كلية الآداب والعلوم الإنسانية مكناس - مختبر البحث اللساني والبيداغوجي مكناس
الجمعة والسبت 23 و24/11/ 2007
قام بتغطية وقائع الندوة : الدكتور حافيظ إسماعيلي علوي
اختتمت يوم السبت المنصرم 24 -11- 2007 برحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمكناس جامعة مولاي إسماعيل، أشغال الندوة الدولية "المنحى الوظيفي في اللسانيات العربية وآفاقه" التي نظمها مختبر البحث اللساني والبيداغوجي، ونسق أعمالها الدكتور عز الدين البوشيخي، وقد حضر أشغال هذه الندوة نخبة من الباحثين من داخل المغرب ومن خارجه، ومن أبرز هؤلاء الدكتور أحمد المتوكل، رائد المنحى الوظيفي في العالم العربي، والدكتور لا شلن ماكنزي، أحد أبرز المهتمين باللسانيات الوظيفية على المستوى العالمي.
افتتحت أشغال الندوة بكلمة السيد رئيس جامعة مولاي إسماعيل، فكلمة السيد عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية، اللذين أكدا في كلمتيهما بصفة خاصة أهمية موضوع الندوة وراهنيته، ونوها بعمل اللجنة المنظمة، وتمنيا لها النجاح والتوفيق. ثم تناول الكلمة الدكتور عز الدين البوشيخي باسم اللجنة المنظمة، وأبرز بصفة خاصة، أن الندوة ستناقش أحدث النظريات اللسانية الوظيفية، هي نحو الخطاب الوظيفي بحضور أحد أبرز مهندسيها البروفسور لاشلن ماكنزي في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمكناس قبل أن تُنشر في كتاب أو أن يطلع عليها بتفاصيلها الباحثون المتخصصون والمهتمون في أوربا وفي غيرها. ويكفي ذلك دليلا على حيوية اللسانيين المغاربة وجهودهم. ثم أعقب كل ذلك حفل استقبال على شرف المشاركين.
وقد توزعت أشغال الندوة على يومين، وتخللتها مناقشات علمية عميقة عبرت عن انشغالات وقضايا أساسية.
وتعميماً للفائدة نقدم هنا أبرز المحاور التي ركز عليها المشاركون في عروضهم:
اليوم الأول
الجمعة 23/11/2007
انعقدت الجلسة الأولى برئاسة الدكتورة نعيمة الزهري، وكان أول المتدخلين فيها الدكتور بنعيسى أزاييط (كلية الآداب والعلوم الإنسانية- مكناس)، وكان عرضه بعنوان: ملامح من النظرية الوظيفية عند ابن جني: القدرة التواصلية نموذجاً.
سعى الباحث في هذا العرض في استخلاص ملامح من النظرية التواصلية العامة عند ابن جني، من حيث العناصر الثابتة (قواعد المكون النحوي) والمبادئ المتغيرة (مبدأ الإيجاز، ومبدأ مشاهدة الأحوال، ومبدأ تعليق الأعلام على المعاني دون الأعيان، مبدأ " أكثر اللغة مع تأمله مجاز لا حقيقة") كما انصبّ اهتمام الباحث من جهة أخرى على استخلاص بعض وجوه التقاطع بين الطرح الوظيفي المعاصر وطرح ابن جني، فيما يخص البعد التواصلي عامة، وإدماج مكونات اللغة في قصودها الدلالية والتداولية خاصة، وفي جانب آخر كيفية تحديث آليات ابن جني الوصفية الوظيفية، في ضوء معطيات التناول الوظيفي المعاصر، انطلاقاً من الارتكاز على الثوابت والمتغيرات، الواردة عند ابن جني، لخدمة اللغة العربية وخطابها.
وجاء عرض الدكتور عبد العزيز العماري، (كلية الآداب والعلوم الإنسانية- مكناس) بعنوان: أفكار وظيفية في التراث اللغوي العربي، وقد سعى الباحث في عرضه إلى إبراز أن الدرس اللغوي العربي القديم وظف أفكاراً وظيفية في وصف الظواهر اللغوية وتفسيرها، وأنه اعتمد في تحقيق ذلك على أدوات لسانية ذات طبيعة وظيفية.
أما عرض الدكتور عبد النبي الدكير (كلية الآداب والعلوم الإنسانية- مكناس) فجاء بعنوان: وظيفية النحو العربي، نحو العلامة نموذجاً. اعتنى الباحث في عرضه بأمرين: أحدهما نظري تصوري، وجهته التحقق من معنى الوظيفية في التراث النحوي، وثانيهما عملي، قصده التحقيق لها عملياً بالشاهد والمثال.
فأما الأول: فيهتم بالبيان والتبيين؛ ويبين أن ثمة وظيفية ملموسة في ذلك التراث النحوي وهي جلية:
1-في الغاية من النحو عند أئمة أعلام كابن جني وابن الطراوة وابن المستوفى وغيرهم حسب تعريفاتهم له.
2- في تعدده وأنماط خطابه فإنه لدى الحذاق أنحاء: نحو للمبتدئ وصنفت له مصنفات، وآخر للشادي وسطرت فيه مئات المجلدات، وثالث للمنتهي وامتازت به كتب أمهات.
3- في المصطلح الغالب فيه، المهيمن على أبوابه وفصوله ومعظم مباحثه، فإنه يشي بمعان وظيفية. فالغاية من النحو مقاصد مقصودة، والمخاطب به يشهد وظيفة معهودة، ثم المصطلح يضطلع بوظيفة محددة محدودة.
وأما الثاني فيخصص للإجراء والتطبيق يمثل ويقرر، وقد خلص لوظيفة كبرى علاماتها ناهزت السبعين علامة أو تزيد.
وانعقدت الجلسة الثانية: برئاسة الدكتور يحيى بعيطيش، وكان أول المتدخلين فيها الأستاذ عمر مهديوي، (باحث بكلية الآداب– عين الشق- الدار البيضاء) بعرض بعنوان: الإحالة بين المنطق والفلسفة واللسانيات، حيث ذكر بالتمييز بين مجالات ثلاثة، في إطار الدرس اللساني الحديث أو المعاصر، كل مجال يحاول وصف وتفسير جانب من "الظاهرة اللغوية" : مجال التركيب، مجال الدلالة ومجال التداولية، وتحدث عن تفاعل هذه المكونات الثلاثة فيما بينها، والتي تشكل بالجملة"مستويات الوصف اللغوي"، مؤكداً مدى الترابط والتآسر بين كل من الدلالة والتداول في معالجة ظاهرة الإحالة اللغوية.
وخصص الدكتور عز الدين البوشيخي، (كلية الآداب والعلوم الإنسانية- مكناس) عرضه للحديث عن نموذج مستعمل اللغة الطبيعية ونحو الخطاب الوظيفي، حيث رصد الباحث تطور العلاقة بين النحو الوظيفي بصفته مكوناً نحوياً مستقلاً، وبين نموذج مستعمل اللغة الطبيعية (م.ل.ط)، مستعرضاً أهم الافتراضات التي حددت تلك العلاقة بين النموذجين. وتوقف عند نحو الخطاب الوظيفي وعلاقته بنموذج (م.ل.ط) مقدماً ملاحظات على المكونين التصوري والسياقي اللذين اقترحهما ماكنزي وهنخفلد، مذكراً بالافتراضات التي قدمها في دراسة سابقة (البوشيخي 1998) بخصوص تفاعل القالب النحوي مع قوالب نموذج (م.ل.ط)، وافتراض إضافة قالب تخيلي إلى قوالب النموذج، مستلهماً بهذا الخصوص أعمال ديك (ديك 1997أ، و1997ب)، و(المتوكل 2003 و2005 و2006).
أما عرض الدكتورة نعيمة الزهري، (كلية الآداب عين الشق- الدار البيضاء) الوصف الأدبي في نحو الخطاب والوظيفي، فقد استشرفت فيه الباحثة بلوغ هدفين اثنين:
1) رصد الخصائص التداولية والخصائص التركيبية والصرفية والتطريزية لنص وصفي فني،
2) وصف هاتين الفئتين من الخصائص في إطار نحو الخطاب الوظيفي وعلى ضوء مفهوم التغليب كما ورد عند المتوكل (المتوكل 2003) وقد عرضت الباحثة في آخر العرض لآفاق أخرى لبحثها.
وانعقدت الجلسة الثالثة برئاسة الدكتور بنعيسى أزاييط، وكان أول المتدخلين في هذه الجلسة الدكتور أحمد المتوكل الذي عرض لتجربته في اللسانيات الوظيفية، وتوقف عند أبرز محطات المنحى الوظيفي في اللسانيات العربية راصداً :
أ- نشأة المنحى الوظيفي في المغرب، وفي العالم العربي.
ب- وتموقع هذا المنحى داخل البحث اللساني العربي عامة.
ج- ومجالات تطبيقات هذا المنحى اللغوية والاجتماعية.
أما عرض الدكتور يحيى بعيطيش، (جامعة قسنطينة- الجزائر) نحو أسلوبية وظيفية للنص الأدبي-النص الشعري نموذجاً، فقد حاول من خلاله الباحث أن يعرض الخطوط العريضة لمشروع ما اقترح تسميته أسلوبية وظيفية، وهي أسلوبية مركبة من تأليفة، تمزج بين مبادئ نظرية النحو الوظيفي، ممثلة في مبدأ تبعية البنية للوظيفة ومفهوم الملكة التبليغية (Compétence communicative) ومفهوم الملكة البيانية (الشعرية بمصطلح المتوكل) والوظيفة الأسلوبية وآليات تشغيل القوالب. وبين نموذج جاكبسون التبليغي بوظائفه المعروفة، مع التركيز على الوظيفة الأسلوبية (الشعرية) ومفهوم الوظيفة المهيمنة ومفهوم الانزياح. وبين النموذج العاملي ل أ.ج غريماس حول النص بصفة عامة والنص السردي الروائي بصفة خاصة، ذلك أن النص العادي بصفة عامة والنص الأدبي (قصيدة، قصة، رواية..) بصفة خاصة، يعتبر بنية تبليغية تخضع لمواصفات التحليل الوظيفي، سواء تعلق الأمر بخضوعها لنموذج البنية العامة للخطاب المقترحة في نموذج ما بعد المعيار في نظرية النحو الوظيفي، وخاصة نموذج اشتغال الملكة الإبداعية المقترحة في هذا البحث، أو للمفاهيم المنبثقة من نموذجي جاكبسون وغريماس، كما سيوضح في القسم التطبيقي الذي اقتصر فيه الباحث على نص شعري قصير، مراعاة لمقام المداخلة التي لا تسمح بالتطويل ولا بتنويع الأمثلة.
وجاء العرض الثالث بعنوان: اللسانيات والحجاج: الحجاج المغالط: مقاربة لسانية وظيفية، وهو عرض مشترك بين الدكتور حافيظ إسماعيلي (كلية الآداب والعلوم الإنسانية- أكادير) والأستاذ محمد أسيداه (كلية الآداب والعلوم الإنسانية ببني ملال)، وقد حاول الباحثان في عرضهما الوقوف على وجوه للتحاور والتجاور والتكامل ممكنة بين اللسانيات والحجاج، مع التركيز بشكل خاص على الحجاج المغالط الذي يقوم على الالتباس وتخليط المعاني وعلى السبل التمويهية والتغليطية والتضليلية التي تفضي إلى خرق "قواعد الحوار والتواصل"، ومقتضيات "المجال التداولي". كما كشف العرض عن الكيفية التي يمكن أن يسهم بها النحو الوظيفي في فضح المغالطة بإعادة صياغة الحجة صياغة سليمة عن طريق رفع التباسها، وركزا بشكل خاص على اقتراحات الدكتور أحمد المتوكل في هذا المجال، التي ترقى إلى طبقة قيود تضمن سلامة تكوين العبارات في المناقشات وسلامة المحاورات، مما يجعلها تستجيب لضرورة تطوير أنساق منطقية غير صورية؛ أي أنساق ترمي الاستجابة لمقومات الخطاب الطبيعي ومقتضياته، وضبط شروط تقويم الحجج.
اليوم الثاني:
السبت 24/11/2007
انعقدت الجلسة الأولى برئاسة الدكتور أحمد المتوكل، وقدمت فيها كل العروض باللغة الفرنسية. وكان أول المتدخلين فيها البروفسور لاشلن ماكنزي (Prof. Dr. J. Lachlan Mackenzie) الذي أسهم بعرض مطول بعنوان: الوظائف التداولية في معالجة الدكتور أحمد المتوكل، مراجعة في إطار نحو الخطاب الوظيفي، تحدث فيه الباحث عن نظرية نحو الخطاب الوظيفي التي يطورها شخصياً، كما عرض لبعض مستجدات هذه النظرية في معالجة ظواهر لغوية كالوظائف التداولية في اللغة العربية.
أما الدكتورة أمامة الكتاني (كلية الآداب بالرباط) فقد جاء عرضها بعنوان:
(Vers un modèle de l’analyse communicationnelle intégré) استهدفت فيه بناء نموذج لتحليل العملية التواصلية في أبعادها المختلفة مستلهمة نموذج مستعمل اللغة الطبيعية ومكوناته، وقد حددت المفاهيم الأساسية التي يرتكز عليها النموذج، وبينت جدوى النموذج الذي تقترحه بتطبيقه على تحليل الخطاب السياسي الذي رافق الانتخابات التشريعية التي جرت في المغرب عام 2002.
أما آخر المتدخلين الدكتور محمد جدير (كلية الآداب المحمدية) فقد جاء عرضه بعنوان:
(Focus et dimension textuelle, le cas du romain policier)
وكان مسعى الباحث هو توظيف بعض آليات النحو الوظيفي لتحليل مقاطع من رواية بوليسية "ضحايا الفجر" لميلودي حمدوشي، في محاولة جادة لمساءلة الجهاز الواصف للنحو الوظيفي وتمحيص مدى قدرته على منح القارئ تأويلاً دلالياً- تداولياً للنص المعالج ومحاولة سبر بعض أغواره والإحاطة ببعض المرامي التي يسعى الكاتب في بلوغها دون الإمعان في الجانب التقني أو المغالاة في التمثيل للبنيات التحتية للنصوص.
أما الجلسة المسائية، فقد كانت عبارة عن مائدة مستديرة تعاقب فيها على الكلمة الأستاذان أحمد المتوكل ولاشلن ماكنزي اللذان قدما أهم المستجدات في مجال "نحو الخطاب الوظيفي". أما الدكتور أحمد المتوكل فقد تحدث عن المستوى العلاقي وصلته بالمستوى الصرف التركيبي في نحو الخطاب الوظيفي، مبيناً أن المكون الصرفي في هذا النحو يتخذ وضعاً خاصاً لا نظير له في ما سبق من نماذج وظيفية؛ بحيث يُربط هذا المكون ربطاً مباشراً بالمستوى العلاقي دون المرور بالمستوى التمثيلي. ويقوم الصرف في اللغة العربية بدورين: دور تحقيق السمات التمثيلية (الجهة والزمن والوجه والوظائف)، ودور تحقيق السمات العلاقية (الوظائف التداولية والقوى الإنجازية)، وخاصة الطبيعة التواصلية لوحدات الخطاب والعلاقات التي تقوم بين هذه الوحدات. وقد استهدف في هذا العرض الوقوف على الدور العلاقي الذي يقوم به المكون الصرفي في اللغة العربية مع التركيز على الوجه Modality والإعراب والصلة.
وأما البروفسور ماكنزي فقد قدم أهداف نحو الخطاب الوظيفي، وفصل في مكوناته وطريقة عمله وبعض مزاياه.
وأعقب ذلك نقاش علمي عميق بين الباحثين المشاركين في الندوة، استمر ساعات طويلة أفضت إلى خلاصات مهمة ستساهم بشكل كبير في الدفع بنظرية النحو الوظيفي وتطويرها.
وقد أجمع كل الحاضرين على الأجواء الإيجابية التي مرت فيها الندوة والمتمثلة في حسن التنظيم وعمق القضايا المتناولة وغنى الحوار العلمي البناء. ومن المنتظر طبع أشغال هذه الندوة في أقرب وقت ممكن لتعميم فائدتها على المتخصصين والمهتمين.