المقدمة :
الحمد لله الذي شرفني بدراسة لغة القرآن وهداني إليها ، وأنعم عليّ بتدبر كلامه العظيم. والصلاة والسلام على سيد الأنام أبي القاسم محمد ، القائل ، (أعوذ بالله من علم لا ينفع). اللهم انفعنا بعلمنا واجعله نافعاً ، ولا تجعلنا نتشاغل بعلم لا ينفع ، أو لا يرضيك. وعلى آله الطاهرين وصحبه أجمعين وسلّم تسليماً كثيراً وبعدُ.
فطالما أوقفتني بعض التراكيب في أسلوب القرآن الكريم ، التي تبدو متقاطعة مع قواعد النحو ومقاييسه، متدبراً اياها ، فهداني الله تعالى إلى أنها عدولات عن النظام النحوي العقلي المنطقي الذي وضعه البشر ، وليست عدولات عن نظام ( لغة القرآن الكريم ) تنضوي على دلالات اعجازية وأسرار بيانية ولمحات فنية جمالية. فعزمت على دراستها في ضوء النظام اللغوي للقرآن الكريم المعجز، بعد تتبعه في عناصر اللغة ومكوناتها ولاسيما في المجالين النحوي ( التركيبي ) والبلاغي (الأسلوبي).
ملتزماً منهجاً يؤسس على التحقيق من الأسس التي بنى عليها النحاة والبلاغيون قواعدهما في دراسة العدول عن المعايير الللغوية، لا العدول في مفهومه الواسع لدى البلاغيين ولاسيما الأسلوبيون المعاصرون الذين عدّوا منه ما لا يتقاطع مع القواعد النحوية كما في علمي المعاني والبيان ، وما نطلق عليه بالانزياح الدلالي من تصوير واستعارات ومجازات دلالية وغيرها.
محدداً النصّ القرآني ميداناً لدراسة العدول من غير خلطه بالمستويات اللغوية المختلفة كالقراءات القرآنية المشهورة منها والشاذة ، واللهجات العربية ، والضرورات الشعرية، والغريب، والشاذ وغيرها مما نجده مختلطاً في الموروثين النحوي والبلاغي في ضوء مناهج عقلية دخيلة على أنظمة اللغة العربية تتقاطع مع الدلالة القرآنية أحيانا. وأدى الى نتائج تربك الباحثين وتنأى بهم عن الجادة العلمية الرصينة وتفقدهم الجهد والوقت ما لا يتناسب مع قيمة النتائج التي يصلون إليها، ذلك إن بعضهم بنى دراسته على الموروث من غير تحقيق ، أو قلد الحديث الغربي من غير ملاحظة خصوصية النصّ القرآني ، فدرسه في ضوء مناهج لغوية مستقاة من لغات وآداب وثقافات ومعتقدات تنأى كثيراً عن النصّ القرآني ونظامه اللغوي المتماسك. وأكره لغة القرآن على قبول مناهج حديثة دخيلة وقديمة تلجا الى التأويل والتقدير في الغالب.
لذا اتبعت منهجاً يُبنى على التتبع والشمول والتقصي والتحقيق والاستفادة من المناهج القديمة والحديثة بحسب طبيعة الموضوع لا التقليد والمتابعة ، مركزاً على فكرة الموضوع الرئيسة ، متجنباً المقدمات المكررة والإطالة والإسهاب ما أمكنني ذلك محاولاً الاجتهاد في مواضع عديدة مستفيداً من التراكم المعرفي الذي يشهده عصرنا وتيسير الاتصال بالمواقع العلمية مما كان معدوماً لدى علماء العربية القدامى. فقد سئل يونس بن حبيب عن علم ابن أبي اسحق الحضرمي قال: " لو كان في الناس اليوم من لا يعلم إلا علمه يومئذٍ لضحك به "([1]).
مناهج دراسة العدول :
إنّ الدراسات القرآنية الأولى كانت تفسّر العدول عن المعايير اللغوية، في النص القرآني على انه من أساليب العرب ومجازاتها وسننها وطرائقها في كلامها الذي نزل القرآن بها ذلك أنهم فهموا من التحدي الذي وجهه القران الكريم للعرب أن لغة القران هي لغة العرب نفسها من غير اختلاف وهو استدلال منطقي ، فكانوا يقارنون بينه وبين الشعر القديم الذي لم يسلم من الوضع إلاّ نادراً.
أما المنهج النحوي فيعنى بالشكل والاطراد العقلي المنطقي ونظرية العمل ويلجأ إلى التأويل والتقدير والتعليل العقلي في الغالب ، ويعالج ما يعدل عن الأصول النحوية التي قررها النحاة من صور الجملة الاسمية والفعلية وملحقاتها ورتبة كل مكّون من مكوناتها ، ليعيد العبارة إلى أصولها ، لكنه لا يعمد إلى التفاصيل الفنية للمعنى كما لدى البلاغيين في منهجهم الفني الذي يعنى بتفاصيل الدلالة إلاّ إنه اعتمد على المنهج النحوي في تقدير الأصول اللغوية المفترضة من أصل القاعدة وأصل الوضع وأصل المعنى.
إنّ لغة القران مبنية على نظام خاص بها ، نظام استعمالي واحد منتشر في كل مستوياتها : الصرفي والنحوي والبلاغي وغيرها. يزيدها ترابطاً وتماسكاً بين مكوناتها اللفظية وبين دلالاتها من جهات مختلفة ، من خلال انسياقها في ضوء نظام واحد متجانس متعلق بعضه برقاب بعض ، وأقصد بالواحد إنّ النظام الصرفي يشبه النظام النحوي وكلاهما يشبهان النظام البلاغي وهكذا كل أنظمة مكونات لغة القران يحكمها( نظام المشابهة ) و يربطها النظام نفسه ويشد بعضها الى بعض ، وهذا سبب روعة أسلوب القرآن وجماله وتماسكه وعذوبة نغماته وترابط دلالاته مما بهر السامعين ولا سيما المتذوقين.
أما البلاغيون فقد اقتبسوا ( أصلاً ، نموذجاً، معياراً) ، من المنهج النحوي يقيسون عليه العدول ، "هو إن الأصل في كل جملة أن يكون لها ركنان أساسيان: (مسند ومسند إليه) ، والأصل أن يكونا مذكورين ظاهرين لا محذوفين ولا مضمرين. وأخذوا بأصول متعلقة بالرتبة والتضام مثل: الأصل في الكلام ، الرتبة المحفوظة...والأصل في المسند إليه ان تتقدم والمسند ان يتأخر... وأصل الجملة الاسمية الثبوت والجملة الفعلية التجدد..."([2]) وهلم جرّا.
أطلقوا عليه: (الاستعمال الأصولي) و (أصل الوضع) و ( مقتضى الظاهر) وغير ذلك. وأطلقوا على الخروج عليه: (العدول عن اصل القاعدة او اصل الوضع).
سأتناول تفسير القدامى لظواهر العدول عن المعايير النحوية والبلاغية ,ثم رأي الدكتور تمام حسان لأنه بناه على التراث النحوي والبلاغي في تفسير ظواهر العدول عن المعايير النحوية واللغوية , وقد تبعه جل المعاصرين. ثم أذكر تفسيرا جديدا في ضوء النظام اللغوي للعربية.
إلا أن المتأخرين عدّوا الخروج عن القياس النحوي ومقتضى الظاهر من أسباب قوادح البلاغة والغموض والتعقيد اللفظي والمعنوي([3]) ، وقد التمس الدكتور تمام حسن العذر لهم بقوله: "إنّ من الغريب ان يجعل البلاغيون من عناصر فصاحة اللفظ عدم مخالفة القياس. ولعل التماس العذر للبلاغيين من هذا التجاوز الظاهري ان يقال: ان القياس الذي قصده البلاغيون غير القياس الذي تكلم عنه النحاة ، فقياس البلاغيين قياس المتأخرين على كلام المتقدمين ، أما قياس النحويين فهو قياس ما ورد في التراث مما لم يسمع على ما ورد في التراث مما سمع ، فالمقيس عند النحاة من الفصيح ، والمقيس عند البلاغيين من أدب المتأخرين"([4]).
ومهما يكن من أمر فإن موقف البلاغيين مضطرب من اتخاذ النحو أصلاً يقيسون عليه بلاغة الكلام وفصاحته ، فقد اشترط جلّهم لشروط فصاحة الكلام ان تكون جارية على العرف النحوي في تأليف الكلام([5]). ومنهم ابن الأثير على الرغم من رأيه السابق فهو له أكثر من رأي في هذا الأمر([6]).
تصنيف العدول:
ثمة نوعان من العدول: العدول عن ظاهر اللفظ والتركيب أي في المبنى ، والعدول عن ظاهر المعنى. الاول نُعنى به في هذه الدراسة ، والبلاغيون والنقاد أكثر عناية بالثاني ولاسيما في علم البيان في مباحث الحقيقة والمجاز والكناية والاستعارة والصور البيانية([7]).
وكذلك في علم البديع فانّ جلّ عنايتهم فيه كانت بوصف التركيب او الاسلوب وإعطائه اصطلاحاً لغوياً يدل على معنى الاسلوب كالإيهام والاطراد والانسجام والاقتداء والاستدراك والتقسيم والتنكيت والتجريد والتريد والجمع والتفريق والقلب وما لا يستحيل بالانعكاس والمواربة والتورية والمذهب الكلامي وفصل الخطاب والتضمين والحمل على المعنى والالتفات وغيرها. وقد ذكر الدكتور احمد مطلوب منها مئات مع التداخل والتكرار([8]).
فالتضمين لدى البلاغيين والنقاد([9]) دلالي يذكر ضمن السرقات الشعرية والاستعارة وسموّه ايضاً تسميطاً وتوشيحاً واقتباساً ، وهو يختلف عن التضمين لدى النحاة إذ اهتمامهم به من الناحية اللفظية.
اما في علم المعاني وهو الذي اتخذ النحو منطلقاً لمباحثه في تشخيص العدول فيعني كثيراً بالعدول الدلالي. فالاستفهام والامر والنهي والنداء وغيرها ، اصول تخرج الى معانٍ مجازية تستفاد من السياق والقرائن أي عدول دلالي. فالاستفهام مثلاً يخرج الى اغراض مجازية منها: الاستبطاء والتعجب والنفي والتقرير والانكار والتهكم والتحقير والتعظيم وغيرها.
اما مباحث الحذف والزيادة والتقديم والتأخير والتعريف والتنكير وغيرهما من مباحث علم المعاني ، فقد عدّوها عدولات عن أصل مثالي مفترض ومنها نفذوا الى ملامح جمالية واسلوبية. والذي نراه انها ليست عدولات إلا عن واقع لغوي مثالي مقترح لكثرتها في اللغة والعدول خروج عن المستوى المألوف وهي تراكيب لغوية مألوفة إلا انها تحوي ملامح اسلوبية ودلالات ثانية يعني بها البلاغي.
أي بما يستتبع التراكيب النحوية من دلالات (المعاني الثانية) ، وهي سر انفعال السامع ودهشته([10]) وهي ان "تعقل من اللفظ معنى ثم يفضي لك ذلك المعنى الى معنى آخر"([11]). ويشترط لذوق ذلك والوقوف عليه ذائقة وموهبة فنية.
والعدول الدلالي هو الانزياح لدى المعاصرين في الغالب ، وقد اهتموا به أكثر من اهتمامهم بالعدول اللفظي.
ليس العدول الدلالي خروجاً عن النظام النحوي او الصرفي كما في العدول اللفظي ، كلاهما يؤدي معنى جديداً بليغاً. فإسناد الفعل الى غير فاعله الحقيقي كما في قوله تعالى ، (واشتعل الرأس شيباً) {مريم 5} تركيب مألوف يتفق مع النظام النحوي لكنه غير مألوف من الناحية الدلالية ، فالرأس لا يشتغل بالشيب ، لكنّ هذا التركيب الصحيح نحوياً المعدول دلالياً أدى معنى ثانياً بليغاً واسعاً لا يؤديه التركيب المألوف من الناحية الدلالية. فهو يدل على كثرة الشيب في الرأس وسرعة انتشاره.
وكقوله تعالى: ) وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ( (سورة البقرة:250) فقد توسع المعنى باختيار لفظه (أفرغ) وعبّرت تعبيراً فنياً بلاغياً جمالياً مؤثراً ينتبه له المتلقي لذلك أطلق الاسلوبيون على مثل ذلك منبهات اسلوبية واستجابات.
رأي الدكتور تمام حسان:
يرى الدكتور تمام حسّان: انّ الالتزام ب: (أصل الوضع) يعد أصولياً , يعتمد على القرائن. وربما لدواعِ أدبية وذوقية ونفسية ، ولإحداث تأثير معين يعدل عن الأصل فيصير (اسلوباً أدبياً) ذا تأثير. وهو عدول مقبول مستحب وذلك لان اللبس بتضافر القرائن وهي عنده: قرينة البنية ، وقرينة الرتبة ، والربط ، والتضام ، والإعراب ، والمطابقة ، والأداة ، والنغمة. حيث يسمح الترّخص في إحداها او أكثر إذا امن اللبس بتضافر القرائن الأخرى.
وضحّ ذلك بقوله: قد يجعل واحدة من القرائن زائدة على مطالب وضوح لمعنى لأن غيرها يُغني عنها فيكون الترخّص بتجاهل التمسك بهذه القرينة كالترخص في رفع الثوب ونصب المسمار في قول العرب: (خرق الثوبُ المسمار) أغنت قرينة التضام ، الى جانب قرائن أخرى كاسمية الفاعل ورتبته متأخراً عن الفعل وغيرها أمكن تجاهل دلالة الإعراب على المعنى النحوي.
واشترط للرخصة ان تكون مرهونة بمحلها فلا تصلح لان يقاس عليها ولا تبرر بها أخطاء المحدثين. وميّز بينهما وبين الضرورة فالأولى تقع في النثر اما الثانية ففي الشعر.
وعرّف الرخصة بأنها: "تركيب الكلام على غير ما تقتضي به القاعدة اتكالاً على أمن اللبس ، فان لم يؤمن اللبس نسب الكلام الى الخطأ لا الى الترخص"([12]).
فيعدل عن قرينة البنية عن استعمالها الأصلي بوسائل عدّه ، ذكر منها عدداً من ظواهر العدول هي: النقل والتضمين وتسخير اللفظ لتوليد المعنى الأدبي بواسطة جرسه او موقعه من الكلام- وتكرار اللفظ- والتنكير فالنقل كنقل المصدر الى استحالات فعل الأمر والموصولات من ما و اي الى معاني الشرط والاستفهام والاسم الجامد الى استعمال الاوصاف فيصير خبراً نحو (هذا رجلٌ) ونقل اللفظ من المعنى الأصلي الى المعنى المجازي ، وكتضمين الفعل اللازم معنى المتعدي والعكس واللفظ معنى لفظ آخر...([13]) وكذلك الحكاية والتنكير وتعميم الإشارة والموصل وإعطاء الضمير وظيفة أخرى كالشأن...
ويعدل عن قرينة التضام وهو مصطلح قديم استعمله استعمالاً حديثاً ، ويقصد بها الأصول التي جردها النحاة (الذكر ، الوصل ، الاختصاص نحوياً ومعجمياً...) وغيرها ويكون العدول عنها بـ (الحذف ، والفصل وفي عدم الزيادة وتجاهل الاختصاص والمجاز) كالفصل بين المتلازمين والاعتراض ويقصد بتجاهل الاختصاص كالحروف بدخولها على الأسماء او الأفعال وإضافة بعض الظروف الى الجملة الفعلية...
ويعدل عن قرينة الرتبة بالتقديم والتأخير وعن الإعراب بالجملة على الجوار والربط بالالتفات والتغليب وحذف الرابط وهكذا بقية القرائن بشرط ان يكون في أثناء الاستعمال الأدبي وامن اللبس أي الإفادة وسماه (العدول الاسلوبي) والذي لا يقاس منه أي الذي جاء في عصر الاستشهاد وليس بعده سماه (الرخصة) فميّز بينهما([14]).
وعرف الاسلوب العدولي بأنه "خروج عن اصل او مخالفة لقاعدة ولكن هذا الخروج وتلك المخالفة اكتسبا في الاستعمال الاسلوبي قدراً من الاطرّاد رُقيّ بهما الى مرتبة الأصول التي يقاس عليها..."([15]).
فكل قرينة من القرائن صالحة ان يترخص فيها وان يعدل عن الاعتماد عليها اما الترخص (فمغامرة فردية للفصيح من العرب القدماء لو تكررت من المعاصرين لحدث من قبيل الخطأ. وسرد أنواع العدول تحت هذا التفسير الشمولي وان كان يحمد له غربلة التراث مقسماً لظواهر اللغة في ضوء نظرة تكاد تكون شمولية.
ذكر الدكتور تمام حسان هذه الطروحات النظرية في اغلب كتبه وبحوثه منها (التمهيد في اكتساب اللغة العربية لغير الناطقين بها) وقد اشرنا الى كتبه الأخرى في الهوامش. وطبقها على النص القرآني في كتابه (البيان في روائع القرآن). وعلى النحو والصرف في كتابه (الخلاصة) ، وهو في نزوعه الى الجديد وتأثره بمناهج العرب كان اقرب الى الموروث والصق به من المناهج الغربية اسلوباً وافكاراً وطرحاً.
لقد كان الدكتور تمام حسان أكثر المعاصرين عناية بظواهر العدول. وقد تبعه كثير من المعاصرين. وقد افنى عمره على نظرية تفسير العدول نحوياً وبلاغياً لم تسلم من الافتراض العقلي على الرغم من نقده المنهج العقلي المعياري للنحاة والبلاغيين([16]) لاعتماده على نحو المتأخرين وكتب أصول النحو (العقلية) ولاسيما كتاب 0الانصاف في مسائل الخلاف) لابي البركات الانباري ، الذي اثبت البحث المعاصر عدم دقته في عرض مسائل الخلاف فضلاً عن مزجه بين النحو والمنطق والفقه والجدل وغيرها من العلوم العقلية([17]).
وتبعهم في الخلط بين مستويات اللغة: النص القرآني وقراءاته ، والضرورات الشعرية ، واللهجات والشواذ ، والأمثلة النحاة ، نحو: (خرق الثوبُ المسمارَ) و (أكل الكمثرى موسى) ، والشواهد المشكوك في روايتها ، بل اللغة اليومية المعاصرة احياناً لتأثره بالمنهج الوصفي الغربي الحديث ومحاولة تطبيق على العربية الفصحى([18]).
فهي محاولة وان بذل جهداً محموداً بها – نكيره- إنما هي تمثل وجهة نظره ، ولسنا ملزمين بالضرورة بالأخذ بها كما هي ، ذلك إننا نفسر العدول في ضوء نظام العربية.
لقد أراد د. تمام حسان من ذلك ان يجعل القرائن بديلاً من نظرية العامل للتخلص من المعيارية والشكلية وعدم الاهتمام بالمضمون والمعنى – كما يرى-([19]) في الموروث البلاغي والنحوي لكنها طريقة أعسر على المتعلمين عندما طبقها في كتابه (الخلاصة النحوية).
لقد توسع الدكتور تمام حسان بالقرائن وكان البلاغيون أكثر عناية بالقرينة الحالية او المقامية ، بل عدّوا البلاغة مراعاة هذه القرينة او ما سموّه بمراعاة مقتضى الحال او المقام ومطابقة الكلام لمقتضى الحال([20]) . لكن الدكتور تمام وضح هذه القرينة خير توضيح.
فالمقام عنده يضم "المتكلم والسامع والظروف والعلاقات الاجتماعية والأحداث الواردة في الماضي والحاضر ثم التراث والفلكلور والعادات والتقاليد والمعتقدات والخزعبلات([21]).
ان قضية الأصل والفرع ، او استصحاب الأصل والحال هي: أصل نحوي افتراضي منطقي استعمله ابن جني – وان لم يصرح به([22]). وقد صرّح ابو البركات الانباري بانه أخذه من أصول الفقه ، وهو اضعف أدلة النحو([23]). قال الدكتور عاطف فضل بان ابا البركات وضع هذه النظرية دون منازع وهي مسألة أصولية مطلقاً وقاعدة فقهية مطلقاً وفيها خلافات بين الفقهاء كثيرة([24]). فقد اختلفوا في حجية (استصحاب الحال) وضعفوها وردّوها ، بالنص القرآني والعقل والإجماع ، والاستقراء بالأخبار([25]).
واستصحاب الحال لغة: (طلب الصحبة) واستمرارها. اما اصطلاحاً فـ "إبقاء اللفظ على ما يستحقه في الأصل عند عدم دليل النقل عن الأصل"([26]).
وفي أصول الفقه: "ما ثبت في الزمن الماضي فالأصل بقاؤه في الزمن المستقبل ، وهو قولهم: الأصل بقاء ما كان حتى يقوم الدليل على تغيير حاله"([27]).
فالمعنى الشرعي له هو "عدم نقض اليقين بالشك" ، قال الإمام علي (كرم الله وجهه) "لا ينتقض اليقين بالشك" وقوله: "من كان على يقين فشك فليمحص على يقينه فان الشك لا ينقض اليقين" ، "وإنما تنقضه بيقين آخر". وفي الأخبار: "كل شيء هو لك حلال حتى تعلم انه حرام"([28]) ، لكن ما صلة ذلك بالنحو ونظام العربية. إلا انهم ربطوا استصحاب الحال بالمقام والحال ، والصلة بينهما في النحو والفقه غير جلية إلاّ بتكلف.
فهي قضية انحرف بها ابو بركات وجعلها منطقية معيارية بحتة. فالأصل فيها أوسع مما ضيقه ، حيث تلحظ نظام العربية مبني على أصول وفروع يحمل عليها لأن العربية ترجع الى أصول ثابتة كما تناولنا. فيقولون مثلاً الاسم أصل للفعل والحرف أنهما فرعان على الاسم لذا جعل التنوين دونهما ولأن الكلام لا يخلو منه دلّ على اصالته ويخلو منهما دلّ على فرعيتهما.
وان المشتق فرع عن المشتق منه لأنه "اقتطاع فرع من أصل"([29]). وغير ذلك ، فهل يمكننا القول بان الفعل والحرف عدول عن الأصل (الاسم) كما فسّروا العدول. اما قولهم (أضعف الأدلة فهو ينتقض بقولهم: (أحد الأدلة المعبرة) في النص الآتي:
لقد استعمل ابو البركات الانباري (استصحاب الحال) في الخلاف الجدلي الذي صنعه في عرض مسائل الخلاف بين البعد بين الكوفيين كما في خلافهم في (كم) بين التركيب والإفراد. ذهب البصريون الى انها مركبة وحجتهم "إن الأصل هو الإفراد ، والتركيب فرع ، ومن تمسك بالأصل خرج عن عهدة المطالبة بالدليل ومن عدل عن الأصل افتقر الى إقامة الدليل لعدوله عن الأصل واستصحاب الحال احد الأدلة المعتبرة"([30]).
وقالوا: "الاعتراض على الاستدلال بالاستصحاب بأن يذكر دليلاً يدل على زواله كأن يدل الكوفي على زواله اذا تمسك البصري به في بناء فعل الأمر ، فيبني ان فعل الأمر مقتطع من المضارع ومأخوذ منه ، والمضارع قد أشبه الأسماء وزال عنه استصحاب البناء وصار معرباً بالشبه ، فكذلك فعل الأمر ، والجواب ان بين ما توهمه دليلاً لم يوجد فبقي التمسك باستصحاب الحال صحيحاً".
ان تفسير المعاصرين للعدول – ومنهم الدكتور تمام حسان- في ضوء الاصل والفرع مأخوذ من قضية استصحاب الحال لدى المتأخرين([31]) ، وهي فكرة تهمل توجهاً اساسياً لدى بعض البلاغيين ممن يستنبطون من العدول اسراراً بلاغية ودلائل اعجازية.
نظرة في تفسير العدول:
إنّ العدول في النص القرآني ، ليس خروجاً أو خرقاً لنظام العربية كما يرى أكثر النحاة والبلاغيين ولاسيما المعاصرون إنما هو خروج على القياس النحوي لا الواقع الاستعمالي للنصّ القرآني، هو نظام العربية نفسه في أعلى درجاته الإبداعية البلاغية لتؤدي اللغة معاني لا تؤدى إلا في ضوء أنظمة العربية المختلفة: الصرفي والنحوي والبلاغي وغيرها. وهو أحد وجوه إعجاز القرآن وسرّ التحدي للبشر عامة الذين لم يبنوا لغاتهم على نظام مطّرد معجز.
وشرط تلمس هذا النظام وبناء هيكله ان تحدد الدراسة النص القرآني نفسه أنموذجا له من غير خلطه بالمستويات اللغوية الأخرى كالقراءات والحديث الشريف الذي خضع للوضع والدس عبر تاريخ طويل ، وكلام العرب من شعر ونثر وما يحوي من غريب وشاذ وضرورات ولحن وألغاز وغيرها.
ينماز نظام عربية القرآن بالحيوية والمرونة إذ يضيق ويتّسع بحسب الحاجة والمستوى اللغوي والمخاطِب والمخاطَب ونوع الخطاب وبحسب التطور الذي تخضع له اللغات فيستوعب التطور وما يصحبه من تغير لفظي ودلالي ، فيكون التطور في داخل النظام نفسه لتبقى لغة القرآن بمنأى عن التغيرات الزمانية والمكانية وتبقى الرسالة الإلهية كما أرادها الله تعالى خالدة ثابتة مع كل المتغيرات.
وكلما زاد حمل الكلام بعضه على بعض بُعداً بلغ دقةً دلالية وأدى أسرارا بيانية لا يفهما كل إنسان إلا المختصون باسلوب القرآن وأصحاب الذائقة الفنية كالزمخشري في تفسيره الكشاف.
ان سعة المعنى وتأثره بمؤثرات مختلفة ووضوحه وخفائه وتعقيداته وقوته وضعفه بحسب الرسالة التي يرسلها المبدع للتعبير عن تجربته النفسية وارتباطها بالمقامات والأحوال ، تتطلب نظاماً لغوياً مرناً يستوعبها ويعبّر عنها خير تعبير. وللتعبير عن المعنى وسائل عديدة واللغة بأنظمتها المتركبة خير وسائل التعبير عن المعنى ، ولاسيما نظام اللغة العربية وخير دليل على ذلك أنزل الله تعالى كتابه الكريم بها لتأدية معانٍ دقيقة وأسرار إلهية ، وإنشاء رسالة خالدة متحركة المعنى مع المتغيرات الزمانية والمكانية فوق الطاقة الاستيعابية للعقل الإنساني في بعض جوانبها ، والمعاني الروحية السامية المطّردة مع أنظمة الكون والحقيقة المطلقة ، وللتعبير عن الغيب الذي لم يطلع عليه الإنسان ، المتلقي المطلق في كل العصور للرسالة الخالدة. ولا تكفي المعرفة النحوية والبلاغية المعيارية لكشف عن نظام العربية.
هذه المعاني السامية يؤديها النظام البلاغي (الإبداعي-الاسلوبي) من أنظمة العربية التي تصدر من أسس وأصول واحدة ثم يتوسع فيها من خلال حمل الألفاظ والتراكيب والدلالات بعضها على بعض وتعلقها بعضها برقاب بعض وهذا من أهم مظاهر التوسع في المعنى والتصرّف بفنون القول.
لذلك قسّم من تناول الحمل على المعنى على قسمين قسم يتصل بالصناعة النحوية والصرفية او بالمباني والتراكيب كحمل النصب على الجر ، والجمع على التثنية وغيرها. وقسم يتصل بالأساليب كالحمل على المعنى والتضمين والتناوب وغيرها([32]) وهو دليل على ان نظام العربية واحد في المستويات اللغوية كلها ، مطرّد لا اختلاف فيه كما ان الكتاب العزيز لا اختلاف فيه.
قال ابن جني: "واعلم انّ العرب تؤثر التجانس والتشابه وحمل الفرع على الأصل"([33]) وقال: "اعلم انه ليس شيء يخرج من بابه الى غيره إلا لأمر كان وهو على بابه ملاحظاً له"([34]). وقال القزاز القيرواني: "كلام العرب أخذ بعضه برقاب بعض"([35]).
هذا النظام جعل ابن هشام في آخر كتابه المغني([36]) الذي أراد به أن يقنن قواعد مطردة للمعرب ، يضطر الى أن يعقد باباً يذكر فيه إحدى عشرة قاعدة تعترض قواعد الإعراب منها. "قد يعطي الشيء حكم ما أشبهه في معناه او في لفظه او فيهما"([37]) وسوف نستشهد لذلك في مبحث (العدول النظامي).
إن أنظمة العربية لتأدية المعاني الدقيقة كالموجات المائية عند سقوط حجر في الماء على شكل دوائر متشابهه متوسعة متداخلة لكنها كلها مرتبطة بالأصل المؤثر وهكذا ([38]) . أنظمة تصدر عن اصل واحد متوسعة متعلقة بعضها ببعض اصواتاً وبنى وتراكيب كلها تعبر عن المعنى المطلوب تعبيراً دقيقاً ، فالأصوات والحركات والسكنات والبنية والتركيب والترتيب وما يعتوره من حذف وزيادة وإعراب وغير كلها تؤدي معاني تعضد المعنى البليغ وتعطيه استمرارية كمعاني النص القرآني فالمعنى موزع بكل أجزاء أنظمة العربية.
ومهما يكن من أمر فلا يمكننا احتواء هذا النظام كله وأسراره ذلك انه نظام مفتوح غير منته كإعجاز القرآن الذي هو مفتوح غير متناه لا تحده حدود زمانية او مكانية ، لكن دراسته تقربنا الى فهم اللغة العربية وأسرارها وأسرار النص القرآني ، ويفتح أمامنا علوماً لغوية جمّة ويفسر لنا ظواهرها الكثيرة ويقلل الخلافات ولاسيما في تفسير العدول في النّص القرآني ، القديمة في ضوء القياس النحوي والحديثة الاسلوبية في ضوء نظريات الانزياح واختلافهم في اللغة المعيار له([39]) واتفاقهم على تقسيم اللغة على مستويين اللغة النفعية الايصالية والمستوى الإبداعي الفني البلاغي([40]) ولكن من غير معايير واضحة وأسس علمية منطقية ، وافتراض البلاغيين أصلاً منطقياً يقيسون عليه العدول.
شواهد العدول عن المعاييراللغوية:
- من الآيات مشكلة الإعراب التي تتقاطع مع قواعد النحو وأقيسته، تأويلهم جزم (أكنْ) في قوله تعالى: ) رب لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ( (سورة المنافقون: 10) بـ "أنه معطوف على موضع الفاء من (فأصّدق) ، فلما دخلت الفاء عملت في نصب (فأصدق) وبقيت (أكنْ) على حكمها"([41]).
- ومما اختلفوا فيه كثيراً قوله تعالى: ) قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى ( (سورة طه: 62- 63} قُرأت: (إنّ) بالتشديد ، وقد لحّنها بعضهم([42])، وقالوا: رفع (هذان) مع (إنّ) مخففة وهذا مبتدأ ، وساحران خبر واللام فارقة.
ويجوز أن يكون رفع (هذان) بالألف جرى مجرى من يعامل المثنى بالألف في حالات الرفع والنصب والجر([43]). كقول الشاعر مستعملا هذه اللهجة العربية:
إنّ أباها وأبا أباها
|
|
قد بلغا في المجد غايتاها |
- ومنه ما سموّه بالمدرج ، وهو "أن تجيء الكلمة إلى جنب أخرى كأنها في الظاهر معها. وهي في الحقيقة غير متعلقة بها"([44]). وقال ابن الجوزي: "وقد تأتي العرب بكلمة إلى جانب كلمة أخرى كأنها معها وهي غير متصلة بها. و في القرآن: {أنا راودته عن نفسه وانه لمن الصادقين} (يوسف 51) انتهى قولها ، فقال يوسف (ع): {ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب} (يوسف 52)([45]).وهو من الاساليب التي سموها بسنن العرب في كلامها.
وهذا التعليل من أشد التعليلات بعداً عن فهم النصّ القرآني واللغة العربية وعجزاً عن ردّ مطاعن أعداء الإسلام في القرآن الكريم ،أقصد ما سموّه (بسنن العرب) في كلامها وطرائقها ومجازاتها وعاداتها في الكلام وغير ذلك. وهو هروب عن التعليل العلمي المبني على النظام اللغوي القرآني واسلوب بلاغته العالية وأسرارها الفنية والجمالية. ناهيك عن المساس بإعجاز القرآن ونسبه إلى لغة الإعراب الذين لم يصل إلينا منهم نص مكتوب إلا بعد نزول القرآن ، وما وصل الينا منهم دوّنَ بعد قرنين من النزول([46]). والدليل على ذلك أنّ هذا التعليل قلّ من يعلل به بعد اكتشاف أسرار العربية والنص القرآني فقد اتجهوا الى التعليلات البلاغية والنحوية والاسلوبية وغيرها.
- قال تعالى: (( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ( (سورة البقرة:177) ، في الآية الكريمة شاهدان:
الأول: نصب اسم ليس: (البرَّ)
قرأها أكثر القراء السبعة بالرفع على أنها اسم (ليس)([47]) ، وقد لاحظنا أنّ العدول عن القياس النحوي في النص القرآني قرأ بالوجه الذي يتفق مع القياس النحوي بالقراءات المختلفة ، وإنْ كنا لم نستشهد بالقراءات لأنّ منهجنا استبعد القراءات وغيرها من المستويات اللغوية غير النصّ القرآني (الإمام) ، لكننا نشير هنا الى ان الشواهد القرآنية الكثيرة التي ورد فيها العدول عن المعايير اللغوية والنحوية، قد قُرأت بالوجه الذي يوافق القواعد النحوية في القراءات المختلفة.
ويبدو كانت القراءات احد التوجيهات للعدول في لغة القرآن وكأنها تصحيح للعدول بحسب الوجه النحوي لاعتقاد بعض القراء إن ذلك من عمل الكتاب.
أو يخرجونه على انه لهجة من لهجات القبائل العربية كقولهم في الآية الكريمة: (إنْ هذان لساحران) وغيرها.
أو يلجؤون إلى التأويل والتقدير من حذف وتقديم وتأخير وغيرها ، او لم يشيروا الى العدول في أثناء تفاسيرهم كالزمخشري الذي لم يتناول كثيراً من العدول على الرغم من ان العدول من اهتمام البلاغي. وكان الزمخشري في تفسيره (الكشاف) بلاغياً ، أكثر اهتماماً بالمعنى من الصنعة النحوية فهو لم يعالج نصب (البرَّ) وكذلك في أكثر الشواهد التي سنذكرها([48]). وكانت معالجته للعدول – في الغالب – على انه قُرء بقراءات توافق القياس النحوي.
قال ابو حيان : " من قرأ بنصب (البر) جعله خبر ليس و( أن تولوا ) في موضع الاسم، والوجه أن يلي المرفوع لأنها بمنزلة الفعل المتعدي وهذه القراءة من وجه اولى وهو أن. جعل فيها اسم ليس: (أن تولوا). وجعل الخبر (البّر) ، وأن وصلتها أقوى في التعريف من المعرّف بالألف واللام ، وقراءة الجمهور أولى من وجه ، وهو: ان توسط خبر ليس بينها وبين اسمها قليل " ([49]).
وأضاف ابن عرفة وجهاً آخر هو أن "التولية معلومة والبّر مجهول أي ليست التولية برّاً"([50]). وقال ابن عاشور: "يكثر في كلام العرب تقديم الخبر على الاسم في باب كان وأخواتها إذا كان احد معمولي هذا الباب مركباً من ان المصدرية وفعلها ، كان المتكلم بالخيار..."([51]).
فقد لجأوا إلى التأويل لتستقيم الصنعة النحوية ، فقدروا ترتيباً جديداً للتركيب لا يحتمله المعنى ، أكره النصّ عليه ، وقالوا بعلة واهية لهذا الترتيب هو (أن وصلتها) أقوى في التعريف من المعرّف بأل.
أما في ضوء نظام العربية الذي يبنى على (المشابهة وتعلق الكلام بعضه برقاب بعض) فإن (البّر) بالنصب على أن (ليس) محمولة على فعل ينصب الاسم بعده كأن المشبهه بالفعل او إحدى أخواتها والجامع بينهما (نسخ الجملة بعدهما) ولهذا الحمل دلالة ثانية أضافها الى الدلالة الأولى للتركيب او توسع بالمعنى أداه التوسع في التركيب في ضوء نظام ألمشابهه الذي تبنى عليه العربية بكل مستوياتها. فهي عملية تشبيه يمكن توضيحها بالآتي:
- المشبه: ليس
- المشبه به: إنّ
- الجامع بينهما: النسخ والفعلية الناقصة.
- الفائدة الدلالية (المعنى الثاني): التوكيد
وقد شبهها ابن درستويه بـ (ما) "أراد الحكم عليها بأنها حرف" لان (ليس) لا يتقدم خبرها على اسمها إلا نادراً. وقد ردّ ذلك أبو حيان([52]) 0
المعنى الثاني معنى بلاغي متحرك قد يختلف من متخصص باسلوب القرآن الى آخر. إلا إننا أردنا تطبيق نظام العربية في مستواه البلاغي على شواهد العدول في اسلوب القرآن الكريم بعد اثبات نظام المشابهة في العربية ، وهذا أولى من تأويل النحاة وتقديراتهم بحسب مناهجهم العقلية.
ولم يتعرّض بعض المفسرين لهذا العدول كالفراء والزمخشري وابن اجروم إمّا لانهم عدوه من المتشابه و تجنبوا الخوض فيه ، او لعدم قناعتهم بتوجيه النحاة له او غير ذلك([53]).
العدول الثاني في الشاهد المذكور: نصب (الصابرين) والظاهر انه معطوف على مرفوعات قبله. وعللوا ذلك بأنه انتصب على المدح. قال ابو علي الفارسي: "إذا ذكرت الصفات الكثيرة في معرض المدح والذم ، الأحسن أن تخالف بإعرابها ولا تجعلها كلها جارية على موصوفها ، لان هذا الموضع موضع إطناب في الوصف والإبلاغ في القول ، فإذا خولف إعراب الأوصاف كان المقصود أكمل ، لان الكلام عند الاختلاف يصير كأنه أنواع من الكلام ، وضروب من البيان ، وعند الاتحاد في الإعراب يكون وجهاً واحداً او جملة واحدة"([54]).
وقال ابن عاشور: "نصب على الاختصاص على ما هو المتعارف في كلام العرب في عطف النعوت من تخيير المتكلم بين الإتباع في الإعراب للمعطوف عليه وبين القطع...إذ لا يعرف ان المتكلم قصد القطع إلا بمخالفة الإعراب ، فأما النصب فبتقدير فعل مدح او ذم بحسب المقام ، والأظهر تقدير فعل أخص لأنه يفيد المدح بين الممدوحين والذم بين المذمومين"([55]).
وعن الكسائي: انه نُصبَ عطفاً على مفاعيل آتى ، أي وآتى المال الصابرين أي الفقراء المتعففين.
ومهما كان توجيه النحاة والبلاغيين لهذا الاسلوب فهو اسلوب ورد في ضوء نظام العربية بمستواه البلاغي كالآتي:
- المشبه: المعطوف
- المشبه به: المفعول به
- الوجه الجامع بينهما: التبعية
- الفائدة (المعنى الثاني): تنبيهاً على خصيصة الصابرين ومزية صفتهم التي هي الصبر.
لعل باحثاً غيرنا يرى وجهاً آخر للمشابهة في هذا الاسلوب أقرب مما ذكرناه ذلك ان بعض شواهد نظام العربية خفية وبعضها واضحة ولاسيما في الشواهد التي تناولناها في فصل (العدول النظامي) في ( الدكتوراه الثانية ) ، حمل الكلام بعضه على بعض يكون اكثر وضوحا في شواهد الحمل على المعنى والحمل على الموضع والعطف على المعنى والتضمين والتناوب والتخالف السياقي وغيرها.
نعود الى العدول الاول في الشاهد وهو حمل النواسخ بعضها على بعض في العمل والدلالة ، فقد استعمل اسلوب القرآن ذلك في مواضع عديدة ، لفوائد دلالية بلاغية أما الجامع بينهما فهو دخولها على الجمل ونسخ إعرابها والفعلية الناقصة.
- قال تعالى: ) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ( (سورة النور:51).
قال الزمخشري: قرئ بالرفع "والنصب أقوى ، لأنه أولى الاسمين يكون اسماً لكان اوغلهما في التعريف ، و (أن يقولوا) أوغل لأنه لا سبيل عليه للتنكير بخلاف (قول المؤمنين)([56]).
- ومثله قوله تعالى: ) وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ( (سورة الأعراف:82) .
قال الزمخشري: "يعني ما أجابوه بما يكون جواباّ عمّا كلمهم به لوط (ع)"([57]) والاسلوب اسلوب قصر أي لا جواب لديهم غير هذا لإصرارهم على الكفر.
ولم يشر الى هذا العدول وكذلك ابن اجروم ، ذكرا انه قرئ بالرفع دلالة على انّ أكثر القراءات كانت انسجاماً مع الوجهة النحوية.
- وكذلك رفع (الملائكة) في قوله تعالى: ) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ ( (سورة النحل:49) ، قطعها عمّا قبلها ولم يعطفها على (دابة) لخصوصية سجود الملائكة وتنزيههم – عليهم السلام عن الدواب..
- ومن شواهد العدول قوله تعالى: ) وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ( (سورة النحل:12) ، برفع النجوم ، والظاهر انها معطوفة على منصوب (الليل).
- وقوله تعالى: ) أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ((سورة التوبة: 3) معطوف على محل (إن) المكسورة واسمها([58]) فهو من باب الحمل على الموضع.
- وقوله تعالى: ) وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ( (سورة التوبة:72)، التقدير لدى الزمخشري، "وشيء من رضوان الله أكبر من ذلك كله([59]) وعلى هذا تكون الواو استئنافاً ، أي قطع عن العطف.
- وقد يأتي بعد الواو منصوب كقوله تعالى: ) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ( (سورة فاطر:33) ، قال الزمخشري في تفسير سورة فاطر: لؤلؤاً معطوف على محل (من أساور). وقدّر في تفسير سورة الحج على: (ويؤتون لؤلؤاً)([60]).
القول الأول أقرب الى نظام العربية ، والقول الثاني أقرب الى الصنعة النحوية.
- ومنه حمل جمع القلة على جمع الكثرة والعكس والجامع بينهما اشتراكهما بالجمعية. قال تعالى: ) وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ( (سورة البقرة: 228) (قروء) جمع كثرة ، ويرى النحاة هذا الموضع لجمع القلة (إقراء) ، قال الزمخشري "يتسعون في ذلك فيستعملون كل واحد من الجمعين مكان الآخر لاشتراكهما في الجمعية)([61]) ، ونقل الزركشي عن (أهل المعاني): إنما أضاف جمع الكثرة نظراً الى كثرة المتربصات([62]).
- وكذلك في سورة يوسف {آية 43 و46}: ) وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ ( جمع قلة. وفي سورة البقرة {آية 261} قال تعالى: ) كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ( (سورة البقرة: 261) ، قال ابن هشام: القياس (سنبلات) جمع قلة لكنهم يتوسعون في استعمال احدهما مكان الآخر لاشتراكهما في الجمعية. فالمشبه: جمع القلة والمشبه به: جمع الكثرة ، والسبب: الاشتراك في الجمعية ، أما التوسع بالمعنى (سبع سنابل) للدلالة على الكثرة مما يضاعفه الله تعالى للمنفقين.
- ومن شواهد العدول التي تدل على نظام العربية او التوسع في ضوئه قوله تعالى: ) وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ ( (سورة المدثر:6) ، برفع (تستكثر) والظاهر انه جواب طلب. قال الزمخشري: "مرفوع ، منصوب المحل على الحال. أي: ولا تعط مستكثراً رائياً لما تعطيه كثيراً أو طالباً لكثير"([63]) والخطاب للرسول (صلى الله عليه وسلم).
- وقوله تعالى: ) وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخَافُ دَرَكاً وَلا تَخْشَى ( (سورة طـه:77) ، والظاهر أن لا ناهية وكان حق الفعل بعدها الجزم. قال الزمخشري: "لا تكون الألف المتقلبة عن الياء التي هي لام الفعل ولكن زائدة للإطلاق من اجل الفاصلة"([64]) قد يكون حمل( لا) الناهية على (لا) النافية لاشتراكهما في النفي والحرفية ، لفائدة ان موسى عليه السلام منفي عنه الخوف كونه يؤمن بنصر الله تعالى.
قال الباقلاني في شواهد العدول عن القياس النحوي: "ويمكن ان يكون فَعَلَ ذلك (تعالى) ليحثَّ الأمة على حفظ كتابه وطرق إعرابه والفحص عن باقي ألفاظه لما أنزل فيه من هذه الوجوه الغريبة والأحرف الشاذة"([65]).
كل هذه الشواهد وغيرها التي تحوي عدولاً عن القياس النحوي إنما أريد بها وجهاً ومعنىً بلاغياً اعجازياً([66]) ادلى فيه بعض البلاغيين والمفسرين بدلاءٍ مختلفة وسمّاها البلاغيون اسراراً ثانية وصنّفوا فيها كتباً وبحوثاً كثيرة ولاسيما لدى المعاصرين فيما سمّي بالاسلوبية العربية الإسلامية كسيد قطب والرافعي والدكتورة عائشة بنت الشاطئ وغيرهم([67]) استلهموا فيها بعض التراث البلاغي ولاسيما الإمامين عبد القاهر والزمخشري ومن تبعهما. وكلها ايضاً وردت ضمن نظام العربية الذي يقوم على المشابهة وتعلق الكلام بعضه برقاب بعض ، وإنما خرج عن النظام النحوي المنطقي الافتراضي. لكن بيان ذلك يحتاج تدبراً وتمرّساً في معرفة أنظمة العربية الخاصة بها ، فبعضه ظاهر واضح ، وبعضه الآخر دقيق خفي لكنه لا يخرج عن ذلك النظام . قال تعالى: ) اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ( (سورة الزمر:23) .
لقد أشار الله تعالى في هذه الآية الكريمة التي اختلفوا في تفسيرها اختلافاً كبيراً ولاسيما في دلالة (كتاباً متشابهاً مثاني) أشار الى النظام المعجز الذي تبنى عليه عربية القرآن الكريم. وأشار أيضاً الى أن الوقوف عليه يشترط هداية من الله وتوفيقاً وموهبة. وان الوقوف على حقيقته الاعجازية (تقشعر منه الجلود) ويبدو تسمية (المتشابه) تشير الى نظام العربية أيضاً. والآية الكريمة من الشواهد الواضحة على المعنى الحركي في النصّ القرآني الذي لا ينقضي مع الزمن ولا تنتهي أسراره بحسب التدبر والدراسة وهداية الله تعالى ، فالمعنى الذي ذكرناه للآية الكريمة معنى جديداً والآية تحتمله احتمالاً واضحا والله اعلم ، نسأل الله الهداية والاّ نقول في كلامه شططاً والحمد لله رب العالمين.
الخاتمة:
ان النص القرآني ينساق في ضوء نظام معجز محكم ، يشبه بعضه بعضاً ويتعلق بعضه برقاب بعض في كل مكونات النص القرآني نجد النظام نفسه: الصوتي والصرفي والتركيبي والبياني والدلالي ، وكل هذه المكونات يحكمها النظام نفسه، وهذا سبب الترابط والتماسك والجمال والعذوبة والموسيقى الرائعة التي تحدّث عنها علماء إعجاز القرآن القدامى والمعاصرين ، و لكنهم لم يتناولوا نظام القرآن تناولاً كلياً بل كان تناولهم اياه تناولاً جزئياً.
وهذا النظام المعجزهو من أسباب حفظ القرآن منذ نزوله والى يومنا هذا من غير تغيير أو تطورلفظي في نصه ، فاللفظ ثابت والمعنى متحرك ، ذلك ان نظام القرآن يحوي المتغيرات الزمانية والمكانية.
وهو – كذلك – أهم وجه من وجوه إعجاز القرآن الكريم ، ذلك ان نظامه اللغوي يشبه نظام الكون المبني على التشابه والترابط أيضا، قال تعالى: {كل في فلك يسبحون} وهو دليل على أن خالق الكون هو قائل القرآن الكريم ، وهذا اثبات علمي لمعجزة نبينا الكريم (محمد) صلى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيرا ، ورد علمي على المعادين للاسلام ممن نسمع بهم عبر وسائل الاعلام هذه الأيام. والاية تقرأ من الجهتين اشارة الى معنى الاية الكريمة.
وقد فصّلت القول بنظام القرآن اللغوي في اطروحة الدكتوراه ( الثانية ) : ( العدول عن النظام التركيبي في أسلوب القرآن الكريم – دراسة نحوية أسلوبية )([68]) وذكرت شواهد قرآنية كثيرة عليه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العلمين هو حسبنا و نعم الوكيل.
المصادر و المراجع
- القرآن الكريم.
أولا: الكتب المطبوعة:
- الإتقان في علوم القرآن ، جلال الدين السيوطي (ت911هـ) ، تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم ، مكتبة المشهد الحسيني ، القاهرة ، (د.ت).
- أثر القرآن والقراءات في النحو العربي ، د. محمد سمير نجيب اللبدي ، دار الكتب ، الكويت 1978.
- أثر النحاة في البحث البلاغي ، د. عبد القادر حسين القطّ ، دار نهضة مصر ، القاهرة 1972.
- أسرار البلاغة ، الأمام عبد القاهر الجرجاني (471هـ) ، تحقيق محمد رشيد رضا ، ط1، دار المعرفة ، بيروت 2002.
- الأشباه والنظائر ، جلال الدين السيوطي (911هـ) ، ط3 ، دار الحديث للطباعة والنشر، بيروت 1984.
- الأصول ، دراسة ايبستيمولوجية للفكر اللغوي عند العرب ، د. تمام حسان، منشورات عالم الكتب ، القاهرة 2004.
- أصول التفكير النحوي ، د. علي أبو المكارم ، منشورات الجامعة الليبية ، دار الثقافة ، مطابع دار القلم ، بيروت 1973.
- أصول الشعر العربي ، ديفيد صموئيل مرجليوت ، ترجمة ابراهيم عوض ، دار الفردوس 2006.
- الأصول في النحو ، أبو بكر بن السراج (316هـ) ، تحقيق: د. عبد الحسين الفتلي ، ط2، مؤسسة الرسالة بيروت 1987.
- أطلس النحو العربي ، عباس المناصرة ، دمشق 2003.
- الإعجاز البلاغي في صيغ الألفاظ ، دراسة تحليلية للإفراد والجمع في القرآن ، د. محمد أمين الخفري ، ط1 ، مطبعة الحسين الإسلامية 2001.
- الإعجاز الصرفي في القرآن الكريم ، دراسة نظرية تطبيقية ، التوظيف البلاغي لصيغة الكلمة ، د. عبد الحميد احمد يوسف هنداوي ، المكتبة العصرية ، صيدا ، بيروت 2001.
- إعجاز القرآن ، أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني ، تحقيق: السيد احمد صقر ، دار المعارف ، مصر 1963.
- إعجاز القرآن والبلاغة النبوية ، مصطفى صادق الرافعي ، تحقيق: محمد سعيد العريان، مطبعة الاستقامة ، القاهرة 1952.
- درة التنزيل وغرة التأويل ، الخطيب الاسكافي (402هـ) ، منشورات دار الافاق الجديدة، ط1 ،بيروت1973.
- دفاع عن البلاغة ، احمد حسن الزيات ، ط2 ، عالم الكتب ، القاهرة1967.
- دلائل الإعجاز ، الإمام عبد القاهر الجرجاني (47هـ) ، ط1 ، تعليق وشرح: محمد عبد المنعم خفاجي ، مكتبة القاهرة ، مطبعة الفجالة بمصر 1969.
- روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني ، ابو الفضل محمود الألوسي ، (1270هـ) ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، (د.ت).
- الزينة في الكلمات الإسلامية العربية ، الشيخ ابو حاتم احمد بن حمدان الرازي (322هـ)، تحقيق: حسين بن فيض الله الهمداني ، ط1 ، مركز الدراسات والبحوث اليمني 1964.
- زيادة الحروف بين المنع والتأييد ، د. هيفاء عثمان ، ط1. بيروت
- سر صناعة الإعراب ، أبو الفتح عثمان بن جني (392هـ) ، ط1 ، تحقيق: محمد اسماعيل واحمد رشدي. منشورات محمد علي بيضون ، دار الكتب العلمية ، بيروت2000.
- سر الفصاحة ، ابن سنان الخفاجي (466هـ) تصحيح وتعليق: عبد العال الصعيدي ، مطبعة محمد علي صبيح وأولاده ، مصر 1953.
- شرح الاشموني على ألفية ابن مالك المسمى: (منهج السالك الى ألفية ابن مالك) ، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد ، ط2 ، مطبعة مصطفى البابي الحلبي1939.
- الصاحبي في فقه اللغة وسنن العرب في كلامها ، احمد بن فارس (395هـ) ، تحقيق: السيد احمد صقر ، مطبعة عيسى الحلبي ، القاهرة (د.ت).
- علوم البلاغة ، البيان والمعاني والبديع ، احمد مصطفى المراغي ، ط3 ، دار الكتب العلمية ، بيروت1993.
- العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، ابن رشيق القيرواني (456هـ) ، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد ، ط1 ، المكتبة التجارية الكبرى ، مطبعة حجازي ، القاهرة1934.
- الفلك الدائر على المثل السائر ، ابن ابي الحديد ، تحقيق: احمد الحوفي و د. بدوي طبانة، ملحق بكتاب (المثل السائر) ، دار نهضة مصر ، القاهرة، (د.ت).
- الفوائد المشوق الى علوم القرآن وعلم البيان ، ابن قيم الجوزية (751هـ)، دار الكتب العلمية ، بيروت (د.ت).
- القياس النحوي بين مدرستي البصرة والكوفة ، محمد عاشور السويح ، الدار الجماهيرية للنشر ، مصراته ، دار الكتب الوطنية ، بنغازي 1986.
- الكامل ، ابو العباس محمد بن يزيد المبرد (285هـ) ، تحقيق: محمد ابو الفضل ابراهيم ، والسيد شحاته ، دار نهضة مصر بالفجالة (د.ت).
- الكتاب ، ابو بشر عمرو بن عثمان سيبويه (180هـ) ، تحقيق: عبد السلام محمد ها رون ، مكتبة الخانجي ، القاهرة ، دار غريب للطباعة1988.
- نظام القرآن مقدمة في المنهج اللفظي ، السيد عالم سبيط النيلي ، ط2 ، مكتبة بلوتو ، بغداد 2003.
- نظرية اللغة في النقد العربي ، د. عبد الحكيم راضي ، مكتبة الخانجي ، القاهرة 1980.
- نظرية النحو العربي ، د. كمال شاهين ، ط1 ، دار الفكر العربي ، القاهرة 2002.
- نكت الانتصار لنقل القرآن ، ابو بكر الباقلاني (403هـ)، تحقيق: محمد زغلول سلام ، منشأة المعارف بالاسكندرية ، دار بور سعيد للطباعة 1971.
- النكت في إعجاز القرآن ، ابو الحسن علي بن عيسى الرماني (384 هـ)، ضمن كتاب (ثلاث رسائل في اعجاز القرآن) ، تحقيق: محمد خلف الله والدكتور محمد زغلول سلام، ط2 ، دار المعارف بمصر 1968.
- النيابة النحوية في القرآن الكريم وأنماطها ودلالاتها ، د. هادي نهر ، ط1 ، صنعاء 2002.
ثانياً: الدوريات :
- استصحاب الحال بين أصول الفقه وأصول النحو ، د. عاطف فضل محمد خليل ، مجلة جامعة ام القرى للعلوم الشرعية واللغة العربية وآدابها ، مج 18 ، ع16 ، ربيع الاول 1427هـ.
- تيسير النحو العربي بين المحافظة والتجديد (عباس حسن انموذجاً) ، د. حسن منديل حسن ، مجلة كلية التربية للبنات ، مج 13 ، ع 2 ، 2002.
- الحمل على النقيض في الاستعمال العربي ، د. خديجة احمد مفتي ، مجلة جامعة ام القرى ، ج 18 ، ع 30 جمادي الاولى 1425 هـ ، ص 337.
- اللغة العربية والحداثة ، د. تمام حسان ، مجلة فصول ، مج 4 ، ع3 ، 1984.
- من أسرار نقدية الفعل في القرآن الكريم ، د. يوسف عبد الله الانصاري ، مجلة ام القرى، ج15 ، ع27 ، جمادي الثاني 1424 ، ص 727.
- من أسرار نزع الخافض في القرآن الكريم ، د. يوسف الانصاري ، مجلة ام القرى ، ج 16 ، ع 28 ، شوال 1424 ، ص 711.
- نظرات في إعجاز القرآن ، د. حسن منديل حسن العكيلي ، مجلة كلية التربية للبنات ، ج2 ، 1962
ثالثاً: الرسائل والأطاريح :
- الانزياح في الموروث النقدي والبلاغي ، عباس رشيد الدرة ، اطروحة دكتوراه ، كلية الآداب ، جامعة بغداد 1997.
- الحمل على المعنى في العربية ، د. علي عبد الله العنبكي ، رسالة ماجستير، آداب المستنصرية 1986.
- الخلاف النحوي في ضوء محاولات التيسير الحديثة ، حسن منديل حسن ، اطروحة دكتوراه ، كلية الآداب ، الجامعة المستنصرية.
- السور المكية ، دراسة بلاغية اسلوبية ، عروبة الدباغ ، اطروحة دكتوراه، كلية التربية ، جامعة بغداد 1997.
[2] - الاصول 350 وتنظر تفصيلات اخرى ص 139 ، 143-145 واللغة العربية مبناها ومعناها 190- 230، واللغة العربية والحداثة 135-138 والبيان في روائع القرآن 1/229.
[7] - ينظر: البيان والتبيين 1/ 51 والعمدة 2/93 وتحرير التحبير 254.
[8] - في معجميه: معجم المصطلحات البلاغية ، ومعجم النقد الادبي.
[9] - ينظر: العمدة 1/171 والجامع الكبير 23 والاتقان 2/ 40.
[10] - التراكيب النحوية ، لاشين 92.
[11] - دلائل الإعجاز 203.
[12] - البيان في روائع القرآن 1/ 12- 13 ، واللغة العربية مبناها ومهناها 297.
[13] - ينظر: البيان 2/77- 96 ، 1/249 واللغة العربية والحداثة 139-142.
[14] - البيان 2/ 76.
[15] - نفسه 2/77.
[16] - ينظر: اللغة بين المعيارية والوصفية 97 ، 336 ، 339.
[17] - ينظر: ابو البركات الانباري في كتابه الانصاف ، د. محي الدين توفيق 97 ، زالانصاف والخلاف النحوي ، د. محمد خير الحلواني 37.
[18] - ينظر: اللغة العربية معناها ومبناها 342 ، 345.
[19] - المصدر نفسه 252-342.
[20] - الخصائص 1/38 ، والاشباه والنظائر 1/ 63 ، معجم الصطلحات البلاغية 243 ، واثر النحاة في البحث البلاغي 61.
[21] - اللغة العربية معناها ومبناها 252 ، 343.
[22] - نفسه 231
[23] - ينظر: الانصاف 14/ 112 ، والاصول 114.
[24] - استصحاب الحال بين اصول الفقه واصول النحو 330.
[25] - الاستصحاب 3 ، 86 ، 88.
[26] - الاعراب في جدل الاعراب 46 و لمع الادلة 142.
[27] - ارشاد الفحول 237 والمستصفى من علم اصول الفقه 223 ، واستصحاب الحال بين اصول الفقه واصول النحو 335.
[28] - الاستصحاب 9 ، 29 ، 7 ، 61 ، 86، 88، 134 ، 168 والوسائل 1/5 ، 8/3.
[29] - الاشباه والنظائر 1/ 53 ، 56.
[30] - الانصاف 40 ص/ 30 والتبيان 1/ 313 والاقتراح 113.
[31] - ينظر: المراغي 140.
[44] - البرهان 3 /94.
[45] - الاتقان 1 / 352.
[46] - ينظر: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام 8/ 264.
[47] - ينظر: البحر المحيط 2/ 131 والكشاف 108 والتحرير والتنوير 2/ 499 ، 3/ 500.
(3) ينظر: التصوير الفني في القرآن 193 وما بعدها و (في ظلال القرآن) ، مقدمة التفسير، وإعجاز القرآن والبلاغة النبوية 7 ، 32 والتفسير البياني 5.
[68] جامعة بغداد ، كلية التربية للبنات 2008.
Century 21 Stores Bankruptcy: Owes Money to Nike, Adidas, Michael Kors