إذا كانت الدراسات اللسانية قد قدمت تحليلات كثيرة لفهم آليات اشتغال الإنسان باللغة، فإن البيولوجيا حاولت أن تستفيد من ذلك لفهم طرق اشتغال الذهن البشري من خلال اللغة، وهذا الانتقال شكل ثورة حقيقية في مجال اللسانيات الإحيائية، أي أن مجال البحث انتقل من مستوى الوصف والتحليل إلى مستوى إدراك الذهن البشري، فكان لزاما علينا أن نبحث في الزمن باعتباره موضوعة تجريدية وزئبقية لا يمكن القبض عليها، فكانت النتيجة أن وجدنا أن الإنسان يملك مكانزمات ذاتية تساعده على إدراك المدة الزمنية وفق شبكة دلالية مقسمة على اللحظة والتواتر والورود والقياس الزمني والبضاعة...وهي تداعيات استعارية منبثقة من كون الكثير من تجاربنا وسلوكاتنا ذات أبعاد استعارية أكثر منها طبيعية، لذلك فإن بناء الأنساق الزمنية ترتبط بكيفية أو بأخرى بالنظام الاستعاري الذي تتيحه اللغة العربية لمتكلميها، الشيء الذي يدفعنا إلى تصور الزمن وكأنه نهر جارف أو وحش كاسر أو مال أو بضاعة أو طبيب ...باعتبارها تصورات تشكل الوجه الخفي للزمن من جهة، وتساعدنا على تشريح الزمن من منطلقات معرفية جديدة لا علاقة لها بالمستقبل أو الحاضر أو الماضي من جهة أخرى.
صدور كتاب (البنيات الدلالية للزمن في اللغة العربية: من اللغة إلى الذهن) لعبد الكبير الحسني
التصنيف الرئيسي:
التصنيف الفرعي: