تقديم :
إن الدارس لـ " قاموس رد العامي إلى الفصيح " يجد مادة غزيرة وبحرا لا يُرى ساحله كيف لا وهو قد حوى أكثر من ألف وأربع مئة مادة لغوية ( 1459 مادة ) يمكن دراستها من عدة جوانب ، إذ إنه يمكن دراسة كل مادة من الناحية اللفظية والتغييرات التي طرأت عليها ، ومن الناحية الدلالية كذلك وتتبع نشأتها وأين انتشرت من بلدان العرب ، وغير ذلك من الجوانب التي يمكن للدارس أن يخوض غمارها ، وهذا لعمري عمل كبير يحتاج إلى وقت طويل وتفرغ وصفاء ذهن وانقطاع إليه ، وما أقدمه هنا إنما هو عمل متواضع ومقدمة – أرجو أن تكون صالحة – لهذا العمل الكبير .
الشيخ / أحمد رضا إبراهيم بن حسين بن يوسف بن محمد رضا العاملي أبو العلاء بهاء الدين عضو المجمع العلمي العربي بدمشق.
هو أحمد رضا إبراهيم بن حسين بن يوسف بن محمد رضا العاملي أبو العلاء بهاء الدين، أديب لبناني من كبار أدباء العربية في سوريا ولبنان، كاتب وشاعر، ناثر لغوي ضليع، وعضو المجمع العلمي العربي بدمشق، وأحد كبار علماء جبل عامل في النصف الأول من القرن العشرين.
وهو أحد الثلاثة الذين انطلقت منهم النهضة العلمية والاجتماعية الحديثة: الشيخ أحمد عارف الزين صاحب مجلة العرفان اللبنانية والشيخ سليمان الظاهر صاحب كتاب(معجم قرى جبل عامل)، ويعتبر أحمد رضا من أركان رجال الإصلاح في جبل عامل من لبنان الجنوبي.
ولد أحمد رضا في مدينة النبطية(من بلاد جبل عامل) عام 1872م، وتعلّم في كتّاب البلدة أصول الخط، وقرأ القرآن وجوّده وفي الثامنة من عمره رحل إلى قرية أنصار لطلب العلم فيها على يد العلاّمة السيد حسن إبراهيم، فدرس فيها الصرف والنحو،
عاد إلى النبطية ودخل مدرسة النبطية الرسمية، وتعلّم فيها مبادئ الحساب والجغرافيا. أكثر أحمد رضا من المطالعة والأخذ عن الشيوخ، حيث أخذ من علوم المعاني والبيان والنطق والطبيعيات الشيء الكثير على يد أستاذه السيد محمد إبراهيم. العالم الذي تميّز بالخبرة الواسعة والشمول في المعرفة، وتأثّر به أحمد تأثرًا واسعاً في شغفه بالعلوم العصرية والدراسات الفلسفية.
ولفقدان المدارس التي تتيح له فرصة التزيّد من هذه العلوم، فقد بذل أحمد جهداً شديداً في اقتناء الكتب معلقا عليها شارحاً ما غَمُض منها حتى أدّى به ذلك إلى قصر البصر. كان انتشار الجهل يؤلمه، وفقدان المدارس في بلدته يَحُز في نفسه، فما كاد أحمد رضا يبلغ السابعة عشرة من عمره حتى وضع مع فريق من إخوانه حجر الأساس لجمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في النبطية، مستهدفاً بها تأسيس مدرسة أو أكثر، لتسهيل أسباب المعرفة أمام سكان بلدته، وقد استولى الأتراك على ممتلكات هذه الجمعية وألغوا رخصتها خلال الحرب العالمية الأولى، ثم هدمت تلك الممتلكات... ولكنه أعاد الكرّة بعد الحرب يؤازره إخوان له، فاستعاد للجمعية قوّتها حتى أصبحت لها ممتلكات كبيرة.
طُبع أحمد رضا على قول الشعر منذ كان صبياً، فكان شاعراً مجيداً، حساساً، سريع الاستجابة للانفعالات النفسية، وكان يتألم ويحزن من فقدان الوفاء وانتشار الظلم والتعسُّف، وكان يصور الأحاسيس والانفعالات تصويراً دقيقاً مميّزاً، وتميّز بشعره
الوجداني والوطني والاجتماعي، ومن أعظم قصائده قصيدة (نهَجَ العلم صراط مستقيم) .
درّس أحمد رضا في مدرسة الحميدية في النبطية، فكان يُلقي دروساً في النحو والصرف والمنطق والبيان، ويتلّقى بدوره من صاحب المدرسة العلامة السيد حسن يوسف مكّي دروساً في الفقه وأُصوله وعلم الكلام والفقه الاستدلالي سافر إلى الحجاز لاداء فريضة الحج سنة 1893م، مما ساهم في تأسيس محافل أدبية وعلميّة وجمعيات ذات أهداف سياسية من أجل توعية الناس ومحاربة التخلف والاستسلام لإقطاع العشائري والفقر والجهل وتمسُّكهم الأعمى بالتقليد، والتحق بالحركات التحريرية العربية واشترك في معترك السياسة العامة، فكان عضواً مسؤولاً في الجمعيات السرّية التي كانت تسعى إلى تحرير البلاد العربية من الحكم التركي.
" ولما حاول الترك (العثمانيون) القضاء على روح الدعوة إلى الاصلاح في بلاد العرب (سنة 1915) ونصبت المشانق في سورية ولبنان كان الشيخ أحمد رضا من أوائل المعتقلين، ولبث نحو شهرين يحاكم في ديوان الحرب العسكري المعقود في (عاليه) بلبنان. وأجل النظر في أمره هو وبعض زملائه فأفرج عنهم، بعد أن حكم بإعدام أحد عشر (شهيدا) منهم. وأقام في بلده عاكفا على كتبه إلى أن كان الاحتلال الفرنسي عقيب الحرب العامة الاولى، فأوذي. وعهد إليه المجمع العلمي بتصنيف (معجم) يجمع بين مفردات اللغة قديمها ومحدثها، وما وضعه مجمعا دمشق ومصر، وأقر استعماله، من كلمات ومصطلحات، فألف في خلال اثني عشر عاما، كتابا سماه (متن اللغة العربية - ط) في خمسة مجلدات. وله من الكتب أيضا (رد العامي إلى الفصيح - ط)" (1).
من مؤلفاته :
أ – المطبوعة :
1 - معجم متن اللغة .
2 - كتاب رد العامي إلى الفصيح
3 - رسالة الخط(في تاريخ الخط والكتابة
4 - كتاب الدروس الفقهية·
5 - كتاب هداية المتعلّمين إلى ما يجب في الدين
6 - كتاب القراقيات ( بالاشتراك مع صديقيه سليمان الظاهر وأحمد الخطيب )
7 - رسالة الخطيب ( نشرت متسلسلة في مجلة العرفان )
8 – له مقالات كثيرة في الدوريات ( مجلة العرفان ، مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق ، مجلة المقتطف المصرية ، مجلة المقتبس ).
ب - من كتبه المخطوطة :
1 - روضة اللطائف ( جمعه الشيخ أحمد في عهد الدراسة الأولى ).
2- الوافي بالكفاية والعمدة .
3- قاموس الألفاظ العامية.
4- قاموس الوسيط وقاموس الموجز، كان الشيخ أحمد قد ألحق بمعجمه(متن اللغة) قاموسين( الوسيط والموجز)تسهيلاً على الطلاب والمبتدئين في الرجوع إلى مصدر مناسب لهم.
5- التذكرة في الأسماء المنتخبة للمعاني المستحدثة ( وهو كتاب خاص أفرد فيه الشيخ أحمد رضا الكلمات المستحدثة للمعاني الجديدة ).
بيانات الطبع :
دار الرائد العربي – بيروت – لبنان – الطبعة الثانية 1401هـ ، 1981م .
القيمة العلمية للكتاب :
قاموس رد العمي إلى الفصيح كتاب فذ في بابه جديد في أسلوبه ، وهو ثمرة من ثمرات جهود المؤلف في كتبه اللغوية السابقة لهذا القاموس ، ونتيجة من نتائج ما كان يعثر عليه من كلم عربية أصيله تستعملها العامة بنوع من التحريف والتغيير ، وقد بذل المؤلف جهدا مضنيا في تجميع مادته وترتيبها .
قال الشيخ سليمان ظاهر :" وكان ( رد العامي إلى الفصيح ) ثمرة من ثمرات جهودة في كتبه اللغوية الثلاثة ونتيجة من نتائج ما كان يعثر عليه من كلم عربية أصيله تستعملها العامة بنوع من التحريف والتغيير والمؤلف حضار الذاكرة سريع الملاحظة أوتي مع دقة النظر وذكاء الطبع صبر العلماء وأناة الحكماء ومزية التحقيق فكان مما وقف عليه من هذه الخلال المجتمعات فيه مادة لكتابه كما كان ذلك حافزا له إلى أخذ الكلمات العامية عن العوام كما يلفظونها في موارد استعمالها في مرافق حياتهم بمختلف صناعاتها وحرفها فكان يسأل ولا يمل من السؤال وكل ذي حرفة عن أدواتها ولا يستنكيف عن ذلك ويقيدها ثم يعرضها على أمهات الكتب اللغوية كلسان العرب والمخصص وسوها فيخرج بنتيجة صحة عربية جملها ببحث فيه الدقة والعمق مؤدأ بالبرهان معزز بالشواهدولم يكد يغفل شيئا مما يدور على ألسية عماة ديار الشام وبعض ما انتهى إليه علمه مما يدور على ألسنة الأقطار العربية الأخرى وطبع على غرار اللغويين في ول عصر التدوين الذين كانوا يطوفون في أحياء العرب للإفادة منهم ألفاظا جديدة لم يعرفها الحضريون وجمع كا ما بلغه تنقيبه واستقراؤه من ذلك في كتابه مرتبا ترتيبا ماموسيا سهل التناول هذا وإن كثيرا من اللغوين من وضع معاجم للغة العامية ولكنها لم تتناول ما تناوله المؤلف من التحليل والبحث واللغوي الفيلولوجي
على أن خير معرف بالكتاب وبما له من قيمة ما سيكون له من أثر نافع ومطالته والوقوف على مبلغ جهود مؤله وصحة استنتاجه وهو أمام قارئه الكريم ماثل بأجل صورة من الوضع ,الطبع جزى الله المؤلف والمساهم في طبعه عن اللغة العربية خير الجزاء "(2)
وقد درس المؤلف كثيرا من الكلمات التي تقولها العامة وربطها بأصولها الفصيحة وجاءت المواد التي درسها المؤلف على النحو التالي :
باب الألف· = 33 مادة / كلمة
باب الباء·· = 116 مادة
باب التاء·· = 30 مادة
باب الثاء·· = 4 مواد
باب الجيم·· = 65 مادة
باب الحاء·· = 82 مادة
باب الخاء·· = 68 مادة
باب الدال·· = 73 مادة
باب الذال·· = 8 مواد
باب الراء·· = 41 مادة
باب الزاي·· = 62 مادة
باب السين·· = 65 مادة
باب الشين·· = 130 مادة
باب الصاد·· = 40 مادة
باب الضاد·· = 7 مواد
باب الطاء··· = 56 مادة
باب الظاء·· = 3 مواد
باب العين·· = 92 مادة
باب الغين·· = 25 مادة
باب الفاء·· = 79 مادة
باب القاف·· = 96 مادة
باب الكاف·· = 79 مادة
باب اللام·· = 40 مادة
باب الميم·· = ·35 مادة
باب النون··· = 66 مادة
باب الهاء··· = 35 مادة
باب الواو·· = 27 مادة
باب الياء·· = مادتان
وبهذا يكون مجموع الكلمات التي درسها تسع وخمسون وأربع مئة وألف كلمة ( 1459 كلمة ) وهذا – بلا أدنى شك – جهد كبير وعمل مضنٍ قلما يصبر عليه عالم ، أو يخوض غماره دارس ، فيحسب هذا المجهود الكبير للمؤلف ، ويسجل له في تاريخه وتفانيه في خدمة اللغة العربية .
منهج الكتاب :
عندما بدأت النظر في هذا القاموس وجدت أن دراسته كاملا إما أن تكون دراسة طويلة يطول معها البحث فيستنزف مني الوقت والجده وهذا ما لا أملكه في الوقت الراهن ، أو تكون الدراسة مخلة متخلخلة لا أخرج منها بنتيجة محددة صحيحة تعطي التصور الحقيقي عن الكتاب .
لذا آثرت أن تكون الدراسة على جزء من الكتاب ويكون فيها عمق نظر وتمحيص للمواد المدروسة من القاموس ، ولعلها تكون نواة لدراسة قادمة أكبر تشمل جميع مواد الكتاب وبمنهجية أوسع ، فكانت دراستي للأبواب من بداية حرف الهمزة إلى نهاية حرف الخاء ( من بداية الكتاب إلى الصفحة 173 ) وكانت المواد المدروسة قريبا من أربع مئة مادة ( 398 مادة ) تتبعت فيها منهج المؤلف من النوحي التالية :
1 – انتماء اللهجات الواردة في هذا الجزء ونسبتها إلى بلدانها .
2 – دراسة أنواع اللحن اللفظي والتغييرات اللفظية التي أحدثتها العامة على الكلمات الفصيحة .
3 – دراسة أنواع التغيرات الدلالية التي طرأت على الكلمات التي وقع فيها التغيير والتحريف من قبل العامة .
4 - تتبع جذور كلمات كان لها عدة استعمالات عند العامة .
وأسأل الله تعالى أن يطرح فيها البركة وأن ينفعني بها ومن يطلع عليها إنه سميع مجيب .
أولا : اللهجات التي درسها المؤلف :
من خلال تتبع الكلمات التي درسها المؤلف لاحظت أنه ركز كثيرا على اللهجة العامية السورية بشتى أنواعها السهلية منها والجبلية ، والبحرية منها والداخلية - وخصوصا اللهجة الشامية - ولا يكاد يخرج عن إطار هذه اللهجة إلا قليلا وكثيرا ما يردد "وفي بلاد الشام" و " عند الشاميين" و "وفي الشام يقولون" وفي اللهجة الشامية" ونحوها من كلمات ، ويكاد يكون عامة الكتاب هكذا وكان يشير أحيانا إلى بعض مدن سوريا مثل حلب وحمص وغيرها .
كما كان التركيز – أيضا – ينصب كثيرا على لهجة قومة في جبل عامل (3) في جنوب لبنان ، فقد كرر كلمة "جبل عامل" و "عند العامليين" و "في عاميتنا" أو مرادفاتها في قاموسه – الجزء المدروس – ما يقارب ·( 27 ) مرة ، بالإضافة إلى إشارات قليلة لمدينة بيروت ، وهذا يدل دلالة واضحة على تركيزه الكبير على اللهجة الشامية واللهجة اللبنانية دون سواهما .
وقليلا جدا ما كان يشير إلى بعض اللهجات الأخرى مثل اللهجة المصرية ، واللهجة الحجازية ، واللهجية المصرية كانت أكثرهما على قلتها ولا أبالغ إذا أطلقت كلمة الندرة بدل كلمة القلة في تعرضه للهجات الأخرى غير العامية الشامية والعامية اللبنانية .
1 - ومن الأمثلة على إيراده الكلمات السورية وهي كثرة جدا وما أورده هنا إنما هو أمثلة على كلمات سورية لا يكاد يعرفها غير أهلها وتركت التمثيل بكلمات مشهورة ذاع صيتها في البلدان العربية الأخرى :
قال :(( (15) ب د د·· البد
البد في اصطلاح العامة في السواحل الشامية قفة تتخذ في معاصر الزيتون وتنضد في عمود المكبس واحدة فوق أخرى ويكون فيها ما يرض من حب الزيتون ثم تكبس فيسيل منها الزيت الخالص ويتبقى التفل في القفة .
وفي اللغة تسمى القفة . قال الليث القفة الدوارة التي يجعل فيها الدهانون السمسم المطحون ثم يوضع بعضها فوق بعض ثم يضغطونها حتى يسيل الدهن ، كما في العين ، ونقله صاحب التاج . فالبد إذاً دخيلة . )).
فنلاحظ هنا إشارته هنا إلى السواحل الشامية وليست بلاد الشام كلها وفي هذا مزيد تخصيص وتحديد لاستعمال هذه الكلمة .
وقال :(( (13) ت س م····· التاسومة ، التيسومة
وتطلق العامة في بعض نواحي الشام على الخف المعروف بالصرماية اسم التاسومة أو التيسومة . وقد داء في النهاية في مادة " ن ع ل" : النعل "مؤنثة" وهي التي تلبس في امشي تسمى الآن تاسومة ، هذا كلامه . أما الصرماية أو الصرمة فاطلب " ص ر م" من هذا الكتاب . ))
وهذه الكلمة كسابقتها في اختصاصها ببعض نواحي الشام .
وقال :(( (11) ج د ر المجدرة
المجدرة طعام لأهل الشام ويتخذ من العدس والأرز أو من العدس والبر المسلوق المجشوش (البرغل) . قال صاحب التاج وأحسب أنها سميت بذلك لأن حب العدس فيها تشبه جلبته نفاط الجدري إذا يبست . قلت : وهذا من المولد ، وصاحب التاج توفي سنة 1205 للهجرة ولم يذكر هذه الكلمة أحمد ممن سبقه وذلك دليل على حدوثها قريباً من زمنه . )).
ويكاد يكون جل الكتاب من هذا النوع من الكلمات التي يتكلم بها أهل الشام ، وعلى كثرة ما يشير إلى بلاد الشام وينسب الكلمات لهم إلا أنه يقول كثيرا "وعند العامة" و "تقول العامة" و "العوام يقولون" ويورد معها كلمات عامية شامية .
2 -· وأورد هنا من الأمثلة على تحديد الكلمة بمنطقة جبل عامل – ويسمى جبل عاملة – مثالين هما :
(( (13)· ا ز ء··········· الإزء أو البزء في بعض نواحي جبل عامل يقولون للولد القصير الحقير الدميم إزء "بألف مكسورة بعدها زاي ساكنة تليها همزة" .وسمعت بعض عامة صيدا يقولون "بزء" أي بالباء المضمومة مكان الهمزة المكسورة .لكنه في الفصيح هو "الأزب" ))
وقال :(( (75) ح و ز···· الحوز
في الساحل اللبناني ساحل جبل عاملة على مقربة من قرية الصرفيد رأيت أيام الدراسة شجرة لها ثمر كحب الزعرور فكان رفقتي من التلاميذ يأخذون هذا الثمر ويرضونه رضاً شديدا حتى يصير كالعجين ثم يضعونه في ثوب ويفركونه وهو في الثوب في وسط غدير ماء فيسكر السمك في الغدير ويطفو على وجه الماء فيلتقطونه لقطا بلا كلفة ولا مشقة ويسمون هذا الشجر وهذا الثمر باسم الحوز "بالحاء المهملة وزان جوز" .
وهذا هو المسمى في اللغة سم السمك . قال في القاموس وشرحه التاج وسم السمك شجرة الماهيز هزه ، فارسية معناها ذلك وتعرف بالبوصير ... وإذا صير في غدير سكر سمكه فطفا على وجه الماء . ا هـ .
أما اسمه الحوز فأرى أنها محرفة من اسمه الفارسي باختزاله إلى هيز ثم تحويله إلى حوز بين الهاء والحاء (رفع تكليف) تتحول إحداهما إلى الأخرى ، وهو كثير يغني عن الشواهد . ))
وقد تكرر مثل هذه النسبة سبعة وعشرين في الجزء الذي شملته الدراسة .
3 - ومن أمثلة إيراده للهجة طائفة أهل بيروت قوله :·
(( (72) ح و ر الحارة
والحارة تطلع عند العامة على المحلة الوحدة في المدينة وهي طائفة (4) من البيوت مجتمعة . كما أن الحارة تطلع في لبنان وفي بيروت في الأخص على البيت المشاد المجتمع وذلك محمول على المجاز . وقال الزبيدي لأن أهلها يحورون إليها أي يرجعون . والحور في اللغة الرجوع يقال حار عليه حورا إذا رجع . ))
4 - ذكرت سابقا أنه ألمح في بعض الأحيان إلى اللهجة المصرية ، وأورد هنا أمثلة ذلك :
(( (12)· ج د ع··· الجدع ، أو الكدع والعامة في مصر والشام يقولون للفتى النشيط الخفف الظل والحركة جدع " بالدال المهملة قبلها جيم مصرية" جمعه جدعان . وهو في اللغة الجذع " بالذال المعجمة"· . قال الأئمة الجذع الشاب الحدث ، ومنه قول وزقة بن نوفل : يا ليتني فيها جذع ، يريد يا ليتني كنت شابا حين يصدع محمد (ص)(5) بنبوته حتى أبالغ في نصرته . وورقة هذا عم أم المؤمنين جديجة (رض) وهو ممن آمن بالنبي قبل بعثه . وقال دريد بن الصمة وهو ممن قتل في وقعة حنين على شركه :
يا ليتني فيها جذع······· أخب فيها وأضع ))
وقال : (( (57)· ج م ل····· الجملون
الجملون "بفتح الجيم والميم" يطلع عند العامة على السقف المحدب . وهذا على التشبيه بسنام الجمل ... وهي عامية معروفة قديما في مصر كما في شفاء الغليل ويقول قائلهم : في ظهره جملونات لها عقد ))
5 - وقد جمع اللهجة المصرية والحجازية في مثال فقال :(26)· ح ز ز····· الحز ، هالحز ، هالوقت ، هالقيت ، هلق ، هلقتنية ،هاالساعة ، هسع ، هسا ، إسا· ، أساً ، لساً ،· د الوقت ، د الحين ، دحين
إذا سألت إعرابيا (6) من بادية الشام متى قدمت أجابك هالجز ، يريد هذا الوقت أو هذا الحين . وإذا كان شاميا حضريا أجابك بلهجة قطره هالوقت ، هالقيت ، هلق ، هلقتنية ، أي هذا الوقت . هاساعة ، هسع ، هسا ، وإساً (والتنوين هنا على لغة من لا ينتظر) أي هذه الساعة ويقولون لسا ما جاء أي إلى هذه الساعة لم يأت هذا كله في بلاد الشام .
وإذا سألت حجازيا أجابك أعرابي مكة دالحين ، وحضريها ، دحين ، وأعرابي المدينة المنورة هالحين ، وإذا ان مصريا أجابك دي الوقت . وفي كل ذلك يحذفون اسم الإشارة وتبقى ها التنبيه للدلالة عليه أو يحذفونها ويثبتون اسم الإشارة بالدال المهملة مكان الذال المعجمة ، وكل هذا ظاهر المأخذ من الفصيح ))
ثانيا : أنواع اللحن اللفظي والتغييرات اللفظية التي أحدثتها العامة على الكلمات الفصيحة :
اختلفت التغييرات التي طرأت على الكلمات العربية من قبل العامة في استعمالاتهم ما بين التغييرات في الحركات وامتدت إلى الحروف إما بزيادة أو نقص أو تبديل بين الحروف ، وأنا أوردها هنا مفصلة مع ذكر الأمثلة :
1 – كلمات عامية جرى التغيير فيها في الحركات وليس في الحروف إما بالتبديل بين الحركات والسكنات أو بين الحركات أنفسها .
أ - مثال التبديل بين الحركات والسكنات :(( (71) ح و ر···· الحور
الحور معروف عند العامة بأنه جلود من جلود الضأن تدبغ . وهي بيض رقاق وتعمل منها الأسفاط . وهو في اللغة الحور "بالتحريك" لنفس المعنى .
وكذلك الحور للشجر المعروف الذي يغرس حول الماء يطول صعدا في السماء وينتفع بخشبه . إن العامة تسكن الوسط وهو محرك في الفصيح وهذه الشجرة تعرف بالبيضاء . والبياض أصل المعنى في الحور ))
فنلاحظ أن العامة استعملت كلمة "حور" بنفس المعنى اللغوي الفصيح ولكنها سكنت حرف الواو في وسط الكلمة بينما الكلمة الفصيحة بالتحريك .
ب - مثال التبديل بين الحركات أنفسها :(( (4)· ح ت ت····· الحتة
وقالوا للقليل من الشي حتة "بكسر الحاء" ، ولكنها في الفصيح يالفتح ، ويراد بها القشرة من قولهم حته إذا قشره وفركه ، والحتة طائفة قليلة من الحتات "بضم الحاء" وهو ما يسقط بالحت ولا قيمة له . ))
نلاحظ أن "الحِتة" بالكسر عامية وهي في الفصيح "الحَتة" بالفتح ، فجرى التبديل هنا بين الكسرة والفتحة .
2 – كلمات جرى التغيير فيها بزيادة حرف على الكلمة الفصيحة .
مثل :(( (4)· ب ح ب ش······ بحبش
ويقولون بحبش إذا نقب وعاود التنقيب مستقصيا . وأصلها بحش ، زيدت الباء لتكرار العمل كما في صر وصرصر وجر وجرجر . اطلب بحش . ))
فقد زاد العامة هنا حرفا واحدا ، وقد زادوا هذا الحرف في اللفظ لغرض آخر دلالي وهو تكرار العمل .
3 – كلمات جرى التغيير فيها بإنقاص حرف من الكلمة الفصيحة .
مثل :(( (30) ا ن ي···· استن
وقالوا لمن يتعجل الشيء استن بصيغة الأمر وهي محرفة من استأنِ (للأمر أيضا) أي انتظر وتمكث . وقد جاء في متن اللغة استأنى به انتظر به ولم يعجل ، والأمر منه استأنِ . ))
فنلاحظ أن العامة قد حذفوا حرف الهمزة من وسط الكلمة مع تضعيف حرف النون .
4 - كلمات جرى التغيير فيها بإبدال حرف مكان حرف آخر .
مثل :(( (41)· ج ف ص··· جفص
ويقولون فلان جفص وجبص "بالفاء والباء" أي يابس الطبع ثقيل الروح . وهو محرف من جبس قال في اللسان الجبس " بالكسر" الجامد من كل شيء ، والثقيل الروح ، والثقيل الذي لا يجيب إلى خير . ))
فنلاحظ أن العامة استعملوا كلمة " جبص " وهي في الفصيح " جبس " فصار الإبدال بين الصاد والسين .
5 – كلمات جرى التغيير فيها بالقلب المكاني بين الحروف .
مثل :(( (15)· ح م ج·· حلج ، قلج ، ألج ، ألز
والعامة تقول حلج فلان وذلك إذا رفع رجلا وقفز على الأخرى فرحا . وهي مقلوب حجل وبعضهم يقول قلج ، وآخرون ألج ، بمعنى عرج ، وهما من حلج العامية على الإبدال .
وفي اللغة حجل الغلام رفع رجلا وقفز على الأخرى . وحجل البعير عقر فمشى على ثلاث . وأصل المادة الحركة والاضطراب ))
جرى القلب هنا بين حرفي اللاز والجيم ، فالعامة استعملت "حلج" بتوسيط اللام وتأخير الجيم وفي الفصيح المتوسط هو الجيم والمتأخر هو اللام .
قال :(( (8) ب ح ص··· البحص
والبحص عند العامة هو الحصى في الفصيح ، وهو أيضا الحصب . والحصبة الحجارة والحصا واحدها حصبة "وهو نادر" . والحصباء الحصى ، واحدته حصبة ، "كقصبة وقصباء" وهو عند سيبويه اسم للجمع ، وأرض حصبة ومحصبة كيرة الحصباء.
فالبحص إذاً هو الحصب على القلب كما قالوا في الأرض المحصبة مبحصة وهي ذات الحصى . ومثل هذا القلب حتى في الفصيح معروف وكثير ، ومنه الزأبل والبلأز للقصير . والناس أو شاب و أوباش أي أخلاط . والزبرجد والزبردج . وفي العامي اصطفل في افتصل ، والسداجة في السجادة إلى غير ذلك . ))
ونلاحظ أن العامة قد قدموا الحرف الأخير وهو الباء فجعلوه أولا ، وبطبيعة الحال أصبح الأول وهو الحاء ثانيا ، وأصبح الثاني وهو الصاد ثالثا .
6 - كلمات جرى التحريف فيها بأكثر من حرف زيادة أو نقصا .
مثل :(( (6)· ح د ت··· الحدوتة
وقالوا حدوتة للنبذة اليسيرة من الحديث وهي محرفة من الأحدوثة واحدة الأحاديث ، وربما خصوا الحدوتة بما يتضمن منها نكتة أو خرافة أو أعجوبة .
وفي الاج الأحدوثة "بالضم" ما يتحدث به . وقال ابن بري إن الأحدوثة بمعنى الأعجوبة ، يقال صار فلان أحدوثة . وقال اشيخ الطيب الفاسي في شرحه للقاموس وصرحوا بأن لا فرق بينهما ، أي الأحدوثة ، والحديث في الاستعمال والدلالة على الخير والشر ، خلافا لمن خصها بما لا فائدة فيه ولا صحة له كأخبار الغزل ونحوها من أكاذيب العرب ، فقد خص الفراء الأحدوثة بأ،ها للمضحكات ، والخرافات بخلاف الحديث· ا هـ . ))
فـ "الحدوتة" عند العامة حذفوا منها الهمزة واستبدلوا الثاء بالتاء وضعفوا حرف الدال فهذه جملة من التغييرات التي طرأت على الكلمة وليس تغييرا واحد .
وقال :(( (47)· ب ز م··· ما بزم بحرف
وتقول العامة ما بزم بحرف إذا لم ينطق بكلمة . وهي فيما أراه محرفة بالإبدال من زجم . وقد جاء في اللغة زجم زجما : نبس ، وما زجم لي بكلمة وزجم له بشيء . كلها بمعنى نبس إليه وكلمه . ))
يرى المؤلف أن هناك ارتباطا بين كلمة العامة "بزم" والكلمة الفصيحة "زجم" وعند التأمل لم يظهر لي أن المؤلف إنما نظر لحرف الميم في موقعه ولحرف الزاي الذي وقع في العامية ثانيا وفي الفصيحة أولا ، وهذا الشبه – في نظري – ليس بالشبه الكبير الذي يجعل المؤلف يربط بين هاتين الكلمتين وإن كان يلمح إلماحا ، وأرى أن هناك شيء من التكلف في الربط بينهما .
7 – هناك كلمات أجرى العامة فيها ما يسمى بـ " الحذف والإيصال " وذلك بحذف جزء من الكلمة ووصلها بكلمة أخرى ومزجهما حتى تصير الكلمتان كالكلمة الواحدة مثل :
(( (62)· ج ي ب···· جابه يجيبه جيبانا وجيبا
وقالت العامة جابه يجيبه جيبا وجيبانا بمعنى جاء به . وهذا من باب الجذف والإيصال جذفوا همزة جاء ووصلوها بالجار والمجرور ومزجوهما كلمة واحدة جارية على تصريف جاب ، حتى قالوا في فعل الأمر منه جيب وعلى طريقتهم في الإبقاء على حرف العلة في الأمر . كما يقولون قوم بيع في قم وبع من قام وباع . )).
فيتضح لنا جليا أن فعل الأمر عند العامة "جيب" أصله من "جاء به" فالجيم والباء من "جاء" و "الباء" من به وبعد الحذف من الكلمتين – جاء به – تم وصل الحروف المتبقية فجعلت كلمة واحدة .
قوله " على طريقتهم في الإبقاء على حرف العلة في الأمر . كما يقولون قوم وبيع في قم وبع من قام وباع " قلت : هذا في العامية السورية أما عندنا – في السعودية أو نجد على الأقل منها – فإن حذف حرف العلة في الأمر من قام وباع جاريا على الأصل .
ولذلك نقول في الأمر – في الكلمة المدروسة – "جب لي قلم" أي أحضر لي قلما ، فنلاحظ حذف حرف العلة ومنها – في نظري – "جابه لي" أي أحضره لي ، "يجيب لي قلم" أي يحضر لي قلما ، و "ماجاب لي شي" أي لم يحضر شيئا ... وهكذا .
وقال :(( (54) ح ل ل····· حلها تجي
ويقولون حلها تجي ، وحلها واستوى خلها ، أي آن لها أن تجيء ، وهي جملة جمعت في كلمة . أي حان لها فقالوا حنلها " بحذف الألف" من حان ثم أبدلوا النون لاما وأدغموها في لام لها ، فكانت كلمة واحدة .كما فعلوا في جاء به فقالوا جابه ( راجع ج و ب) . وأما إبدال الحرف وإدغامه في آخر هو مثل عمبر في عنبر . وقد قالت العرب أجنك بمعنى من أجل أنك . وفي التنزيل لكنا هو الله ربي (7) ، وأصلها لكن أنا . وجاء في كلام العرب دحا محا أي دعها معها . ))
والحذف والوصل في هذا المثال واضح ، والملاحظ أن الحذف وقع في الكلمة الأولى "حان" أما الجار والمجرور "لها" فلم يصبه الحذف إلا أنه تم وصله بما قبله فأصبح معه كالكلمة الواحدة ، وقد ذكر المؤلف أمثلة لهذا التغيير من الفصيح مثل : " أجنك" بمعنى "من أجل أنك".
ثالثا : أنواع التغيرات الدلالية التي طرأت على الكلمات التي وقع فيها التغيير والتحريف من قبل العامة :
تنوعت التغيرات الدلالية في الكلمات العامية التغيرات القليلة والتغير الكامل ولكن مع بقاء رابط يربط العامية بالأصل والانقطاع الكلي بين معناها في العامية ومعناها في الفصحى ، وسندرس هذا التغيرات وفق ما يلي :
1 - هناك كلمات أوردها المؤلف من العامية ولما ردها إلى أصلها بين أنها استخدمت في نفس المعنى دون تغيير مثل :
( (35) خ ط م····· خطم الطريق
ويقولون خط له الطريق ، وخطمه عليه إذا جزعه ، أي قطعه عرضا ليختصر من طوله . وهي من خطم أنف الرمل إذا استقبله جازعا كما في التاج عرضا ، وهو من المجاز . وفي اللسان في تفسير قول ذي الرمة :
وإن حبا من أنف رمل منخر·· خطمنه خطما وهن عسر قال الأصمعي : يريد خطمنه مررن على أنف ذلك الرمل فقطعنه ))
فقد استعمل العامة كلمة "خطم" في نفس معناها الفصيح ولم يحدث تغيير على لفظ الكلمة أو مدلولها .
وقال :( (80)· ح ي ل······· الحيل ويقولون ما بقي لي حيل أي لم يبق لي قوة .
وهي فصيحة عربية بلفظها وحروفها وصيغتها واستعمالها ومادتها . فلا حاجة إلى عدها من السريانية بعد أن جاء في كتب الأئمة أن الحيل والحول هما القوة ، ومنه الدعاء الذي رواه الترمذي في جامعه "اللهم ذا الحيل الشديد" ويقل لا حيل ولا قوة إلا بالله ، عن الكسائي . ))
وهنا صرح المؤلف بأن أن كلمة العامة فصيحة عربية بلفظها وحروفها وصيغتها واستعمالها كما نرى .
وقال :( (39)·· خ ل ط····· الخلاط وقالوا فلان خلاط وقد خلطها وعنده خلط كثير إذا كان يخلط الصحيح بالفاسد من القول ، ويلبس على السامعين . فهو والكذوب في مورد واحد .ويقال له في الفصيح المخلط والمخلاط .
وقال ابن الأثير في النهاية في حديث معوية إن رجلين تقدما إليها فادعى أحدهما على صاحبه ملا وكان المدعي حولا قلبا مخلطا مزيلا . المخلط "بالكسر" الذي يخلط الأضياء فيلبسها على السامعين والناظرين . )).
وهذه الكلمة أيضا كسابقتها إذ إنها صيغة المبالغة من الخلط والعرب كما العامة تبالغ فهي عربية فصيحة وليست بعامية .
قلت : أرى أن هذا هو الأصل في كلام العامة وهو أن عامة ألفاظهم عربية على ما هي عليه لم يتغير فيها شيء إلا الإعراب، ولذلك لا أرى وجها لإيراد مثل هذه الكلمات وإلا للزم أن يذكر غالب كلام الناس اليوم ويرده لأصوله الفصيحة وهذا يصعب جدا .
2 – كلمات عامية تستعمل كما هي في العربية فهي مطابقة تقريبا إلا في تغيير لا يكاد يذكر مثل :( (14)· ا ز ا············ ازى له في مجلسه وقالوا : ازى له في مجلسه إذا تفسح له . وهو من قول العرب أزا يأزو أزواً إذا قلص وتقبض . أي كأنه جمع نفسه على نفسه ليفسح له مجلسا . )) فكلمة "ازى" العامية بمعنى التفسح في المجلس ، وكلمة "أزا" الفصيحة بمعنى جمع نفسه على نفسه وذلك ليفسح له مجلسا ، وكلمة العامة لا يشتمل معناها عندهم على اجتماع الشخص على نفسه – كما هو في الفصيح – وإنما يكفي أن يفسح في المجلس .
وقال :( (3)·· ث ق ف··· الثقافة ، شاب مثقف
أصل الثقافة في اللغة إصلاح العوج وتقويمه . وفي الأساس ثقف العلم أو الصناعة في أوحى مدة أي أسرعت أخذه . وقال في المجاز· . أدبه وثقفه . ولولا تثقيفك وتوقيفك لما كنت شيئا . وهل تهذبت وتثقفت إلا عى يدك . ا هـ .
ويقف يثقف الشيء ثقفا وثقافة وثقوفة : حذقه . وثقف ثقافة صار حاذقا فهو ثقْف ولقف وثقيف لقيف أي رام راوٍ ، عن أبي زيد ، وضابط لما يحويه عن ابن السكيت ، وفي اللسان ثابت المعرفة فيما يحتاج إليه .
والمعنى الذي شاع وأصبح المتبادر من اللفظ عند إطلاقه في هذا العصر هو المعنى المجازي بمعنى أدبه وهذبه وجعله يثقف أي يحذق ويفهم ويثبت في معرفة ما يحتاج إليه . ))
معنى الثقافة عند العامة اليوم سعة الإطلاع والإلمام بمجمل العلوم والأخذ من كل علم بطرف ، ولا شك أن بين هذا وبين الحذق أو الرواية التي ذكرها المؤلف سبب وصله ، فالحاذف مثقف والراوية مثقف .
وأختلف مع المؤلف في قوله : " وأصبح المتبادر من اللفظ عند الإطلاق في هذا العصر هو المعنى المجازي الذي شاع وأصبح بمعنى أدبه وهذبه وجعله يثقف أي يحذق ويفهم ويثبت في معرفة ما يحتاج إليه " ، فلو أتي بطفل شقي فإنه لا يطلب من والده أن يثقفه ، ولا يقال للأب ثقف ولدك ونحن نريد منه أن يؤدبه وإلا لفهم الأب أن ابنه قليل التحصيل والمطالعة وضحل المعلومات ، وقد ألمح المؤلف لهذا المعنى في آخر عبارته حيث قال : " ويثبت في معرفة ما يحتاج إليه " .
3 -· كلمات استعملتها العامة في غير معناها الفصيح حتى أصبح لها مدلولا خاصة وإن كانت لا تزال تحتفظ الكلمة بمدلولها في الفصيح .
مثل :( (80)· ب ك ر······ بكرة ، على بكرة
وتقول العامة بكرة وتريد اليوم الذي بعد يومك . وتقول جاءني على بكرة وتريد غداة يومك الذي أنت فيه . وأصل ذلك كله من البكرة بمعنى الغدوة . والفرق بين بكرة وعلى بكرة إنما هو اصطلاح جرت عليه العامة منذ القديم . )).
فكما نرى كلمة "بكرة" تعارف الناس على أنها اليوم الذي يلي يومك ويشمل المعنى ساعات اليوم ، فتقول لصديقك : " موعدنا بكرة الساعة الرابعة عصرا" أي غدا عصرا . والبكرة في الفصيح إنما هي بمعنى الغدوة ، إلا أن كلمة "بكرة" لم تفقد معناها الأصلي فلا يزال الناس يقولون :" أتيت مبكرا" و "بكر في مجيئك غدا" ونحوها .
4 - كلمات خصصتها العامة بعد تعميم ، فقد كانت تطلق في الفصيح على مسمى عام لكنها في العامية قد أطلقت على شيء خاص من ذلك العام .
مثل :( (3) ت ب ل····· المتبل
المتبل من الطعام الذي جعل فيه التوابل وهي الأبزار التي يطيب بها الطعام . وقد تبله. وفي اللغة : التابل "بفتح الباء وكسرها" فصيحة الفحا . يقال "فحى القدر وتوبله" إذا وضع فيه التوابل والأبزار ليطيبه بها ، ولا يقال في الفصيح تبله وإنما تقوله العامة . )).
فنلاحظ أن كل طعام وضعت فيه التوابل فهو متبل ولكنها الآن تطلق على نوع خاص من المقبلات وغلب على تسمية الطعام المتبل أسماء أخرى مثل :"المبهر" مع بقاء تسمية المتبل على قلة .
وقال :( (30) ح ز م···· المحزم ، والوزرة
المحزم "بالفتح" في الديار الشامية الوزرة التي يشدها غلمان الحمامات وخدم المطاعم والمقاهي على أوساطهم وقاية لأثوابهم من ضر العمل .
وفي اللغة المحزم "بالكسر" الحزام وهو المحزمة أيضا . وإنما سمي به لإنه يحزم من أعلاه في وسط الخادم أي يشد. وحزم الشيء يحزمه حزما إذا شده ))
فرأينا في اللغة يطلق على ما يشد على وسط الرجل الحزام أو المحزمة وقد استعمله عوام أهل الشام ولكن في مسمى خاص وهي الوزرة التي يشدها غلمان الحمامات وخدم المطاعم على أوساطهم فتخصص معناها عندهم بعد أن كان عاما .
وقال :( (31)· ح س ب··· تحسب
ويقولون تحسب من كذا إذا ظن الشر منه . وهو من حسب التي هي من أخوات ظن فهي تفيد معنى الظن . ولكن العامة خصت هذا الظن بما فيه شر )
فالتحسب يكون من كل شيء ، إلا أنه أصبح عند العامة التحسب من الشر لا غير ، ومنه "حاسب لا تقع" ونحوها .
5 - كلمات جديدة استحدثتها العامة ليست موجودة في اللغة الفصيحة .
مثل :( (19)· ت ك ك··· التكة ، التكتكة
والتكة "بفتح التاء" عند العامة النبضة الواحدة من نبضات الساعة أو من نبضات القلب . وهي مأخوذة من صوت النبضة في الساعة ، واستعيرت للقلب ، ثم للإخبار عن قصر الوقت يقولون في ذلك ما احتاج هذا العمل تكة واحدة أي مقدار التكة من نبضات الساعة . واشتقوا منها فعلا فقالوا : تكت الساعة وتكتكت "الثانية للتكرار" بمعنى أحدثت تكة . )).
فاستخدام كلمة "التكة" لنبضات الساعة أو نبضات القلب ليس من الفصيح بل هي مستحدثة مأخوذة من صوت نبض الساعة .
6 - صاغت العامة أفعالا جديدة من ألفاظ الأسماء ، لم تكن تلك الأفعال مصاغة في الفصيح من قبل.
مثل :( (37) ب ر غ ث····· تبرغث
وصاغت العامة من البرغوث ، وهو حشرة البدن المعروفة ، فعلا قالوا تبرغث فلان إذا نفض ثيابه من البراغيث ، وإذا أحس بالبرغوث فيها ، ثم استعاروه لمن يحس بأول الشر يزل به على انتظار ويخشى وقوعه منه . وهو استعمال مولد . )).
فالفعل "تبرغث" لم يكن مصاغا من قبل ، إلا أن العامة صاغوه من البرغوث .
وقال :( (38) ب ر غ ل···· البرغل ، لون مبرغل
البرغل هو القمح المسلوق وهي كلمة شامية ، كذا قال في التاج ، بمعنى أنها مستعملة في الديار الشامية ، وهي دخيلة معربة من " بلغور ".
وصاغت العامة منها فعلا فقالوا اون مبرغل إذا كان يشبه حب البرغل "الجريش" . ولعل البرغل هو المعروف باسم " الخضيمة" عند العرب ، وقدا جاء في اللسان : الخضيمة حنطة تؤخذ فتنقى وتطيب ثم تجعل في القدر ويصب عليها ماء فتطبخ حتى تنضج ا هـ . وهذا الوصف ينطبق على البرغل الطري المعروف في جبل عامل باسم "القلبة" "بكسر القاف وسكون اللام" وهي البرغل والسميد "بالدال المهملة" .
والظاهر أن العرب عرفوا البرغل الطري في مأكلهم ولم يعرفوا المجفف ويكفي هذا القدر في صحة إطلاق الخضيمة على البرغل . ))
قال المؤلف : "وصاغت العامة منها فعلا فقالوا لون مبرغل إذا كان يشبه حب البرغل" ، ولا أرى فيما قاله فعلا فقد يكون يقصد صاغوا منه فعلا مثل : برغل و يبرغل ، فإذا قالت الأم لابنتها برغلي "السلطة" فإنها تقصد :ضعي فيها البرغل .
رابعا : أورد المؤلف جذور كلمات تعددت استخداماتها في العامية فتتبعها ووضح استعمالاتها ومعانيها في تلك الاستعلامات وربطها بالفصحى ، وهذا بلا شك يحسب للمؤلف حيث ربط أصول الكلمات بعضها ببعض وقارن فيما بينها ولم يكتف بالجمع والترتيب ، وأورد هنا مثالين لجذرين تتبع استعمالاتهما عند العامة وشرح تلك الاستعلامات وهما :
أ - الجذر : ( ج ر د ) وقد أورد له ستة استعمالات ، كما في الأمثلة التالية :
( (14) ج ر د········ جرد لونه
وتقول العامة جرد لون هذا الثوب إذا حال صبغه .
وفي اللغة جرد الثوب وانجرد إذا انسحق ولان . وهو من التجرد أي التعري وكأن الثوب قد تجرد من لونه لما حال صبغه وكذلك إذا انسحق ولان فقد تجرد من جدته وزئبره . والثوب الجرد عند العرب هو الخلق الذي ذهب زئبره . )).
و ( (15)· ج ر د········· جرد على العمل ويقولون جرد فلان على العمل إذا مرن عليه .
وهو في اللغة جرن بالنون . قال في اللسان وجرن على العمل مرن ومرد ممعنى واحد ، يقال للرجل وللدابة ، وكل ما مرن فقد جرن .
وإبدال النون دالا غير غريب عن لغة العرب فقد قالوا قفندد وقفند للعظيم الألواح من الناس . وهما يتعاقبان في مثل مرن ومرد على العمل .
ونكه في وجهه ودكله . عرد وعرند للقوس . ))
و( (16)· ج ر د······ جردت الدابة
ويقولون جردت الدابة وهي مجردة إذا أصابها ورم في عرقوبها . والاسم عندهم التجريد . كالمصدر . وفي اللغة الجرد ورم في عرقوب الدابة . وقال ابن شميل الجرد ورز في مؤخر عرقوب الفرس يعظم حتى يمنعه من المشي والسعي . وقال أبو منصور الأزهري: لم أسمعه لغيره وهو نقة مأمون ا هـ . ))
و ( (17)· ج ر د····· الجردة
والجردة كانت معروفة باشام لعهد قريب يوم كان ايسير المحمل الشامي مع ركب الحاج الشامي على ظهور الإبل ، فكانت الجردة ركبا يخرج من الشام يوم خروج المحمل مع الركب الشامي من مكة فيلتقيان في منتصف الطريق بين مكة ودمشق عند مدائن صالح ، فيمد ركب الجردة الحاج الشامي بالزاد والميرة ، ثم ينضم الركبان معا حتى يدلا دمشق بدخول الحاج كأنهما ركب واحد.
وأحسب أنها سميت الجردة من قول العرب تجرد فلان بالحاج إذا بشبه به . قال ابن الأثير في النهاية ، وفي حديث عمر (ر ض) : تجردوا بالحاج وإن لم تحرموا " أي تشبهوا بالحاج وإن لم تكونوا حجاجا . وهكذا يكون أصحاب الجردة من الشاميين متجردين أي متشبهين بالحاج في مسيرهم في ركبه ودخولهم دمشق معه كما يدخل . ))·
و( (18)· ج ر د······· جرد البضاعة
ويقولون جرد البضاعة ، وجرد محل تجارته وذلك إذا عمد إلى بقية ما في تجارته من البضاعة بعد أن بيع منها ما بيع ليقومه بأثمانه .
وفي القاموس الجرد بقية المال . وهو المصدر العامي لجرد البضاعة التي هي البقية الباقية بعدما بيع منها . )).
و (19) جرد············المجرود
والمجرود عند العامة جديدة يجرد بها مشتار العسل ما يلصق بالشهد من وضر الخلايا ومن أفراخ النحل وينزع بها الأقراص من خلايا . ثم عم لكل ما تقطع به أقراص الحلوى .
واسمه في الفصيح المنزعة "وزان مكنسة" ، والمحبض "وزان منبر" .
وجاءت به العامة من جرد الشيء إذا قشره ، أو من جرده إذا عراه . وجاءت به بصيغة المفعول وهو بمعنى الفاعل . )).
ب -· الجذر : ( ج ر م ) فقد أورد له ثلاثة استعمالات كما يلي :
( (25) ج ر ز····· جرم اللحم ولحم مجروم
ويقولون جرم القصاب الذبيحة إذا نزع منها العظام . واللحم المجروم هو الذي نزع منه العظم .
والمعروف في اللغة جلم الجزور يجلمها جلما واجتلمها إذا أخذ ما على عظمها من اللحم كما في اللسان وغيره .
والجلم في أصل المعنى بمعنى القطع والجز كالجرم . والجلمان المقراضان . والجلم هو الذي يجز به الشعر والصوف .
والجلمان شفرتان ، هكذا يقال مثنى كالمقص والمقصين والمقراض والمقراضين . وجرم الشاة وجرم صوفها كجلمها وجلم صوفها . هكذا قال الأئمة .
فقول العامة جرم الذبيحة وجرم اللحمة فصيح صحيح وإن كان استعمال جلم في نزع العظام من اللحم عند العرب أشهر وأكثر )).
و ( (26) ج ر م··· أجرام الغلال
ويقولون لإغلاث البر والشعير ونحوهما الأجرام . وفي هذا القمح مثلا خمسة بالمئة من الأجرام أي الإغلاث كالزوان والمدر ويسمونها أيضا أجسام غريبة .
أما الاجرام فهي جمع جرم "بالكسر" وهو في اللغة الجسد والبدن ، وهو الجسم أيضا ، وقد عرف الجسم المنقسم بالأبعاد الثلاثة وجمعه الأجسام فكل ما كان كذلك فهو جسم . ومن هذا قيل لهذه الإغلاث الأجسام الغريبة ، ثم قيل لها الأجرام من غير توضيف ، فاستعمالها على هذا لا يخرج بها عن حدود الفصاحة . ))
و( (27)· جرم···· التجريم ، الجرم والجرم "بالفتح" في الديار الشامية بل في سواحلها يقال للماعونة التي تنقل محمول السفينة منها إلى الشاطئ ، وتسمى أيضا الماعونة ، والنقل التجريم ويسمونها في اليمن النقيرة . وجاء في كتب اللغة الجرم زورق يمني جمعه جروم )).
خاتمة :
وبهذا نصل إلى نهاية ورقة العمل هذه الذي رأينا فيه الجهد الكبير الذي بذله المؤلف في خدمة اللغة العربية وأهلها من خلال جمعه للكلمات العامية التي لها أصول عربية ، وإن كان جهده تركز على بلاد الشمام ولبنان فإن هذا لا ينقص من قيمة هذا العمل ،
فقد خدمه المنطقة التي عاش فيها ، وعلى بقية العلماء الآخرين أن يحذوا حذوه ويخدموا لهجات بلدانهم ، فلو هب من كل بلد أهله لعمت الفائدة جميع أرجاء الأقطار العربية .
ولا يفوتني التقدم بالشكر الجزيل لفضيلة الدكتور عبدالعزيز الحميد الذي أرشدنا لهذا العمل المفيد فقد كان له فضل التوجيه إليه والحث على القيام ، سائلا المولى عز وجل أن يكتب ذلك في صالح أعماله ، إنه سميع مجيب .
الهوامش :
(1) الأعلام للزركلي أحمد رضا 1/125
(2) مقدمة كتاب ( قاموس رد العامي إلى الفصيح ) ص / 8 ، والشيخ العلامة سليمان ظاهر عضو المجمع العلمي العربي بدمشق .
(3) جبل عامل هو المنطقة التي يطلق عليها اليوم لبنان الجنوبي أو جنوب لبنان وقد ضم إلى لبنان بعد إنشاء دولة لبنان الكبير سنة 1920م. وأصبح جزءاً من لبنان. كما عرفت هذه المنطقة ببلاد بشارة نسبة إلى أحد الزعماء الذي تعددت الآراء حول نسبه.
ومن المحققين من يعرف جبل عامل أنه المنطقة التي يحدها نهر الأولي وجزين شمالا وفلسطين جنوباُ ويضم عدة أقاليم:
بلاد بشارة وهي المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني أي التي يحدها نهر الليطاني شمالا وفلسطين جنوباُ. كما يتبع إليها كل من هونين وسهل الحولة حتى طبريا وما يسمى بالقرى السبع. وعليه تكون بلاد بشارة جزء من جبل عامل وليس كل جبل عامل.
بلاد الشقيف: وهي المنطقة الواقعة بين نهري الليطاني والزهراني, أي التي يحدها نهر الزهراني شمالا ونهر الليطاني جنوباُ.
إقليم الشومر.
إقليم التفاح.
إقليم جزين.
وعليه تكون مدينة صيدا تابعة لجبل عامل.
المصدر : ( ويكيبيديا ) الموسوعة الحرة·
(4) ورد في الكتاب : "وهي طائقة من البيوت مجتمعة" ويظهر أنه خطأ مطبعي والصواب : طائفة ، وهذا ظاهر في المعنى .
(5) كره بعض العلماء الرمز لـ "صلى الله عليه وسلم" بـ "ص" أو "صلعم" ورأوا أن ذلك غير مشروع وخلاف الأولى ، يراجع في ذلك فتاوى الشيخ ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله ، وقبل ذلك ينظر في كتاب (علوم الحديث) لان الصلاح المعروف بمقدمة ابن الصلاح ، ويراجع كلام النووي في كتابه (تدريب الراوي في تقريب شرح النواوي" حيث قال : "ويكره الرمز إليها - يعني صلى الله عليه وسلم - في الكتابة بحرف أو حرفين، كمن يكتب (صلعم) بل يكتبهما بكمالهما"
(6) هكذا وردت في الكتاب والصواب : (أعرابياً) بالفتح .
(7) هكذا وردت في الكتاب دون تنصيص والأولى أن يجعل كلام الله داخل علامة التنصيص ليعلم أوله وآخره والآية هي "لكنا هو الله ربي" سورة الكهف الآية (38) .
---------------
أحمد بن محمد بن أحمد مجرشي
كلية اللغة العرية
قسم النحو والصرف وفقه اللغة
ماجستير موازي
المستوى الأول