الفاسي الفهري وقضايا حوسبة المعجم العربي
يشكل البحث في المعجم العربي ومعالجة قضاياه،عند الباحث اللساني الفاسي الفهري مبحثا غنيا بالمفاهيم النظرية ،والتطبيقية ،وذلك ما يعزز اعتبار تجربته من التجارب اللسانية التوليدية الشمولية التي عالجت قضايا اللغة العربية تركيبا ودلالة ومعجما .
ويقوم تصور الفاسي لمعجم اللغة العربية على الإيمان بفكرة مفادها أنه "لايمكن حصر المادة اللغوية فيما هو مدون أم مكتوب .وإضافة إلى هذا فقد بينا في عدة مناسبات أن المادة تختلف من عصر إلى عصر ومن حقل إلى حقل ،ومن مجموعة لسانية إلى أخرى "
وينبني تصور الفاسي للمعجم العربي على قضايا وإشكالات من بينها :
1- البحث المعجمي اللساني :
يقر الفاسي الفهري انه لا بد لبناء المعجم من الفصل في مستوى نظري بين المعلومة المعجمية وغيرها من المعلومات التي تعالج في المحلل النحوي ،كما أن بناء قاموس محوسب يقتضي معرفة ملامح المستهلك ومجالات الاستخدام الممكنة كالترجمة الآلية ،وفهم وتركيب الكلام ،واستخراج المعلومات ومعالجة النصوص الخ ،ويروم هذا الجهد النهوض بمعجم اللغة العربية الحديث بحيث يستجيب للمستجدات الاصطلاحية التي يفرضها التقدم الصناعي والتكنولوجي الفياض ،غير أن هذا المجهود على أهميته إلا أنه يستدعي متطلبات عامة لا يقوم أي عمل معجمي إلا بها ومنها :
أولا : تحديد المادة المعجمية ،وطبيعتها ومصدرها
ثانيا : تحديد محتوى المداخل المعجمية
ثالثا تمثل وصوغ القواعد التي تربط المفردات أو تحتسب ما هو حشو فائض ضمن المعلومات التي ترد أو يمكن أن ترد في المداخل
1-1-- المادة المعجمية:
قبل الخوض في أي بحث معجمي لا بد من تحديد للمادة المعجمية المراد الاشتغال عليها لبناء معجم أو قاموس ،والمادة اللغوية هي الملكة اللغوية التي تكون لدى متكلم لغة ما بحيث تجعله بين مفردات هذه اللغة بحيث يعرف المستعمل والمهمل ..الخ وقد بدأ البحث المعجمي العربي مع الخليل بن أحمد الفراهيدي ت(170هـ)،صاحب معجم "العين " الذي حاول حصر مستعمل اللغة العربية ،وترك مهملها ،غير أن المعجميين من بعد الخليل لم يلتزم بمنهج اللغة كالأزهري صاحب معجم" تهذيب اللغة"، وابن دريد صاحب "الجمهرة "وفيروز أبادي صاحب "القاموس المحيط" وابن منظور صاحب "لسان العرب" فقد اختاروا ما فاه به البدو دون الحضر ،وتجنبوا ما استجد من المصطلحات الجديدة كالرياضيات والطب والنبات والفلك .. يقول الفاسي الفهري: " وإذا كانت الإسهامات المعجمية العربية في القرون الهجرية الأولى ذات أهمية تاريخية كبرى بالنظر إلى تنوعها نهجا ومادة وتأليفا ، فإن المعاجم العربية رغم بعض الجالية رغم بعض الجهود تظل قاصرة لا تلبي حاجات مستهلكيها .وهي تفتقد إلى الكفاية الوصفية ولا تغطي المادة المعجمية الجديدة ولا المعاني الجديدة للمفردات ولا تهتم بجوانب النطق والصرف والتركيب و الدلالة بصفة نسقية منتظمة أو جانب الأثالة"
المستخلص من هذا النص أن البحث المعجمي العربي يعاني :
- يعتبر جهد الخليل منهجيا في معجم العين جيدا
- المعجميين من بعده همشوا المفردات المهملة واكتفوا بما فاه به البدو
- تهميش المفردات الحديثة الطبية والنباتية والرياضية والفلكية
- عدم تلبية حاجات المستهلك المتكلم للغة العربية
- الافتقاد للكفاية الوصفية
- عدم تغطية المادة المعجمية الجديدة والمعاني الجديدة
- تهميش الجوانب الصرفية والتركيبية والدلالية أو جانب الأثالة
ولم يكتفي عبد القادر الفاسي من تأكيد قصور بعض المعاجم العربية بل حتى المعجم العربية التي توصف بالحديثة "كالمعجم الوسيط" للمجمع القاهري فرغم المجهودات التي بدلت لإنكار انقطاع سلامة اللغة عند عصر معين وفي مكان معين ،وإهمال المفردات المهجورة،إلا أنه حسب الفاسي "يطل بعيدا عن المؤلف القاموسي المنشود ،فهناك فجوة كبيرة بين ما يمثله هذا القاموس من معلومات شكلا ومحتوى وما نثوق إلى تمثيله من أجل رصد ملكة العربي معجميا " .
يفترض في الباحث المعجمي العربي أن يحدد الملكة اللغوية التي يكونه المتكلم العربي حول لغته ،مع ما يستتبع ذلك من تحديد للمحددات الزمنية والمكانية ،أي المعجم الذهني الذي يكونه العربي حول لغته ،مستعملا ومهملا .
1-2- القواعد المعجمية :
يفرق الفاسي بين نوعين من القواميس ؛قاموس واسع ،ومقعد.فالواسع يضم لائحة كبيرة من المعلومات ولائحة طويلة من المداخل الحشوية وهي ذاكرة لا تتوفر في الحواسيب الشخصية فهو إذن ذاكرة معلوماتية ضخمة للمفردات .
أما المقعد فإنه يستغني عن كثير من المعلومات ،والمداخل الحشوية التي نصادفها في القاموس الواسع ؛فهو يستغني عن المعلومات المكررة فهو إذن بهذا المعنى ذاكرة مختصرة للمعلومات ، وحاذفة للمداخل الحشوية.
وينبغي ها هنا قبل بناء معجم عربي محوسب تحديد نوع القاموس المراد بناءه أهو واسع أم مقعد؟ ،ثم تحديد المادة اللغوية المراد حوسبتها ؛بمحددات زمنية ومكانية ، مع الانفتاح على ما استجد من مصطلحات فرضها التطور التكنولوجي والصناعي والتقني المعاصر.
وتهدف هذه البحوث المعجمية حسب الفاسي الفهري تحقيق الغايات الآتية :
• إعادة بناء أنساق اللغة العربية صوتيا وصرفيا وتركيبيا ودلاليا ،وإصلاح ما أفسده النحاة قدامى ومحدثين .
• إعادة المعلومات التصورية والانتقائية والمحورية للغة العربية من الناحية الدلالية
المراد من هاتين الغايتين فصل بين عمل المحلل النحوي والمحلل المعجمي ،وإن كان هناك صلات وصل على المستوى الدلالي كظواهر اللواصق كالمطاوعة والانعكاس والتفاعل وغيرها .
1-3-- المداخل المعجمية:
إن تنظيم الذاكرة المعجمية ،المشكلة للمعجم الذهني الذي يكونه متكلم اللغة الطبيعية ،لابد وأن يراعي مجموعة من المداخل منها :
*الاهتمام بالخصائص النطقية للكلمات كالنبر والروم والتنغيم أو ما يسمى بالظواهر فوق مقطعية .
* الاهتمام بالسمات الصوتية للكلمات وهنا لا بد من معرفة السمات الصوتية للصوامت والصوامت ؛كالقلقلة ،والجهر والهمس والتوسط .
* الاهتمام بالخصائص الصرفية للمفردات كالبحث في جذور المفردات وجذوعها وخصائص المطاعة والمشاركة والمبالغة ...نحو :كتب فهو جذر وتكاتب يدل على المشاركة ،كاتب يدل على المطاوعة ،اجلوذ يدل على المبالغة ،علاوة على البحث في تصريفات الأفعال في الماضي والمضارع والأمر.
* الاهتمام بالمعنى ؛أي الحد أو مفهوم المفردة وعلاقتها بالمفردات الأخرى كالترادف أو التطابق ...
* الاهتمام بالمعلومات التركيبية :الصنف المقولي والإطار التفريعي، الخصائص الاعرابية،والمصفاة الاعرابية ،قيود التوارد ،الشبكة المحورية
هذه إذن بعض خصائص المداخل المعجمية ،الضرورية لبناء قاموس عربي محوسب، ويمكن البحث في هذه المداخل المعجمية من معرفة خصائص المفردات العربية صوتيا وتركيبيا ،ودلاليا وصرفيا ،بالتالي تحاشي تكرار الكثير من المعلومات المتداخلة والمتحاقلة بين بحث المحلل النحوي والمحلل المعجمي
وقد أشار إليها الفاسي الفهري في مؤلفاته .
1-4- قواعد الحشو المعجمي:
المقصود بقواعد الحشو المعجمي كمفهوم توليدي تحويلي تلك الاستراتيجيات التي تمكننا من التمييز بين عمل المحلل النحوي والمحلل المعجمي وهو ما دعي بقواعد الحشو المعجمي تشومسكي (1967)و ليز (1960)ودجاكندوف (1975)والفاسي الفهري ( 1985).
وتروم هذه القواعد الحشوية البحث عن مقاييس تسمح بحل مشكل التمايز بين المعجم والتركيب .ومعروف أن المفردات متعالقة اشتقاقا وصرفا ودلالة ومعجما .
ويستدعي هذا البحث عن استراتيجيات في مقاربة العلاقة بين الخصائص التركيبية ودلالتها أي "القيام بتصنيف المفردات إلى طبقات باعتماد مقاييس تركيبية محضة على أمل أن هذا التصنيف ستدعمه الدلالة ،باعتبار أن هذه الطبقات لها عناصر دلالية مشتركة ."
إن كل مفردة بهذا المعنى ؛لها خصائص تركيبة اشتقاقية أو صرفية فكتب ،كتابة وكاتب ومكتوب ومكتب وفلان أكتب من فلان ،إن هذه التشكيلات المعجمية تحيل بالضرورة إلى دلالات مختلفة ؛مما يدل على دور القواعد المعجمية في تمكيننا من تفادي الكثير من التحشيات والتكرار المفرط ،لا سيما وأن الغاية هو بناء معجم عربي محوسب ؛ مما يمكن من سهولة الاكتساب الفهم والإنتاج،على اعتبار أن"تقدير كمية المعلومات يمكن أن يستخلص من عدد رموز المعجم وتتم المفاضلة بين المعاجم المتكافئة على أساس أن المعجم الأقل رموزا هو المعجم الأكثر قيمة "
خاتمة :
يطرح بناء قاموس عربي محوسب إشكالات عديدة تتعلق أولاها بالمادة المعجمية المراد حوسبتها ؛وهي المعجم الذهني لمتكلم اللغة العربية قديمها وحديثها،مهملها ومستعملها ،مع الانفتاح على ما تفرضه التطورات التكنولوجية التقنية من مصطلحات من قبيل الانترنت ،الهاتف النقال ،usb...
وثانيها ما يتعلق بالمداخل المعجمية فلا بد من تمييز بين الصرف والاشتقاق والدلالة وإن تمت جوانب التقاء كثيرة .
وثالثها ما يتعلق بقواعد الحشو وهنا لابد من تفعيل الكثير من القواعد التي طرحتها النظرية التوليدية لمعالجة هذه الإشكالات.
غير أن هناك إشكالات أخرى يفرضها السياق اللغوي المعاصر للإنسان العربي فحضور الدارجة والأمازيغية يفرض علينا دراسة الفصحى إلى جوانب الدوارج .
---------------
إعداد : ذ : عبد الوهاب صديقي