمات تتصف بمجموعة من السمات سنختار منها ما هو قابل للحوسبة من ذلك:
1-أن الأسماء كلمات تُذكر وتُؤنث بمعنى أنها تقبل قيمة (مذكر أو مؤنث) بواسطة العلاقة التابعية "جنسه()"، ونصوغ ذلك كما يلي:
كلماتمجنسة=(∀ س ∈ كلمة | جنسه(س)=جنس)
حيث يشير الرمز ∀ السور الكلي ، وتعني العبارة السابقة أن كل عنصر س من مجموعة الأسماء تحقق خاصية الجنس، أي أنها تقبل أن تسند ل "س" قيمة من قيم فئة الجنس.
2- أن الأسماء كلمات لا تجزم أي لا تقبل قيمة علامة الجزم بواسطة علاقة اعرابه .
⌐( E س ∈ كلمة | اعرابه(س)=علامة_جزم)
حيث ترمز E إلى السور الجزئي و ⌐ يشير إلى النفي، والمعادلة السابقة تعني :
نفي ( يوجد على الأقل عنصر من الاسماء مجزوم)
ستصبح العبارة بعد النفي :
كلمةغير_مجزومة= (∀ س ∈ كلمة | ⌐ (اعرابه(س) = (علامة_جزم)))
حيث نفي السور الجزئي E يتحول إلى السور الكلي ∀، وتعني العبارة السابقة أنه أيا كان العنصر من مجموعة الأسماء فإنه ليس مجزوما.
3- لا تقترن الأسماء بزمن.
⌐( E س ∈ كلمة | زمنه(س) = (زمن))
تتحول العبارة بعد النفي إلى :
كلمةغير_مقترنة_بزمن=(∀ س ∈ كلمة | ⌐ (زمنه(س) = (زمن)))
تعني مهما يكن العنصر س من مجموعة الأسماء فلا يقترن بقيمة من قيم فئة الزمن.
من 1 و 2 و 3 نستنتج أن:
الاسم= { (كلمةمجنسة) ∩ ( كلمةغير_مجزومة ) ∩ (كلمةغير_مقترنة_بزمن) }
2.2-تعريف الحرف
من علامات الحرف :
1.الحرف كلمة لا تُذكر ولا تؤنث
كلمةغير مجنسة=(∀ س ∈ كلمة | ⌐ (جنسه(س) = (جنس)))
2.لا يُعرب
كلمةغير معربة=(∀ س ∈ كلمة | ⌐ (اعرابه(س) = (علامة_اعراب)))
3.لا يقترن بأحد الأزمنة الثلاثة.
كلمةغير مقترنة بزمن=(∀ س ∈ كلمة | ⌐ (زمنه(س) = (زمن)))
من 1 و2 و3 نستنتج أن:
الحرف = {( كلمةغير مجنسة)∩ ( كلمةغير معربة) ∩ (كلمةغير مقترنة بزمن)}
3.2-تعريف الفعل
من علامات الفعل:
1- الفعل كلمة لا تقبل قيمة من قيم الجنس (مذكر أو مؤنث)
كلمة غير مجنسة=( س∈ كلمة | ⌐ (جنسه(س) = (جنس)))
2- الفعل كلمة غير مجرورة
كلمة غير مجرورة=( س∈ كلمة | ⌐ (اعرابه(س) = (علامة_جر)))
3- الفعل كلمة لها وزن.
كلمة موزونة=( س∈ كلمة | (وزنه(س) = (وزن)))
من1 و2 و3 نستنتج أن:
الفعل ={( كلمة غير مجنسة) ∩ (كلمة غير مجرورة) ∩ (كلمة موزونة)}
للتواصل مع الكاتب :tarikos2007@gmail.com
الموقع الإلكتروني التطبيقي : http://arabicontology.org/
وليد عاطف الأنصاري، نظرية العامل في النحو العربي عرضا ونقدا، دار الكتاب الثقافي،إربد-الأردن،2002.
محمد خير الحلواني، أصول النحو العربي،أفريقيا الشرق،الدار البيضاء-المغرب،2011.
عبد القاهر الفاسي الفهري، البناء الموازي نظرية في بناء الكلمة وبناء الجملة،دار توبقال للنشر،الدار البيضاء،1990.
شهاب الدين القرافي، كتاب الخصائص،تحقيق طه محسن عبد الرحمان،دار المدار الاسلامي، بنغازي ليبيا،2013
طه عبد الرحمان، اللسان والميزان أو التكوثر العقلي، المركز الثقافي العربي،الدار البيضاء-المغرب،1998
طه عبد الرحمان، المنطق والنحو الصوري،دار الطليعة للطباعة والنشر،بيروت،1983
عبد الحميد عبد الواحد،الكلمة في التراث اللساني العربي،مكتبة علاء الدين،صفاقس-تونس،2004.
أبو بكر العزاوي،اللغة والمنطق مدخل نظري، الرباط-المغرب، 2014.
أبو بكر بن السراج ، الأصول في النحو،تحقيق: محمد عثمان ،مكتبة الثقافة الدينية،القاهرة،2009
ابن اياز،قواعد المطارحة في النحو،دراسة وتحقيق عبد الله عبد القادر الطويل،دار الكتب العلمية،بيروت-لبنان،2013
Jens Allwood & Lars-Gunnar Andersson & Osten Dahl, Logic in Linguistics. Cambridge University Press, 1977.
Bouvier Alain, La théorie des Ensembles,PRESS UNIVERSITAIRES DE FRANCE, Paris, 1972.
[1]- تعني العبارة أنه يوجد عنصر في فئة الأفعال ومهما يكن الاسم في فئة الأسماء فإنه علاقة الفاعلية تربط بين الأفعال والأسماء ، وقد استخدمنا السور البعضيEلأنه ليس كل الأفعال تحقق الفاعلية باعتبار أن الأفعال الناقصة (كان وأخواتها) لا تحقق هذه المعادلة.