تطيب لي المشاركة برائعة "حافظ إبراهيم" التي يتحدث بها بلسان العربية معاتبةً أبناءها، ممن هجرها أو انتقصها، أولئك الذين لم يعطوا العربية حقها، فاكتفوا بالنظر إليها من بعيد ثم الحكم عليها بأنها لغة جافة جامدة لاتصلح لهذا العصر!
قال حافظ إبراهيم... أو قالت "العربية":
رَجَعتُ لِنَفســــــي فَاِتَّهَمــتُ حَصــــاتي وَنادَيتُ قَومي فَاِحتَسَبتُ حَياتــــي
رَمَونـــي بِعُقمٍ في الشَبـــــابِ وَلَيتَنــــي عَقِمتُ فَلَم أَجــــزَع لِقَولِ عُداتـــي
وَلَــــــدتُ وَلَمّــا لَم أَجِــــــد لِعَرائِســــي رِجالاً وَأَكفــــاءً وَأَدتُ بَنــــــــاتي
وَسِعـــتُ كِتـــــابَ اللَهِ لَفظــــاً وَغايَـــةً وَما ضِقتُ عَن آيٍ بِهِ وَعِظــــاتِ
فَكَيفَ أَضيقُ اليَـــومَ عَن وَصفِ آلَــــةٍ وَتَنسيــقِ أَسمـــاءٍ لِمُختَرَعــــــاتِ
أَنا البَحـــــرُ في أَحشـــــــائِهِ الدُرُّ كامِنٌ فَهَل سَأَلوا الغَوّاصَ عَن صَدَفاتـي
فَيا وَيحَكُــــــم أَبلى وَتَبلـــى مَحاسِنـــي وَمِنكُم وَإِن عَــزَّ الدَواءُ أَساتـــــــي
فَــــــلا تَكِلونـــــي لِلزَمـــــانِ فَإِنَّنــــــي أَخــافُ عَلَيكُم أَن تَحيـــنَ وَفاتــــي
أَرى لِرِجــــــالِ الغَربِ عِزّاً وَمَنعَـــــةً وَكَم عَزَّ أَقـــــوامٌ بِعِــــزِّ لُغــــــاتِ
أَتَـــــــوا أَهلَهُــــم بِالمُعجِـــزاتِ تَفَنُّنــــاً فَيـــــا لَيتَكُم تَأتــــــونَ بِالكَلِمـــــاتِ
أَيُطرِبُكُم مِن جـــــــانِبِ الغَربِ نـاعِبٌ يُنــــــادي بِوَأدي فـي رَبيعِ حَيــاتـي
وَلَو تَزجُـــرونَ الطَيـــرَ يَومـــاً عَلِمتُمُ بِما تَحتَـــــهُ مِن عَثـــــرَةٍ وَشَتــــاتِ
سَقى اللَهُ في بَطنِ الجَزيـــرَةِ أَعظُمـــاً يَعِزُّ عَلَيهـــــــا أَن تَليـــــــنَ قَنــــاتي
حَفِظنَ وِدادي في البِــــلى وَحَفِظتُــــــهُ لَهُنَّ بِقَلـــــبٍ دائِــــــمِ الحَسَـــــــراتِ
وَفاخَرتُ أَهلَ الغَربِ وَالشَرقُ مُطرِقٌ حَيــــــاءً بِتِلكَ الأَعظُـــــــمِ النَخِـراتِ
أَرى كُلَّ يَـــــومٍ بِالجَــــرائِدِ مَزلَقــــــاً مِنَ القَبــــرِ يُدنيني بِغَيــــــرِ أَنـــــــاةِ
وَأَسمَعُ لِلكُتّابِ في مِصـــــــــرَ ضَجَّةً فَأَعلَمُ أَنَّ الصــــــائِحينَ نُعـــــــاتــــي
أَيَهجُرُني قَومي عَفــــــــا اللَهُ عَنهُــــمُ إِلى لُغَــــــةٍ لَم تَتَّصِـــــــلِ بِــــــــرُواةِ
سَرَت لوثَةُ الإِفرِنجِ فيها كَما سَــرى لُعــــــابُ الأَفــــــاعي في مَسيلِ فُراتِ
فَجاءَت كَثَـــــوبٍ ضَمَّ سَبعيــنَ رُقعَةً مُشَكَّـــــلَةَ الأَلــــــوانِ مُختَلِـــــفــــــاتِ
إِلى مَعشَرِ الكُتّـــابِ وَالجَمــــــعُ حافِلٌ بَسَطـــتُ رَجائي بَعدَ بَسطِ شَكــــــاتي
فَإِمّا حَيــــــاةٌ تَبعَثُ المَيتَ في البِـــلى وَتُنبِتُ في تِلكَ الرُمــــوسِ رُفـــــاتــــي
وَإِمّــــــا مَمــــــــاتٌ لا قِيـــــامَةَ بَعدَهُ مَماتٌ لَعَمـــــــري لَم يُقَـــس بِمَمــــــاتِ
في شهر ذي الحجة الماضي استضاف كرسي الدكتور عبدالعزيز المانع لدراسات اللغة العربية وآدابها بجامعة الملك سعود، الدكتورَ عبدَالله الدنَّان لإقامة محاضرة حول "نظرية اكتساب اللغة بالفطرة والممارسة"، وكان ضمن ماقال: أنَّ علماء اللغة في [.....]* حددوا مدة خمسين سنة لانقراض اللغة العربية!
أعتقد أنَّ هذا الرقم مبالغ فيه جدًّا، فلا يمكن للغة قائمة (مكتوبة ومنطوقة + هناك أكثر من عشرين دولة تعتمدها كلغة رسمية + أكثر من نصف مليار شخص يتحدثها حول العالم) أن تنتهي في خمسين سنة!
أما إذا ما تحولت إلى لغة ثانية أو ثالثة في البلدان العربية وتوقف تعليمها في المدارس لغير ذوي الاختصاص فأعتقد أن 200 سنة كفيلة بجعلها رطانة لا تفهم، وماتم تدوينه منها: طلاسم لايفكها إلا عالم خبير باللغة نحوًا وصرفًا وبلاغةً، وأشدد على البلاغة؛ لأن العربية لغة مجاز من الدرجة الأولى!
-----------
* النقط بين المعقوفين اسم دولة أو معهد ذَكَرَهُ الدكتور الدنان، ونَسِيتُهُ.