أعطاب التقويم التكويني في التنظير المؤسسي لمادة اللغة العربية بسلك الثانوي التأهيلي(المغرب)

غير أن القيام برحلة استكشافية عبر مستويات التوجيهات الرسمية٬ تثبت أن هذا المفهوم وهو يترسخ ويؤسس أصوله ومقولاته من مدخل المقاربة بالكفايات، لم يلبث أن تشقق وانتظم له ركم من المصطلحات يشتغل بها. لكن حدوده ومفاهيمه قد تناءت ضيقا حين استنباته وتنزيله في المنظومة التربوية المغربية.

فمن خلال تعاملنا مع هذا المفهوم، لا نغالي إن قلنا أنه في اغتراب دائم عن جسده المصطلحي . فله في كل أرضيه لغة مخصوصة (المنهاج ، المذكرات ، الكتاب المدرسي). فالأعطاب والاختلالات تمس المستويات المختلفة لبنية المنظومة التربوية، حيث نعاين بجلاء وجود خلل بنيوي حين إرساء مشروع التقويم التكويني - من مستوى التوجيهات الرسمية إلى مستوى الممارسة العملية - . فكل مستوى من هذه المستويات عامر بأسرمتنوعة من المفاهيم الناقصة التي تغير من كثافة مفهوم التقويم التكويني.

ومادام مقام القول لا يسمح بالتفصيل الدقيق والمهجري لأهم الاختلالات المتعلقة بأجرأة وتفعيل الشروط العلمية للتقويم التكويني ٬ نكتفي بفحص الوثائق والتوجيهات الرسمية الخاصة بمادة اللغة العربية بالثانوي التاهيلي بدءا من المنهاج .

فإذا كان المنهاج يزود النظام التعليمي بعدة التقويم ومستلزماته وفق مدخل المقاربة بالكفايات، فإنه لا يركز على الأهداف والكفايات النوعية المشتقة من الكفايات الممتدة من جهة، ولا يرسم الخطوط العريضة التي من شأنها تثمين دور الوضعيات في التعلمات والتقويم من جهة أخرى. ولعل هذا الأمر، من شأنه جعل التقويم مهمة جد ملتبسة وغير واضحة المعالم بسبب عدم الوعي بالإجراءات أوالخطوات اللازم اتباعها لبناء التعلمات المجزأة التي نستهدف تحويلها أو استثمارها من أجل تنمية الكفايات لدى المتعلم انطلاقا من وضعيات مركبة . يرجع السبب أيضا إلى عدم توفير المعلومات حول الأدوات والمفاهيم الخاصة بتغيير أساليب وصيغ التقويم التي من شأنها القطع مع الممارسات التقليدية المترسخة في لاشعور الساهرين على التقويم. ولا نغالي إن قلنا أن هناك تداخلا بين التقويم التكويني والمراقبة المستمرة، وأن عدم الوعي بالحدود الدقيقة بينهما من شأنه اختزال البعد التكويني للتقويم في المؤشرات العددية والمعدلات الخاصة بالمراقبة المستمرة.

وحتى لا نستبق الأحداث ونصدر أحكاما مسبقة، علينا أن نقر أن المنهاج يتصف عموما بطابع الشمولية والوحدة والتركيز على المبادئ الأساسية لفلسفة المجتمع وقيمه وتشخيصها، من خلال تحديد ملامح التخرج وتدقيق المضامين انطلاقا من الكفايات الواجب تنميتها، إضافة إلى الاهتمام بالتقويم. فالتخطيط على المستوى المركزي يكتفي بوضع اللبنات التأسيسية وتخطيط التقاسيم الأولية للتصور والنهج العام للمنظومة التربوية بالمغرب. غير أن المنهاج الرسمي العام ينبغي أن يتميز بنوع من المرونة وقابلية إعادة الصياغة عند محاولة تنفيذه وفق التوجيهات الرسمية والمذكرات الوزارية والكتب المدرسية بمراعاة خصوصيات وإمكانيات وظروف المناطق.

فهل استطاعت المذكرات الوزارية أجرأة مشاريع المنهاج وخاصة المشروع المتعلق بتطوير نظام التقويم التكويني؟ وهل هناك وعي بالحدود الدقيقة بين التقويم التكويني والتقويم المستمر (المراقبة المستمرة)؟ وهل تم التطرق للمنهجية العامة للتقويم التكويني؟ وما السبل الكفيلة بإشراك المتعلم في تقويم أعماله؟

من خلال معاينة المذكرات التالية : 7 و 142 و 02-7 و15 -7 و 02-142 و175 نستشف أن هناك هناك غموضا وتعتيما على مستوى القصدية الأولية من اختيار المراقبة المستمرة وإدراج البعد التكويني ضمنها. الأمر الذي يقود إلى صعوبة تحديد الوظيفة التربوية للتقويم التكويني داخل المؤسسات التربوية. فالمراقبة المستمرة تسمح بتقدير درجات نجاح التدريس والتعلم اعتمادا على النقط والمؤشرات العددية ، لأن وظيفتها تثمين العمليات التقويمية التي ينجزها الأستاذ مع تلاميذه . كما أن أهدافها متقاربة مع التقويم التكويني ما دام الاثنان يهدفان جمع معلومات حول سيرورة العملية التعليمية-التعلمية.

لكن القول بالعطف بينهما هو قول مردود، وادعاء التماثل بينهما ادعاء خاطئ، لأن هناك اختلافات دقيقة ينبغي مراعاتها عند اختيار كل واحد منهما. فالتقويم التكويني يهدف تشخيص الصعوبات والنجاحات التي تجسدها إنجازات المتعلمين في إضفاء مزيد من الوضوح والعمق على الدرس دون الاعتماد على المؤشرات العددية، وحين يلجأ لهذه الأخيرة فإن هدفها يكون الإخبار عن درجة تحكم المتعلم في تعليم معين وكشف صعوبات التعلم ووسائل تجاوزها . يهتم هذا النوع من التقويم بتتبع سيرورة التعلم. بخلاف المراقبة المستمرة، رغم بعدها التكويني، تتخذ أساسا لتقدير منجزات المتعلمين بنقطة عددية تحتسب في معدل النقطة النهائية للدورة.

بالرغم من صعوبة التمييز بين التقويمين، فإن القصدية البيداغوجية والوظائف التربوية لكليهما هو ما يسمح بوعي الفوارق بينهما. فبرنامج التقويم التكويني موسع، يتضمن برامج موازية للدعم والتقويم من جهة، ويحمل معلومات حول وضعية العمل التربوي من شأنها تكييف المناهج والبرامج البيداغوجية مع حاجيات التعلم من جهة أخرى. بالإضافة إلى أن التقويم التكويني في ظل مدخل المقاربة بالكفايات يشكل لحظة حوار تكويني وتحفيزي بامتياز، لأنه يطور أداء المتعلم ويقوي قدرته على التقويم الذاتي، ويأخذ بعين الاعتبار ملاحظاته وتعليقاته.

وإذا كانت المذكرات الوزارية قد حاولت التمييز بين التقويمين، فإنها ظلت في تحديدها لوسائل وأساليب التقويم التكويني غير مبالية بضرورة تدرجها عبر المستويات الدراسية، مع غياب أي تحديد للمنهجية العامة للتقويم التكويني وسبل إشراك المتعلم في التقويم والتصحيح الذاتيين.

على هذا الأساس يظل حضور التقويم التكويني باهتا في المذكرات الوزارية، كما أن الوعي بالفارق والاختلافات بين التقويمين لا زال مبهما وغير واضح، الأمر الذي يخلق اضطرابا على مستوى الوظيفة التربوية للتقويم التكويني . حيث يختزل البعد التكويني لهذا الأخير في المراقبة المستمرة التي ينغلق دورها-هي أيضا- في البعد الجزائي. فتضعف الأبعاد التربوية للتقويم التكويني. مما يبرر ردود أفعال التلاميذ وأوليائهم من تعثرات ومشاكل مست مصداقية التقويم.

على الرغم من ضعف حلقة التقويم التكويني على مستوى المذكرات الوزارية، فإن تحديد الكفايات المراد التحكم فيها والأهداف المشتقة منها، مع إنتاج وضعيات من أجل إنماء الكفايات المحددة وترجمة المضامين المرتبطة بالمواد الدراسية على شاكلة مهام في الكتب المدرسية، من شأنه إتاحة الفرصة لموقعة وتأطير التقويم ضمن سيرورة التعلم.

فإلى أي حد استطاعت الكتب المدرسية تفعيل مقتضيات التقويم التكويني الواردة بالميثاق والمنهاج من خلال تقليص الفجوة بين الكفايات والأهداف المحددة للبرنامج الدراسي؟ وإلى أي حد استطاعت الكتب المدرسية تعديل وتكييف التوجيهات الرسمية لتلائم حاجيات المتعلم؟ وبتعبير أدق، هل تتضمن الكتب المدرسية وضعيات ملائمة ومهاما يتعاطى معها المتعلم، تتوافق والمواد المدرجة بالكتاب المدرسي؟

من خلال دراستنا لبعض الكتب بالجذع المشترك، لاحظنا في بعض منهاإدراج مجموعة من الكفايات - في بداية الكتاب - والمطابقة لما ورد في المنهاج دون تحديد طبيعتها، أكانت نوعية أم مرحلية أم نهائية من جهة، مع غياب الكفايات المرحليةالخاصة بكل مجزوءة والأهداف المشتقة منها، الخاصة بكل نشاط دراسي من جهة أخرى. أما بالنسبة للكتب الأخرى، فقد تم إدراج الكفايات النهائية المنتظر التحكم فيها عند نهاية السنة مع تسطير الكفايات المرحلية الخاصة بكل مجزوءة. غير أن غياب الأهداف المشتقة من الكفايات المرحلية والخاصة بالأنشطة الدراسية من شأنه خلق فجوة بين القدرات والمهارات المستهدفة والمراد تضافرها من أجل السير تدريجيا نحو التحكم في الكفايات المنشودة. مما يخلق اضطرابا على مستوى المواضيع (معارف-مهارات...) المراد تقويمها انطلاقا من التعلمات الجزئية الواجب استيعابها وامتلاكها والتي تشكل شرطا لازما وإجباريا لبناء الكفايات المقومة فيما بعد.

وبالعودة إلى الكتب الدراسية الخاصة بالجذع المشترك، فإننا نستغرب المفارقة المنهجية المتبناة داخلها، فعلى الرغم من تصريحها بتبني بيداغوجيا الكفايات، فإنها لم تحرص على أجرأة ما تفرضه هذه البيذاغوجيا من وضع المتعلم أمام وضعيات ديداكتيكية لتعلم المعارف والمهارات الجديدة -خلال مرحلة التعلمات المجزأة- بغية إعداده لاستثمار تلك المكتسبات في سياق يختلف عن الأول. فحين يتعاطى المتعلم مع وضعيات مركبة تبرز من خلالها مدى تحكمه في الكفايات الضرورية إذا أراد الارتقاء في تعليمه المدرسي.

فخلال مرحلة التعلمات الجزئية – المرتبطة بالمكونات الثلاثة المذكورة بالكتب (علوم اللغة، التعبير والإنشاء، النصوص)- يلاحظ تواجد تحليلات فرعية لا تترك فرصة البحث والتعلم الذاتي. كما أن الأسئلة المذيلة لا تترك هامشا من الحرية للمتعلم، من خلال أخذ مبادرة البحث الذاتي في اتجاه الانتقال من المعطيات الظاهرة التي تقدم له نحو اكتشاف بعض المفاهيم أو القضايا العامة المرتبطة بالأهداف المنشودة للأنشطة. ولعل ما يعرقل سيرورة العمل طبيعة الأسئلة المصاغة والتي تأخذ – وفي كثير من الأحيان – شكل أجوبة مقدمة في صيغة استفهامية.

أما خلال الفترة المخصصة للتقويم والدعم عند نهاية كل مجزوءة، فإننا نندهش من الغياب-الشبه كلي – للوضعيات المركبة. فهذه الأخيرة، تعكس السيرورة الحقيقية لتعبئة المكتسبات التعليمية الجزئية من أجل توظيفها بطريقة مدمجة. لأنها المحك الحقيقي لتقويم مدى قدرة المتعلم على التعبئة الانتقائية والمدمجة للموارد المكتسبة من جهة، ومستوى تحكمه في المضامين والمهارات والقدرات التي تم تثبيتها خلال مقاطع التعلمات الجزئية من جهة أخرى.

يتبين من خلال هذه اللمحة التي لا تخلو من غلو وتعميم، أن الكتب المدرسية لم تواكب ما تصبو إليه التوجيهات الرسمية بخصوص الجودة وتنزيل مدخل المقاربة بالكفايات، مع افتقادها للشروط العلمية المجسدة لمفهوم التقويم التكويني: كالبناء المتدرج للكفايات والأهداف المشتقة منها، ناهيك عن الوضعيات المكافئة لها. ولعل انتفاء هذه الشروط من شأنه التقليل من فرص التقويم والتصحيح الذاتيين.

ٳن الرقي إلى مستوى الإرساء العلمي للمقاربة بالكفايات شديد الصلة بتفعيل أساليب التقويم خصوصا البعد التكويني، والذي يتوقف على مدى وعي المتعلم بوضعيات التعلم والتقويم التي ينخرط فيها.

إن الوعي بالرغبة في تحقيق الذات من خلال تحفيز وتقوية الرغبة الذاتية على االتعلم والتقويم بشكل متطور ومتجدد في الفصول الدراسية هو صمام الأمان ضد الفشل الذريع الذي يمكن أن يواجهه الإصلاح التربوي الجديد.

من هذه المنطلقات التحديدية يغذو التقويم التكويني الذي نعيشه ونمارسه بالفصول الدراسية ، عبارة عن سراب يكتنفه الغياب والنقص، لا يستقر على حال، وإنما يباشر الترحال ويخترق حجب المحال. فأي وعي جلي يمكنه مسايرة هذا الفضاء الخفي في غموضه وتشظيه؟

Air Jordan 1 Retro High OG 'Rust Pink' 861428-101 For Sale

التصنيف الرئيسي: 
شارك: