الأبجدية العربيّة أقفلت شارع الحمرا"(جريدة النهار الّلبنانية). "شارع الحمراء يصالح شباب لبنان مع الّلغة العربيّة"(جريدة الحياة). "بيروت تحيي مهرجان لغة الضاد تحت عنوان "نحن لغتا": اجتمع الّلبنانيّون كباراً وصغاراً لنصرة العربيّة" (الشرق الأوسط...)
هذه نماذج من العناوين التي تصدّرت صفحات بعض الصحف الّلبنانية والعربية يوم الأحد في 27 حزيران/يونيو2010، أي صبيحة انتهاء "مهرجان الّلغة العربيّة" الذي أقامته مؤسّسة الفكر العربي بالتعاون مع جمعية "فعل أمر" يوم 26 حزيران، تحت شعار:" نحن لغتنا".
وقد شكّل مهرجان الّلغة العربيّة حلقة من حلقات "مشروع الإسهام في تطوير تعلّم الّلغة العربية"، الذي تبنّته مؤسّسة الفكر العربي مؤخراً ضمن مشروعها الكبير"عربي 21 "، الرامي إلى تعزيز الّلغة القومية ودعمها.
شراكة مؤسّسة الفكر العربي مع جمعية "فعل أمر" في تنظيم المهرجان وإطلاقه جاءت انطلاقاً من التقاء الأهداف. فهذه الجمعية الّلبنانية الناشئة، اتّخذت على عاتقها منذ تأسيسها في العام 2009، "نشر الثقافة العربيّة والحفاظ عليها بوصفها لغة وتراثاً، وربط إنتاج الشباب بالإنتاج الإبداعي الثقافي"، فيما عبّرت هذه الشراكة بالنسبة إلى مؤسّسة الفكر العربي عن روحية مشروع "عربي 21" بوصفه مشروعاً تربوياً وثقافياً يحمل رؤية نهضوية، ويتضمّن العمل مع أطراف متعدّدة للعمل على إيجاد قنوات وأدوات ثقافيّة تشجّع التعلّم والنموّ الثقافي للأطفال العرب والناشئة من خلال تشجيع القراءة بالّلغة العربية وتحفيز الإبداع ونشر المعرفة العلمية والممارسات الفضلى في تعلّم الّلغة العربية وتعليمها.
من لدن هذه الشراكة إذاً، انطلق المهرجان صباح يوم السبت في 26 يونيو 2010، وأُغلق شارع الحمراء أمام السيارات لغاية منتصف الّليل، ليتحوّل إلى مساحة حرّة للاحتفال بالّلغة الأم، بعد أن كانت الحروف قد تدلّت من الجسور ولوحات الإعلانات لأسابيع في مختلف المناطق الّلبنانيّة مروّجة لحدث هو الأول من نوعه في لبنان والعالم العربي: مهرجان خاص بالّلغة العربيّة...لغة تراثنا وديننا وحضارتنا... الّلغة التي يفترض أننا بها نتعلّم ونتثقف ونقرأ ونفكّر ونحبّ ونجادل ونناقش...
انطلق المهرجان/الحدث محقّقاً غاياته، ومن أبرزها: القضاء على أزمة الثقة التي يحياها العديد من الشباب والناشئة تجاه الّلغة الأم، خصوصاً أنهم يعتبرون مفاهيمها ومصطلحاتها غير صالحة إلا لمواضيع التاريخ والدين، وينفون علاقتها بكلّ ما يتعلق بمجالات الحياة العصرية، من علوم وفنون وآداب وإدارة وتكنولوجيا.
منذ صباح 26 يونيو الباكر توافد مئات الأطفال والشباب إلى الشارع، المسيّج هذه المرّة بشرائط صفراء تحمل شعار: "لا تقتل لغتك"، والممتلئ بأكثر من 150 فنّاناً وفنانة محمّلين بنتاجاتهم الفنّية المنسوجة بحبّ اللّغة العربية. وكان أول نشاط هو سباق الأحرف الذي شارك فيه عشرات الأطفال من مختلف المناطق الّلبنانيّة. فيما سعت دور النشر المشاركة، والتي توزّعت في ركن من أركان الشارع، إلى مخاطبة عقول الأطفال ومخيّلتهم بلغتهم الأم. فلم تكتفِ هذه الدور بعرض قصص الأطفال، بل سعت عبر نشاطات متنوّعة تقوم على الّلغة، كالقراءة وكتابة الأحرف وتلوينها ومحترف الدمى، إلى التواصل مع الأطفال بطرق مبتكرة تقرّبهم من الحرف العربي وترسّخه في ذاكرتهم. فيما تمّ توزيع دليل يحتوي على بعض ما نشر من قصص وكتب للأطفال بالّلغة العربيّة، وجالت مكتبة متحرّكة "كتباص" في شارع المهرجان محتضنةً الأطفال الذين جلسوا في داخلها يقرأون أجمل الحكايات، محلّقين في فضاء الأحرف العربيّة.
وعلى امتداد الشارع الذي توسطه مسرح المدينة توالت العروض، سواء في المسرح أم خارجه: عروض راقصة، مسرحيات للدمى، عروض يدور محتواها حول الّلغة العربية وجمالها، أفلام إبداعية، عروض فيديو، عشرات الّلوحات التشكيليّة التي تحتفل بالخطّ العربي، قصائد ردّدها عدد كبير من الشعراء، حكواتي، برنامج موسيقي مسائي للشباب أحيته مجموعة من الفنّانين الشباب، معرض صور فوتوغرافية... وغيرها الكثير من النشاطات التي نفّذها شباب متحمّس للفنون التراثية والمعاصرة، جمعهم عشقهم للّغة العربية، وقناعتهم بأن ما تشهده الّلغة العربيّة من مشاكل، وخصوصاً تلك المتمثّلة في تراجع استخداماتها بين الأجيال الشابة، لا تتعلّق بها، لأن الّلغة العربيّة غنيّة بالمفردات والمصطلحات التي لا تضاهيها فيها لغة أخرى، ولأن فيها من الجماليات الوصفية والإنشائية والصوتية ما يقدّمها على معظم الّلغات الحيّة الأخرى.
لقد سعى المهرجان إذاً، والذي لم يكن إلا مقدمة لإثبات أن العلّة ليست في الّلغة العربية، إلى تبيان إمكانية تكيّف هذه الّلغة مع العصر من خلال الفنون المعاصرة، وكسر الدائرة المفرغة القائمة بينها وبين والنتاج الإبداعي والثقافي، بما يجعل النتاج الإبداعي منعشاً لّلغة وكاشفاً عن حقيقتها الجمالية، وبما يجعل من الّلغة كذلك غذاءً لهذا النتاج، تغنيه وتقرّبه من جميع ميادين التفاعل الاجتماعي...
ولم تخب ظنون المنظّمين والمشاركين الذين أرادوا إحياء الّلغة العربيّة فكانت الاستجابة الكبيرة من زوار المهرجان، والنجاح الباهر الذي حقّقه بمثابة تأكيد على أننا "نحن لغتنا" لأننا بها نحيا وباحتضارها نفنى.
----------
المصدر : مؤسسة الفكر العربي:
http://www.arabthought.org/index.php?option=com_content&task=view&id=375...