في ندوة الجمعية العلمية السعودية للغة العربية .. مستقبل اللغة بين أزمة الهوية وإثبات القيمة الحضارية
- هيثم السيد من الرياض - 24 /05/ 1427هـ
في ندوة حول كتاب (اللغة العربية في عصر العولمة) للدكتور أحمد بن محمد الضبيب، أدارت الجمعية العلمية السعودية للغة العربية حواراً ساخنا حول إشكالية الحفاظ على هوية اللغة ومناقشة ما استجد من متغيرات زمنية وحضارية لعبت دورا في صنع فجوة ثقافية بين المجتمع ولغته الأم.
تحدث في البداية الدكتور عبد العزيز الثنيان مدير عام التعليم السابق من خلال ورقة بعنوان (علاقتنا باللغة الإنجليزية) وقد أشاد في بداية حديثه بتخصيص ندوة ثقافية للحديث عن الكتاب، معتبراً أن أكثر الكتب تظل مجهولة لدى الناس ما لم يتم تناولها في ندوات أو محاضرات، وقال (أقدّر للمؤلف اعتزازه وغيرته على اللغة من خلال هذا الكتاب الذي جسد شخصيته وعبر عن رأيه الثقافي) ثم انتقل الثنيان للحديث عن موضوع اللغة الإنجليزية ومزاحمتها للعربية في هذا العصر، فقال (المزاحمة التي ظهرت أخيرا هي نتيجة طبيعية لمسألة القوة والانبهار للقوي وقد اتضحت في عدة مجالات، منها قضية السعودة والتي واجهت العقبات بسبب إلزامية التمكن من اللغة الإنجليزية كشرط أساسي للقوى العاملة) ونظرا لما يملكه الدكتور الثنيان من خبرة طويلة في المجال التعليمي فقد تحدث عن إشكاليات تدريس اللغة الإنجليزية من جوانب عدة، فأكد أنه لا مبرر لتدريس العلوم الإنسانية والتطبيقية كالرياضيات والعلوم باللغة الإنجليزية فكل الدول تدرس هذه العلوم بلغتها الخاصة، كما تناول تجربة مصر في تعليم اللغة الإنجليزية بشيء من الاختلاف حول ما إذا كان مناسباً أن تدرس للصفوف الأولية في القسم الابتدائي، حيث يرى أن هذا القسم يفترض أن يكرس للثقافة الوطنية الخالصة، وقال (أنا لست ضد تدريس اللغة الإنجليزية لأن في ذلك مخالفة للواقع، لكنني ضد مسألة الانبهار النفسي والثقافي بها، كما أن تدريسها يجب ألا يكون على حساب لغتنا الأم) ثم أشار الثنيان إلى بعض المواقف التي شاهدها وذكر منها ما حدث في مؤتمرٍ دولي في جدة حيث كانت اللغة الإنجليزية هي اللغة الأولى في المؤتمر ورغم ذلك ألقى السفير البريطاني حينها كلمته باللغة العربية!!
وختم الثنيان حديثه قائلا (نحتاج إلى قرار سياسي يحدد علاقة اللغة بغيرها ويحفظ هويتها وليس ضروريا أن يكون ذلك الآن ولكن بالتدريج، نحن أمة الفصاحة والبيان ولدينا إعجازنا وهو القرآن الكريم، لذا علينا الحفاظ على أمننا الفكري بالحفاظ على لغتنا) مؤكدا أنه لا تعارض بين معرفة اللغات والاعتزاز باللغة الأم.
الدكتور عايض بن بنية الردادي عضو مجلس الشورى قدم ورقة عنوانها (اللغة العربية والإعلام ..الواقع والمأمول) وقد تناول فيها المظاهر السلبية في بعض الوسائل الإعلامية تجاه اللغة العربية، مؤكدا أن الفصحى تتعرض لخنق إعلامي، وأن هذه القضية لا تهم المهتمين باللغة فحسب بل هي تهم الإعلاميين جميعا، وقال (للأسف لم يمر وقت على اللغة كانت فيه أضعف مما هي عليه الآن فحياة الفصحى مهددة من أبنائها وليس من أعدائها، ومن المؤسف أن يدخل العرب عصر العولمة عزلا من سلاح الثقافة المعتمد على اللغة) وقد تناول الدكتور الردادي مسألة عدم استغلال الإعلام إلى قوة التواصل اللغوي للفصحى والذي بقي قائما منذ أقدم النصوص إلى أحدثها، كما أشار إلى مظاهر السخرية في الإعلام من اللغة الفصحى وذلك من خلال ما يقدم من شخصيات ومسلسلات تظهر المتحدثين بها أو معلميها بصورة الهزيل والمغلوب على أمره .. وكذلك تحدث عن ضعف معايير اختيار المذيعين والمذيعات في وقتنا الحالي وعدم التزام الاختيار بشروط التمكن اللغوي والخلفية الثقافية ما أدى إلى ظهور نماذج إعلامية ضعيفة ومبتذلة.
كما تحدث عن مسألة تغييب الفصحى في الفضائيات العربية ودخول العامية بشكل واضح في الخطاب الإعلامي وهو المشروع الذي بدأه سعيد عقل حتى انتقل تدريجيا من النظرية إلى التطبيق، وأضاف الردادي أن بعض القنوات تتعمد تجزئة اللغة جغرافيا وهذا العمل من شأنه إضعافها، معتبرا أن العالم العربي الذي عانى استعمارا عسكريا يشهد الآن مرحلة استعمار فكري موجه إلى عقول الناشئة.
وفي نهاية حديثه دعا الردادي إلى إعادة هيبة اللغة الفصحى والاعتزاز بها، مستشهداً بمقولة للرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران وهي قوله (لن تحترم أي أمة تقدم حضارتها وثقافتها للعالم بلغة غير لغتها).
الدكتور أحمد بن عبد الله السالم رئيس قسم النحو والصرف بكلية اللغة العربية قدم ورقة بعنوان (مستقبل الثقافة العربية من خلال اللغة) وقال (إن اللغة هي أم التفكير وترجمانه، وارتباطها بالثقافة مثل ارتباط الروح بالجسد، ولغتنا العربية لغة ثرية نطقت بمعظم النظريات الإنسانية والاجتماعية قبل أن تنطق بها اللغات الأخرى) مؤكداً أن مثار الخوف ليس على اللغة نفسها حيث إن الله تعالى تكفل بحفظها في كتابه الكريم (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)، إنما الخوف على أبناء اللغة من الابتعاد عنها والانسلاخ عن هويتها التاريخية، وفيما يتعلق بكتاب (اللغة العربية في عصر العولمة) قال السالم (هذا الكتاب جاء بلسماً باردا في علاج لغتنا وتدعيم وحدتها، وقد أدرك الكاتب أن المستقبل الثقافي يجب تلمسه من خلال الواقع الحالي، فتحدث عن واقع اللغة وآثار المخاوف على الثقافة من خلال خوفه على لغتها، وهو المعنى الذي يؤكد عليه كثير من أصحاب المعاجم في مقدمات كتبهم، وقد أبدى الدكتور السالم تحفظه حول مقولة (إحياء اللغة) ويرى أنها لم تمت أصلا ليتم إحياؤها، وأنها من أقوى لغات العالم رسوخاً وإن كانت تمر حاليا بأزمات ذات أبعاد متعددة وهي تحمل في طياتها ما يجعلها لغة متطورة لكنها تحتاج إلى قرارات سياسية ودراسات وخطط لتنفيذ ما يطرح حولها من مواثيق وتعهدات خلال المؤتمرات الثقافية
--------------
الاقتصادية :
http://www.aleqtisadiah.com/misc.php?id=31121&do=print&sec=nws