ولقد توصل د. أحمد علوانى إلى أن أخبار الطفيليين تمثل وثيقة فنية لها دلالاتها الأدبية والاجتماعية والسياسية والتاريخية والثقافية، والطفيلى ـ بوصفه الشخصية المحورية داخل الأخبار ـ فى حجاجه واحتياله إنما يثور على المجتمع، فيخرج ليطلب حقه فى العيش فى قلب المجتمع، ولا عيشٌ بدون غذاء، حيث يمثل الطعام قضية جوهرية مطروحة فى أخبار الطفيليين، وموقف الطفيلى من الطعام هو موقف الإنسان الذى لا يجد ما يأكله، ومن هنا يرى أن حقه الطبيعى أن يأكل ليعيش، ونتيجة لذلك يطفل على غيره، وفى تطفيله لا ينفصل عن واقعه؛ بل يراقبه عن كثب، وينقده بطريقته الخاصة، ويحتال عليه بأساليبه المتنوعة، حيث يُقبل الطفيلى على الموائد والولائم ـ دون دعوة ـ في ثقة، فهو يمتلك قدرة تمكنه من التغلب على خصمه/صاحب الوليمة بالحيل العجيبة، وسرعة البديهة، والذكاء الوقاد، وخصوبة الخيال، وبراعة التنكر والتمثيل، إلى جانب قدرته على تخدير خصمه تخديرًا عقليًا، يقوم على المناظرة ومقارعة الحجة بالحجة، ومن ثمًّ يقف عقل الخصم عاجزًا عن التفكير، وهنا سيرضخ ويُذعن تاركًا الطفيلي يمر ليدخل فيأكل.
وقد يفتقد الطفيلي لصاحب الوليمة/المتلقي الذي يتجاوب مع حِجَاجه، فلا يجد من يقدر بلاغته البيانية وأساليبه الإقناعية، وفى هذه الحالة لن ينثني عن غايته، وهنا يستعيض عن الحجة بالقوة، ولا تعنى القوة أنه سيحارب ليفرض نفسه على الطعام، ولكنه سيحتال بطرق تمثيلية أخرى، ستجدها مطروحة بين دفتى هذا الكتاب الذى يجمع أخبار الطفيليين الواردة بالكتب التراثية، ويرصد بلاغتهم الحجاجية، ويكشف عن الأنساق الخطابية والأبعاد الحجاجية، التى تبوح بها أخبار الطفيليين وأشعارهم.