المقدمة:
يعالج علم اللغة النفسي موضوعات عديدة ومهمة؛ منها: الفكر، وتوقيف اللغة واصطلاحها، واكتساب اللغة (ونظرياتها والبنية العميقة والسطحية)، ولغة الحيوانات، ولغة الإشارة، وأمراض الكلام وغير ذلك من الموضوعات([4]).
يرى العصيلي([5]) أن علم اللغة النفسي يعد من العلوم الحديثة؛ التي لم تتضح معالمها ولم تستقل استقلالاً تاماً إلا في النصف الثاني من القرن العشرين، وذلك إثر ظهور الاتجاه المعرفي الفطري في علم اللغة الذي يعد ثمرة الالتقاء الحقيقي بين علم اللغة وعلم النفس؛ إحلالاً للاتجاه العقلاني المعرفي النفسي في النظرة إلى طبيعة اللغة، وأساليب اكتسابها وتعلمها وتعليمها – محل الاتجاه السلوكي النفسي المرتبط بعلم اللغة البنيوي.
يشير العصيلي([6]) في الهامش رقم 2 قائلاً: الاهتمام بالناحية النفسية في دراسة اللغة قديم جداً، وتراثنا العربي الإسلامي غني بالإشارات إلى أهمية هذه العلاقة. وفي أوائل القرن التاسع عشر الميلادي ظهر المصطلح التقليدي لهذه العلاقة، المعروف بـ: علم نفس اللغة، عند بعض العلماء أمثال هيرمان بول وغيره... بينما يرى آخرون إن مصطلح علم نفس اللغة "سيكولوجية اللغة" هو تعبير استخدمه إزجو دووسيبوك أول مرة سنة 1950م، ويدرس اللغة في استخداماتها اليومية، ويفيد من طرائق تدريسها، وسيكولوجية تعلمها، ومدارس علم النفس المختلفة في علاج عيوب النطق وتعليم القراءة والكتابة إن اللغة الأم أو اللغات الأجنبية([7]).
ويرى الباحث أن علم اللغة النفسي عند اللغويين العرب القدامى: لم يكن مجرد إشارات، بل هم من أسسوا هذا العلم وخاضوا غماره وسبروا أغواره، ولقد أصَّلت كتاباتهم في هذا الميدان وأسَّست لنظرية لغوية نفسية رائدة، وإن لم تكن مشروحة في مصنف واحد تحت هذا الاسم؛ وإنما تطرقوا إليها كل من جهته، وحسب اختصاصه واهتمامه، فالجاحظ وابن سيده وابن خلدون وابن فارس مثلاً تحدثوا تقريباً عن معظم مسائل هذا العلم وموضوعاته، وما على العالِم إلا أن يدقق النظر فيما يقرأه، وأن يجمع ما كتبه القدماء، ويخرجه إلى النور، ولا ينكر عليهم هذه المعارف، والجهود الأصيلة والقيِّمة التي بذلوها في هذا المجال.
تعريف علم اللغة النفسي:
يعرفه Richards, J; et al جاك ريتشاردز وغيره([8]) بأنه: العلم الذي يهتم بدراسة العمليات العقلية التي تتم في في أثناء استعمال الإنسان للغة فهماً وإنتاجاً، كما يهتم باكتساب اللغة نفسها.
ويعرفه العصيلي([9]) بأنه: علم يهتم بدراسة السلوك اللغوي للإنسان، والعمليات النفسية العقلية المعرفية التي تحدث في في أثناء اللغة واستعمالها، التي من بها يكتسب الإنسان اللغة.
موضوع علم اللغة النفسي:
إن موضوع علم اللغة النفسي هو اللغة نفسها، أي: دراسة اللغة والبحث فيها وصفاً وتحليلاً واكتساباً وتعلماً وتعليماً. فموضوع علم اللغة النفسي - إذن - هو نفسه موضوع علم اللغة عند اللغويين المعرفيين الفطريين ([10]).
أهداف علم اللغة النفسي ومجالاته:
يذكر العصيلي([11]): إن أهم أهداف علم اللغة النفسي هو الإجابة عن السؤال التالي: كيف يكتسب الإنسان اللغة وكيف يستعملها؟ ويتفرع عن هذا السؤال أسئلة أخرى، يسعى علم اللغة النفسي إلى الإجابة عنها؛ مثل: كيف يفهم الإنسان الكلام وكيف ينتجه؟ وما وظيفة القواعد العقلية في العمليات التواصلية؟ وما الآليات العصبية التي تتحكم في ذلك؟ وما المشكلات التي تؤثر في اكتساب اللغة وفهمها واستعمالها؟ لذا فإن من أهم مجالات هذا العلم وموضوعاته يمكن إيجازها في النقاط الآتية:
1- فهم اللغة، سواء أكانت منطوقة أم مكتوبة.
2- استعمال اللغة، أو إصدار الكلام.
3- اكتساب اللغة؛ سواء أكانت لغة أماً أمْ لغة ثانية أو أجنبية.
4- المشكلات والاضطرابات اللغوية؛ كعيوب النطق الخلقية، أو العيوب اللغوية التي تحدث نتيجة إصابة عضو من أعضاء النطق، أو السمع، أو البصر، أو ما يرتبط بها من أعصاب، أو أجهزة في مراكز اللغة في الدماغ.
5- الثنائية اللغوية والتعددية اللغوية، ودراسة ما يتعلق بهما من مسائل ومشكلات في اكتساب اللغات الأم أو الثانية.
6- لغة الإشارة عند الصم من حيث الاستعمال والاكتساب والتقعيد، وما يتعلق بها من قضايا ومشكلات لغوية ونفسية واجتماعية.
وإليكم الآن الإجابة عن أسئلة البحث الثلاثة من خلال عرض ومناقشة بعض موضوعات هذا العلم، عند اللغويين العرب القدماء بشكل مفصَّل.
أولاً: الفكر واللغة
يقول ابن خلدون([12]): ميَّز الله الإنسان عن سائر الحيوانات بالفكر، الذي جعله مبدأ كماله ونهاية فضله على الكائنات وشرفه. فالحيوانات تشعر بما هو خارج عن ذاتها، بما ركَّب الله فيها من الحواس الظاهرة: السمع والبصر والشم والذوق واللمس. ويزيد الإنسان من بينها أنه يدرك الخارج عن ذاته، الفكر الذي وراء حسه، وذلك بقوى جعلت له في بطون دماغه، ينتزع بها صور المحسوسات، ويجول بذهنه فيها، فيجرد منها صوراً أخرى. والفكر هو التصرف في تلك الصور وراء الحس وجولان الذهن فيها بالانتزاع والتركيب، وهو معنى الأفئدة في قوله تعالى: "وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ"([13]). والأفئدة جمع فؤاد، وهو هنا الفكر. وهو على مراتب:
(الأولى) تعقل الأمور المرتبة في الخارج ترتيباً طبيعياً أو وضعياً ليقصد إيقاعها بقدرته. وهذا الفكر أكثره تصورات. وهو العقل التمييزي الذي يحصل منافعه ومعاشه ويدفع مضاره.
(الثانية) الفكر الذي يفيد الآراء والآداب في معاملة أبناء جنسه وسياستهم. وأكثرها تصديقات تحصل بالتجربة شيئاً فشيئاً إلى أن تتم الفائدة منها. وهذا هو المسمى بالعقل التجريبي.
( الثالثة) الفكر الذي يفيد العلم أو الظن بمطلوب وراء الحس لا يتعلق به عمل. فهذا هو العقل النظري. وهو تصورات وتصديقات تنتظم انتظاماً خاصاً على شروط خاصة، فتفيد معلوماً آخر من جنسها في التصور والتصديق، ثم ينتظم مع غيره فيفيد علوماً أُخَر كذلك. وغاية إفادته تصور الوجود على ما هو عليه بأجناسه وفصوله وأسبابه وعلله، فيكمل الفكر بذلك في حقيقته ويصير عقلاً محضاً ونفساً مدركة، وهو معنى الحقيقة الإنسانية.
من خلال هذا الشرح لمفهوم الفكر واللغة عند ابن خلدون؛ نلحظ تأثُّر تشومسكي بهذه الفكرة؛ وذلك من خلال نظرته الخاصة إلى اللغة. ولكي نبرهن على صحة هذا الرأي، هاكم الأدلة التالية:
أولاً: يقول العصيلي([14]) نقلاً عن تشومسكي: إن اللغة الإنسانية هي المفتاح لمعرفة عقل الإنسان وتفكيره. فالإنسان يختلف عن الحيوان بقدرته على التفكير والذكاء، وبقدرته على اللغة، التي هي أهم الجوانب الحيوية في نشاط الإنسان. وليس من المعقول أن تكون اللغة بهذه الأهمية ثم تتحول إلى مجرد تراكيب شكلية مجردة من المعنى، كما يرى الوصفيون والسلوكيون.
ثانياً: لقد تأثر تشومسكي بآراء المدرسة الفلسفية العقلانية التي سادت القرن السابع عشر والتي كان الفيلسوف ديكارت من أشهر أعلامها،- ولقد تأثر ديكارت بمدرسة ابن رشد في هذا المجال- ولذلك فقد كانت آراؤه عن طبيعة اللغة عميقة ومناقضة تماماً للسطحية التي تميزت بها آراء أسلافه المباشرين في النصف الأول من القرن الحالي، وكذلك تأثره بهمبولت الذي ربط اللغة بالعقل([15]).
ثالثاً: إن فون همبولت تأثر بالمستعرب سلفستر دي ساسي الذي كان ضليعاً بالعربية؛ حيث يقول الموسى([16]): إن المستعرِب سلفستر دي ساسي "كان متضلعا... من علوم اللغة العربية". و"ما أنتجه من الدراسات في نحو العربية وما ترجمه إلى الفرنسية من كتب النحو والتجويد القديمة يدل بوضوح على أنه أدرك إدراكاً لا بأس به مفاهيم ومناهج النحاة العرب". ودي ساسي "هو الذي كوّن... فون هومبولت" وغيره. "وأهم شيء اكتسبه هؤلاء من دروس دي ساسي هو اطلاعهم من خلال دراستهم للعربية واللغات السامية الأخرى على المفاهيم اللغوية والنحوية العربية التي كانت تنقصهم في ثقافتهم الفيلولوجية التقليدية، وكذلك كان الأمر بالنسبة للنحو والصوتيات". وكان دي ساسي "متشبعاً بمبادئ النحو الوصفي التعليلي. وهو يمثل في زمانه ذلك المذهب الذي تناقله عدد من العلماء منذ القرن الثالث عشر من طريق جيمس هارس وسنكتيوس الإسباني عن النحاة العرب مباشرة أو عن لغويي السكولاستيك عن فلاسفة العرب". "وتلا دي ساسي في العمل بهذه المبادئ تلميذه فون هومبولت".
ثانياً: اللغة توقيف أم اصطلاح
تحدث اللغويون العرب القدامى عن ظاهرة اللغة وقالوا: هل هي توقيف ووحي وإلهام أم هي اصطلاح وتواضع وتواطؤ؟ ومن بين هؤلاء الأعلام الذين بحثوا في هذه الظاهرة وأولوها عناية كبيرة في مؤلفاتهم القيمة الزمخشري([17])؛ إذ يقول في تفسير قوله تعالى: "تُعلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ"([18]). فقوله عز وجل " مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ " إن هذا العلم إلهام من الله ومكتسب بالعقل، أو مما عرّفكم أن تعلموه.
ويشرح ابن فارس([19]) هذه الظاهرة بقوله: إن لغة العرب توقيف. ودليل ذلك قوله جلّ ثناؤه: "وَعَلَّمَ آدَمَ الأسماء كُلَّهَا"([20]). فكان ابن عباس يقول: علّمه الأسماء كلها، وهي هذه التي يتعارفها الناس من: دابة، وأرض، وسهل، وجبل، وحمار، وأشباه ذلك من الأمم وغيرها. والذي نذهب إليه في ذلك ما ذكرناه عن ابن عباس. فإن قال قائل: لوكان ذلك كما تذهب إليه لقال: "ثُمَّ عَرَضَهُن َّ أَو عَرَضَهَا". فلما قال: "عَرَضَهُمْ" عُلِم أن ذلك لأعيان بني آدم، أو الملائكة؛ لأن موضوع الكناية في كلام العرب أن يقال لما يعقل: "عرضهم"، ولما لا يعقل: "عرضها"، أو "عرضهنّ".
ويذهب ابن جني([21]) إلى هذا الرأي كذلك؛ حيث يقول: "فقوي في نفسي اعتقاد كونها توقيفاً من الله سبحانه، وأنها وحي".
وأما الذين يرون أنها اصطلاح وتواضع فمنهم: الخفاجي([22])حيث يقول:
"والصحيح أن أصل اللغات مواضعة، وليس بتوقيف، وإنما أوجب ذلك لأن توقيفه تعالى يفتقر إلى الاضطرار إلى قصده والتكليف يمنع من ذلك، وإنما افتقر إلى الاضطرار إلى قصده لأنه إن أحدث كلاماً لم يعلم أنه قد أراد بعض المسميات دون بعض، ولو اقترن بهذا الكلام إشارة إلى مسمى دون غيره، لأنا لا نعلم توجه الكلام إلى ما توجهت الإشارة إليه، وإنما يعلم ذلك بعضنا من بعض بالاضطرار إلى قصده، وتخصص الإشارة بجهة المشار إليه لا يعلم بها هل الاسم للجسم، أو للونه، أو لغير ذلك من أحواله، وأما إذا تقدمت المواضعة بيننا، وخاطبنا القديم تعالى بها، علمنا مراده، لمطابقة تلك اللغة، وقد يجوز فيما يعدُّ أصل اللغات أن يكون توقيفاً منه تعالى، لتقدم لغة عن التوقيف يفهم بها المقصود، وقد حمل أهل العلم قوله تعالى: " وَعَلَّمَ آدَمَ الأسماء كُلَّهَا"([23])؛ على مواضعة تقدمت بين آدم عليه السلام وبين الملائكة على لغة سالفة ممن خاطبه الله تعالى على تلك اللغة، وعلّمه الأسماء ، ولولا تقدم لغة لم يفهم عنه عزّ اسمه".
ولقد عرض السيوطي([24]) حجج الفريقين بإسهاب. وعرض رأيه من خلال ذلك في هذه القضية. فمن أراد الزيادة فليعد إلى ذلك المصدر.
وهذه القضية هي من القضايا التي طُرِحَت ونُوقِشَت في علم اللغة النفسي الحديث كذلك. يقول السيد([25]) في هذا الصدد: "إن من مسائل علم اللغة النفسي البحث عن أصل اللغة؛ هل هي توقيف أم اصطلاح؟ ويستشهد بتشارلز هوكت الأمريكي الذي يقول: حاول دراسة خصائص لغة الإنسان فألفى نتيجة أبحاثه أن أهم سمات هذه اللغة أنها اصطلاحية أو تواضعية بمعنى أن الناس هم الذين يتفقون فيما بينهم على تسمية الأشياء ووضع المصطلحات اللغوية، وأن مفردات اللغة الإنسانية تشير إلى أشياء محسوسة في عالم الواقع، وإلى الأفعال التي يؤديها الإنسان أو غيره من المخلوقات كما أنها تعبر عن الأفكار الذهنية المجردة، وأن الخلف يتوارثها عن السلف، وتشير إلى أشياء وأحداث بعيدة عن المتكلم زماناً ومكاناً، إضافة إلى أن لغة البشر تتسم بالقدرة على الخلق والابتكار".
يرى صاحب هذا البحث، أن اللغة توقيف ووحي من الله سبحانه وتعالى، والدليل على ذلك؛ أن الله علم الإنسان ما لم يعلم، ويهبها لمن يشاء ويصرفها عمن يشاء. ولهذا نجد الفصيح الطليق اللسان، ونجد الأبكم الأصم. ولو كانت مواضعة، وأنها من عند البشر، كما يقول الخفاجي وتشارلز هوكت وغيرهما لما وجد إنسان أخرس. وهذا يقوي الاعتقاد بأنها توقيف وإلهام ومنحة وهبة ربانية من العلي القدير.
ثالثاً: اكتساب اللغة
من الموضوعات المهمة جداً التي يهتم بها علم اللغة النفسي الحديث اهتماماً بالغاً في القرن العشرين ظاهرة اكتساب اللغة (الأم والأجنبية/أو الثانية)، والنظريات التي تفسرها. وفيما يلي سوف نبين آراء العلماء العرب في هذه الظاهرة وتأثيرهم في علماء اللغة المعاصرين.
إن اللغويين العرب القدامى تحدثوا عن ظاهرة اكتساب اللغة (الأم والثانية) في موسوعاتهم العلمية القيمة منذ اثني عشر قرناً تقريباً، ومن بين هؤلاء الذين تحدثوا عن هذه الظاهرة عند الأطفال الجاحظ([26])، حيث يقول: "والميم والباء أوّلُ ما يتهيّأ في أفواه الأطفال، كقولهم: ماما، وبابا؛ لأنهما خارجان من عمل اللسان، وإنما يظهران بالتقاء الشفتين".
فهذان الحرفان هما أول ما ينطقهما الأطفال عند اكتسابهم أصوات اللغة بالإضافة إلى الألف الذي ينطقونه لحظة ولادتهم؛ وأنهما أسهل الحروف عليهم، لكونهما لا يحتاجان إلى فعل اللسان الذي يكون - عادة - ثقيلاً عليهم في النطق في مستهل اكتسابهم للغة.
ومن الظواهر الأخرى التي عالجها الجاحظ([27]): ظاهرة اكتساب اللغة الثانية في وقت متأخر من العمر. ويُطلَقُ على هذه الظاهرة - في اللغة المرحلية أو الوسطى Interlanguage"" - اسم "التَحَجُّر Fossilization": وهو أن الكبير لا يستطيع أن يكتسب اللغة الثانية بشكل صحيح مهما حاول ذلك؛ ولهذا تراه يقول: "فأما حروف الكلامِ فإن حُكمَها إذا تمكنت في الألسنة خلافُ هذا الحكم. ألا ترى أن السِّنْدي إذا جُلِبَ كبيراً فإنه لا يستطيع إلا أن يجعلَ الجيمَ زاياً ولو أقامَ في عُليا تميم، وفي سُفلَى قيس، وبين عَجُز هوازنَ، خمسين عاماً. وكذلك النَّبَطيُّ القُحُّ خلافُ المِغلاق الذي نَشَأَ في بلاد النَّبَط، لأنَّ النَّبَطيَّ القُحَّ يجعل الزَّايَ سيناً، فإذا أراد أن يقول: زَورَق. قال: سَوْرق. ويجعل العين همزة، فإذا أراد أن يقول مُشْمَعِلّ، قال: مُشْمَئِلّ. والنخاس يمتحن لسانَ الجارية إذا ظنَّ أنها رومية وأهلُها يزعمون أنها مولدة بأن تقول: ناعمة، أو تقول شمس ثلاث مرَّات متواليات".
ويبين الجاحظ([28]) السبب في عدم اكتسابه النطق السليم للغة لأنه: "متى ترك شمائله على حالها، ولسانه على سجيته، كان مقصوراً بعادة المنشأ على الشكل الذي لم يزل فيه". فالجاحظ يبين لنا تأثير اللغة الأم في اكتساب وتعلم اللغة الأجنبية أو الثانية في المراحل المتأخرة من العمر عند المتعلمين الأجانب.
ولقد عالج علم اللغة النفسي الحديث هذه الظاهرة أيضاً. وها هو الحمداني([29]) يقول: إن التعرض المتأخر للغة قد يكون جيداً, وأن الناس يتعلمونها بشكل سليم، ولكن اعترض بعض الباحثين على هذه النتائج. وقد جاءت بعض الاعتراضات مستندة إلى روايات أو قصص واقعية. فقد يعرف الناس، أو تعرفون أنتم أناساً، تعلموا لغة ثانية في كبرهم وأبدعوا فيها (فقد كتب الأديب ذائع الصيت جوزيف كونراد بالإنجليزية بعد أن تعلمها على كبر...). ولكن أصحاب هذه النظرية يردون على ذلك بالقول: إن نظريتهم تدور حول عامة الناس، ولا يقاس على عدد قليل من المبدعين النابغين... ولكن من النادر جداً أن يتعلم الشخص لغة ثانية بعد الشباب بطلاقة تشبه طلاقة أصحاب اللغة الأصليين، وعندما يشاهد الناس مثل هذه الحالة الخاصة، فهم يتحدثون عنها بإعجاب ودهشة كبيرين. فكبير السن الذي يتعلم لغة جديدة إنما تمنعه عاداته الراسخة في التلفظ والقواعد في لغته القديمة من الاعتياد على العادات الجديدة... وهذا ما يؤكده براون([30]) بقوله: " إن الدارسين بعد سن البلوغ لا يصلون إلى نطق طبيعي للغة الأجنبية في الأغلب الأعم". إن هذه الآراء حول اكتساب اللغة الثانية تؤكد ما قاله الجاحظ منذ اثني عشر قرناً تقريباً.
يتبين لنا هنا أهمية ما قاله الجاحظ في هذا الموضوع: إن اكتساب اللغة في مرحلة الطفولة أسرع وأفيد للمرء من أن يتعلمها في الكبر، ويضرب لذلك مثلاً بالرجل السندي الذي تعلم اللغة العربية في مرحلة عمرية متأخرة، فهو لا يستطيع أن ينطق الحروف بشكل صحيح؛ ولو بقي خمسين عاماً بين ظهراني العرب الفصحاء. وهذا ما أكدته الدراسات اللغوية النفسية الحديثة (انظر؛ براون أعلاه).
وهناك ثلاث نظريات حديثة تطرقت لتفسير اكتساب اللغة عند الإنسان، وهي كمايلي:
أولاً: النظرية السلوكية: ويمثلها في تراثنا اللغوي القديم ابن فارس([31]) حيث يقول عن اكتساب اللغة الأم عند الأطفال بأنها: "تؤخذ اللغةُ اعتياداً كالصبي العربيّ يسمع أبويه وغيرهما، فهو يأخذ اللغة عنهم على مر الأوقات. وتؤخذ تلقُّناً من ملقّن، وتؤخذ سماعاً من الرواة الثقات ذوي الصدق والأمانة، ويُتَّقى المظنون".
ويعزِّزُ هذا الرأي ويُدَعِّمه قول ابن خلدون أيضاً([32]): "فالمتكلم من العرب حين كانت ملكة اللغة العربية موجودة فيهم يسمع كلام أهل جيله وأساليبهم في مخاطباتهم وكيفية تعبيرهم عن مقاصدهم كما يسمع الصبي استعمال المفردات في معانيها، فيلقنها أولاً، ثم يسمع التراكيب بعدها فيلقنها كذلك، ثم لا يزال سماعهم لذلك يتجدد في كل لحظة ومن كل متكلم، واستعماله يتكرر، إلى أن يصير ذلك ملكة وصفة راسخة، ويكون كأحدهم. هكذا تصيرت الألسن واللغات من جيل إلى جيل وتعلمها العجم والأطفال".
فالنظرية السلوكية في علم اللغة النفسي الحديث تأخذ بهذا الرأي وتنتصر له وتؤكده. حيث يقول العصيلي([33]): "... فإن المبدأ الأساس الذي اعتمدت عليه هذه النظرية في اكتساب اللغة الأم هو أن الطفل يولد وعقله صفحة بيضاء، خالية من المعلومات اللغوية، وأن البيئة التي ينشأ فيها تسطر في هذه الصفحة ما تشاء، سواء أكانت بيئة طبعية كالوالدين والإخوان والأقران، أم بيئة تعليمية تربوية كالمدرسة بما فيها من معلمين وبرامج ومناهج([34]). ويرى أصحاب هذه النظرية أن الطفل يكتسب اللغة بالسماع والتلقين والتدريب والمران، ويعتمد على التقليد اعتماداً كلياً، وقد يلجأ إلى القياس أحياناً، ويؤمنون بأن تصويب المحيطين به لأخطائه اللغوية – حين الوقوع فيها – يعدل من سلوكه اللغوي، ويقوده إلى اكتساب لغة سليمة صحيحة([35])".
يتضح لنا من خلال رأي هذه النظرية السلوكية الحديثة تأثرها برأيي ابن فارس وابن خلدون في هذا المجال؛ من أن اللغة تكتسب بالسماع والتلقين والتمرين والمحاكاة.
ثانياً: النظرية المعرفية الفطرية: ويمثلها ابن خلدون([36])؛ حيث يقول:إن الإنسان جاهل بالذات عالم بالكسب. وقد ميز الله تعالى الإنسان عن الحيوان بالفكر. وهذا الفكر إنما يحصل له بعد كمال الحيوانية فيه. ويبدأ من التمييز. فهو قبل التمييز خلو من العلم بالجملة، معدود من الحيوانات، لاحق بمبدئه في التكوين من النطفة والعلقة والمضغة، وما حصل له بعد ذلك فهو بما جعل الله له من مدارك الحس والأفئدة التي هي الفكر. قال تعالى في الامتنان علينا: " وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ "([37]). فهو في الحالة الأولى قبل التمييز هيولي فقط لجهله بجميع المعارف، ثم تستكمل صورته بالعلم الذي يكتسبه بآلاته، فتكمل ذاته الإنسانية في وجودها. وانظر إلى قوله تعالى: "اِقْرَأ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ؛ خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ؛ اِقْرَأ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ؛ الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَمِ؛ عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَالَمْ يَعْلَمْ"([38]). أي أكسبه من العلم مالم يكن حاصلاً له بعد أن كان علقة ومضغة. فقد كشفت لنا طبيعتُه وذاتُه ما هو عليه من الجهل الذاتي والعلم الكسبي، وأشارت إليه الآية الكريمة تقرر فيه الامتنان عليه بأول مراتب وجوده وهي الإنسانية وحالتاها الفطرية والكسبية في أول التنزيل ومبدأ الوحي.
فالنظرية المعرفية الفطرية في علم اللغة النفسي الحديث التي يتزعمها تشومسكي ترى رأي ابن خلدون وتأخذ به؛ وهو أن اللغة فطرة خاصة بالإنسان دون غيره من المخلوقات، وأن اكتسابها فطرة وقدرة عقلية مغروسة فيه منذ ولادته، وأن أي طفل يولد في بيئة بشرية معينة سوف يكتسب لغة هذه البيئة التي يعيش فيها، بغض النظر عن مستواه التعليمي والاجتماعي، مالم يكن مصاباً الإنسان بأمراض أو عاهات عقلية تمنعه من تلقي اللغة أو فهمها أو استعمالها. واللغة – بهذا المفهوم – ليست سلوكاً يكتسب بالتقليد والتلقين والتعليم والمران والممارسة وحسب – كما يعتقد السلوكيون – وإنما هي فطرة عقلية معرفية ([39]).
وبالإضافة إلى ذلك، يقول الحمداني([40]) في هذا المجال: "إن جزءاً من القدرة على تعلم اللغة فطري، وفي الوقت نفسه لابد وأن اللغة متعلمة. كيف نوفق بين هاتين المقولتين: اللغة فطرية واللغة متعلمة؟ إن اكتساب اللغة شأنه شأن العمليات النمائية لدى الحيوانات كافة، يتضمن تعليماً يخضع بشدة لشروط بيولوجية تسيِّر النمو في مسارات محددة تقررها ميول ومؤهلات وقدرات معينة يحملها الفرد وراثياً. من الواضح أن الطفل العربي لا يتكلم العربية بالفطرة، ولا الطفل البرتغالي يتكلم البرتغالية بالفطرة. وعلينا أن نتعلم اللغة التي نتحدث بها". انتهى.
أي إن الإنسان يتعلم اللغة ويكتسبها بعد الولادة من خلال المحيط والوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه، بما زوده الله من أجهزة النطق والكلام.
وتؤكد عطية([41]) هذا الرأي في حديثها عن اكتساب اللغة؛ حيث تقول: إن اللغة تكتسب وتتعلم، لا أثر للوراثة فيها: فإن أي طفل يولد من أبوين عربيين مثلاً وينشأ ويتعلم اللغة بعيداً عنهما في بيئة أخرى ولتكن فرنسية مثلاً، أو ألمانية، فإنه حتماً ينطق لغة هاتين البيئتين اللتين نشأ فيهما بطلاقة واضحة وكأنه ولد من أبوين أجنبيين فعلاً.
فاكتساب اللغة إذن يأتي بعد الولادة, وكما قال تعالى: "وَاللهُ أَخْرَجَكُم مِن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُم لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُم تَشْكُرُونَ"([42]). أي أن الله سبحانه وتعالى أخرجكم من أرحام أمهاتكم أطفالاً لا تعلمون شيئاً، وأوجد فيكم وسائل العلم والإدراك؛ وهي السمع والبصر والقلوب، لتؤمنوا بالله عن يقين وعلم تام. وتشكروه على نعمائه باستعمال كل عضو من أعضائكم فيما خلق له من خير([43]).
ولقد أكد ابن خلدون([44]) هذا القول: بأن التعليم كسبي ويحصل للمرء بعد الولادة. حيث يقول:"وذلك أن الحذق في العلم والتفنن فيه والاستيلاء عليه إنما هو بحصول ملَكَة في الإحاطة بمبادئه وقواعده والوقوف على مسائله واستنباط فروعه من أصوله. وما لم تحصل هذه الملكة لم يكن الحذق في ذلك المتناول حاصلاً. وهذه الملكة هي غير الفهم والوعي، لأنا نجد فهم المسألة الواحدة من الفن الواحد ووعيها مشتركاً بين من شدا في ذلك الفن وبين من هو مبتدئ فيه، وبين العامي الذي لم يحصل علماً وبين العالم النحرير. والملكة إنما هي للعالم أو الشادي في الفنون دون سواهما. فدل على أن هذه الملكة غير الفهم والوعي. والملكات كلها جسمانية سواء كانت في البدن أو في الدماغ من الفكر وغيره كالحساب. والجسمانيات كلها محسوسة؛ فتفتقر إلى التعليم".
نستنتج من هذه النظرية المعرفية الفطرية الحديثة، أن ما جاءت به من أفكار في هذا المضمار إنما يعتمد على آراء ابن خلدون حيث يقول([45]):"... اللغة ملكة لسانية في نظم الكلام تمكنت ورسخت فظهرت في بادئ الأمر أنها جِبِلَّة وطبع. وهذه الملكة إنما تحصل بممارسة كلام العرب وتكرره على السمع والتفطن لخواص تركيبه. ومثاله لو فرضنا صبياً من صبيانهم نشأ وربِيَ في جيلهم فإنه يتعلم لغتهم ويُحكِمُ شأن الإعراب والبلاغة فيها حتى تستولي على غايتها؛ وليس من العلم القانوني في شيء، وإنما هو بحصول هذه الملكة في لسانه ونطقه. وكذلك تحصل هذه الملكة لمن بعد ذلك الجيل بحفظ كلامهم وأشعارهم وخطبهم والمداومة على ذلك بحيث يُحَصِّل الملكة ويصير كواحد ممن نشأ في جيلهم ورَبِيَ بين أجيالهم. والقوانين بمعزل عن هذا".
يريد ابن خلدون أن يقول: إن ملكة اللغة عند الإنسان ليست وراثية أو طبيعية، ولكنها تحتاج إلى ممارسة وتدريب وحفظ لكلام أهل اللغة حتى يصبح الناطق بها كأنه واحد منهم. وهذا ما نادى به تشومسكي من أن اللغة فطرة خاصة بالإنسان، وأن اكتسابها فطرة وقدرة عقلية مغروسة فيه منذ الولادة.
ثالثاً: النظرية الوظيفية: تبحث النظرية الوظيفية في علم اللغة النفسي الحديث عن الجوانب المعرفية الحقيقية؛ كالذاكرة، والإدراك، والفكر، والعاطفة، والمعنى، وغيرها من الجوانب التي تتكامل لتكون المعنى والوظيفة اللغوية، وتحقق الهدف الحقيقي من الكلام وهو التواصل([46]).
ونستطيع أن نتحسس خيوط هذه النظرية، ومبادئها، وأسسها في التراث العربي، من خلال حديث الجرجاني عن نظرية النظم([47])، حيث يقول:
"ومن المعلوم أن لا معنى لهذه العبارات وسائر ما يجري مجراها، مما يُفرد فيه اللفظُ بالنعت والصفة، ويُنسب فيه الفضلُ والمِزيَّةُ إليه دون المعنى غير وصف الكلام بحسن الدلالة وتمامها فيما لو كانت دلالة... فينبغي أن يُنظر إلى الكلمة قبل دخولها في التأليف، وقبل أن تصير إلى الصورة التي بها يكون الكَلِمُ إخباراً وأمراً ونهياً واستخباراً وتعجباً، وتُؤَدِّيَ في الجملة معنىً من المعاني التي لا سبيل إلى إفادتها إلا بضم كلمة إلى كلمة، وبناء لفظة على لفظة، هل يتصور أن يكون بين اللفظتين تفاضل في الدِّلالة حتى تكون هذه أدَلَّ على معناها الذي وُضعت له من صاحبتها على ما هي مَوسومة به... وهل تجد أحداً يقول: ‘هذه اللفظة فصيحةٌ’، إلا وهو يعتبر مكانها من النظم، وحُسنَ ملائمةِ معناها لمعاني جاراتها، وفضل مؤانستها لأخواتها؟... وإن الألفاظ لا تتفاضل من حيث هي ألفاظ مجرّدةٌ، ولا من حيث هي كَلِمٌ مفردةٌ، وأن الفضيلة وخِلافَها، في ملاءمة معنى اللفظة لمعنى التي تليها، وما أشبه ذلك، مما لا تعلُّق له بصريح اللفظ". انتهى.
من خلال هذا النص نستطيع أن نقرر بأن الجرجاني يركز على أمرين اثنين:
أولهما: المعنى الذي يقوم عليه مدار النظم حيث يقول: لا معنى لهذه العبارات وسائر ما يجري مجراها مما يُفرد فيه اللفظُ ... دون المعنى. فالأهمية إذن هي للمعاني وليست للألفاظ والعبارات المجردة من المعاني.
وثانيهما: التركيز على العملية التواصلية في الكلام حيث يقول: "فينبغي أن يُنظر إلى الكلمة قبل دخولها في التأليف ... حتى تكون هذه أدَلَّ على معناها الذي وُضعت له من صاحبتها على ما هي مَوسومة به".
فالنظرية الوظيفية في علم اللغة النفسي الحديث تُولي المعنى والوظائف الاتصالية للغة أهمية كبيرة في اكتساب اللغة (انظر أدناه؛ النظرية الوظيفية).
فالجرجاني([48]) يبين لنا هنا، أن النظم لا يعني معرفة قواعد النحو وقوانينه ومناهجه فحسب، وإنما هو معرفة معاني النحو وأحكامه.
يتضح لنا من خلال هذه الأمثلة والشروح تأثير الجرجاني - بل وتفوقه - على تشومسكي في عرضه لنظرية النظم، والتي تعني معرفة معاني النحو وأحكامه، بينما يعدها تشومسكي معرفة قواعد اللغة (النحو) فقط ويطلق عليها اسم الكفاية([49]) (انظر أدناه، الكفاية).
ومما يؤكد لنا صواب رأي الجرجاني وأحقيته وشموليته وبُعد أفقه ونظرته؛ ما قاله ريتشارد وروجرز حينما انتقدا تشومسكي في تعريف الكفاية: "إن الكفاية تعني المعرفة بقواعد اللغة والقدرة على استعمالها بطريقة صحيحة لغوياً ومقبولة اجتماعياً([50])".
وعلاوة على ذلك، اهتم الجرجاني([51]) بالفصاحة والبلاغة، التي هي مطابقة الكلام لمقتضى الحال؛ حيث يقول: "الفصاحة والبلاغة وسائر ما يجري في طريقهما أوصافٌ راجعة إلى المعاني، وإلى ما يُدَلُّ عليه بالألفاظ... وقولهم: "لا يستحق الكلام اسم البلاغة حتى يسابق معناه لفظه، ولفظُه معناه، ولا يكون لفظه أسبق إلى سمعك من معناه إلى قلبك" وأنه: "يدخل في الأُذن بلا إذن"، فهذا يرجع إلى دلالة المعنى على المعنى... وأن من شرط البلاغة أن يكون المعنى الأول الذي تجعله دليلاً على المعنى الثاني ووسيطاً بينك وبينه، متمكناً في دِلالته، مستقلاً بوساطته، يَسْفِرُ بينك وبينه أحسن سِفارة، ويشير لك إليه أبين إشارة، حتى يخيل إليك أنك فهمته من حاقِّ اللفظ، وذلك لقلة الكُلفة فيه عليك، وسُرعة وصوله إليك... وإن الفصاحة لا تكون في أفراد الكلمات، وأنها إنما تكون فيها إذا ضُمَّ بعضُها إلى بعض... وأن المعنى أيضاً يكون في "ضمِّ بعضها إلى بعض"، وتعليق بعضها ببعض، وجعلُ بعضها بسبب من بعض، لا أن يُنطَق بعضها في أثر بعض، من غير أن يكون فيما بينها تعلُّق، ويعلمُ كذلك ضرورةً إذا فكّر، أن التعلُّق يكون فيما بين معانيها، لا فيما بين أَنْفُسها".
ويؤكد هذا الرأي ابن خلدون([52])؛ حيث يقول: "إن اللغات ملكات في اللسان للعبارة عن المعاني، وجودتها وقصورها بحسب تمام الملكة أو نقصانها. وليس ذلك بالنظر إلى المفردات وإنما هو بالنظر إلى التراكيب.فإذا حصلت الملكة التامة في تركيب الألفاظ المفردة للتعبير بها عن المعاني المقصودة، ومراعاة التأليف الذي يطبق الكلام على مقتضى الحال، بلغ المتكلم حينئذ الغاية من إفادة مقصوده للسامع، وهذا هو معنى البلاغة".
وتحدث الجرجاني أيضاً عن مسألة الفكر وعلاقته بالنظم([53]). ورأى أن النظم صنعة يستعان عليها بالفكرة ويستخرج بالروية. وقال أيضاً: "إن الفكر لا يتعلق بمعاني الكلم المفردة المجردة من معاني النحو، ومنطوقاً بها على وجه لا يتأتى معه تقدير معاني النحو وتوخيها فيها...".
هذا باختصار عن رأي الجرجاني في النظرية الوظيفية. وفيما يلي نبين جوانبها في علم اللغة النفسي الحديث.
يتلخص تفسير الوظيفيين لاكتساب اللغة([54]): "في أن الوظيفة التي يؤديها الكلام الذي يصدره الطفل في موقف معين هو المعنى الحقيقي لما يقول، لا المعنى الذي يفسره الوالدان، ولا البنية الشكلية الظاهرة فقط، وهذا المعنى يختلف حسب مقصود الطفل المتكلم. فالأطفال – في نظر هؤلاء – يتكلمون الأبنية العميقة التي تمثل المعاني والوظائف، لا الأبنية السطحية للمفردات والتراكيبن -بمعنى آخر الاهتمام بالمعنى لا باللفظ-. وأن الجانب الدلالي هو الذي يحدد مسار اكتساب اللغة وليس الجانب البنائي. فالنمو الوظيفي تحدده القدرات الإدراكية والاتصالية التي ترتبط بإطار فطري معرفي، أما النمو البنائي الشكلي فتحدده القدرات الإدراكية التي تعالج المعلومات وترتبط بإطار فطري تركيبي، وأن ما يعرف الأطفال هو الذي يحدد ما يتعلمونه من الكلام والفهم. وقد تبين للباحثين فيما بعد أن الطبيعة الوظيفية للغة تتجاوز الفكر المعرفي وبنية الذاكرة، وأن النظام السلوكي التبادلي يجري بين لغة الطفل النامية، ولغة الكبار المكتملة، في في أثناء تعلم الطفل طبيعة الحياة وتكيفه مع مجتمعه. وقد أدت هذه النظرة إلى الاهتمام بالوظائف التواصلية للغة؛ فتطلب هذا الاهتمام بدراسة هذه الوظائف وتحديدها. فاهتم الباحثون بتحديد ما يعرفه الأطفال، وما يتعلمونه من الآخرين، وما يعرفونه عن ترابط أجزاء الجملة وعلاقات الجمل ببعضها، وطبيعة التفاعل بين المتحدث والسامع، ومفاتيح الحوار، ونحو ذلك من الوظائف الاتصالية". (وهذا ما عناه الجرجاني بالبلاغة والفصاحة؛ انظر أعلاه).
وفي هذا الخصوص، يقول: (رتشاردز وروجرز([55])) ما ملخصه: إن هايمز وهاليداي وودوصن وغيرهم توسعوا في الكفاية اللغوية - التي نادى به تشومسكي والمقصورة على معرفة قواعد اللغة، فهي كفاية نحوية فقط في نظرهم - إلى الكفاية التواصلية؛ التي تعني المعرفة بأصول الكلام، ومراعاة طبيعة المخاطبين، مع القدرة على تنويع الكلام حسب مقتضى الحال، من طلب واعتذار وشكر ودعوة ونحو ذلك، إضافة إلى المعرفة بقواعد اللغة ومفرداتها. فهذه الكفاية إذن تعنى المعرفة بقواعد اللغة وقوانينها الصرفية والنحوية، مع القدرة على استعمالها بطريقة صحيحة لغوياً ومقبولة اجتماعياً.
من خلال عرض هذه الآراء عن النظرية الوظيفية وجدنا تفسيرها عند الجرجاني([56]) بشكل واضح. وذلك من خلال حديثه عن النظم؛ والذي يعني الاهتمام بمعاني الكلم، وتوخي معاني النحو فيه، ومعرفة أحكامه وفروقه ووجوهه، والعمل بقوانينه وأصوله، والقدرة على استعمال اللغة بشكل صحيح ومقبول. والاهتمام بالوظائف الاتصالية للغة، وترابط الكلام فيما بينه ومطابقته لمقتضى الحال، وعلاقة الفكر باللغة أيضاً. وهذا ما عنته النظرية الوظيفية الحديثة من أن الهدف الحقيقي للكلام هو التواصل. وأن الكفاية ليست معرفة قواعد اللغة (النحو)، وإنما هي معرفة قواعد اللغة والقدرة على استعمالها بطريقة صحيحة لغوياً ومقبولة اجتماعياً.
وهذه القضية تقودنا إلى أن نسلط الضوء على البنية العميقة والسطحية عند تشومسكي، ونناقشها بشيء من التفصيل، على ضوء نظرية النظم عند الجرجاني، لنرى مدى تأثيره في تشومسكي.
البنية العميقة والبنية السطحية:
إن من أهم القضايا التي أخذها تشومسكي على البنيويين في التحليل اللغوي، وبدأ بها هجومه الكاسح على منهجهم في وقت مبكر؛ الاهتمام بسطح اللغة دون عمقها. لأن التعامل مع البنية السطحية للغة في نظره لا يقدم شيئاً، بل لا يعتبر علماً؛ لأنه لا يفسر شيئاً، ولكن الأهم هو الوصول إلى البنية التحتية أو العميقة للغة؛ إذ من خلالها نصل إلى قوانين الطبيعة البشرية([57]).
لقد أصَّل الجرجاني([58]) هذه الفكرة في نظرية النظم؛ وأنه كان يهتم بالمعنى اهتماماً بالغاً وليس باللفظ الذي هو تبع للمعنى. ولقد عاب على الجاحظ هذه النظرة السطحية للغة؛ عندما استشهد ببيتين من الشعر، أغفل فيهما ظاهرة المعنى وانتصر للفظ انتصاراً عظيماً. حيث يقول في دلائل الإعجاز - نقلاً عن الحيوان للجاحظ -:
"لا تَحْسَبَنَّ المَوتَ مَوتَ البِلَى وإِنَّما المَوتُ سُؤَالُ الرِّجَالْ
كِلاهُمَا مَوْتٌ، ولكِنَّ ذَا أَشَدُّ مِن ذَاكَ على كُلِّ حالْ
"ثم قال: وذهب الشيخ إلى استحسان المعاني، والمعاني مطروحة في الطريق يعرفها العجمي والعربي، والقروي والبدوي، وإنما الشأن في إقامة الوزن وتخيُّر اللفظ، وسهولة المخرج، وصِحَّة الطبع، وكثرة الماء، وجَودة السبك، وإنما الشعر صياغة وضرب من التصوير" فقد تراه كيف أسقط أمر المعاني، وأبى أن يجب لها فضل فقال: "وهي مطروحة في الطريق"، ثم قال: "وأنا أزْعُم أن ابن صاحب هذين البيتين لا يقول شعراً أبداً"، فَأَعْلَمَكَ أن فضل الشعر بلفظه لا بمعناه، وأنه إذا عَدِم الحُسنَ في لفظه ونظمه، لم يستحقَّ هذا الاسم بالحقيقة.
واعلم أنهم لم يبلغوا في إنكار هذا المذهب ما بلغوه إلا لأن الخطأ فيه عظيم، وأنه يفضي بصاحبه إلى أن يُنكرَ الإعجاز ويُبطل التحدي من حيث لا يشعر. وذلك أنه إن كان العمل على ما يذهبون إليه، من أن لا يجب فضلٌ ومزية إلا من جانب المعنى، وحتى يكون قد قال حِكمةً أو أدباً، واستخرج معنى غريباً أو تشبيهاً نادراً، فقد وجب اطِّراحُ جميع ما قاله الناس في الفصاحة والبلاغة، وفي شأن النظم والتأليف، وبَطَل أن يجب بالنظم فضلٌ، وأن تدخله المزية، وأن تتفاوت فيه المنازل. إذا بطل ذلك، فقد بطل أن يكون في الكلام معجزٌ، وصار الأمر إلى ما يقوله اليهودُ ومن قال بمثل مقالهم في هذا الباب، ودخل في مثل تلك الجهالات، ونعوذ بالله من العَمَى بعد الإبصار".
ونراه يقول في موضع آخر ([59]): "ثم ترى الذين لَهِجُوا بأمر اللفظ قد أَبَوا إلاّ أن يجعلوا النظم في الألفاظ. ترى الرجل منهم يرى ويعلمُ أن الإنسان لا يستطيع أن يجيء بالألفاظ مرتَّبةً إلا من بعد أن يفكِّر في المعاني ويرتِّبها في نفسه على ما أعلمناك، ثم تُفَتِّشه فتراه لا يعرف الأمرَ بحقيقته، وتراه ينظر إلى حال السامع، فإذا رأى المعاني لا تقعُ مرتبةً في نفسه إلا من بعد أن تقع الألفاظ مرتبةً في سمعه، نَسِيَ حال نفسه، واعتبر حال من يسمع منه. وسببَ ذلك قِصَر الهِمَّة، وضَعْفُ العناية، وتَرْكُ النظر، والأُنْسُ بالتقليد".
نلحظ هنا اهتمام الجرجاني بالمعنى لأن فيه الفضل والمزية وبيان الإعجاز في الكلام، ولأن فيه إعمال للعقل أيضاً. أما اللفظ فهو تبع له.
ويقول العصيلي([60]): ينبع تفريق تشومسكي بين البنية السطحية والبنية العميقة/الشجرية من فلسفته العقلانية الديكارتية العامة، ومن خلال نظرته إلى الإنسان بوصفه مخلوقاً بشرياً يختلف عن سائر المخلوقات الأخرى، ويتميز عنها بميزات كثيرة من أهمها: اللغة، والذكاء، والقدرة على التفكير (انظر أعلاه؛ الفكر واللغة).
وبما أن اللغة لها أهمية كبرى فليس من المعقول أن نقتصر في تحليلها ووصفها على سطحها... ونغفل جانب المعنى، ودور العقل في هذه الظاهرة العجيبة.
ويمكن تعريف البنية العميقة للجملة بأنها: "مفهوم تجريدي معنوي للتمثيل النحوي للجملة، أو هي المستوى الضمني التحتي للتنظيم البنائي، الذي يحدد جميع العوامل التي تتحكم في ترجمة الجملة وفهم معناها؛ لأن العلاقات المعنوية بين أركان الجملة في هذا المستوى واضحة ومفهومة".
وأما البنية السطحية، فهي المرحلة النهائية في التشكيل النحوي لبناء الجملة، بعد أن نطبق بعض القوانين التحويلية المعينة على بنيتها الباطنية، وهي الشكل الظاهري/السطحي الصوتي الذي ننطقه ونسمعه أو نقرأه. فالبنية السطحية هي: تلك البنية التي تبدو فيها الجملة بصورتها الحالية.
إن تحليل هذا المستوى العميق من الجملة يمكن أن يقدم لنا معلومات تساعدنا على فهم المعنى الحقيقي لجملة ما يحتمل تركيبها الظاهري أكثر من معنى ولا يمكن تحديد واحد منها بدون تحليل البنية العميقة. ففي قولنا مثلاً: ظُلْمُ الموظفِ مشكلة، لا نستطيع أن نحدد من خلال الشكل الظاهري فقط لهذه الجملة ما إذا كان الموظف ظالماً أم مظلوماً. ففي هذه الحالة لا بد من العودة إلى السياق الذي قيلت فيه هذه الجملة. (وهذا ما عناه الجرجاني بالمعنى ومعنى المعنى([61])).
لقد ناقش الجرجاني هذه القضية (البنية العميقة والسطحية) في دلائل الإعجاز([62])؛ حيث يقول: إن الكلام على ضَرْبَين:
"ضَرْبٌ أنت تصِل منه إلى الغرض بدلالة اللفظ وحده، وذلك إذا قصدت أن تُخبِر عن "زيد" مثلاً بالخروج على الحقيقة، فقلت: "خرج زيد"، وبالانطلاق عن "عمرو" فقلت: "عمرو منطلق"، وعلى هذا القياس.
وضربٌ آخر أنت لا تصل منه إلى الغرض بدلالة اللفظ وحده، ولكن يَدُلَّك اللفظ على معناه الذي يقتضيه موضوعُه في اللغة، ثم تجد لذلك المعنى دِلالةً ثانية تصل بها إلى الغرض. ومَدَارُ هذا الأمر على "الكناية" و "الاستعارة" و "التمثيل"... أو لا ترى أنك إذا قلت: "هو كثير رماد القدر", أو قلت: "طويل النجاد"، أو قلت في المرأة: "نَؤُوم الضحى"، فإنك في جميع ذلك لا تُفيد غَرَضك الذي تعني من مجرَّد اللفظ، ولكن يدل اللفظ على معناه الذي يُوجبه ظاهره، ثم يعقل السامع من ذلك المعنى، على سبيل الاستدلال، معنى ثانياً هو غَرَضُك، كمعرفتك من "كثير رماد/القدر" أنه مِضْياف، ومن "طويل النجاد" أنه طويل القامة، ومن "نؤوم الضحى" في المرأة أنها مُتْرَفةٌ مخدومةٌ، لها من يكفيها أمرها".
فنظرية النظم عند الجرجاني تبحث في المعنى بشكل أساسي وتوليه أهمية كبرى في الجملة، وأن اللفظ تبع ومفسر له. وهذا ما عناه تشومسكي بالبنية العميقة التي هي الأساس في الجملة، وأن البنية السطحية هي المترجمة لها على صيغة الألفاظ الظاهرة([63]).
ولهذا فإننا نجد مصطلحات النظم والمعنى واللفظ عند الجرجاني يقابلها مصطلحات الكفاية والبنية العميقة والسطحية عند تشومسكي على التوالي ولها المعنى ذاته كما هي عند الجرجاني.
رابعاً: لغة الحيوانات وطرق تعلمها
إن تعليم الحيوانات اللغة مسألة قديمة عرفها العلماء العرب منذ القدم. ولم تكن جديدة عليهم، كما يرى بعض العلماء العرب المعاصرين وغيرهم؛ الذين يعتقدون بأن تعليم الحيوانات اللغة بدأ في القرن العشرين([64]).
يقول العصيلي([65]): بدأ تعليم الحيوانات على يدي العالم الروسي بافلوف (1849-1936) الذي كان يقيس مقدار ما يسيل من لعاب الكلب عندما يقدم له الطعام.
ويقول فيجوتسكي([66]): "ينشأ الكلام والتفكير في الحيوانات من أصول مختلفة وينموان وفقاً لمسارات مختلفة. وهذه حقيقة قد أيدتها دراسات كيولر وييركس وغيرها على القردة. فقد أثبتت تجارب كيولر أن أصل النشاط العقلي - أي التفكير بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى - يظهر لدى الحيوانات غير مرتبط بالكلام. فما تتوصل إليه القردة من "ابتداعات" في إعداد الأدوات واستخدامها، أو في إيجاد طرق غير مباشرة لحل المشكلات، بالرغم من أنها تمثل بلا شك تفكيراً أولياً، يؤلف مرحلة ما قبل اللغة في نمو التفكير. ويعتبر كيولر نفسه أن بحوثه تثبت أن قرود الشمبانزي تبدي استعداداً وبدايات للسلوك الذهني من نفس نوع ونمط سلوك الإنسان".
إن هذا الموضوع لم يكن جديداً في الدراسات اللغوية العربية؛ فقد بُحِثَ عند العلماء العرب السابقين منذ 14 أربعة عشر قرناً من الزمان. ولهذا نجد في القرآن الكريم والحديث الشريف ما يثبت ذلك. أي أن للحيوانات لغة وتفكيراً وعلماً، ولكننا لا نفقه تسبيحها إلا من اختصه الله بذلك.
قال تعالى: "وَمَا عَلَّمْتُم مِنَ الجَوَارِحِ مُكَلِّبينَ تُعَلِمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ"([67]).
وقال تعالى([68]): "وَقَالَ يَاأَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيرِ وَأُوتِيْنَا مِنْ كُلِّ شَيءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الفَضْلُ المُبِيْنُ (16)" و "حَتَّى إذا أَتَوا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُم لا يَحْطِمَنَّكُم سُليمانُ وجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ(18)" و " وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَالِيَ لا أَرَى الهُدْهُدَ أم كَانَ مِنَ الغَائِبِيْنَ (20) لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابَاً شَدِيْدَاً أَو لأاْذَبَحَنَّهُ أَو لَيَأتِيَنِّي بِسُلطانٍ مُبِيْنٍ (21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيْدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِيْنٍ" (22) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26) قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (27) اِذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُم فَانْظُر مَاذَا يَرجِعُونَ (28) قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَؤا إِنِّي أُلْقِيَ إِليََّ ِكَتابٌ كرَيِمٌ (29) إِنَّهُ مِنْ سُليمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ (30) أَلا تَعْلُو عَلَيَّ وَأتُوْنِي مُسْلِمِيْنَ(31)".
قال الزمخشري([69]) في شرح آية: " وَمَا عَلَّمْتُم مِنَ الجَوَارِحِ مُكَلِّبينَ تُعَلِمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ" الجوارح: الكواسب من سباع البهائم والطير، كالكلب والفهد والنمر والعقاب والصقر والبازي والشاهين. والمكلِّب: مؤدِّب الجوارح ومضرِّيها بالصيد لصاحبها، ورائضها لذلك مما علم من الحيل وطرق التأديب والتثقيف، وأن يكون من يعلِّم الجوارح نحريراً في علمه مدرّباً فيه، موصوفاً بالتكليب، و "تُعَلِمُونَهُنَّ" وهي أن على كل آخذ علماً ألاّ يأخذه إلا من أَقْتَلَ أَهْلَه علماً وأنحرهم دراية وأغوصهم على لطائفه وحقائقه، وإن احتاج إلى أن يضرب إليه أكباد الإبل، فكم من أخذ عن غير متقن، قد ضيع أيامه وعضّ عند لقاء النحارير أنامله، "مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ" من علم التكليب، لأنه إلهام من الله ومكتسب بالفعل، أو مما عرّفكم أن تعلموه من اتباع الصيد بإرسال صاحبه، وانزجاره بزجره، وانصرافه بدعائه، وإرسال الصيد عليه وألا يأكل منه، وفي قوله: "تُعَلِّمونَهُّن مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ" فائدة جليلة...إلخ قال أحمد: وفي الآية دليل على أن البهائم لها علم لأن تعليمها معناه لغة تحصيل العلم لها بطرق خلافاً لمنكري ذلك.
ويُعَقِّب الزحيلي([70]) على هذه الآية قائلاً: ولابد في تعليم الجوارح من أمور ثلاثة:
1 ً: أن تكون الجوارح معلَّمة.
2 ً: وأن يكون من يعلِّمها ماهراً في التعليم مدرّباً فيه.
3 ً: وأن يعلِّم الجوارح مما علمه الله، بأن تقصد الصيد بإرسال صاحبها، وأن تنزجر بزجره، وأن تمسك الصيد ولا تأكل منه إذا كان المعلَّم كلباً، وأن يعود الكلب إلى صاحبه متى دعاه، ويعرف تعليم الكلب بترك الأكل ثلاثاً، وإذا كان طيراً مثل البازي، يعرف تعليمه بالرجوع إلى صاحبه إذا دعاه، والفرق بينهما أن تعليم الكلب يكون بترك ما يألفه ويعتاده، وعادة الكلب السلّب والنهب، فإذا ترك الأكل ثلاثاً عرف أنه تعلم، وعادة البازي النَّفرة، فإذا دعاه صاحبه فعاد إليه، عرف أنه تعلم. ولحديث عدي بن حاتم عند أحمد والشيخين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أرسلت كلابك المعلَّمة، وذكرت اسم الله، فَكُلْ مما أمسكن عليك، إلا أن يأكل الكلب فلا تأكل، فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه" وفي رواية أخرى: "إذا أرسلت كلبك المعلَّم وذكرت اسم الله فَكُل..."
وحديث محمد بن المنهال الضرير قال([71]): ... إن أعرابياً يقال له أبو ثعلبة قال: "يا رسول الله إنَّ لي كلاباً مُكَلَّبَةً، فأفتني في صيدها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن كان لك كلابٌ مُكَلَّبَةٌ فكل مما أمسكن عليك. قال ذكيَّاً أو غيرَ ذكي قال نعم. قال فإن أكل منه؟ قال وإن أكل منه...".
ويقول الطبري([72]) نقلاً عن ابن عباس: "المعلَّم من الكلاب: أن يمسكَ صيده، فلا يأكل منه حتى يأتيه صاحبه". ويقول في الطير: "إذا أرسلْتَه فَقَتَل، فكُلْ. فإن الكلب إذا ضربته لم يعد، وإن تعليم الطير أن يرجع إلى صاحبه، فإذا أكل من الصيد ونتفَ من الريش فَكُل.
وقال تعالى: " يَاأَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيرِ " يقول الزحيلي([73]) في تفسير هذه الآية: "إن سليمان كان أعظم مُلكاً من أبيه، فقد أُعطي داود، وزيد له تسخير الريح والشياطين، ومعرفة لغة الطيور، كما أخبر تعالى معدداً بعض نعم الله عليه:
1 : تعليمه منطق الطير:
وقال: " يَاأَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيرِ " أي قال سليمان متحدثاً بنعمة الله عليه أن ربه علَّمه لغة الطير والحيوان إذا صوَّت، فأستطيع التمييز بين مقاصده من نوع تصويته. وربما فهم بعض الناس الذين يقدمون خدمات للحيوان بعض أصوات الحيوانات، كالخيول والبغال والحمير والأبقار والإبل والقطط، فيدركون رغبتها في الأكل والشرب ويفهمون تألمها عند المرض أو الضرب. قال البيضاوي: "ولعل سليمان عليه السلام كان إذا سمع صوت حيوان، علم بقوّته الحدسية التخيّل الذي صوَّته، والغرض الذي توخاه به، ومن ذلك ما حُكي: أنه مرّ ببلبل يصوِّت ويرقص، فقال سليمان: إنه يقول: "إذا أكلتُ نصف تمرة فعلى الدنيا العَفَاء". وصاحت فاختة (نوع من الحمام البري: جمعه فواخيت/ اللسان:1/138: ف.خ.ت) فقال: إنها تقول: "ليت الخَلْق لم يُخْلَقوا" فلعل صوت البلبل كان عن شبع وفراغ بال، وصياح الفاختة عن مقاساة شدة وتألم قلب.
2 : معرفة لغة النمل:
قال تعالى: "حَتَّى إذا أَتَوا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُم لا يَحْطِمَنَّكُم سُليمانُ وجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ(18)" عندما قدم سليمان ومن معه من الجيوش الجنود على وادي النمل: قالت نملة - هي ملكة النمل، كما فهم سليمان -: يا أيها النمل، ادخلوا بيوتكم، حتى لا يكسرنكم سليمان وجنوده، دون أن يشعروا بذلك أو يعلموا. ومن وقائع فهم سليمان كلام النمل: ما رواه ابن أبي حاتم عن أبي الصديق الناجي قال: "خرج سليمان بن داود عليهما السلام يستسقي، فإذا هو بنملة مستلقية على ظهرها، رافعة قوائمها إلى السماء، وهي تقول: اللهم إنا خلق من خلقك، ولا غنى بنا عن سقياك، وإلا تسقنا تهلكنا، فقال سليمان: ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم. وعدد الله في القصة نعماً ثلاثاً على سليمان عليه السلام: هي تعليمه منطق الطير وإيتاؤه الخير الكثير، وتسخير الجن والإنس والطير، وفهمه خطاب النملة. وما حكاه الله تعالى من قول النملة: " وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ " حسن اعتذار، وبيان عدل سليمان ورأفته وتدينه وفضله وفضل جنوده، فهم لا يحطمون نملة أو لا يدوسون على نملة فما فوقها إلا خطأ غير مقصود لا يشعرون. فهذا دليل ساطع على أن للحيوانات لغة ولكننا لا نعرفها إلا من اختصه الله بذلك.
ولقد أودع الله في كل حيوان غرائز معينة، يهتدي بها إلى ما ينفعه ويمتنع بها عما يضره. والله سبحانه أبدع كل شيء، وأحسن كل شيء خلقه. وقد أجاب موسى عليه السلام فرعون حينما قال له ولأخيه هارون: "قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى؟ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى ُكلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى"([74]).
يقول الزحيلي([75]) في تفسير هذه الآية: أي قال موسى ربنا هو الذي أعطى كل شيء صورته وشكله الذي يليق به، ويطابق المنفعة المنوطة به،كاليد للبطش، والرجل للمشي، واللسان للنطق، والعين للنظر، والأذن للسمع. ثم أرشدهم إلى طرق الانتفاع بما أعطاهم، فانتفعوا بكل شيء فيما خلق له، إما اختياراً كالإنسان والحيوان، وإما طبعاً كالنبات والجماد، كقوله تعالى: "وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى"([76]). أي قدر تقديراً وهدى الخلائق إليه...
ويعقب الدكتور عمر عبد الكافي على الآية السابقة - "قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى؟ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى ُكلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى" ([77]) - في أشرطته المسجلة عن الدار الآخرة أنه كان في أحد المؤتمرات العلمية السابقة - حديث عن النمل - في أوروبا، وكان من بين المشاركين علماء من العرب المسلمين. فتعجب علماء الغرب من أمر النمل أنها تفلق حبة القمح فلقتين بعد أن تجنيه, وتفعل كذلك بسائر أنواع الحبوب – كي لا تُنْبَت مرة أخرى - إلا الكرفس (الكزبرة) فإنها تقطعه ثلاث قطع كي لاينمو كذلك، لأنها إذا قطَّعته قطعتين فقط، فإنه ينمو مرة أخرى. فقالوا: إن النمل يرى بعضه بعضاً ويتعلم ذلك، ولكننا نريد أن نأتي بنملة صغيرة ولدت للتو، وننقلها إلى بيئة أخرى؛ وتعيش وحيدة كي لا تتعلم من زميلاتها. وبعد أن تكبر تلك النملة – التي سوف تعيش وحيدة - نأتي لها بحبة قمح لنرى ماذا تفعل بها، فجاؤوا لها بحبة قمح - بعد أن كبرت - فقطعّتها قطعتين، وفعلت كذلك بكل أنواع الحبوب، إلا الكرفس (الكزبرة) فكانت تقطعها ثلاث قطع أيضاً. فتعجبوا من أمر هذه النملة. فقالوا: لو شاهدت غيرها لقلنا: إنها تعلمت من غيرها؛ ولكننا وضعناها في مكان بعيد عن النمل, لا ترى أحداً فمن أعلمها بذلك؟ فقالوا للعلماء العرب المسلمين المشاركين في ذلك المؤتمر: هل عندكم جواب عن هذا الأمر؟ فقام أحدهم وردَّ عليهم بقول الله تعالى: " رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى ُكلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى". أي علّم كل مخلوق ما يحتاجه من العلوم والمعارف وغيرها... فأسلم بعض المؤتمِرين الغربيين في ذلك المؤتمر ولله الحمد.
وهنا يحضرني - في هذا السياق - حادثتان وقعتا مع صاحب هذه السطور منذ منتصف السبعينات من القرن الماضي عن الحيوانات. الحادثة الأولى: عندما كنا نحلب الماعز والغنم مساءً يأتي بعضهن إلى مكان الحلب طواعية وبمفردهن دائماً، ويقفن للحلاب من دون أن يُمْسَكْنَ – على خلاف البقية - وبعد أن يُحلبن يذهبن إلى مكانهن الذي يجلسن فيه عادة. والحادثة الثانية: إن الماعز في فصل الصيف يريد السفاد، فكان مما شاهدته أنه كان أحد الفحول (التيوس) جاء إلى أمه عندما أرادت السفاد، فاشتم رائحة فرجها ثلاث مرات ثم نظر إلى السماء عالياً وهو يستنشق الرائحة بعد كل مرة، ثم لما عرف أنها أمه، ذهب بعيداً عنها ولم يقربها البتة. فجاء غيره من التيوس في ذلك القطيع لسفادها.
وروى لي أحد الناس عمن يرعون الإبل: أن جملاً سفد أمه بعد أن غطوها عنه بغطاء لكي لا يعرفها ويراها, وبعد أن انتهى من السفاد أماطوا الغطاء عن أمه فعرفها، فأخرج ذكره وقطعه بأسنانه ومات على إثرها!!! فمن أعلم هذه الحيوانات بمثل هذه الأخلاق النبيلة الرفيعة؟!!! أليست لهذه الحيوانات تفكير وعلم؟! بلى وربي! ويقول تعالى: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ)([78]). وهذا يؤكد لنا أن للحيوانات لغةً وعلماً وتفكيراً وأخلاقاً أيضاً.
وقال تعالى([79]): "... قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (27) اِذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُم فَانْظُر مَاذَا يَرجِعُونَ (28) قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَؤا إِنِّي أُلْقِيَ إِليََّ ِكَتابٌ كرَيِمٌ (29) إِنَّهُ مِنْ سُليمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ (30) أَلا تَعْلُو عَلَيَّ وَأتُوْنِي مُسْلِمِيْنَ(31)".
يقول الطبري في تفسيرها([80]): قال: كتب سليمانُ؛ يعني مع الهدهد: بسم الله الرحمن الرحيم، من سليمان بن داوود إلى بلقيس بنت ذي شرحٍ وقومها. أما بعدُ، فلا تعلوا عليَّ، وأتوني مسلمين. قال: فأخذ الهدهدُ الكتابَ برجله فانطلق به حتى أتاها، وكانت لها كَوَّة ٌ في بيتها، إذا طلعت الشمسُ نظرت إليها فسجدت لها، فأتى الهدهدُ الكَوَّةَ فَسَدَّها بجناحَيْه، حتى ارتفعت الشمسُ ولم تَعْلَمْ، ثم ألقى الكتابَ من الكَوَّةِ، فوقع عليها في مكانها الذي هي فيه فأخذته.انتهى.
وهذا يذكرنا بما كان للعرب - مستفيدين من هذه الآية الكريمة - من دور بارز في تعليم الحمام الزاجل لايصال الرسائل فيما بين الولايات والمدن وذلك عند اتساع رقعة الدولة المترامية الأطراف([81]). ولقد بلغوا في تعليم الحمام شأواً عظيماً؛ في زمن لم تكن فيه وسائل الاتصالات السريعة مثل: الطائرة والبريد الالكتروني والشبكة العالمية للمعلومات الفضائية (الإنترنت)، وغيرها من وسائل الاتصال الحديثة معروفة وموجودة.
وعلاوة على ذلك، فإن العلماء في العصر الحديث استفادوا من هذه الفكرة القديمة وأخذوا يدرِّبون الطيور على حمل أجهزة تجسسية على الدول الأخرى. جاء هذا الخبر في صحيفة عكاظ السعودية([82]) التي تقول: كشف موقع (العالم)الفارسي الإلكتروني: إن الأجهزة الأمنية الإيرانية نجحت في صيد عدد من الطيور؛ كانتتحمل أجهزة تجسس قرب موقع نطنز النووي الإيراني. وقال موقع (العالم) الفارسي: إنالطير كان يحمل خيوطاً غير مرئية, إضافة إلى رباط مفتوح فلزي. وأضاف الموقع نقلاً عنمصادر إيرانية: إن الأجهزة الأمنية تحاول إجراء تحقيقات حول الأجهزة التي يحملهاالطير، والتي تتعلق بالتجسس على مواقع إيران النووية. مشيرة إلى إن القضية تتعلقبالجهة التي أرسلت الطير هل هي خارجية أم داخلية تعمل للخارج.
وفي قوله تعالى: "قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أم كُنْتَ من الكَاذِبِين"([83]).
يرى العلماء في العصر الحديث أن الحيوانات لها لغة؛ فهي تصدق وتكذب وتخدع مثل البشر. وهنا يذكر الكحيل([84]): إن الطيور لديها القدرة على الكلام والتعلم, وأن سيدنا سليمان كان يخاطب هذه الطيور ويفهم لغتها؛وكان يخاطب الهدهد ويتكلم معه، ومن الممكن أن يصدق هذا الهدهد أو يكذب بدليل الآية الكريمة. وهذا ما أثبته العلماء في بحوثهم عن الطيور أيضاً. وبالإضافة إلى ذلك؛ فقد تبين للعلماء في بحث جديد: أن الطيورتشبه البشر في طريقة التعلم؛ وأن أدمغتها تعمل بكفاءة عالية في أثناء التغريد، مما يعني أنها تتأثر بالأصوات المحيطة بها. ويؤكد هذا البحث على أن الطيور تتعلم الغناء مثل البشر! ويحدث في دماغها نشاط في أثناء تعلم التغريد وهذا من عجائب الطيور فسبحان الله! ونجد تصديق هذا الكلام في قوله تعالى: "يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيرَ"([85])؛ (انظر التعليق أدناه).
ويقول تعالى([86]): (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ). القرآن يقول: (إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ) وعلماء الغرب يكررون هذا القول في أبحاثهم دون أن يشعروا! فهذا هو الدكتور Erich Jarvis أستاذ مساعد في علم الأعصاب، والذي قام بالتجارب على الطيور يقول بالحرف الواحد:
This type of vocallearning is similar to the way that humans learn to speak
أي أن هذا النموذج من التعلم الصوتي (عند الطيور) مشابه للطريقة التي يتعلم بها البشر الكلام!!
ويحاول العلماء الاستفادة من هذا الاكتشاف لعلاج الاضطرابات لدى البشر مثل اضطرابات التعلم والنطق. أي أن الله سخر لنا هذه الطيور لنتعلم منها ونستفيد فهي مسخرة لنا!
لغة النحل:
قال تعالى: "وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الجِبَالِ بِيُوتَاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ. ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكَ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيْهِ شِفَاءٌ لِلْنَاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَةً لِقَومٍ يَتَفَكَّرونَ([87])".
يقول الزمخشري([88]) في تفسير هذه الآية: "إن الله ألهم النحل، وأوحى لها، وقذف في قلوبها وتعليمها على وجه هو أعلم به، لا سبيل لأحد إلى الوقوف عليه، وإلا فنيقتها -(الفنيقة: النعمة/التنعم في العيش)- في صنعتها، ولطفها في تدبير أمرها، وإصابتها فيما يصلحها، دلائل بينة شاهدة على أن الله أودعها علماً بذلك، وفطنها كما أولى أولى العقول عقولهم... وقوله:"فاسلكي سبل ربك" أي الطرق التي ألهمك وأفهمك في عمل العسل، أو فاسلكي ما أكلت في سبل ربك: أي مسالكه التي يحيل فيها بقدرته النور المرَّ عسلاً من أجوافك ومنافذ مآكلك، أو إذا أكلت الثمار في المواضيع البعيدة من بيوتك فاسلكي إلى بيوتك راجعة سبل ربك لا تتوعر عليك ولا تضلين فيها، فقد بلغني أنها ربما أجدب عليها ما حولها فتسافر إلى البلد البعيد في طلب النجعة، وأراد بقوله:"ثم كلي" ثم اقصدي أكل الثمرات فاسلكي في طلبها في مظانها سبل ربك (ذُللاً) لأن الله ذللها لها ووطأها وسهلها...". ويقول الزحيلي([89]) في تفسير هذه الآية: إن الله سبحانه وتعالى ألهم النحل وركَّز في غريزتها وطبعها؛ كيفية بناء الخلايا العجيبة، سداسية الشكل، المتقنة الصنع، في كهوف الجبال، وأحضان الشجر، وعرائش البيوت والكروم، ثم قيامها بامتصاص رحيق الأزهار والثمار العديدة المتنوعة لصنع العسل، وبعد قيامها بهذه العملية تسلك الطرق التي ألهمها الله في صنع العسل، وطلب الثمار المناسبة، والعودة بأمان في طرق تختارها و لا تضلها، لتصل إلى خلاياها سالمة آمنة.
إن كل المخلوقات تأكل حلالاً طيباً أو غير طيب، وتخرج فضلات سامة إلا النحل. فإن مأكلها طيب، وما تخرجه أطيب، وهو شفاء للناس، إن في ذلك لعبرة للعالمين!
ويقول الجاحظ([90]) عن خُلُقِ النحلة:"... شَمُّهَا مَا لا يُشَمُّ، ورؤيتها لما لا يرى، وحسن هدايتها، والتدبير في التأمير عليها، وطاعة ساداتها، وتقسيط أجناس الأعمال بينها، على أقدار معارفها وقوة إبدانها".
وعلماء اللغة المحدثين اهتموا بهذه اللغة حيث يقول منصور([91]):"اهتم العالم الألماني فريش بدراسة حركات النحل ورقصه، والتي اعتبرها لغة النحل، حيث يتحرك في دوائر صغيرة متتالية بنظام معين، كما يرتفع إلى أعلى بصورة خاصة. ولقد استنتج أن النحلة عند قيامها بهذه الحركات، إنما تنقل إلى باقي النحل في مملكة النحل، ما توصلت إليه من معرفة خارج الخلية كأن تعلم باقي أفراد المملكة من النحل بنوع الغذاء الذي عثرت عليه، وأين موقعه، ومدى بعده عن الخلية، وخط الوصول إليه".
ويرى الباحث أن كل ما في الكون له لغة سواء أكان بشراً أم حيواناً أو جماداً. وهذا ما جاء في القرآن الكريم: "وَإِنْ مِنْ شَيءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ، وَلَكِن لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيَحَهُم"([92]). وقال تعالى على لسان داود عليه السلام: "وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبي مَعهُ وَالطَّيْرَ"([93]). يقول الألوسي([94]) في شرح هذه الآية: " يَا جِبَالُ أَوِّبي مَعهُ وَالطَّيْرَ " أي رجِّعي معه التسبيح وردِّديه. ويروى أنه عليه السلام: كان إذا سبَّح سبَّحت الجبال مثل تسبيحه بصوت يسمع منها. ولا يعجز الله عز وجل أن يجعلها بحيث تسبِّح بصوت يسمع. وقد سبح الحصى في كف نبينا عليه الصلاة والسلام وسمع تسبيحه؛ وكذا في كف أبي بكر رضي الله تعالى عنه... وقيل: كان داود عليه السلام ينوح على ذنبه بترجيع وتحزين وكانت الجبال تسعده بأصدائها... فكانت الجبال إذا سبّح سبَّحت؛ وإذا ناح ناحت؛ وإذا قرأ الزبور قرأت. حتى إن الماء ليتوقف عن الجريان عندسماع صوت داود عليه السلام كما ذكر القرطبي في تفسيره!
تحدث اللغويون العرب القدامى عن تعليم الحيوانات. ولقد درّبوها وروّضوها؛ وعلموها الكلام واللغة أيضاً. وها هو الجاحظ يقول([95]): "والحمام لا يقيمُ معهم في دورهم إلا بعد أن يثبِّتوه ويعلِّموه، ويُرتِّبوا حاله ويدرِّجوه... وقد يُدَرَّبُ العصفورُ ويُثَبَّت فيستجيبُ من المكان البعيد، ويَثْبُتُ ويَدْجُن. فهو مما يثبُت ويعايش الناسَ، من تلقاء نفسه مرة، وبالتثبيت مرةً... وقد بَلَغني أن بعض ما يستجيب منها قد دُرِّبَ فرجع من مِيل. فأما الهداية من تلقاء نفسه فمن الفراسخ الكثيرة".
ويذكر الجاحظ خبراً آخر([96]) يقول فيه: "...إن السوداني القَنَّاص الجبلي... زعموا أنَّه بلغ من حذقه بتدريب الجوارح وتَضْرِيَتِها أنه ضرَّى ذئباً حتى اصطاد به الظِّباء وما دونها، صيداً ذريعاً، وإنه ألفه حتى رجع إليه من ثلاثين فرسخاً، وقد كان بعضُ العُمَّال سرقه منه... وأن هذا السوداني ضرَّى أسداً حتى اصطاد له الحمير فما دونها صيداً ذريعاً، وأنه ضرَّى الزَّنابيرَ فاصطاد بها الذِّبَّان".
ويذكر ابن خلدون([97]): أن العرب القدماء علموا الحيوانات اللغة والكلام، حيث يقول: "ولا شك أن كل صناعة مرتبة يرجع منها إلى النفس أثر يكسبها عقلاً جديداً تستعد به لقبول صناعة أخرى، ويتهيأ بها العقل لسرعة الإدراك للمعارف. ولقد بلغنا في تعليم الصنائع عن أهل مصر غايات لا تدرك مثل أنهم يعلمون الحُمُرَ الإنسية والحيوانات العجم من الماشي والطائر مفردات من الكلام والأفعال يستغرب ندورها، ويعجِزُ أهل المغرب عن فهمها. وحسن الملكات في التعليم والصنائع وسائر الأحوال العادية يزيد الإنسان ذكاءً في عقله وإضاءةً في فكره بكثرة الملكات الحاصلة للنفس، إذ قدمنا أن النفس إنما تنشأ بالإدراكات وما يرجع إليها من الملكات، فيزدادون بذلك كَيْسَاً لما يرجع إلى النفس من الآثار العلمية، فيظنه العامي تفاوتاً في الحقيقة الإنسانية وليس كذلك".
وبالإضافة إلى ذلك؛ يقول الجاحظ([98]):"... إنّ الطائرَ والسبع والبهيمةَ كلّما كان لسانُ الواحد منها أعرضَ كان أفصحَ وأبْيَنَ، وأحكى لما يُلَقَّن ولما يَسمَع، كنحو الببغاء والغُداف وغراب البَيْن، وما أشبه ذلك؛ وكالذي يتهيّأ من أفواه السنانير إذا تجاوبَت، من الحروف المقطّعة المشارِكة لمخارج حروف الناس. وأما الغنمُ فليس يمكنها أن تقول إلا "ما" ... وتقول الهند: لولا أن الفيل مقلوب اللسان لكان أنطقَ من كلّ طائر يتهيأ في لسانه كثير من الحروف المقَطَّعة المعروفة. والقطا من الطير قد يتهيأُ من أفواهها أن تقول: قطا قطا. وبذلك سمِّيت. ويتهيأ من أفواه الكلاب العَيْنَاتُ والفاءاتُ والواواتُ. كنحو قولها: وَوْ وَوْ، وكنحو قولها: عَفْ عَفْ. قال الهيثم بنُ عُديّ: قيل لصبيّ: من أبوك؟ قال: وَوْ وَوْ ؛ لأن أباه كان يسمّى كلباً".
وعلاوة على ذلك، فإن الببغاء يفهم لغة البشر ويرددها وهو غاية في الذكاء. وكذلك الفيل يستطيع بعد التدرب أن يأتي بأشياء كالإنسان؛ بل يبكي ويحزن لفراق صاحبه، ويذرف الدموع عليه، وإذا مرض صاحبه يذهب - الفيل- إلى عيادة الطبيب ويحمل له الحقيبة، ويأتي بالطبيب إلى بيت صاحبه لكي يعالجه (مقابلة شخصية مع الأستاذ الدكتور جلال السعيد الحفناوي الذي عاش في الهند وباكستان وعايش الواقع الحقيقي لهذا الحيوان عن كثب).
ولقد شاهد - كاتب هذه السطور- في حديقة الحيوان، عندما كان في ماليزيا في العاصمة كوالا لمبور: أن الفيل يرقص ويلعب كرة القدم ويرش الماء بخرطومه على المتفرجين، وتوضع في خرطومه آلة موسيقية لها صوت حسن، فيعزف عليها وتخرج أصواتاً وأنغاماً جميلة. ويكسر جوزة الهند بقدمه عندما يُطلب منه ذلك. ثم ينام صاحبه على الأرض؛ ويأتي الفيل وينام فوقه ويجثو عليه بكل هدوء وحنان ورفق، من دون أن يخدشه أو يؤذيه، ثم يأتي رجل آخر؛ فيأمر الفيل لكي يقوم عن صاحبه، فيأبى الفيل ذلك، ويعبر عن رفضه لهذا الأمر: بأن يحرك رأسه وخرطومه يميناً وشمالاً، ويُكَرَّرُ عليه الأمر أكثر من ثلاث مرات. ثم بعد ذلك؛ يأمره صاحبه بأن يقوم، فيقوم من فوقه، ثم يضع خرطومه خلف عنق صاحبه، فيرفعه حتى يستوي قائماً، ثم يرفع الفيل قدمه على شكل زاوية قائمة لكي يضع صاحبه رجله ويركب على ظهره. وكذلك الفقمة؛ وهي حيوان مائي يشبه الحوت، فإنها تسبح وتلعب الرياضة على أنغام الموسيقا، بأن تُدْخِلَ نفسها ضمن إطارات دائرية مرتفعة عن سطح الماء، وتضع كرة القدم على أنفها وهي تسبح، وترفعها لمسافة 3-4 أمتار في السماء، ثم تعيدها إلى أنفها مرات عديدة، وتصفق بيديها بعد نجاح مهمتها. وكذلك الطيور فإنها تلعب كرة القدم، بأن توضع على سكة حديدية مرتفعة عن الأرض، وتمشي فوق الكرة، وهي تدحرجها من الجانب الأيمن إلى الجانب الأيسر لمسافة 4 أربعة أمتار تقريباً. ثم تلعب الطيور الجمباز وهي نوع من الرياضة بأن تقلب - وهي تتمسك بالحديدة - من الأعلى إلى الأسفل وتفعل هذه اللعبة أكثر من مرة. وكذلك تنزل بالحبل من السقف إلى الأرض على شكل عصا لها محجن، وعندما تقترب من الأرض تنفتح العصا، وإذا هي مظلة حقيقية وكأنها نزلت بالمظلة من السماء. وترقص الطيور على أنغام صوت الموسيقا أيضاً، وتلعب وتصفق بجناحيها عند التمثيل الصحيح للعبة التي تؤديها. وكذلك تتبارز الديكة بالمناقير فيما بينها، بأن يقاتل الديك الديك الآخر، إلخ.
إن هذه الآيات والأحاديث وأقوال العلماء تدل دلالة واضحة على أن للحيوانات لغة وتفكيراً وعلماً وهي قابلة للتعلم، ويمكن للإنسان أن يتعرف عليها من خلال الممارسة والتدريب والخبرة، وأن العرب القدامى أبدعوا في تعليم الحيوانات أيما إبداع. ولقد دربوا الطيور بأنواعها والحيوانات الأليفة منها والمفترسة على الكلام واللغة وغيرها. وهذا ما ذكره الجاحظ وابن خلدون وغيرهما عن تعليم الحيوانات اللغة، لا كما يظن بعض العلماء في الوقت الحاضر من أمثال الحمداني والوعر ([99]) وغيرهما، من أنها وليدة القرن العشرين، وقامت على أيدي العلماء الغربيين.
خامساً: لغة الإشارات والرموز
من موضوعات علم اللغة النفسي الحديث في القرن العشرين دراسة لغة الإشارات والرموز؛ فالغربيون - ومن سار على نهجهم من العلماء العرب - أجروا التجارب على هذه اللغة وعزوها ونسبوها إليهم، ولكننا ندحض هذا الزعم ونقول لهم: إن علماء العربية القدامى درسوا هذه الظاهرة في مؤلفاتهم, وإن القرآن الكريم أول ما نبأنا بهذه اللغة وتحدث عنها.
لغة الإشارة لها أنواع عديدة؛ منها: إشارة المعاقين، وإشارة الأصحاء، وإشارات المرور والطرق وغيرها، فهذه كلها لغات غير منطوقة. وعلاوة على ذلك، تقول عطية([100]): إن الصورة لغة، والموسيقى لغة، والحركة لغة، والأشياء والأجسام لغة، والإشارات لغة. وما يهمنا هنا هو إشارة المعاقين وإشارة الأصحاء.
1 : إشارة المعاقين:
فهي إشارة الصم البكم، ولديها مفاهيم خاصة لتعليمهم اللغة، وقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم عن هذه الظاهرة.
قال تعالى: "إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُ البُكمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ. وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيْهِم خَيْرَاً لأَسمَعَهُم وَلَوْ أَسمَعَهم لَتَوَلَّوا وَهُم مُعْرِضُون"([101]).
وقال تعالى: "أَفَأَنْتَ تُسمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوا مُدْبِرِين"([102]).
وقال تعالى: "أَفَأَنْتَ تُسمِعُ الصُّمَّ وَلَو َكانُوا لا يَعْقِلُون"([103]).
فمن رحمة الله بالأصم، أنه لا يسمعه، كي لا يصبح جباراً عصياً، ولكي لا يمتد أذاه إلى الآخرين. فيُصِمُّهُ الله اتقاءً لشره على المجتمع الذي يعيش فيه، ولأن الله لا يَبْتَلِي مخلوقاً إلا ليُعينه. ولهذه اللغة إشارات خاصة بها تعتمد على حركة اليدين وتعبيرات الوجه وغيرها من التفاصيل([104]).
2 : إشارة الأصحاء
وتنقسم هذه الإشارة إلى قسمين: إشارة عضوية وإشارة أدبية، وقد تكون الإشارة العضوية للأصحاء بعقد اللسان ومنعه من الكلام مؤقتاً، وإن الشخص الذي تحصل له هذه العُقْلَة والحُبْسَة سليماً معافىً، ولكن الله يريد أن يظهر معجزاته فيه، وهذا ما نجده في القرآن الكريم عندما أنبأنا الخبير اللطيف على لسان زكريا عليه السلام ومريم بنت عمران الصدِّيقة. وفيما يلي تفصيل ذلك.
أ : الإشارة العضوية:
قال تعالى: "قَالَ آيتُكَ ألا تُكلِّم َ النَّاسَ ثَلاَثةَ أَيَّامٍ إِلا رَمزَاً"([105]).
يقول الطبري في تفسيرها([106]): "فلغة الرمز أو الإشارة هو أنك لا تقدر على الكلام إلا إيماء وإشارة. والرمز من معانيه عند العرب: الإيماء بالشفتين، وقد يستعمل في الإيماء بالحاجبين والعينين أحياناً، وذلك غير كثير فيهم. وقد يقال للخفي من الكلام الذي هو مثلُ الهمس بخفض الصوت: "الرمز"، ومنه قول جُؤيّة بن عائذ:
وكـان تَكَـلُّمُ الأبـطالِ رَمْـزاً وَهَـمْـهَمَةً لهـُم مِثْـلَ الهَـدير
وقال بعضهم في تفسير الآية: آيتك أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا تحريكاً بالشفتين، من غير أن ترمز بلسانك الكلام. والرمز أن يشير بيده أو رأسه، ولا يتكلم".
ويقول الألوسي([107]): "إنما جعل عقل اللسان آية العلوق لتخلص المدة لذكر الله تعالى وشكره وقضاء لحق النعمة كأنه قيل له: آية حصول النعمة أن تمنع عن الكلام إلا بشكرها، وأحسن الجواب على ما قيل ما أخذ من السؤال كما قيل لأبي تمام: لم تقول ما لانفهم؟ فقال: لم لا نفهم ما يقال؟ وهذا مبني على أن سؤال الآية منه عليه السلام: إنما كان لتلقي النعمة بالشكر، ولعل دلالة كلامه على ذلك بواسطة المقام، وإلا ففي ذلك خفاء كما لا يخفى. والرمز: هو الإشارة باليد والوحي بالرأس فقال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم. أما سمعت قول الشاعر:
مـا في السمـاء من الـرحمن مرتـمز إلا إليـه ومـا فـي الأرض مـن وزر
وعن مجاهد أن الرمز هنا كان تحريك الشفتين، وقيل: الكتابة على الأرض، وقيل الإشارة بالمسبحة، وقيل الصوت الخفي، وقيل: كل ما أوجب اضطراباً في الفهم، كان رمزاً، وهو استثناء منقطع بناءً على أن الرمز الإشارة والإفهام من دون كلام".
وقال تعالى على لسان مريم بنت عمران([108]): "فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحمَنِ صَوْمَاً فَلَنْ أُكَلِّمَ اليَومَ إِنْسِيَّاً. فَأَتَتْ بِهِ قَومَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَريَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئَاً فَرِيَّاً. يَا أُخْتَ هَرُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ اَمْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُكِ بَغِياً. فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي المَهْدِ صَبِيَّاً".
يقول الزمخشري في تفسيرها([109]): "إني نذرت صمتاً، وكانوا لا يتكلمون في صيامهم... وأمرها الله تعالى بأن تنذر الصوم لئلا تشرع مع البشر المتهمين لها في الكلام. وقيل أخبرتهم بأنها نذرت الصوم بالإشارة، وقيل سوّغ لها ذلك بالنطق (إنسياً)، أي أكلم الملائكة دون الإنس... فأشارت إليه أي هو الذي يجيبكم إذا ناطقتموه، وقيل كان المستنطق لعيسى زكريا عليه السلام. وعن السدي: لما أشارت إليه غضبوا وقالوا: لَسُخْرِيَّتُهَا بنا أشد علينا من زناها. وقيل كلمهم بذلك ثم لم يتكلم حتى بلغ مبلغاً يتكلم فيه الصبيان".
ترشدنا هذه الآيات إلى أن الله سبحانه وتعالى قد يجعل الإنسان عاجزاً عن الكلام ليظهر فيه معجزة من معجزاته، وليبرهن لنا على أن اللغة إما أن تكون بالكلام، وإما أن تكون بالإشارة. وأحياناً تكون الإشارة أبلغ من الكلمة، وتعمل عملها، بل وتكون الإشارة أحياناً أكثر إفادة من الكلمة المسموعة (انظر أدناه؛ الإشارة الأدبية).
ب : الإشارة الأدبية:
تؤدي الإشارة الأدبية معنىً بليغاً في النفس لا يمكن البوح به أمام الملأ؛ كي لا يتأذّى الآخرون منها أو يتأثرون. ولهذا يقول الله سبحانه وتعالى: "يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ"([110]). أي يعلم نظريات الأعين، وإشاراتها، واستراق النظر، وما تكنه وتخفيه الصدور من أمور ولواعج وأسرار وغيرها، لا يمكن الجهر بها لاعتبارات عديدة، وإن للغة الإشارة مناقب وصفات نبيلة، ونتائج حميدة، لا يمكن للمرء أن يتفوّه بها، حتى لا يتطيَّر الآخرون منها، ولهذا نجد لها خاصية أدبية رفيعة، في تأدية المعنى والتعبير عن المقصود، بشكل ودي وسري وبديع.
يناقش الجاحظ([111]) هذه الصفة بشكل أدبي رفيع حيث يقول: "وجميع أصناف الدَّلالات على المعاني من لفظ وغير لفظ، خمسة أشياءَ لا تنقص ولا تزيد: أولها اللفظ، ثم الإشارة، ثم العَقْد، ثم الخط، ثم الحالُ التي تسمّى نِصْبة. والنصبة هي الحال الدالة التي تقوم مقام تلك الأصناف، ولا تقصِّر عن تلك الدلالات، ولكل واحد من هذه الخمسة صورةٌ بائنةٌ من صورة صاحبتها، وحليةٌ مخالفةٌ لحليةِ أختها؛ وهي التي تكشف لك عن أعيان المعاني في الجملة، ثم عن حقائقها في التفسير، وعن أجناسها وأقدارها، وعن خاصِّها وعامِّها، وعن طبقاتها في السارّ والضَّارّ، وعما يكون منها لغواً بهرجاً، وساقطاً مُطَّرحاً". والذي يهمنا هنا هو الإشارة فقط.
"فأما الإشارة فباليد، وبالرأس، وبالعين والحاجب والمنكب، إذا تباعدَ الشخصان، وبالثوب وبالسّيف، وقد يتهدّد رافع السّيف والسّوط، فيكون ذلك زاجراً، ومانعاً رادعاً، ويكون وعيداً وتحذيراً. والإشارة واللفظ شريكان، ونِعْمَ العونُ هي له، ونِعم الترجمانُ هي عنه. وما أكثر ما تنوب عن اللفظ، وما تُغنى عن الخطّ. وبعدُ فهل تَعدو الإشارةُ أن تكون ذات صورةٍ معروفةٍ، وحِلْية موصوفة، على اختلافها في طبقاتها ودلالالتها. وفي الإشارة بالطرف والحاجب وغير ذلك من الجوارح، مرفق كبير، ومعونة حاضرة، في أمور يسترُها بعضُ الناسِ من بعض، ويخفونها من الجليس وغير الجليس. ولولا الإشارةُ لم يتفاهم الناسُ معنى خاص الخاص، ولجهلوا هذا الباب البتَّة. وقد قال الشاعر في دَلالات الإشارة:
أشارتْ بِطَرْفِ العينِ خِيفةَ أهلها إشـارةَ مذْعورٍ ولم تتكلَّمِ
فأيقنتُ أنَّ الطرفَ قد قالَ مَرحباً وأهلاً وسهلاً بالحبيب المتيَّمِ
وقال الآخر:
وللقلب على القلب دليـلٌ حينَ يلقاهُ
وفي الناس من الناس مقاييـسُ وأشباهُ
وفي العين غنىً للمر ءِ أن تنـطقَ أفواهُ
وقال الآخر:
تـرى عينُـها عَيْنِي فتعرف وَحْيَـها وتعـرف عيني ما به الوَحْيُ يرجعُ
وقال الآخر:
العيـنُ تُبـدي الذي في نفس صاحبها من الـمحبَّة أو بُغض إذا كانـا
والعـينُ تنطـقُ والأفـواهُ صامتــةٌ حـتى ترى من ضمير القلب تبياناً
هذا ومبلغُ الإشارة أبعَدُ من مبلغ الصَّوت. فهذا أيضاً باب تتقدم فيه الإشارةَ الصوتَ".
ويقول ابن قتيبة([112]) عن الاستدلال بالعين والإشارة والنُّصبة:
" رُبَّ طَرْفٍ أفصح من لسان"
وقال آخر:
أمـا تُبْـصِرُ في عَيْنَيــ ــيَ عُنـوانَ الـذي أُبدي"
ومن العلماء الغربيين والعرب المعاصرين الذين تناولوا هذه الظاهرة فيجوتسكي([113]): الذي تحدث عن لغة الإشارات عند الصم البكم، والحمداني الذي تحدث عن لغة الإشارات وأطلق عليها اسم مصاحبات اللغة، وتضم هذه المصاحبات: تعبيرات بالوجه والجسم وحركات اليدين، إضافة لتعبيرات بالعيون، وتغيير في الصوت، وتنشأ قسم من هذه المصاحبات نتيجة للفطرة، بينما تختلف إشارات أخرى باختلاف المجتمع...
وتقول عطية([114]) نقلاً عن لانجر (Langer: 1954): "إن هناك فرقاً بين اللغة اللفظية، والوسائل غير اللفظية من حيث الطريقة التي تتم بها فهم المعاني التي تتضمنها كل منهما... فاللغة اللفظية، ليست فقط هي اللغة التي يستخدمها الفرد في التعبير عما يدور في ذهنه من أفكار، وإنما يحتاج الفرد إلى أكثر من لغة في التعبير عن نفسه، ومن هنا كانت اللغة غير اللفظية ذات أهمية كبرى في حياة الفرد عامة، والتي لا تقل أهمية عن اللغة اللفظية، فكلها أنواع من التعبير بالنسبة إلى الإنسانية جمعاء".
ونخلص من هذا، أن لغة الإشارات والرموز لم تكن موضوعاً جديداً في الدراسات اللغوية النفسية الحديثة، فقد تحدث الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز عن هذه اللغة على لسان زكريا عليه السلام ومريم بنت عمران. وأن هذه اللغة تعبر عما تكنه الصدور من لواعج وحنان وغيرهما قد لا تعبر عنه اللغة المنطوقة صراحة. وأن ما ذكره أو قاله الجاحظ عن لغة الإشارات كالإشارة باليد، وبالرأس، وبالعين (الطرف)، وبالحاجب، والمنكب، وبالثوب، وبالسيف، يكاد يكون هو ما قاله الحمداني عن مصاحبات اللغة كتعبيرات الوجه والجسم وحركات اليدين والعيون وغيرها.
سادساً: أمراض الكلام
إن أمراض الكلام وأسبابها وطرق علاجها هي من الموضوعات المهمة جداً، والتي عالجها علم اللغة النفسي الحديث. ومن الذين تحدثوا عن هذه الظاهرة من العلماء العرب القدامى: الجاحظ، والنويري، وابن سيده، والثعالبي، والمبرد، وغيرهم كثير. وإليكم بيان ذلك بالتفصيل.
أ – الأمراض اللغوية
لقد شرح الجاحظ([115]) الأمراض اللغوية وأسبابها وطرق علاجها بشكل مفصَّل ومركَّز. ومن هذه الأمراض اللغوية التي تحدث عنها مايلي:
العِيُّ والحَصَر. "وقديماً ما تَعَوَّذُوا بالله من شرهما، وتضرَّعوا إلى الله في السلامة منهما.
قال بشار الأعمى:
وعِـيُّ الفَـعَالِ كَـعِيِّ المـقال وفي الصَّـمت عِيٌّ كَـعِيِّ الـكَلِمْ"
"ولأنهم يجعلون العجزَ والعِيَّ من الخُرَق، كانا في الجوارح أم في الألسنة. يقول زبَّان بن سيار:
ولسـنا كـأقـوامٍ أجدُّوا رِيَاسـةً يُـرَى مـالُها ولا يُحَـسُّ فَعــالُها
يُريغون في الخِصْبِ الأمورَ ونفعـهمْ قليــلٌ إذا الأموالُ طـال هُــزالُها
وقُـلْنَـا بـلا عِـيٍّ وسْسَّنا بطاقةٍ إذا النارُ نارُ الحربِ طال اشـــتعالها"
وقالوا في الصمت كقولهم في المنطق، قال أُحَيْحَة بن الجُلاح:
والصمتُ أجمَلَ بالفتى مالم يكن عِيٌّ يَشِينُهْ
والقول ذو خَطَل إذا مالم يكن لُبٌّ يُعينُهْ"
ويذكر الجاحظ([116]) بعض هذه الأمراض اللغوية حيث يقول: "وليس اللَّجلاج والتَّمتام, والألثغ والفأفاء، وذو الحُبْسَة والحُكلة والرُّتَّةِ وذو اللَّففِ والعجلة، في سبيل الحَصِر في خطبته، والعَييُّ في مناضلة خصومه، كما أن سبيل المُفْحَم عند الشعراء، والبكيء عند الخطباء، خلافُ سبيل المسْهَب الثَّرثار، الخَطِل المِكْثَار".
وتحدث عن المصابين بالأمراض الكلامية؛ فذكر منهم ([117]): العييُّ والبكيءُ ، والحَصِر والمُفحَمُ، والخََطِل والمُسهِبُ، والمتشدِّقُ، والمتفيهقُ، والمهمارُ، والثرثارُ، والمِكثارُ والهمَّارُ، ولِمَ ذكروا الهُجْرَ والهَذَرَ، والهَذَيانَ، والتخليط وقالوا: رجلٌ تِلِقَّاعَة، وفلان يتلَهْيَع في خطبته"... "ثم اعلم أنَّ أقبحَ اللحن لحنُ أصحاب التقعير والتقعيب، والتشديق والتمطيط والجَهْوَرةِ والتفخيم".
وممن تحدثوا عن عيوب الكلام وأمراضه كذلك النويري([118])؛ لقد تحدث عن بعض أمراض الكلام وعيوب اللسان؛ فمنها: العُقْلة: وهي التواء اللسان عند الكلام؛ والحُبْسَةُ: تعذُّرُ النطق... والرُّتَّةُ: اتصال بعض الكلام ببعض دون إفادة؛ والطمطمة: أن يكون الكلامُ شبيهاً بكلام العجم... واللُّكنةُ: إدخال بعض حروف العرب في حروف العجم... وهي إبدال الهاء حاءً، وانقلابُ العين همزة... والخُنَّةُ: ضرب منها؛ والترخيم: حذف بعض الكلمة لتعذّر النطق بها؛ واللُّثغة: إبدال ستة حروف بغيرها، وهي الهمزة والراء والسين والقاف والكاف واللام...إلخ.
وتحدث ابن سيدهفي المخصص عن عيوب الكلام([119])، فهو معجم لغوي نفسي في أمراض الكلام. لقد حوى تقريباً كافة أنواع الأمراض الكلامية فيرجى العودة إليه لمن أراد المزيد.
ومن الأمراض اللغوية التي تحدث عنها مثلاً([120]): الغنن والغنة والأغن: الذي يخرج كلامه في لهاته وهو الساقط الخياشيم وهي الغنة. والتهتهة: التواء في اللسان وفيها الهتهتة وته ته حكاية المتهته. والثغثغة: رتة في اللسان وثقل. والظأظأة: حكاية بعض كلام الأعلم الشفة الأهتم الثنايا العلى. التغتغة: كلام الشيخ سقطت أسنانه فلم يفهم كلامه. المقمقة: المُقامِق: المتكلم بأقصى حلقه، وفيه مقمقة. كنب: وكنب عليه لسانه: فلم ينطق. إلخ.
ومن العيوب التي يذكرها المبرد([121])مايلي:
الاستعانة: هو أن يدخل في الكلام ما لا حاجة بالمستمع إليه ليصحح به نظماً أو وزناً إن كان في شعر، أو ليذكر به ما بعده إن كان في كلام منثور. الغمغمة: تسمع الصوت ولا يتبين لك تقطيع الحروف. التمتمة: التردد في التاء. إلخ.
وأشار الثعالبي([122]) كذلك إلى بعض العيوب اللسانية والكلامية، والعوارض التي تُعرَضُ لألسنة العرب. فمن العيوب التي ذكرها مايلي:
اللَّكنَةُ والحُكلَةُ: عُقدةٌ في اللسان وعُجمَة في الكلام. الفأفأة: أن يتردد في الفاء، التَّمْتَمَةُ أن يترددَ في التاء. اللفف: أن يكون في اللسان ثِقَلٌ وانعِقادٌ، اللَّيَغُ: أن لا يُبِينَ الكلام. اللَّجْلَجَةُ: أن يكون فيه عِيٌّ وإدخال بعض الكلام في بعض. الخَنْخَنَةُ: أن يتكلم من لَدُنْ أَنْفِه، ويقال: هيَ أن لا يُبَيِّنَ الرَّجُلُ كلامَهُ فَيُخَنْخِنُ في خَياشِيمِه. إلخ.
ومن العلماء المعاصرين الذين تحدثوا عن أمراض الكلام: المنصور([123])، فقد تحدثت عن عيوب الكلام وطرق علاجه بشكل مفصَّل عند العلماء العرب القدامى؛ والسيد، والحمداني، وابن عيسى، ومنصور، وغيرهم كثير. ولقد كانوا يرددون ما قاله اللغويون العرب القدامى في هذا الجانب. ولكن الشيء الإيجابي الذي يذكر للعلماء المعاصرين أنهم استفادوا من تقدم الطب في معالجة بعض هذه الأمراض اللغوية عند الناس.
ب : أسباب العيوب الكلامية
هناك ثلاثة أسباب رئيسية مهمة للعيوب الكلامية التي ذكرها اللغويون العرب القدامى، وهي كما يلي: لغوية نفسية، واجتماعية, وعضوية.
أولاً: الأسـباب اللغـوية النفسـية:
1_ الـعِـيُّ والـحَـصَـر:
يذكر الجاحظ([124]): أن من الأسباب اللغوية والنفسية لأمراض الكلام: "العِـيُّ والـحَصَر. وقديماً ما تَعَوَّذُوا بالله من شرهما، وتضرَّعوا إلى الله في السلامة منهما. وقد قال النَّمْر بن تولب:
أعِـذْنِـي ربِّ من حَـصَـرٍ وعِـيٍّ ومـن نَـفْـسٍ أُعـالـجُـها عِـلاجَـا
وقال الهذلي:
ولا حَـصِـرٌ بـخُـطـبَـتِهِ إذا مـا عَـزَّتِ الـخُـطَـــبُ
وقال مَكِّيُّ بن سَوادة:
حَـصِـرٌ مُسْـهَـبٌ جـرِيءٌ جَـبانٌ خَـيْـرُ عِـيِّ الـرجـال عِـيّ السُّـكـوتِ"
وسأل الله عز وجل موسى بنُ عمران، عليه السلام، حين بعثه إلى فرعونَ بإبلاغ رسالته، والإبانةِ عن حجَّته، والإفصاحِ عن أدلَّته، فقال حين ذكر العُقْدة التي كانت في لسانه، والـحُبْسَة التي كانت في بيانه: "واحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي يَفقَهُوا قَوْلِي"([125]). وأنبأنا اللهُ تعالى عن تعلُّق فرعونَ بكل سبب، واستراحتِهِ إلى كل شَغَب، ونبَّهنا بذلك على مذهب كلِّ جاحد معاند، وكلِّ مُحتالٍ مكايد، حين خبَّرنا بقوله: "أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِن هذا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يبُيِنُ"([126]). يريد فرعون أن يتفضّل على موسى عليه السلام بأنه أفصح منه وأفضل بياناً.
وقال موسى صلى الله عليه وسلم: "وَأَخِي هَارونُ هُو أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانَاً فَأْرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُني"([127]). وقال تعالى: "ويَضيقُ صَدْرِي ولا يَنْطَلِقُ لِسَانِي"([128]). رغبة منه في غاية الإفصاح بالحجّة، والمبالغة في وضوح الدَلالة؛ لتكون الأعناقُ إليه أَمْيَلَ، والعقولُ عنه أفهمَ، والنفوسُ إليه أسرعَ، وإن كان قد يأتي من وراء الحاجة، ويَبْلغ أفهامهم على بعض المشقة.
وضرب الله عز وجل مثلاً لِعِيِّ اللسان ورداءة البيان، حين شبّه أهله بالنساء والولدان: فقال تعالى: "أَوَ مَنْ يُنَشَّأُ في الْحِلْيَةِ و هوَ في الخِصَام غَيْرُ مَبين"([129]). أي في مخاصمة أعدائه لا يكاد يُفهم قوله .
2_ اللُّثـغـة:
اللُّثغة مرض لغوي يصيب بعضَ الناسِ، عامتهم وخاصتهم؛ ولهذا نرى الجاحظ([130]) قد أشار إليها، وتحدث عمن وصف بها قائلاً: "ولما علم واصلُ بنُ عطاء أنّه ألثغُ فاحش اللَّثغ، وأن مخرج ذلك منه شنيع... أنه كان داعيةَ مقالةٍ ورئيسَ نحلة. قال قطرب: أنشدني ضِرار بن عمرو قولَ الشاعر في واصل بن عطاء:
ويـجعـل البُـرَّ قـمحاً في تصـرُّفـه وجـانَبَ الـراءَ حتَّى احتـال للشِّـعرِ
ولـم يُـطِقْ مطَـراً والقولُ يُعـجِلُـه فعاذَ بالغـيث إشفـاقـاً من المَـطَـرِ
قال وسألت عُثمان البُرِّي: كيف كان واصلٌ يصنع في العدد ... والشهور؟ فقال: ما لي فيه قولٌ إلا ما قال صفوان:
مُـلَـقَّنٌ ملـهَمٌ فيما يُحـاوله جَـمٌّ خـواطـرُه جـوَّابُ آفـاقِ
وأنشدني ديسمٌ قال: أنشدني أبو محمد اليزيديّ:
وخَـلَّةُ اللفظ في اليـاءات إن ذُكِـرَت كخَـلَّةِ اللـفظ في اللامـاتِ والألـفِ
وخَـصْـلَة الـرَّاء فيها غيرُ خـافيــةٍ فـاعرِفْ مواقـعَها في القول والصُّـحُفِ"
ولقد حدا الأمر ببعضهم إلى أن طلق أزواجه. ومنهم أبو رمادة طلق امرأتَه حين وجدَها لثغاء، وخاف أن تجيئه بولد ألثغ. فقال([131]):
لَـثغـاء تـأتـي بِحِـيَفْس ألثـغِ تَميسُ في المَـوْشِـيِّ والمـصبَّـغِ
الحِيَفْس: الولد القصير الصغير".
ويرى الجندي([132]) أن الُّلثغة: "... قد يرثها الطفل عن آبائه، ويرثها من جيله ثم يرثها منه جيل آخر، حتى تصبح اللُّثغة سُنَّةً فيهم، بل تكون صواباً في جيل المستقبل بينما هي نفسها في الجيل الأول كانت آفة نطقية محط ازدراء الناس واحتقارهم والدليل على ذلك تحير علماء اللغة بين اللغة واللُّثغة... وابن سيده لا يدري أن المرمريس- وهو الداهية لغة مستقلة عن المرمريت أم لُثغة... وقد يمكن أن تتسم شخصية عظيمة باللُّثغة فتقتدي بها الطبقات الأخرى المحيطة بها وتقلدها أولاً في تلك اللُّثغة؛ وبعد مرور زمن يصبح هذا الانحراف أو تلك اللُّثغة مقبولة، وهذا يشبه (المودة) التي تسري من أعلى المجتمع إلى أدناه".
وأكَّد هذا القول ابن خلدون([133]) بقوله: "إن المغلوبَ مُولَعٌ أبداً بالاقتداء بالغالب في شعاره، وزيِّه، ونحلته، وسائر أحواله وعوائده. والعامة على دين الملِكِ. ولذلك ترى المغلوبَ يتشبَّهُ أبداً بالغالبِ في مَلبَسِه ومركَبِهِ وسلاحه في اتِّخاذها وأشكالها، بل وفي سائر أحواله...".
ثانياً: أســباب اجتـماعـية
1_ الصَّمْتُ والوَحْدَة (العُزْلَة):
يذكر الجاحظ([134]) أن الصمت عيب من عيوب الكلام. حيث يروي عن أبي عبيدة أنه قال: إذا أدخلَ الرَّجلُ بعضَ كلامه في بعض فهو أَلفُّ، وقيل بلسانه لَفَفٌ. ويفسر الجاحظ السبب في هذا اللفف أن الإنسان إذا جلس وَحْدَهُ ولم يكن له من يكلِّمه، وطال عليه ذلك، أصابه لفَف في لسانه. وأنشد الراجز:
كـأنَّ فيـه لَفَـفَاً إذا نَـطَقْ من طُـولِ تـحبـيسٍ وهَـمٍّ وأَرَقْ
وكان يزيد بن جابر، قاضي الأزارقة بعد المُـقَعْـطِل، يقال له الصَّموت؛ لأنه لما طال صمتُه ثَقُلَ عليه الكلام، فكان لسانُه يلتوي، ولا يكادُ يُبين، من طول التفكر ولزوم الصَّمت.
ثالثاً: أســباب عضــويـة:
1_ ســقوط الأســنان:
يذكر الجاحظ([135]) هنا أن سقوط بعض الأسنان يؤدي إلى الخطأ، وأن سلامةَ اللفظ من سلامة الأسنان، قال الشاعر:
قَـلَّـت قـوادحُـها وتـمَّ عديـدُها فـلـه بـذاك مَـزِيَّــةٌ لا تنـكـرُ
ويروى "صحَّت مخارجُها وتمَّ حروفها". المزيَّة: الفضيلة. القادح: أُكال يقع في الأسنان. والإنسان إذا تمت أسنانُه في فمه، تمَّت له الحروف، وإذا نقصت نقصت الحروف.
قالوا: ولم يتكلم معاويةُ على منبر جماعةٍ منذ سقطَتْ ثناياه في الطِّست. وقال أبو الحسن المدائني: لما شَدَّ عبدُ الملك أسنانَه بالذهب قال: " لولا المنابر والنِّساء، ما باليتُ متى سقطَتْ".
ج: علاج العيوب النطقية:
هناك بعض التوجيهات العلمية والتدريبات العملية؛ التي يذكرها الجاحظ وابن خلدون في هذا المضمار، للتغلب على المشاكل النطقية؛ ومن هذه الإرشادات مايلي:
أولاً: المحاولة الجادة، والتدريب المستمر، والتمرين، والممارسة، لإخراج الحروف على الصحة قدر المستطاع.
يقول الجاحظ([136]): رامَ أبو حذيفةَ إسقاط الراء من كلامه، وإخراجَها من حروف منطِقِه؛ فلم يزل يكابد ذلك ويغالبُه، ويناضله ويساجله، ويتأتَّى لسَتره والراحةِ من هُجْنَتِه، حتَّى انتظم له ما حاول، واتَّسق له ما أمَّل... وكانت لُثْغة محمد بن شبيب المتكلم، بالغين، فإذا حمل على نفسه وقوَّم لسانه أخرج الراء. فالمحاولة هنا هي خير دليل على تقويم النطق السليم.
ويقول الجاحظ([137]) في موضع آخر أيضاً، وذلك عندما عالج مشكلة اللثغة: "فأما التي على الغين فهي أيسرهنَّ، ويقال إن صاحبها لو جَهدَ نفسَه جَهْدَه، وأحدَّ لسانه، وتكلف مخرج الراء على حقها والإفصاح بها، لم يك بعيداً من أن تجيبه الطبيعة، ويؤثِّر فيها ذلك التعهد أثراً حسناً... وكان إذا شاء أن يقول عَمْرو، ولعمري، وما أشبه ذلك على الصحة قاله، ولكنه كان يستثقل التكلُّفَ والتهيُّؤَ لذلك، فقلت له: إذا لم يكن المانعُ إلا هذا العذرَ فلستُ أشكُّ أنك لو احتملت هذا التكلُّف والتَّتبُعَ شهراً واحداً أنَّ لسانك كان يستقيم... فإذا حمَلَ على نفسه وقوَّم لسانَه أخرج الراء على الصحة فتأتَّى له ذلك، وكان يَدَعُ ذلك استثقالاً. أنا سمعت ذلك منه".
ويقول أيضاً([138]): "رأسُ الخَطابة الطبعْ، وعَمُودُها الدُّربة، وجناحاها رواية الكلام، وحَلْيُها الإعراب، وبهاؤُها تَخيُّر الألفاظ، والمحبَّة مقرونةٌ بقلَّة الاستكراه".
ثانياً: سقوط جميع الأسنان
يقول الجاحظ([139]): "إن سقوط جميع الأسنان أصْلَحُ في الإبانة عن الحروف، منه إذا سقط أكثرها، وخالف أحدُ شطريها الشَّطر الآخر".
وعلاوة على ذلك، يقول([140]): "لو عرف الزنجي فرط حاجته إلى ثناياه في إقامة الحروف، وتكميل آلة البيان، لما نزع ثناياه" و "أن سلامة اللفظ لسلامة الأسنان، فقال الأحنف بن قيس:
أنا ابنُ الزَّافِريَّة أرضَعَتْني بثديٍ لا أجَدَّ ولا وخيمِ
أتَمَّتْني فلم تنقص عظامي ولا صَوتي إذا جَدَّ الخُصومُ
قال: إنما عنى بقوله عظامي أسنانَه التي في فمه، وهي التي إذا تَمَّت تمت الحروفُ، وإذا نقصت نقصت الحروف".
وإن الجمع بين الطعام الحار والشراب البارد يؤذي الأسنان ويؤدي إلى سقوطها. يقول الجاحظ([141]) معقباً على ذلك: "وكان سفيان بن الأبرد الكلبي كثيراً ما يجمع بين الحارّ والقارّ، فتساقطت أسنانه جُمَعُ، وكان في ذلك كلِّه خطيباً بيِّناً".
وقال أهل التجربة([142]): "إذا كان في اللحم الذي فيه مغارزُ الأسنان تشميرٌ وقِصَر سَمْك، ذهبت الحروفُ وفسدَ البيان. وإذا وجد اللسانُ من جميع جهاته شيئاً يقرعهُ ويصكُّه، ولم يمرَّ في هواءٍ واسعِ المجال، وكان لسانهُ يملأ جَوْبَة فمِه، لم يضرَّه سقوطُ أسنانه إلا بالمقدار المغتفَر، والجزء المحتَمل".
"وقالوا: الدليل على أن من سقط جميعُ أسنانه أنَّ عِظَم اللسان نافعٌ له، وقد ضرب الذين زعموا أن ذهاب جميع الأسنان أصلحُ في الإبانة عن الحروف من ذهاب الشطر أو الثلثين، في ذلك مثلاً".
إن علاج العيوب النطقية كما يرشدنا الجاحظ إليها: هو أنه من أراد أن يكون فصيحاً بليغاً بعيداً عن الخطأ والانحراف في الكلام؛ عليه أن يتحلَّى بالخطابة وعمودُها الدُّربة وجناحاها رواية الكلام. ويؤكد هنا على أهمية الدربة في الكلام والمران عليه؛ وأن يخرج الحروف على الصحة وألا يستسلم للهوينا، ويخلد إلى الخطأ. "فالعرب كانوا يُروُّون صبيانهم الأرجاز، ويعلمونهم المناقلات ويأمرونهم برفع اللسان، وتحقيق الإعراب لأن ذلك يفتق اللهاة ويفتح الجرم". ثم يقول: " واللسان إذا كثر تقليبه رق ولان، وإذا أقللت تقليبه، وأطلت إسكاته، جسا وغلظ"([143]).
وهذا ما يؤكده ابن خلدون أيضاً([144]) من أن المران والتدريب والحفظ والتكرار للكلام، هو خير طريق للتغلب على الصعوبات اللفظية؛ حيث يقول: "وأيسر طرق هذه الملكة فتق اللسان بالمحاورة والمناظرة في المسائل العلمية؛ فهو الذي يقرب شأنها ويحصل مرامها... ويقول في موضع آخر أيضاً: وهذه الملكة كما تقدم إنما تحصل بممارسة كلام العرب وتكرره على السمع والتفطن لخواص تركيبه ...".
فالجاحظ وابن خلدون: يؤكدان على أن التكرار والتمرين والتدريب والحفظ لكلام العرب؛ يُعْرِب اللسان ويزيده فصاحة، ويُبعِده عن الصمت واللحن وفساد اللسان.
وهذا ما تؤكده الدراسات اللغوية التطبيقية الحديثة؛ من أن المحاكاة والتمرين والتدريب على النطق السليم والصحيح، لهو الأسلوب الأنفع في اكتساب اللغة بطلاقة([145]).
الخاتمة
اتضح لنا من خلال هذا العرض؛ أن اللغويين العرب القدامى، بحثوا موضوعات علم اللغة النفسي بشكل دقيق وأصيل. ومن هذه الموضوعات مثلاً: الفكر واللغة، واللغة توقيف أم اصطلاح، واكتساب اللغة، ولغة الحيوانات، ولغة الإشارات والرموز، وأمراض الكلام، وأسبابها، وعلاجها. ولقد كانت آراء العلماء العرب مؤثرة جداً في آراء علماء اللغة المحدثين، الذين تحدثوا عن هذا الموضوع المهم. ولقد أجرى الغربيون التجارب والبحوث؛ وأكدوا ما قاله العلماء العرب؛ من دون أن ينسبوا هذه المعلومات إليهم. فعلى سبيل المثال؛ نظريات اكتساب اللغة ما هي إلا تكرار لما قاله علماء العربية القدامى، وإن هذا العلم لم يكن جديداً عليهم، أو أنه وليد القرن العشرين، كما يرى بعض العلماء العرب المعاصرين وغيرهم من الأجانب. وإن علماء اللغة في الغرب ساروا على منوال العرب في هذا الميدان؛ وإن لم يشيروا صراحة إلى تلك الجهود اللغوية العربية القديمة، أو يذكرونهم بشيء من هذا، وهذا هو ديدنهم عادة. ولذلك يحق لنا أن نقول: إن اللغويين العرب القدامى لم يسبقوا اللغويين الغربيين إلى دراسة هذه الموضوعات اللغوية النفسية فحسب، بل وكان تأثيرهم واضحاً في آرائهم وأفكارهم عن اللغة. وبذلك فقد حازوا قصب السبق في هذا المجال؛ وكانوا رواد هذا العلم بلا منازع.
ويمكننا الآن - من جهة ثانية - أن نعري آراء وأفكار تشومسكي من الأصالة والابتكار؛ وأن نعيدها وننسبها إلى مؤصليها ومبتكريها من اللغويين العرب القدامى. وإن ما جاء به تشومسكي من أفكار جديدة في علم اللغة؛ يرجع الفضل فيها إلى العلماء العرب القدماء، الذين أصَّلوا تلك الأفكار ونشروها في مؤلفاتهم الخالدة والشاهدة على ذلك. وإنه تأثر بأفكارهم بطريقة غير مباشرة؛ وذلك من خلال الترجمة([146]). أضف إلى ذلك؛ أن تشومسكي يهودي الأصل، واللغة العبرية لغته الأولى، وهو ضليع بها. ولقد كتب رسالته للماجستير عن الصيغ الصرفية في العبرية 1951م([147]). وإن أباه عالم باللغات السامية كذلك. وكُتِبَت قواعد اللغة العبرية من نحو وصرف وبلاغة وعروض وغيرها على هيئة النحو العربي. فقد حذا علماء اللغة اليهود حذو علماء اللغة العرب في علومهم اللغوية، ولم يخرجوا عنها البتة ([148]). ولقد كانت اللغة العربية لغة رسمية في جامعة باريس في القرن الرابع عشر الميلادي، وترجمت الكتب اللغوية العربية القديمة إلى اللغة العبرية واللغات الأوربية الأخرى ([149]). ولقد تأثر تشومسكي كما يعترف بنفسه بالمدرسة الفرنسية في القرن السابع عشر الميلادي، التي كانت تدعى بالباب العالي (Royal Port)([150]). ومن أعلام هذه المدرسة الفيلسوف ديكارت الذي تأثر تشومسكي بأفكاره المنطقية كثيراً. وديكارت تتلمذ على أفكار الفيلسوف العربي المسلم ابن رشد في الأندلس (انظر أعلاه: الفكر واللغة: فقرة: ثانياً وثالثاً). وعلاوة على ذلك، لقد تأثر تشومسكي بـِ: فون همبولت. وفون همبولت هذا تأثر بالمستعرب سلفستر دي ساسي الذي كان ضليعاً بالعربية([151]).
ولقد تأثر تشومسكي بمفهوم الفكر واللغة عند ابن خلدون، وذلك من خلال نظرته الخاصة إلى اللغة، لأن الإنسان يتميز عن الحيوان بالفكر والذكاء وهذا ما عبر عنه تشومسكي من الإنسان يختلف عن الحيوان بقدرته على التفكير والذكاء، وبقدرته على اللغة، التي هي أهم الجوانب الحيوية في نشاط الإنسان.
وقال بعض علماء العربية القدامى بأن اللغة توقيف وإلهام من الله سبحانه وتعالى "وعلم آدم الأسماء كلها"، وقال بعضهم: بأنها اصطلاحية. أما علماء اللغة في العصر الحديث قالوا بأنها اصطلاحية أو تواضعية، بمعنى أن الناس هم الذين يتفقون فيما بينهم على تسمية الأشياء ووضع المصطلحات اللغوية لها.
أما ظاهرة اكتساب اللغة (الأم والأجنبية): لقد تحدث اللغويون العرب القدامى عنها، عند الأطفال والكبار، ويُطلَقُ على هذه الظاهرة - في اللغة المرحلية أو الوسطى Interlanguage"" - اسم "التَحَجُّر Fossilization": وهو أن الكبير لا يستطيع أن يكتسب اللغة الثانية بشكل صحيح مهما حاول ذلك.
وبَيَّنَ لنا الجاحظ تأثير اللغة الأم في اكتساب وتعلم اللغة الأجنبية أو الثانية في المراحل المتأخرة من العمر عند المتعلمين الأجانب. وهذا ما يؤكده براون بقوله: " إن الدارسين بعد سن البلوغ لا يصلون إلى نطق طبيعي للغة الأجنبية في الأغلب الأعم".
وإن نظريات اكتساب اللغة عند الإنسان تؤكد ما قاله العلماء العرب القدامي؛ وهي كمايلي:
النظرية السلوكية في علم اللغة النفسي الحديث تؤكد ما قاله ابن فارس في هذا المجال: من أن الطفل يكتسب اللغة بالسماع والتلقين والتدريب والمران، ويعتمد على التقليد اعتماداً كلياً.
والنظرية المعرفية الفطرية في علم اللغة النفسي الحديث التي يتزعمها تشومسكي ترى رأي ابن خلدون وتأخذ به: وهو أن اللغة فطرة خاصة بالإنسان دون غيره من المخلوقات، وأن اكتسابها فطرة وقدرة عقلية مغروسة فيه منذ ولادته.
والنظرية الوظيفية في علم اللغة النفسي الحديث تُولي المعنى والوظائف الاتصالية للغة أهمية كبيرة في اكتساب اللغة، وهذا ما عرضه الجرجاني في نظرية النظم؛ والتي تدل على تأثير الجرجاني - بل وتفوقه - على تشومسكي في عرضه لنظرية النظم، والتي تعني معرفة معاني النحو وأحكامه، بينما يعدها تشومسكي معرفة قواعد اللغة (النحو) فقط ويطلق عليها اسم الكفاية. ومما يؤكد لنا رأي الجرجاني وشموليته ما قاله ريتشارد وروجرز حينما انتقدا تشومسكي في تعريف الكفاية: إن الكفاية تعني المعرفة بقواعد اللغة والقدرة على استعمالها بطريقة صحيحة لغوياً ومقبولة اجتماعياً.
ولقد أصَّل الجرجاني فكرة البنية العميقة والبنية السطحية في نظرية النظم؛ وأنه كان يهتم بالمعنى اهتماماً بالغاً وليس باللفظ الذي هو تبع للمعنى. ولقد عاب على الجاحظ هذه النظرة السطحية للغة؛ عندما أغفل ظاهرة المعنى وانتصر للفظ انتصاراً عظيماً. وهذا ما فعله تشومسكي في حديثه عن البنية السطحية والبنية العميقة.
فنظرية النظم عند الجرجاني تبحث في المعنى بشكل أساسي وتوليه أهمية كبرى في الجملة، وأن اللفظ تبع ومفسر له، وهذا ما عناه تشومسكي بالبنية العميقة التي هي الأساس في الجملة، وأن البنية السطحية هي المترجمة لها على صيغة الألفاظ الظاهرة.
ولقد تحدث اللغويون العرب القدامى عن تعليم الحيوانات. ولقد درّبوها وروّضوها؛ وعلموها الكلام واللغة أيضاً. كالحمام، والعصفورُ، والزَّنابيرَ، والجوارح: كالذئب، والأسد، والحُمُرَ الإنسية، والحيوانات العجم: من الماشي، والطائر، مفردات من الكلام والأفعال يستغرب ندورها. ولقد استفاد الغربيون من هذه التجارب وطبقوها في مجتمعاتهم مستفيدين من تجارب العرب السابقة.
ولقد تحدث العلماء العرب القدامى عن لغة الإشارة للمعاقين والأصحاء. وقسموها إلى قسمين: إشارة عضوية: كعقد اللسان ومنعه من الكلام مؤقتاً، وإشارة أدبية: باليد، وبالرأس، وبالعين وبالحاجب وبالمنكب، وبالثوب وبالسّيف. ومن العلماء الغربيين والعرب المعاصرين الذين تناولوا هذه الظاهرة فيجوتسكي والحمداني اللذين تحدثا عن لغة الصم البكم والإشارات.
ولقد تناول اللغويون العرب القدامى أمراض الكلام: كالعِيِّ والحَصَر، والُّلثغة وغيرها؛ وأسباب هذه الأمراض: من لغوية نفسية، واجتماعية، وعضوية؛ وطرق علاجها: بالتدريب والتمرين والمحاكاة وغيرها من طرق نافعة، واقتفى أثرهم علماء اللغة في العصر الحديث. وبالله التوفيق.
--------------------------------------
المصادر والمراجع:
- القرآن الكريم.
- أسس تعلم اللغة وتعليمها، براون، دوجلاس، ترجمة عبده الراجحي وعلي شعبان. بيروت: دار النهضة العربية، 1994م.
- أضواء على الدراسات اللغوية المعاصرة، خرما، نايف، الكويت: عالم المعرفة، 1398هـ.
- الأمن الإيراني يصطاد طائراً يتجسس على "نطنز النووي"، ستار كريمي، صحيفة عكاظ السعودية، (الثلاثاء 22/10/1429هـ)- 21/ أكتوبر/2008 العدد : 2683، الموقع الإلكتروني:http://www.okaz.com.sa/okaz/osf/20081021/Con20081021235108.htm
- البيان والتبيين، الجاحظ، أبو عثمان عمرو بن بحر(255هـ)، تحقيق عبدالسلام محمد هارون، الطبعة السابعة، مكتبة الخانجي بالقاهرة، 1998م.
- تأثير الخليل بن أحمد الفراهيدي والجرجاني في نظرية تشومسكي. جاسم، جاسم علي. مجلة التراث العربي بدمشق، العدد 116، السنة التاسعة والعشرون، 2009م. ص 69-82.
- التحجر في لغة متعلمي اللغة العربية الناطقين بغيرها، العصيلي، عبدالعزيز بن إبراهيم، مجلة جامعة أم القرى لعلوم الشريعة واللغة العربية وآدابها، ج1، م33، ربيع الآخر، 1426هـ.
- تفسير الطبري جامع البيان عن تأويل آي القرآن، الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير(310هـ)، هذبه وقربه وخدمه: صلاح عبد الفتاح الخالدي، خرج أحاديثه: إبراهيم محمد العلي، الطبعة الأولى، دمشق: دار القلم، بيروت: دار الشامية، 1997م.
- التفسير المنير في القعيدة والشريعة والمنهج، الزحيلي، وهبه، الطبعة الأولى، بيروت: دار الفكر المعاصر، دمشق: دار الفكر، 1991م.
- التفكير واللغة، تأليف: ل.س. فيجوتسكي، تقديم: لوريا ليونييف. برونر، تعقيب: جان بياجيه، ترجمة: دكتور طلعت منصور، الطبعة الأولى، مكتبة الأنجلو المصرية، 1976م.
- الحيوانات تكذب: سبحان الله. الكحيل، عبد الدائم، موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، البريد الإلكتروني: www.kaheel7.com.الموقع الإلكتروني:
http://55a.net/firas/arabic/index.php?page=show_det&id=1820&select_page=5
- الحيوان، الجاحظ، أبو عثمان عمرو بن بحر (255هـ)، وضع حواشيه: محمد باسل عيون السود، الطبعة الثانية، بيروت: دار الكتب العلمية، 2003م.
- الخصائص، ابن جني، أبو الفتح عثمان(392هـ)، تحقيق: محمد علي النجار، بيروت: دار الكتاب العربي، 1952م.
- دراسة في علم اللغة الاجتماعي، جاسم، زيدان على، مراجعة وتدقيق زيد علي جاسم و جاسم علي جاسم، الطبعة الأولى، كوالا لمبور: بوستاك أنتارا، 1993م.
- دروس اللغة العبرية، كمال، ربحي، بيروت: عالم الكتب، 1982م.
- دلائل الإعجاز، الجرجاني، عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد(474هـ)، قرأه وعلق عليه: أبو فهر محمود محمد شاكر، لا طبعة، القاهرة: مكتبة الخانجي للطباعة والنشر والتوزيع، لا تاريخ.
- روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، الألوسي، محمود شكري البغدادي(1270هـ)، لا طبعة، بيروت: دار إحياء التراث العربي، لا تاريخ.
- سر الفصاحة، الخفاجي، أبو محمد عبدالله بن محمد بن سعيد بن سنان الحلبي(466هـ)، الطبعة الأولى، بيروت: دار الكتب العلمية، 1982م.
- الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائلها وسنن العرب في كلامها، ابن فارس، أبوالحسين أحمد ابن فارس بن زكريا(395هـ)، علق عليه ووضع حواشيه: أحمد حسن بسج، الطبعة الأولى، بيروت: دار الكتب العلمية، 1997م.
- علم اللغة: مقدمة للقارئ العربي, السعران، محمود، القاهرة: دار المعارف، 1962م.
- علم اللغة الاجتماعي: نشأته وموضوعه، جاسم، زيدان علي، مجلة الدراسات العربية والإسلامية, بروني دار السلام، المجلد 3، العدد 3، نوفمبر 1992.
- علم اللغة النفسي، العصيلي، عبدالعزيز بن إبراهيم، الطبعة الأولى، الرياض: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، عمادة البحث العلمي، 1427هـ 2006م.
- علم اللغة النفسي، منصور، عبد المجيد سيد أحمد، الطبعة الأولى، الرياض: عمادة شؤون المكتبات: جامعة الملك سعود، 1982م.
- علم نفس اللغة من منظور معرفي، الحمداني، موفق، الطبعة الثانية، عمان: دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة، 2007م.
- علم النفس اللغوي، السيد، محمود أحمد، الطبعة الثانية، منشورات جامعة دمشق، 1995-1996م.
- علم النفس اللغوي، عطية، نوال محمد، الطبعة الأولى, مكتبة الأنجلو المصرية، 1975م.
- عون المعبود على شرح سنن أبي داود، الصديقي، محمد أشرف بن أمير بن علي بن حيدر، طبعة مراجعة ومدققة: لمحمد ناصر الدين الألباني، اعتنى به: أبو عبدالله النعماني الأثري، الطبعة الأولى، دار ابن حزم، المجلد الثاني، 2005م.
- عيوب الكلام دراسة لما يعاب في الكلام عند اللغويين العرب، المنصور، وسمية، جامعة الكويت: حوليات كلية الآداب، الرسالة الثامنة والثلاثون، الحولية السابعة، 1406هـ 1986م.
- عيون الأخبار، ابن قتيبة، أبو محمد مسلم بن قتيبة الدينوري(276هـ)، الطبعة الأولى، بيروت: دار الكتب العلمية، 1986م.
- فقه اللغة وسر العربية، الثعالبي، أبو منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل(429هـ)، تحقيق فائز محمد، مراجعة إميل بديع يعقوب، الطبعة الأولى، دار الكتاب العربي: بيروت، 1993م.
- في طرق تعليم اللغة العربية للأجانب، جاسم، جاسم علي، الطبعة الثانية، كوالا لمبور: إيه. إيس. نوردين. 2001م.
- قضايا أساسية في علم اللسانيات الحديث مدخل، الوعر، مازن، الطبعة الأولى، دمشق: دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر، 1988م.
- قواعد اللغة العبرية، عليان، سيد سليمان، لا طبعة، الرياض: النشر العلمي والمطابع، جامعة الملك سعود، 2000م.
- الكامل في اللغة والأدب، المبرد، أبو العباس محمد بن يزيد(285هـ)، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم والسيد شحاتة، لا طبعة، القاهرة: مطبعة نهضة مصر، لا تاريخ.
- الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، الزمخشري، جار الله أبي القاسم محمود بن عمر(538هـ)، تحقيق وتعليق ودراسة:عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض، الطبعة الأولى، الرياض: مكتبة العبيكان، 1998م.
- اللغة العبرية قواعد ونصوص، راشد، سيد فرج، لا طبعة، الرياض: دار المريخ للنشر، 1993م.
- اللهجات العربية في التراث، الجندي، أحمد علم الدين، لا طبعة، الدار العربية للكتاب: ليبيا-تونس، 1978م.
- محاضرات في علم النفس اللغوي، بن عيسى، حنفي، الطبعة الثانية، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع: الجزائر، 1980م.
- المخصص، ابن سيده، أبو الحسن علي بن إسماعيل(458هـ)، لا طبعة، بيروت: دار الكتب العلمية، لا تاريخ.
- مذاهب وطرائق في تعليم اللغات، رتشاردز، جاك وروجرز، ثيودر، ترجمة محمود صيني وعبد الرحمن العبدان وعمر الصديق عبدالله. الرياض: دار عالم الكتب، 1410هـ.
- مروج الذهب ومعادن الجوهر، المسعودي، أبو الحسن علي بن الحسين بن علي(346هـ)، شرحه وقدم له: مفيد محمد قميحة، الطبعة الثانية، بيروت: دار الكتب العلمية، 2004م.
- المزهر في علوم اللغة وأنواعها، السيوطي، عبد الرحمن جلال الدين(911هـ)، شرحه وضبطه وصححه: محمد أحمد جاد المولى وغيره، لا طبعة، بيروت: دار الجيل و دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، لا تاريخ.
- المستطرف في كل فن مستظرف، الأبشيهي، شهاب الدين بن محمد(850هـ)، حققه وقابله على عدة نسخ وقدّم له: عبدالله أنيس الطباع، بيروت: دار القلم، 1981م.
- المعجم الوسيط، إبراهيم مصطفى وآخرون، الطبعة الثانية، استانبول: المكتبة الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع، 1972م.
- مقدمة ابن خلدون، ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد(808هـ)، تحقيق: علي عبد الواحد وافي، الطبعة الثالثة، القاهرة، دار نهضة مصر للطبع والنشر، لا تاريخ.
- الموسوعة القرآنية الميسرة، الزحيلي، وهبة، وآخرون، الطبعة الثالثة، دمشق: دار الفكر، بيروت: دار الفكر المعاصر، 2004.
- النحو العربي والدرس الحديث: بحث في المنهج، الراجحي، عبده علي، لا طبعة، بيروت: دار النهضة العربية، 1979م.
- نظريات التعلم: دراسة مقارنة، غازدا، جورج وكورسيني، ريموند، ترجمة علي حسين حجاج وعطية محمود هنا، الكويت: عالم المعرفة، 1404هـ.
- النظريات اللغوية والنفسية وتعليم اللغة العربية، العصيلي، عبدالعزيز بن إبراهيم، الرياض: مطابع التقنية للأوفست، 1420هـ 1999م.
- نظرية التقدير عند النحاة العرب والمسلمين وأثرها في نحاة الغرب المعاصرين تشومسكي مجدد النحو العربي. جاسم، جاسم علي، وجاسم، زيدان علي. مجلة العلوم العربية والإنسانية، جامعة القصيم، المجلد الثالث، العدد الأول. 2010م. الصفحات .1-18.
- نظرية علم اللغة التقابلي في التراث العربي، جاسم، جاسم على، و جاسم، زيدان علي، مجلة التراث العربي، العددان 83-84، السنة الحادية والعشرون، أيلول 2001م.
- نظرية النحو العربي في ضوء مناهج النظر النحوي الحديث: الموسى، نهاد، لا طبعة، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1980م.
- نهاية الأرب في فنون الأدب، النويري، شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب(733هـ)، تحقيق: مفيد قميحة و حسن نور الدين، الطبعة الأولى، بيروت: دار الكتب العلمية، 2004م.
- Abu Deeb, Kamal, Al-Jurjani's Theory of Poetic Imagery and its Background, Ph.D, Thesis, Oxford University, England, 1971.
- Chomsky, N, Morphophonemics of Modern Hebrew, Mimeographed Unpublished Master’s Thesis, University of Penna., Philadeliphia, U,S,A., 1951.
- = = = =, Syntactic Structures, The Hague: Mouton, 1957.
- = = = =, Aspects of the Theory of Syntax, Cambridge, Mass,: M, I, T, Press, 1965.
- = = = =, Cartesian Linguistics: a Chapter in the History of Rationalist Thought, New York: Harper and Row, 1966.
- = = = =, "Review of B. F. Skinner's Verbal Behavior", Language, 35, 1959.
- = = = =, Language and Problem of Knowledge: The Mangua Lectures. Cambridge, Mass: The MIT Press, 1988.
- Foss, D. J. and Hakes, D. Psycholinguistics: An Introduction to the Psychology of Language. New Jersey: Prentice-Hall Inc., 1978.
- Gleason, J. and Ratner, N. "An Introduction to Psycholinguistics: What do language Users Know". In J. Gleason and N. Ratner (Eds.), Psycholinguistics. 1993.
- Greene, J., Psycholinguistics Chomsky and Psychology, Britain: Richard Clay Ltd., 1973.
- Jassem, Jassem Ali. Study on Second Language Learners of Arabic: An Error Analysis Approach. Kuala Lumpur: A.S.Noordeen, 2000.
- Langer, S., Philosophy in a New Key. New York: The New American Library, 1954.
- Richards, J.; Platt, J.; and Platt, H. Longman Dictionary of Language & Teaching and Applied Linguistics, 2nd edition, Essex, UK: Longman. 1992.
- Skinner, B. F. Verbal Behavior, New York: Appleton Century Crofts, 1957.
- Steinberg, D. An Introduction to Psycholinguistics, New York: Longman, 1993.
- Robins, R, H, A Short History of Linguistics, London: Longman, 1984.
2009م. تأثير الخليل بن أحمد ا
-----------------------------------
الحواشي:
[1]-Chomsky, N. Syntactic Structures. The Hague: Mouton, 1957.
[2]-Chomsky, N. "Review of B. F. Skinner's Verbal Behavior", Language, 35, 1959.
3- للمزيد، قارن مع: - خاتمة البحث؛ و:
- جاسم، جاسم علي. تأثير الخليل بن أحمد الفراهيدي والجرجاني في نظرية تشومسكي. مجلة التراث العربي بدمشق، العدد 116، السنة التاسعة والعشرون، 2009م. ص 69-82.
- جاسم، جاسم علي، وجاسم، زيدان علي. نظرية التقدير عند النحاة العرب والمسلمين وأثرها في نحاة الغرب المعاصرين تشومسكي مجدد النحو العربي. مجلة العلوم العربية والإنسانية، جامعة القصيم، المجلد الثالث، العدد الأول. 2010م. الصفحات .1-18.
-Abu Deeb, Kamal, Al-Jurjani's Theory of Poetic Imagery and its Background, Ph.D, Thesis, Oxford University, England, 1971.
[4]- انظر؛ علم اللغة النفسي، العصيلي، عبدالعزيز بن ابراهيم، الطبعة الأولى، الرياض: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، عمادة البحث العلمي، 1427هـ 2006م.
- علم النفس اللغوي، السيد، محمود أحمد، الطبعة الثانية، منشورات جامعة دمشق، 1995-1996م.
- علم النفس اللغوي، عطية، نوال محمد، الطبعة الأولى, مكتبة الأنجلو المصرية، 1975م.
[5]- علم اللغة النفسي، المرجع السابق، ص 25.
[6] - علم اللغة النفسي، المرجع السابق، ص 25.
[7] - علم النفس اللغوي، السيد، ص 12.
[8]- Richards, J.; Platt, J.; and Platt, H. Longman Dictionary of Language & Teaching and Applied Linguistics, 2nd edition, Essex, UK: Longman. 1992. P.300.
الترجمة العربية نقلاً عن: علم اللغة النفسي، المرجع السابق، ص 26.
[9]- علم اللغة النفسي، المرجع السابق، ص 27.
[10]- المرجع السابق، ص 34.
[11] - المرجع السابق، ص 35-37.
[12] - مقدمة ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد، تحقيق: علي عبد الواحد وافي، الطبعة الثالثة، القاهرة، دار نهضة مصر للطبع والنشر، لا تاريخ. ج3، ص1008-1010. وللمزيد عن علاقة اللغة بالفكر، انظر؛
- أسس تعلم اللغة وتعليمها، براون، دوجلاس، ترجمة عبده الراجحي وعلي شعبان. بيروت: دار النهضة العربية، 1994م. ص 48-49؛ 165-168.
[13] - سورة تبارك: 23.
[14]- النظريات اللغوية والنفسية وتعليم اللغة العربية، العصيلي، عبدالعزيز بن ابراهيم، الرياض: مطابع التقنية للأوفست، 1420هـ 1999م. ص 73. وانظر أدناه؛ النظرية المعرفية الفطرية.
[15] - علم النفس اللغوي، السيد، ص 59 وما بعدها. وللمزيد انظر؛
- النظريات اللغوية والنفسية وتعليم اللغة العربية، العصيلي، ص 73.
- نظرية التقدير عند النحاة العرب والمسلمين وأثرها في نحاة الغرب المعاصرين تشومسكي مجدد النحو العربي: جاسم، جاسم علي و جاسم، زيدان علي- المرجع السابق.
[16]- نظرية النحو العربي في ضوء مناهج النظر النحوي الحديث: الموسى، نهاد، لا طبعة، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1980م.ص 54-55. وانظر أيضاً؛
- تأثير الخليل بن أحمد الفراهيدي والجرجاني في نظرية تشومسكي. جاسم، جاسم علي. مجلة التراث العربي بدمشق، العدد 116، السنة التاسعة والعشرون، 2009م. ص 69-82.
[17]- الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، تحقيق وتعليق ودراسة:عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض، الطبعة الأولى، الرياض: مكتبة العبيكان، 1998م. ج2، ص 197 وما بعدها.
[18]- سورة المائدة: 4.
[19]- الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائلها وسنن العرب في كلامها، علق عليه ووضع حواشيه: أحمد حسن بسج، الطبعة الأولى، بيروت: دار الكتب العلمية، 1997م. ص13.
[20]- سورة البقرة:31.
[21]- الخصائص، تحقيق: محمد علي النجار، الجزء الأول، بيروت: دار الكتاب العربي، 1952م. ج1، ص47.
[22]- سر الفصاحة، الطبعة الأولى، بيروت: دار الكتب العلمية، 1982م. ص48-49.
[23]- سورة البقرة:31.
[24]- المزهر في علوم اللغة وأنواعها، شرحه وضبطه وصححه: محمد أحمد جاد المولى وغيره، لا طبعة، بيروت: دار الجيل و دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، لا تاريخ. ج1، ص8-20.
[25]- علم النفس اللغوي، السيد، ص 8.
[26]- البيان والتبيين، الجاحظ، أبو عثمان عمرو بن بحر، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، الطبعة السابعة، مكتبة الخانجي بالقاهرة، 1998م. ج1، ص 62.
[27]- المصدر السابق، ج1، ص70.
[28]- المصدر السابق، ج1، ص70. وللمزيد عن ظاهرة التحجر انظر؛
- Jassem, Jassem Ali. Study on Second Language Learners of Arabic: An Error Analysis Approach. Kuala Lumpur: A.S.Noordeen, 2000. P.85. و
- التحجر في لغة متعلمي اللغة العربية الناطقين بغيرها، العصيلي، عبدالعزيز بن ابراهيم، مجلة جامعة أم القرى لعلوم الشريعة واللغة العربية وآدابها، ج1، م33، ربيع الآخر، 1426هـ.
[29]- علم نفس اللغة من منظور معرفي، الحمداني، موفق، الطبعة الثانية، عمان: دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة، 2007م. ص 200.
[30]- أسس تعلم اللغة وتعليمها، براون، ترجمة عبده الراجحي وعلي شعبان. المرجع السابق، ص66.
[31]- الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائلها وسنن العرب في كلامها، ص34.
[32]- مقدمة ابن خلدون، المصدر السابق، ج3، ص1278 وما بعدها.
[33]- علم اللغة النفسي، ص248.
[34]- Skinner, B. F. Verbal Behavior, New York: Appleton Century Crofts, 1957.
[35]- نظريات التعلم: دراسة مقارنة، غازدا، جورج وكورسيني، ريموند، ترجمة علي حسين حجاج وعطية محمود هنا، الكويت: عالم المعرفة، 1404هـ.
[36]- مقدمة ابن خلدون، ج3، ص1017-1018.
[37]- سورة تبارك: 23.
[38]- سورة العلق:5.
[39]- علم اللغة النفسي، العصيلي، ص251 وما بعدها. وانظر أيضاً؛
- النظريات اللغوية والنفسية وتعليم اللغة العربية، العصيلي، ص81.
[40]- علم نفس اللغة من منظور معرفي، الحمداني، المرجع السابق، ص 185-186.
[41]- علم النفس اللغوي، عطية، ص 26.
[42]- سورة النحل: 78.
[43]- الموسوعة القرآنية الميسرة، الزحيلي، وهبة، وآخرون، الطبعة الثالثة، دمشق: دار الفكر؛ بيروت: دار الفكر المعاصر، 2004. ص276.
[44]- مقدمة ابن خلدون، ج3، ص1019-1024.
[45]- مقدمة ابن خلدون، ج3، ص1289 وما بعدها.
[46]- علم اللغة النفسي، العصيلي، ص255.
[47]- دلائل الإعجاز، الجرجاني، عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد، قرأه وعلق عليه: أبو فهر محمود محمد شاكر، لا طبعة، القاهرة: مكتبة الخانجي للطباعة والنشر والتوزيع، لا تاريخ. ص 43-46.
[48]- المصدر السابق، ص 415.
[49]- لمزيد من التفاصيل حول تأثر تشومسكي بالنحو العربي انظر؛
- نظرية التقدير عند النحاة العرب والمسلمين وأثرها في نحاة الغرب المعاصرين تشومسكي مجدد النحو العربي: المرجع السابق.
- تأثير الخليل بن أحمد الفراهيدي والجرجاني في نظرية تشومسكي. المرجع السابق.
[50]- مذاهب وطرائق في تعليم اللغات، رتشاردز، جاك وروجرز، ثيودر، ترجمة محمود صيني وعبد الرحمن العبدان وعمر الصديق عبدالله. الرياض: دار عالم الكتب، 1410هـ. ص 124-137. (نقلاً عن: علم اللغة النفسي، المرجع السابق، ص 258 وما بعدها).
[51]- دلائل الإعجاز، ص 259؛ و 267-268؛ و 466.
[52]- مقدمة ابن خلدون، ج3، ص1278 وما بعدها.
[53]- دلائل الإعجاز، ص 51؛ 410، وللمزيد انظر؛ ص415 وما بعدها.
[54]- علم اللغة النفسي، المرجع السابق، ص255-259.
[55]- مذاهب وطرائق في تعليم اللغات، المرجع السابق (نقلاً عن: علم اللغة النفسي، المرجع السابق، ص258 وما بعدها).
[56]- دلائل الإعجاز، ص451.
[57]- النظريات اللغوية والنفسية وتعليم اللغة العربية، العصيلي، ص75.
[58]- دلائل الإعجاز، ص255-275.
[59]- دلائل الإعجاز، ص454 وما بعدها.
[60]- النظريات اللغوية والنفسية وتعليم اللغة العربية، العصيلي، ص75 وما بعدها.
[61]- دلائل الإعجاز، ص263 وما بعدها.
[62]- دلائل الإعجاز، ص262؛ و ص429 وما بعدها؛ و: ص451، 454-455. وللمزيد انظر أيضاً؛
- Abu Deeb, Kamal, Al-Jurjani's Theory of Poetic Imagery and its Background, Ibid.
[63]- النظريات اللغوية والنفسية وتعليم اللغة العربية، العصيلي، ص74-75.
[64]- علم نفس اللغة من منظور معرفي، الحمداني.
- علم النفس اللغوي، السيد .
[65]- النظريات اللغوية والنفسية وتعليم اللغة العربية، العصيلي، ص20.
[66]- التفكير واللغة، تأليف: ل.س. فيجوتسكي، تقديم: لوريا ليونييف. برونر، تعقيب: جان بياجيه، ترجمة: دكتور طلعت منصور، الطبعة الأولى، مكتبة الأنجلو المصرية، 1976م. ص129.
[67]- سورة المائدة:4.
[68]- سورة النمل:16-31.
[69]- الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، المصدر السابق، ج2، ص197 وما بعدها.
[70]- التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج، الزحيلي، وهبه، الطبعة الأولى، بيروت: دار الفكر المعاصر، دمشق: دار الفكر، 1991م. ج6، ص93.
[71]- عون المعبود على شرح سنن أبي داود، الصديقي، محمد أشرف بن أمير بن علي بن حيدر، طبعة مراجعة ومدققة: لمحمد ناصر الدين الألباني، اعتنى به: أبو عبدالله النعماني الأثري، الطبعة الأولى، دار ابن حزم، 2005م. المجلد2، ص1288.
[72]- تفسير الطبري جامع البيان عن تأويل آي القرآن، الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير، هذبه وقربه وخدمه: صلاح عبد الفتاح الخالدي، خرج أحاديثه: ابراهيم محمد العلي، الطبعة الأولى، دمشق: دار القلم، بيروت: دار الشامية، 1997م. ج3، ص 137.
[73]- التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج، المرجع السابق، ج 19، ص273-279.
[74]- سورة طه: 49-50.
[75]- التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج، المرجع السابق، ج16، ص 223.
[76]- سورة الأعلى: 3.
[77]- سورة طه:49-50. و - ("الدار الآخرة" أشرطة مسجلة، للدكتور عمر عبد الكافي، تسجيلات حُنين الإسلامية، مكة المكرمة).
[78]- سورة الأنعام:38.
[79]- سورة النمل:27-31.
[80]- تفسير الطبري جامع البيان عن تأويل آي القرآن، المصدر السابق، ج18، ص44 وما بعدها.
[81]- المستطرف في كل فن مستظرف، الأبشيهي، شهاب الدين بن محمد، حققه وقابله على عدة نسخ وقدّم له: عبدالله أنيس الطباع، بيروت: دار القلم، 1981م. ص349-350.
[82]- الأمن الإيراني يصطاد طائراً يتجسس على "نطنز النووي"، ستار كريمي، صحيفة عكاظ السعودية، (الثلاثاء 22 /10/ 1429هـ) - 21/ أكتوبر/2008 العدد : 2683، الموقع الإلكتروني:
http://www.okaz.com.sa/okaz/osf/20081021/Con20081021235108.htm
[83]- سورة النمل:27.
[84]- الحيوانات تكذب: سبحان الله. الكحيل، عبد الدائم، موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، البريد الإلكتروني: www.kaheel7.com والموقع الإلكتروني:
http://55a.net/firas/arabic/index.php?page=show_det&id=1820&select_page=5
[85]- سورة سبأ: 10.
[86]- سورة الأنعام: 38.
[87] - سورة النحل: 68-69.
[88] - الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، ج2، ص417 وما بعدها.
[89] - التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج، المرجع السابق.
[90] - الحيوان، الجاحظ، أبو عثمان عمرو بن بحر، وضع حواشيه: محمد باسل عيون السود، الطبعة الثانية، بيروت: دار الكتب العلمية، 2003م. المجلد 3، ج5، ص222 وما بعدها.
[91] - علم اللغة النفسي، منصور، عبد المجيد سيد أحمد، الطبعة الأولى، الرياض: عمادة شؤون المكتبات: جامعة الملك سعود، 1982م. ص 24.
[92]- سورة الإسراء:44.
[93]- سورة سبأ:10.
[94]- روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، الألوسي، محمود شكري البغدادي، لا طبعة، بيروت: دار إحياء التراث العربي، لا تاريخ. ص 287-288.
[95]- الحيوان، المجلد 3، ج5، ص112-113.
[96]- الحيوان، المجلد 3، ج5، ص331.
[97]- مقدمة ابن خلدون، ج3، ص1023.
[98]- البيان والتبيين، ج1، ص 62-64؛ والحيوان، المجلد4، ج7، ص62 ومابعدها. وللمزيد انظر:
- في طرق تعليم اللغة العربية للأجانب، جاسم، جاسم علي، الطبعة الثانية، كوالا لمبور: إيه. إيس. نوردين. 2001م. ص 162 وما بعدها.
- مروج الذهب ومعادن الجوهر، المسعودي، أبو الحسن علي بن الحسين بن علي، شرحه وقدم له: مفيد محمد قميحة، الطبعة الثانية، بيروت: دار الكتب العلمية، 2004م. ج1، ص195 ومابعدها، و290 ومابعدها، 313 وما بعدها).
[99] - قضايا أساسية في علم اللسانيات الحديث مدخل، الوعر، مازن، الطبعة الأولى، دمشق: دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر، 1988م.
[100]- علم النفس اللغوي، عطية، ص28.
[101]- سورة الأنفال: 22-23.
[102]- سورة النمل:80.
[103]- سورة يونس: 42.
[104]- وللمزيد انظر؛ علم اللغة النفسي، المرجع السابق، ص371-397.
[105]- سورة آل عمران: 41.
[106]- تفسير الطبري جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ص259.
[107]- روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، ج3، ص 150-151.
[108]- سورة مريم: 26-29.
[109]- الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل.
[110]- سورة غافر:19.
[111]- البيان والتبيين، ج1، ص 76-79.
[112]- عيون الأخبار، ابن قتيبة، أبو محمد مسلم بن قتيبة الدينوري، الطبعة الأولى، بيروت: دار الكتب العلمية، 1986م. ج2، ص 196-197.
[113]- التفكير واللغة، ص191.
- علم نفس اللغة من منظور معرفي، الحمداني، ص 221 وما بعدها.
[114]- علم النفس اللغوي، عطية، ص29 وما بعدها. و:
- Langer, S., Philosophy in a New Key. New York: The New American Library, 1954.
[115]- البيان والتبيين، ج1، ص 3 وما بعدها.
[116]- البيان والتبيين، ج1، ص 12-13.
[117]- البيان والتبيين، ج1، ص144-146."العييُّ: العجز عن التعبير اللفظي بما يفيد المعنى المقصود. مادة عَيّ. الحَصِر: ضيق الصدر، وعَيّ في منطقه ولم يقدر على الكلام. مادة: حصر. المُفحَمُ: العاجز عن الحُجَّة، مادة: فحم. الخََطِل: الأحمق، مادة: خطل. المُسهِبُ: أسهب فلان: صار يهذي من لدغ حية أو نحوها، مادة: سهب. المتشدِّقُ: خطيب أشدق جهير مفوَّه، مادة: شدق. المتفيهقُ: المتنطع في الكلام والمتوسع، مادة فهق. المهمارُ: المهذار، يقال: هو مهمار في كلامه، مادة: همر. الثرثارُ: الذي يكثر الكلام في تكلف وخروج عن الحد، مادة ثرثر. المِكثارُ: المهذار الكثير الكلام، مادة: كثر. الهمَّارُ: المهذار من يكثر في كلامه من الخطأ والباطل، مادة: همر وهذر. الهُجْرَ: الهذيان والقبيح من القول، مادة: هجر. الهَذَرَ: تكلم الرجل بما لاينبغي، مادة: هذر. الهَذَيانَ: اضطراب عقلي مؤقت يتميز باختلاط أحوال الوعي، مادة: هذاه. التخليط: اختلط عقله: فسد، مادة: خلط. تِلْقَّاعَة: العُيَبَة: الكثير العيب للناس، مادة عاب. يتلَهْيَع: تلهيع في كلامه: أفرط، مادة: لهع. التقعير: الذي يخرج الكلام من أسفل حلقه، مادة: قعر. التقعيب: قَعَّب كلامه: تكلم بأقصى حلقه وفتح فاه، مادة: قعب. التمطيط: تمطط في الكلام: مَدَّه ولَوَّنَ فيه، مادة: مطّ. الجَهْوَرة: جَهْورَ فلان: رفع الصوت بالقول، مادة: جهر. التفخيم: فخَّم المنطق: عظَّمه ورفع قدرَهُ، مادة فخَّم": المعجم الوسيط.
[118]- نهاية الأرب في فنون الأدب، النويري، شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب، تحقيق: مفيد قميحة و حسن نور الدين، الطبعة الأولى، بيروت: دار الكتب العلمية، 2004م. المجلد2، ج3، ص349-352.
[119]- المخصص، ابن سيده، أبو الحسن علي بن اسماعيل، لا طبعة، بيروت: دار الكتب العلمية، لا تاريخ. المجلد الأول، السفر الثاني، باب الفصاحة، من الصفحة 112-148.
[120]- المصدر السابق، ص118-124.
[121]- الكامل في اللغة والأدب، المبرد، أبو العباس محمد بن يزيد، تحقيق: محمد أبو الفضل ابراهيم والسيد شحاتة، لا طبعة، القاهرة: مطبعة نهضة مصر، لا تاريخ. ج1، ص30؛ ج2، ص221.
[122]- فقه اللغة وسر العربية، الثعالبي، أبو منصور عبد الملك بن محمد بن اسماعيل، تحقيق فائز محمد، مراجعة إميل بديع يعقوب، الطبعة الأولى، بيروت: دار الكتاب العربي، 1993م. ص 110-111.
[123]- عيوب الكلام دراسة لما يعاب في الكلام عند اللغويين العرب، المنصور، وسمية، جامعة الكويت: حوليات كلية الآداب، الرسالة الثامنة والثلاثون، الحولية السابعة، 1406هـ 1986م. وانظر كذلك:
- علم النفس اللغوي، السيد، ص122-124.
- علم نفس اللغة من منظور معرفي، الحمداني،ص158.
- محاضرات في علم النفس اللغوي، بن عيسى، حنفي، الطبعة الثانية، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع: الجزائر، 1980م. ص298-307.
- علم اللغة النفسي، منصور، عبد المجيد سيد أحمد، ص281 وما بعدها.
[124]- البيان والتبيين، ج1، ص3-12.
[125]- سورة طه: 27.
[126]- سورة الزخرف:52.
[127]- سورة القصص: 34.
[128]- سورة الشعراء: 13.
[129]- سورة الزخرف: 18.
[130]- البيان والتبيين، ج1، ص14؛ 21-22.
[131]- البيان والتبيين، ج1، ص57.
[132]- اللهجات العربية في التراث، الجندي، أحمد علم الدين، لا طبعة، الدار العربية للكتاب: ليبيا-تونس، 1978م. القسم الأول، ص356.
[133]- مقدمة ابن خلدون، ج2، ص510-511.
[134]- البيان والتبيين، ج1، ص38.
[135]- البيان والتبيين، ج1، ص58-61.
[136]- البيان والتبيين، ج1، ص15.
[137]- البيان والتبيين، ج1، ص36-37.
[138]- البيان والتبيين، ج1، ص44.
[139]- البيان والتبيين، ج1، ص61.
[140]- المصدر السابق، ج1، ص58-59.
[141]- المصدر السابق، ج1، ص61.
[142]- المصدر السابق، ج1، ص61-64.
[143]- المصدر السابق، ج1، ص62؛ 272.
[144]- مقدمة ابن خلدون، ج3، ص1021؛1289؛ وانظر كذلك الصفحات:1258 و 1291.
[145]- في طرق تعليم اللغة العربية للأجانب، المرجع السابق. انظر؛ الفصل الخامس.
[146]- نظرية التقدير عند النحاة العرب والمسلمين وأثرها في نحاة الغرب المعاصرين تشومسكي مجدد النحو العربي: المرجع السابق.
- تأثير الخليل بن أحمد الفراهيدي والجرجاني في نظرية تشومسكي، المرجع السابق .
[147] -Chomsky, N, Morphophonemics of Modern Hebrew, Mimeographed Unpublished Master’s Thesis, University of Penna., Philadeliphia, U,S,A., 1951.
[148]- دروس اللغة العبرية، كمال، ربحي. بيروت: عالم الكتب، 1982م. ص 46-50.
- قواعد اللغة العبرية، عليان، سيد سليمان. لا طبعة، الرياض: النشر العلمي والمطابع- جامعة الملك سعود، 2000م. انظر باب الجملة مثلاً.
- اللغة العبرية قواعد ونصوص. راشد، سيد فرج. لا طبعة، الرياض: دار المريخ للنشر ، 1993م. انظر المقدمة، والباب السابع.
[149]- Robins, R, H, A Short History of Linguistics, London: Longman, 1984. Pp.75-99.
- نظرية النحو العربي في ضوء مناهج النظر النحوي الحديث: الموسى،ص 54-55.
[150]- Chomsky, N. Cartesian Linguistics: a Chapter in the History of Rationalist Thought, New York: Harper and Row, 1966.
[151]- نظرية النحو العربي في ضوء مناهج النظر النحوي الحديث: الموسى، ص 54-55.
--------------------------------------
علم اللغة النفسي في التراث العربي
الأستاذ الدكتور جاسم علي جاسم
Email: jjassem@hotmail.com
معهد تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، السعودية
بحث منشور في مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، العدد: 154، السنة 44. الصفحات503- 568.
المحتويات
تمهيد، المقدمة، تعريف علم اللغة النفسي، موضوع علم اللغة النفسي، أهداف علم اللغة النفسي ومجالاته: الفكر واللغة، اللغة توقيف أم اصطلاح، اكتساب اللغة: البنية العميقة والبنية السطحية؛ لغة الحيوانات؛ لغة الإشارات: إشارة المعاقين، وإشارة الأصحاء: الإشارة العضوية، والإشارة الأدبية؛ أمراض الكلام: الأمراض اللغوية، أسباب العيوب الكلامية: الأسباب اللغوية النفسية: العِيّ والحَصَر، والُّلثغة؛ أسباب اجتماعية: الصمت والوحدة/العزلة؛ أسباب عضوية: سقوط الأسنان؛ علاج العيوب النطقية: المحاولة الجادة والتدريب والتمرين والممارسة لإخراج الحروف على الصحة قدر المستطاع، وسقوط جميع الأسنان؛ والخاتمة.