يتابع المركز العربي للأبحاث والدِّراسات في الدّوحة التّحضير لإطلاق مشروع المعجم التّاريخي للّغة العربيّة. وسيَعقد في غضون شهر آذار / مارس المقبل (10 /03 /2013) الاجتماع الثّالث لندوة الخبراء؛ لاستكمال التّخطيط للمشروع ولمراحل تنفيذه ولهيكلته الإدارية، وعرض بعض النّماذج التّطبيقيّة لمداخله.
وقد سبق للمركز أن عقد ندوة الخبراء الأولى يومي 10 و 11 تشرين الثاني / نوفمبر 2012، وشارك فيها نخبةٌ مميّزةٌ من اللّغويين والحاسوبيّين العرب، علاوةً على ممثِّلي المنظّمات الإقليميّة والمؤسّسات الأكاديميّة والبحثيّة المعنيّة بالموضوع. وتدارسوا فيها قضايا المعجم التّاريخي للّغة العربيّة المتعلِّقة بخطّة إنجازه، والمدوّنة اللّغوية الخاصّة به، وسبل الاستفادة من التّقنيات الحديثة والبرامج الحاسوبيّة في إنجازه. واستعرضت المؤسّسات المشاركة إمكاناتها التي من شأنها أن تدعم هذا المشروع علميًّا وتقنيًّا.
وخصّص المركز الاجتماع الثّاني لندوة الخبراء المنعقدة يومي 6 و7 كانون الثاني / يناير 2013 لتحديد مادّة المعجم، والمعلومات المضمَّنة في مداخله المعجميّة، وعناصر الجذاذة الإلكترونيّة، وأوجه تنسيق العمل بين اللّغويّين والحاسوبيّين. وقد انبنى التّخطيط لمشروع المعجم التّاريخي للّغة العربيّة على اطِّلاعٍ واسعٍ على التّجارب الأجنبيّة والعربيّة، النّاجحة منها والمتعثِّرة، وعلى خلاصات الدِّراسات والأبحاث، وعلى أهمّ الأفكار والمقترَحات المقدّمة في المؤتمرات التي تطرّقت للموضوع.
مفهوم المعجم التّاريخي للّغة العربيّة وأهميّته:
المعاجم أنواعٌ متعدِّدةٌ؛ فمنها المعاجم اللّغويّة العامّة، وتتفرّع إلى معاجم آنيّة ترصد ألفاظ اللّغة المستعمَلَة في مرحلةٍ معيَّنةٍ من مراحل اللّغة، ومعاجم تاريخيّة ترصد ألفاظ اللّغة في مراحل استعمالها المختلفة.
والمعجم التاريخي للّغة العربيّة، هو المعجم الذي يتضمّن "ذاكرة" كلّ لفظٍ من ألفاظ اللّغة العربيّة، تسجِّلُ - بحسب المتاح من المعلومات - تاريخَ ظهوره بدلالته الأولى، وتاريخَ تحوّلاته الدّلاليّة والصّرفيّة، ومكانَ ظهوره، ومستعمليه في تطوّراته إن أمكن، مع توثيق تلك "الذّاكرة" بالنّصوص التي تشهد على صحّة المعلومات الواردة فيها.
وعلى الرّغم من التّراث المعجمي الضّخم الذي خلّفه علماء اللّغة العرب القدامى، ومن جهود المحدثين في هذا المجال، فإنّ اللّغة العربيّة لا تزال تعاني اليوم من قصورٍ معجميٍّ واضح المعالم مقارنةً باللّغات العالميّة الحيّة. ومن أهمّ ملامح هذا القصور، غياب معجمٍ تاريخيٍّ للّغة العربيّة، سيمكِّن إنجازه من سدّ ثغرة هذا الغياب، ومواكبة تطوّر اللّغة العربيّة، علاوةً على استيعاب هذه الألفاظ في مدوّنةٍ لغويّةٍ واحدةٍ. وسيسهم هذا الإنجاز في الارتقاء باللّغة العربيّة إلى مصافّ اللّغات العالميّة الحيّة، التي تملك معاجمَ تاريخيّةً متجدِّدةً؛ كالإنجليزيّة، والفرنسيّة، والألمانيّة، والإسبانيّة، والرّوسية...
الجدوى من إنجاز المعجم التّاريخي للّغة العربيّة:
تتعدّد أوجه الجدوى من إنجاز المعجم التّاريخي للّغة العربيّة، ومنها:
أ- تمكين الأمّة من فهم لغتها في تطوّراتها الدّلاليّة على مدى أكثر من ثمانية عشر قرنًا على الأقلّ. وبذلك يتيسّر تحصيل الفهم الصّحيح لتراثها الفكريّ والعلميّ والحضاريّ؛ بإدراك دلالة كلّ لفظٍ بحسب سياقه التّاريخي. ويتحقّق وصل حاضرها بماضيها في المستويات اللّغوية والفكريّة والعلميّة.
ب- توفير عددٍ من المعاجم الفرعيّة التي تفتقر إليها المكتبة العربيّة؛ كمعجمٍ شاملٍ لألفاظ الحضارة (الصِّناعات والحرف والعمارة...)، ومعاجم مصطلحات العلوم (المعجم التّاريخي للمصطلحات الطبيّة، والفيزيائيّة، والفلكيّة، والرياضيّة، والجغرافيّة، والفلسفيّة، والشرعيّة، والنحويّة، والبلاغيّة...)، ومعجمٍ شاملٍ للّغة العربيّة المعاصرة، والمعاجم اللّغوية التعليميّة... وغيرها.
ج- تمكين الباحثين من:
- إعداد دراساتٍ وأبحاثٍ متعلِّقةٍ بتقييم تراثنا الفكريّ والعلميّ، في ضوء ما يتيحه المعجم التّاريخيّ من معطياتٍ جديدةٍ.
- استثمار البرامج الحاسوبيّة الخادمة للمشروع؛ كالمفهرس الآلي، والمحلِّل الصّرفي، والمحلّل الدّلالي، والمحلّل النّحوي، والمُشَكّل الآلي... وغيرها، في تطوير المعالجة الآليّة للّغة العربيّة.
مبادئ مُوَجِّهة للمشروع:
يدرك القائمون على مشروع المعجم التّاريخي للّغة العربيّة بوعيٍ وبصيرةٍ العقبات التي تواجههم في إنجازه. وقد وضعوا جملة مبادئ توجِّه عملهم، ومنها:
- إنّ التأخّر الكبير في إنجاز معجمٍ تاريخيٍّ للّغة العربيّة، يجب ألّا يكون مسوِّغًا لإنجاز معجمٍ دون مستوى المعاجم التّاريخيّة للّغات العالميّة تحت وطأة هذا التأخّر. والعجَلَة مضرّةٌ بالمشروع، خاصّةً عند وضع خطّة إنجازه وما يتعلّق بها من تفاصيلَ.
- إنّ إمعان النّظر في المعاجم التّاريخيّة للّغات العالميّة، يدلّ دلالةً واضحةً على تعدّد الأساليب والاختيارات المنهجيّة في إعدادها. ومعنى ذلك أنّ الانحياز إلى اختيارٍ منهجيٍّ ما، ليس حكمًا على عدم صلاحيّة الاختيارات الأخرى.
- إنّ الانحياز إلى أحد الاختيارات المنهجيّة، يجب أن يكون مدعومًا بجدوى هذا الاختيار، وبمدى تحقيقه أهداف المعجم التّاريخي للّغة العربيّة فقط، دون أيّ اعتباراتٍ أخرى. والمقصود بالجدوى، إنجاز المعجم بالصِّفات المثلى للمعاجم التّاريخيّة، وبأنسب ما يُبذل من مجهودٍ ووقتٍ ومالٍ.
- إنّ اعتماد اختيارٍ منهجيٍّ ما في إنجاز المعجم التّاريخي للّغة العربيّة، لا يصادِر حقّ أيّ جهةٍ كانت في إنجاز معجمٍ تاريخيٍّ آخر للّغة العربيّة وفق اختيارٍ منهجيٍّ آخر، مثلما حدث في بعض اللّغات العالميّة؛ كالفرنسيّة، والألمانيّة، والرّوسية... وغيرها. بل إنّ هذا التعدّد مفيدٌ للّغة العربيّة عامّةً، وللمعجم العربيّ خاصّةً.
- إنّ مشروع المعجم التّاريخي للّغة العربيّة، هو مشروع كلّ الأمّة، وهو منفتحٌ على كلّ طاقاتها البشريّة وإمكاناتها العلميّة.
----------------------
موقع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات:
http://www.dohainstitute.org/content/1d6fc717-ef40-4f4d-bdfe-4849ef3e4421#