أسباب الضعف البلاغي عند الطلبة

أولا: التعريف بالمشكلة:

يقول يحيى بن حمزة العلوي في مقدمة كتابه الطراز: "أرجو أن يكون كتابي هذا متميّزًا عن سائر الكتب المصنّفة في هذا العلم بأمرين: أحدهما: اختصاصه بالترتيب العجيب، والتلفيق الأنيق الذي يُطلع الناظر من أول وهلةٍ على مقاصد العلم، ويفيده الاحتواء على أسراره، وثانيهما: اشتماله على التسهيل والتيسير، والإيضاح والتقريب، لأنّ مباحث هذا العلم في غاية الدّقة، وأسراره في نهاية الغموض، فهو أحوج العلوم إلى الإيضاح والبيان" [1].

فإذا كان هذا الإقرار من العلوي بصعوبة البلاغة وتعاظم فهمها إلا بدوام تمرس، وعمق فهم وهو في زمن المتحدثين باللغة سليقة فإنا أولى بالاعتراف بتعسر فهمها على الطلبة في عصر اختلطت فيه العربية باللهجات العربية المتعددة المشوبة بالعامية بدءا، ثم بغيرها من اللغات العالمية الأخرى. ومن هذا المنطلق الذي تعد فيه البلاغة إحدى ضرورات "تنمية القدرة على التعبير السليم والمؤثر المؤدي تنمية الإبداع اللغوي وتنمية مهارات التذوق الأدبي"[2] عند الدارسين جاء هذا المبحث معالجا بشكل مبسط لمشكلة ضعف مستويات الطلاب في علم البيان، وقد اعتمدنا المقدمة النظرية في صعوبات تدريس البلاغة العربية بشكل عام –لتعسر وجود المصادر المعالجة للقضية في علم البيان- ثم بنينا الاستبانة على تدريس علم البيان بشكل خاص، وفرعي الاستعارات والتشبيهات بنظرة أدق، وهذا الاختيار يلزمنا في البداية الشروع في تعريف العلمين؛ فنقول:

- البلاغة في اللغة: الوصول والانتهاء، يقال فلان بلغ مراده إذا وصل إليه، وبلغ الراكب المدينة إذا انتهى إليها، وتقع في الاصطلاح وصفا للكلام والمتكلم دون الكلمة لعدم السماع، وبلاغة الكلام: مطابقته لما يقتضيه حال الخطاب مع فصاحة ألفاظه "مفردها ومركبها".[3]

- أما البيان في اللغة: الكشف والإيضاح، وفي اصطلاح البلغاء: أصول وقواعد يعرف بها إيراد المعنى الواحد بطرق يختلف بعضها عن بعض في وضوح الدلالة على نفس ذلك المعنى ولا بد من اعتبار المطابقة للحال دائما.[4]

ثانيا: مؤكدات وجود المشكلة:

إن الضعف الملاحظ في أنحاء اللسان العربي الشاسع الامتداد، وركاكة أساليب التلامذة وبعدها عن الحس المرهف، والعذوبة، وتآلف الألفاظ سواء على مستوى الكتابة أو الأداء الخطابي لهو الدليل الأكبر على الضعف في إتقان البلاغة العربية الجامعة بين جهبذة العقل البشري، وتذوق اللفظ العربي، وأصبحت لغة المقروء والمسموع في أغلب الحالات لغة صحافية إخبارية، وقد أنتجت هذه الملاحظة الكثير من الدراسات والبحوث التي تؤكدها حينا، وتشرح أسبابها طورا، وتؤكد سبل علاجها آخر، ولا سبيل هنا لرصدها وتعدادها وإنما نذكر من باب الاستشهاد الدراسات التالية:

م

الباحث

العام

الموضوع

النتائج

1

الحجوج

1988

مستوى تحصيل طلاب كليات اللغة العربية في الأردن في البلاغة.

يختلف المستوى التحصيلي عن المقبول تربويا بنسبة 60%.

2

طه

1988

تقويم محتوى منهج البلاغة العربية في المرحلة الثانوية الأزهرية

ضعف تنمية الكتب لمهارات وهوايات الطالب المبدع؛ إذ خلت الكتب من التدريبات على استعمال الأساليب المختلفة من التعبير الأدبي.

3

دسوقي

1989

الفصل بين تدريس البلاغة والنصوص الأدبية

اعتماد برنامج التكامل بينهما أدى إلى فروق ذات دلالة إحصائية على العينة بين الاختبارين القبلي والبعدي أثبت صلاحية التكامل.

4

العذاربه

1992

أثر التدريس بطريقة النصوص وطريقة المثال غلى طلاب الصف الأول ثانوي.

عدم وجود فرق ذي دلالة إحصائية في التحصيل ناجم عن التدريس بإحدى الطريقتين.[5]

 

ثالثا: أسباب المشكلة:

من الناحية التاريخية:

  1. 1.     اكتمال صرح البلاغة علي يد الجرجاني –رحمه الله – مما جعل الابتكار فيها أو الزيادة عليها أقرب للمحال .
  2. 2.     صارت البلاغة قواعد جافة أشبه بقواعد النحو والصرف ابتداء من مرحلة التقنين والتعقيــــد: وتبدأ هذه المرحلة بظهور أبي يعقوب يوسف السكاكي المتوفى سنة 626هـ الذي اهتم بالفلسفة والمنطق , فقام بتقنين قواعد البلاغة مستعيناً في ذلك بقدراته المنطقية على التعليل والتعريف والتفريع والتقسيم، وبذلك تحولت البلاغة على يديه إلى مجرد قواعد وقوانين صيغت في قوالب منطقية جافة باعدت بينها وبين وظيفتها من إرهاف الحس وإمتاع النفس وتربية الذوق وتنمية الملكات.[6]

من ناحية طبيعة اللغة:

  1. 1.   اللغة نظام متناسق محكم تكونه أنظمة دقيقة يحتويها في داخله: صرفية، ودلاللية، وصوتية، وتركيبية، ودراسة هذا النظام على أساس من التجزئة بين مكوناته يؤدي حدوث اختلال في الفه المتعمق عند الطال، والبلاغة تعتمد التلاعب التركيبي والدلالي بصورة أساس على قواعدة مقننة متفننة، وضعف التمكن في أحد أنظمة اللغة يؤدي سراعا إلى التأثير على التمكن في علم البلاغة.
  2. 2. اللغة سمة إنسانية وسلوك مكتسب: فهي مرتبطة بنمو الإنسان فكريا واقتصاديا واجتماعيا، ويتلقاها الطفل تلقائيا من المجتمع الذي يعيش فيه، ولكون المتمع الحالي يعاني ضعف الأدائي اللغوي سواء على مستوى النحو أو غيره فإن البلاغم لم تسلم من هذا الوهن في ألسنة المتحدثين بالعربية وبالتالي ما الطالب إلا فردا من مجتمع بعيد عن السلامة اللغوية وعن اللغة ذات الذوق الفني، كما أن انشار الأدب الحديث بأشكاله النثرية، والقوالبب الشعرية المتحررة من القواعد التقليدية للشعر العربي فإن هذا المجتمع الثقافي يلعب دوره في إقصاء البلاغة من واقع الحياة المعاصر والتداخل مع عناصرها ومناشطها.
  3. 3. اللغة صوتية: فبعد المعلم عن التفنن في التنغيم والنبر وتنويع قوالب الخطاب في إيراد المعنى الواحد واستعمال اللغة المباشرة كلها تلعب دورا في ترسيخ فكرة أن البلاغة ضرب من القواعد مجاله التطبيق لا التنميق.[7]
  4. 4.  بعض الأساليب البلاغية لا يمكن الإتيان بها إلا من قبل المتمكنين من الفصاحة المتمرسين باللغة وهذا يصعب على الطلاب ومثال ذلك القلب البلاغي في قول القطامي:

ولما أن جرى سمن عليها     كما طينت بالفدن السياعا

فإنه لا يرى في هذا القلب " كما طينت بالفدن السياعا " اعتباراً لطيفاً يجعل الشاعر يأتي به في أسلوبه، ولكن السعد قد لحظ ملحظاً دقيقاً لا يعبر عنه إلا بالقلب. فالشاعر أراد أن السمن الذي دخل ناقته من عظمه كأنه ناقة ثانية، فهل يشبه بالسياع الذي أصبح كالقصر – فيقال فيه إن السياع مطين بالفدن – وهنا تتحقق المبالغة ويتساوى الفرع بالأصل، أو أن يشبه بالقصر المطين بالسياع؟ ولا يكون في ذلك وجه للمبالغة في التعبير عن سمن الناقة ، يقول السعد : " ولقائل أن يقول أن يتضمن من المبالغة في وصف الناقة بالسمن ما لا يتضمنه قوله " طينت الفدن بالسياع " لإيهامه بأن السياع قد بلغ من العظم والكثرة إلى أن صار بمنزلة الأصل والفدن بالنسبة إليه كالسياع بالنسبة إلى الفدن [8]"فمثل هذا الإنتاج يصعب على الطالب إبداعه بل ويصعب عليه فهمه إن لم يشرح له من قبل مختص.

  1. 5. تعدد المصطلحات البلاغية المجردة.

من الناحية التربوية:

  1. 3. بصورة عامة:
  2. 1. تطور المؤلفات والمناقشات الخاصة بالخيال العلمي المعتمد بشكل كبير على العلوم التطبيقية على حساب الخيال الفني المستعمل للغة مادة أساس لها، والبلاغة جوهرها الحقيقي مما أدى إلى ضعف النظرة إلى البلاغة وعدم حيادها.
  3. 2. تشجيع ثقافة الذاكرة مقابل ثقافة الإبداع مما دفع بالطالب إلى التعامل مع البلاغة بأهداف قصيرة المدى (الاختبارات) بدلا من أهداف بعيدة المدى (تنمية القدرات العقلية).

من جهة الطالب:

  1. 1. الخوف من القواعد البلاغية أدى به إلى حفظها وتطبيقها وعدم استعمالها في الكتابات، أو الأداء اللغوي بشكل عام.
  2. 2. ضعف الذوق الأدبي عند الطلاب فأمسى ميالا إلى اللغة المباشرة الواضحة والاهتمام بما يناسب التفكير بالأفكار لا التفكير بطريقة الأداء أو البناء الفصيح للغة.

من جهة المنهاج:

  1. 1. قلة الحصص الدراسية لفرع البلاغة.[9]
  2. 2. غياب الأنشطة اللغوية المثيرة للطلاب مثل: مسرحة البلاغة.
  3. 3. دراسة مادة التفسير أو تناول النصوص القرآنية  والأحاديث النبوية الشريفة التي تمثل ققمة البلاغة العربية وسماءها التي لاتدانه تناولا شكلانيا أو فكريا من ناحية المفردات ومعانيها أو ناحية الحكم الشرعي أو القضية الفقهية المستفادة منها مما أدى بالطالب عدم الإحساس بلذة لغة الكتاب العزيز ولا سنة صاحب جوامع الكلم – صلى الله عليه وسلم- فقلما يؤثر في شعورهم وإحساسهم على العكس من السابقين الذين وجدوا أن بلاغة القران هي من تأخذ بتلابيب قلوبهم وألبابهم فيأتون خضعة مطمئنين ماثلين لأمر الله ورسوله الكريم.
  4. 4. الشواهد البلاغية والأمثلة بعيدة جدا عن روح العصر ومتكررة لا تجديد فيها.[10]
  5. 5. قلة المواقع المتخصصة على الشبكة المعلومامتية في مجال علوم البلاغة وتدريسها رغم كونها إحدى أهم مصادر المعرفة في الألفية الثالثة.

من جهة المعلم:

  1. 1. دخول قسم اللغة العربية طلاب من قسم الأدبي وهم في الحقيقة من الذين –في أغلب الأحيان- يفرون من العمليات العقلية العليا الرياضية وبالتالي يصبح الحفظ الملكة الأساسية عند المعلم وبما أن العملية التربوية هي عملية نقل أثر فإن الطلبة يتجهون إلى التعامل مع البلاغة بأسلوب الحفظ وهو ليس ذو جدوى حقيقية في التعامل مع البلاغة.
  2. 2. ضعف التأهيل لمعلمي اللغة العربية في المرحلة الأكاديمية في مجال البلاغة.
  3. 3. التركيز على المهارات البسيطة أثناء شرح المادة البلاغية بدلا من التمكين من فهم القواعد البلاغية.
  4. 4. قلة التخطيط للتدريس الفعال للمواد البلاغية.
  5. 5. عدم الربط الوثيق بين النصوص الأدبية والبلاغة بل اعتماد الفصل ولو بصورة غير متعمدة بينهما.
  6. 6. ضعف قدرة المعلم على إيصال المعلومة وتفصيل شرحها.
  7. 7. غياب نظريات التعلم الحديثة من ذهن المعلم في شرحه للمادة التعليمية من أمثال: نظرية التعلم المبني على الدماع، والتعلم بالكتشاف وغيرها، مما يجعل توصيل المعلومة أكثر صعوبة.
  8. 8. ضعف المعرفة بالخصائص السلوكية والنفسية المتعلقة بالمتعلمين.
  9. 9. عدم إعادة النظر في استراتيجيات التدريس في ضوء النتائج المتدنية للتحصيل في الاختبارات.
  10. 10. غياب الاجراءات العلاجية لحالات الضعف الفردية عند الطلبة.
  11. 11. غياب الاستراتيجيات الحديثة في التدريس مثل: الاستقصاء والنص المعدل.[11]

 

المراجع:

1-    الكتب:

-  الهاشمي، السيد أحمد: جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع، دار الكتب العلمية (بيروت لبنان).

2-  الدوريات:

-  المخزومي، ناصر (2002): معوقات تدريس البلاغة في المرحلة الثانوية كما يراها المعلمون والمديرون والمشرفون التربويون في إقليم جنوبي الأردن، صـ93-126، رسالة الخليج العربي، مكتب التربية العربي لدول الخليج، العدد83.

3- الشبكة المعلوماتية:

- أبو الخطاب: القران الكريم كتاب البلاغة الأم- http://www.attaweel.com- 13/12/2009م.

- القلب البلاغي وأثره في ابداع الصورة- جامعة أم القرى- http://www.uqu.edu.sa - 13/12/2009م.

-  الأنصاري، يوسف: نشاة البلاغة ومراحل تطورها في التراث-  13/12/2009م

http://www.bn-arab.com.

- كامل، محمود وآخرون: كاتعليم اللغة اتصاليا بين المناهج والاستراتيجيات، - المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، 13-12-2009م، http://www.isesco.org.ma.

- باطاهر، عيسى: تيسير البلاغة في كتب التراث، جامعة الشارقة،

--------------------

[1] باطاهر، عيسى: تيسير البلاغة في كتب التراث

[2] المخزومي، ناصر: معوقات تدريس البلاغة في المرحلة الثانوية- صـ93-94.

[3] الهاشمي‘ السيد : جواهر البلاغة- صـ28-29.

[4] المرجع السابق: صـ197.

[5] تمت استفادة الدراسات 1-4 من: المخزومي: مرجع سابق –صـ99-101.

[6] تم استفادته من: يوسف الأنصاري- نشاة البلاغة ومراحل تطورها في التراث- http://www.bn-arab.com

[7] الأفكار 1-3 مستوحاة وليست مستقاة من مقال: تعليم اللغة اتصاليا بين المناهج والاستراتيجيات، محمود كامل وآخرون- المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، 13-12-2009م، http://www.isesco.org.ma.

[9] المخزومي: مصدر سابق- صـ113.

أبو الخطاب: القران الكريم كتاب البلاغة الأم- http://www.attaweel.com.

[11] النقاط من 8-12 مستفادة من: المخزومي، مرجع سابق- صـ110.

Nike

التصنيف الرئيسي: 
شارك: