بحوث حول القرآن

هذه الأمور مجتمعة أدت إلى أن يكون هناك أخذ وعطاء بين العربية وغيرها من اللغات ما دفع أستاذنا الدكتور مسعود بوبو إلى القول: (إن وجود الدخيل في اللغات ظاهرة إنسانية طبيعية تنتج عن التقاء البشر واختلاطهم مما أدى إلى اختلاط اللغات، وتبادل الألفاظ، فأخذت كل لغة ما تحتاج إليه من ألفاظ لغة أخرى، وما من لغة ذات شأن في تاريخ الحضارة الإنسانية إلا كانت عرضة لمثل هذا التبادل اللغوي، بل إن عملية التبادل اللغوي واتساعها، جعلها حقيقية علمية لا يمكن إغفالها مما دفع البحث اللغوي...

إن القارئ لهذه الآية يعيش فيها بشعوره وإحساسه بدقة عظيمة، إذ إنه – أي القارئ- لا يكاد يرتد إليه طرفه حتى يفاجئه سياق الآية بتحقق الأمر ووقوعه، وهذا نمط من البلاغة القرآنية مفرَد، فقد تضافر اللفظ والمعنى والسياق في تأدية القصة ونقل ذلك الجو الذي جرت فيه تلك الواقعة العجيبة.
وشبيه بهذا النمط من البلاغة في سور أخرى قوله تعالى: {فلَمَّا رَأوَهُ عَارِضًا مُسْتَقبِلََ أوْدِيَتِهِمْ قَالوْا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتمُ بِهِ رِيْحٌ فِيْها...

*ما ألف في القرآن:‏

قد يكون من نافلة القول أن نذكر بأن لوناً من ألوان التراث العربي لم يحظ بالعناية والدراسة والشرح والتمحيص مثل ما حظي به القرآن الكريم خاصة، والعلوم الشرعية عامة، منذ نزل القرآن على محمد (ص) ليكون مفسره الأول إلى الصحابة والتابعين والعلماء والدارسين في أصقاع متنوعة من عالم واسع عريض امتد من الصين والهند في أقصى المشرق، إلى مراكش والأندلس في أقصى المغرب، وحتى عصرنا هذا الذي ظهرت فيه ـ ولا تزال ـ دراسات وشروح وتفاسير مختلفة...

وقد نمت هذه الحركة العلمية اللغوية، التي دارت حول القرآن، على يد علماء الدين- أول مرة- الذين عكفوا على تلاوة القرآن، ودراسته آناء الليل وأطراف النهار، باذلين من ذات أنفسهم أبلغ الجهد، لفهم مقاصده، وتبليغها للناس، ممّا دفع بعضهم إلى القول (نشأت الرواية على يد القراء والمفسرين). (2) الذين رأوا أنَّ التعمق في دراسة اللغة أمر ضروري يمكنّهم من فهم القرآن، وهذا ما صرّح به (دي بور) بقوله: "وأكبر ما جعل التعمق في دراسة اللغة أمراً ضرورياً، هو اشتغال المسلمين بمدارسة...

اهتمام المسلمين بالألفاظ القرآنية:

للألفاظ أهمية في حياة الإنسان لأنها تعبر عما في فؤاده، وتترجم المعاني والمشاعر التي بداخله، وهي إلى جانب ذلك وسيلة لمخاطبة الآخرين، وكلما أتقن الخطيب أو المتحدث ألفاظه واختارها بدقة كان تأثيره في المتلقين أبلغ.

إن الألفاظ هي أوعية المعاني والخازن لها، والمقدَّمة على المعاني، فقد ذكر الإمام مجد الدين ابن الأثير عند حديثه عما يلزم لمعرفة علم...