حاوره : معتز الخطيب
تستحوذ قضايا الطفل على نصيب وافر من الاهتمام خصوصـًا في السنوات الأخيرة ، وأحد أبرز مجالات الاهتمام كان "أدب الطفل" ، ولكن الآداب الموجهة للطفل تعاني..
تستحوذ قضايا الطفل على نصيب وافر من الاهتمام خصوصـًا في السنوات الأخيرة ، وأحد أبرز مجالات الاهتمام كان "أدب الطفل" ، ولكن الآداب الموجهة للطفل تعاني من بعض المشكلات ربما يعود ذلك إلى كون عالمنا العربي حديث عهدٍ بهذا اللون من الآداب الذي يحتاج إلى كثير من الخصوصية على مستوى المفاهيم ، وعلى مستوى اللغة ، بالإضافة إلى طريقة المعالجة والصياغة . المشكلة الكبرى في أدب الطفل : كيف نتقمص شخصيته ونفكر بطريقته لنصل إليه ؟ كيف يمكن أن ننشىء وحدة متناغمة بين الأديب والطفل بحيث يفكر الأديب من خلال عالم الطفل (الخاص) مع استحضاره لوعي الأديب (العام) ليعالج مشاكله ويوجه اهتماماته دون أن يلغي طفولته ؟
حول هذه القضايا وغيرها كان لنا حوار مع د. حبيب بن معلا اللويحق المطيري ، نائب رئيس المكتب الإقليمي لرابطة الأدب الإسلامية العالمية ، وأستاذ النقد الأدبي المساعد في جامعة محمد بن سعود في الرياض ، وهذه مجريات الحوار :
- كيف بدأت قصتكم مع أدب الطفل ؟
- كنت في صغري قارئًا نهمًا ؛ أقرأ كل قصة تقع تحت يدي ، وكنت أتوحّد مع كل قصة عاطفيًا بشكل غريب ، ومما أذكر في هذا أنني قرأت قصة عن ساحر فرنسي يتحكم في مصير الكون من خلال قطعة لحم بقري متعفّنة ، فأورثتني هذه القصة خللاً عاطفيًا وخوفًا دام أيامًا متعددة ، كنت خلالها فريسة الرعب ، فلما كبرت قليلاً شعرت أن القصة المكتوبة للطفل تحتاج إلى دراسة عميقة تكشف مكنوناتها ، ولهذا توجهت إلى قسم البلاغة والنقد ومنهج الأدب الإسلامي في الدراسات العليا لكي أدرس أدب الطفل في (الماجستير) و(الدكتوراه) ، وقد تم هذا بحمد الله حيث درست في الأولى (القصة) وفي الثانية (المسرحية) دراسة تناولت الجوانب العقدية والتربوية والمسلكية والفنية واللغوية في هذه الآداب المقدمة للطفل العربي ، وأما في مجال الإبداع فلي - ولله الحمد - ديوان شعري مكتوب للأطفال ، ولي مجموعة قصصية أيضًا ، وفي الطريق أعمال إبداعية أخرى بإذن الله .
- ما مفهوم الأدب الإسلامي للأطفال ؟ وهل ثمَّة علاقة بين الأدب والتربية ؟
- الأدب الإسلامي للأطفال هو الذي حقق الشروط الإبداعية الفنية التربوية ، واهتم بالمضمون ؛ بحيث يكون هذا المضمون نابعًا من التصور الإسلامي لكل ما يتعلق بالعقيدة في الله - عز وجل - وما شرعه ، ومن التصور الإسلامي للكون والحياة والإنسان ، وذلك يكون بشروط عديدة منها :
1- خلوّه من أي مخالفة شرعية عقدية أو تربوية مسلكية واردة في سياق الإعجاب أو في سياق محايد ، أو يتوقع أن تؤثّر في وجدان الطفل .
2- سلامته من كل ما لا يناسب عالم الأطفال من آراء وأحكام وأقوال ؛ كالحديث عن بعض قضايا القدر أو أحكام الكبار الخاصة .
3- حمله لفكرة تربوية ؛ بحيث لا يكون أدبًا عبثيًا لا نفع منه .
4- سلامته من التهويل والإيغال في الخيال وبُعده عن إثارة الشكوك في ذهن الطفل المتلقي .
5- موافقته للمراحل العمرية للطفل ؛ بحيث يُفْصَل الأدب المكتوب للطفل في مرحلة الطفولة المتأخرة عن ذلك الذي كُتب له في مرحلة الطفولة المبكرة وهكذا.
وأما عن علاقة الأدب بالتربية فهي وثيقة ؛ ذلك أن الأدب يمارس دورًا تربويًا خطيرًا ، وله قدرة تغييرية فريدة ، ولكن لا يجب أن تغلب التربية الفنّ والإبداع ، بل يكونان كجناحي طائر .
- ما مفهوم الأديب الإسلامي في نظركم ؟
- الأديب الإسلامي : هو ذلك الأديب المبدع المرهف الحسّ ، الذي يقدّم إبداعًا جميلاً مؤثرًا فريدًا خلاّقًا لا يجرُّ عليه الوبال في الآخرة ، بل يكون حسنة من حسناته عند مولاه ... هذا هو الأديب الإسلامي باختصار فطري ميسّر .
- كثير ممن كتب للطفل لم يستطع الوصول إليه ، ما السبب برأيكم ؟
- هذا سؤال ذكي ، ولمعرفة الإجابة عليه عليك أن تعلم أن كثيرًا ممن يكتب للطفل يكتب بعقليته هو ومفهوماته ولا ينزل إلى مستوى الطفل وقدراته الإدراكية والمعرفية واللغوية ؛ ولهذا نجد هذا الخلل ماثلاً في أغلب كتابات الأدباء العرب الذين يكتبون للطفل.
- ما مكانة الكتابة للطفل من موقع الفكر الإسلامي ككل ؟
- تنظيريًا يمكننا أن نقول إنها من أسمى ما يمكن ، فالطفل أنجح مشروع مستقبلي للأمة على الإطلاق ، أما واقعيًا فإننا نقف على تقصير واضح بيّن يحتاج سَدُّه إلى سنوات من الجهد المضني .
- هل ثمة مشكلات يواجهها "أديب الطفولة" أو تواجهونها أنتم بشكل خاص ؟
- من أهم مشكلات (أديب الطفولة) : التمويل ؛ فكل أديب مهتم بهذا نجد أن لديه أعمالاً إبداعية ولكن لا يستطيع طبعها لضيق ذات اليد ؛ ولهذا فإن مما أوصيت به في توصيات رسالتي (الماجستير) و(الدكتوراه) ضرورة التنظيم المؤسسي للأعمال الإبداعية المقدمة للطفل مع الاهتمام بالمبدعين وإقامة الجوائز والمسابقات والاهتمام بالنشر إخراجًا وتوزيعًا وحجمًا .
- نلاحظ أن الجهود المبذولة للأطفال لا تزال ضئيلة إذا ما قورنت بغيرها ، ما السبب ؟ وكيف يمكن أن نتخطّى ذلك ؟
- نعم أنا أوافق على هذا ولعل مردّه إلى أن الأمة لم تدرك إلى اليوم أهمية هذا المشروع (الاستراتيجي) ، فلا تجد لأدب الطفل اهتمامًا في عالمنا الإسلامي كما هو عند أمم الكفر ؛ ولهذا لا بد من الوعي أولاً بأبعاد المشكلة وعظم شأنها وخطورة نتائجها ، ثم يأتي بعد ذلك تبيين سُبُل التغيير ، والحل الناجع في هذا أن يتبنى القرار السياسي هذا المشروع الحضاري الضخم ، ويعهد للأنظمة المؤسسية إقامة المؤتمرات والندوات الفكرية الثقافية التي تناقش سُبُل إيقاظ الأمة تجاه الخطر الداهم الذي يواجه ناشئتها ؛ عن طريق الكتابات والمنتجات الإعلامية والترفيهية القادمة من أمم الكفر ، ثم يُصاغ بعد ذلك ميثاق عمل مؤسسي متكامل لأدب الطفل الإسلامي .
أما والحالة هذه - في عالمنا اليوم - فلا أقل من أن يحرص المرء على تشجيع الإبداع الإبداع النقي ، ومنع الإبداع الملوّث ... من الوصول إلى أبناء المسلمين وفي هذا حفظ لجزء من الأمانة .
- ألا تلاحظون أن بعض الكتابات للطفل - إن لم يكن الكثير منها - يغلب عليها "جديّة الكبار" ، وكذلك "وعورة الألفاظ" ، و"ضخامة المعنى" بشكل لا يتناسب مع مستوى الطفل الفكري ؟
- سؤال ذكي - أيضًا - وسبب هذا يعود إلى عدم إطلاع كثير من كُتّاب أدب الطفل على الدراسات العلمية التي تهتم بالفروقات المعرفية والإدراكية واللغوية بين المراحل العمرية المختلفة ؛ ككتابات (بياجيه) - مثلاً - ، وكذلك عدم إطلاع كثير منهم على الكتب التي تهتم بمعجم الطفل ، وتتناول بالدراسة التطبيقية والتجارب العلمية قدرة الطفل على التفريق بين الألفاظ التجريدية والألفاظ الحسيّة ، كل هذا وغيره يجعل عددًا كبيرًا من كُتّاب الطفل لا يستحقون - أبدًا - أن يكونوا كتّابًا للطفل .
- ما هي سمات أدب الأطفال ؟ وما هو دور الخيال فيه ، وكذلك الموسيقا الشعرية ؟
- أهم سماته : مناسبته للمراحل العمرية للطفل ، ونقاء مضمونه ، وجمال لفظه وضوحه وسلاسته ، وبعده عن التهويل المبالغ فيه ، ثم روعة الحبكة والجذب والتشويق - وبالذات في القصة والمسرحية - ، أما الخيال فهو ضرورة من ضرورات الأدب ؛ فلا أدب بلا خيال ، ولكن الخيال المحمود هو ذلك الخيال التصويري المعقول الذي يحلّق بالطفل في أجواء محبته بحيث يُعْمِل عقله وفكره في هذه الأحداث وتتملّك عاطفته ، أما شطحات الخيال ؛ كالقوى الغيبية الكونية المختلقة التي تتحكم بالأقدار من دون الله ، أو السحرة والشياطين المرعبين الذين يُصَوَّرون بصور مخيفة يقشعر لها بدن الطفل ، أو غير ذلك من شطحات أخيلة - الكتّاب التجاريين - فهذا كله زيغٌ وضلال ، ولا ينبغي إقراره في أدب الطفل .
- ما هي الموضوعات التي تناولتموها في أدبكم ، وما أبرز الموضوعات التي ترونها جديرة بأن تُبحث للطفل ؟
- تناولت القصة والمسرحية نقدًا ، والقصة والمسرحية والقصيدة إبداعًا ، ولا زال المجال مفتوحًا لكتابات نقدية في معجم الطفل وبنائه اللغوي ومناسبة الأدب للمراحل العمرية من خلال دراسة معيارية وصفية تطبيقية ، كما أن باب الإبداع مفتوح على مصراعيه للكتبة المجيدين .
- ما هي نظرتكم إلى ما هو موجود من أدب الطفل ؟ وما هي أهم السلبيات ، وكذلك الإيجابيات ؟ وهل يمكن تسمية كتّاب برعوا في أدب الطفل ؟
- أدب الطفل الموجود فيه الغث وفيه السمين وإن كان غثه أكثر من سمينه ؛ ولهذا يحتاج أدب الطفل ها هنا إلى مزيد من الاهتمام ، بالإكثار من الكتابات الإبداعية التي تحاول أن تملأ الساحة وتقطع الطريق على الكتابات الوافدة ، وترقية الإبداع بالدراسات النقدية الرصينة ، ويمكننا أن نعدّ من الكتاب المبدعين في أدب الطفل : أحمد نجيب وعبد التواب يوسف في بعض إنتاجهما ، وأحمد مختار البرزة ، ومحمد موفق سليمة ، وعبد الودود يوسف وداود العبيدي ، وخولة درويش وغيرهم .
- علمنا أنكم أول من حصل على دكتوراه في أدب الطفولة في السعودية . كيف تنظرون إلى هذه الخطوة ضمن سياق المملكة ؟ وهل يعتبر هذا نقلة نوعية في سياق أدب الطفولة في السعودية ؟
- لا شك في أن هذا يعد نقلة لا بأس بها ، ولكنني أقول مع الأسف إن الاهتمام بالآداب المكتوبة للطفل عندنا في المملكة ضعيف جدًا ، ولم يصل إلى جزء مما وصلت بعض الدول العربية ، ولكنني أرجو أن يكون هذا سبيلاً إلى مزيد من الاهتمام والتأصيل والإبداع .
---------------------
مصدر الحوار :
http://www.islamweb.net/media/index.php?page=article〈=A&id=253