لقد استطاع المسلمون الأوائل أن ينشروا اللغة العربية وهم على ظهور الخيول والإبل ، وعجزنا نحن ـ في عصر التطور التكنولوجي ـ عن نشرها على الرغم من أننا نعيش في زمن الإنترنت والبث الفضائي.
ألا يحق للغة العربية أن تفتخر بما قدمته للعالم من حضارة إسلامية عربية سادت العالم ردحاً من الزمان كانت فيه العربية ملء السمع والبصر ، وكان الشخص الذي لا يتقن العربية ويجيدها نطقا وخطاً لا يستطيع أن يلج باب المعرفة لينضم بعد ذلك إلى طبقة العلماء والمثقفين. إذاً فقد كانت العربية هي لغة العلم والمعرفة وكان اللسان العربي هو البوابة التي يمكن للمثقف أن ينتقل عبرها إلى دنيا التحضر والرقي. ولكنها (اللغة العربية) الآن تعاني مرارة الهجران من قبل أهلها قبل غيرهم ؛ إذ لم تعد تشكل للمثقفين ولا حتى طلاب العلم والمعرفة تلك القامة الشامخة ولا تلك الغادة الحسناء التي كان الكثيرون يخطبون ودها ، ويتمنى الكل نظرة ود ـ ولو ـ من إحدى مقلتيها ترنو إليه بها ولو من على البعد.
ولكنني ـ على الرغم من كل ذلك ـ لست من الناظرين إلى مستقبل اللغة العربية بعين التشاؤم ، ولست ممن يتحسرون على ماضي هذه اللغة الفتية والعريقة في آن معاً. بل أجدني أحمل في نفسي الكثير من التفاؤل والأمل وأتنبأ لها بمستقبل باهر ومشرق ستعيشه هذه اللغة على الرغم مما تعاني منه اليوم من إهمال كبير ـ إلا من قلة ـ ، وكأني أقرأ في ذهن القارئ سؤالاً يدور وألمح في عينيه الحيرة : من أين يأتيك هذا التفاؤل ؟؟ وكيف يمكن للعربية أن تعود إلى ما كانت عليه من السمو والشموخ؟؟ لتستعيد ما فقدته من أراضيها ؟؟
لا أعتقد أن هناك من صعوبة تذكر لنجيب عن تلك الأسئلة ونريح ذهن القارئ الكريم ونبدد نظرة الحيرة التي نجدها في عينيه. إذ إننا نرى أن هناك الكثير من الأدوات والوسائل التي يمكن أن تساعد اللغة العربية على أن تنتشر على ألسنة أكثر من مليار فرد وفي زمن قصير ووجيز، وبأقل تكلفة ومجهود. أرى أن القارئ الكريم قد أضاف إلى نظرة الحيرة كثيراً من الشك ، ولكن هيا بنا لنتفحص تلك الوسائل لكي نتبين مدى قدرتها على مساعدة اللغة العربية على الانتشار ؛ بل ومساعدة العديد من الجهات التي تهتم بالكسب المادي ـ فقط ـ ولا نقول بالمعرفة ولا الثقافة ، ولا أقول هذا من باب التهكم والتندر ، وإنما أقوله بعد أن علمت أن تعليم اللغة الإنجليزية أصبح يشكل جزءاً غير يسير من الاقتصاد البريطاني. فقمت بإحصاء الجهات التي يمكنها أن تستثمر في هذا الجانب لمساعدة اللغة العربية على التوسع والانتشار وبالتالي يعود عليهم ذلك بكثير من الربح الوفير :
1/ دور النشر:
أعتقد أن على جميع دور النشر في العالمين العربي والإسلامي أن تقوم بدور فعال في مجال تعليم اللغة العربية بين العرب الناطقين بالعربية ـ لمحو تلك الأمية البغيضة ـ وأن تنشط بشكل أكثر وأكبر في هذا المجال بين المسلمين من الناطقين بغير العربية ، ـ لاسيما وأنهم يشكلون نسبة عالية وكيبرة ـ ؛ مما سيعود على دور النشر بفائدة لا تقدر بثمن. لا شك أنه استثمار بعيد المدى ؛ ولكننا إذا نظرنا إلى الفائدة المرجوة للعربية ، والعائد المادي الذي سيعود على دور النشر منه ؛ إذاً لهان علينا الأمر ولاستصغرنا المبلغ المستثمر ولشعرنا بضآلة مجهود الذي بذلناه في سبيل خدمة لغتنا.
2/ الصحف:
لو علم أهل الصحافة في العالمين العربي والإسلامي بحجم الانتشار والرواج الذي ستجده صحفهم ومطبعاتهم لما توانوا عن بذل الكثير من الجهد من أجل الاستثمار في مجال نشر العربية.
3/ الكُتَّاب والكِتاب :
سيصيب هذه الفئة من الحب جانب لا يستهان به ، وستنتشر أعمالهم الأدبية والفنية وحتى العلمية على أوسع نطاق ممكن ، فبدل أن يقرأ للكاتب العربي بضعة آلاف من القراء أو حتى قل بضع مئات من الألوف ـ على أحسن الفروض ـ فسيقرأ إنتاجه ملايين من القراء ، وفي ظني أن الكتاب يطمحون إلى ما فوق ذلك بكثير ؛ لذلك أرى أن يتولى الكتاب هذه الحملة ويدعموها بكل قوتهم.
4/ المدارس والمدرسون:
هناك ما يقرب من مليار مسلم من الناطقين بغير العربية وهم متعطشون إلى تعلم اللغة العربية ، ولدينا في العالم العربي كم ضخم وهائل من خريجي اللغة العربية سواء أكانوا من خريجي أقسام كليات التربية أو الآداب بل في بعض الدول نجد كلية خاصة باللغة العربية وآدابها. فلم لا نستفيد من هذه الأعداد في نشر لغة الضاد بين أناس تتوق نفوسهم إليها وتهفو قلوبهم وألسنتهم إلى تعلمها والنطق بها.
5/ الفن والفنانون:
وأخص منهم ـ بالذكر ـ كل من اشتغل بفن التمثيل (مسرح ، سينما ، تلفزيون ، إذاعة) كذلك هناك المغنون والشعراء والموسيقيون ؛ هل تستطيع أن تتخيل حجم الانتشار والازدهار الذي سينعكس على الفنون من خلال ذلك الثراء الثقافي والمعرفي المتنوع والمنتشر بين مليار مسلم في سبع وخمسين دولة غالبية سكانها من المسلمين؟؟ قد لا تتمكن عقولنا من استيعاب حجم ذلك التغيير الذي سيحدثه تعلم اللغة العربية بين الناطقين بغيرها.
6/ الإذاعة والتلفزيون:
أحسب أنه سيحدث تبادل مصالح ضخم وهائل بين اللغة العربية ومحطات البث الفضائي (الإذاعة والتلفزيون والإنترنت) ؛ إذ إن العربية ستجد طريقها إلى الكثيرين من خلال الانتشار عبر هاتين الوسيلتين ؛ بينما ستستفيد المحطات الإذاعية وقنوات التلفزيون من ازدياد عدد مشاهديها ، وفي ذلك فائدة عظيمة لها مما ستجنيه من أرباح من خلال الإعلانات المدفوعة الأجر.
7/ الفقهاء ورجالات الدين:
لم نضع هذه الجماعة في خاتمة هذا المقال تقليلاً لمكانتهم بل لعلو كعبهم بيننا ورفعة قدرهم وشأنهم عندنا ؛ فهم ليست من أصحاب الكسب المادي الزائل وإنما هم ممن يحتسبون الأجر والثواب عند الله تعالى ؛ لأنهم يمثلون سدنة هذه اللغة وحماتها ورافعي رايتها ؛ ولأنهم يتشرفون بخدمتهم لهذه اللغة في كل زمان ومكان ـ تلك اللغة التي شرفها الخالق جلََّ علا بأن تحمل القرآن الكريم ـ. ولابد لما يقومون بتقديمه إلى العربية وبما يسدونه لها من خدمة ومن جهد عظيم عميم الفائدة ، سيعود بالخير على المسلمين كافة ؛ وذلك حينما تنتشر العربية في بلاد المسلمين جميعاً وينتشر معها القرآن العظيم. ففي ذلك خدمة لا تقدر بثمن للإسلام والمسلمين ، وأي فائدة أعظم وأجل من تلك يرجوها الفقهاء والعلماء.
أكرر مرة أخرى أنه استثمار بعيد المدى ، إلا أنه استثمار لا يقدر بثمن فمن أراد خير الدنيا والآخرة فعليه بهذا النوع من الاستثمار ، وقد ورد في الحديث الشريف (الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت) ، فيجب علينا أن نبذل كل غال ونفيس من العربية وأن لا نبخل عليها بجهد مهما قل (كمقالي هذا) أو كثر. كم تمنيت أن لو كان لسان منظمة المؤتمر الإسلامي (ثاني أكبر منظمة بعد الأمم المتحدة) هو العربية بدلاً من أن يسوده اللسان الإنجليزي والفرنسي.
...........
د. حسن محمد أحمد محمد: أستاذ مساعد (غير متفرغ) بقسم علم النفس – كلية الآداب – جامعة أم درمان الإسلامية
------------------
المصدر: شبكة ضياء: http://diae.net/54601
العربية- حسن محمد أحمد محمد
التصنيف الرئيسي:
التصنيف الفرعي: